التيسير في التفسير للقرآن - ج ٨

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٨

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٤

جهنم (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) ، قال : عن خمس : عن شبع البطون ، وبارد الشراب ، ولذة النوم ، وظلال المساكن ، واعتدال الخلق» (١).

ثم قال ابن الفارسي : وروي في أخبارنا أن النعيم ولاية علي بن أبي طالب عليه‌السلام (٢).

وقال أبو ذكوان القاسم بن إسماعيل بسر من رأى سنة خمس وثمانين ومائتين : حدثني إبراهيم بن العباس الصولي الكاتب بالأهواز سنة سبع وعشرين ومائتين ، قال : كنا يوما بين يدي علي بن موسى الرضا عليه‌السلام فقال : «ليس في الدنيا نعيم حقيقي». فقال [له] بعض الفقهاء ممن بحضرته : قول الله عزوجل : (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) أما هذا النعيم في الدنيا وهو الماء البارد؟ فقال له الرضا عليه‌السلام ـ وعلا صوته ـ : «كذا فسّرتموه أنتم ، وجعلتموه على ضروب ، فقالت طائفة : هو الماء البارد ، وقال غيرهم : هو الطعام الطيب ، وقال آخرون : هو النوم الطيّب.

ولقد حدثني أبي ، عن أبيه ، عن أبي عبد الله عليهم‌السلام : أن أقوالكم هذه ذكرت عنده ، في قول الله تعالى : (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) فغضب عليه‌السلام ، وقال : إن الله تعالى لا يسأل عباده عما تفضل عليهم به ، ولا يمن بذلك عليهم ، والامتنان مستقبح من المخلوقين ، فكيف يضاف إلى الخالق عزوجل ما لا يرضى به للمخلوقين؟! ولكن النعيم حبنا أهل البيت وموالاتنا ، يسأل الله عنه بعد التوحيد والنبوة ، لأن العبد إذا وفى بذلك أداه إلى نعيم الجنة الذي لا يزول ، ولقد حدثني بذلك أبي ، عن أبيه ، عن محمد بن علي ، عن أبيه علي ابن الحسين ، عن أبيه الحسين بن علي ، عن أبيه عليهم‌السلام ، أنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا علي ، إن أول ما يسأل عنه العبد بعد موته شهادة أن لا إله إلا الله ،

__________________

(١) روضة الواعظين : ص ٤٩٣.

(٢) روضة الواعظين : ص ٤٩٣.

٤٨١

وأن محمدا رسول الله ، وأنك ولي المؤمنين ، بما جعله الله وجعلته لك ، فمن أقر بذلك وكان يعتقده صار إلى النعيم الذي لا زوال له».

فقال لي أبو ذكوان ؛ بعد أن حدثني بهذا الحديث مبتدءا من غير سؤال : حدثتك به بجهات ، منها : لقصدك لي من البصرة ، ومنها : أن عمّك أفادنيه ، ومنها : أني كنت مشغولا باللغة والأشعار ولا أعول على غيرهما ، فرأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في النوم والناس يسلمون عليه ويجيبهم ، فسلمت فما ردّ عليّ ، فقلت : أنا من أمتك يا رسول الله. فقال لي : بلى ، ولكن حدث الناس بحديث النعيم الذي سمعته من إبراهيم.

قال الصّولي : وهذا حديث قد رواه الناس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إلا أنه ليس فيه ذكر النعيم ، والآية وتفسيرها إنما رووا أن أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة ؛ الشهادة والنبوّة وموالاة علي بن أبي طالب عليه‌السلام (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «يعني الأمن والصحّة وولاية علي عليه‌السلام» (٢).

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ٢ ، ص ١٢٩ ، ح ٨.

(٢) النور المشتعل : ص ٢٨٥ ، ح ٧٩.

٤٨٢

تفسير سورة

العصر ـ الهمزة

الفيل

رقم السورة

ـ ١٠٣ ـ ١٠٤ ـ ١٠٥ ـ

٤٨٣
٤٨٤

سورة العصر

* س ١ : ما هو فضل سورة العصر؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من قرأ (وَالْعَصْرِ) في نوافله بعثه الله يوم القيامة مشرقا وجهه ، ضاحكا سنّه قريرة عينه حتى يدخل الجنّة» (١).

ومن (خواص القرآن) : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنه قال : «من قرأ هذه السورة كتب الله له عشر حسنات ، وختم له بخير ، وكان من أصحاب الحق ، وإن قرئت على ما يدفن تحت الأرض أو يخزن ، حفظه الله إلى أن يخرجه صاحبه» (٢).

