كتاب التّعارض

آية الله السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي

كتاب التّعارض

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي


المحقق: الشيخ حلمي عبد الرؤوف السنان
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة انتشارات مدين
المطبعة: الظهور
الطبعة: ١
ISBN: 964-8901-05-8
الصفحات: ٦٢٥

الحنيفية على شيء ، وإمّا بدعوى أنّ الغالب في الخبرين المتعارضين (١) ـ إذا كان أحدهما موافقا لهم ـ أنّه صدر تقيّة ، كما يعلم من الخارج ، بملاحظة شدّة التقيّة في أعصار الأئمة عليهم‌السلام خصوصا الصادقين عليهما‌السلام ، وجلّ الأخبار مرويّة عنهما ، ويعلم أيضا بملاحظة الأخبار الدالّة على ذلك ، كما سيأتي الإشارة إليها إن شاء الله.

والإنصاف أنّ كلتا الغلبتين ثابتة (٢) ، وهما أمارتان على بطلان الخبر الموافق ، فيبقى المخالف على قوّته ، وقد عرفت أنّه لا يعتبر أن يكون المرجّح موجبا للظنّ بحقيّة الخبر ، بل يكفي كونه موجبا لضعف الآخر ، مع أنّه إذا كان الاحتمال منحصرا في مفاد الخبرين يكون موجبا للظنّ بصدق المخالف أيضا.

وأمّا الثاني فلاستفاضة الأخبار بالأخذ بما خالف العامّة ، فيجب الأخذ به سواء أخذنا بالمنصوصات تعبّدا أو فهمنا من الأخبار أنّ المدار على العمل بالأقوى ، أمّا على الأوّل فواضح ، وأمّا على الثاني فلما عرفت من حصول القوّة للمخالف بملاحظة الغلبتين أو إحداهما ، لا أقل من احتمال وجود إحداهما ، وهو كاف في المقام ، ولا يلزم إحرازها ؛ لأنّه إذا احتملنا تحقق إحدى الغلبتين فنأخذ بالأخبار ونجعلها دليلا على تحقق الغلبة ، لأنّا إذا فهمنا من الأخبار أنّ المرجّح ليس إلا ما يكون أمارة نوعيّة على قوّة أحد الخبرين ، وقال الإمام عليه‌السلام : خذ بكذا مرجّحا ، نستكشف منه أنّه أمارة نوعيّة ، نعم يشكل الحال لو علمنا بعدم تحقق الغلبة بشيء من الوجهين ؛ حيث إنّ المفروض أنّ الترجيح ليس تعبديا ، بل من باب كونه موجبا للقوّة ، والمفروض عدمه ، بل يمكن أن يقال : لا مانع من الأخذ بهذا المرجّح تعبدا أيضا ، ولا ينافي ذلك ما بنينا عليه من أنّ المستفاد من الأخبار أنّ المدار على القوّة ولذا تعدّينا عن المنصوصات ، وذلك لأنّه يمكن أن يكون الإمام عليه‌السلام بعد ما فرغ من أسباب القوّة من الشهرة والشذوذ وصفات الراوي وموافقة الكتاب بيّن اللازم (٣) بعد فقد هذه المرجّحات الأخذ بخلاف العامّة تعبدا ، نظير ما تضمنته المرفوعة من

__________________

(١) لا توجد كلمة «المتعارضين» في نسخة (ب).

(٢) في نسخة (ب) : ثابتتان.

(٣) في نسخة (ب) و (د) : بيّن أنّ اللازم ...

٤٨١

الترجيح بالاحتياط بعد عدم سائر المرجّحات ، ووحدة السياق إنّما تؤثر إذا لم يعلم عدم كونه موجبا للقوّة ، ولم تكن الفقرات المتقدمة ظاهرة كمال الظهور في كون المدار على ما يوجب القوّة مطلقا.

وبالجملة ظهور السياق في كون المرجّحات على نسق واحد لا يقتضي رفع اليد عن ظهور الفقرات المتقدمة في التعدي ، إذا لم يمكن الأخذ بهذا المرجّح إلا تعبّدا فتدبّر!

هذا ؛ وقد يستشكل في الأخذ بهذا المرجّح من باب القاعدة ، مع قطع النظر عن الأخبار ، وقد يستشكل في الأخذ به من باب الأخبار :

أمّا من الجهة الأولى فقد استشكل المحقق ـ كما عرفت (١) ـ من جهة أنّ احتمال التقيّة في الخبر الموافق معارض باحتمال التأويل في الآخر ، فإنّه قال :

فإن احتجّ بأنّ الأبعد لا يحتمل إلا الفتوى ، والموافق يحتمل التقيّة ، فوجب الرجوع إلى ما لا يحتمل.

قلنا : لا نسلّم أنّه لا يحتمل إلا الفتوى ؛ لأنّه كما تجوز (٢) الفتوى لمصلحة يراها الإمام عليه‌السلام ، كذلك تجوز الفتوى بما يحتمل التأويل ، لمصلحة يعلمها الإمام عليه‌السلام ، وإن كنّا لا نعلم ذلك.

فإن قال : إنّ ذلك يسدّ باب العمل بالحديث.

قلنا : إنّما نصير إلى ذلك على تقدير التعارض وحصول مانع يمنع من العمل لا مطلقا ، فلا يلزم سدّ باب العمل ؛ انتهى.

وأجاب عنه صاحب المعالم (٣) بأنّ احتمال التقيّة في كلامهم أقرب وأغلب.

وأورد على هذا الجواب بمنع أغلبيّة التقيّة ـ في الأخبار ـ من التأويل ، مضافا إلى أنّ كلامه مشعر بتسليم ما ذكره المحقّق من المعارضة بين الحمل على التقيّة والتأويل مع أنّه غير مسلم ؛ لأنّ الكلام فيما إذا اشترك الخبران في جميع الاحتمالات

__________________

(١) لا توجد «كما عرفت» في نسخة (د).

(٢) في نسخة (ب) و (د) : كما جاز.

(٣) معالم الأصول : ٣٩٢.

٤٨٢

المتطرقة (١) في السند والمتن والدلالة ، فاحتمال الفتوى على التأويل مشترك ، كيف ولو فرض اختصاص الخبر المخالف باحتمال التأويل ، وعدم تطرقه في الموافق ، كان اللازم ارتكاب التأويل في الخبر المخالف ؛ لأنّ النص مقدّم على الظاهر ، ولا يرجع معهما إلى المرجّحات ، فلا وجه لما ذكره المحقق من المعارضة ، ولا لتسليم صاحب المعالم ذلك ، وإنّ الحق الأخذ بالمخالف ؛ لمكان تطرق احتمال في الموافق منتف فيه ، فيكون أقرب إلى الواقع.

