التيسير في التفسير للقرآن - ج ٨

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٨

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٤

أقول : وأما قوله تعالى : (وَخَسَفَ الْقَمَرُ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) : ذكرت معان متعددة للمفسرين في ما يراد بالجمع بين الشمس والقمر فقد قيل هو اجتماعهما ، أو طلوعهما كليهما من المشرق وغروبها من المغرب ، وقيل اجتماعهما بعد زوال نوريهما (١) ويحتمل أن ينجذب القمر تدريجيا بواسطة الشمس وباتجاهها ثم اجتماعهما معا بعد ذلك ، وينتهي بالتالي ضياؤهما.

على كلّ حال فقد أشير هنا إلى قسمين من أهم الظواهر الانقلابية لأواخر الدنيا ، أي إلى زوال نور القمر واجتماع الشمس والقمر مع البعض ، وهو ما أشير إليه في الآيات القرآنية الأخرى أيضا ، فيقول تعالى في سورة التكوير : (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) أي إذا أظلمت الشمس ، ونحن نعلم أن ضوء القمر من الشمس وعند ما يزول نور الشمس يزول بذلك نور القمر ، وبالتالي تدخل الكرة الأرضية في الظلام والعتمة المرعبة.

وبهذه الطريقة والتحول العظيم ينتهي العالم ، ثم يبدأ بعث البشرية بتحول عظيم آخذ (بنفخة الصور الثانية والتي تعتبر نفخة الحياة) فيقول الإنسان في ذلك اليوم : (يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ).

وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، في قوله : (يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ) : «بما قدم من خير وشر ، وما أخر من سنة ليستن بها من بعده ، فإن كان شرا كان عليه مثل وزرهم ، ولا ينقص من وزرهم شيء ، وإن كان خيرا كان له مثل أجورهم ولا ينقص من أجورهم شيء».

__________________

(١) قال الطبرسي في مجمع البيان الجمع ثلاثة أنواع : جمع في المكان ، وجمع في الزمان ، وجمع الأوصاف في الشيء الواحد (كاجتماع العلم والعدالة في الإنسان) ولكن الجمع الذي يراد به اشتراك شيئين في الصفة كزوال نوريّ القمر والشمس معا هو تعبير مجازي (إذ لا بد من الاستفادة من القرينة) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٣٩٥.

٢٨١

قوله : (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ) ، قال : «يعلم ما صنع ، وإن اعتذر» (١).

وقال عمر بن يزيد : إني لأتعشى عند أبي عبد الله عليه‌السلام ، إذ تلا هذه الآية (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ) : «يا أبا حفص ، ما صنع الإنسان أن يتقرب إلى الله عزوجل بخلاف ما يعلم الله تعالى؟ إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقول : من أسرّ سريرة رداه الله رداءها ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر» (٢).

وقال محمد بن ياسين : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «ما ينفع العبد يظهر حسنا ويسر سيئا ، أليس إذا رجع إلى نفسه علم أنه ليس كذلك؟ والله تعالى يقول : (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) إنّ السريرة إذا صلحت قويت العلانية» (٣).

* س ٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ (١٩) كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ (٢٠) وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (٢١) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (٢٢) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ (٢٣)) [سورة القيامة : ١٦ ـ ٢٣]؟!

الجواب / أقول : قوله تعالى : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) : لهذه الآية أقوال متعددة للمفسرين نذكر منها التفسير المشهور الذي نقل عن ابن عباس في كتب الحديث ، وهو أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا نزل عليه الوحي ليقرأ عليه القرآن ، تعجل بقراءته ليحفظه وذلك لحبه الشديد للقرآن ، فنهاه الله عن ذلك وقال : (إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ). وهناك تفسير سنرده في تفسير الآيات (٣١ ـ ٤٠)

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٩٧.

(٢) الكافي : ج ٢ ، ص ٢٢٣ ، ح ٦.

(٣) أمالي المفيد : ص ٢١٤ ، ح ٦.

٢٨٢

من هذه السورة.

وقال علي بن إبراهيم القمي : على آل محمد جمع القرآن وقراءته (فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) قال : اتبعوا إذا ما قرأوه (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) أي تفسيره.

