كتاب التّعارض

آية الله السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي

كتاب التّعارض

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي


المحقق: الشيخ حلمي عبد الرؤوف السنان
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة انتشارات مدين
المطبعة: الظهور
الطبعة: ١
ISBN: 964-8901-05-8
الصفحات: ٦٢٥

نعم ؛ لو أريد أنّ الرواية ليست ناظرة إلى التخيير بين الخبرين ، بل إلى حكم الأصل والعقل ، فيرجع إلى الاحتمال السابق.

وممّا ذكرنا ظهر أنّ اختصاص الخبر بالصورة المذكورة ـ بناء على الوجه الأول ـ لا يضر بالاستدلال للكليّة ؛ لما عرفت من الإجماع المركّب ، فمع فرض كونها ناظرة إلى التخيير بين الخبرين يكون دليلا على الكليّة.

ومنها : ما رواه في الكافي (١) بعد الحسنة المذكورة قال : وفي رواية أخرى «بأيّهما أخذت من باب التسليم وسعك» ، والظاهر أنّ مراد الكافي أنّه من تتمة الخبر السابق لكن لا نعلم أنّه في موضع قوله عليه‌السلام «فهو في سعة حتى يلقاه» ، أو قبله أو بعده ، ويحتمل أن يكون مراده ذكر رواية أخرى لا دخل لها بالسابق ، وعلى أي حال دلالتها واضحة وعلى تقدير كونها من تتمة السابق يؤيد دلالة السابق أيضا ؛ كما لا يخفى.

ومنها : ما في ديباجة الكافي (٢) بعد حكمه بالتخيير بين الخبرين المتعارضين من قوله : .. لقوله عليه‌السلام «بأيّهما أخذتم (٣) من باب التسليم وسعكم».

والظاهر أنّه غير الروايات السابقة وإن كان يحتمل أن يكون غرضه النقل بالمعنى ؛ لكن اختلاف التعبير دليل على الاستقلال ، ويؤيده نقله عن العالم عليه‌السلام ، والمراد به عليه‌السلام بحسب الاصطلاح موسى بن جعفر عليه‌السلام ، والأخبار السابقة ليست منقولة عنه عليه‌السلام فتأمّل!

فإنّه نقل قبل هذه الفقرة بعض فقرات المقبولة وأسنده إلى العالم ، مع أنّ المقبولة مرويّة عن أبي عبد الله عليه‌السلام فيظهر أنّ مراده من العالم الإمام عليه‌السلام لا خصوص السابع.

ومنها : خبر العيون (٤) عن الرضا عليه‌السلام ، وفيه ـ بعد ذكر العرض على الكتاب والسنّة ـ بيان طويل : «فما كان في السنّة موجودا منهيّا عنه نهي حرام ، أو مأمورا به عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر إلزام ، فاتّبعوا ما وافق نهي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمره ، وما كان في السنّة نهي

__________________

(١) الكافي : ١ / ٨.

(٢) الكافي : ١ / ٨.

(٣) في سائر النسخ : أخذت ، والإصلاح من المصدر.

(٤) عيون أخبار الرضا : ٢ / ٢١ ، عنه : وسائل الشيعة : ٢٧ / باب ٩ من أبواب صفات القاضي ، حديث ٢١.

٢٤١

إعافة أو كراهة ، ثمّ كان الخبر الآخر خلافه ، فذلك رخصة فيما عافه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكرهه ولم يحرمه ، فذلك الذي يسع الأخذ بهما جميعا ، وبأيّهما شئت وسعك الاختيار من باب التسليم والإتباع ، والردّ إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله «وما لم تجدوه في شيء من هذه الوجوه فردّوا إلينا علمه ، فنحن أولى بذلك ، ولا تقولوا فيه بآرائكم وعليكم بالكفّ والتثبت والوقوف وأنتم طالبون باحثون حتى يأتيكم البيان من عندنا».

وجه الاستدلال : أنّه عليه‌السلام حكم بالتخيير بين الخبرين فيما لو لم يكن أحدهما مخالفا للسنّة الإلزاميّة ، ولا يضر خصوصيّته بالصورة المذكورة ، بعد أن كان الفرض عدم المخالفة للسنّة (١) ، فيشمل ما إذا لم يكن في السنّة ما يوافق أحدهما أو يخالفه ، فذكره من باب المثال ، أو نقول يلحق به بالإجماع المركّب.

ولكنّ الإنصاف عدم دلالة الرواية ؛ لأنّ الفرض ليس التخيير (٢) بين الخبرين ، بل التوسيع إنّما هو من جهة أنّ الحكم غير إلزامي يجوز تركه ، فالعمل بالخبر المخالف في الحقيقة عمل بقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ حيث إنّه لما أمر أو نهى لا مع الإلزام ، فقد أذن ورخص في خلافه ، كيف؟ ولو كان الغرض التخيير بين الخبرين لم يكن وجه للحكم بالرد إليهم ، والكفّ والوقوف في آخره ، إلا أن يقال إنّ المراد من آخره التوقف عن الإفتاء ، وتعيين الحكم في الواقعة ، فلا ينافي التخيير في العمل ، لكن ينافيه جعله مقابلا للأخذ بأيّهما يشاء (٣) ، حيث إنّه بعد حكمه بالأخذ بأيّهما شاء في الصورة السابقة قال عليه‌السلام في الصورة اللاحقة بالتوقف ، فيعلم من ذلك أنّه ليس المراد خصوص التوقف في الفتوى بعد حمل السابق على التخيير في العمل.

فالإنصاف ما ذكرنا من عدم إرادة التخيير الذي يفيدنا حتى في الصورة المفروضة فيه ، بل المراد التخيير من جهة معلوميّة عدم كون الحكم إلزاميّا ، ومن ذلك يظهر عدم دلالة الرواية على ما ذهب إليه صاحب الوسائل (٤) من اختصاص التخيير بغير

__________________

(١) من قوله «الإلزاميّة ـ إلى قوله ـ للسنة» لا يوجد في نسخة (ب).

(٢) في نسخة (د) : ليس من التخيير ...

(٣) في نسخة (ب) و (د) : شاء.

(٤) ذكر صاحب الوسائل هذا المفاد في تعليقه على الحديث السادس من أحاديث الباب التاسع ـ من أبواب صفات القاضي أثناء تعليقه على رواية الكافي «بأيهما أخذت ..» قال : وجه الجمع حمل الأول على الماليّات والثاني على العبادات المحضة ، لما يظهر من موضوع الأحاديث ، أو تخصيص التخيير بأحاديث المندوبات والمكروهات لما يأتي من حديث الرضا عليه‌السلام المنقول في عيون الأخبار.

٢٤٢

الإلزاميّات.