قلت : يمكن أن يقال : إنّ غرض المحقق ليس هو أنّ احتمال التأويل مختصّ بالخبر المخالف حتى يقال إنّهما حينئذ يرجعان إلى النص والظاهر ، ويتعيّن التأويل في المخالف ، بل غرضه أنّ الأمر دائر بين حمل الموافق على التقيّة ، وطرح الخبرين معا من جهة احتمال التأويل في كلّ واحد منهما ، ولا يصار إلى الأول مع إمكان الثاني ، فغرضه أنّ الظنّ النوعي المرجّح للتقيّة معارض بظنّ نوعي آخر ، وهو الحمل على التأويل بل (٢) الذي هو أيضا كثير في الأخبار ، فلا وجه للحكم بالحمل على التقيّة مع هذا ، وحينئذ فالذي يناسب في الجواب عنه ما ذكره صاحب المعالم (٣) من أنّ التقيّة أغلب من التأويل ؛ لا ما ذكر من أنّ المفروض تساوي الخبرين من جميع الجهات ، إذ هو أيضا مسلّم لتساويهما من جميع الجهات ، إلا أنّه يقول : الحمل على التقيّة معارض بالحمل على التأويل في كليهما أو أحدهما لا بعينه ، ولذا أورد على نفسه بأنّه مستلزم لسدّ باب العمل بالخبر.

وأجاب بأنّا نصير إلى هذا في صورة المعارضة فقط ، والتحقيق في الجواب عنه ـ إذا منعنا أغلبيّة التقيّة في الأخبار من التأويل ـ أن يقال : إنّ المفروض عدم الاعتناء باحتمال التأويل ، ولو كان كثيرا في الأخبار ؛ حتى في صورة التعارض أيضا ، ولذا نحكم بالتخيير مع عدم واحد من المرجّحات ، وإذا فرض عدم الاعتناء بهذا الاحتمال فيبقى احتمال التقيّة سليما عن المانع ؛ فتدبّر!

__________________

(١) المقصود : الاحتمالات التي يمكن استطراقها في السند أو المتن أو الدلالة.

(٢) لا توجد كلمة «بل» في نسخة (د).

(٣) معالم أصول الدين : ٣٩٢.

٤٨٣

واستشكل بعض الأفاضل (١) أيضا في الأخذ به من الجهة الأولى بأنّ بناء الترجيح على الظن الفعلي بالواقع ، وهو لا يحصل بمجرّد موافقة أحد الخبرين للعامة ، وحمله على التقيّة ، قال : إنّ بناء الترجيح عند الأصحاب على الظنّ بالحكم لا على قلّة الاحتمال ، ولا على الظنّ بالصدور ، إذ لا فائدة فيه بعد عدم حصول الظن بالحكم من جهة أخرى ، وغير خفي أنّ تطرق احتمال التأويل كاف في منع حصول الظنّ من الموافق ، ضرورة تبعيّة النتيجة لأخسّ المقدمات ، والظنّ بالحكم إنّما يحصل مع ظنيّة جميع المقدمات التي لها دخل في معرفة الحكم ؛ ومنها الدلالة ، فإذا زال الظنّ من ظاهر الخبرين بالمعارضة ، فأيّ فائدة لتطرق احتمال التقيّة في أحدهما ، وتوضيحه :

إنّا نفرض الخبرين مقطوعي الصدور وظنّيي الدلالة ، متساويين في جميع جهات التأويل ، ونقول : إنّ الظنّ بالحكم لا يعقل أن يكون حينئذ في أحدهما ؛ لأنّ معرفة الحكم تتوقف على مقدمتين إحراز الصدور وإحراز الدلالة ، ومتى اختل أحدهما لا يحصل الظنّ ـ سواء زاد على هذا الاختلال في الطرف الآخر اختلال آخر أم لا ـ وغاية ما يتولّد من احتمال التقيّة في أحدهما زيادة الاختلال فيه ، وهي لا تورث الظنّ في الطرف الآخر المفروض زوال الظنّ عنه بسبب المعارضة ؛ لأنّ قلّة احتمالات أحد الضدين ليست أمارة لوجود علّة الضد الآخر ، نعم لو كان على التقيّة أمارة ظنيّة كالغلبة ونحوها ، وحصل الظنّ بها (٢) أمكن الترجيح بها ، لحصول الظنّ بالحكم حينئذ على تأمّل فيه وإشكال ؛ لأنّ الظن بالتقيّة لا يقتضي الظن بالتأويل فيه حتى يتقوى أصل الحقيقة في الموافق بهذا الظن لتفيد الظنّ بالمراد ، فيكون احتمال التأويل في الموافق باقيا بحاله ؛ مانعا عن الظن.

اللهمّ إلا أن تكون التقيّة في اللفظ لا في العمل ، فإنّ الظنّ بها حينئذ يستلزم الظن بالتأويل ، ويترتب عليه ظنّ السلامة في ظاهر الموافق.

وفيه : إنّ احتمال الخطأ والكذب في السّند كاف في عدم حصول الظن بالحكم ـ

__________________

(١) بدائع الأفكار : ٤٣٦ ـ ٤٣٧.

(٢) في نسخة (ب) : بهما.

٤٨٤

سواء كانت الدلالة والجهة مظنونتين أم لا ـ بل القطع بالدلالة (١) في أحد المتعارضين لا يجدي أيضا في حصول الظن بالحكم أو العلم به ، فكيف عن الظنّ ؛ وتوضيحه : إنّا نفرض المتعارضين تارة قطعيي الصدور وأخرى ظنّيي الصدور ، فإن كانا قطعيّي الصدور وظنّيّي الدلالة لم يحصل من أحدهما الظن بالحكم مع تساويهما في احتمال التقيّة وعدمه ، وهو واضح ، ولو اختص أحدهما باحتمالها .. إلى أن قال : ثم (٢) إنّ دعوى غلبة التقيّة في الأخبار مجازفة ، ومجرّد موافقة أحدهما لمذهب العامّة لا تفيد الظن بالتقيّة ، فالحق ما أفاده المحقّق من عدم الترجيح بها ، اللهمّ إلا أن يضمّ (٣) إليها بعض علائم التقيّة ، فالترجيح بها حينئذ موافق للقاعدة ، لحصول الظن ، وهو كثير (٤) في الأخبار المتعارضة ، أو يدعى الغلبة في خصوص الأخبار المتعارضة التي كان أحد الخبرين موافقا لهم ، أو يقال إنّ الترجيح يدور مدار الظن ، وغرض الشيخ وسائر الأصحاب المصرّحين بالترجيح بها : التنبيه على أنّ موافقة العامّة قد تكون مرجّحة إذا أفادت الظن ، وهذا هو الأمتن ، وإن كانت دعوى الغلبة في خصوص المتعارضين ـ كما هو مبنى كلام صاحب المعالم (٥) ـ غير بعيدة ؛ انتهى.

أقول : في هذا الكلام أنظار لا بأس بالإشارة إليها :

أحدها : ما عرفت سابقا من عدم كون المناط في المرجّحات الظنّ الفعلي بالحكم الواقعي ، وأنّ الترجيح لا بدّ أن يكون في مناط الحجيّة ، والمفروض أنّ الظن النوعي الحاصل من المرجّح موجب لقوّته (٦) ، ولذا لا يعتبر الظن الفعلي في غير مقام المعارضة على مذهب هذا الفاضل أيضا.

الثاني : غير خفي أنّ مجرّد احتمال التأويل الذي هو موجود في جميع المقامات

__________________

(١) في نسخة (ب) هكذا : بل القطع بالدلالة والجهة.

(٢) لا توجد كلمة «ثمّ» في نسخة (د).

(٣) في نسخة ب : ينضم.

(٤) كتب قبل كلمة كثير : الأكثر ؛ وفي النسخة (ب) و (د) هكذا : أكثر كثير.

