التيسير في التفسير للقرآن - ج ٤

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٤

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٦

١
٢

٣

٤

سورة إبراهيم

* س ١ : ما هو فضل سورة إبراهيم؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من قرأ سورة إبراهيم والحجر في ركعتين جميعا في كلّ جمعة ، لم يصبه فقر أبدا ، ولا جنون ولا بلوى» (١).

٢ ـ من (خواصّ القرآن) : روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «من قرأ هذه السورة أعطي من الحسنات بعدد من عبد الأصنام ، وعدد من لم يعبدها ، ومن كتبها في خرقة بيضاء ، وعلّقها على طفل ، أمن عليه من البكاء والفزع ، ومما يصيب الصبيان» (٢).

٣ ـ قال الصادق عليه‌السلام : «من كتبها في خرقة بيضاء وجعلها على عضد طفل صغير ، أمن من البكاء والفزع والتوابع ، وسهل الله فطامه عليه بإذن الله تعالى» (٣).

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) (١) [سورة إبراهيم : ١]؟!

الجواب / قال الصادق عليه‌السلام في معنى (الر) : «معناه : أنا الله

__________________

(١) ثواب الأعمال : ص ١٠٧.

(٢) خواص القرآن ص ٤٣ (مخطوط).

(٣) خواص القرآن ص ٤٣ (مخطوط).

٥

الرؤوف» (١).

وقال عليّ بن إبراهيم : في قوله تعالى : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ) يا محمّد (لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) يعني من الكفر إلى الإيمان (إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) والصراط : الطريق الواضح ، وإمامة الأئمة عليهم‌السلام (٢).

* س ٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ (٢) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) (٣) [سورة إبراهيم : ٣ ـ ٢]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : (اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) أي : له التصرف فيهما على وجه لا اعتراض عليه. (وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ) : أخبر أن الويل للكافرين الذين يجحدون نعم الله ، ولا يعترفون بوحدانيته ، من عذاب تتضاعف الأمة.

ثم وصف الكافرين بقوله : (الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ) أي : يختارون المقام في هذه الدنيا العاجلة ، على الكون في الآخرة ، وإنما دخلت (عَلَى) لهذا المعنى. وذمهم سبحانه بذلك لأن الدنيا دار انتقال وفناء ، والآخرة دار مقام وبقاء. (وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي : يمنعون غيرهم من اتباع الطريق المؤدي إلى معرفة الله ، ويجوز أن يريد أنهم يعرضون بنفوسهم عن اتباعها (وَيَبْغُونَها عِوَجاً) أي : يطلبون للطريق عوجا أي : عدولا عن الاستقامة. والسبيل يذكر ويؤنث.

__________________

(١) معاني الأخبار : ص ٢٢ ، ح ١.

(٢) تفسير القمّي : ج ١ ، ص ٣٦٧.

٦

وقيل : معناه يلتمسون الدنيا من غير وجهها ، لأن نعمة الله لا تستمد إلا بطاعته دون معصيته (أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) أي : في عدول عن الحق ، بعيد عن الاستقامة والصواب (١).

* س ٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٤) [سورة إبراهيم : ٤]؟!

الجواب / قال جعفر بن محمّد عليهما‌السلام : «ما أنزل الله تبارك وتعالى كتابا ولا وحيا إلّا بالعربيّة ، وكان يقع في مسامع الأنبياء عليهم‌السلام بألسنة قومهم ، وكان يقع في مسامع نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالعربيّة ، فإذا كلّم به قومه كلّمهم بالعربية ، فيقع في مسامعهم بلسانهم ، وكان أحد لا يخاطب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأيّ لسان خاطبه إلّا وقع في مسامعه بالعربيّة ، كلّ ذلك يترجم له جبرئيل عليه‌السلام ، تشريفا من الله عزوجل له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (٢).

* س ٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) (٥) [سورة إبراهيم : ٥]؟!

الجواب / ١ ـ قال الباقر عليه‌السلام : «أيّام الله عزوجل ثلاثة : يوم يقوم القائم ، ويوم الكرّة ، ويوم القيامة». (٣).

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٦ ، ص ٥٧.

(٢) علل الشرائع : ص ١٢٦ ، ح ٨.

(٣) معاني الأخبار : ص ٣٦٥ ، ح ١ ، ينابيع المودة : ص ٤٢٤.