ومنها : ما رواه علي بن مهزيار في الصحيح (١) قال : «قرأت في كتاب لعبد الله بن محمد إلى أبي الحسن عليه‌السلام : اختلف أصحابنا في رواياتهم عن أبي عبد الله عليه‌السلام في ركعتي الفجر في السفر ؛ فروى بعضهم أن صلّهما في المحمل ، وروى بعضهم أن لا يصلّيهما إلا على وجه الأرض ؛ فأعلمني كيف تصنع أنت لأقتدي بك في ذلك. فوقّع عليه‌السلام : موسّع عليك بأيّة عملت» ، والاستدلال به مبني على أن يكون المراد التوسيع في العمل بالخبرين ؛ كما هو ظاهر الرواية ، ويحتمل أن يكون المراد بأيّ من الوجهين عملت ، فالغرض بيان جواز الأمرين واقعا ، ويؤيد هذا أنّ وظيفة الإمام عليه‌السلام بيان الحكم الواقعي ؛ خصوصا مع أنّ الراوي سأل عن فعل الإمام عليه‌السلام وأنّه كيف هو ، وحمله على بيان الوظيفة عند التعارض كما ذكرنا في خبر الحميري لا داعي إليه ، ولعلّه لذا قال في الوافية (٢) ـ بعد نقلها ـ : وفي دلالة الرواية على ما نحن فيه نظر ظاهر.

وهذه الأخبار كما ترى! أغلبها شاملة بعمومها لجميع الصور من زمان الحضور والغيبة ، والعبادات والمعاملات ، وحقوق الله وحقوق الناس ، وموارد المخاصمات وغيرها ، وحالة إمكان (٣) الرجوع إلى الإمام عليه‌السلام وعدمه ، والإلزاميّات وغيرها ، وصورة إمكان الاحتياط وعدمه ، وصورة الاضطرار إلى العمل وعدمه ، بل بعضها كالصريح في زمان الحضور ، كخبر سماعة وخبر الحارث بن المغيرة ـ بناء على أن يكون المراد من القائم عليه‌السلام فيه مطلق الإمام عليه‌السلام ؛ لا خصوص الحجّة عليه‌السلام ، نعم ليس فيها ما يكون صريحا في حقّ الناس ، ولا يضر اختصاص بعضها بالأمر والنهي كما

__________________

(١) التهذيب : ٣ / ٢٢٨ باب ٢٣ الصلاة في السفر ، حديث ٩١ ، الوسائل : ٢٧ / باب ٩ من أبواب صفات القاضي ، حديث ٤٤.

(٢) الوافية : ٣٢٥.

(٣) في نسخة (ب) : الإمكان.

٢٤٣

عرفت ، كما لا يضرّ عدم تعرضها للمرجّحات أو بعضها ، وإطلاقها في التخيير ولو مع وجود المرجح بعد وجود الدليل على وجوب الأخذ بها ، فلا وجه للخدشة فيها من هذه الجهة كما صنعه المحقق القمي (رحمه‌الله).

الطائفة (١) الثالثة (٢) : الأخبار الدالة على التوقف والاحتياط ، وهي أخبار :

منها : العمومات الدالّة على وجوب التوقف عند الشبهة أو الاحتياط (٣) ؛ فإنّ الخبرين المتعادلين من أفرادها قطعا ، كما يدلّ عليه ذيل المقبولة ؛ حيث علل الإرجاء بقوله : «فإنّ الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات».

ومنها : ذيل المقبولة (٤) حيث قال فيها : «.. إذا كان كذلك فأرجه حتى تلقى إمامك فإنّ الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات» ، وفي (٥) ظاهر الإرجاء فيها إرجاء الواقعة ، وعدم فصل الخصومة بعد تساوي الخبرين ، فيكون المراد التوقف في مقام العمل والاحتياط ، خصوصا بملاحظة التعليل ؛ لكنّ الظاهر الاختصاص بحال الحضور ، وإمكان الرجوع إلى الإمام عليه‌السلام ، كيف؟ ولا يعقل إرجاء الدّين والميراث إلى الأبد ، والاحتياط غير ممكن إلا بالصلح .. ونحوه ، ولا دلالة فيها عليه ، نعم موردها مختص بالدّين والميراث ، لكن لا يضرّ بعدم (٦) الحكم ـ كما تخيّله المحدّث الاسترابادي ـ وقرّره عليه بعض الأفاضل ، إمّا لما ذكره المحقق القمي (رحمه‌الله) من أنّ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص المورد ، إذ التعليل عام ، وإمّا لأنّ الظاهر من سياق الخبر عدم الاختصاص ، وكون الحكم المذكور فيه (٧) لكل خبرين متعارضين ، ولذا يتعدى الاسترابادي إلى سائر حقوق الناس (٨) ، وعمل

__________________

(١) للتناسب مع ما ذكره سابقا من كونها عدّة طوائف : كتبنا هنا كلمة «طائفة» بدل «فرقة».

(٢) في نسخة الأصل كتبت الثانية ، إلا أنّها في النسخة (ب) و (د) كتبت الثالثة ؛ وهو الصواب.

(٣) وهي كثيرة لا تحصى ؛ فلاحظ الوسائل : ٢٧ / الباب ١٢ من أبواب صفات القاضي : الحديث ١ و ٢ و ١١ و ١٣ و ١٥ و ٢٣ و ٢٧ و ٤٣ و ٥٠ وغيرها.

(٤) تقدم تخريجها.

(٥) لا توجد كلمة «في» في نسخة (ب) و (د).

(٦) في نسخة (ب) : بعموم ، وهو المناسب للمقام.

(٧) لا توجد في نسخة (ب).

(٨) هكذا في النسخ.

٢٤٤

بالمرجّحات المذكورة فيها جلّ العلماء في جميع الأخبار المتعارضة ، ولم يناقش أحد (١) منهم فيها بالاختصاص بالموردين المذكورين ، وإذا كان الترجيح كذلك ؛ فالتوقف مثله.

هذا ؛ وأمّا تخيل استفادة العموم منها من حيث استشهاد الإمام عليه‌السلام فيها بحديث التثليث فإنّه يدلّ على أنّه عليه‌السلام جعل الخبرين المتعارضين من الشبهة ، فيكون قوله : عليه‌السلام «إنّما الأمور ثلاثة .. إلى آخره» دليلا على التوقف في كلّ خبرين متعارضين ، فلا وجه له ، وذلك لأنّه لم يجعل الخبرين المتعارضين من الشبهة ، ولم يستدل بحديث التثليث لذلك ، بل جعل الشاذ النادر داخلا تحت الشبهة ؛ وهذا واضح.

ومنها : خبر سماعة السابق ؛ بناء على الاحتمال الذي ذكرنا.

ومنها : ذيل خبر العيون (٢) ، وظاهره التوقف في العمل لقوله عليه‌السلام : «وعليكم بالكف والتثبت والوقوف .. إلى آخره» ؛ في مقابل ترخيصه العمل بالخبرين في الفرض السابق ، وإن كان من جهة أنّ الحكم غير إلزامي ؛ لأنّ المقابلة تقتضي عدم الرخصة في العمل في هذه الصورة.

ومنها : خبر سماعة بن مهران (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : يرد علينا حديثان واحد يأمرنا بالأخذ ، والآخر ينهانا عنه قال (عليه‌السلام) (٤) : لا تعمل بواحد منهما حتى تأتي صاحبك فتسأله عنه ، قلت : لا بدّ أن نعمل بأحدهما ، قال (عليه‌السلام) (٥) : خذ بما فيه خلاف العامّة» ، وهذا الخبر كالصريح في التوقف في مقام العمل ، بل صريح ووارد في حق الله أيضا ، إلا أنّه ربّما يستشكل فيه بأنّه لا معنى لعدم العمل بهما في مورده من الدوران بين المحذورين ، فهو مجمل ساقط عن الاعتبار ، لكن قد عرفت دفع هذا الإشكال سابقا.

