التيسير في التفسير للقرآن - ج ٨

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٨

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٤

سورة التغابن

* س ١ : ما هو فضل سورة التغابن؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من قرأ سورة التغابن في فريضة كانت شفيعة له يوم القيامة ، وشاهد عدل عند من يجيز شهادتها ، ثم لا تفارقه حتى تدخله الجنة» (١).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «من قرأ المسبحات كلها قبل أن ينام لم يمت حتى يدرك القائم عليه‌السلام ، وإن مات كان في جوار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (٢).

ومن (خواصّ القرآن) : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «من قرأ هذه السورة دفع الله عنه موت الفجأة ، ومن قرأها ودخل على سلطان يخاف بأسه ، كفاه الله شرّه» (٣).

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١)) [سورة التغابن : ١]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي : قد فسرنا معنى قوله (يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) وأن المراد بها ما في خلق السماوات والأرض ، وما فيهما من الأدلة الدالة على توحيده وصفاته التي باين بها خلقه ، وأنه لا

__________________

(١) ثواب الأعمال : ص ١١٨.

(٢) ثواب الأعمال : ص ١١٨.

(٣) خواص القرآن : ص ١٠ «مخطوط».

١٠١

يشبهه شيئا ولا يشبهه شيء وأنه منزه عن القبائح وصفات النقص ، فعبر عن ذلك بالتسبيح من حيث كان معنى التسبيح التنزيه لله عما لا يليق به. وقوله (لَهُ الْمُلْكُ) معناه إنه المالك لجميع ذلك والمتصرف فيه بما شاء ، ولا أحد يمنعه منه ، وله الحمد على جميع ذلك ، لأن خلق ذلك أجمع للإحسان إلى خلقه به والنفع لهم فاستحق بذلك الحمد والشكر (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) يعني مما يصح أن يكون مقدورا له ، فلا يدخل في ذلك مقدور العباد ، لأنه يستحيل أن يكون مقدورا لله (١).

* س ٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢)) [سورة التغابن : ٢]؟!

الجواب / قال زرارة : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : ما تقول في مناكحة الناس؟ فإني قد بلغت ما تراه ، وما تزوجت قط ، فقال : «وما يمنعك من ذلك؟» فقلت : ما يمنعني إلا أنني أخشى أن لا تحل لي مناكحتهم ، فما تأمرني؟

فقال : «وكيف تصنع وأنت شاب ، أتصبر؟» قلت : أتّخذ الجواري. فقال : «فهات الآن ، فبما تستحلّ الجواري؟» قلت إنّ الأمة ليست بمنزلة الحرة ، إن رابتني بشيء بعتها واعتزلتها. قال : «فحدثني بما استحللتها؟» قال : فلم يكن عندي جواب. فقلت له : فما ترى ، أتزوّج؟

فقال : «ما أبالي أن تفعل».

قلت : أرأيت قولك : ما أبالي أن تفعل ، فإن ذلك على وجهين ، تقول :

__________________

(١) التبيان : ج ١٠ ، ص ١٨.

١٠٢

لست أبالي أن تأثم من غير أن آمرك ، فما تأمرني ، أفعل ذلك بأمرك؟ فقال لي : «قد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تزوج ، وقد كان من امرأة نوح وامرأة لوط ما قد كان ، إنهما كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين».

فقلت : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس في ذلك بمنزلتي ، إنما هي تحت يده وهي مقرّة بحكمه ، مقرّة بدينه.

قال : فقال لي : «ما ترى من الخيانة في قول الله عزوجل : (فَخانَتاهُما)(١) ما يعني بذلك إلا الفاحشة ، وقد زوج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلانا».

قال : قلت : أصلحك الله ما تأمرني ، انطلق فأتزوج بأمرك؟ فقال لي : «إن كنت فاعلا فعليك بالبلهاء من النساء»

قلت : وما البلهاء؟

قال : «ذوات الخدور والعفائف».

قلت : من هي على دين سالم بن أبي حفصة؟

قال : «لا»

قلت : من هي على دين ربيعة الرأي؟

فقال : «لا ، ولكن العواتق اللاتي لا ينصبن كفرا ، ولا يعرفن ما تعرفون».