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ (٣)) [سورة العصر : ١ ـ ٣]؟!

الجواب / قال المفضل بن عمر : سألت الصادق جعفر بن محمد عليه‌السلام ، عن قول الله عزوجل : (وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) ، فقال عليه‌السلام : «العصر : عصر خروج القائم عليه‌السلام (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) يعني أعداءنا ، (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) [يعني] بآياتنا (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) يعني بمواساة الإخوان (وَتَواصَوْا بِالْحَقِ) يعني بالإمامة (وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) ، يعني في العسرة» (٣).

__________________

(١) ثواب الأعمال : ص ١٢٥.

(٢) خواص القرآن : ص ١٦ «مخطوط».

(٣) كمال الدين وتمام النعمة : ص ٦٥٦ ، ح ١.

٤٨٥

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام ، في قوله عزوجل : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) ، قال : «استثنى الله سبحانه أهل صفوته من خلقه حيث قال : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) بولاية أمير المؤمنين علي عليه‌السلام (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أي أدّوا الفرائض (وَتَواصَوْا بِالْحَقِ) أي بالولاية (وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) أي وصّوا ذرارهم ومن خلفوا من بعدهم بها ، وبالصبر عليها» (١).

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٨٥٣ ، ح ١.

٤٨٦

سورة الهمزة

* س ١ : ما هو فضل سورة الهمزة؟!

الجواب / قال أبو عبد الله : «من قرأ (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) في فرائضه ، أبعد الله عنه الفقر ، وجلب عليه الرزق ، ويدفع عنه ميتة السوء» (١).

ومن (خواص القرآن) : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «من قرأ هذه السورة كان له من الأجر بعدد من استهزأ بمحمد وأصحابه ، وإن قرئت على العين نفعتها» (٢).

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (١) الَّذِي جَمَعَ مالاً وَعَدَّدَهُ (٢) يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ (٣) كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (٤) وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ (٥) نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ (٦) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (٧) إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (٨) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (٩)) [سورة الهمزة : ١ ـ ٩]؟!

الجواب / قال سليمان الديلمي : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما معنى قوله عزوجل : (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ)؟ قال : «الذين همزوا آل محمد حقهم ولمزوهم ، وجلسوا مجلسا كان آل محمد أحقّ به منهم» (٣).

وقال علي بن إبراهيم : في معنى السورة ، قوله : (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ) ،

__________________

(١) ثواب الأعمال : ص ١٢٦.

(٢) خواص القرآن : ص ١٦ «مخطوط».

(٣) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٨٥٤ ، ح ١.

٤٨٧

قال : الذي يغمز الناس ، ويستحقر الفقراء ، وقوله : (لُمَزَةٍ) الذي يلوي عنقه ورأسه ويغضب إذا رأى فقيرا وسائلا ، وقوله : (الَّذِي جَمَعَ مالاً وَعَدَّدَهُ) ، قال : أعده ووضعه (يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ) قال : [يحسب أن ماله يخلده] ويبقيه ، ثم قال : (كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ) والحطمة : النار [التي] تحطم كل شيء.

ثم قال : (وَما أَدْراكَ) يا محمد (مَا الْحُطَمَةُ نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ) ، قال : تلتهب على الفؤاد ، قال أبو ذر (رضي الله عنه) : بشّر المتكبرين بكيّ في الصدور ، وسحب على الظهور ، قوله : (إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ) ، قال : مطبقة (فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ) ، قال : إذا مدت العمد عليهم أكلت والله الجلود (١).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «إن الكفار والمشركين يعيرون أهل التوحيد في النار ، ويقولون : ما نرى توحيدكم أغنى عنكم شيئا ، وما نحن وأنتم إلا سواء ، قال : فيأنف [لهم] الرب تعالى ، فيقول للملائكة : اشفعوا ، فيشفعون لمن شاء الله ، ثم يقول للنبيين : اشفعوا ، فيشفعون لمن يشاء ، ثم يقول للمؤمنين : اشفعوا ، فيشفعون لمن شاء ، ويقول الله : أنا أرحم الراحمين ، اخرجوا برحمتي ، فيخرجون كما يخرج الفراش» قال : ثم قال أبو جعفر عليه‌السلام : «مدت العمد ، وأوصدت عليهم ، وكان والله الخلود» (٢).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٤١.

(٢) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٨١٩.

٤٨٨

سورة الفيل

* س ١ : ما هو فضل سورة الفيل؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من قرأ في فرائضه : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ) شهد له يوم القيامة كل سهل وجبل ومدر ، بأنه كان من المصلّين وينادي له يوم القيامة مناد : صدقتم على عبدي ، قبلت شهادتكم له وعليه ، أدخلوه الجنة ولا تحاسبوه ، فإنه ممن أحبه وأحب عمله» (١).