نعم ؛ يمكن أن يستشكل فيه بأنّه قدّم التوقف على الرجوع إلى المرجّح ، وهو

__________________

(١) هكذا في نسخة (ب) ، وكانت في الأصل : واحد.

(٢) عيون أخبار الرضا : ١ / ٢٤.

(٣) الاحتجاج : ٢ / ١٠٩ ، وسائل الشيعة : ٢٧ / باب ٩ من أبواب صفات القاضي ، حديث ٤٢.

(٤) أثبتناها من نسخة (ب).

(٥) أثبتناها من نسخة د.

٢٤٥

خلاف عمل الأصحاب ، فلا بدّ إمّا من طرحه أو حمله على ما قبل الفحص ، فيسقط عن الاستدلال ؛ لأنّ وجوب التوقف قبل الفحص مسلّم ، إلا أن يدفع بأنّ عدم العمل بالخبر من جهة لا يقتضي طرحه بالمرّة ، فنأخذ (١) بظاهره من وجوب التوقف ، ولا نعمل به من حيث تقديمه على الترجيح ؛ فتدبّر! (٢).

ومنها : ما في السرائر عن موسى بن محمد قال (٣) : «كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام أسأله عن العلم المنقول (٤) عن آبائك وأجدادك ؛ قلت (٥) : قد اختلف علينا فكيف العمل به على اختلافه والردّ إليك فيما اختلف فيه فكتب : ما علمتم أنّه قولنا فألزموه (٦) ، وما لم تعلموا فردّوه إلينا» ، وهذا الخبر أيضا ظاهر في التوقف وعدم الأخذ بالخبرين ، إلا أنّه لا يبين (٧) الاحتياط ؛ بل هو ساكت عن أنّ الحكم هو الاحتياط أو الرجوع إلى الأصل.

ومنها : خبر سماعة بناء على أحد الوجوه السابقة.

ولا يضر في هذه الأخبار أيضا الاختلاف من حيث ذكر المرجّحات وتركها كما هو واضح ؛ هذا.

ولا يخفى أنّه ينبغي طرح الطائفة الأولى إمّا لما ذكر من أنّ عدّها طائفة مستقلّة مبني على كون الاحتياط مرجعا فيه ، وهو ممنوع ؛ بل الظاهر أنّه مرجّح ، فيدخل في أخبار التخيير ، وإمّا لعدم القائل بالأخذ بالاحتياط أولا ، ثمّ التخيير ؛ كما هو مفادها ، سواء جعل الاحتياط مرجعا أو مرجّحا ، إذ العلماء بين قائل بالتخيير مطلقا ، وبالتوقف كذلك ، أو على التفاصيل المتقدمة ، وأمّا القول بوجوب أخذ الخبر الموافق للاحتياط ومع (٨) عدمه فالتخيير فلم نره ، وإن جعل الاحتياط مرجّحا ؛ إذ

__________________

(١) في نسخة (ب) : فنأخذه.

(٢) أقول : هذا مبتن على التبعيض في حجيّة الحجّة من المفاد الواحد ، فإن تمّ هذا المبنى صح البناء عليه وإلا فلا.

(٣) نقله عنه في البحار : ٢ / ٢٤٥.

(٤) بعدها في نسخة (ب) و (د) : إلينا ، وفي المصدر.

(٥) لا توجد كلمة «قلت» في نسخة (ب).

(٦) في نسخة (د) : فالتزموه.

(٧) في نسخة (د) : لا يبيّن.

(٨) لا توجد كلمة «مع» في نسخة (ب).

٢٤٦

القائل بالترجيح بالاحتياط يقول بأنّ موافقة الأصل مرجّح ـ أيّ أصل كان ـ لا خصوص الاحتياط ، فهذه الفقرة من خبر زرارة غير معمول بها ، فينبغي عدّه من أخبار التخيير ، فههنا (١) طائفتان من الأخبار.

ثمّ لا يخفى أنّ علاج تعارض الطائفتين منحصر في الجمع بحسب الدلالة ، ولا ينظر إلى الترجيحات الصدوريّة ، وذلك لأنّ الظاهر أنّ صدور كلتا الطائفتين قطعي ، والرجوع إلى المرجّحات السنديّة فرع عدم القطع بالصدور ، نعم يمكن الخدشة في صدور كل واحد واحد ؛ فإذا تأملنا في دلالة بعضها يمكن منع صدور البقيّة مثلا من كل واحد من الطرفين ، والفرض أنّ اعتبار المرجّح السندي لمجموع إحدى الطائفتين لا يمكن ، وكذا لا ينظر إلى مرجّح جهة الصدور ، إذ هو إن كان فبالنسبة إلى أخبار التوقف ، إذ هي مخالفة للعامّة ، ومذهبهم التخيير على ما قيل ، ولا يمكن حمل جميع أخبار التخيير على التقيّة ؛ لاشتمال بعضها على الأخذ بمخالفة العامّة (٢) ، وللتعبير في بعضها بالأخذ من باب التسليم (٣) ، وهذا يدل على أنّ الإمام عليه‌السلام واجب التسليم لأمره ، فهو مناف (٤) لصدوره تقيّة.

نعم ؛ هذه العبارة لا تنافي الحمل على التقيّة بمعنى الاتقاء ؛ كي لا يعرف الراوي في عمله بغير التخيير في الخبرين المتعارضين ، وعلى فرض جريان هذين النوعين من الترجيح في المقام ، فلا تأمّل في تأخرهما عن الجمع الدلالي ؛ فلا بدّ أولا (٥) من ملاحظة وجوه الجمع.

ثمّ لا يخفى أيضا أنّ عمومات أخبار التوقف والاحتياط لا تنفع في المقام ، إذ أخبار التخيير أخص منها ، فلا يمكن شمولها للمقام ؛ إلا بعد علاج أخبار التخيير بغيرها ، مع أنّها معارضة بعمومات (٦) أخبار البراءة ، وأدلّة سائر الأصول ، وهي وإن

__________________

(١) في نسخة (ب) و (د) : فهنا.

(٢) كما في خبر علي بن مهزيار.

(٣) كما في العيون عن الرضا عليه‌السلام.

(٤) أثبتناه من نسخة (ب) و (د) ، وفي نسخة الأصل : مناسب.

(٥) لا توجد كلمة «أولا» في نسخة (ب).

(٦) في نسخة (د) : بعموم.

٢٤٧

لم تكن دليلا على التخيير إلا أنّها تصلح لمعارضة عمومات التوقف ، نعم يستفاد من ذيل المقبولة شمول تلك العمومات للمقام ؛ فبملاحظتها تعارض أخبار التخيير ، ولا تنفع خصوصيتها ؛ لأنّ المقبولة تجعل تلك العمومات نصا في المقام ؛ لكن لازم الأخذ بذيل المقبولة الحكم بالاحتياط في الشبهات البدويّة أيضا ؛ إذ لا يمكن تخصيص عمومات أخبار التوقف بخصوص الخبرين المتعارضين.

