كتاب التّعارض

آية الله السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي

كتاب التّعارض

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي


المحقق: الشيخ حلمي عبد الرؤوف السنان
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة انتشارات مدين
المطبعة: الظهور
الطبعة: ١
ISBN: 964-8901-05-8
الصفحات: ٦٢٥

جعلهما معا ؛ لأنّه مستلزم للتناقض إذا كان مؤداهما نقيضين (١) ، ولا فرق في بطلان التناقض بين أن يقول افعل ـ لا تفعل ، وبين أن يقول اعمل بمؤدى قول زيد وعمرو ، والمفروض أنّ أحدهما يقول قال الإمام (٢) عليه‌السلام «أفعل» ، والآخر يقول إنّه قال : «لا تفعل» ، خصوصا بناء على الطريقيّة ، وخصوصا بناء على أنّ الجعل في الحقيقة إنّما هو بالنسبة إلى المؤدّى ، وأنّه لا معنى لجعل الطريقية (٣) إلا جعل مؤدى الخبر حكما ، نعم يمكن في هذه الصورة جعل أحدهما مخيّرا ، بأن تكون الحجّة من الأول أحدهما مخيرا (٤).

لا أن يكونا معا (٥) حجّة ، ويحكم العقل أو الشرع ـ من جهة عدم إمكان الجمع ـ بالتخيير.

لكنّ ما ذكرنا إنّما يتمّ إذا كان الجعل واردا على الدليل على نحو العموم ، بأن يكون المجعول كلّ خبر مثلا.

وأمّا إذا كان بنحو القضيّة الطبيعيّة بأن يجعل في الخبر صفة الكاشفيّة ؛ بنحو جعل الحكم الوضعي ، فالظاهر أنّه ممكن ، وفي صورة المعارضة تكون كالأمارات العقليّة التي هي منجعلة ـ ولها بنفسها صفة الكاشفيّة ـ على نحو الاقتضاء ، ولازمه التساقط في مقام التعارض إذا لم يكن لأحدهما ما يوجب تعيينه ، هذا ولو قلنا بإمكان جعلهما عقلا ، وعدم لزوم التناقض ، فلا إشكال في الجواز الشرعي.

وما ذكره المانعون من لزوم العبث والقبح ممنوع ؛ ودليلهم عليل ؛ فإنّهم قالوا لو جعلهما حجّة :

فإمّا يجب العمل بكل منهما ، أو بأحدهما معينا أو مخيرا ، إذ لا يجب العمل

__________________

(١) كما لو كان أحدهما يأمر والآخر ينهى ، فجعل كل منهما يستلزم التكليف بالفعل وبالترك في نفس الآن ، فهو تكليف بالنقيضين ، وهو محال.

(٢) في نسخة (ب) و (د) : والمفروض أنّ أحدهما يقول : إنّ الإمام عليه‌السلام يقول ...

(٣) من قوله «الطريقيّة» إلى هنا ، لا يوجد في نسخة (د).

(٤) في نسخة (ب) : المخيّر.

(٥) في نسخة (ب) : بدل كلمة «معا» كلمة «إلا».

٢٢١

بواحد منهما ، والأول محال ، والثاني (١) ترجيح بلا مرجّح ، والثالث والرابع مستلزمان للعبث ، إذ لا فائدة في جعلهما ثمّ طرحهما أو طرح أحدهما.

والجواب : إنّ فائدة جعلهما جواز العمل بكلّ منهما على وجه التخيير ، نعم بناء على التساقط لا ثمرة في الجعل ، إذ لا معنى لجعلهما حجّة ثمّ طرحهما إلا أن تكون الحجيّة على وجه القضيّة الطبيعيّة ، فإنّه حينئذ لا يجب وجود الثمر في كل مورد ، بل تكفي المصلحة في جعل النوع حجّة ، وهي ممكنة ، ولا يجب العلم بوجودها بعد وجود العموم الدال على حجيّة كل خبر مثلا ، نعم مع العلم بعدم المصلحة يحكم بعدم الشمول ؛ لكن يبقى الكلام في أنّه إذا كان الحكم هو التخيير فلم يجعل (٢) كلّا منهما حجّة حتى يكون لازمه التخيير ؛ بل ينبغي أن يجعل من الأول أحدهما المخيّر ، فجعل كل منهما حجّة على وجه التعيين ، ثمّ الحكم بالتخيير من جهة عدم إمكان العمل بهما معينا لا ثمرة فيه ، لكنّ هذا الإشكال يجري في الواجبين المتزاحمين أيضا ؛ حيث نقول :

إنّ كل واحد منهما واجب عينا ، والتخيير من جهة عدم إمكان الجمع ؛ فلا بدّ أن يقال هناك أيضا بأنّ الواجب من الأول أحدهما مخيّرا ، والحال أنّ وجود المصلحة في كلّ واحد على التعيين اقتضى جعله ، وإن لم يمكن إدراك تلك المصلحة ففي المقام أيضا نقول : مصلحة الجعل تقتضي تعيين كلّ منهما ، ولمّا لم يمكن حكم العقل بالتخيير ، والجعل الشرعي تابع لوجود المصلحة فيه من حيث هو.