٧

٢ ـ وقال علي بن إبراهيم : أيام الله ثلاثة : يوم القائم (صلوات الله عليه) ، ويوم الموت ، ويوم القيامة (١).

٣ ـ قال الطّبرسيّ : المرويّ عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «ذكّرهم بنعم الله سبحانه في سائر أيّامه» (٢).

٤ ـ وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أيّام الله نعماؤه وبلاؤه ، وهي مثلاته (٣) سبحانه (٤)».

* س ٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) (٦) [سورة إبراهيم : ٦]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ) والتقدير واذكر يا محمد إذ قال موسى لهم (اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ) أي : في الوقت الذي أنجاكم (مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ) أي : يذيقونكم (سُوءَ الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ) أي : يستبقونهن أحياء للاسترقاق (وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) والآية مفسرة في سورة البقرة وربما يسأل سائل لماذا دخلت الواو على : (يُذَبِّحُونَ) ، يكون الجواب هو :

وإنما دخلت الواو هنا للعطف ، لأنهم كانوا يعذبون أنواعا من العذاب سوى الذبح ، فجاز العطف ، فإذا حذفت الواو كان (يُذَبِّحُونَ) تفسيرا للعذاب.

__________________

(١) تفسير القمّي : ج ١ ، ص ٣٦٧.

(٢) مجمع البيان : ج ٦ ، ص ٤٦٧.

(٣) المثلات : جمع مثلة : العقوبة.

(٤) الأمالي : ج ٢ ، ص ١٠٥.

٨

* س ٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ) (٧) [سورة إبراهيم : ٧]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من أعطي الشكر أعطي الزيادة ، يقول الله عزوجل : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام أيضا : «شكر النعمة : اجتناب المحارم ، وتمام الشكر : قول الرجل : الحمد لله ربّ العالمين» (٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «ما أنعم الله على عبد من نعمة فعرفها بقلبه ، وحمد الله ظاهرا بلسانه ، فتمّ كلامه بالحمد حتى أمر له بالمزيد» (٣).

وقال حمّاد بن عثمان : خرج أبو عبد الله عليه‌السلام من المسجد ، وقد ضاعت دابّته ، فقال : «لئن ردّها الله عليّ لأشكرنّ الله حقّ شكره» قال : فما لبث أن أتي بها ، فقال : «الحمد لله» فقال قائل له : جعلت فداك ، ألست قلت : لأشكرنّ الله حقّ شكره؟! فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «ألم تسمعني قلت : الحمد لله؟» (٤).

وقال أبو عمرو الزّبيري ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أخبرني عن وجوه الكفر في كتاب الله عزوجل؟ قال : «الكفر في كتاب الله على خمسة أوجه». وذكر الحديث ، وقد ذكرناه بتمامه في قوله تعالى : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) من سورة البقرة (٥).

وقال في الحديث : «الوجه الثالث من وجوه الكفر : كفر النّعم ، وذلك

__________________

(١) الكافي : ج ٢ ، ص ٧٨ ، ح ٨.

(٢) الكافي : ج ٢ ، ص ٧٨ ، ح ١٠.

(٣) الكافي : ج ٢ ، ص ٧٨ ، ح ٩.

(٤) الكافي : ج ٢ ، ص ٧٩ ، ح ١٨.

(٥) تقدم في الحديث من تفسير الآية (٦) من سورة البقرة.

٩

قول الله تعالى يحكي قول سليمان عليه‌السلام : (هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) (١). وقال : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ) وقال : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ) (٢)» (٣).

* س ٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (٨) أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللهُ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (٩) قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (١٠) قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (١١) [سورة إبراهيم : ١١ ـ ٨]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : (وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا) أي : تجحدوا نعم الله سبحانه (أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) من الخلق ، لم تضروا الله شيئا ، وإنما يضركم ذلك بأن تستحقوا عليه العقاب (فَإِنَّ اللهَ) سبحانه (لَغَنِيٌ) عن شكركم (حَمِيدٌ) في أفعاله. وقد يكون كفر

__________________

(١) النمل : ٤٠.

(٢) البقرة : ١٥٢.

(٣) الكافي : ج ٢ ، ص ٢٧٨ ، ح ١.