والحاصل أنّ القائل بالبراءة في الشبهات البدويّة ليس له التمسك بهذه العمومات في المقام ، فينحصر طرف المعارضة لأخبار التخيير في الأخبار الخاصّة ، وحينئذ نقول يمكن الجمع بينهما بوجوه :

أحدها : ما (١) عن المجلسي (٢) من حمل أخبار التوقف على الاستحباب أو كراهة العمل ، والعمل بأخبار التخيير ؛ وذلك لأنّ أخبار التخيير نصّ بالنسبة إلى تلك ، وذلك لأنّها صريحة في رخصة العمل بأحدهما ؛ بل مفادها ليس إلا مجرّد الرخصة ، أمّا مثل قوله عليه‌السلام : «بأيّهما أخذت ..» (٣) فواضح ، وأمّا مثل قوله : «فتخير أحدهما» فلأنّه أمر إرشادي ؛ فلا ينافي ترك الأخذ به إذا أحرز الواقع بطريق آخر ، وهو الاحتياط ، فالأمر بالأخذ بأحدهما مثل الأمر بالأخذ بالخبر بلا معارض ، فإنّه يجوز ترك الأخذ به والاحتياط في العمل إذا كان مفاد ذلك الخبر عدم الوجوب مثلا ، وأمّا أخبار التوقف فليست نصا في وجوب الاحتياط ؛ بل هي ظاهرة في ذلك ، فتحمل

__________________

(١) لا توجد في نسخة (ب).

(٢) حكاه عنه في الفصول الغرويّة : ٤٣٠ ، ولاحظ بحار الأنوار : ٢ / ٢٢٤. أقول : هذا أحد الوجوه التي ذكرها العلامة المجلسي وليس وحده بل ذكر وجوها أخرى ولننقل كلامه حتى يتضح مراده كاملا ، قال قدس سرّه : ما ذكره ـ أي الشيخ الصدوق ـ في الجمع بين الخبرين من حمل الإرجاء على ما إذا تمكن من الوصول إلى إمامه والرجوع إليه والتخيير على عدمه هو أظهر الوجوه وأوجهها ، وجمع بينهما بعض الأفاضل ـ لعله الميرزا الاسترابادي ـ بحمل التخيير على ما ورد في العبادات وتخصيص الإرجاء بما إذا تعلق بالمعاملات والأحكام ، ويمكن الجمع بحمل الإرجاء على عدم الحكم بأحدهما بخصوصه فلا ينافي جواز العمل بأيهما شاء أو بحمل الإرجاء على الاستحباب والتخيير على الجواز ، أو بحمل الإرجاء على ما يمكن الإرجاء فيه بأن لا يكون مضطرا إلى العمل بأحدهما كما يومئ إليه خبر سماعة ...

(٣) في نسخة (د) أكملت الرواية بعدها : من باب التسليم وسعك.

٢٤٨

على ما مرّ كما هو مقتضى القاعدة المقرّرة من تقديم (١) النص على الظاهر ، وكونها ظاهرة لا صريحة واضح بالنسبة إلى ما عدا المقبولة.

وأمّا المقبولة ـ فهي كالصريحة في الوجوب باعتبار التعليل بقوله «فإنّ الوقوف ..

إلى آخره (٢) ـ فإنّ الاقتحام في الهلكة حرام وتركه واجب ، إلا أن يقال إنّ التعليل لأدنى مناسبة ؛ يعني أنّ الإرجاء في المقام مستحب ؛ لأنّ العمل بأحد الخبرين كارتكاب الشبهة ، وارتكاب الشبهة حرام ، وإذا كان هذا حراما ففعله (٣) مرجوح ، وتركه مستحب ؛ فتأمّل (٤)!

ويؤيد ذلك استبعاد كون صورة التساوي في المرجّحات من الشبهة ، وكون صورة وجود مثل الأعدليّة في الجملة خارجة عنها.

ودعوى : أنّ خروجها من جهة أنّ الشارع جعل الحجّة خصوص خبر الأعدل ؛ بخلاف صورة التعادل فإنّه لم يجعل شيئا من الخبرين حجة ؛ فيصدق عليه الشبهة.

مدفوعة : بأنّ الظاهر أنّ نفس الواقعة من حيث هي من الشبهة ، بخلاف صورة وجود الأعدليّة مثلا ، فإنّها ليست منها من حيث هي لا بملاحظة جعل الشارع ، وإلا أمكن في المقام أيضا جعل التخيير ليخرج من الشبهة ؛ فتدبّر!

أو يقال إنّ المراد من الهلاكة الوقوع في خلاف الواقع ؛ لا العذاب والعقاب ، فلا ينافي كون ترك الشبهة مستحبا لا واجبا ، ويؤيد ذلك أنّه لو لا الحمل على هذا يلزم القول بوجوب الاحتياط في الشبهة البدويّة أيضا ؛ لما عرفت من عدم إمكان التخصيص بالخبرين ؛ مع أنّا لا نقول به بل نحمل أخبار التوقف في تلك المسألة على الاستحباب.

__________________

(١) في نسخة (د) : تقدم.

(٢) غير موجودة كلمة «الى آخره» في نسخة (ب) و (د).

(٣) لا توجد كلمة «ففعله» في النسخة (ب) ، والموجود في النسخة (د) هكذا : وإذا كان هذا حراما تركه فشبهه مرجوح وتركه مستحب.

(٤) لعلّ وجه التأمل أنّ مرجوحيّة فعل ما اتصف بالحرمة لا تستلزم فقط استحباب تركه ؛ بل وجوبه هذا أولا ، وثانيا : أنّ هذا قد أخذ فيه ما هو أشبه بالمصادرة على المطلوب إلا وهو تشبيه ذلك بارتكاب الشبهة وأنّ ارتكابها حرام ، وهذا أوّل الكلام ؛ إذ المناقشة في الدليل على حرمة ارتكاب الشبهة واضحة جدا.

٢٤٩

وكيف كان ؛ فإذا لاحظنا صدور أخبار التخيير وكونها ناصّة في الرخصة وأخبار التوقف فالإنصاف أنّها تصير قرينة على ما ذكر من إرادة الاستحباب منها ، لعدم كون دلالتها على الوجوب مثل دلالة تلك على الرخصة.

الثاني : ما عن الكاشاني (١) من حمل أخبار التوقف على التوقف في الفتوى ، وأخبار التخيير على التخيير في العمل ؛ فيكون الحاصل أنّه لا يجوز الحكم بأنّ الواقع كذا معيّنا ، أو كذا كذلك ، لكن له أن يجعل عمله مطابقا لكلّ واحد من الخبرين ، ولو كان بالإفتاء بمضمونه ، فالممنوع تغير (٢) الواقع لا الإفتاء بمضمون أحدهما من باب التسليم.

والغرض من هذا البيان أنّه لا يلزم كون التخيير في المقام عمليّا صرفا حتى يكون راجعا إلى الإباحة مثلا في صورة تعارض خبر الوجوب والحرمة ؛ بل يجوز له الفتوى بالوجوب أو بالحرمة ؛ فالتخيير في مقام العمل غير التخيير العملي ، والمراد هو الأول ، والدليل على هذا الجمع أمران :

أحدهما : أن يقال : إنّ بعض أخبار التوقف ظاهر في التوقف في الفتوى ، فيكون شاهدا للجمع ؛ مثل قوله عليه‌السلام : «ولا تقولوا فيه (٣) بآرائكم» ، وقوله عليه‌السلام : «ردّوه (٤) إلينا» ، ومثل قوله في خبر سماعة : «يرجيه حتى يلقى من يخبره فهو في سعة .. إلى آخره» ، إذ لا معنى للتوسيع بعد الإرجاء إلا إذا كان المراد الإرجاء في خصوص الفتوى.