هذا ؛ وعن بعض الأفاضل أنّه فصّل في المقام فقال ما ملخصه : إنّ الخبرين إذا كانا في تعيين المكلّف به ، ومتعلّق الحكم ـ وضعيّا وتكليفيّا (٣) ـ فلا شبهة في ترتب الفائدة على جعلهما ، والتخيير بينهما ، إذ لو علم بوجوب شيء عليه في يوم الجمعة ، ولم يعلم أنّه الظهر أو الجمعة ، وكان هناك خبران يعيّن كلّ منهما واحدا

__________________

(١) في الأصل توجد كلمة «يرجح» ؛ والظاهر أنّها زائدة لعدم موقع لها في الكلام ، كما أنّها لا توجد في نسخة (ب).

(٢) في نسخة (د) : جعل.

(٣) في نسخة (ب) و (د) : وضعيّة وتكليفيّة.

٢٢٢

منهما (١) ، فيترتب على جعلهما تعيين المكلّف به ؛ ولو تخييرا ، ومع عدم جعلهما ربّما يتكل على الأصول ، ويقع في مخالفة الواقع ، وهكذا غير ذلك من أمثلة متعلّقات التكاليف ـ وضعيّة وتكليفيّة ـ ؛ قال : بل لا نزاع في مثل هذا ، وإنّما الإشكال والنزاع في جعلهما في نفس الحكم الشرعي من غير فرق بين الحرمة والإباحة وغيرها من الأحكام ، ولو كان ظاهر التهذيب اختصاصه بهما ، وفي هذه الصورة نقول :

لا يمكن جعلهما إذا قلنا بالتخيير الاستمراري في المتعادلين ، كما هو ظاهر الأصحاب ، وذلك للزوم العبث في جعلهما ؛ لأنّ الغرض منه إمّا العمل بهما أو بأحدهما معيّنا أو طرحهما ، أو التخيير ، والأول تكليف بالمحال (٢) ، والثاني ترجيح بلا مرجح ، والثالث عبث في وضعها (٣) ، وكذا الرابع ، إذ ـ بعد فرض كون المكلّف مخيرا على وجه الاستمرار فلا ثمرة في الجعل ، إذ مع عدم الجعل أيضا يكون مخيّرا عقلا ؛ بل يرجع في مثال الحظر والإباحة إلى ترجيح الإباحة كما لا يخفى.

نعم ؛ لو كان التخيير بدويا فالثمرة هو تعيين (٤) ما اختار أولا ، وعلى تقدير عدم الجعل لا يتعين شيء.

ودعوى أنّ قصد القربة ممكن على تقدير الجعل ولو كان التخيير استمراريا فهو الفائدة في الجعل ، إذ مع عدم الجعل لا يمكن الإتيان بقصد القربة مدفوعة بمنع توقف القربة على الأمر ، بل احتماله كاف ؛ مع أنّ الكلام في ترتب الثمرة في غرض (٥) الجعل وهو الإيصال إلى الواقع ، والمفروض فقدها من تلك الجهة ، مضافا إلى أنّ القربة من آثار الأمر الموقوف تحققه على (٦) القربة ؛ لكونها ثمرة لوجوده ، وهو دور واضح.

__________________

(١) في نسخة (ب) : يعين كلّ واحدا منها ، وفي نسخة (د) : يعين كل واحد منهما.

(٢) قد تقدم منه أنّه يعد تكليفا بالمتعارضين «أو : المتباينين» وهو محال صدوره من الحكيم.

(٣) في نسخة (ب) : في وضعهما.

(٤) في نسخة (ب) : تعين.

(٥) الكلمة غير واضحة في النسخ ؛ ويحتمل أن تكون : خصوص.

(٦) في نسخة (ب) : مع القربة.

٢٢٣

وبعبارة أخرى : القربة لا تكون إلا بعد الأمر ، والكلام بعد في وجوده ، ومطالبة الثمر في جعله.

فإن قلت : إذا كان الوجوب والحرمة تعبديين فيمكن الثمر في جعلهما ، والأخذ بأحدهما بعنوان التعبد ثمر لا يترتب على تقدير عدم الجعل ؛ سيّما مع أنّه إذا رجع إلى الأصل تكون مخالفة للواقع قطعا.

قلت : ـ مضافا إلى ما فيه (١) في نفسه ـ يمكن أن يقال : إنّ هذه الصورة ترجع إلى تعيين المكلّف به ؛ لأنّه يعلم بوجوب التعبّد عليه مردّدا بين الفعل والترك ، فيرجع (٢) إلى ما قلنا فيه بالجواز ، فهذه الصورة خارجة عن محلّ إشكالنا ، ثمّ حكى عن العميدي أنّه قال : إنّ المراد بالإباحة بعد الجعل إن كان هي الرخصة العقليّة (٣) التي كانت قبله ؛ فالحق مع المانع ، وإن كان هي (٤) الإباحة الشرعيّة فهي فائدة من الجعل ، ولم تكن قبل ، فالحق مع المجوز.

وقال : إنّ هذا محاكمة بين الفريقين ؛ لكنّ فيه : أنّه أيضا ليس ثمرة عمليّة ، إذ لا فرق في مقام العمل بين الإباحتين ، فلا يمكن أن يجعل هذا ثمرة في الجعل ، فإذا الحق مع المانع ؛ انتهى.