ومن (خواص القرآن) : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنه قال : «من قرأ هذه السورة أعاذه الله من العذاب ، والمسخ في الدنيا ، وإن قرئت على الرماح التي تصادم كسرت ما تصادمه» (٢).

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ (١) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (٢) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ (٣) تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (٤) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (٥)) [سورة الفيل : ١ ـ ٥]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «لما أقبل صاحب الحبشة بالفيل يريد هدم الكعبة ، مروا بإبل لعبد المطلب فاستاقوها ، فتوجه عبد المطلب إلى صاحبهم يسأله رد إبله عليه ، فاستأذن عليه فأذن له ، وقيل له : إن هذا شريف قريش ـ أو عظيم قريش ـ وهو رجل له عقل ومروءة ، فأكرمه وأدناه ، ثم قال

__________________

(١) ثواب الأعمال : ص ١٢٦.

(٢) خواص القرآن : ص ٦٢.

٤٨٩

لترجمانه : سله : ما حاجتك؟ فقال له : إن أصحابك مروا بإبل [لي] فاستاقوها فأحببت أن تردها علي. قال : فتعجب من سؤاله إياه رد الإبل. وقال : هذا الذي زعمتم أنه عظيم قريش وذكرتم عقله ، يدع أن يسألني أن أنصرف عن بيته الذي يعبده ، أما لو سألني أن أنصرف عن هدّه لانصرفت له عنه ، فأخبره الترجمان بمقالة الملك ، فقال له عبد المطلب : إن لذلك البيت ربا يمنعه ، وإنما سألتك رد إبلي لحاجتي إليها ، فأمر بردها عليه.

فمضى عبد المطلب حتى لقي الفيل على طرف الحرم ، فقال له : محمود ، فحرك رأسه ، فقال : أتدري لم جيء بك؟ فقال برأسه : لا ، فقال : جاءوا بك لتهدم بيت ربك أفتفعل؟ فقال برأسه : لا ، قال : فانصرف عنه عبد المطلب ، وجاءوا بالفيل ليدخل الحرم ، فلما انتهى إلى طرف الحرم امتنع من الدخول فضربوه فامتنع من الدخول ، فأداروا به نواحي الحرم كلها ، كل ذلك يمتنع عليهم ، فلم يدخل ، فبعث الله عليهم الطير كالخطاطيف ، في مناقيرها حجر كالعدسة أو نحوها ، ثم تحاذي برأس الرجل ثم ترسلها على رأسه فتخرج من دبره ، حتى لم يبق منهم إلا رجل هرب فجعل يحدث الناس بما رأى إذ طلع عليه طائر منها فرفع رأسه ، فقال : هذا الطير منها ، وجاء الطير حتى حاذى برأسه ، ثم ألقاها عليه فخرجت من دبره فمات» (١).

وقال أبو مريم : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ) قال : «كان طير ساف (٢) ، جاءهم من قبل البحر ، رؤوسها كأمثال رؤوس السباع ، وأظفارها كأظفار السباع من الطير ، مع كل طير ثلاثة أحجار : في رجليه حجران ، وفي منقاره

__________________

(١) الكافي : ج ٤ ، ص ٢١٦ ، ح ٢.

(٢) أسفّ الطائر : دنا من الأرض. «لسان العرب : ج ٩ ، ص ١٥٣».

٤٩٠

حجر ، فجعلت ترميهم بها حتى جدرت أجسادهم فقتلتهم بها ، وما كان قبل ذلك رئي شيء من الجدري ، ولا رأوا من ذلك الطير قبل ذلك اليوم ولا بعده؟».

قال : «ومن أفلت منهم يومئذ انطلق ، حتى إذا بلغوا حضر موت ، وهو واد دون اليمن ، أرسل [الله] عليهم سيلا فغرقهم أجمعين». قال : «وما رئي في ذلك الوادي ماء [قط] قبل ذلك اليوم بخمسة عشر سنة» قال : «فلذلك سمي حضرموت حين ماتوا فيه» (١).