هذا ؛ ولكن يمكن الخدشة في هذا الوجه : بأنّ مثل المقبولة كالصريح في الإرجاء في العمل ، فلا تقوى الشواهد المذكورة على صرفها عن ظاهرها ، وكذا قوله : «ولا تعمل (٥) بواحد منهما» ، وكذا خبر العيون حيث قال عليه‌السلام : «وما لم تجدوه .. إلى آخره» ، فإنّه في مقابل الفقرة السابقة كالصريح في التوقف في العمل كما مرّ تقريبه ، وقوله

__________________

(١) حكاه عنه في بدائع الأفكار : ٤١٧.

(٢) في النسخة (ب) : تعين ، وفي نسخة (د) : تعيين.

(٣) لا توجد كلمة «فيه» في نسخة (د).

(٤) في النسخة (ب) : وردّوه ، وفي نسخة (د) : ردوا.

(٥) في النسخة (ب) : لا تعمل.

٢٥٠

عليه‌السلام : «لا تقولوا (١) فيه .. إلى آخره» لا ينافي كون المراد من قوله «وعليكم بالكفّ .. إلى آخره» التوقف في العمل ، فإنّ من المعلوم أنّ التوقف في الفتوى مراد ، وإنّما الكلام في تخصيصه في الإرادة ، فالعبارة المذكورة لا تصلح للشهادة ، وكذا قوله عليه‌السلام «ردّوه إلينا» ، فإنّه لا يفيد أنّ المراد من الوقوف في سائر الأخبار أيضا هذا (٢).

وأمّا خبر سماعة فشهادته نافعة على فرض سدّ الاحتمالات الأخر التي ذكرناها.

الثاني : أن يقال إنّ أخبار التخيير نصّ في التخيير في العمل ، وأخبار التوقف ظاهرة في العمل ، والنص مقدّم على الظاهر ، فليست بحيث لا تقبل الحمل على ما ذكر. وهذا الوجه صحيح ، إذ المقبولة أيضا قابلة للحمل على التوقف في الفتوى ، وكذا خبر العيون ؛ غاية الأمر بعده فيهما ، لكن بعد ملاحظة أخبار التخيير الناصّة فيه يتعين ؛ فتدبّر!.

الثالث (٣) : ما عن المشهور : من حمل أخبار التوقف على زمان الحضور ، وأخبار التخيير على زمان الغيبة ؛ لأحد وجوه :

منها : كون بعض أخبار التوقف ظاهرة في حال الحضور ؛ فيكون شاهدا للجمع مثل قوله عليه‌السلام : «حتى تلقى إمامك» في المقبولة (٤) ، خصوصا بملاحظة استبعاد إرجاء مثل واقعة الدّين والميراث إلى الأبد ، والمفروض عدم إمكان رفع الخصومة بوجه آخر إلا بالصلح القهري ونحوه ممّا هو بعيد ، فيظهر من ذلك أنّ المراد منه خصوص زمان الحضور ، وكذا ظاهر قوله (عليه‌السلام) (٥) «ردّوه إلينا» ، وأمّا أخبار التخيير فهي مطلقة ، فمقتضى الجمع ما ذكر ؛ لكن يشكل هذا الوجه بأنّ قوله عليه‌السلام في خبر سماعة «حتى يلقى من يخبره فهو في سعة حتى يلقاه» (٦) ، ظاهر في التخيير في حال الحضور أيضا ، ولا يمكن حمله على حال الغيبة فقط ؛ إلا أن يقال : إنّ هذا الخبر لمّا كان مجملا

__________________

(١) في النسخة (ب) : ولا تقولوا.

(٢) بعدها في النسخة (ب) و (د) : المقدار.

(٣) هذا هو الثالث من وجوه الجمع.

(٤) هي مقبولة عمر بن حنظلة ؛ راجع : الكافي ١ / ٦٧ ـ ٦٨. الحديث ١٠.

(٥) أثبتناه من النسخة (ب) و (د).

(٦) الكافي : ١ / ٥٣ ، وسائل الشيعة : ٢٧ / الباب ٩ ، حديث ٥.

٢٥١

بسبب الاحتمالات المذكورة فلا يضرّ بالجمع المذكور ؛ هذا.

والإنصاف أنّ مجرّد كون بعض الأخبار ظاهرا في حال الحضور ، وخاصا به (١) ؛ لا ينفع في الشهادة بعد وجود ما يدلّ على التوقف مطلقا ، ولو في حال الغيبة ؛ لأنّ إثبات الشيء لا ينفي غيره (٢).

نعم لو كان ظاهر جميع أخبار التوقف خصوص حال الحضور أمكن أن يقال : نحمل أخبار التخيير على خصوص حال الغيبة ؛ لكن ليس كذلك.

ومنها : أنّ بعض أخبار التوقف إذا كان خاصا بحال الحضور أو ناصّا فيه فيجب تخصيص مطلقات التخيير (٣) ، وحينئذ فإمّا أن يقال : إنّ النسبة بين أخبار التخيير ومطلقات التوقف تنقلب من التباين إلى العموم المطلق (٤) ، فتخصص مطلقات التوقف أيضا بأخبار التخيير الظاهرة بعد التخصيص في زمن الغيبة ، وإمّا أن يقال إذا خصصت (٥) مطلقات التخيير ولوحظت مع مطلقات التوقف يجب تقديم الأولى ، وإلا لبقيت أخبار التخيير بلا مورد.

وفيه :

أولا : إنّ بعض أخبار التخيير كالنص في حال الحضور ؛ كخبر سماعة ، ومثل خبر الحميري ؛ بل هو نصّ في حال الحضور ، وكذا خبر الصلاة في المحمل أو على الأرض (٦) ؛ بناء على دلالته.

وثانيا : إنّ ما ذكر من قلب النسبة ممنوع ؛ بل الحق أنّ النسبة إنّما تلاحظ مع قطع النظر عن ورود المخصص ، وأمّا ما ذكر من لزوم بقاء أخبار التخيير بلا مورد ـ على فرض تقديم أخبار التوقف ـ ففيه أيضا المنع ؛ لأنّ أخبار التوقف مختصة بصورة إمكانه ، فتبقى صورة عدم إمكان التوقف والاحتياط تحت أخبار التخيير ، إلا أن يقال

__________________

(١) في نسخة (د) : أو خاصا.

(٢) مراده قدس سرّه أنّ ثبوت شيء لشيء لا يستلزم نفيه عمّا عداه.

(٣) في النسخة (ب) و (د) : التخيير به.

(٤) فيكون تخريج هذا الوجه من الجمع مبنيا على القول بانقلاب النسبة.

(٥) في نسخة (د) : خصص.

(٦) وسائل الشيعة : ٦ / باب ١١ من أبواب القيام ، حديث ٥.

٢٥٢

: إنّ هذا الفرض نادر كالمعدوم ، فلا يمكن حمل هذه المطلقات المتكثرة على هذا الفرض ، مع أنّ في مورد خبر الحميري يمكن الاحتياط ، ومع ذلك حكم بالتخيير ؛ فهذا يدلّ على عدم تخصيص التخيير بحالة عدم إمكان التوقف والاحتياط.

فالعمدة في الإيراد هو الوجه الأول : من معارضة الخاص بحال الحضور من أخبار التوقف بمثله من أخبار التخيير.