قلت : لا يخفى ما فيه من أوله إلى آخره ؛ إذ ما ذكره :

أولا : من أنّهما إذا كانا في تعيين المكلّف به فالفائدة هو التعيين ، وعلى تقدير عدم الجعل ربّما يقع في مخالفة الواقع ، فيه : أنّ العلم الإجمالي يمنع من الوقوع في مخالفة الواقع ، ولو قال إنّ الفائدة عدم لزوم الجمع بينهما الذي هو مقتضى العلم الإجمالي كان أولى ، إذ على تقدير الجعل يكون مخيّرا ؛ لكنّه أيضا ممنوع ، إذ مع قطع النظر عن الأخبار الدالّة على التخيير مقتضي القاعدة ـ ولو بعد جعل الخبرين ـ الاحتياط بالعمل بهما ؛ إذ المفروض إمكانه ، فلا يكون من التزاحم ، ولو مثل بما لم يكن علم إجمالي ، وكان كلّ واحد من الخبرين يعيّن شيئا ؛ بحيث لو لا هما لم يحكم

__________________

(١) لا توجد كلمة «فيه» في نسخة (ب).

(٢) في نسخة (د) : فرجع.

(٣) في نسخة (ب) و (د) هكذا ، وكانت في نسخة الأصل : الفعليّة.

(٤) في نسخة (د) : بين.

٢٢٤

بوجوب شيء أمكن أن يقال إنّ الفائدة عدم الرجوع إلى الأصل ، وهو عدم كلّ منهما ، لكنّ هذا أيضا ليس من حيث كون الخبرين في تعيين المكلّف به ، بل لو كان كل واحد ثبت (١) شيئا بحيث لا يكونان متفقين على أنّ هنا تكليفا ، وكان كلّ منهما في مقام تعيينه ، وأنّه الظهر أو الجمعة ـ مثلا ـ فالحكم كذلك ، فلا خصوصيّة لكونهما في تعيين المكلّف به.

وثانيا : نقول : إنّ الخبرين في إثبات الحكم يمكن أن تكون فائدة جعلهما عدم الرجوع إلى الأصل الذي (٢) يكون خارجا عنهما كما (٣) إذا دلّ أحدهما على الوجوب والآخر على الاستحباب ، فإنّه مع عدم الجعل يرجع إلى نفيهما معا ، وكذا في كل مقام يكون الأصل مخالفا لكلّ منهما في الوضعيّات والتكليفيّات.

وثالثا : نقول : فائدة الجعل تعيين الواقع ، ولو تخييرا ؛ فإنّه فرق بين الإباحة وبين التخيير ، من الإتيان (٤) على وجه الوجوب أو الإباحة ، وهذا واضح جدا ، وكونه مخيرا بينهما مستمرا لا ينفي إمكان كون الفعل واجبا إذا اختار خبر الوجوب ، بل له أن يستمر على أخذ خبر الوجوب فيفتي بالوجوب إلى الأبد ، فالتخيير في المقام ليس تخييرا بين الفعل والترك ؛ بل بين أخذ الخبر الدال على الوجوب والحكم بالوجوب (٥) ، وبين أخذ الخبر الدال على الإباحة والحكم بها.

ورابعا : لازم ما ذكره عدم مجعوليّة الأخبار المطابقة للأصول ، ولو مع عدم العارض ؛ لأنّ المفروض أنّه مع عدم الجعل يرجع إلى الأصل المطابق للخبر ، ولا يمكن التفوّه به ، بل لازمه عدم جعل الوجوب في حقّ من أراد الإتيان بالفعل ، إذ المفروض أنّه يأتي بالفعل ؛ فلا فائدة في إيجابه عليه.

وخامسا : إنّ قصد القربة يمكن أن يكون ثمرا ؛ إذ مع عدم الجعل يكون الفعل مباحا ، ومع الجعل يمكن الإتيان به على وجه التعبّد والتدين بأنّه مطلوب الشارع ،

__________________

(١) في نسخة (ب) و (د) : يثبت.

(٢) بعدها في نسخة (ب) : يمكن أن.

(٣) لا توجد كلمة «كما» في كل من نسخة (ب) و (د).

(٤) في نسخة (د) : بين الإتيان.

(٥) قوله «على الوجوب والحكم بالوجوب» لا يوجد في نسخة (د).

٢٢٥

ودعوى أنّ الاحتمال كاف مدفوعة بالفرق بين القصد الاحتمالي وبين القصد القطعي ، من حيث إنّ الشارع حكم بوجوبه بالتخيير بين الخبرين.

وما ذكره من الدور مدفوع بأنّ الأمر ليس موقوفا على فعليّة القربة ؛ بل على إمكان قصدها ، وفعليّة القصد موقوفة على الأمر ؛ فلا دور ، وهذا من الواضحات ، إذ الغرض في جميع الأوامر التعبد والامتثال ، مع أنّه موقوف على الأمر ، والأمر لا يكون إلا مع ترتب فائدة ومصلحة ، فإمكان التعبّد على فرض الأمر كاف في الأمر ، ثمّ ما قرّره من المحاكمة المنقولة عن العميدي قد عرفت بطلانها ؛ إذ القائل بالتخيير لا يقول بالإباحة حتى يقال إنّها عقليّة أو شرعيّة.