١٠

النعمة بأن يشبه الله بخلقه ، أو يجور في حكمه ، أو يرد على نبي من أنبيائه. فإن الله سبحانه قد أنعم على خلقه في جميع ذلك ، بأن أقام الحجج الواضحة ، والبراهين الساطعة على صحته ، وعرض بالنظر فيها للثواب الجزيل (أَلَمْ يَأْتِكُمْ). قيل : إن هذا الخطاب متوجه إلى أمّة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فذكرت بأخبار من تقدمها من الأمم. وقيل : إنه من قول موسى عليه‌السلام لأنه متصل به في الآية المتقدمة ، والمعنى : ألم يجئكم (نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) أي : أخبار من تقدمكم.

(قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللهُ) ، أي : لا يعلم تفاصيل أحوالهم وعددهم وما فعلوه وفعل بهم من العقوبات ، إلّا الله ، قال ابن الأنباري : إن الله تعالى أهلك أمما من العرب وغيرها ، فانقطعت أخبارهم ، وعفت آثارهم ، فليس يعرفهم أحد إلا الله : وكان ابن مسعود إذا قرأ هذه الآية قال : كذب النسابون. وقيل : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان لا يجاوز في انتسابه معد بن عدنان. فعلى هذا يكون قوله : (وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللهُ) مبتدأ وخبرا. (جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) أي : بالأدلة والحجج والأحكام ، والحلال والحرام. (فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ) اختلفوا في معناه على أقوال :

١ ـ إن معناه عضوا على أصابعهم من شدة الغيظ ، لأنه ثقل عليهم مكان الرسل ...

٢ ـ إن معناه جعلوا أيديهم في أفواه الأنبياء تكذيبا لهم ، وردا لما جاءوا به ، فالضمير في أيديهم للكفار ، وفي أفواههم للأنبياء ، فكأنهم لما سمعوا وعظ الأنبياء وكلامهم ، أشاروا بأيديهم إلى أفواه الرسل تسكيتا لهم ...

٣ ـ إن معناه وضعوا أيديهم على أفواههم مومين بذلك إلى الرسل أن اسكتوا عما تدعوننا إليه ، كما يفعل الواحد منا مع غيره إذا أراد تسكيته ...

١١

فيكون على هذا القول الضميران للكفار.

٤ ـ إن كلا الضميرين للرسل أي : أخذوا أيدي الرسل فوضعوها على أفواههم ليسكتوهم ، ويقطعوا كلامهم فيسكتوا عنهم ، لما يئسوا منهم ، هذا كله إذا حمل معنى الأيدي والأفواه على الحقيقة.

ومن حملها على التوسع والمجاز فاختلفوا في معناه فقيل : المراد باليد ما نطقت به الرسل من الحجج ، والمعنى فردوا حججهم من حيث جاءت ، لأن الحجج تخرج من الأفواه ...

وقيل : إن المعنى ردوا ما جاءت به الرسل ، وكذبوهم ... وقيل : معناه تركوا ما أمروا له ، وكفوا عن قبول الحق ...

وقال القتيبي : ولم يسمع أحد أن العرب تقول رد يده في فيه بمعنى ترك ما أمر به ، وإنما المعنى أنهم عضوا على الأيدي حنقا وغيظا ، كقول الشاعر : (يردون في فيه عشر الحسود) يعني أنهم يغيظون الحسود حتى يعض على أصابعه العشر ...

وقيل : المعنى ردوا بأفواههم نعم الرسل أي : وعظهم وبيانهم ، فوقع في موقع الباء ...

(وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا) أي : جحدنا (بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ) أي : برسالاتكم (وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ) من الدين (مُرِيبٍ) متهم أي : يوقعنا في الريب ربكم أنكم تطلبون الرئاسة ، وتفترون الكذب (قالَتْ رُسُلُهُمْ) حينئذ لهم (أَفِي اللهِ شَكٌ) مع قيام الأدلة على وحدانيته وصفاته (فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : خالقهما ومنشئهما لا يقدر على ذلك غيره ، فوجب أن يعبد وحده ، ولا يشرك به من لا يقدر على اختراع الأجسام (يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) أي : يدعوكم إلى الإيمان به لينفعكم : لا ليضركم. وقال : من

١٢

ذنوبكم ، بمعنى ليغفر لكم بعض ذنوبكم ، لأنه يغفر ما دون الشرك ، ولا يغفر الشرك. وقال الجبائي : دخلت من للتبعيض ، ووضع البعض موضع الجميع توسعا.

(وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) ، أي : يؤخركم إلى الوقت الذي ضربه الله لكم أن يميتكم فيه ، ولا يؤاخذكم بعاجل العقاب (قالُوا) أي : قال لهم قومهم (إِنْ أَنْتُمْ) أي : ما أنتم (إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) أي : خلق مثلنا (تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا) أي : تمنعونا (عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا) من الأصنام والأوثان (فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) أي : بحجة واضحة على صحة ما تدعونه ، وبطلان ما نحن فيه ، وإنما قالوا ذلك لأنهم اعتقدوا أن جميع ما جاءت به الرسل من المعجزات ، ليست بمعجزة ، ولا دلالة ، وقيل : إنهم طلبوا معجزات مقترحات سوى ما ظهرت فيما بينهم.

وفي هذه الآية دلالة على أنه سبحانه لا يريد الكفر والشرك ، وإنما يريد الخير والإيمان ، وإنه إنما بعث الرسل إلى الكفار رحمة وفضلا وإنعاما عليهم ، ليؤمنوا ، فإنه قال : يدعوكم ليغفر لكم.

ثم حكى سبحانه جواب الرسل للكفار ، فقال : (قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) في الصورة والهيئة ، ولسنا ملائكة (وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) أي : ينعم عليهم بالنبوة ، وينبئهم بالمعجزة ، فلقد من الله علينا واصطفانا ، وبعثنا أنبياء (وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ) أي : بحجة على صحة دعوانا (إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) أي : بأمره وإطلاقه لنا في ذلك (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) المصدقون به ، وبأنبيائه (١).

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٦ ، ص ٦٢ ـ ٦٣.

١٣

* س ٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَما لَنا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) (١٢) [سورة إبراهيم : ١٢]؟!

الجواب / قال ابن بابويه في (الفقيه) مرسلا عن الصادق عليه‌السلام في قوله عزوجل : (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ). قال : «الزارعون» (١).

* س ١٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (١٣) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ) (١٤) [سورة إبراهيم : ١٤ ـ ١٣]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا) أي : من بلادنا (أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) أي : إلا أن ترجعوا إلى أدياننا ومذاهبنا التي نحن عليها (فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ) أي : فأوحى الله إلى رسله لما ضاقت صدورهم بما لقوا من قومهم : إنا نهلك هؤلاء الظالمين الكافرين (وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ) ، أي : لنسكننكم أرضهم من بعدهم ، يريد : اصبروا فإني أهلك عدوكم وأورثكم أرضهم ، وفي معناه ما جاء في الحديث من آذى جاره ورثه الله داره.

(ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي) ، أي : ذلك الفوز لمن خاف وقوفه للحساب والجزاء بين يدي في الموضع الذي أقيمه فيه ، وأضاف المقام إلى نفسه ، لأنهم يقومون بأمره (وَخافَ وَعِيدِ) أي : عقابي. وإنما قالوا : (أَوْ لَتَعُودُنَ

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ج ٣ ، ص ١٦٠ ، ح ٧٠٣.

١٤

فِي مِلَّتِنا) وهم لم يكونوا على ملتهم قط ، إما لأنهم توهموا على غير حقيقة أنهم كانوا على ملتهم ، وإما لأنهم ظنوا بالنشوء أنهم كانوا عليها ... (١).

* س ١١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) (١٥) [سورة إبراهيم : ١٥]؟!

الجواب / قال أبو بصير ، عنه عليه‌السلام قال : «بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات يوم جالسا إذ أقبل أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ فيك شبها من عيسى بن مريم ، ولو لا أن تقول فيك طوائف من أمّتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم ، لقلت فيك قولا لا تمرّ بملأ من الناس إلّا أخذوا التراب من تحت قدميك ، يلتمسون بذلك البركة».

قال : «فغضب الأعرابيّان والمغيرة بن شعبة وعدة من قريش معهم ، فقالوا : ما رضي أن يضرب لابن عمّه مثلا إلا عيسى بن مريم ، فأنزل الله على نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ) ـ يعني من بني هاشم ـ (مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ) (٢)».

قال : «فغضب الحارث بن عمرو الفهري ، فقال : «اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك ـ إنّ بني هاشم يتوارثون هرقلا بعد هرقل ـ فأمطر علينا حجارة : من السماء أو ائتنا بعذاب أليم. فأنزل الله عليه مقالة الحارث ، ونزلت هذه الآية : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (٣).

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٦ ، ص ٦٦.

(٢) الزخرف : ٥٧ ـ ٦٠.

(٣) الأنفال : ٣٣.