وقال : (كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ) : الدنيا الحاضرة (وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ) قال : تدعون (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ) أي مشرقة (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) ، قال : ينظرون إلى وجه الله عزوجل ، يعني إلى رحمة الله ونعمته (١).

وقال علي بن موسى الرضا عليه‌السلام : «يعني مشرقة ، تنظر ثواب ربها» (٢).

وقال هشام الصيداوي : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : «يا هاشم ، حدثني أبي وهو خير منّي ، عن جدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : ما من رجل من فقراء المؤمنين من شيعتنا إلا وليس عليه تبعة».

قلت : جعلت فداك ، وما التبعة؟ قال : «من الإحدى وخمسين ركعة ، ومن صوم ثلاثة أيام من الشهر ، فإذا كان يوم القيامة خرجوا من قبورهم مثل القمر ليلة البدر ، فيقال للرجل منهم : سل تعط ، فيقول : أسأل ربي النظر إلى وجه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : فيأذن الله عزوجل لأهل الجنة أن يزوروا محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : فينصب لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منبر من نور على درنوك من درانيك الجنّة ، له ألف مرقاة ، بين المرقاة إلى المرقاة ركضة الفرس ، فيصعد محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين عليه‌السلام».

قال : «فيحفّ ذلك المنبر شيعة آل محمد عليهم‌السلام ، فينظر الله إليهم ، وهو قوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) ـ قال ـ فيلقى عليهم من النور حتى إن أحدهم إذا رجع لم تقدر الحور أن تملأ بصرها منه». قال : ثم

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٩٧.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ١ ، ص ١١٤ ، ح ٢.

٢٨٣

قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «يا هاشم ، لمثل هذا فليعمل العاملون» (١).

* س ٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ (٢٤) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ (٢٥) كَلاَّ إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ (٢٦) وَقِيلَ مَنْ راقٍ (٢٧) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ (٢٨) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (٢٩) إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ (٣٠)) [سورة القيامة : ٢٤ ـ ٣٠]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم ، قوله تعالى : (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ) أي ذليلة (تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ).

أقول : يعتقد الكثير من المفسرين بأن (الظن) هنا بمعنى العلم. أي أنهم يوقنون بمثل هذا العذاب ، والحال أن بعضهم قد قال أن (ظن) هنا يعود إلى المعنى المعروف أي الحساب ، ومن الطبيعي أنهم يوقنون إجمالا بأنهم سوف يعذبون ولكن ليس بمثل هذا العذاب الشديد (٢).

(فاقرة) من مادة (فقرة) على وزن (ضربة) وجمعها (فقار) وتعني حلقات الظهر ويقال للحادثة الثقيلة التي تكسر حلقات الظهر فاقرة ، والفقير قيل له ذلك لهذا الوجه أي أنّه مكسور الظهر.

قوله تعالى : (كَلَّا إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ) قال : يعني النفس إذا بلغت الترقوة (وَقِيلَ مَنْ راقٍ) قال : يقال له : من يرقيك؟ (وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ) ـ علم أنه الفراق ـ (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) قال : التفت الدنيا بالآخرة (إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ) ، قال : يساقون إلى الله (٣).

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٧٣٩ ، ح ٤.

(٢) من جملة الشواهد التي جاءوا بها لهذا الموضوع هو أن الظن إذا كان بمعنى العلم فيجب أن يكون (أن) بعد (تظن) مخففة من الثقيلة والحال هو (أن) مصدر قرينة إعمالها النصب.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٩٧.

٢٨٤

قال محمد بن مسلم : سئل أبو جعفر محمد بن علي الباقر عليه‌السلام ، عن قول الله عزوجل : (وَقِيلَ مَنْ راقٍ) ، قال : «ذلك قول ابن آدم إذا حضره الموت قال : هل من طبيب ، هل من دافع؟ (وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ) يعني فراق الأهل والأحبة عند ذلك. قال : (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) التفت الدنيا بالآخرة ، قال : (إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ) إلى رب العالمين يومئذ المصير» (١).