قلت : وهل تعدو أن تكون مؤمنة أو كافرة؟

فقال : «تصوم وتصلّي وتتقي الله ولا تدري ما أمركم».

فقلت : قد قال الله عزوجل : (الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) لا والله لا يكون أحد من الناس ليس بمؤمن ولا كافر. قال : فقال أبو

__________________

(١) التحريم : ١٠.

١٠٣

جعفر عليه‌السلام : «قول الله أصدق من قولك يا زرارة ، أرأيت قول الله عزوجل : (خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ)(١)؟ فلما قال : «عسى»؟ فقلت : ما هم إلا مؤمنين أو كافرين.

قال : فقال : «فما تقول في قوله عزوجل : (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً)(٢) إلى الإيمان» فقلت : ما هم إلا مؤمنين أو كافرين ، فقال : «والله ما هم بمؤمنين ولا كافرين».

ثم أقبل علي ، فقال : «ما تقول في أصحاب الأعراف؟»

فقلت : ما هم إلا مؤمنين أو كافرين ، إن دخلوا الجنة فهم مؤمنون وإن دخلوا النار فهم كافرون.

فقال : «والله ما هم بمؤمنين ولا كافرين ، ولو كانوا مؤمنين لدخلوا الجنة كما دخلها المؤمنون ، ولو كانوا كافرين لدخلوا النار كما دخلها الكافرون ، ولكنهم قوم استوت [أعمالهم و] حسناتهم وسيّئاتهم ، فقصرت بهم الأعمال ، وإنهم لكما قال الله عزوجل».

فقلت : أمن أهل الجنة هم ، أم من أهل النار؟ فقال : «اتركهم حيث تركهم الله».

قلت : أفترجئهم؟

قال : «نعم ، أرجئهم كما أرجأهم الله ، إن شاء أدخلهم الجنة برحمته ، وإن شاء ساقهم إلى النار بذنوبهم ولم يظلمهم».

فقلت : هل يدخل الجنة كافر؟

قال : «لا».

قلت : فهل يدخل النار إلا كافر؟ قال : فقال «لا ، إلا أن يشاء الله. يا

__________________

(١) التوبة : ١٠٢.

(٢) النساء : ٩٨.

١٠٤

زرارة ، إنني أقول ما شاء الله ، وأنت لا تقول ما شاء الله ، أما إنك إن كبرت رجعت وتحللت عنك عقدك» (١).

وقال الحسين بن نعيم الصحاف : سألت الصادق عليه‌السلام عن قوله : (فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) ، فقال : «عرف الله عزوجل إيمانهم بولايتنا وكفرهم بتركها يوم أخذ عليهم الميثاق وهم في عالم الذر وفي صلب آدم عليه‌السلام» (٢).

وقال علي بن إبراهيم : هذه [الآية] خاصة في المؤمنين والكافرين (٣).

* س ٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (٣) يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٤) أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٥)) [سورة التغابن : ٣ ـ ٥]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي : ثم قال : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) بمعنى اخترعهما وأنشأهما (بِالْحَقِ) أي للحق وهو أنه خلق العقلاء تعريضا لهم للثواب العظيم ، وما عداهم خلق تبعا لهم لما فيه من اللطف ، وهذا الغرض لا يتأتى إلا على مذهب العدل ، وأما على مذهب الجبر فلا. (وَصَوَّرَكُمْ) متوجه إلى البشر كلهم (فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) معناه من الحسن الذي يقتضيه العقل لا في قبول الطبع له عند رؤيته ، لأن فيهم من ليس بهذه الصفة. وقال قوم : لا بل هو من تقبل الطبع لأنه إذا قيل : حسن الصورة لا يفهم منه إلا تقبل الطبع ، وسبيله كسبيل قوله (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ

__________________

(١) الكافي : ج ٢ ، ص ٢٩٥ ، ح ٢.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٧١.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٧١.