(٥) معالم الدين : ٣٩٢.

(٦) جاءت العبارة في النسخة (ب) (د) هكذا : والمفروض أنّه الظن النوعي ولذا لا يعتبر ...

٤٨٥

من غير اختصاص له بحال المعارضة لا يمنع عن الظن معارضا (١) أحيانا ، فلا وجه لقوله لا يعقل حصول الظنّ بأحدهما ، وإن أراد حصول (٢) الظن لا يكون دائميّا فلا يعتبر ذلك بناء على اعتبار المرجّحات (٣) من باب الظن الفعلي ؛ إذ ليس شيء من المرجّحات ملازما للظن الفعلي دائما ، مع أنّ هذا الاحتمال بعيد عن عبارته بل مناف لقوله «لا يعقل».

الثالث : إنّ ما ذكره من منع حصول الظن على تقدير تحقق غلبة التقيّة لمكان احتمال الكذب والخطأ في السند لا وجه له ؛ لأنّ مجرّد الاحتمال لا يضرّ في حصول الظنّ ؛ خصوصا مع كون المفروض أنّ هذا الاحتمال ملغى في نظر الشارع والعقلاء ، كيف؟ ولازم ما ذكره عدم الترجيح بشيء من المرجّحات لوجود هذا الاحتمال في جميعها.

والحاصل إنّ حاصل كلامه أنّ الخبرين إذا كانا قطعيين سندا وظاهرين من حيث الدلالة فيحتمل التأويل في كليهما ، وإن كانا ظنّيين سندا ، فيحتمل كذب سندهما أو الخطأ فيه ، وهذان الاحتمالان مانعان عن حصول الظنّ ، وإن كان أحد الخبرين يزيد احتمال اختلاله من جهة التقيّة ، أو يظن فيه ذلك أيضا ، إذ لا يؤثر هذا الاحتمال وهذا الظن في رفع احتمال التأويل أو الكذب أو الخطأ بالنسبة إلى الخبر المخالف ، فلا يحصل منه الظن بالحكم ، وأنت خبير بأنّ هذين الاحتمالين يمكن فرضهما في سائر المرجّحات أيضا ، فيكون باب الترجيح منسدا بالمرّة.

ثمّ إنّ ما ذكره من الفرق بين التقيّة في اللفظ والعمل ، وأنّ الثاني لا يلازم الظنّ بالتأويل ؛ لا وجه له ، إذ مع التقيّة في العمل أيضا لا يكون ظاهر الخبر الصادر على وجه التقيّة مرادا واقعيّا للإمام عليه‌السلام لو سلّمنا كونه مرادا ظاهريا له بالنظر إلى حال العامل تقيّة ، وإلا فيمكن أن يقال : حاله حال صورة الاتقاء ؛ أي التقيّة في اللفظ ، وأنّ الإمام عليه‌السلام لم يرد ظاهر الخبر ؛ بل ألقى الكلام ليفهم الراوي ظاهره ، ويعمل به ،

__________________

(١) لا توجد كلمة «معارضا» في نسخة (د).

(٢) في نسخة (ب) و (د) : أراد أنّ حصول ...

(٣) في نسخة الأصل : المرجحيات.

٤٨٦

ليكون محفوظا عن ضرر المخالفين ؛ لا أنّ الإمام عليه‌السلام أراد ظاهره ، إلا إذا كان الخبر من قبيل قوله عليه‌السلام افعل كذا وكذا لا من قبيل قوله عليه‌السلام الحكم كذا الظاهر في أنّ الحكم الواقعي كذا ، وعلى أي حال فالمراد الواقعي ليس ظاهر الخبر كما في صورة الاتقاء ، فالظن بالتقيّة ملازم للظن بالتأويل بالنسبة إلى المراد الواقعي في الخبر الموافق ، فيبقى المخالف سليما عن المانع.

الرابع : إنّ لازم كلامه هذا عدم الترجيح بمخالفة العامّة من جهة الأخبار أيضا ؛ لأنّ مدار الترجيح عنده على الظن الفعلي مطلقا ، من غير فرق بين المنصوصات وغيرها ، وقد مرّ منه أنّ المستفاد من الأخبار ذلك ، مع إنّه صرّح (١) بالترجيح بها من جهة الأخبار ، ويقول إنّ مقتضى غلبة البطلان في أحكامهم ـ كما هو مفاد الأخبار ـ حصول وهن وضعف في الخبر الموافق ، فيبقى الخبر المخالف على قوّته في نفسه ، وأنّه لا يعتبر في المرجّح أن يفيد قوّة في الخبر ، بل يكفي إفادته الوهن في الخبر الآخر ، وظاهر هذا الكلام كما ترى .. الأخذ بهذا المرجّح ولو لم يفد الظن الفعلي ، مع أنّ مذهبه ما عرفت من الإناطة بالظن الفعلي.

فيرد الإشكال من وجهين :

أحدهما : أنّ لازم كلامه هاهنا عدم الترجيح بها للأخبار أصلا (٢) ، وأن لا يفرق في الترجيح بها بين مقتضى القاعدة ومقتضى الأخبار.

الثاني : إنّه مبني (٣) على كفاية الظن النوعي ، ولو لم يكن مفيدا لقوّة الأرجح ؛ بل يكفي كونه موجبا لضعف الآخر ؛ فتدبّر!.

الخامس : ما ذكره في آخر كلامه من أنّه لو لم ينضم (٤) إلى أحد الخبرين بعض علائم التقيّة يرجح بها لحصول الظن حينئذ بالحكم ؛ مناف (٥) لأول كلامه ؛ إذ علائم

__________________

(١) في نسخة (د) : مصرح.

(٢) في نسخة (ب) و (د) : أيضا أصلا.

(٣) في نسخة (د) : بنى.

(٤) الموجود في نسخة (ب) و (د) هكذا : من أنّه لو انضم .. ، وكان في أصل النسخة هكذا : لو لم انضم. والصحيح ما في نسختي (ب) و (د).

(٥) هذه الجملة خبر لقوله : ما ذكره ...

٤٨٧

التقيّة لا تزيد على الغلبة في الظنّ ، وقد ذكر أنّ معها لا يحصل الظنّ بالحكم لوجود احتمال التأويل أو الكذب أو الخطأ ، ويظهر من قوله أو يدعى الغلبة في خصوص الأخبار المتعارضة .. إلى آخره ؛ كفاية الغلبة مع أنّه حكم بعدم كفايتها ، ثمّ لا وجه للحكم بكون دعوى الغلبة مجازفة ثمّ تسليمها في آخر الكلام ؛ فتدبّر!.

ثمّ لا يخفى أنّ جميع ما ذكره ـ على فرض تماميّته ـ إنّما يمنع عن التمسك بهذا المرجّح من باب التقيّة ، والحمل عليها ، وأمّا إذا أخذنا به بمقتضى القاعدة من باب غلبة البطلان على أحكامهم ، وكون الرشد في خلافهم ـ على ما هو المعلوم والمدلول للأخبار (١) ـ فلا مانع منه ، ويحصل منه الظن بالواقع مع فرض الانحصار في الاحتمالين ، أو يحصل (٢) الظنّ بعدم كون الموافق حكما شرعيا ، فيبقى الآخر على قوّته وإفادته للظنّ مع فرض (٣) عدم الانحصار ، فلا وجه لطرحه من حيث القاعدة بالمرة ؛ فتدبّر!