* س ٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى (٣١) وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (٣٢) ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (٣٣) أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (٣٤) ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (٣٥) أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً (٣٦) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى (٣٧) ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (٣٨) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (٣٩) أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى (٤٠)) [سورة القيامة : ٣١ ـ ٤٠]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : أنه كان سبب نزولها أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا إلى بيعة علي عليه‌السلام يوم غدير خمّ ، فلما بلغ الناس وأخبرهم في علي عليه‌السلام ما أراد الله أن يخبرهم به ، رجع الناس ، فاتكأ معاوية على المغيرة بن شعبة وأبي موسى الأشعري ، ثم أقبل يتمطى نحو أهله ويقول : والله لا نقر لعلي بالولاية أبدا ، ولا نصدق محمدا مقالته فيه ، فأنزل الله جل ذكره (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى أَوْلى لَكَ فَأَوْلى) العبد الفاسق ، فصعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المنبر وهو يريد البراءة منه ، فأنزل الله عزوجل (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ)(٢) فسكت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يسمّه (٣).

__________________

(١) أمالي الصدوق : ص ٢٥٣ ، ح ١.

(٢) القيامة : ١٦.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٩٧.

٢٨٥

وقال ابن شهر آشوب : قال الباقر عليه‌السلام : «قام ابن هند وتمطى [وخرج] مغضبا ، واضعا يمينه على عبد الله بن قيس الأشعري ، ويساره على المغيرة ابن شعبة ، وهو يقول : والله لا نصدق محمدا على مقالته ، ولا نقر عليا بولايته ، فنزل : (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى) الآيات ، فهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يرده فيقتله ، فقال له جبرئيل عليه‌السلام : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ)(١) فسكت عنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (٢).

وقال عبد العظيم بن عبد الله الحسني : سألت محمد بن علي الرضا عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (أَوْلى لَكَ فَأَوْلى ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى) [قال] : «يقول الله تبارك وتعالى : بعدا لك من خير الدنيا ، بعدا لك من خير الآخرة» (٣).

وقال علي بن إبراهيم : قوله تعالى : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً) قال : لا يحاسب ولا يعذب ولا يسأل [عن شيء] ، ثم قال : (أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى) إذا نكح أمناه (ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) رد على من أنكر البعث والنشور (٤).

وقال الطبرسي : عن البراء بن عازب ، قال : لما نزلت هذه الآية (أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «سبحانك اللهم! وبلى». قال : وهو المروي ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام (٥).

__________________

(١) القيامة : ١٦.

(٢) المناقب : ج ٣ ، ص ٣٨.

(٣) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ٢ ، ص ٥٤ ، ح ٢٠٥.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٩٧.

(٥) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٦٠٧.

٢٨٦

تفسير سورة

الإنسان ـ المرسلات

النبأ

رقم السورة

ـ ٧٦ ـ ٧٧ ـ ٧٨ ـ

٢٨٧
٢٨٨

سورة الإنسان

* س ١ : ما هو فضل سورة الإنسان؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام : «من قرأ (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ) في [كلّ] غداة خميس ، زوّجه الله من الحور العين ثمانمائة عذراء وأربعة آلاف ثيّب وحوراء من الحور العين ، وكان مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (١).

ومن (خواص القرآن) : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «من قرأ هذه السورة كان جزاؤه على الله جنّة وحريرا ، ومن أدمن قراءتها قويت نفسه الضعيفة ، ومن كتبها وشرب ماءها نفعت وجع الفؤاد ، وصح جسمه ، وبرىء من مرضه» (٢).

وقال الصادق عليه‌السلام : «قراءتها تقوّي النفس وتشدّ [العصب ، وتسكن القلق] وإن ضعف في قراءتها ، كتبت ومحيت وشرب [ماؤها] ، [لضعف] النفس ، يزول عنه بإذن الله تعالى» (٣).

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً (١) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً (٢) إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً (٣)) [سورة الإنسان : ١ ـ ٣]؟!

الجواب / قال مالك الجهني : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قوله تعالى :

__________________

(١) ثواب الأعمال : ص ١٢١.

(٢) خواص القرآن : ص ١٢ «مخطوط».

(٣) خواص القرآن : ص ١٢ «مخطوط».