١٠٥

تَقْوِيمٍ) وإن كان فيهم المشوه الخلق لأن هذا عارض لا يعتد به في هذا الوصف. والله تعالى خلق الإنسان على أحسن صورة الحيوان كله. والصورة عبارة عن بنية مخصوصة كصورة الإنسان والفرس والطير وما أشبه ذلك. ثم قال (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) يعني إليه المرجع يوم القيامة وإليه المآل. ثم قال (يَعْلَمُ) يعني الله تعالى بعلم (ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) من الموجودات (وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ) أي ما تظهرونه وما تخفونه. وقيل : ما يسره بعضكم إلى بعض وما تخفوه في صدوركم عن غيركم. والفرق بين الإسرار والإخفاء أن الإخفاء أعم لأنه قد يخفى شخصه وقد يخفى المعنى في نفسه والإسرار والمعنى دون الشخص (وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) معناه وهو عالم بأسرار الصدور وبواطنها. ثم خاطب نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمؤمنين فقال (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ) يعني من قبل هؤلاء الكفار (فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ) أي بما سلطه الله عليهم بأن أهلكهم الله عاجلا واستأصلهم (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) أي مؤلم يوم القيامة (١).

* س ٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(ذلِكَ بِأَنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللهُ وَاللهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (٦)) [سورة التغابن : ٦]؟!

الجواب / قال سويد السائي : سألت العبد الصالح عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (ذلِكَ بِأَنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) ، قال : «البينات هم الأئمة عليهم‌السلام» (٢).

أقول ، قوله : (فَقالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا) وبهذا المنطق عصوا وكفروا (فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا) والله في غنى عن طاعتهم (وَاسْتَغْنَى اللهُ) فطاعتهم

__________________

(١) التبيان : ج ١٠ ، ص ١٨.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٧٢.

١٠٦

لأنفسهم وعصيانهم عليها و (اللهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ).

* س ٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ وَذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (٧)) [سورة التغابن : ٧]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي : ثم حكى ما يقول الكفار فقال (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا) بالله وجحدوا رسله فقال المؤرج : (زَعَمَ) معناه كذب في لغة حمير. وقال شريح (زَعَمَ) كنية الكذب والحدة كنية الجهل (أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا) أي لا يحشرهم الله في المستقبل للحساب والجزاء ف (قُلْ) لهم يا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (بَلى وَرَبِّي) أي وحق ربي ، على وجه القسم (لَتُبْعَثُنَ) أي لتحشرن (ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَ) أي لتخبرن (بِما عَمِلْتُمْ) من طاعة ومعصية (وَذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) سهل لا يتعذر عليه ذلك ، وإن كثروا وعظموا فهو كالقليل الذي لا يشق على من يأخذه لخفة أمره ، ومثله قوله (ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ)(١) وأصله من تيسير الشيء بمروره على سهولة (٢).

* س ٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٨)) [سورة التغابن : ٨]؟!

الجواب / قال أبو خالد الكابلي : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا).

فقال : «يا أبا خالد ، النّور والله الأئمة عليهم‌السلام من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى يوم القيامة ، وهم والله نور الله الذي أنزل ، وهم والله نور الله في السماوات

__________________

(١) لقمان : ٢٨.

(٢) التبيان : ج ١٠ ، ص ٢١.

١٠٧

والأرض ، والله ـ يا أبا خالد ـ لنور الإمام في قلوب المؤمنين أنور من الشمس المضيئة بالنهار ، وهم والله ينورون قلوب المؤمنين ويحجب الله عزوجل نورهم عمن يشاء فتظلم قلوبهم ، والله ـ يا أبا خالد ـ لا يحبنا عبد ، ويتولانا حتى يطهر الله قلبه ، ولا يطهر الله قلب عبد حتى يسلم لنا ويكون سلما لنا ، فإذا كان سلما لنا سلمه الله من شديد الحساب ، وآمنه من فزع يوم القيامة الأكبر» (١).

وقال محمد بن الفضيل : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ) ، قال : «يريدون ليطفئوا ولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام بأفواههم».

قلت : قوله تعالى : (وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ)(٢) ، قال : «يقول : والله متم الإمامة ، والإمامة هي النور ، وذلك قوله تالى : (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا) ـ قال : ـ النور هو الإمام» (٣).

* س ٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٩) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ خالِدِينَ فِيها وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٠)) [سورة التغابن : ٩ ـ ١٠]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي : وقوله (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ) تقديره واذكروا يوم يجمعكم (لِيَوْمِ الْجَمْعِ) وهو يوم القيامة. وقوله (ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ)

__________________

(١) الكافي : ج ١ ، ص ١٥٠ ، ح ١.

(٢) الصف : ٨.