وأمّا من الجهة الثانية وهي الأخذ بهذا المرجّح من جهة الأخبار فقد يستشكل فيها بأنّ المسألة عمليّة لا تثبت بأخبار الآحاد ، كما عن المحقق ، وقد يستشكل من جهة ضعف الأخبار الدالّة عليه (٤) ، وقد عرفت الجواب عنهما سابقا ، وأنّه لا فرق بين الأصول والفروع في ثبوتها (٥) بخبر الواحد ، وأنّ الأخبار ـ مستفيضة ، مقبولة ـ مجبورة بعمل الأصحاب.

وقد يستشكل في دلالتها بما عرفت عن المفيد من أنّ المراد منها غير المقام ، وأنّها واردة لبيان أنّه إذا ورد القدح والمدح في واحد من رؤساء المنكرين فالثاني معتبر دون الأول ، وأنت خبير بما فيه من التخصيص بلا مخصّص ؛ مع أنّ بعض الأخبار كالصريح في خلافه ، بل المقبولة صريحة في ذلك ، حيث إنّ موردها مسألة الدّين والميراث ، وقريب من هذا التأويل ما إذا قيل إنّ المراد الأخبار الواردة في

__________________

(١) الكافي : ١ / ٧.

(٢) في النسخة (ب) : ويحصل الظن.

(٣) في النسخة (ب) : على فرض.

(٤) أي على الأخذ بهذا المرجّح.

(٥) في نسخة (ب) و (د) : ثبوتهما.

٤٨٨

الجبر والتفويض والتجسيم والتشبيه ، نعم لا نضايق من إمكان حمل خصوص قوله عليه‌السلام «ما سمعتم مني يشبه قول الناس ففيه التقيّة» (١) على ذلك ـ كما سيأتي من الشيخ في الرسالة (٢) ـ لكنّ سائر الأخبار واضحة المنار في خلاف ذلك.

وقد يستشكل فيها بأنّها مختلفة المفاد ، فلا يمكن عليها الاعتماد ؛ وذلك لأنّ بعضها ظاهر في الأخذ بمخالف العامّة تعبدا ، وبعضها ظاهر في الأخذ به من باب مجرّد حسن مخالفتهم كقوله عليه‌السلام في مرسلة داود بن الحصين (٣) : «إنّ من وافقنا خالف عدوّنا ومن وافق عدوّنا في قول أو عمل فليس منا ولا نحن منه» ، وقوله عليه‌السلام في رواية الحسين بن خالد (٤) : «شيعتنا المسلّمون لأمرنا ، الآخذون بقولنا ، المخالفون لأعدائنا ، فمن لم يكن كذلك فليس منّا».

وبعضها ظاهر في الأخذ به من باب أنّ الرشد والحق في خلافهم ، كخبر عمر بن حنظلة (٥) ، ورواية علي بن أسباط (٦) .. وغيرهما (٧) ، وبعضها ظاهر في الأخذ به من باب أنّ الموافق صدر تقيّة كقوله عليه‌السلام «ما سمعتم مني يشبه قول الناس ففيه التقيّة ..» (٨) ، ومع هذا الاختلاف لا يمكن الأخذ به.

والجواب : إنّ مجرّد الاختلاف في الوجه لا يقتضي ترك العمل بها في أصل الترجيح ، خصوصا مع عدم المنافاة بين المذكورات ، ومع أنّ الطائفة الأولى غايتها ترك التعرض للوجه والسكوت عنه ، لا أنّ الترجيح تعبّدي .. فيمكن حملها على

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢٢ / باب ٣ من أبواب الخلع ، حديث ٧ ، ٢٧ / باب ٩ من أبواب صفات القاضي ، حديث ٤٦.

(٢)

(٣) وسائل الشيعة : ٢٧ / الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، حديث ٣٣ عن رسالة الراوندي.

(٤) وسائل الشيعة : ٢٧ / الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، حديث ٢٥.

(٥) وموطن الشاهد منها قوله عليه‌السلام : «بأي الخبرين يؤخذ؟ فقال : بما خالف العامّة ، وهو الحديث الأول من الباب التاسع من أبواب صفات القاضي.

(٦) ومفادها : .. ائت فقيه البلد فاستفته في أمرك فإذا أفتاك بشيء فخذ بخلافه ، فإنّ الحق فيه».

(٧) كما في الحديث ٣٤ من الباب التاسع : فانظروا إلى ما يخالف منهما العامّة فخذوه ، وحديث ٣١ : خذ بما خالف القوم وما وافق القوم فاجتنبه ، وحديث ٣٠ : إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فخذوا بما خالف القوم.

(٨) وسائل الشيعة : ٢٧ / الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، حديث ٤٦.

٤٨٩

أحد الثلاثة ، والثانية يمكن دعوى عدم تعلّقها بمسألة الترجيح بين الأخبار ، وأنّ المراد من الخبرين أنّ الشيعي (١) لا بدّ أن يكون تابعا لإمامه في أفعاله وأحواله ؛ لا أنّه إذا دار الأمر بين كون هذا قول الإمام عليه‌السلام أو ذاك يجب الأخذ بما يكون مخالفا للعامّة ، فالمراد وجوب كون أفعال الشيعة مطابقة لأفعال الإمام عليه‌السلام ، لا لأفعال المخالفين وأين هذا من مسألتنا؟

وقوله عليه‌السلام «شيعتنا الآخذون بقولنا» يعني القول المعلوم عنّا «المخالفون لأعدائنا» يعني فيما علم عدم كونه من قولنا ، ولعمري إنّه الظاهر من الخبرين ، فبقي أن يكون الوجه أحد الأخيرين ، ولا منافاة بينهما ، ويمكن أن يكون الحكم معلّلا بكل منهما ، إذ كلّ واحد منهما صالح لأن يكون وجها للترجيح ، مع أنّه إذا كان الحق في خلافهم فيكون محمل الخبر الآخر هو التقيّة بعد الفراغ عن صدوره ، وإذا كان الآخر تقيّة فيكون الرشد في الأول.

والحاصل : إنّه لا وقع للإشكال المذكور.

وقد يقرّر الإشكال على وجه آخر أحسن ؛ وهو ما يظهر من الرسالة (٢) ، وحاصله :

أنّ الوجه في الأخذ بمخالف العامّة المأمور به في الأخبار أحد الأربعة من التعبّد وحسن مجرّد المخالفة لهم ، والتقيّة ، وكون الرشد في خلافهم ، كما يدل على كل واحد منها بعض الأخبار ، والأولان باطلان ؛ لبعد التعبّد عن مقام الترجيح المبني على الكشف النوعي ، كما يظهر من التعليل المذكور في الأخبار المستفيضة ، وكذا الأخذ من باب مجرّد حسن المخالفة ؛ لأنّه أيضا نوع تعبّد لا يقتضي (٣) ذلك أقربيّته إلى الواقع ، فهو نظير الترجيح بموافقة الأصل ، أو بالتأسيسيّة ، أو بالأسهليّة ، مع أنّ صريح رواية أبي بصير أنّ الأخذ بمخالفتهم (٤) من باب الأقربيّة لا من باب حسن المخالفة ؛ حيث قال عليه‌السلام «ما أنتم والله على شيء ممّا هم فيه ، ولا هم على شيء ممّا

__________________

(١) في سائر النسخ : الشيعة ، والأصح ما أثبتناه.