٢٨٩

(أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً)(١) ، فقال : «لا مقدرا ولا مكونا».

قال : وسألته عن قوله تعالى : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) ، فقال : «كان مقدرا غير مذكور» (٢).

وقال الطبرسي : روى العياشي بإسناده ، عن عبد الله بن بكير ، عن زرارة ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قوله : (لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) ، قال : «كان شيئا ولم يكن مذكورا» (٣).

وبإسناده ، عن سعيد الحداد ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «كان مذكورا في العلم ، ولم يكن مذكورا في الخلق».

وعن عبد الأعلى مولى آل سام ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، مثله (٤).

وقال ابن شهر آشوب جاء في تفسير أهل البيت عليهم‌السلام ، أن قوله تعالى : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ) يعني به عليا عليه‌السلام.

ثم قال ابن شهر آشوب : والدليل على صحة هذا القول قوله تعالى : (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ) ومعلوم أن آدم لم يخلق من النطفة (٥).

وقال علي بن إبراهيم : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) قال : لم يكن في العلم ، ولا في الذّكر.

قال : وفي حديث آخر : «كان في العلم ، ولم يكن في الذّكر».

قوله تعالى : (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ) أي نختبره (فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً) ، ثم قال : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ) أي بينا له طريق

__________________

(١) سورة مريم : ٦٧.

(٢) الكافي : ج ١ ، ص ١١٤ ، ح ٥.

(٣) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٦١٤.

(٤) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٦١٤.

(٥) المناقب : ج ٣ ، ص ١٠٣.

٢٩٠

الخير والشرّ (إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) وهو ردّ على المجبرة ، إنهم يزعمون أنه لا فعل لهم (١).

وقال ابن أبي عمير : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قوله تعالى : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) ، قال : «إما آخذ فشاكر ، وإما تارك فكافر» (٢).

وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ) قال : «ماء الرجل والمرأة اختلطا جميعا» (٣).

* س ٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ وَأَغْلالاً وَسَعِيراً (٤)) [سورة الإنسان : ٤]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي (رحمه‌الله تعالى) : ثم بين سبحانه ما أعده للكافرين فقال : (إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ) أي هيأنا وادخرنا لهم جزاء على كفرانهم وعصيانهم (سَلاسِلَ) يعني في جهنم كما قال في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا (وَأَغْلالاً وَسَعِيراً) نار موقدة نعذبهم بها ، ونعاقبهم فيها (٤).

* س ٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً (٥) عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً (٦) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (٧) وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (٨) إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً (٩)) [سورة الإنسان : ٥ ـ ٩]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : في قوله تعالى : (إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً) يعني بردها وطيبها ، لأن فيها الكافور (عَيْناً يَشْرَبُ

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٩٨.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٩٨.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٩٨.

(٤) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٢١٤.

٢٩١

بِها عِبادُ اللهِ) أي منها ، قوله : (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً) قال : المستطير : العظيم (١).

وقوله تعالى : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) ، قال علي بن إبراهيم : حدثني أبي ، عن عبد الله بن ميمون القداح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «كان عند فاطمة عليها‌السلام شعير ، فجعلوه عصيدة ، فلمّا أنضجوها ووضعوها بين أيديهم جاء مسكين ، فقال المسكين : رحمكم الله ، أطعمونا مما رزقكم الله ، فقام علي عليه‌السلام وأعطاه ثلثها ، فلم يلبث أن جاء يتيم ، فقال اليتيم : رحمكم الله ، أطعمونا مما رزقكم الله ، فقام علي عليه‌السلام وأعطاه الثلث الثاني ، ثم جاء أسير ، فقال الأسير : رحمكم الله ، أطعمونا مما رزقكم الله ، فقام علي عليه‌السلام وأعطاه الثلث الباقي ، وما ذاقوها ، فأنزل الله [فيهم] هذه الآية (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) إلى قوله تعالى : (وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً)(٢) في أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وهي جارية في كل مؤمن فعل مثل ذلك» (٣).