(٣) الكافي : ج ١ ، ص ١٥١ ، ح ٦.

١٠٨

والتغابن هو التفاوت في أخذ الشيء بدون القيمة ، والذين أخذوا الدنيا بالآخرة بهذه الصفة في أنهم أخذوا الشيء بدون القيمة ، فقد غبنوا أنفسهم بأخذ النعيم المنقطع بالدائم وأغبنهم الذين اشتروا الآخرة بترك الدنيا المنقطع إليها من هؤلاء الذين تغابنوا عليها ، وقال مجاهد وقتادة : يوم التغابن غبن أهل الجنة أهل النار (١). ثم قال (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً) أي من يصدق بالله بوحدانيته وإخلاص العبادة له ويقر بنبوة نبيه ويضيف إلى ذلك أفعال الطاعات (يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ) أي يكفر عنه سيئاته التي هي دونها ، ويتفضل عليه بإسقاط عقاب ما دونها من المعاصي (وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) يعني بساتين تجري من تحت أشجارها الأنهار (خالِدِينَ فِيها) أي مؤبدين لا يفنى ما هم فيه من النعيم أبدا (ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) أي النجاح الذي ليس وراءه شيء من عظمه. ثم قال (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) بالله وجحدوا وحدانيته وأنكروا نبوة نبيه وكذبوا بمعجزاته التي هي آيات الله (أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ خالِدِينَ فِيها وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) أي بئس المآل والمرجع (٢).

* س ٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١١)) [سورة التغابن : ١١]؟!

الجواب / ١ ـ أقول : يقول تعالى أولا : (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ

__________________

(١) قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «يوم التّلاق : يوم يلتقي أهل السماء وأهل الأرض ، ويوم التناد : يوم ينادي أهل النار أهل الجنّة : (أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) ويوم التغابن : يوم يغبن أهل الجنة أهل النار ، ويوم الحسرة : يوم يؤتى بالموت فيذبح». (معاني الأخبار : ص ١٥٦ ، ح ١).

(٢) التبيان : ج ١٠ ، ص ٢١ ـ ٢٢.

١٠٩

اللهِ) : فما يجري من حوادث كلها بإذن الله لا تخرج عن إرادته أبدا ، وهذا هو معنى (التوحيد الأفعالي) وإنما بدأ بذكر المصائب باعتبارها هي التي يستفهم عنها الإنسان دائما وتشغل تفكيره ، وعند ما نقول يقع ذلك بإرادة الله ، فإنما نعني الإرادة التكوينية لا الإرادة التشريعية.

وهنا يطرح سؤال مهم وهو : إن كثيرا من هذه الحوادث والكوارث التي تنزل بالناس تأتي من ظلم الظالمين وطغيان الجبابرة ، ولا تقصير فيها للإنسان المبتلى بها ، فهل أن ذلك كله بإذن الله؟

للإجابة على هذا السؤال نرجع إلى مجموعة الآيات التي وردت في هذا المجال ، فنلاحظ أنها عرضت المصائب على نوعين :

أ ـ هو تلك المصائب التي تأتي من تقصير الإنسان ومن عمل يده ، وله الدور الأساسي في تحققها ، وهذه يقول القرآن : إنها تصيبكم بسبب أعمالكم.

ب ـ فذلك الذي يكون جزءا من طبيعة تكوين الإنسان كالموت والحوادث الطبيعية الأخرى ، وهذه لا يستطيع الإنسان أن يدفعها عنه ، فيقرر القرآن الكريم بأن ذلك يقع بإذن الله.

وبناء على ذلك فليس للإنسان أن يستسلم للظلم والجهل والفقر.

٢ ـ قوله تعالى : (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) : قال علي بن إبراهيم القمي : أي يصدّق الله في قلبه ، فإذا بين الله له واختار الهدى يزيده الله كما قال : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً)(١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إن القلب ليرجج (٢) فيما بين الصدر

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٧٢ ، سورة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ١٧.

(٢) أي يتحرك ويتزلزل.

١١٠

والحنجرة حتى يعقد على الإيمان ، فإذا عقد على الإيمان قرّ ، وذلك قول الله عزوجل : (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) ـ : قال ـ يسكن» (١).

٣ ـ أقول : وتقول الآية في نهاية المطاف (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).

