رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن - ج ٤

محمود محمود الغراب

رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن - ج ٤

المؤلف:

محمود محمود الغراب


الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٠٥

(إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (٢٧) وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا (٢٨) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا (٢٩) فَذُوقُوا فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا (٣٠) إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (٣١) حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا (٣٢) وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا) (٣٣)

الكاعب التي صار ثديها كالكعب ، وهو أول شباب الجارية.

(وَكَأْسًا دِهَاقًا (٣٤) لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا (٣٥) جَزَاء مِّن رَّبِّكَ عَطَاء حِسَابًا) (٣٦)

ما ثمّ من الله للعبد إلا جزاء ، والابتداء للعبد ، فإن النفس إذا أكلت من كسبها لها إدلال ، كما أن لها انكسارا في الهبة ، فلهذا كان الجزاء عاما لأنه على الصورة ، ولا انكسار ينبغي للنفس.

(رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا (٣٧) يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا) (٣٨)

يوم الفصل والقضاء تأتي الملائكة بين يدي عرش الفصل والقضاء ، ملائكة السموات ، ملائكة كل سماء على حدة متميزة عن غيرها ، فيكونون سبعة صفوف ، أهل كل سماء صف ، والروح قائم مقدم الجماعة ، وهو الملك الذي نزل بالشرائع على الرسل ، فيوم يقوم الروح وهو الإمام ، والملائكة صفا صفا فالإمام صف وحده ـ الفرق بين الملك والروح ـ كل روح مما هو تحت العقل الأول صاحب الكلمة فهو ملك ، وما فوقه فهو روح لا ملك ، فالملائكة ما بين مسخر ومدبر ، وكلهم رسل الله عن أمر الله حفظة ، وهم على مراتب ، ولهم معارج ونزول وصعود دنيا وآخرة ، فمنهم المسخرون في الدعاء والاستغفار للمؤمنين ، وآخرون في الاستغفار لمن في الأرض ، ومنهم المسخرون في مصالح

٤٤١

العالم المتعلقة بالدنيا ، ومنهم المسخرون في مصالح العالم المتعلقة بالآخرة ، وهذا القدر من العمل الذي هم عليه هو عبادتهم وصلاتهم ، وأما تسبيحهم فذكر الله في هذه الصلوات التي لهم ، كالقراءة والذكر لنا في صلاتنا ، ولا يزال الأمر كذلك إلى الوقت الذي يشاء الله أن تعم الرحمة جميع خلقه التي وسعت كل شيء ، فإذا عمتهم الرحمة لم يبق لبعض الملائكة الذي كان لهم الاستغفار من عبادتهم إلا التسبيح خاصة ، وبقيت الملائكة الذين لهم تعلق بأحوالنا في الجنان وحيث كان من كان من الدارين فذلك منهم لا ينقطع ، وزال عن أولئك اسم الملائكة وبقوا أرواحا لا شغل لهم إلا التسبيح والتمجيد لله تعالى كسائر الأرواح المهيمة ، ف (لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً) اعلم أن خير الشفاعة والكلام ما أذن فيهما الرحمن.

(ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا (٣٩) إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا) (٤٠)

(٧٩) سورة النّازعات مكيّة

بسم الله الرحمن الرحيم

(وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا) (١)

وهم ملائكة مسخرة بالتشتيت ، وهم عمار السماء السابعة.

(وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا) (٢) بالترهيب وهم الملائكة عمار السماء الثانية.

(وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا) (٣) بالسوق وهم الملائكة عمار السماء الدنيا.

٤٤٢

(فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا) (٤) بالاعتناء وهم الملائكة عمار كرة الأثير.

(فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا) (٥) بالأحكام ، وهم الملائكة ، عمار الكرسي.

(يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (٦) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (٧) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (٨) أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (٩) يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ (١٠) أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَّخِرَةً (١١) قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ) (١٢)

وليس إلا صورا ظاهرة هنا وفي البرزخ والآخرة ، ومن كانت تجارته بايرة ، فكرته خاسرة إذا رد في الحافرة.

(فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (١٣) فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ) (١٤)

وهي أرض المحشر فإنه لا نوم لأحد بعد الدنيا ، وهي نفس الأرض التي نحن عليها ، غير أن نعوتها تتبدل ، فتكون الخاصية في الحشر الساهرة ، أي لا ينام عليها أحد لهذه الخاصية ، فالساهرة هي هذه الأرض التي نحن عليها بعد أن يبدلها الله تعالى كيف يشاء ، إما بالصورة ، وإما بأرض أخرى ما نيم عليها تسمى بالساهرة.

(هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (١٥) إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (١٦) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (١٧) فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى (١٨) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (١٩) فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى (٢٠) فَكَذَّبَ وَعَصَى (٢١) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (٢٢) فَحَشَرَ فَنَادَى (٢٣) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى) (٢٤)

٤٤٣

يريد أنه ما في السماء إله غيري ، فانظر إلى من خذله الله كيف اعتز على أمثاله بهذا القول ، هل جعله في ذلك إلا علمه بمرتبته لا علمه بنفسه؟ فالإنسان عبد عينا ورتبة ، كما هو سيد عينا لا رتبة ، ولهذا إذا ادعى الرتبة قصم ، وحرم ، وإذا ادعى العين عصم ، ورحم.

(فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى) (٢٥)

النكال في اللسان : هو القيد ، ـ الوجه الأول ـ الأولى هي قوله (ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) والآخرة وهي كلمة (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) ـ الوجه الثاني ـ على اعتبار صحة إيمان فرعون في علم الله (فَأَخَذَهُ اللهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى) النكل القيد ، لما رأى فرعون ما عند موسى وهارون عليهما‌السلام من اللين في الخطاب ، رق لهما ، وسرت الرحمة الإلهية بالعناية الربانية في باطنه ، فعلم أن الذي أرسلا به هو الحق ، فقيده الله بعبوديته مع ربه في الأولى بعلمه أنه عبد الله ، وفي الآخرة إذا بعثه الله يبعثه على ما مات عليه من الإيمان به علما وقولا ، وليس بعد شهادة الله شهادة ، وقد شهد له أنه قيده في الأولى والآخرة.

(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى) (٢٦)

ـ الوجه الأول ـ (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي في هذا الأخذ (لَعِبْرَةً) أي تعجبا وتجاوزا مما يسبق منه إلى فهم العامة إلى ما فيه مما يفهمه الخاصة من عباد الله وهم العلماء ، ولذلك قال (لِمَنْ يَخْشى) وقد عرّفنا أنه إنما يخشى الله من عباده العلماء ، وقد قال تعالى (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) ولا يخشى حتى يعلم بالتذكّر ما كان نسيه من العلم بالله ، ومن قيده الحق فلا يتمكن له الإطلاق والسراح من ذلك القيد ـ الوجه الثاني ـ (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى) العبرة في ذلك للعالم ، فيعتبر العالم كما أخبر الله من أين أخذ فرعون ، فإن الله سبحانه هو الأعلى حقيقة ، فهو ربنا الأعلى ، وادعى هذه الصفة فرعون وما لبسها قط عند نفسه ، ففي قوله «في ذا» إشارة إلى ما تقدم في القصة والذي تقدم قوله (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) ، وأخذ الله له نكال الآخرة والأولى أي هذه الدعوى أوجبت هذا الأخذ ، وأن الصفة طلبت موصوفها وهو الله ، وبقي فرعون عريا عنها ، فلم يكن له من يحميه عن الأخذ ، فإن الصفة تطلب

٤٤٤

موصوفها ، فإنه لا يقبلها إلا من هي له ، فإذا تضمن الكلام صفة لا تنبغي إلا للعبد فالعبد صاحبها وإن وصف الحق بها نفسه ، وإذا تضمن الكلام صفة لا تنبغي إلا لله فالله صاحبها وإن وصف العبد بها نفسه ـ الوجه الثالث ـ رحمة الله أوسع من حيث أن لا يقبل إيمان المضطر ، وأي اضطرار أعظم من اضطرار فرعون في حال الغرق ، والله يقول (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ) فقرن للمضطر إذا دعاه الإجابة وكشف السوء عنه ، وهذا آمن لله خالصا ، وما دعاه في البقاء في الحياة الدنيا ، خوفا من العوارض أو يحال بينه وبين هذا الإخلاص الذي جاءه في هذه الحال ، فرجح جانب لقاء الله على البقاء بالتلفظ بالإيمان ، وجعل ذلك الغرق (نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى) فلم يكن عذابه أكثر من غم الماء الأجاج ، وقبضه على أحسن صفة ، هذا ما يعطي ظاهر اللفظ ، وهذا معنى قوله (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى) يعني في أخذه نكال الآخرة والأولى ، وقدم ذكر الآخرة وأخر الأولى ، ليعلم أن العذاب أعني عذاب الغرق هو نكال الآخرة ، فلذلك قدمها في الذكر على الأولى ، وهذا هو الفضل العظيم.

(أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا) (٢٧) وذكر ما يختص بالسماء فقال.

(رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (٢٨) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا) (٢٩)

ثم ذكر الأرض ودحيها وما يختص بها فقال :

(وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (٣٠) وذلك في معرض التفضيل على الإنسان.

أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا (٣١) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (٣٢) مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (٣٣) فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (٣٤) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَى (٣٥) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى (٣٦) فَأَمَّا مَن طَغَى (٣٧) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (٣٨) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (٣٩) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى) (٤٠)