وقال الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه عليهما‌السلام ، في قوله عزوجل : (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) : «مرض الحسن والحسين عليهما‌السلام وهما صبيّان صغيران ، فعادهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعه رجلان ، فقال أحدهما : [يا أبا الحسن] لو نذرت في ابنيك نذرا لله ، إن عافاهما؟ فقال : أصوم ثلاثة أيام شكرا لله عزوجل ، وكذلك قالت فاطمة عليها‌السلام ، وقال الصبيّان : ونحن أيضا نصوم ثلاثة أيام ، وكذلك قالت جاريتهم فضّة ، فألبسهما الله العافية ، فأصبحوا صائمين وليس عندهم طعام.

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٩٨.

(٢) الدهر : ٢٢.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٩٨.

٢٩٢

فانطلق علي عليه‌السلام إلى جار له من اليهود ، يقال له شمعون ، يعالج الصوف ، فقال : هل لك أن تعطيني جزة من صوف تغزلها ابنة محمد بثلاثة أصوع من شعير؟ قال : نعم ، فأعطاه ، فجاء بالصوف والشعير ، وأخبر فاطمة عليها‌السلام فقبلت وأطاعت ، ثم عمدت فغزلت ثلث الصوف ، ثم أخذت صاعا من الشعير فطحنته وعجنته ، وخبزت منه خمسة أقراص لكل واحد منهم قرص.

وصلى علي عليه‌السلام مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المغرب ، ثم أتى منزله ، فوضع الخوان وجلسوا خمستهم ، فأول لقمة كسرها علي عليه‌السلام إذا مسكين واقف [بالباب] ، فقال : السّلام عليكم يا أهل بيت محمد ، أنا مسكين من مساكين المسلمين ، أطعموني مما تأكلون أطعمكم الله على موائد الجنّة ، فوضع اللقمة من يده ، ثم قال :

فاطم ذات المجد واليقين

يا بنت خير الناس أجمعين

أما ترين البائس المسكين

جاء إلى الباب له حنين

يشكو إلى الله ويستكين

يشكو إلينا جائعا حزين

كل امرىء بكسبه رهين

من يفعل الخير يقف سمين

موعده في جنّة رهين

حرّمها الله على الضّنين

وصاحب البخل يقف حزين

تهوي به النار إلى سجين

شرابه الحميم والغسلين

يمكث فيه الدهر والسنين

فأقبلت فاطمة عليها‌السلام تقول :

أمرك سمع يا بن عمّ وطاعه

ما بي من لؤم ولا وضاعه

غذيت باللب وبالبراعه

أرجو إذا أشبعت في مجاعه

أن ألحق الأخيار والجماعه

وأدخل الجنّة في شفاعه

وعمدت إلى ما كان على الخوان فدفعته إلى المسكين ، وباتوا جياعا ،

٢٩٣

فأصبحوا صياما لم يذوقوا إلا الماء القراح (١) ثم عمدت إلى الثلث الثاني من الصوف فغزلته ، ثم أخذت صاعا من الشعير فطحنته وعجنته ، وخبزت منه خمسة أقراص ، لكل واحد قرص ، وصلى علي عليه‌السلام المغرب مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم أتى إلى منزله ، فلما وضع الخوان بين يديه وجلسوا خمستهم ، فأول لقمة كسرها علي عليه‌السلام إذا يتيم من يتامى المسلمين قد وقف بالباب ، فقال : السّلام عليكم يا أهل بيت محمد ، أنا يتيم من يتامى المسلمين ، أطعموني مما تأكلون أطعمكم الله على موائد الجنّة ، فوضع علي عليه‌السلام اللّقمة من يده ، ثم قال :

فاطم بنت السيد الكريم

بنت نبي ليس بالزنيم

قد جاءنا الله بذا اليتيم

من يرحم اليوم هو الرحيم

موعده في جنّة النعيم

حرّمها الله على اللئيم

وصاحب البخل يقف ذميم

تهوي به النار إلى الجحيم

شرابه الصديد والحميم

فأقبلت فاطمة عليها‌السلام وهي تقول :