وقال علي بن إبراهيم ، في معنى السورة : نزلت في الحبشة حين جاءوا بالفيل ليهدموا به الكعبة ، فلما أدنوه من باب المسجد ، قال له عبد المطلب : أتدري أين يؤم بك؟ فقال برأسه : لا ، قال : أتوا بك لتهدم كعبة الله ، أتفعل ذلك؟ فقال برأسه : لا ، فجهدت به الحبشة ليدخل المسجد فأبى ، فحملوا عليه بالسيوف وقطعوه (وَأَرْسَلَ) الله (عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ). قال : بعضها على أثر بعض ، (تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ) قال : كان مع كل طير ثلاثة أحجار : حجر في منقاره ، وحجران في مخاليبه ، وكانت ترفرف على رؤوسهم ، وترمي أدمغتهم ، فيدخل الحجر في دماغ الرجل منهم ، ويخرج من دبره ، وتنقض أبدانهم ، فكانوا كما قال الله : (فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) قال : العصف : التبن ، والمأكول : هو الذي يبقى من فضله.

قال الصادق عليه‌السلام : «وهذا الجدري من ذلك الذي أصابهم في زمانهم» (٢).

__________________

(١) الكافي : ج ٨ ، ص ٨٤ ، ح ٤٤.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٤٢.

٤٩١
٤٩٢

تفسير سورة

قريش ـ الماعون

الكوثر

رقم السورة

ـ ١٠٦ ـ ١٠٧ ـ ١٠٨ ـ

٤٩٣
٤٩٤

سورة قريش

* س ١ : ما هو فضل سورة قريش؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من أكثر من قراءة (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) بعثه الله يوم القيامة على مركب من مراكب الجنة حتى يقعد على موائد النّور يوم القيامة» (١).

ومن (خواص القرآن) : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «من قرأ هذه السورة أعطاه الله من الأجر كمن طاف حول الكعبة واعتكف في المسجد الحرام ، وإذا قرئت على طعام يخاف منه كان فيه الشفاء ، ولم يؤذ آكله أبدا» (٢).

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(لِإِيلافِ قُرَيْشٍ (١) إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ (٢) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ (٣) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (٤)) [سورة قريش : ١ ـ ٤]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : نزلت في قريش ، لأنه كان معاشهم من الرحلتين : رحلة في الشتاء إلى اليمن ، ورحلة في الصيف إلى الشام ، وكانوا يحملون من مكة الأدم واللب (٣) ، وما يقع من ناحية البحر من الفلفل وغيره ،

__________________

(١) ثواب الأعمال : ص ١٢٦.

(٢) خواص القرآن : ص ١٦ «نحوه».

(٣) أي الجوز واللوز ونحوهما ، وقد غلب على ما يؤكل داخله ويرمى خارجه. «أقرب الموارد : ج ٢ ، ص ١١٢٣» ، وفي المصدر : اللباس.

٤٩٥

فيشترون بالشام الثياب والدرمك (١) والحبوب ، وكانوا يتآلفون في طريقهم ، ويثبتون في الخروج في كل خرجة رئيسا من رؤوساء قريش ، وكان معاشهم من ذلك ، فلما بعث الله رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استغنوا عن ذلك ، لأن الناس وفدوا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحجوا إلى البيت ، فقال الله : (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ) فلا يحتاجون أن يذهبوا إلى الشام (وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) يعني خوف الطريق» (٢).

__________________

(١) أي الدقيق الأبيض. «المعجم الوسيط : ج ١ ، ص ٢٨٢».

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٤٤.

٤٩٦

سورة الماعون

* س ١ : ما هو فضل سورة الماعون؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام ، قال : «من قرأ سورة (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ) في فرائضه ونوافله ، كان فيمن قبل الله عزوجل صلاته وصيامه ، ولم يحاسبه بما كان منه في الحياة الدنيا» (١).

ومن (خواص القرآن) : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «من قرأ هذه السورة غفر الله له ما دامت الزكاة مؤداه ، ومن قرأها بعد صلاة الصبح مائة مرة حفظه الله إلى صلاة الصبح» (٢).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من قرأها بعد عشاء الآخرة غفر الله له وحفظه إلى صلاة الصبح» (٣).

وقال الصادق عليه‌السلام : «من قرأها بعد صلاة العصر كان في أمان الله وحفظه إلى وقتها في اليوم الثاني» (٤).

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (١) فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (٢) وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (٣) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (٤) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ (٥) الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ (٦) وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ (٧)) [سورة الماعون : ١ ـ ٧]؟!

__________________

(١) ثواب الأعمال : ص ١٢٦.

(٢) خواص القرآن.

(٣) البرهان : ج ١٠ ، ص ٤٢٧.

(٤) البرهان : ج ١٠ ، ص ٤٢٧.

٤٩٧

الجواب / قال علي بن موسى بن جعفر ، عن أبيه ، عن جدّه (صلوات الله عليهم أجمعين) ، في قوله عزوجل : (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ) قال : «بولاية أمير المؤمنين علي عليه‌السلام» (١).