وقد يراد من هذا التعبير الإشارة إلى الهدف من وراء هذه الامتحانات والاختبارات الصعبة ، وهو إيقاظ الناس وتربيتهم وإعدادهم لمجابهة الغرور والغفلة.

* س ١٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٢) اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٣)) [سورة التغابن : ١٢ ـ ١٣]؟!

الجواب / ١ ـ قال الحسين بن نعيم الصحاف : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن [الآية الأولى] ، فقال عليه‌السلام : «أما والله ما هلك من كان قبلكم ، وما هلك من هلك حتى يقوم قائمنا عليه‌السلام ، إلّا في ترك ولايتنا وجحود حقّنا ، وما خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الدنيا حتى ألزم رقاب هذه الأمّة حقّنا ، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم» (٢).

٢ ـ أقول : يشير القرآن الكريم في الآية الثانية إلى قضية التوحيد في العبودية ، التي تشكل المبرر الطبيعي لوجوب الطاعة ، إذ يقول تعالى : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) و (عَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ).

فلا معبود ولا مالك ولا قادر ولا عالم غيره ، والغنى كله له ، وكل ما لدى الآخرين فمنه وإليه ، فيجب الرجوع له والاستعانة به على كل شيء.

__________________

(١) الكافي : ج ٢ ، ص ٣٠٨ ، ح ٤.

(٢) الكافي : ج ١ ، ص ٣٥٣ ، ح ٧٤.

١١١

* س ١١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤)) [سورة التغابن : ١٤]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام في قوله تعالى : (إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ) ، «وذلك أن الرجل إذا أراد الهجرة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تعلق به ابنه وامرأته ، وقالوا : ننشدك الله أن لا تذهب عنا [وتدعنا] فنضيع بعدك ، فمنهم من يطيع أهله فيقيم ، فحذّرهم الله أبناءهم ونساءهم ، ونهاهم عن طاعتهم ، ومنهم من يمضي ويذرهم ويقول : أما والله لئن لم تهاجروا معي ثم جمع الله بيني وبينكم في دار الهجرة ، لا أنفعكم بشيء أبدا. فلما جمع الله بينه وبينهم أمره الله أن يوفي ويحسن ويصلهم (١) ، فقال تعالى : (وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(٢).

* س ١٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (١٥)) [سورة التغابن : ١٥]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم القمي ، في معنى (فِتْنَةٌ) أي حبّ (٣).

لذا يقول أمير المؤمنين عليه‌السلام : «لا يقولن أحدكم : اللهم إني أعوذ بك من الفتنة فإن الله يقول : (وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ)(٤).

__________________

(١) في البحار : الله أن يبوء بحسن وبصلة.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٧٢ ، بحار الأنوار : ج ١٩ ، ص ٨٩ ، ح ٤٣.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٧٢.

(٤) نهج البلاغة الجمل القصار : ص ٩٣.

١١٢

أقول : وعن كثير من المفسرين والمؤرخين (كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخطب فجاء الحسن والحسين عليهما‌السلام وعليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران فنزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إليهما فأخذهما فوضعهما في حجره على المنبر وقال صدق الله عزوجل : (إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما ثم أخذ في خطبته (١).

إن قطع الرسول لخطبته لا يعني أنه غفل عن ذكر الله ، أو عن أداء مسؤوليته التبليغية ، وإنما كان على علم بما لهذين الطفلين اللذين هما فلذتا كبد الزهراء ، من مقام عظيم عند الله ، ولذا بادر إلى قطع الخطبة ليبرز مدى حبه واحترامه لهما.

إن عمل الرسول هذا كان تنبيها لكل المسلمين ليعرفوا شأن هذين الطفلين العظيمين ابني علي وفاطمة. فقد ورد في حديث نقلته المصادر المشهورة أنّ البراء بن عازب (صحابي معروف يقول : رأيت الحسن بن علي على عاتق النبي وهو يقول : «اللهم إني أحبه فأحبه» (٢).

وفي رواية أخرى أن الحسين عليه‌السلام كان يصعد على ظهر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو ساجد ، دون أن يمنعه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) ، كل ذلك لإظهار عظمة هذين الإمامين ومقامهما الرفيع.

* س ١٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٦)) [سورة التغابن : ١٦] وما هو معنى الشح؟!