فسوف أعطيه ولا أبالي

وأؤثر الله على عيالي

أمسوا جياعا وهم أشبالي

أصغرهما يقتل في القتال

في كربلا يقتل باغتيال

للقاتل الويل مع الوبال

تهوي به النار إلى سفال

كبوله (٢) زادت على الأكبال

ثم عمدت فأعطت جميع ما على الخوان ، وباتوا جياعا لم يذوقوا إلا الماء القراح ، فأصبحوا صياما ، وعمدت فاطمة عليها‌السلام فغزلت الثلث الباقي من الصوف ، وطحنت الصاع الباقي وعجنته ، وخبزت منه خمسة أقراص ، لكل

__________________

(١) أي الماء الذي لم يخالطه شيء. «لسان العرب : ج ٢ ، ص ٥٦١».

(٢) الكبول : جمع كبل وهو القيد.

٢٩٤

واحد منهم قرص ، وصلى علي عليه‌السلام [المغرب] مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم أتى منزله ، فقرب إليه الخوان ، فجلسوا خمستهم ، فأول لقمة كسرها علي عليه‌السلام إذا أسير من أسراء المشركين قد وقف بالباب ، فقال : السّلام عليكم يا أهل بيت محمد ، تأسروننا وتشدوننا ولا تطعموننا! فوضع علي عليه‌السلام اللّقمة من يده ، ثم قال :

فاطم يا بنت النبي أحمد

بنت نبي سيد مسود

قد جاءك الأسير ليس يهتد

مكبلا في غله مقيد

يشكو إلينا الجوع قد تقدد

من يطعم اليوم يجده في غد

عند العلي الواحد الموحد

ما يزرع الزارع سوف يحصد

فأطعمي من غير من أنكد

فأقبلت فاطمة عليها‌السلام وهي تقول :

لم يبق مما كان غير صاع

قد دبرت (١) كفي مع الذراع

شبلاي والله هما جياع

يا رب لا تتركهما ضياع

أبوهما للخير ذو اصطناع

عبل (٢) الذراعين طويل الباع

وما على رأسي من قناع

إلا عبا نسجتها بصاع

وعمدوا إلى ما كان على الخوان فأعطوه ، وباتوا جياعا ، وأصبحوا مفطرين وليس عندهم شيء».

قال شعيب في حديثه : وأقبل علي عليه‌السلام بالحسن والحسين عليهما‌السلام نحو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهما يرتعشان كالفراخ من شدة الجوع ، فلما بصر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهما قال : «يا أبا الحسن ، شدّ ما يسوءني ما أرى بكم ، انطلق إلى ابنتي فاطمة» فانطلقوا [إليها] وهي في محرابها ، قد لصق بطنها بظهرها من

__________________

(١) أي تقرّحت وتشققت.

(٢) رجل عبل الذراعين ، أي ضخمهما. «لسان العرب : ج ١١ ، ص ٤٢٠».

٢٩٥

شدة الجوع وغارت عيناها ، فلما رآها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضمّها إليه ، وقال : «وا غوثاه ، أنتم منذ ثلاث فيما أرى!» فهبط جبرئيل عليه‌السلام ، فقال : يا محمد ، خذها هنأ لك في أهل بيتك. فقال : «وما آخذ يا جبرئيل؟» قال : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً)(١) حتى بلغ (إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً)(٢).

وقال الحسن بن مهران في حديثه : فوثب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى دخل منزل فاطمة عليها‌السلام ، فرأى ما بهم فجمعهم ، ثم انكب عليهم يبكي ، ويقول : «أنتم منذ ثلاث فيما أرى وأنا غافل عنكم». فهبط عليه جبرئيل عليه‌السلام بهذه الآيات (إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً) قال : هي عين في دار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تتفجر إلى دور الأنبياء والمؤمنين (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) يعني عليا وفاطمة والحسن والحسين وجاريتهم فضة (وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً) يقول عابسا كلوحا (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ) يقول : على حب شهوتهم للطعام وإيثارهم له (مِسْكِيناً) من مساكين المسلمين (وَيَتِيماً) من يتامى المسلمين (وَأَسِيراً) من أسارى المشركين ، ويقولون إذا أطعموهم : (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً) ، قال : والله ما قالوا هذا ، [لهم] ولكنّهم أضمروه في أنفسهم ، فأخبر الله بإضمارهم.