ثمّ إنّ كلامه ـ على فرض تماميّته ـ يختص بالخبرين الدال (١) أحدهما على الإباحة والآخر على الوجوب أو الحرمة ، فلا وجه لدعوى (٢) الكليّة ، ثمّ على فرض التخيير البدوي أيضا يمكن أن يقال : لا ثمرة في جعل كلا الخبرين ، إذ ينبغي حينئذ جعل ذلك المختار فقط.

وبالجملة فعلى فرض الإغماض عمّا ذكرنا من لزوم التناقض لا مانع من جعلهما ، من غير فرق بين المقامات ، والفائدة (٣) في الجعل إراءة الواقع ، والعمل على طبقه إباحة أو وجوبا أو غيرهما ، فدعوى أنّ كون الفائدة (٤) في الجعل لا يكفي ؛ بل لا بدّ أن يكون في المجعول ، ولا فائدة فيه (٥) ؛ مدفوعة بأنّ وجود المعارض وعدمه لا يتفاوت في هذا ، وكل فائدة (٦) تفرض في الخبر الدال على الوجوب أو الحرمة أو غيرهما مع عدم المعارض ـ إذا كان مخالفا للواقع ـ فهي متحققة (٧) في صورة المعارضة أيضا ؛ فتدبّر!.

__________________

(١) في نسخة (د) : بدل كلمة «الدال» كتب «إلا أنّ».

(٢) في نسخة (ب) : لدعواه.

(٣) في نسخة (د) : إذ الفائدة.

(٤) لا توجد كلمة «الفائدة» في نسخة (ب).

(٥) لا توجد كلمة «فيه» في نسخة «د».

(٦) في نسخة (د) : فكل فائدة.

(٧) في نسخة (ب) : فهي متحققة إذا كان مخالفا للواقع.

٢٢٦

حكم المتعادلين بمقتضى الأخبار

ثمّ إنّك قد عرفت حكم المتعادلين من حيث الأصل الأولي ؛ مع قطع النظر عن الأخبار العلاجيّة ، وأنّ مقتضى القاعدة التساقط والرجوع إلى الأصل ، ولو كان ثالثا ، وأمّا بملاحظة الأخبار فنقول : إنّ الأخبار المستفيضة دلّت على عدم التساقط ، وأنّ المكلّف مخير بينهما ، وهذه الأخبار وإن كانت معارضة بما دلّ على الاحتياط والتوقف ، ومقتضى الثانية جواز الرجوع إلى الأصل المخالف الذي هو في معنى التساقط ـ كما سيأتي بيانه ـ إلا أنّه سيأتي أنّ أخبار التخيير مقدمة وغيرها إمّا مطروح أو محمول (١) على ما لا ينافيها.

هذا ؛ والشيخ المحقق (قدس سرّه) (٢) ـ بعد أن بيّن أنّ مقتضى القاعدة بناء على الطريقيّة التوقّف الذي مقتضاه الرجوع إلى الأصل المطابق ، وتساقطهما من حيث جواز العمل بهما إذا لم يكن أصل مع أحدهما ، والظاهر أنّ مراده من ذلك وجوب الاحتياط حينئذ ـ قال (٣) : هذا ما تقتضيه القاعدة إلا أنّ الأخبار المستفيضة ؛ بل المتواترة قد دلّت على عدم التساقط مع فقد المرجّح ؛ فإذا لم يحكم بالتساقط فهل الحكم التخيير أو العمل بما طابق منهما الاحتياط ، أو بالاحتياط ولو كان مخالفا لهما ؛ كالجمع بين الظهر والجمعة والقصر والاتمام؟ وجوه : المشهور الأول ؛ للأخبار المستفيضة ، بل المتواترة .. إلى آخره.

أقول :

أولا : دعواه تواتر الأخبار في المقامين في محل المنع ؛ خصوصا بالنسبة إلى الثاني ، إذ الأخبار الدالّة على التخيير والاحتياط والتوقف ليست ـ فيما رأينا (٤) ـ بالغة حدّ التواتر ، فضلا عن الأخبار الدالّة على التخيير فقط.

فإن قلت : لعل نظره إلى الأخبار الدالّة على الاحتياط بقول مطلق ، أو التوقف في الشبهات.

__________________

(١) في نسخة (ب) و (د) : مطرح أو يحمل.

(٢) أثبتناها من نسخة (ب) و (د).

(٣) فرائد الأصول : ٤ / ٣٩ ، مع اختلاف يسير.

(٤) بعدها في نسخة (ب): «أزيد من تسعة أو عشرة» بدل قوله «بالغة حد التواتر».

٢٢٧

قلت : تلك الأخبار لا تثمر في المقام ؛ إذ هي ليست واردة في الخبرين المتعارضين ، وأنّ حكمهما عدم التساقط بناء على شمولها للمقام ، ومجرّد إيجاب الاحتياط أو التوقف عند الشبهة (١) لا يستلزم عدم سقوط الخبر عن الحجيّة ، بل هما من جهة مجرّد الاحتمال كما هو واضح.