(٢) فرائد الأصول : ٤ / ١٢١ ، ١٤٠ ـ ١٤٢.

(٣) في نسخة (د) : إذ لا يقتضي ذلك.

(٤) في نسخة (د) : بمخالفهم.

٤٩٠

أنتم فيه ، فخالفوهم فإنّهم ليسوا من الحقيقة على شيء» (١) ، فتعين أحد الخبرين (٢) ، وكلاهما مشكل ؛ أمّا الأول منهما وهو التقيّة ؛ فلأنّ الشاهد على كونها (٣) الوجه في الترجيح هو قوله عليه‌السلام «ما سمعتم منّي .. إلى آخره» ، ودلالته لا تخلو عن خفاء ؛ لاحتمال أن يكون المراد من شباهة أحد الخبرين بقول الناس كونه متفرعا على قواعدهم الباطلة ، مثل تجويز الخطأ على المعصومين [عليهم‌السلام](٤) عمدا أو سهوا ، والجبر والتفويض .. ونحو ذلك ، وقد أطلقت (٥) الشباهة على هذا المعنى في بعض أخبار العرض على الكتاب والسنّة ، حيث قال «فإن أشبههما فهو حق وإن لم يشبههما فهو باطل» (٦) ، حيث حكم ببطلان ما لم يشبههما ، وهو لا يكون إلا في مثل المذكورات ، ويؤيد هذا المعنى أنّه ـ بناء عليه ـ لا يحتاج إلى جعل القضيّة غالبيّة ، إذ مع هذا يمكن كونها (٧) دائميّة ، وأيضا على هذا لا يختص بصورة التعارض ، ويمكن الأخذ بعمومه.

وأمّا الثاني ؛ فلأنّ التعليل المذكور في الأخبار بظاهره غير مستقيم ؛ لأنّ خلافهم ليس حكما واحدا ، حتى يكون هو الحق ، يعني إنّ مقتضى ظاهر التعليل أنّ كون الرشد في خلافهم أمارة على صدق الخبر المخالف ، وليس كذلك ؛ لتعدد محتملات خلافهم ، وعدم انحصاره في الخبر المخالف.

وإن حمل على أنّ المراد أنّ كون الرشد في خلافهم يقتضي أبعديّة الموافق عن الحقّ وأقربيّة المخالف إليه من حيث إنّه أحد محتملات خلافهم ، الذي فيه الحق نقول إنّه فرع ثبوت غلبة (٨) البطلان على أحكامهم ، أو احتماله ، وهو ممنوع ، وخلاف الوجدان ، ورواية أبي بصير الدالّة على ذلك ، وإن تأكد مضمونها بالحلف إلا

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢٧ / الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، حديث ٣٢.

(٢) قد شطب على «الخبرين» في نسخة (د) وكتب الأخيرين.

(٣) أي التقيّة.

(٤) أثبتناه من نسخة (ب).

(٥) في النسخة : أطلق.

(٦) وسائل الشيعة : ٢٧ / الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، حديث ٤٨.

(٧) في نسخة (ب) : كونهما.

(٨) في نسخة (ب) : أغلبيّة.

٤٩١

أنّه لا بدّ من توجيهها ـ بعد كونها مخالفة للوجدان ـ فيرجع الأمر إلى التعبّد بعلّة الحكم وهو أبعد من التعبّد بنفس الحكم ، فظهر أنّه لا يمكن الأخذ بهذا بالمرجّح بشيء من الوجوه المذكورة.

قلت : الإنصاف تحقق غلبة البطلان في أحكامهم ، ولو في خصوص مورد ورود خبر عن أئمتنا على خلافهم ، فيكون التعليل المذكور صحيحا ، نعم لا يكون المرجّح حينئذ أمارة على صدق المخالف ؛ مع عدم الانحصار في الاحتمالين ، لكنّك عرفت سابقا أنّه لا يعتبر كون المرجّح مفيدا لقوّة الخبر ، بل يكفي كونه أمارة على ضعف الآخر ، فيبقى الأول على قوّته ، وهذا نوع تقوية كما لا يخفى! ولا نسلّم ظهور التعليل في كون المخالفة أمارة على صدق مضمون المخالف حتى يمنع (١) ذلك ـ على فرض تعدد الاحتمالات ـ بل مفاده أعمّ من ذلك ومن تقوية المخالف بتضعيف الموافق ، كما لا يخفى! وعلى فرض عدم تحقق الغلبة فاحتمالها كاف في محمل الأخبار ، وفي صحّة التعليل المذكور ، فتصير الأخبار الدالّة على الترجيح وهذا التعليل قرينة على تحقق الغلبة المذكورة ـ بعد اعتبار كون المرجّح ممّا يكون موجبا للقوّة نوعا.

وكذا الإنصاف معلوميّة كون الغالب في الخبرين المتعارضين ـ مع موافقة أحدهما للعامّة ـ أنّ الموافق صدر تقيّة ، فيمكن أن يكون الوجه في الترجيح هو الحمل على التقيّة ، وإن لم يتمّ الخبر المذكور شاهدا ، فلا نحتاج في هذا إلى شاهد بعد تحقق الغلبة المذكورة ، مع أنّ احتمالها كاف في المقام أيضا بالتقريب المتقدم.

والغرض إبداء الوجه في الترجيح ـ بعد دلالة الأخبار المذكورة عليه ـ فلا يضرنا عدم دلالة الخبر المذكور ، مع أنّ الإنصاف تماميّة دلالته ؛ لأنّ المراد من الشباهة أعمّ ممّا ذكر فيشمل المقام أيضا ، ومجرّد إطلاق الشباهة على ما ذكر لا يقتضي الاختصاص.

هذا مضافا إلى ورود جملة من الأخبار دالّة على أنّ الوجه في اختلاف الأخبار هو

__________________

(١) جاء في نسخة ب هكذا : حتى يتبع.

٤٩٢

التقيّة ؛ كما سيأتي ذكرها في نقل كلام صاحب الحدائق.

ثمّ لا يخفى أنّه ـ على فرض عدم تماميّة دلالة الخبر المذكور ، وورود الوهن في التعليل بكون الرشد في خلافهم من جهة ما ذكره ـ لا يلزم طرح هذا المرجّح ، إذ غاية الأمر عدم إمكان التمسك بالأخبار المعلّلة ، وبالخبر المذكور ، لكنّ سائر الأخبار لا تسقط من درجة الاعتبار ، غاية الأمر الجهل بكون الوجه في الترجيح ما ذا؟ وأنّه التقيّة أو كون الرشد في خلافهم؟ فما لم يعلم بطلان كونه مرجّحا من حيث هو ، لا يمكن رفع اليد عن الأخبار.