يقول : (لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً) تكافؤننا به (وَلا شُكُوراً) تثنون علينا به ، ولكنا (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ) وطلب ثوابه ، قال الله تعالى ذكره : (فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً) في القلوب (وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً) جنة يسكنونها (وَحَرِيراً) يفرشونه ويلبسونه (مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى

__________________

(١) الدهر : ١.

(٢) الدهر : ٢٢.

٢٩٦

الْأَرائِكِ) والأريكة : السرير عليه الحجلة (١) (لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً)(٢) ، قال ابن عباس : فبينا أهل الجنّة في الجنّة إذا رأوا مثل الشمس [قد] أشرقت لها الجنان ، فيقول أهل الجنّة : يا رب ، إنك قلت في كتابك : (لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً) فيرسل الله جلّ اسمه إليهم جبرئيل عليه‌السلام فيقول : ليس هذه بشمس ، ولكن عليّا وفاطمة ضحكا ، فأشرقت الجنان من نور ضحكهما ، ونزلت (هَلْ أَتى) فيهم ، إلى قوله تعالى : (وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً)(٣).

قلت : القصة رواها الخاص والعام معلومة عندهم بأنها نزلت في عليّ وأهل بيته عليهم‌السلام فالتشاغل بذكرها بأسانيد المخالفين يطول بها الكتاب.

وقال العالم عليه‌السلام : «أما إنّ عليا لم يقل في موضع : إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء منكم ولا شكورا ، ولكن الله علم من قلبه أن ما أطعم لله ، فأخبره بما يعلم من قلبه من غير أن ينطق به» (٤).

وقال أبو الحسن عليه‌السلام : «ينبغي للرجل أن يوسع على عياله لئلا يتمنوا موته ، وتلا هذه الآية (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) الأسير عيال الرجل ، ينبغي للرجل إذا زيد في النعمة أن يزيد أسراءه في السعة عليهم». ثم قال : «إنّ فلانا أنعم الله عليه بنعمة فمنعهم أسراءه وجعلها عند فلان ، فذهب الله بها». قال معمر بن خلاد : وكان فلان حاضرا (٥).

__________________

(١) هي بيت يزين بالثياب والأسرة والستور. «لسان العرب : ج ١١ ، ص ١٤٤».

(٢) الدهر : ١١ ـ ١٣.

(٣) أمالي الصدوق : ص ٢١٢ ، ح ١١.

(٤) الاختصاص : ص ١٥١.

(٥) الكافي : ج ٤ ، ص ١١ ، ح ٣.

٢٩٧

* س ٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (١٠) فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً (١١) وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً (١٢) مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً (١٣) وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً (١٤) وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا (١٥) قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً (١٦)) [سورة الإنسان : ١٠ ـ ١٦]؟!

الجواب / ١ ـ قال علي بن إبراهيم القمي : القمطرير : الشديد (١).

٢ ـ قال أبو جعفر الباقر عليه‌السلام : «قال الله تعالى ذكره : (فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً) في القلوب (وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً) جنّة يسكنونها (وَحَرِيراً) يفرشونه ويلبسونه (مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ) والأريكة : السرير عليه الحجلة (٢) (لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً) ، قال ابن عباس ، فبينا أهل الجنة في الجنة إذ رأوا مثل الشمس [قد] أشرقت لها الجنان ، فيقول أهل الجنة : يا ربّ : إنك قلت في كتابك : (لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً) فيرسل الله جلّ اسمه إليهم جبرئيل عليه‌السلام فيقول : ليس هذه بشمس ، ولكن عليا وفاطمة ضحكا ، فأشرقت الجنان من نور ضحكهما ، ونزلت (هَلْ أَتى) فيهم ، إلى قوله تعالى : (وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً)(٣).

٣ ـ قال علي بن إبراهيم القمي : قوله : (وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها) ، يقول : وقربت ظلالها منهم ، قوله : (وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً) دليت عليهم ثمارها ينالها القاعد والقائم.

قوله تعالى : (وَأَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا. قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ) الأكواب :

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٩٩.