وثانيا : يظهر منه أنّ كل واحدة من الفرق الثلاث من الأخبار ـ أعني أخبار التخيير والاحتياط والتوقف ـ مقتضاها عدم التساقط ، وأنّ الحجّة موجودة بين الخبرين ، وهذا بالنسبة إلى الطائفة الثالثة محلّ منع ، إذ دلالتها على ما ذكر مبنيّة على دلالتها على وجوب الاحتياط بالبيان الذي ذكره ؛ من أنّ التوقف في الفتوى الذي هو مفادها مستلزم للاحتياط في العمل ، كما فيما لا نصّ فيه ؛ وهو ممنوع ، إذ التوقف في الفتوى سواء كان بمعنى عدم القول والإفتاء على طبق أحد الخبرين ، أو عدم العمل به على أنّه حكم الله ـ كما هو شأن العمل بالخبر ـ لا يستلزم إلا الرجوع إلى الأصول.

فإن قلت : يمكن دعوى دلالتها على الاحتياط على حسبما ذكر في أخبار التوقف عند الشبهة : وهو أنّ المراد من التوقف : السكون وعدم المضي بارتكاب الفعل ، وهذا عين الاحتياط في العمل.

قلت : هذه الدعوى في المقام ممنوعة ؛ إذ الكلام في المقام لا يختص بالخبرين المتعارضين في الشبهة التحريميّة ، وهذا المعنى يناسب هذا المورد فقط ، فلا يستفاد من أخبار المقام أزيد من أنّه لا يجوز العمل بأحد الخبرين بجعله مرآة الواقع وأنّ مؤداه حكم الله ، وأمّا أنّه ما ذا يصنع في مقام العمل ؛ فلا يستفاد منها إلا أن يقال إنّ سياقها يقتضي عدم الرجوع إلى الأصول ؛ وهو ممنوع ، فظهر أنّ هذه الأخبار ليست منافية لمقتضى القاعدة.

فالأولى في البيان ما ذكرنا من أنّ أخبار التخيير تدل على عدم التساقط والعمل عليها ، وغيرها مطروح (٢) أو محمول على ما إليها يؤول ، وكيف كان ؛ فالمراد بالاحتياط الذي جعل أحد الوجوه في المقام ، واستفيد من أخبار التوقف هو

__________________

(١) الجملة السابقة «بناء على شمولها المقام» قد جاءت في كلا النسختين (ب) و (د) هنا.

(٢) في نسخة (د) : مطرح.

٢٢٨

الاحتياط ولو كان أحد الخبرين مطابقا للأصول الأخر ، والفرق بينه وبين التوقف الذي جعل مقتضى القاعدة يظهر في الرجوع إلى الأصل المطابق لو كان ، فالتوقف المدلول عليه بالأخبار ـ بناء على استلزامه الاحتياط ـ غير التوقف الذي جعل مقتضى القاعدة ، فلا يرد على الشيخ (قدس‌سره) (١) ما أورده بعض الأفاضل (٢) من أنّ الأخذ بما طابق منهما الاحتياط أو الاحتياط المخالف ممّا يلزمه التوقف ؛ إذ المتوقف (٣) لا بدّ له من الأخذ كذلك ، وليسا قولين في مقابله حتى يجعلهما قسمين له ؛ بعد بطلانه بالأخبار ، انتهى.

ومن الغريب أنّه جعل كلّا من الأخذ بما طابق منهما الاحتياط فقط ، والاحتياط المخالف من مقتضى التوقف ؛ مع أنّهما متباينان ، إذ الأول احتياط في الجملة ، أي في خصوص صورة مطابقة أحدهما للاحتياط ، دون صورة مطابقتهما معا للاحتياط ، فإنّ مقتضى هذا الوجه التخيير في هذه الصورة ، كما هو مفاد المرفوعة ، والثاني احتياط في كلتا الصورتين ، فكيف يمكن كونهما معا مقتضى التوقف.

ثمّ بعد تصريح الشيخ (قدس سرّه) (٤) بأنّ مقتضى القاعدة التوقف ؛ بمعنى عدم حجية كلّ من الخبرين والرجوع إلى الأصل المطابق لو كان ؛ الذي مقتضاه في صورة مطابقة أحدهما للاحتياط أن يعمل بما دلّ على عدمه ، لا وجه للتفوّه بما ذكره ، وهذا ناش عن المسامحة في المطلب.

ثمّ على تقدير استفادة الاحتياط من أخبار التوقف : هل المراد الاحتياط المطلق ولو كان ثالثا ، بالنسبة إليهما (٥)؟ فلو دلّ كلّ منهما على وجوب شيء واحتمل وجوب أمر ثالث وجب الإتيان بالجميع ، ولو دلّ أحدهما على استحباب شيء والآخر على إباحته ، واحتمل وجوبه وجب الإتيان به ، أو الاحتياط غير الخارج عنهما ، ففي الصورة الأولى يجوز الاقتصار على الأمرين ، وفي الثانية يجوز ترك ذلك

__________________

(١) أثبتنا هذا من نسخة (د).