الجواب / قال الطبرسي : روي ذلك عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام ،

__________________

(١) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٣٠١.

(٢) صحيح مسلم : ج ٤ ، ص ١٨٨٣ ، ح ٥٨.

(٣) البحار : ج ٤٣ ، ص ٢٩٦ ، ح ٥٧.

١١٣

من أنها ناسخة لقوله تعالى : (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ)(١).

وقال عبد خير : سألت علي بن أبي طالب عليه‌السلام عن قوله تعالى : (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ)(٢) ، قال : «والله ما عمل بها غير أهل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، نحن ذكرنا الله فلا ننساه ، ونحن شكرناه فلن نكفره ، ونحن أطعناه فلم نعصه ، فلما نزلت هذه قالت الصحابة : لا نطيق ذلك ، فأنزل الله تعالى : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ).

قال وكيع : يعني ما أطقتم ، ثم قال : (وَاسْمَعُوا) ما تؤمرون به (وَأَطِيعُوا) يعني أطيعوا الله ورسوله وأهل بيته فيما يأمرونكم به (٣).

وقال علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ) ، قال : يوق شح نفسه ، إذا اختار النفقة في طاعة الله (٤).

ثم قال علي بن إبراهيم : وحدثني أبي ، عن الفضل بن أبي قرّة ، قال : رأيت أبا عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يطوف من أول الليل إلى الصباح ، وهو يقول : «اللهم قني شح نفسي» فقلت : جعلت فداك ، ما سمعتك تدعو بغير هذا الدعاء! فقال : «وأي شيء أشد من شح النفس ، إن الله يقول : (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(٥).

أما معنى الشح :

قال الصادق عليه‌السلام عن آبائه عليهم‌السلام : «أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام سمع رجلا

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٢ ، ص ٨٠٥ ، والآية من سورة آل عمران : ١٠٢.

(٢) آل عمران : ١٠٢.

(٣) المناقب : ج ٢ ، ص ١٧٧.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٧٢.

(٥) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٧٢.

١١٤

يقول : إن الشحيح أغدر من الظالم ، فقال عليه‌السلام له : «كذبت ، إنّ الظالم قد يتوب ويستغفر ويرد الظلامة على أهلها ، والشحيح إذا شحّ منع الزكاة والصدقة وصلة الرّحم وقري الضيف والنفقة في سبيل الله وأبواب البرّ ، وحرام على الجنّة أن يدخلها شحيح» (١).

وقال الفضل بن أبي قرة : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : «تدري ما الشحيح؟» قلت : هو البخيل ، قال : «الشح هو أشد من البخل ، إن البخيل يبخل بما في يده ، والشحيح يشح بما في أيدي الناس وعلى ما في يده حتى لا يرى مما في أيدي الناس شيئا إلا تمنى أن يكون له بالحلّ والحرام ، ولا يقنع بما رزقه الله» (٢).

وسأل أمير المؤمنين عليه‌السلام ابنه الحسن عليه‌السلام : «ما الشحّ؟» قال : «الشحّ أن ترى ما في يديك شرفا ، وما أنفقت تلفا» (٣).

* س ١٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنْ تُقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (١٧) عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٨)) [سورة التغابن : ١٧ ـ ١٨]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي : وقوله (إِنْ تُقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً) والقرض أخذ قطعة من المال بتمليك الأخذ له على رد مثله وأصله القطع : من قرض الشيء يقرضه قرضا إذا قطع منه قطعة. وذكر القرض في صفة الله تلطفا في الاستدعاء إلى الإنفاق في سبيل الله ، وهو كالقرض في مثله مع إضعافه ولا يجوز أن يملك الله ـ عزوجل ـ لأنه مالك للأشياء من غير تمليك ولأن المالك لا يملك ما هو مالكه. وقوله (يُضاعِفْهُ لَكُمْ) أي يضاعف ثوابه

__________________

(١) الكافي : ج ٤ ، ص ٤٤ ، ح ١.

(٢) الكافي : ج ٤ ، ص ٤٥ ، ح ٧.

(٣) معاني الأخبار : ص ٢٤٥ ، ح ٣.