ومنها : أنّ أخبار التوقف ولو باعتبار بعضها نصّ في حال الحضور ، ظاهرة في حال الغيبة ، وأخبار التخيير على العكس من ذلك ؛ لأنّ القدر المتيقن من التخيير ـ على فرض القول به ـ هو زمان الغيبة ، فيكون نصا فيه ، فيطرح ظاهر كلّ من الطائفتين بنص الآخر.

وفيه :

أولا : ما ذكر من نصوصيّة بعض أخبار التخيير في حال الحضور.

وثانيا : إنّ كون حال الغيبة قدرا متيقنا من التخيير لا يثمر في النصوصيّة بالنسبة ، كما ذكرنا سابقا ؛ بل لا بدّ من كون العبارة بحسب الدلالة نصا من جهة ، وظاهرا من أخرى ، وهذا المعنى وإن كان متحققا في أخبار التوقف ؛ لكن في أخبار التخيير ليس كذلك (١) ، ثمّ إنّ هذه الجموع الثلاثة على فرض تماميتها تدل على التخيير ، إمّا مطلقا كالأولين ، أو في خصوص محل ابتلائنا كالثالث.

الرابع : الجمع الذي ينتج التوقف مطلقا ، وهو حمل أخبار التوقف على صورة إمكان الاحتياط ، وحمل أخبار التخيير على صورة عدم إمكانه ؛ كالدوران بين المحذورين ، وذلك إمّا لأنّ مورد جملة من أخبار التخيير صورة الدوران بين المحذورين ؛ فيكون شاهدا للجمع ، وإمّا لأنّ أخبار التوقف تكون بهذه الملاحظة أخصّ من أخبار التخيير ، فيقدم عليها.

ودعوى أنّ ظاهر لفظها عام غاية الأمر أنّ العقل الحاكم بعدم جواز الأمر بالتوقف في صورة عدم الإمكان خصصها ، والمعتبر في مقام المعارضة ـ كما ذكر سابقا ـ

__________________

(١) والوجه فى مطلوبيّة تحقق النص والظاهر كلّ من جهة في أخبار التوقف وأخبار التخيير .. حتى تتم المعارضة بين كلتا الطائفتين فيتوجه القول بالنسبة أو عدمها.

٢٥٣

مدلول الكلام قبل التخصيص.

مدفوعة : بأنّ ذلك إنّما هو في المخصّص المنفصل ، والعقل في المقام بمنزلة المخصّص المتصل (١) ؛ مع إمكان أن يقال : إنّ المطلق من أخبار التوقف من أول الأمر ليس أزيد من صورة الإمكان ، فليس خروج صورة عدم الإمكان من باب التخصيص بل من باب التخصص.

ويرد عليه ـ مضافا إلى ما عرفت من بعد تخصيص هذه المطلقات المتكثرة بهذا الفرد النادر الملحق بالمعدوم إذا أريد صورة عدم إمكان الاحتياط بوجه من الوجوه كالدوران بين المحذورين المضيّقين ـ أنّ بعض أخبار التخيير موارده (٢) صورة إمكان الاحتياط ؛ كخبر الحميري وخبر الصلاة في المحمل ، وإن أريد من عدم إمكان الاحتياط عدمه من حيث ملاحظة نفس الواقعة.

وإن أمكن بالتأخير أو بوجه خارجي كالصلح القهري ونحو ذلك ، فلا يكون نادرا إلا أنّه يرد عليه ـ مضافا إلى ما ذكر ـ :

أولا : إنّ بعض أخبار التوقف أيضا مورده ذلك ؛ كخبر سماعة بن مهران حيث قال «لا تعمل بواحد منهما» أي الخبرين الذين أحدهما أمر والآخر نهي ، بل في مورد المقبولة أيضا لا يمكن الاحتياط من حيث نفس الواقعة ، وإن أمكن بالتأخير أو الصلح (٣) القهري أو نحو ذلك.

الخامس : ما عن غوالي اللئالي (٤) من حمل أخبار التخيير (٥) على صورة الاضطرار إلى العمل ، وحمل أخبار التوقف على صورة عدمه ، ولعلّه فهم من أخبار التوقف السكون وترك العمل بالخبر لا الاحتياط ، ففي كل مورد يمكن عدم العمل أصلا كما إذا كان الواجب موسّعا ـ مثلا ـ يجب التوقف ، وفي المورد الذي لا بدّ من العمل يتخير ، ففي مثل الظهر والجمعة يتخير ؛ لأنّه مضطر إلى العمل ، وفي مثل

__________________

(١) هذا وإن كان أحد المباني المتخذة في المسألة ؛ إلا أنّه محل نظر.

(٢) في نسخة (ب) هكذا : .. أخبار التخيير أيضا مورده .. ، وفي نسخة (د) : مورده.

(٣) في نسخة (د) : والصلح ...

(٤) عوالي اللئالي العزيزيّة : ٤ / ١٣٦ ، ذكره بعنوان تنبيه.

(٥) في نسخة (د) : التوقف ، وهو غلط واضح.

٢٥٤

الدّين والميراث ليس مضطرا ، لإمكان عدم فصل الخصومة بينهما مثلا ، والشاهد لهذا الجمع خبر سماعة بن مهران حيث أمر أولا بالتوقف ، وبعد قول الراوي ـ لا بدّ من العمل ـ حكم بالأخذ بمخالف العامّة ، وهو وإن لم يكن فيه ذكر التخيير إلا أنّه إذا كان الترجيح مخصوصا بحال الاضطرار فالتخيير أيضا كذلك ، بل بالأولى ، أو يقال إنّ التخيير متأخر عن الترجيح ، فإذا كان الترجيح في حال الاضطرار فيختص (١) التخيير أيضا به ؛ لأنّه متأخر عنه ؛ فتدبّر (٢)!.

وفيه : إنّ الخبر غير معمول به بالنسبة إلى الترجيح ، فلا يثمر بالنسبة إلى التخيير أيضا ، وليس اختصاص التخيير بحال الاضطرار مدلولا للخبر حتى يقال عدم العمل بالنسبة إلى الترجيح لا يضرّ بالنسبة إلى التخيير ، كما هو واضح.

هذا ؛ مع إنّ هذا الوجه في الحقيقة يرجع إلى اختيار القول بالتخيير ؛ إذ في زمان الغيبة جميع الوقائع مضطر العمل (٣) ، إذ لا يمكن تأخيرها أبدا ، والتي يمكن عدم التعرض لها بالمرّة نادرة غايته ، فمثل واقعة الدّين والميراث ، لا يمكن تأخيرها إلى الأبد .. وهكذا.

مع أنّه ليس المراد من التوقف إرجاء الواقعة ؛ بل الاحتياط في العمل حسبما هو المفروض ، فلا وجه للتفصيل بين ما يمكن إرجاؤه وبين غيره ، بل المناسب أن يفصل بين ما يمكن فيه الاحتياط ، وبين غيره ؛ فتدبّر!.

السادس : ما عن الأمين الاسترابادي وصاحب الوسائل (٤) في أحد وجهيه : من حمل أخبار التوقف على حقوق الناس ، وأخبار التخيير على حقوق الله ، وذلك (٥) لشهادة المقبولة ؛ حيث إنّها مختصة بحقوق الناس ، وهي وإن كانت مختصة بالدّين

__________________

(١) في نسخة (د) : فيخصّص.

(٢) لا توجد هذه الكلمة «فتدبر» في نسخة (ب) و (د).