ودعوى ظهورها في التعبديّة المنافية لمقام الترجيح مدفوعة بأنّ غايتها السكوت عن الوجه لا أنّه تعبّدي ، بمعنى أنّه ليس من جهة كونه مفيدا لقوّة الخبر ، مع إنّك عرفت سابقا أنّه لا مانع من الأخذ بهذا المرجّح تعبّدا أيضا ، ودعوى أنّه بناء على ظهور الأخبار في التعبّديّة لا بدّ إمّا من رفع اليد عن الحكم بالتعدي عن المنصوصات ، أو رفع اليد عن هذا المرجح ، وذلك لوحدة (١) سياق المرجّحات في الأخبار مدفوعة بمنع ذلك ، وظهور السياق في الوحدة لا يبلغ حدا يوجب صرف ظهور الأخبار في كون المدار على مطلق ما يوجب القوّة ، ولا ينافي هذا ـ أي كون المدار على ما يوجب القوّة ـ اعتبار مرجّح تعبّدا لا من جهة القوّة عند فقد ما يوجبها.

ثمّ إنّ هذا كلّه على فرض التنزل عمّا (٢) هو الواقع من ثبوت الغلبتين أو احتمالهما الكافي في المقام وعدم ظهور الأخبار في التعبديّة ، فتدبّر هذا.

فتحصّل أنّه لا غبار في التمسك بالأخبار ؛ مع تحقق كلتا الغلبتين أو إحداهما ، (ولو لا على التعيين أو احتمالهما أو احتمال إحداهما) (٣).

ولو لم يتمّ التعليل (٤) في الأخبار بظاهره ، ولم تتم شهادة الخبر المذكور على الحمل (٥) على التقيّة ، فضلا عن تماميّتهما كما هو كذلك كما عرفت ، وعن شهادة

__________________

(١) في نسخة (ب) : بوحدة.

(٢) في النسخة : عن ما.

(٣) ما بين القوسين لا يوجد في نسخة (د).

(٤) في نسخة (ب) : التعليل المذكور.

(٥) في النسخة (ب) : العمل.

٤٩٣

جملة من الأخبار الأخر على الحمل المذكور كما سيأتي ذكرها.

ثمّ إنّ الشيخ في الرسالة (١) دفع الإشكال عن الاحتمالين الأخيرين ، فعن ثانيهما (٢) بما حاصله : إنّه يمكن الالتزام بغلبة البطلان في أحكامهم ، على ما صرّح به في رواية الأرجائي ، وأصرح منها ما عن أبي حنيفة من قوله : خالفت جعفرا في كل ما يقول إلا أنّي لا أدري يغمض عينيه في الركوع والسجود أو يفتحهما (٣) ، وحينئذ فنأخذ بالتعليل المذكور إمّا بظاهره من كون المخالفة مقوّية لمضمون الخبر المخالف ـ بعد دعوى غلبة انحصار الفتوى في الوجهين ـ في مورد الخبر ، وهو اتّفاق جميع العامّة على مضمون أحد الخبرين ، فإنّ الغالب في هذه الصورة انحصار وجه المسألة في وجهين ، وأنّه إذا كان أزيد من الوجهين ، وكان فيها وجوه يكون العامّة مختلفين في الفتوى ، فيخرج عن مورد التعليل ، وهو صورة اتفاقهم.

وإمّا بحمله على إرادة كون المخالفة موجبة للأبعديّة عن الباطل ، والأقربيّة إلى الحق إذا أغمضنا عن غلبة الانحصار.

وعن أوّلهما (٤) بأنّ وجه الحمل على التقيّة ليس منحصرا في الخبر المذكور ، بل الوجه فيه ما تقرر في باب التراجيح ، واستفيد من النصوص والفتاوى (٥) من حصول التراجيح (٦) بكل مزيّة في أحد الخبرين توجب كونه أقل أو أبعد احتمالا لمخالفة الواقع من الخبر الآخر ، والمفروض أنّ الخبرين متساويان ، والموافق يحتمل التقيّة ، وهذا الاحتمال مفقود في المخالف ، فيكون ذا مزيّة من هذه الجهة.

قلت : أمّا كلامه الأول فمتين ؛ إلا أنّك عرفت أنّ التعليل لا يقتضي أزيد من تقوية المخالفة للعامة للخبر المخالف بتضعيف الموافق ، ولا يكون ظاهرا في أنّها أمارة على صدق الخبر المخالف حتى نحتاج إلى إثبات غلبة الانحصار في الوجهين كي

__________________

(١) فرائد الأصول : ٤ / ١٢٤.

(٢) في نسخة (د) : ففي ثانيهما.

(٣) لم نعثر على مصدر تاريخي لهذه الكلمة منه ، وعلى حال لا يستبعد صدور مثلها من مثله.

(٤) فرائد الأصول : ٤ / ١٢٥.

(٥) في نسخة (ب) : الفتاوى والنصوص ، وفي نسخة (د) : من الفتاوى.

(٦) في نسخة (ب) و (د) : الترجيح.

٤٩٤

يرد علينا المنع من تحقق هذه الغلبة ، فالالتزام بغلبة البطلان على أقوالهم ، ولو في خصوص صورة ورود خبر عن أئمتنا (عليهم‌السلام) على خلافهم كاف في تصحيح التعليل في المطلب.

وأمّا كلامه الثاني فصحيح على مذهبه من الترجيح بمجرّد وجود احتمال أقربيّة أو أبعديّة ، وأمّا على مذاقنا من لزوم كونه أمارة نوعيّة فنحتاج إلى إثبات غلبة التقيّة أو احتمالها ، كما عرفت.

ثمّ إنّه يظهر من كلامه هذا أنّه عدل عن التمسك بالأخبار في الترجيح من باب الحمل على التقيّة ، وتمسك بمقتضى القاعدة المستفاد من النصوص والفتاوى من الترجيح بكل مزيّة ، وأظهر من هذا ما ذكره في آخر المسألة بقوله فتلخّص أنّ الترجيح بالمخالفة من أحد وجهين .. إلى قوله : الثاني من جهة كون المخالف ذا مزيّة ، لعدم احتمال التقيّة ، ويدلّ عليه ما دلّ على الترجيح بشهرة الرواية معلّلا بأنّه لا ريب فيه ، بالتقريب المتقدم ، ولكنّك عرفت أنّ التمسك بالأخبار الخاصّة لا إشكال فيه ، والحمل على التقيّة محملها ووجه الترجيح المذكور فيها ، فلو نوقش في دلالة الخبر المذكور سابقا من قوله عليه‌السلام «ما سمعتم .. إلى آخره (١)» لا يلزم طرح الأخبار ، وعدم التمسك بها والرجوع في الترجيح بالمخالفة إلى القاعدة.

ويمكن أن يستظهر من هذا الكلام من الشيخ أنّ غرضه في أصل الإشكال أنّ ظهور التعبديّة من الطائفة الظاهرة في التعبد يمنع عن التمسك بها بعد وجوب كون المرجّح من باب الكشف عن الواقع والأقربيّة ، وكذا ورود الإشكال في التعليل المذكور في الأخبار يمنع عن التمسك بالأخبار المشتملة على التعليل ، وإذا ورد الإشكال على قوله عليه‌السلام «ما سمعتم منّي .. إلى آخره» أيضا ؛ فلا بدّ في الأخذ بهذا المرجّح من الرجوع إلى القاعدة ، لعدم دليل عليه ، فيكون تقرير الإشكال على غير ما حملنا عليه كلامه من أنّ الإشكال إنّما هو في الوجه في الترجيح.

فتحصل أنّ هذا الإشكال يمكن تقريره بوجوه :

__________________

(١) قوله «إلى آخره» لا يوجد في نسخة (ب).