(٢) هو الميرزا الرشتي في بدائع الأفكار : ٤١٦.

(٣) في نسخة (د) : التوقف.

(٤) أثبتنا هذا من نسخة (د).

(٥) جاء بعد هذا في نسخة (د) : أي الخبرين.

٢٢٩

الشيء؟ وجهان ؛ والظاهر الأول ، إذ المراد من الإرجاء إرجاء حكم الواقعة ، وأنّ حكمه الواقعي ما ذا؟ ولازم إفادته الاحتياط وجوب الاحتياط في إدراك الواقع.

فإن قلت : إنّ الإرجاء إنّما هو من جهة أنّ الحجّة بينهما ؛ وهي غير معلومة ، ولازمه نفي الثالث.

قلت : المفروض تساويهما في ملاك الحجيّة والمرجّحات ، فلا يعقل أن تكون الحجة أحدهما المعيّن واقعا ، ويكون الإرجاء من جهة أنّ الإمام عليه‌السلام عيّن أنّها (١) ما هي ؛ ولا وجه لجعل الحجيّة ما يكون مطابقا للواقع ، إذ ليس المدار في الحجيّة على ذلك ، فيكون المراد إرجاء حكم الواقعة ؛ لا إرجاء تعيين الحجّة ، إذ لو كان هناك مميّز للحجّة عن غيرها بحسب نظر الإمام عليه‌السلام غير الأمور المفروض تساويهما فيها وجب عليه بيان نوعه.

نعم ؛ لو كان المراد حجيّة كلّ منهما وأنّ وجوب الاحتياط من جهة ذلك (٢) تمّ ما ذكر من نفي الثالث ، لكنّ المفروض عدم استفادة ذلك من الأمر بالتوقف ، مع أنّ لازم هذا أيضا ليس الاحتياط في جميع المقامات ، إذ لو دلّ أحدهما على وجوب شيء والآخر على عدم وجوبه فكما أنّ الحجّة دلّت على الوجوب فكذلك الحجّة دلّت على عدم الوجوب على التقدير المذكور ، وليس المقام من تقديم المثبت على النافي كما هو واضح.

فإن قلت : فعلى ما ذكرت لا تنفي الأخبار ـ ولو بناء على استفادة الاحتياط منها ـ التساقط ، إذ الرجوع إلى الثالث ـ إذا كان مطابقا للاحتياط ـ من لوازم التساقط والمفروض البناء على عدمه.

قلت : التساقط المبني على عدمه هو التساقط بمعنى كون الخبرين كأن لم يكونا ، بحيث يرجع إلى الأصل كائنا ما كان ، وما ذكر ليس تساقطا بهذا المعنى ، بل هو احتياط ، ولو كان مخالفا للقاعدة ، ومن ذلك يظهر أنّ ما ذكره الشيخ المحقق (قدس سرّه) (٣)

__________________

(١) في نسخة (ب) و (د) : يعين أنّهما.

(٢) بعدها في نسخة (ب) : إذ لو كان مفاد كل منهما وجوب شيء وفرض كونه حجّة وجب الإتيان بهما ...

(٣) أثبتنا هذا من نسخة (د).

٢٣٠

في تعداد الوجوه في المسألة من الرجوع إلى الاحتياط ولو كان مخالفا لهما ، يمكن أن يحمل على ظاهره من إرادة الاحتياط المطلق ، وإن كان مخالفا لكل من الخبرين كالمثالين المتقدمين ، ولا يجب أن يحمل على خصوص (١) المخالف ؛ لخصوص كل منهما ، كالمثالين اللذين ذكرهما بدعوى أنّ المفروض أنّه بنى على عدم التساقط بمقتضى الأخبار ، والرجوع إلى الاحتياط المخالف لكليهما بالمعنى الذي ذكرنا ينافي مبناه من عدم التساقط ؛ إذ هو من لوازم التساقط ، وذلك لما عرفت من إمكان أن يكون غرضه من أنّ المستفاد من أخبار عدم التساقط عدم التساقط بحيث يكون الأصل المطابق مرجعا ؛ كائنا ما كان ، والاحتياط بالمعنى المذكور ليس تساقطا بهذا المعنى ، فيكون غرضه أنّ الأخبار المستفيضة تدلّ على عدم سقوط الخبرين كليهما ، بل إمّا (٢) لا يجب (٣) الأخذ بأحدهما مخيّرا أو يجب الأخذ بهما في الجملة ، وتطبيق العمل عليهما ، بمعنى دخلهما ولحاظهما في مقام إدراك الواقع ؛ لا بمعنى أنّ أحدهما أو كليهما حجّة حتى ينافي الاحتياط المطلق.

وممّا ذكرنا ظهر اندفاع ما أورد عليه ـ بعد تخصيص كلامه بالاحتياط المخالف لخصوص كلّ من الخبرين كالمثالين اللذين ذكرهما ـ بأنّ كون الاحتياط مرجعا ولو كان مخالفا لخصوص كل واحد منهما ينافي المبنى الذي ذكره ؛ فضلا عمّا إذا كان مخالفا لهما ، إلا أن يراد من المبنى مجرّد عدم تساقطهما ، وكونهما كأن لم يكن خبر في البين ، بحيث يرجع إلى الثالث من دون تعيين أن يثبت على وجه التخيير أو التعيين ، وهذا المقدار لا ينفع إلا في نفي الثالث ، لا في جواز الأخذ بأحدهما في خصوص مؤداه.