(٣) وصف للمضاف وهو (جميع) ؛ والمقصود أنّ كل الوقائع في زمان الغيبة لا تحتمل الانتظار ، إمّا باعتبار الحاجة للعمل ، وإمّا بلحاظ أنّ التأخير حتى يلقى إمامه غير محدّد بزمان لعدم معرفة زمان ظهور الحجّة ـ روحي لتراب مقدمه الفداء ـ من قبل أحد.

(٤) إشارة لما ذكره في الوسائل : ٢٧ / باب ٩ من أبواب صفات القاضي ، في ضمن تعليقه على الحديث السادس ، التاسع عشر ، التاسع والثلاثين ، وقد مرّ نقلنا لبعض ذلك.

(٥) في نسخة (د) : فذلك.

٢٥٥

والميراث إلا أنّه يتم في سائر حقوق الناس بعدم القول بالفصل ، أو بالقطع بعدم الفرق.

ودعوى أنّ غير المذكورين من حقوق الناس داخل تحت أخبار التخيير ؛ فيلحقان به بالإجماع المركّب.

مدفوعة : بعدم سلامة العمومات ؛ لابتلائها بعمومات التوقف ؛ مع أنّ مقتضى القاعدة إلحاق ما لا دليل عليه بما عليه دليل ، والعمومات في مقابل المقبولة ليست دليلا ؛ لأنّها أخص منها.

وفيه : ما عرفت من عموم المقبولة بالوجهين المتقدمين ، وخصوصية المورد لا تنفع ؛ مع إنّه على فرض التسليم لا يكفي في الشهادة بعد وجود المطلقات من الطرفين ، مع أنّ التمسك بالإجماع المركّب في مثل هذه المسائل كما ترى! ألا ترى أنّه لم يقل بهذا التفصيل أحد قبل الاسترابادي ، ولا يقال إنّه خرق الاجماع.

ودعوى القطع بعدم الفرق ممنوعة ؛ لقوّة احتمال الفرق بين المخاصمات وغيرها ، فيمكن تخصيص التوقف بخصوص مورد المخاصمات ، ولذا قال صاحب الوافية (١) ـ بعد نقل التفصيل المذكور عن الاسترابادي ـ : وهو غير بعيد إلا أنّ هذه الرواية وردت في المنازعات والمخاصمات ؛ فتأمل!

والأولى في توجيه هذا الجمع أن يقال : إنّ المقبولة نص في التوقف في الدين والميراث ، كما أنّ بعض أخبار التخيير نصّ في حقوق الله ، فيخصص كلّ واحد منهما كلّا من المطلقات من الطرفين بعد تتميم سائر حقوق الله وحقوق الناس بالإجماع المركّب ، إلا أنّ هذا الوجه أيضا مخدوش بأنّ ما ذكر إنّما يسلم إذا لم يكن كل من المخصّصين في ضمن العموم ، وإلا فيعدّان من المتعارضين ؛ ألا ترى أنّه لو سئل عن حال النحويين فقال لا تكرم العلماء ، وسئل عن حال الفقهاء فقال أكرم العلماء يجعل من المتعارضين ، ولا تجعل النصوصيّة من حيث المورد شاهدا على الجمع ، ففي المقام أيضا ذكر وجوب التوقف في حقوق الناس في ضمن العموم ، كما أنّه ذكر التخيير في حقوق الله أيضا في ضمن العموم ، وذلك لأنّ الظاهر أنّ

__________________

(١) في نسخة (ب) و (د) : قال في الوافية ، وراجع الوافية : ٣٢٩.

٢٥٦

غرض الإمام عليه‌السلام والراوي المثال لا اختصاص التخيير بمورد كون أحد الخبرين آمرا والآخر ناهيا ، وكذا في خبر الحميري ؛ بل هو أظهر.

وبالجملة فالنصوصية من حيث المورديّة لا تنفع في مقام الجمع ؛ فهو نظير كون بعض الأفراد قدرا متيقنا ، فالقدر المسلّم من النص من جهة ، والظاهر من أخرى ما إذا كان نفس الكلام من حيث هو (١) كذلك ؛ فتأمّل!.

هذا مع إنّ هذا الوجه ـ على فرض تسليمه ـ إنّما ينفع لو لم يكن هناك وجه جمع (٢) آخر فتدبّر!.

السابع : ما ذكره في الوسائل أيضا (٣) من حمل أخبار التوقف على الإلزاميّات وأخبار التخيير على غيرها ؛ بشهادة خبر العيون ، حيث إنّه حكم بالتخيير فيما إذا كان أحد الخبرين آمرا والآخر ناهيا ، وكان أحدهما موافقا للسّنّة غير الإلزاميّة ، ثمّ قال وما لم تجدوه في شيء من ذلك فردّوا إلينا علمه.

أقول : ويمكن أن يقال : وهو وإن كان خاصّا بما إذا وافق أحدهما السنّة إلا أنّه يشمل صورة عدم الموافقة مع كون الحكم غير إلزامي بالإجماع المركّب ، ويدخل الإلزامي تحت قوله «وما لم تجدوه .. إلى آخره» ، فيكون هذا الخبر مفصلا بين الإلزاميّات وغيرها ، ومن المعلوم أنّ الخبر المفصّل شاهد للجمع بين المطلقات ، ولا يحتاج إلى أن يقال ـ كما قيل ـ إنّ الخبر يدلّ على التخيير في غير الإلزاميات ، فيخصص مطلقات التوقف ، وهي تصير بعد التخصيص أخص من أخبار التخيير فتخصصها ، حتى يرد عليه أنّ قلب النسبة ممنوع.

وذلك لما عرفت من أنّ الإلزاميات داخلة تحت الفقرة الأخيرة ، وأنّ الخبر مفصل بنفسه فيكون مخصصا لكل من الطائفتين ، من غير حاجة إلى ما ذكر.

هذا ؛ ولكن يرد عليه :

__________________

(١) لا توجد كلمة «هو» في نسخة (ب).

(٢) لم ترد كلمة «جمع» في نسخة (د).

(٣) وسائل الشيعة : ٢٧ / الباب التاسع من أبواب صفات القاضي عند تعليقه على الحديث السادس منه.

٢٥٧

أولا : أنّه لا محل لما ذكر من إلحاق صور (١) غير الإلزاميّات بالإجماع المركب ؛ لأنّه كما أنّ الإلزاميّات داخلة تحت الفقرة الأخيرة ، فكذلك غير الإلزاميات التي لا توافق (٢) سنّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلا وجه للإلحاق بعد كون الخبر مفصّلا ؛ مع أنّ الإجماع المركب في مثل المقام ممنوع كما عرفت.

وثانيا : إنّ هذا الخبر ليس ناظرا إلى التخيير بين الخبرين من حيث إنّهما خبران ، كما بيناه سابقا ؛ كيف ولو كان المراد ذلك لزم التخيير ، ولو مع وجود المرجّح ، وهو موافقة أحدهما للسنّة ، وهذا باطل ، فلو دلّ أحدهما على استحباب شيء والآخر على كراهته مثلا (٣) ، وفرض أنّ السنّة مطابقة لأحدهما ، فلا يعقل التخيير ، وهذا يعيّن ما ذكرنا من أنّ المراد جواز العمل بالخبرين من حيث إنّ الحكم غير إلزامي ، ويجوز تركه ، وهذا واضح غايته ؛ خصوصا بعد التأمّل في تمام الخبر فراجع.