٤٩٥

أحدها : ما تقدم سابقا من أنّ اختلاف مفاد الأخبار يمنع عن التمسك بها ، وقد عرفت حاله.

الثاني : ما حملنا عليه كلام الشيخ قدس‌سره من أنّ الوجه في الترجيح أحد أمور أربعة وجميعها محل إشكال.

الثالث : ما احتملنا ثانيا في كلامه من أنّ الأخبار طوائف ، ولا يمكن التعويل على شيء منها ؛ لأنّ كلّا منها محل إشكال لا بدّ من طرحه ، وأنت خبير بأنّ الأخبار الساكتة عن الوجه لا وجه لطرحها ، نعم لو فرض ظهورها في التعبديّة بحيث لا تقبل التوجيه أو فرض عدم إمكان كون المخالفة موجبة لقوّة في المخالف يجب طرحها ، ولكنّ الأمر ليس كذلك كما عرفت مفصّلا.

وينبغي التنبيه على أمور :

[تنبيهات المقام الرابع]

الأمر الأول (١) : [حيثيّة الرشد في خلافهم للترجيح بمخالفة العامّة؟]

ذكر في الرسالة (٢) أنّ الترجيح بمخالفة العامّة إن كان من باب كون الرشد في خلافهم يكون من المرجّحات المضمونيّة ، وإن كان من باب عدم احتمال التقيّة يكون من المرجّحات الجهتيّة ، ويدلّ عليه ما دلّ على الترجيح بشهرة الرواية معلّلا بأنّه لا ريب فيه بالتقريب المتقدم سابقا ، والثمرة بين الوجهين تظهر فيما يأتي ، وغرضه أنّه على الأول يقدّم على المرجّحات السنديّة ، وعلى الثاني فهو متأخر عنها لما يأتي.

قلت : لا يخفى أنّه على الثاني أيضا يرجع إلى ترجيح المضمون ؛ لأنّ أحد الخبرين إذا كان لبيان الحكم الواقعي والآخر لا لبيانه ، فلا شكّ أنّ مضمون الأول أقوى من الثاني ، فيكون حاله حال سائر المرجّحات المضمونيّة ، ولا فرق بين تقوية المضمون أو لا ، أو بملاحظة عدم صدوره تقيّة.

(ودعوى أنّ صدور أحدهما تقيّة) (٣) لا يكون مقويّا لمضمون الآخر ، وإنّما هو

__________________

(١) كتب في النسخ : أحدها ، ولكن لتوحيد لفظ العدد مع ما بعده كتبناه هكذا.

(٢) فرائد الأصول : ٤ / ١٣٨.

(٣) قد كتبت هذه العبارة بهامش الكتاب إلى جانب هذا السطر بدون إشارة لموقعها ، فاحتملنا ـ أن تكون في هذا المكان منه ، وهي كذا كتبت في نسخة (ب) و (د).

٤٩٦

مضعّف لمضمون نفسه ، بخلاف مثل موافقة الكتاب ونحوها مدفوعة بأنّه على الأول أيضا كذلك ، إلا في صورة انحصار الاحتمال في الوجهين ، ومعه فيكون حال التقيّة أيضا كذلك ، إذ مع الانحصار يكون صدور أحدهما تقيّة أمارة على أنّ الحق في الاحتمال الذي يكون موافقا للخبر الآخر ، وما سيذكره من الوجه في تأخّر مرتبة هذا المرجّح ـ بناء على الحمل على التقيّة ـ عن المرجّحات السنديّة من حيث إنّ الحمل على التقيّة فرع الصدور ، ومرجح السند يفيد عدم صدور أحدهما المعيّن ، فلا يبقى محلّ لهذا المرجّح ؛ سيأتي الجواب عنه ، خصوصا مع الاستناد في اعتبار هذا المرجّح إلى عموم التعليل في قوله عليه‌السلام «لا ريب فيه» ، فإنّه يوجب الأخذ به من حيث عدم احتمال التقيّة ، ولا يدل على وجوب الحكم بأنّ الموافق صدر تقيّة حتى يقال إنّ هذا الحكم فرع الصدور ، فبمجرّد وجود احتمال التقيّة في الموافق وعدمه في المخالف يجب الأخذ بالمخالف ، وليس هناك تكليف آخر بالحمل على التقيّة.

نعم ؛ لو استندنا إلى قوله عليه‌السلام «ما سمعتم منّي .. إلى آخره» أمكن دعوى ما ذكره ، ولأجل ما ذكرنا تكون الشهرة في الرواية من المرجحات المضمونيّة ، بل كلّ ما يستفاد من قوله لا ريب فيه ممّا لا يرجع إلى السند والمتن ، فهو من المرجّحات المضمونيّة ، وسيأتي تمام الكلام إن شاء الله.

هذا وذكر بعض الأفاضل (١) ثمرتين أخريين بين الوجهين :

إحداهما : إنّه بناء على كونه من المضمونيّة ـ من باب كون الرشد في خلافهم ـ لا يجري إلا في الأخبار الظنيّة (٢) ، إذ القدر المتيقن من الرجوع إلى المرجّحات إنّما هو الأخبار الظنيّة ، ففي الخبرين المتواترين والمحفوفين بالقرائن القطعيّة لا يرجح بمخالفة العامّة ، بل بسائر المرجّحات ، كما أنّها لا تجري في الآيتين والمختلفتين ، وأمّا بناء على كونه من باب التقيّة ؛ فهو جار في القطعيّات أيضا ، بل هو القدر المتيقّن

__________________

(١) بدائع الأفكار : ٤٤٤ ـ ٤٤٥.

(٢) في نسخة (ب) : لا يجري في الأخبار الظنيّة.

٤٩٧

من هذا المرجّح ؛ لأنّ قوله (عليه‌السلام) «ما سمعتم منّي .. إلى آخره» ظاهر في الخبر القطعي ، بل في الخبر المسموع من الإمام عليه‌السلام ؛ غاية الأمر التسرية إلى غير المسموع من المقطوعات ، فشموله للخبرين الظنيين يحتاج إلى دليل ، ويمكن التمسك له بأنّ قوله عليه‌السلام «ما سمعتم ..» من القرائن العامّة التي نصبها الإمام عليه‌السلام لبيان أنّ الأخبار الموافقة للعامّة صادرة على وجه التقيّة ، وإذا كان كذلك نقول :

إنّ القرينة منصوبة على نفس قول الإمام عليه‌السلام ؛ أعمّ من أن يكون ثابتا بطريق القطع أو الظنّ ، فيجري في الأخبار الظنيّة أيضا ؛ نعم بناء على عدم كونه من القرائن العامّة بل من باب نصب أمارة نوعيّة ، بحيث يكون من الأحكام المجعولة نظير حجيّة الخبر فلا (١) يشمل الظنيّات ؛ لأنّه منصوب في الأخبار القطعيّة لا في مطلق قول الإمام عليه‌السلام المنقول.