وأنت خبير بأنّه على هذا لا وجه لجعل هذا في (٤) مقابل (٥) الأصل الأولي حيث إنّ قضيّته أيضا ذلك ، إلا أن يقال إنّ الحجّة ـ بناء على الأصل ـ أحدهما في خصوص

__________________

(١) لا توجد كلمة «خصوص» في نسخة (ب).

(٢) لا توجد كلمة «إمّا» في نسخة (ب).

(٣) في نسخة (د) هكذا : إمّا يجب ...

(٤) لا توجد كلمة «في» في نسخة (ب).

(٥) في نسخة (د) : قبال.

٢٣١

نفي الثالث ، لا في مؤداه ، وعلى تقدير ملاحظة الأخبار أحدهما في خصوص مؤداه وإن كان مردّدا بين أن يكون على التعيين أو التخيير (١) ؛ انتهى.

وجه الاندفاع : أنّه لم يجعل الاحتياط مرجعا بمقتضى القاعدة حتى يكون منافيا لمبناه من عدم التساقط ؛ بل مرجعا تعبديّا من جهة الأخبار ، كيف؟ ولو كان المراد كونه مرجعا من حيث القاعدة لورد عليه المنع من ذلك ، ولو على تقدير كون الحجيّة (٢) أحدهما المعين الذي لا نعلمه ، إذ لا نسلّم أنّ لازم ذلك هو الاحتياط ، فعلى هذا لا ينفع ما ذكره أخيرا في دفع الإيراد ، فيكون مراده من (٣) دلالة الأخبار على عدم التساقط أنّها تدلّ إمّا على وجوب العمل بأحد الخبرين مخيّرا ، كأخبار التخيير ، أو على وجوب تطبيق العمل على كليهما ؛ كأخبار الاحتياط ، ومن المعلوم عدم كون هذا تساقطا بالمعنى المتقدم ، أي مع الرجوع إلى الأصل ، خصوصا بناء على تخصيص الاحتياط المخالف في كلامه بالمخالف لخصوص كلّ منهما ، على ما بنى عليه المورد.

وبالجملة ليس غرض الشيخ (قدس سرّه) (٤) من دلالة الأخبار على عدم التساقط أنّها تدلّ على كون أحد الخبرين حجّة : إمّا مخيّرا أو معيّنا ، بل مجرّد عدم الرجوع إلى الأصل ولو كان مطابقا لواحد منهما ؛ فتدبّر.

[وجوه المسألة وصورها]

الثالث وعدمه ـ التخيير ؛ وهو المنسوب إلى المشهور ، والعمل بما طابق منهما الاحتياط ، ومع مطابقتهما أو مخالفتهما له فالتخيير ، ولم أجد به قائلا ، والاحتياط في صورة مطابقة أحدهما أو كلاهما له ، وإلا فالتخيير ، ولم أجد به أيضا قائلا ، والاحتياط المطلق وإلا فالتخيير ، وهو المنسوب إلى الأخباريين من أصحابنا ويحتمل حمل كلامهم على الثالث.

__________________

(١) بدائع الأفكار : ٤١٦ ـ ٤١٧.

(٢) في نسخة (ب) و (د) : الحجّة.

(٣) لا توجد كلمة «من» في نسخة (د).

(٤) أثبتنا هذا من نسخة (د).

٢٣٢

ومن الغريب إسناد التوقف ـ الذي لازمه هذا ـ إلى الشيخ المحقّق (قدس‌سره) (١) ، مع أنّ كلامه صريح في الوجه الأول ، ولعلّه من جهة أنّه قال : إنّ مقتضى القاعدة ـ مع قطع النظر عن الأخبار ـ التوقف ، لكن لا دخل له بالمقام ، مع أنّه غير هذا التوقف ، والتفصيل بين حقوق الله فالتخيير ، وحقوق الناس فالاحتياط ، وهو المنسوب إلى الأمين الاسترابادي.

والتفصيل بين صورة (٢) الاضطرار إلى العمل بأحدهما فالأول ، وبين غيرها فالاحتياط (٣) ، وهو منسوب إلى الحرّ العاملي في الوسائل ، ومنشأ الاختلاف الأخبار (٤) ، حيث إنّ بعضها دالّ على التخيير ، وبعضها على الاحتياط المطابق ثمّ التخيير.

ودعوى أنّ ذكر الاحتياط فيه من حيث إنّه مرجّح لا مرجع.

مدفوعة بأنّ المبيّن في محلّه عدم إمكان كون الأصل مرجّحا ، فلا بدّ أن يحمل على المرجعيّة ؛ فتأمّل!.

وبعضها (٥) على التوقف ؛ وقد فهموا منه الاحتياط بأحد الوجهين المتقدمين.