الثامن : ما عن بعض الأفاضل (٤) من الجمع بين جمع المشهور وجمع الاسترابادي والكاشاني ؛ فيحمل أخبار التخيير على التخيير في زمان الغيبة في حقّ الله تعالى تخييرا عمليّا ؛ لأنّ المقبولة خاصّة بحق الناس ؛ فهي أخص مطلقا من مطلقات التخيير فتقيّدها بحقوق الله تعالى (٥) ، وسائر مطلقات التوقف أظهر من أخبار التخيير من حيث الحضور ، وهي أظهر في زمان الغيبة من حيث إنّها القدر المتيقن منها فيؤخذ بأظهريّة كلّ في مقابل الظاهر من الآخر ، وكذا بالنسبة إلى الفتوى والعمل ، فإنّ أخبار التوقف أظهر في التوقف من حيث الفتوى ، وأخبار التخيير أظهر في التخيير من حيث العمل.

ثمّ أورد على نفسه سؤالا وهو : إنّه لا يمكن الأخذ بجمع المشهور والاسترابادي معا ، لأنّ كلّ واحد منهما قدّم في الأخذ منع من الأخذ بالآخر ؛ لمكان انقلاب النسبة.

__________________

(١) جاء في نسخة (د) هكذا : من إلحاق بقيّة صور غير ...

(٢) في نسخة (ب) و (د) : لم توافق.

(٣) جاء في نسخة (د) هكذا : فلو دلّ أحدهما على استحباب والآخر على كراهته ...

(٤) بدائع الأفكار : ٤٢٣ ـ ٤٢٤.

(٥) لا توجد كلمة «تعالى» في النسخة (ب).

٢٥٨

بيان ذلك : إنّه لو قدم الجمع المشهور بأن قيّد أخبار التخيير بزمن الغيبة ، فتكون بعد هذا القيد أعمّ من وجه من المقبولة المقيّدة بحق الناس ؛ لأنّ أخبار التخيير على هذا خاصّة بزمن الغيبة ؛ لكنّها أعمّ من حقّ الله وحق الناس ، والمقبولة خاصّة بحق الناس ؛ لكنّها أعمّ من الغيبة والحضور ، فتنقلب الأخصيّة المطلقة إلى العموم من وجه ، ولو أخذ أولا بجمع الاسترابادي وقيّد مطلقات التخيير بحق الله ؛ بمقتضى المقبولة ، فتنقلب النسبة بينها وبين مطلقات التوقف بعد أن كانت بالتباين إلى العموم المطلق ، لأنّ أخبار التخيير أخص منها حينئذ ، فلا يمكن تقديم أخبار التوقف ، بل يجب الأخذ بأخبار التخيير ، لمكان خصوصيّتها ، فلا بدّ حينئذ من الحكم بالتخيير في حق الله مطلقا في زمن الغيبة والحضور ، كما أنّه على الأول لا يمكن تقديم المقبولة حتى يختص التخيير بحق الله ؛ بل تبقى المعارضة والإشكال بعد تخصيص التخيير بزمن الغيبة.

وأجاب عنه :

أولا : بأنّ انقلاب النسبة باطل ، والمدار في ملاحظة النسبة على تمام المدلول قبل التخصيص والتقييد ، فكل من الخاصّين يردان دفعة على العمومات (١) ، فالمقبولة لكونها أخص ، وسائر أخبار التوقف لكونها أظهر يردان دفعة على أخبار التخيير ، وينتج ما ذكرنا.

وثانيا أنّ أعميّة المقبولة ـ على تقدير الأخذ بالجمع المشهور أولا بمقتضى قلب النسبة ـ لا تضر في وجوب تقديمها ، وفي صلاحيتها لتخصيص أخبار التخيير بعد خروج التوقف في حق الناس في زمن الحضور عن مورد الابتلاء ؛ لأنّها حينئذ كأنّها أخص مطلقا من أخبار التخيير ، وإن كانت من حيث الواقع أعم من وجه ، فلا مانع من التخصيص .. وهكذا (٢) الكلام بالنسبة إلى جمع الاسترابادي (٣) ؛ يعني لو قدّمنا

__________________

(١) أي أنّ الأدلة المخصصة أو المقيدة بأجمعها نسبتها إلى العمومات والمطلقات نسبة واحدة وفي عرض واحد ، ولحاظها للعموم في زمان واحد فلا يتم القول بانقلاب النسبة المتوقف على اختلاف مراتب لحاظ نسبة المخصصات إلى العموم.

(٢) في النسخة (ب) : وهذا.

(٣) في النسخة (ب) : بدل «الأسترآبادي» كتب «الكاشاني».

٢٥٩

التقييد بالمقبولة أولا ، وإن كانت النسبة بين أخبار التخيير ومطلقات التوقف هو الأخصيّة ؛ لانقلاب النسبة ، إلا أنّ خروج حق الله في زمن الحضور عن مورد الابتلاء يوجب خصوصيّة أخبار التوقف أو عدم ضرر عمومها بالنسبة إلى مطلقات التخيير ، فلا مانع من تقديمها عليها ؛ انتهى.

أقول : في (١) كلامه أنظار لا بأس بالإشارة إليها :

أحدها : أنّه جعل المقبولة خاصّة بحق الناس ؛ وهو ممنوع ؛ لما عرفت من أنّ المستفاد منها العموم من جهة السياق والتعليل ، وأنّ المورد لا يخصّص.

ثانيها : أنّه لو جعلنا المورد مخصّصا فلا بدّ من التخصيص بالمخاصمات والمنازعات ، وإن كنّا نتعدى إلى غير الدّين والميراث ؛ للقطع بعدم الفرق ، إذ القطع ممنوع بالنسبة إلى غير المخاصمات ، بل يقوى الفرق بضميمة أنّ التخيير بعيد فيها ، من حيث إنّه لو كان للمتخاصمين فكلّ يختار ما هو صلاح له ، وإن كان للحاكم فيكون موردا للتهمة مثلا ، بخلاف غيرها ، فإنّه لا محذور في التخيير فيه ، فلا وجه للتعدية إلى سائر حقوق الناس.

ثالثها : أنّ المقبولة خاصّة بزمان الحضور ؛ لمكان قوله عليه‌السلام : «فأرجه حتى تلقى إمامك» خصوصا مع ملاحظة عدم إمكان الإرجاء إلى الأبد في واقعة الدّين والميراث ؛ إذ قد عرفت أنّ المراد عدم التعرض للواقعة (٢) نفيا وإثباتا ؛ لا الاحتياط بالصلح ونحوه ، فهذه قرينة واضحة على الاختصاص بزمان الحضور ، وإمكان الوصول إلى الإمام عليه‌السلام ، فلا وجه للحكم بعدم التخيير في حقوق الناس في زمن الغيبة ، إذ لا مخصّص.

سلّمنا أنّ المقبولة أعمّ من الزمنين ؛ إلا أنّه لا ينبغي التأمّل في أظهريتها في زمان الحضور ، فالتقييد بقدر الأظهريّة ، إذ بالنسبة إلى زمان الغيبة أخبار التخيير أظهر ، ولو في حق الناس.

ودعوى أنّ مقتضى القاعدة تحكيم ظهور الخاص على ظهور العام ، وتقديم

__________________

(١) في النسخة (ب) : وفي.

(٢) في نسخة (د) : للواقع.

٢٦٠