وحينئذ فلا بدّ في إثبات التسرية إلى الظنيّات من دعوى تنقيح المناط وهو ممنوع في الأمور التعبديّة ، أو دعوى أنّ أدلّة حجيّة الخبر الواحد تثبت جميع الآثار المحمولة على الأخبار القطعيّة فإذا كان حكم الخبر القطعي الحمل على التقيّة عند التعارض فيكون حكم الخبر الظني أيضا كذلك ، وهذه الدعوى مدفوعة بأنّ المفروض أنّ الحكم معلّق على الخبر المعلوم ، فالعلم (٢) جزء لموضوع الحكم وأدلّة الأمارات والأصول لا تثبت آثار العلم الموضوعي كما ثبت في محله (٣).

فظهر أنّه ـ بناء على كون هذا القول من الإمام عليه‌السلام من باب نصب القرينة ، ومن باب الإخبار عن الواقع ـ يجري هذا المرجّح في الأخبار الظنيّة أيضا ، وبناء على كونه من باب نصب الأمارة فيختص بالقطعيّة ، ولا يجري في الأخبار الظنيّة إلا بإحدى

__________________

(١) في نسخة (ب) هكذا : وحينئذ فلا يشمل ...

(٢) في نسخة (د) : إذ العلم.

(٣) هذا بحث علمي دقيق وملخصه : أنّ الأدلة الدالة على حجيّة الأمارات والأصول هل تقوم بتحمل إثبات حجيتها في مقام القطع الموضوعي فتنزل منزلته أم لا؟ قولان بل أقوال في المسألة ، ومنها التفصيل بين آثار العلم وآثار المعلوم ، ويظهر من السيد هنا أنّ تلك الأدلة تثبت آثار المعلوم دون آثار العلم فلو علمت بعدالة زيد من طريق البينة أو الأمارة جاز لك الصلاة خلفه ، ولكن لا يجوز لك الشهادة بأنّه عادل ؛ لأنّ الشهادة أثر العلم لا أثر المعلوم ، والفرض أنّ دليل الحجيّة لم يتكفل إثبات أثر العلم بل أثر المعلوم فقط ، فافهم.

٤٩٨

دعويين ؛ كلتيهما ممنوعة.

ولكنّ الحقّ أنّه من باب نصب القرينة العامّة ؛ لا من باب جعل الأمارة ؛ فيجري هذا المرجح في القطعي والظنّي من الأخبار ، بناء على هذا الوجه ، و [أمّا] بناء على الوجه الأول ـ وهو كونه من باب كون الرشد في خلافهم ـ فلا يجري إلا في الظنيّات ؛ هذا ملخّص كلامه المذكور في مواضع.

أقول : فيه :

أولا : إنّ ما ذكره من أنّ القدر المتيقن من الرجوع إلى الترجيح إنّما هو في الأخبار الظنيّة ؛ لا وجه له ـ بعد كون الأخبار مطلقة ، بل عامّة بمقتضى ترك الاستفصال ـ نعم بعض المرجّحات لا يجري في القطعيّات من باب قصور الموضوع ، مثل الأعدليّة وأخواتها من المرجّحات السنديّة ، بل بناء العقلاء وعمل العلماء أيضا على التعميم كما لا يخفى.

وثانيا : إنّ ما ذكره من أنّه بناء على الوجه الثاني فالقدر المتيقن القطعيّات ؛ فيه : أنّ السماع إن كان له موضوعيّة فلا يجري إلا في الأخبار المسموعة ، وإن لم يكن كذلك فلا اختصاص بالقطعيّين ؛ مع أنّ الإنصاف أنّ معنى الخبر : أنّ أقوالي التي صدرت منّي شبيهة بقول العامّة فيها التقيّة ، وليس المراد كون القول قطعيّا أو ظنيّا أو مسموعا أو غيره ، فالغرض بيان حال أقواله عليه‌السلام ، وهذا من الوضوح بمكان ، فهو نظير ما إذا قال قائل ما سمعت منّي في مدح فلان (١) فهو من باب الاضطرار مثلا ، يعني أنّ قولي حاله كذا ؛ من غير نظر إلى كونه قطعيا أو ظنيا.

ثمّ إنّ ما ذكره من أنّ التسرية إلى الظنّي متفرع على كون هذا القول من الإمام عليه‌السلام قرينة عامّة أو من باب نصب الأمارة لا وجه له ؛ إذ لا فرق بين الوجهين في الاختصاص بالقطعي ، بمقتضى الجمود على لفظ السماع ، إذ القرينة المنصوبة أيضا يمكن أن تكون مخصوصة بالخبر القطعي كما هو واضح ، وقد اعترف بهذا في موضع آخر من كلامه.

__________________

(١) في نسخة (ب) و (د) الفلاني.

٤٩٩

ثمّ لا يخفى أنّ كونه قرينة عامّة أيضا لا يخلو من نوع تعبّد ، وليس إخبارا صرفا ؛ وذلك لأنّه إخبار صرف إذا كانت القضية دائميّة ، كما هو كذلك ـ بناء على الحمل الذي ذكره الشيخ في الرسالة ـ والمفروض أنّ بناء الاستدلال على كونه غالبيا ، وحينئذ فيكون مفاد الخبر أنّ أقوالي الشبيهة بأقوال العامّة الغالب فيها التقيّة ، ومن المعلوم أنّ اعتبار هذه الغلبة يحتاج إلى تعبّد من الشارع ، فيكون الخبر بصدد إثبات الغلبة واعتبارها معا ، فلا فرق في الاحتياج إلى الجعل والتعبد بين كونه قرينة عامّة أو أمارة نوعيّة ، مع أنّ المفروض أنّ وجه الاختصاص والاقتصار بناء على الثاني تعبديته فاللازم عدم الفرق ، وهذا أيضا واضح.

وثالثا : إنّه لا يخفى أنّ دليل هذا المرجّح ليس منحصرا في قوله عليه‌السلام «ما سمعتم منّي .. إلى آخره» بل الأخبار الأخر تدلّ عليه ؛ غاية الأمر أنّ هذا يبيّن أنّ وجه الترجيح هو الحمل على التقيّة ، وحينئذ فنقول : إنّ تلك الأخبار شاملة للقطعي والظني ، مع أنّ المقبولة المشتملة على المرجحات السنديّة ، وكذا المرفوعة مشتملتان على هذا المرجّح ، والقدر المتيقن منهما الأخبار الظنيّة ، فلا حاجة في التسرية إلى الأخبار الظنيّة إلى تنقيح المناط أو غيره ، مع أنّه اقترن في جملة من الأخبار بموافقة الكتاب والسنّة ، وهما من المرجّحات المضمونيّة المختصة عنده بالأخبار الظنيّة ، فيكون هذا أيضا جاريا فيها ، وإلا لزم التفكيك ، وهو مع ركاكته غير ممكن في المقام كما لا يخفي! إذ الخبران المسئول عن حالهما : إمّا يراد منهما خصوص القطعيين أو خصوص الظنيين أو الأعم ، ولا يمكن إرادة الأول بالنسبة إلى مخالفة العامّة ، والثاني بالنسبة إلى موافقة الكتاب إلا بتكلّف خارج عن طور المحاورات ، ومن هنا ينقدح وجه آخر في بطلان دعوى اختصاص المرجّحات المضمونيّة بالأخبار الظنية إذ هذا المرجّح جار في القطعيّات باعترافه بناء على الوجه الثاني ، وهو مقرون بموافقة الكتاب ، فتكون موافقة الكتاب أيضا جارية في القطعيّات ؛ فلا تغفل.

٥٠٠