٤٤٥

اعلم أن كل مقام سيد عند كل عبد ذي اعتقاد إنما هو بحسب ما ينشئه في اعتقاده في نفسه ، ولهذا قال الله (مَقامَ رَبِّهِ) فأضافه إليه وما أطلقه ، وما تجد قط هذا الاسم الرب إلا مضافا مقيدا ، لا يكون مطلقا في كتاب الله ، والاسم الرب من حيث دلالته هو الذي يعطي في أصل وضعه أن يسع كلّ يعتقد يعتقد فيه ، ويظهر بصورته في نفس معتقده ، ولذا يتجلّى لهم يوم القيامة في صور اعتقادهم. فممن يخاطب الحق بهذه الآية أهل المقامات العلى ، من إطلاق اسم الرب الذي يقبل التجلي في صور الاعتقادات ، فصاحب هذا المقام لا يزال خائفا حتى يأتيه البشرى في الحياة الدنيا بأن الأمر كما قال (وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى) ـ الوجه الأول ـ الهوى هو تقييد الرب بصورة معينة في نفسه ، وعدم إطلاقه في التحول في صور الاعتقادات ـ الوجه الثاني ـ اعلم أن الهوى ما هو غير عين الإرادة ، وكل مراد إذا حصل لمن أراده فهو ملذوذ للنفس ، فكل إرادة فهي هوى ، لأن الهوى تستلذه النفوس ، وما لا لذة لها فيه فليس بهواها ، وما سمي هوى إلا لسقوطه في النفس ، وقد جعل الله زمام كل نفس بيد صاحبها ، وأمرها إليه ، وأنزلها منزلة الأجنبي وليس إلا عينها ، فقال تعالى (وَنَهَى النَّفْسَ) يعني نفسه (عَنِ الْهَوى) المردي ، وهو إرادة النفس ما لم يشرع لها العمل به أو تركه ، فيأمره الهوى بمخالفة ما أمره الله به أن يفعله أو ينهاه عنه ، فيكون هواها لا تأتيه من حيث ما هو هواها ، بل من حيث ما هو إرادة الحق ، وهذه الآية نص في المجاهدة بكسر الصفات البشرية ، وإنما يتيسر ذلك تماما بتربية شيخ كامل يخرجك عن كل مألوف معتاد ، ويقطعك عن كل أستاذ سوى رب العالمين ، ولا يمكن حصر ذلك تفصيلا ، فمن لم تنفعه الكلمة لم تنفعه القناطير ، فإن أوصاف الخلق لا تحصر بالأساطير ، فالعمل في ذلك خلاف كل هوى نفساني ، والخروج عن العادة سوى الفرائض بغير المحظورات ، فمن حيث تعدد الهوى بتعدد المهويات والمشتهيات والمألوفات قيل : الطريق إلى الله تعالى بعدد أنفاس الخلائق ؛ ومن حيث اتحاده قيل الطريق واحد ، والنفس واحد متعدد بحسب القوابل. فليحذر الإنسان أن تقوم عليه حجة الدنيا والشيطان ، فليس لهما عليه من سلطان ، فلا تقل تزينت لي الدنيا ودعاني الشيطان ، فأوقعاني في الخسران ، أنت الذي أجبتهما ووقعت معهما ، وليس لعنهما غير طردهما عنك بتنحيك عنهما ، من حيث أنت لا من حيث هما ، فذاك لعنهما بلسان الحال ، وهو أصدق من لسان المقال ، وقد نبّهت على ذلك بالنهي عن لعن الدنيا ، وليس

٤٤٦

لك نص ، وإن لعن الشيطان فبالمعنى الأول ، فبهذا المعنى تخالف الشيطان ، فإنه قد نص عليه بالعصيان ، وليس لك سبيل إلى مخالفة الهوى وحصول الإسلام إلا بمفارقة قرناء السوء في الظاهر أولا ، ومجانبة صحبة الأحداث والاستقامة ، وينضبط لك إن كنت منفردا عن حضرة شيخ كامل بالعزلة عن كل قاطع ، سيما أربعة أشياء : الكلام ، والتأذي بأذى الأنام ، والطعام ، والمنام ، أو بعبارة أخرى : بالصمت ، والعزلة ، والجوع ، والسهر. قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم [من صمت نجا] وهو من آثار العزلة ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم [الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ، فضيقوا مجاريه بالجوع والعطش] وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعائشة رضي الله عنها [داومي قرع باب الجنة ، قالت : بماذا يا رسول الله؟ قال : بالجوع والعطش] ، وبه يحصل صمت اللسان ، وقلة الكلام ، والذلة والانكسار من جميع الشهوات ، ويذهب الوسواس بها فيسلم من آفاتها ، وبالجوع يحصل السهر للعين. ومخالفة النفس هو الموت الأحمر ، وهو حال شاق عليها ، ولا تخالف النفس إلا في ثلاثة مواطن : في المباح ، والمكروه ، والمحظور لا غير ؛ ولا يعتبر هنا إلا جانب الشريعة خاصة ، فإنها التي وضعت الأسباب الفاضلة ، التي بفعل ما أمرت بفعله ، وترك ما نهت عن فعله ، وجبت السعادة ، وحصلت المحبة الإلهية. فإذا كان عملك عن أثر إلهي مشروع خرجت عن هوى نفسك ، ولو وافقت الهوى ، وتكون ممن نهى النفس عن الهوى ، وهنا نكتة فإنه تعالى قال :

(فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) (٤١)

والجنة ستر والإيواء ستر ، فإن النهي عن الهوى لا يكون إلا من أديب أو مستور عنه الحق في الأشياء ، فإنه لو كان صاحب كشف لكان هواه ما ارتضاه الله وأراد إمضاءه ، ويقول تعالى لصاحب المقام المطلق في تجلي الحق في صور الاعتقادات : إن مقامه ستر هذا العلم بالله الذي حصل له حتى لا ينكره عليه صاحب الاعتقاد المقيد أو يجهّله وربما كفّره ـ اعتبار ـ النفس إذا سافرت في صحبة هواها أضلها عن طريق الرشد والنجاة وما فيه سعادتها ، فقال تعالى : (وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى) يعني أن تسافر معه ، فإنه على الحقيقة عبدها ، لأنه من جملة أوصافها الذي ليس له عين إلا بوجودها ، فهي المالكة له ، فإذا تبعته صار مالكا لها ، وهو لا عقل له ولا إيمان ، فيرمي بها في المهالك

٤٤٧

فتضيع ، وقد اعتبر الشارع ذلك في السفر المحسوس في المرأة مع عبدها ، وجعله تنبيها لما ذكرناه ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم [سفر المرأة مع عبدها ضيعة]

(يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (٤٢) فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا) (٤٣) فمنتهاها ربها.