١٥

ثمّ قال له : يا بن عمرو ، إمّا تبت وإما رحلت. فقال : يا محمد ، بل تجعل لسائر قريش شيئا مما في يدك ، فقد ذهبت بنو هاشم بمكرمة العرب والعجم. فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ليس ذلك إليّ ، ذلك إلى الله تبارك وتعالى ، فقال : يا محمد ، قلبي ما يتابعني على التّوبة ، ولكن أرحل عنك. فدعا براحلته فركبها ، فلمّا صار بظهر المدينة أتته جندلة فرضّت هامته ، ثم أتى الوحي إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ) بولاية عليّ (لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ مِنَ اللهِ ذِي الْمَعارِجِ) (١)».

قال : قلت : جعلت فداك ، إنّا لا نقرؤها هكذا. فقال : «هكذا أنزل الله بها جبرئيل على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهكذا هو والله مثبت في مصحف فاطمة عليها‌السلام ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمن حوله من المنافقين : انطلقوا إلى صاحبكم ، فقد أتاه ما استفتح به ، قال الله عزوجل : (وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) (٢).

وقال علي بن إبراهيم : قوله تعالى : (وَاسْتَفْتَحُوا) أي دعوا (وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) أي خسر (٣).

ثمّ قال : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «العنيد : المعرض عن الحقّ» (٤).

* س ١٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ (١٦) يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ) (١٧) [سورة إبراهيم : ١٦ ـ ١٧]؟!

الجواب / قال الطّبرسي : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «أي ويسقى ممّا يسيل

__________________

(١) المعارج : ١ ـ ٣.

(٢) الكافي : ج ٢ ، ص ٥٧ ، ح ١٨.

(٣) تفسير القمّي : ج ١ ، ص ٣٦٨.

(٤) تفسير القمّي : ج ١ ، ص ٣٦٨.

١٦

من الدم والقيح من فروج الزواني في النار» (١).

وقال عليّ بن إبراهيم : وقوله : (يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ) قال : يقرّب إليه فيكرهه ، فإذا دنا منه شوى وجهه ، ووقعت فروة رأسه ، فإذا شرب تقطّعت أمعاؤه ومزّقت تحت قدميه ، وإنه ليخرج من أحدهم مثل الوادي صديدا وقيحا. ثم قال : وإنّهم ليبكون حتى تسيل دموعهم فوق وجوههم جداول ، ثم تنقطع الدموع فتسيل الدّماء حتى لو أنّ السّفن أجريت فيها لجرت ، وهو قوله : (وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ) (٢).

وقال علي بن الحسين عليهما‌السلام : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إنّ أهل النار لما غلى الزّقّوم والضّريع في بطونهم كغلي الحميم سألوا الشّراب ، فأتوا بشراب غسّاق (٣) وصديد (يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ) وحميم تغلي به جهنّم منذ خلقت ، (كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً) (٤).

* س ١٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ) (١٨) [سورة إبراهيم : ١٨]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : وقوله : (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٦ ، ص ٤٧٤.

(٢) تفسير القمّي : ج ١ ، ص ٣٦٨ ، والآية من سورة محمد : ١٥.

(٣) الغسّاق : ما يغسق من صديد أهل النار ، أي يسيل. «مجمع البحرين ـ غسق ـ ج ٥ ، ص ٢٢٣».

(٤) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٢٢٣ ، ح ٧ ، والآية من سورة الكهف : ٢٩.

١٧

أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ) قال : من لم يقرّ بولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام بطل عمله ، مثل الرّماد الذي تجيء الريح فتحمله (١).

وقال محمد بن مسلم : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : «كلّ من دان الله بعبادة يجهد فيها نفسه ولا إمام له من الله ، فسعيه غير مقبول ، وهو ضالّ متحيّر ، والله شانئ لأعماله ، ومثله كمثل شاة ضلّت من راعيها وقطيعها ، فهجمت ذاهبة وجاثية يومها ، فلمّا جنّها الليل بصرت بقطيع من غير راعيها ، فحنّت إليها واغترّت بها ، فباتت معها في مربضها (٢) ، فلمّا أن ساق الراعي قطيعه أنكرت راعيها وقطيعه ، فضلّت متحيّرة تطلب راعيها ، وقطيعها ، فبصرت بغنم مع راعيها فحنّت إليها ، واغترّت بها ، فصاح بها الراعي : الحقي براعيك وقطيعك ، فإنّك تائهة متحيّرة عن راعيك وقطيعك ، فهجمت ذعرة متحيّرة نادّة (٣) ، لا راعي لها يرشدها إلى مرعاها أو يردّها ، فبينا هي كذلك إذ اغتنم الذئب ضيعتها فأكلها.