(٢) هي بيت يزين بالثياب والأسرة والستور ، «لسان العرب : ج ١١ ، ص ١٤٤».

(٣) أمالي الصدوق : ص ٢١٢ ، ح ١١.

٢٩٨

الأكواز العظام التي لا آذان لها ولا عرى ، قوارير من فضة الجنة يشربون فيها (قَدَّرُوها تَقْدِيراً) يقول : صنت لهم على قدر رتبتهم لا تحجير فيه ولا فصل (١).

وقال أيضا ، في قوله تعالى : (وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا) : ينفذ البصر فيها كما ينفذ في الزجاج (٢).

* س ٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلاً (١٧) عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً (١٨) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً (١٩)) [سورة الإنسان : ١٧ ـ ١٩]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : (وَيُسْقَوْنَ فِيها) أي في الجنة (كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلاً) قال مقاتل : لا يشبه زنجبيل الدنيا. وقال ابن عباس : كل ما ذكره الله في القرآن مما في الجنة وسماه ، ليس له مثل في الدنيا ، ولكن سماه الله بالاسم الذي يعرف. والزنجبيل : مما كانت العرب تستطيبه ، فلذلك ذكره في القرآن ، ووعدهم أنهم يسقون في الجنة الكأس الممزوجة بزنجبيل الجنة. (عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً) أي تمزج الخمر بالزنجبيل ، والزنجبيل من عين تسمى تلك العين سلسبيلا. قال ابن الأعرابي : لم أسمع السلسبيل إلا في القرآن. وقال الزجاج : هو صفة لما كان في غاية السلاسة ، يعني أنها سلسلة تتسلسل في الحلق. وقيل : سمي سلسبيلا لأنها تسيل عليهم في الطرق ، وفي منازلهم تنبع من أصل العرش ، من جنة عدن ، إلى أهل الجنان. وقيل : سميت بذلك لأنها ينقاد ماؤها لهم ، يصرفونها حيث شاؤوا. (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ) مر تفسيره (إِذا رَأَيْتَهُمْ) يعني إذا رأيت أولئك الولدان (حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً) من الصفاء وحسن المنظر والكثرة ، فذكر لونهم

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٩٩.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٩٩.

٢٩٩

وكثرتهم. وقيل : إنما شبههم بالمنثور لانتثارهم في الخدمة ، فلو كانوا صفا لشبهوا بالمنظوم (١).

* س ٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً (٢٠) عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً (٢١) إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً (٢٢)) [سورة الإنسان : ٢٠ ـ ٢٢]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام في قوله عزوجل : (وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً) : «يعني بذلك وليّ الله وما [هو] فيه من الكرامة والنعيم والملك العظيم الكبير ، إن الملائكة من رسل الله عزّ ذكره يستأذنون عليه فلا يدخلون عليه إلا بإذنه ، فذلك الملك العظيم الكبير ، وقال : على باب الجنّة شجرة ، إن الورقة منها ليستظل تحتها ألف رجل من الناس ، وعن يمين الشجرة عين مطهرة مزكية ، قال : فيسقون منها شربة فيطهّر الله بها قلوبهم من الحسد ، وتسقط من أبشارهم الشعر ، وذلك قول الله عزوجل : (وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً). قال : والثّمار دانية منهم ، وهو قوله عزوجل : (وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً) من قربها منهم يتناول المؤمن من النوع الذي يشتهيه من الثمار بفيه وهو متكىء» (٢).

وقال عباس بن يزيد : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام وكنت عنده غداة ذات يوم : أخبرني عن قول الله عزوجل : (وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً) ، ما هذا الملك الذي كبّره الله حتى سماه كبيرا؟ قال : فقال لي : «إذا دخل أهل الجنة الجنة ، أرسل الله رسولا إلى وليّ من أوليائه ، فيجد الحجبة على بابه ، فتقول له : قف حتى نستأذن لك ، فما يصل [إليه] رسول ربّه إلا

__________________

(١) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٢٢٢.

(٢) الكافي : ج ٨ ، ص ٩٨ ، ح ٦٩.

٣٠٠