وقال علي بن إبراهيم ، في معنى السورة : قوله تعالى : (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ) قال : نزلت في أبي جهل وكفار قريش (فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ) ، أي يدفعه عن حقّه (وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) أي لا يرغب في طعام المسكين ، ثم قال : (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) قال : عنى به التاركين ، لأن كلّ إنسان يسهو في الصلاة ، فهو كالتارك لها ، وعن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «الذي يؤخّرها عن أول الوقت إلى آخره من غير عذر».

(الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ) فيما يفعلون (وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ) مثل السراج والنار والخمير وأشباه ذلك من الآلات التي يحتاج إليها الناس ، وفي رواية أخرى : «الخمس والزكاة» (٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام ، في قوله عزوجل : (وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ) ، قال : «هو القرض يقرضه ، والمعروف يصطنعه ، ومتاع البيت يعيره ، ومنه الزكاة».

فقلت له : إن لنا جيرانا إذا أعرناهم متاعا كسروه وأفسدوه ، فعلينا جناح أن نمنعهم؟ فقال : «لا ، ليس عليكم جناح أن تمنعوهم إذا كانوا كذلك» (٣).

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٨٥٥ ، ح ١.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٤٤.

(٣) الكافي : ج ٣ ، ص ٤٩٩ ، ح ٩.

٤٩٨

سورة الكوثر

* س ١ : ما هو فضل سورة الكوثر؟!

الجواب / روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنه قال : «من قرأ هذه السورة سقاه الله تعالى من نهر الكوثر ، ومن كل نهر في الجنة وكتب له عشر حسنات بعدد كل من قرب قربانا من الناس يوم النحر ، ومن قرأها ليلة الجمعة مائة مرة رأى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في منامه رأي العين ، لا يتمثل بغيره من الناس إلا كما يراه» (١).

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (١) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢) إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (٣)) [سورة الكوثر : ١ ـ ٣]؟!

الجواب / قال عبد الله بن العباس : لما أنزل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) ، قال له علي بن أبي طالب عليه‌السلام : «ما هو الكوثر يا رسول الله؟». قال : «نهر أكرمني الله به».

قال علي عليه‌السلام : «إن هذا النهر شريف ، فانعته لنا يا رسول الله»؟ قال : «نعم يا علي ، الكوثر نهر يجري تحت عرش الله تعالى ، ماؤه أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل وألين من الزبد ، حصاه الزبرجد والياقوت والمرجان ، حشيشه الزعفران ، ترابه المسك الأذفر ، قواعده تحت عرش الله عزوجل». ثم ضرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يده على جنب أمير المؤمنين عليه‌السلام

__________________

(١) خواص القرآن.

٤٩٩

وقال : «يا عليّ ، إن هذا النهر لي ، ولك ، ولمحبّيك من بعدي» (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام في معنى الكوثر : «نهر في الجنة أعطاه الله نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عوضا عن ابنه». وقيل : [هو] الشفاعة. رووه عن الصادق عليه‌السلام (٢).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام ، في قوله : (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)؟ قال : «النحر : الاعتدال في القيام ، أن يقيم صلبه ونحره». وقال : «لا تكفر ، فإنما يصنع ذلك المجوس ، ولا تلثم ، ولا تحتفز (٣) ، ولا تقع على قدميك ، ولا تفترش ذراعيك» (٤).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «هو رفع يديك حذاء وجهك» (٥).

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «لما نزلت هذه السورة ، قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لجبرئيل عليه‌السلام : ما هذه النحيرة التي أمرني بها ربي؟ قال : ليست بنحيرة ، ولكنه يأمرك إذا تحرمت للصلاة ، أن ترفع يديك إذا كبرت ، وإذا ركعت ، وإذا رفعت رأسك من الركوع ، وإذا سجدت ، فإنه صلاتنا وصلاة الملائكة في السماوات السبع ، فإن لكل شيء زينة وإن زينة الصلاة رفع الأيدي عند كل تكبيرة.

قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : رفع الأيدي من الاستكانة. قلت : وما الاستكانة؟ قال : ألا تقرأ هذه الآية : (فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ)(٦)؟».

__________________

(١) الأمالي : ج ١ ، ص ٦٧.

(٢) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٨٣٦.

(٣) احتفز : استوى جالسا على وركيه ، وقيل : استوى جالسا على ركبتيه كأنه ينهض. «لسان العرب : ج ٥ ، ص ٣٣٧».

(٤) الكافي : ج ٣ ، ص ٣٣٦ ، ح ٩.

(٥) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٨٣٧.

(٦) المؤمنون : ٧٦.

٥٠٠