وكذلك والله ـ يا محمّد ـ من أصبح من هذه الأمّة لا إمام له من الله عزوجل ظاهرا عادلا ، أصبح ضالا تائها ، وإن مات على هذه الحال مات ميتة كفر ونفاق ، واعلم ـ يا محمد ـ أن أئمّة الجور وأتباعهم لمعزولون عن دين الله ، قد ضلوا وأضلّوا ، فأعمالهم التي يعملونها (كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ) (٤).

__________________

(١) تفسير القمّي : ج ١ ، ص ٣٦٨.

(٢) في «ط» : مربطها.

(٣) ند : نفر وذهب على وجهه شاردا. «الصحاح ـ ندد ـ ج ٢ ، ص ٥٤٣».

(٤) الكافي : ج ١ ، ص ٣٠٦ ، ح ٢.

١٨

* س ١٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٩) وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ) (٢٠) [سورة إبراهيم : ٢٠ ـ ١٩]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسيّ (رحمه‌الله تعالى) : يقول الله تعالى لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويعني به الأمة بدلالة قوله (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) ألم تعلم الآن الرؤية تكون بمعنى العلم ، كما تكون بمعنى الإدراك بالبصر وههنا لا يمكن أن تكون بمعنى الرؤية بالبصر ، لأن ذلك لا يتعلق بأن الله خلق السموات والأرض ، وإنما يعلم ذلك بدليل وقوله «بالحق» والحق هو وضع الشيء في موضعه على ما تقتضيه الحكمة وإذا جرى المعنى على ما هو له من الأشياء فهو حق ، وإذا أجرى على ما ليس هو له من الشيء فذلك باطل. والخلق فعل الشيء على تقديره وترتيب ، والخالق الفاعل على مقدار ما تدعو الحكم إليه لا يجوز عليه غير ذلك.

وقوله (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) خطاب للخلق وإعلام لهم أنه قادر إن شاء أن يميت الخلق ويهلكهم ويجيء بدلهم خلقا آخر جديدا. والإذهاب إبعاد الشيء عن الجهة التي كان عليها ، ولهذا قيل للإهلاك إذهاب ، لأنه إبعاد له عن حال الإيجاد. والجديد المقطوع عنه العمل في ابتداء أمره قبل حال خلو فيه ، وأصله القطع يقال : جده يجده جدا إذا قطعه ، والجد أب الأب ، لانقطاعه عن الولادة بالأب ، والجد ضد الهزل ، والجد الحظ.

(وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ) أخبار منه تعالى إن إذهابكم أهلاككم والاتيان بخلق جديد ليس بممتنع على الله على وجه من الوجوه. والممتنع بقدرته : عزيز ، والممتنع بسعة مقدوره عزيز ، والممتنع بكبر نفسه عزيز.

وفي الآية دلالة على أن من قدر على الإنشاء قدر على الإفناء إذا كان

١٩

مما لا يتغير حكم القادر ، ولا شيء مما يحتاج إليه في الفعل ، لأن من قدر على البناء ، فهو على الهدم أقدر ، فمن كان قادرا على اختراع السماء والأرض وما بينهما فهو قادر على إذهاب الخلق وإهلاكهم (١).

* س ١٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ قالُوا لَوْ هَدانَا اللهُ لَهَدَيْناكُمْ سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ (٢١) وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٢٢) [سورة إبراهيم : ٢٢ ـ ٢١]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : قوله تعالى : (وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً) معناه مستقبل ، أنهم يبرزون ، ولفظه ماض (٢).

ثمّ قال : وقوله : (لَوْ هَدانَا اللهُ لَهَدَيْناكُمْ) فالهدى ها هنا هو الثواب (سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ) أي مفرّ. قال : قوله : (وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ) أي لمّا فرغ من أمر الدنيا من أوليائه (إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ) أي بمغيثكم (وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَ) أي بمغيثي (إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ) يعني في الدنيا (٣).

__________________

(١) التبيان : ج ٦ ، ص ٢٨٦ ـ ٢٨٧.

(٢) تفسير القمّي : ج ١ ، ص ٣٦٨.

(٣) تفسير القمّي : ج ١ ، ص ٣٦٨.

٢٠