١١٥

لكم بأمثاله. ومن قرأ يضعفه بالتشديد ، فلأن الله تعالى بدل بالواحد عشرة إلى سبعين وسبعمائة (وَيَغْفِرْ لَكُمْ) أي ويستر عليكم ذنوبكم ولا يفضحكم بها إن (اللهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ) أي يجازي على الشكر (حَلِيمٌ) لا يعاجل العباد بما يستحقونه من العقاب. وقوله (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) أي يعلم السر والعلانية وهو (الْعَزِيزُ) الذي لا يغالب (الْحَكِيمُ) في جميع أفعاله و (الشَّكُورُ) في صفة الله مجاز ومعناه إنه يعامل المطيع في حسن الجزاء معاملة الشاكر و (الحلم) ترك المعاجلة بالعقوبة لداعي الحكمة. و (الغيب) كون الشيء بحيث لا يشاهده العبد. و (الغائب) نقيض الشاهد وهو (الحكيم) في جميع أفعاله (١).

__________________

(١) التبيان : ج ١٠ ، ص ٢٦.

١١٦

تفسير

سورة الطّلاق

رقم السورة ـ ٦٥ ـ

١١٧
١١٨

سورة الطّلاق

* س ١ : ما هو فضل سورة الطّلاق؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من قرأ سورة الطلاق والتحريم في فريضة ، أعاذه الله من أن يكون يوم القيامة ممن يخاف أو يحزن ، وعوفي من النار ، وأدخله الله الجنة بتلاوته إياهما ومحافظته عليهما ، لأنهما للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (١).

ومن (خواصّ القرآن) : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «من قرأ هذه السورة أعطاه الله توبة نصوحا ، وإذا كتبت وغسلت ورش ماؤها في منزل لم يسكن فيه أبدا ، وإن سكن لم يزل فيه الشرّ إلى حيث يجلى» (٢).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من قرأ سورة الطلاق مات على سنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (٣).

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً (١)) [سورة الطّلاق : ١]؟!

الجواب / ١ ـ قال علي بن إبراهيم : المخاطبة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمعنى للناس ،

__________________

(١) ثواب الأعمال : ص ١١٩.

(٢) خواص القرآن : ص ١٠.

(٣) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٣٠٢.

١١٩

وهو ما قال الصادق عليه‌السلام : «إن الله عزوجل بعث نبيه : بإياك أعني واسمعي يا جارة» (١).

٢ ـ قال زرارة : قال أبو جعفر عليه‌السلام : «كل طلاق لا يكون على السّنّة أو طلاق على العدة فليس بشيء».

قال زرارة : فقلت لأبي جعفر عليه‌السلام : فسّر لي طلاق السنة وطلاق العدة؟ فقال : «أمّا طلاق السنة فإذا أراد الرجل أن يطلق امرأته فلينتظر بها حتى تطمث وتطهر ، فإذا خرجت من طمثها طلقها تطليقة من غير جماع ، ويشهد شاهدين على ذلك ، ثم يدعها حتى تطمث طمثتين ، فتنقضي عدتها بثلاث حيض ، وقد بانت منه ، ويكون خاطبا من الخطاب إن شاءت تزوجته ، وإن شاءت لم تتزوجه ، وعليه نفقتها والسكنى ما دامت في عدتها ، وهما يتوارثان حتى تنقضي العدة».

قال : «وأما طلاق العدة الذي قال الله تعالى : (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ) فإذا أراد الرجل منكم أن يطلق امرأته طلاق العدة ، فلينتظر بها حتى تحيض وتخرج من حيضها ، ثم يطلقها تطليقة من غير جماع ، ويشهد شاهدين عدلين ، ويراجعها من يومه ذلك إن أحب ، أو بعد ذلك بأيام ، قبل أن تحيض ، ويشهد على رجعتها ويواقعها ، ويكون معها حتى تحيض ، فإذا حاضت وخرجت من حيضها طلّقها تطليقة أخرى من غير جماع ، ويشهد على ذلك ، ثم يراجعها أيضا متى شاء ، قبل أن تحيض ، ويشهد على رجعتها ويواقعها ، وتكون معه إلى أن تحيض الحيضة الثالثة ، فإذا خرجت من حيضتها الثالثة طلقها التطليقة الثالثة بغير جماع ، ويشهد على ذلك ، فإذا فعل ذلك فقد بانت منه ، ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره».

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٧٣.

١٢٠