(٨٠) سورة عبس مكيّة

بسم الله الرّحمن الرّحيم

إن الأنبياء وإن شاهدوا أولياء الله في حال شهودهم للوجه الذي أرادوه من الله تعالى ، فإنهم من حيث أنهم أرسلوا لمصالح العباد لا يتقيدون بهم على الإطلاق ، وإنما يتقيدون بالمصالح التي بعثوا بسببها ، فوقتا يعتبون مع كونهم في مصلحة ، مثل هذه الآية ، آية الأعمى الذي نزل فيه : ـ

(عَبَسَ وَتَوَلَّى) (١)

وكان خباب بن الأرت وبلال وابن أم مكتوم وغيرهم من الأعبد والفقراء ، لما تكبر كبراء قريش وأهل الجاهلية عن أن يجمعهم عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مجلس واحد ، وأجابهم إلى ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فيقول لسان الظاهر إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يفعل لهم ذلك ليتألفهم على الإسلام ، لأن واحدا منهم كان إذا أسلم أسلم لإسلامه بشر كثير ، لكونه مطاعا في قومه ، فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما أعرض عن الأعمى الذي عتبه فيه الحق إلا حرصا وطمعا في إسلام من يسلم لإسلامه خلق كثير ، ومن يؤيد الله به الدين ، ولما كان من مكارم الأخلاق الإقبال على الفقراء والإعراض عن الأغنياء بالعرض ـ من جاه أو مال ـ ما عتب الله نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم

٤٤٨

في الأول إلا لعزة قامت بنفس أولئك ، مثل الأقرع بن حابس وغيره ، فقالوا : لو أفرد لنا محمد مجلسا جلسنا إليه ، فإنا نأنف أن نجالس هؤلاء الأعبد ، يعنون بذلك بلالا وخبابا وغيرهما ، فرغب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لحرصه على إيمانهم ولعلمه أنه يرجع لرجوعهم إلى الله بشر كثير ، فأجابهم إلى ما سألوا ، وتصدى إليهم لما حضروا ، وأعرض عن الفقراء ، فانكسرت قلوبهم لذلك ، فأنزل الله ما أنزل جبرا لقلوب الفقراء ، فانكسر الباقي من نفوس أولئك الأغنياء الأعزاء ، وقيل له : (إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ) و (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ ، وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) ونزل عليه (عَبَسَ وَتَوَلَّى) ومع هذا وقع عليه صلى‌الله‌عليه‌وسلم العتب من حقيقة أخرى لا من هذه الحقيقة ، فإن الله تعالى ما يريد أن يعامله العبد بمعاملة واحدة في كل شيء ، بل يحمده في المواضع التي تطلب منه المحامد ، ويقبل عليه ، ويعرض عنه في المواضع التي يطلب منه الإعراض عنه فيها ، فلا يتعدى الميزان الذي يطلبه منه ولذلك قال تعالى معلما ومؤدبا لمن عظم صفة الله على غير ميزان.

(أَن جَاءهُ الْأَعْمَى (٢) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى) (٣)

يعني ذلك الجبار ، وأن الله عند المنكسرة قلوبهم ، ـ أصحاب العاهات ـ غيبا ، وهو في الجبابرة المتكبرين ظاهر عينا ، وللظهور حكم أقوى ، وكان صلى‌الله‌عليه‌وسلم حريصا على الناس أن يؤمنوا بوحدانية الله ، وإزالة العمى الذي كانوا عليه ، ويترجم عن هذا الإعراض منه صلى‌الله‌عليه‌وسلم لسان الحقيقة ، فإنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : كان يحب الفأل الحسن ، وبعثه بدعوة الحق ، وإظهار الآيات إنما يظهرها لمن يتصف بأنه يرى ، فلما جاءه الأعمى قام له حقيقة من بعث إليهم وهم أهل الأبصار ، فأعرض وتولى لأنه ما بعث لمثل هذا ، فهذا كان نظره صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وما عتبه سبحانه فيما علمه ، وإنما عتبه جبرا لقلب ابن أم مكتوم وأمثاله ، لأنهم غائبون عن الذي يشهده صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو أنه لم يشاهد سوى الحق ، فأينما يرى الصفة التي لا تنبغي إلا لله عظّمها ، ولم يشاهد معها سواها ، وقام لها ووفّاها حقها ، مثل العزة والكبرياء والغنى ، فالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليس له مشهود إلا صفة الحق حيث ظهرت من الأكوان ، فإذا رآها أعمل الحيلة في سلبها عن الكون الذي أخذها على غير ميزانها ، وظهر بها في غير موطنها ، وهو صلى‌الله‌عليه‌وسلم غيور ، فمن العجب أن المشاهد غنى الحق الذي هو صفته في غنى العالم ، فلا يشاهد

٤٤٩

إلا حقا ، ولا يكون القبول والإقبال إلا على صفة حق ، كيف يعتب على ذلك من هو بهذه المثابة؟ فقيل له عندما جاء الجبار الأعمى البصيرة ، تأديبا لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ظاهر الأمر ، وهو يؤدبنا به لنتعلم (أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى) فنبهه ببنية الاستفعال ، وهنا ذكر الحق الصفة ولم يذكر الشخص ، والغنا صفة إلهية ، فما حادت عين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلا إلى صفة إلهية ، لتحققه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأراد الحق أن ينبهه على الإحاطة الإلهية ، فلا تقيده صفة عن صفة ، فليس شهوده صلى‌الله‌عليه‌وسلم لغنا الحق في قوله (اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) بأولى من شهوده صلى‌الله‌عليه‌وسلم لطلب الحق في قوله (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وأين مقام الغنا من هذا الطلب؟ فغار عليه سبحانه أن تقيده صفة عن صفة ، فكان صلى‌الله‌عليه‌وسلم يظهر لأولئك من البشاشة على قدر ما يليق بهم ، ويظهر للأعمى من الفرح به على قدر ما تقع به المصلحة في حق أولئك الجبابرة ، فإن التواضع والبشاشة محبوبة بالذات من كل أحد ، فإنها من مكارم الأخلاق ، وما زال الله يؤدب نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى تحقق بالأدب الإلهي فقال [إن الله أدبني فأحسن أدبي] فإن الله له نسبة إلى الأغنياء كما له نسبة إلى الفقراء ، فقال تعالى :

(أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى (٤) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى) (٥)

لأن الغني يعطى الزهو والفخر لما يشاهده من الطالبين رفده ، وسعي الناس في تحصيل مثل ما عنده ، فكان مشهود محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم الصفة الإلهية ، وهي الغنى ، فتصدى لها لما تعطيه حقيقتها من الشرف ، والنبي في ذلك الوقت في حال الفقر في الدعوة إلى الله ، وأن تعمّ دعوته ، وعلم أن الرؤساء والأغنياء ، تبع الخلق لهم أكثر من تبع من ليس له هذا النعت ، فإذا أسلم من هذه صفته أسلم لإسلامه خلق كثير ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم له على مثل هذا حرص عظيم ، وقد شهد الله تعالى عندنا له بذلك فقال : (عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ) أي عنادكم يعز عليه للحق المبين (حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ) في أن تسلموا وتنقادوا إلى ما فيه سعادتكم ، وهو الإيمان بالله وما جاء من عند الله ، ومع هذا الحضور النبوي أوقع العتب عليه تعليما لنا ، وإيقاظا له ، فإن الإنسان محل الغفلات ، وهو فقير بالذات ، وقد استحق الجاه والمال أن يستغني بهما من قاما به ، ولذلك قال : (أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى) وما قال : أما من هو غني ؛ فإنه على التحقيق ليس بغني ، بل هو فقير لما استغنى به ، وقد علم الحق أنه لمن تصدى محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ،

٤٥٠

فيقول له : وإن كنت تعظم صفتي حيث تراها لغلبة شهودك إياي ، فقد أمرتك أن لا تشاهدها مقيدة في المحدثين ؛ فهذا من التأديب الإلهي لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فترك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تعظيم عزة الله إذا اتصف بها أحد من عباد الله. واعلم أن الغنى وإن كان بالله ، والعزة وإن كانت بالله ، فإنهما صفتان لا يصح للعبد أن يدخل بهما على الله تعالى ، وإن كان بالله فيهما ، فلابد أن يتركهما ويدخل فقيرا ذليلا. ومعنى الدخول التوجه إلى الله ، فلا يتوجه إلى الله بغناه به ولا بعزته به ، وإنما يتوجه إلى الله بذله وافتقاره ، فإن حضرة الحق لها الغيرة الذاتية ، فلا تقبل عزيزا ولا غنيا. وهذا ذوق لا يقدر أحد على إنكاره من نفسه ، فإن الغنى معظم في العموم حيث ظهر وفيمن ظهر ، والخصوص ما لهم نظر إلا في الفقر فإنه شرفهم ، فلا يبرحون في شهود دائم مع الله ، وما راعى الحق في عتبه لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلا جهل من جهل من الحاضرين ، أو من يبلغه ذلك من الناس بمن تصدى له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلو عرفوا الأمر الذي تصدى له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما عتبه ، ولا كان يصدر منهم ما صدر من الأنفة في مجالسته صلى‌الله‌عليه‌وسلم الأعبد ، فهل هذا إلا لذهولهم عن عبوديتهم للذي اتخذوه إلها؟! فإن كانت الآية جاءت عتبا في حق فهم العرب ، لكن من يعلم مرتبة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وذوقه وشهوده يجعل الضمير في له في قوله تعالى :

(فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى) (٦)

لله فلم يكن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم له شهود إلا غنى الحق ، وأن عزته تعالى هي الظاهرة في كل عزيز ، فما تعدى ، من إذا شهد صفة الحق تصدى ، ولكن خاطبه الله تعالى بما يناسب الموطن ، والتكليف للدعوة يقول : إنه لما شاهد صفة الحق وهي غناه عن العالم تصدى لها ، حرصا منه أن يزكي من ظهر بها عنده فقيل له :

(وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى) (٧)

ولك ما نويت وحكمه ، لو تزكى لما فاتك شيء ، سواء تزكى أم لم يتزكّى.

(وَأَمَّا مَن جَاءكَ يَسْعَى (٨) وَهُوَ يَخْشَى (٩) فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى) (١٠)

٤٥١

لكونه أعمى ، أي لا تتطير ، فنهاه عن الطيرة ، فمن هنا كان يحب الفأل الحسن ويكره الطيرة ، وهو الحظ من المكروه ، والفأل الحسن الحظ والنصيب من الخير ، فما تلهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الأعمى إلا لحبه في الفأل ، وما جاء الله تعالى بالأعمى ، إلا لبيان حال مخبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعمى هؤلاء الرؤساء ، وعلم بذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولكن وقف مع حرصه على إيمانهم والوفاء بالتبليغ الذي أمره الله به ، ولأن صفة الفقر صفة نفس المخلوق ، وقد علم صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه الدليل ، فإن الدليل لا يجتمع هو والمدلول ، وهو دليل على غنى الحق ، وقد تجلى في صفة هؤلاء الرؤساء ، فلابد من وقوع الإعراض عن الأعمى والإقبال على أولئك الأغنياء ، ومع هذا كله وقع العتاب جبرا للأعمى ، وتعريفا بجهل أولئك الأغنياء ، فجبر الله قلب الأعمى وأنزل الأغنياء عما كان في نفوسهم من طلب العلو فانكسروا لذلك ، ونزلوا عن كبريائهم بقدر ما حصل في نفوسهم من ذلك العتاب الإلهي. واعلم أن الملك العزيز في قومه ما جاء إليك ولا نزل عليك إلا وقد ترك جبروته خلف ظهره ، أو كان جبروتك عنده أعظم من جبروته ، فعلى كل حال قد نزل إليك ، فأنزله أنت منزلته من نفسه التي يسر بها تكن حكيما ، وما عاتب الله نبيه في الأعمى والأعبد إلا بحضور الطائفتين ، فبالمجموع وقع العتب ، وبه أقول لا مع الانفراد ، فتعظيم الملوك والرؤساء من تعظيم ربك ، وتعظيم الفقراء جبر لا غير لانكسارهم في فقرهم.

(كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (١١) فَمَن شَاء ذَكَرَهُ (١٢) فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ) (١٣)

اللوح المحفوظ فيه قدر ما يقع به التصريف في الدنيا إلى يوم القيامة ، يتضمن ما في العالم من حركة وسكون ، واجتماع وافتراق ، ورزق وأجل ، وعمل ، ثم أنزل ذلك كله في كتاب مكنون إلى السماء الدنيا ، وهي قوله تعالى (فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ).

(مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ) (١٤)

يعني التذكرة التي هي الرسالة ، التي تنزل بها الملائكة فيها توقيعات إلهية بما وعد الله المؤمنين بالله وملائكته وكتبه ورسله وما جاءت به رسله من اليوم الآخر والبعث الآخر ، وما يكون في ذلك اليوم من حكم الله في خلقه.

٤٥٢

(بِأَيْدِي سَفَرَةٍ) (١٥) والسفرة هم الرسل من الملائكة.

(كِرَامٍ بَرَرَةٍ) (١٦)

مطهرين أرواح قدس (كِرامٍ) بما يجودون به على المرسلين إليهم في رسالتهم (بَرَرَةٍ) أي محسنين ، وهؤلاء هم سفراء الحق إلى الخلق بما يريد أن ينفذه فيهم من الحكم من عالم الأركان ، فإذا أراد الله إنفاذ أمر في خلقه ، أوحى إلى الملك الأقرب إلى مقام التنفيذ ، وينزل الأمر من ملك إلى ملك ، ومن سماء إلى سماء حتى السماء الدنيا ، فينادي بملك الماء فيودع تلك الرسالة ، وينادي ملائكة اللمات ، وهم ملائكة القلوب ، فيلقّنوها فيجعلها لمّات في قلوب العباد ، وأما ملك الماء فيلقي ما أوحي به إليه في الماء ، فلا يشرب الماء حيوان إلا ويعرف ذلك السر إلا الثقلين ، ولكن لا يعرف من أين جاء ، ولا كيف حصل. ومن هذا الباب ما يجده الإنسان من بعض شخص ، وحب شخص من غير سبب ظاهر معلوم له ، ويكون بالسماع وبالرؤية ، وورد خبر في مثل هذا ، كما أن بين السماء السابعة والفلك المكوكب كراسي عليها صور كصور المكلفين من الثقلين ، وستور مرفوعة بأيدي ملائكة مطهرة ، ليس لهم إلا مراقبة تلك الصور ، وبأيديهم تلك الستور ، فإذا نظر الملك إلى الصور قد سمجت وتغيرت عما كانت عليه من الحسن ، أرسل الستر بينها وبين سائر الصور ، فلا يعرفون ما طرأ ، ولا يزال الملك من الله مراقبا تلك الصورة فإذا رأى تلك الصورة قد زال عنها ذلك القبح وحسنت رفع الستر ، فظهرت في أحسن زينة ، وتسبيح تلك الصور ، وهؤلاء الأرواح الملكية الموكلة بالستور ، [سبحان من أظهر الجميل وستر القبيح].

(قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ) (١٧)

كل ما في الكون مسخّر للإنسان ومع ذلك كفر ، فالويل لمن زهد في اعتبار وجوده وحقره ، والصغار له فما أذله وأصغره ، فليته كما كفره شكره ، فيكون من الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ، فانتظموا في سلك عسى المدخرة في الدار الباقية المؤخرة.

٤٥٣

(مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (١٨) مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (١٩) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (٢٠) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (٢١) ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ) (٢٢)

ـ الوجه الأول ـ يعني المزاج الذي كان عليه في الدنيا ، أي هو قادر على إعادة ذلك المزاج ، لكن ما شاء ، ولهذا علق المشيئة به فقال (ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ) فلو كان هو بعينه لقال : ثم ينشره ؛ ولا يعلم أحد ما في مشيئة الحق إلا أن يعلمه الحق بذلك ـ الوجه الثاني ـ لما كانت النشأة الآخرة على غير مثال من النشأة الدنيا ، فهو تعالى يخرجنا إخراجا لا نباتا ، فهو يخرجنا من الأرض على الصورة التي يشاء الحق أن يخرجنا عليها ، لذلك علّق المشيئة بنشر الصورة التي أعادها في الأرض الموصوفة بأنها تنبت ، فتنبت على غير مثال لأنه ليس في الصور صورة تشبهها.

(كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (٢٣) فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (٢٤) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبًّا (٢٥) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (٢٦) فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (٢٧) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (٢٨) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (٢٩) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (٣٠) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (٣١) مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (٣٢) فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ (٣٣) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (٣٦) لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (٣٧) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ (٣٨) ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ (٣٩) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (٤٠) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (٤١) أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ) (٤٢)

٤٥٤

(٨١) سورة التّكوير مكيّة

بسم الله الرحمن الرحيم

(إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) (١)

اعلم أن الشمس والقمر والدراري تكون يوم القيامة في النار ، والشمس مكورة قد نزع الله نورها من أعين أهل النار ، بالحجاب الذي بينها وبين أعينهم ، فهي طالعة عليهم غاربة ، كما تطلع على أهل الدنيا في حال كسوفها ، وكذلك القمر وجميع الدراري على صورة سباحتهم الآن في أفلاكهم ، لكنّها مطموسات في أعينهم للحجاب الذي على أعينهم ، قال تعالى :

(وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ) (٢)

ـ الوجه الأول ـ فيشهد أهل النار أجرام السيارة طالعة عليهم وغاربة ، ولا يشهدون لها نورا لما في الدخان من التطفيف ، فكما كانوا في الدنيا عميا عن إدراك أنوار ما جاءت به الشرائع من الحق ، كذلك هم في النار عمي عن إدراك أنوار هذه السيارة وغيرها من الكواكب ، فأهل النار في ظلمة لا تزال أبدا ، لأن ليلهم لا صباح له ـ الوجه الثاني ـ (وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ) بما ترميهم من الشرر.

(وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (٣) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (٤) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ) (٥)

للشهادة يوم الفصل والقضاء ، ليفصل الله بينهم كما يفصل بيننا ، فيأخذ للجماء من القرناء كما ورد ، وهذا دليل على أنهم مخاطبون مكلفون من عند الله ، فإنها أمم أمثالنا ، والوحوش كلها تحشر في النار إنعاما من الله على النار ، إلا الغزلان وما استعمل من الحيوان في سبيل الله ، فإنهم في الجنان على صور يقتضيها ذلك الموطن ، وكل حيوان تغذى به أهل الجنة في الدنيا خاصة.

٤٥٥

(وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ) (٦)

أي أججت نارا ، من سجرت التنور إذا أوقدته ، ولهذا كان يقول ابن عمر إذا رأى البحر يقول : يا بحر متى تعود نارا ؛ وكان يكره الوضوء بماء البحر ويقول : التيمم أعجب إليّ منه.

(وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ) (٧)

بأبدانها ، فإن النفس تحشر يوم القيامة على صورة علمها ، والجسم على صورة عمله.

(وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ (٨) بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ (٩) وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ) (١٠)

النشر ضد الطي ، وبه يتبين الرشد من الغي.

(وَإِذَا السَّمَاء كُشِطَتْ (١١) وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (١٢) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (١٣) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ (١٤) فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ) (١٥)

الخنس هي الجواري الخمسة التي لها الإقبال والإدبار ، ولم يجعل الله معهن في هذا القسم الشمس والقمر وإن كانا من الجواري ولكنهما ليسا من الخنس.

(لْجَوَارِ الْكُنَّسِ) (١٦)

فهي الخنس الكنس السيارة ، تسير في المنازل التي قدرها الله للقمر وتنزلها لإيجاد الكائنات ، فيكون عند هذا السير ما يتكون من الأفعال في العالم العنصري بتقدير العزيز العليم ، والسيارة لا نزول لها ولا سكون في المنازل ، بل هي قاطعة أبدا ، ولما كان عين البروج المقدرة في الفلك الأطلس ليس لها علامة تعرف بها جعل لها المنازل علامة على تلك المقادير ، تقطع في هذا الفلك الأطلس الجواري الخنس الكنس ، فيعرف بالمنازل كم قطعت من ذلك

٤٥٦

الفلك ، ولهذه المنازل أيضا ، وكل كوكب في الفلك المكوكب قطع في الفلك الأطلس ، لكن لا يبلغ عمر الشخص الواحد إلى الشعور به ، ويقول أصحاب تسيير الكواكب إن هذه الكواكب الثابتة تقطع في كل ستين سنة من الفلك درجة واحدة ، ونقلت عن بعضهم مائة سنة ، فمتى يدرك الحس انتقاله كما يدرك الجواري الخنس الكنس؟ التي قد يكون مرورها على عين كواكب المنزلة ، وقد يكون فوقها وتحتها ، على الخلاف الذي في حد المنزلة ما هو ، فسميت منزلة مجازا ، فإن الذي يحل فيها لا استقرار له ، وإنه سابح كما كان قبل وصوله إليها في سباحتها ، فراعى المسمّي ما يراه البصر من ذلك ، فإنه لا يدرك الحركة ببصره إلا بعد المفارقة ، فبذلك القدر يسميها منزلة ، لأنه حظ البصر فغلّبه ـ راجع سورة يس آية ٣٩ ـ

(وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ) (١٧) فظهرت كواكبه.

(وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ) (١٨)

الأوجه عندنا أنّه الفجر المستطيل لانقطاعه ، كما ينقطع نفس المتنفس ، ثم بعد ذلك تتصل أنفاسه.

(إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) (١٩)

قال تعالى مقسما (إِنَّهُ) يعني القرآن (لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) فأضاف الكلام إلى الواسطة والمترجم.

(ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (٢٠) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ) (٢١)

اعلم أيدك الله أن للأرواح العلوية السماوية المعبر عنها بالملائكة مقدّمين ، لهم أمر مطاع فيمن قدموا عليه من الملأ الأعلى ، وهم أصحاب أمر لا أصحاب نهي ، فلا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ، وقد نبه الله تعالى على أن جبرائيل عليه‌السلام منهم بقوله

٤٥٧

(مُطاعٍ) ، ولا يكون مطاعا إلا من له الأمر فيمن يطيعه ، (ثَمَّ أَمِينٍ) قال : بينه وبين الله أسرار لا تعرف منه ، ولا يظهر بها في الدنيا.

(وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ) (٢٢) أي ما ستر عنه شيء.

(وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ) (٢٣)

فإنه محل كشف المقربين ، أراد به الوضوح والبيان والنص الجلي الذي لا يتداخله شك ولا ريب ، وهو نصيب المقربين ، وكان التجلي بالأفق تنبيها على علو الخلق ، أي كل حالة تبقي الإنسان على حالة اعتداله بغير انحراف ، لأن الأفق ما قابل نظرك على الاعتدال.

(وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ) (٢٤)

أي ما بخل بشيء مما هو لكم ، ولا بظنين ، على قراءة ، أي ما يتهم في أنه بخل بشيء من الله هو لكم.

(وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (٢٥) فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ) (٢٦)

ـ إشارة لا تفسير ـ فإنني معكم حيثما كنتم.

(إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ) (٢٧)

بما هو الأمر عليه فإنّ العالم كلّه هو عين تجلي الحق لمن عرف الحقّ.

(لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ (٢٨) وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (٢٩)

(وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) أن تشاؤوا ، إلا أنه في حضرة الخيال مشيئة العبد

٤٥٨

كمشيئة الحق في النفوذ ، وفي الحس في الدنيا يقع بعض ما يشاء العبد ، وفي الآخرة الحق مع العبد على كل ما يشاؤه ، فالحق في الإيجاد لمشيئة العبد في الحضرة الخيالية في الدنيا خاصة ، وفي الآخرة في الجنة عموما ـ تحقيق ـ اعلم أن الإمكان للممكن هو الحكم الذي أظهر الاختيار من المرجّح ، والذي عند المرجح أمر واحد ، وهو أحد الأمرين لا غير ، فما ثمّ بالنظر إلى الحق إلا أحدية محضة خالصة لا يشوبها اختيار ، ألا تراه يقول تعالى : لو شاء كذا لكان كذا ، فما شاء ، فما كان ذلك ، فنفى عن نفسه تعلق هذه المشيئة ، فنفى الكون عن ذلك المذكور ، غير أن لله تعالى نسبتين في الحكم الواقع في العالم بالامتناع أو بالوقوع ، فالنسبة الواحدة ما ظهر من العالم في العالم من الأحكام الواقعة والممتنعة بمشيئتهم ، أعني بمشيئة العالم التي أوجدها الله في العالم ، والنسبة الأخرى ما يظهر في الأحكام في العالم لا من العالم ، مشاءة لله تعالى من الوجه الخاص ، ثم هي لله كالآلة للصانع ظاهرة التعلق منفية الحكم ، فالعلماء بالله ينسبون الواقع بالآلة إلى الله ، والذين لا علم لهم ينسبوها إلى الآلة ، وطائفة متوسطة ينسبون إلى الآلة ما ينسب الحق إليها على حد علمه في ذلك ، وينسبون الكل إلى الله أدبا مع الله وحقيقة ، فهم الأدباء مع الله المحققون ، وهم الذين جمعوا بين الشرع والعقل ، والوجه الصحيح في العلم الإلهي لا يتمكن للعقل أن يصل إليه من حيث نظره ، لا بل ولا من جهة شهوده ولا من تجليه ، وإنما يعلم بإعلامه ، فإن العلم بالله من حيث النظر والشهود على السواء ، ما يضبط الناظر ولا المشاهد إلا الحيرة المحضة ، فإذا وقع الإعلام الإلهي لمن وقع حيث وقع ـ من دنيا وآخرة ـ حصل المقصود.

(٨٢) سورة الانفطار مكيّة

بسم الله الرحمن الرحيم

(إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ) (١) ويحق لها أن تنفطر.

(وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ) (٢)

٤٥٩

إذا طمست النجوم ، فلم يبق لها نور إلا سباحتها لا تزول في النار ، لا بل انتثرت ، فهي على غير النظام الذي كان سيرها في الدنيا ، ويحتمل أن يكون المعنى (إِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ) أي انتثر ضوءها ، فتبقى مظلمة ، وفعلها المودع فيها باق ، فتعطي من الأحكام في أهل النار على قدر ما أوحى فيها الله تعالى ، فاختلف حكمها في أهل النار بزيادة ونقص ، لأن التغيير وقع في الصور لا في الذوات ، فالكواكب كلها في جهنم ، مظلمة الأجرام عظيمة الخلق ، وكذلك الشمس والقمر ، والطلوع والغروب لهما في جهنم دائما ، فشمسها شارقة لا مشرقة ، والتكوينات عن سيرها بحسب ما يليق بتلك الدار من الكائنات ، فذوات الكواكب في جهنم صورتها صورة الكسوف عندنا.

(وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (٣) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (٤) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ) (٥)

لأنها تجده محضرا ، يكشفه لها النور الذي أشرقت به أرض المحشر في قوله تعالى (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها).

(يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) (٦)

وجودك عن تدبير أمر محقق

وتفصيل آيات لو أنك تعقل

فيا أيها الإنسان ما غرّ ذاتكم

برب يرى الأشياء تعلو وتسفل

فإن كنت ذا عقل وفهم وفطنة

علمت الذي قد كنت بالأمس تجهل

وذلك أن تدري بأنك قابل

لقرب وبعد بالذي أنت تعمل

فخف رب تدبير وتفصيل مجمل

فذاك الذي بالعبد أولى وأجمل

إذا كان هذا حالك اليوم دائبا

لعل بشارات بسعدك تحصل

فإن جلال الحق يعظم قدره

وفي الخلق يقضي ما يشاء ويفصل

فالرب الكريم خلق ، فعيّن الشكل وفصّل الأجزاء في الكل ، لذلك قال (يا أَيُّهَا

٤٦٠