هذا ولا فرق في جريان هذه الوجوه بين القول باعتبار الأخبار من باب الظن الخاص ، أو من باب الظن المطلق إذا قلنا إنّ النتيجة حجيّة الأسباب دون وصف الظن (٦) ، وأمّا بناء على حجيّة وصف الظن ، فلا يتصور التعارض (٧) ، وما ذكرنا من

__________________

(١) أثبتنا هذا من نسخة (د).

(٢) في نسخة (د) : صورتي.

(٣) في نسخة الأصل بعد هذه الكلمة كتب : ونسب إلى ابن أبي جمهور ، والتفصيل بين المستحبات فالأول والواجبات فالاحتياط ... أقول : قد رسم في المتن فوق هذه العبارة ما بين أولها وآخرها هكذا : ح ذ / الى ، ولعل مراده حذف هذه العبارة ، وهي لا توجد في نسخة (ب) ، ويوجد أصل النسبة إلى ابن أبي جمهور في نسخة (د).

(٤) جاء في نسخة (د) هكذا : ومنشأ الاختلاف اختلاف الأخبار.

(٥) هذه الجملة معطوفة على قوله : إنّ بعضها دال ...

(٦) وذلك باعتبار أنّ السبب الذي هو كالخبر أو الشهرة أو قياس الأولويّة لا تختلف سببيّته من حيث هو بين كون منشأ حجيّته الظن الخاص أو الظن المطلق ، بخلاف ما لو كان بلحاظ وصف الظن فإنّ الثابت بنحو الظن الخاص غير ما هو ثابت بنحو الظن المطلق.

(٧) وذلك لتقدم ما كان محصلا للظن من باب الظن الخاص على ما كان من باب الظن المطلق.

٢٣٣

عدم الفرق واضح ، خصوصا بناء على تقرير دليل الانسداد على وجه الكشف ، إذ معه يكشف عن حجيّة ما يفيد الظن نوعا على البناء المذكور ، إلا أن يقال بالإهمال من هذه الجهة ، وأنّ القدر المتيقن صورة عدم المعارضة ؛ وهو ممنوع (١) ، كما يظهر من عمل العلماء والأصحاب ؛ فتأمّل (٢)!.

فإن قلت : على تقدير التقرير على وجه الحكومة يكون الحاكم هو العقل ، وهو لا يحكم إلا بحجيّة ما لا معارض له ، فلا يكون شيء من الخبرين حجّة (٣) ، فلا تجري الوجوه المذكورة.

قلت :

أولا : يمكن أن يقال : إنّ العقل يحكم بحجيّة طبيعة الخبر المفيد للظن ؛ فيتصور التعارض ؛ فتأمّل!

وثانيا : نقول إنّ العقل وإن كان لا يحكم بالحجيّة إلا أنّ الأخبار العلاجيّة الدالّة على التخيير أو الاحتياط أو التوقف دالّة على حجية الخبرين ، فتجري الوجوه المذكورة بملاحظتها.

ودعوى أنّها إذا كانت متعارضة فلا تكون حجّة بناء على الظن المطلق ، مدفوعة :

أولا : بكونها قطعيّة من هذه الجهة.

وثانيا بأنّه يحصل منها الظن بحجيّة الخبرين ؛ وهو حجّة .. مع إنها في الدلالة على حجيّة الخبرين متطابقة ، وتعارضها في بيان أنّ الحكم ما ذا لا يضر (٤) بالدلالة المذكورة هذا ؛ بل أقول بناء على حجيّة الظن المطلق ـ من باب صفة الظن أيضا ـ لا يسقط باب التعارض ولا الوجوه المذكورة في المقام ، غاية الأمر (٥) أنّ كيفيّة البحث

__________________

(١) لا توجد كلمة «وهو ممنوع» في نسخة (ب).

(٢) لا توجد كلمة «فتأمل» في نسخة (ب).

(٣) إنّما لا يكون شيء منها حجّة وذلك لأنّ شرط حجيّة كل منهما عدم المعارض والفرض أنّ كلّ واحد منهما يعارض الآخر ، فيلزم كون كل منهما له معارض فلم يتحقق شرط الحجيّة في أيّ منهما.

(٤) في النسخة كتبت : ما إذا لا يضر ؛ والصحيح ما كتبنا وهو الموافق للنسخة (د).

(٥) في نسخة (د) هكذا : غاية البحث أنّ كيفيّة البحث.

٢٣٤

مختلفة ، وذلك لأنّ القائل بالظن الخاص يبحث عن باب التعارض من جهة تعارض الحجّتين ، وغرضه بيان أنّ الحجّة الفعليّة (١) ما ذا؟ والقائل بالظن المطلق يبحث لتعيين الحجّة ؛ لأنّ الحجّة عنده من الخبرين ما أفاد الظن فعلا ، أو الظن الحاصل من الخبر ، فلا بدّ له من ملاحظة وجوه التراجيح وأخبار التخيير والتوقف ؛ ليحصل له الظن.

فجميع ما يعمله القائل بالظن بالخبر (٢) في طريق اجتهاده في تعيين الحجّة التعبديّة يعمل (٣) هذا القائل أيضا لتحصيل الظن ، ومنشأ حصول الظن هذه الأخبار ؛ فبملاحظة ما دلّ على الترجيح بالأعدليّة يحصل له الظن بأنّ الحكم ما دلّ عليه خبر الأعدل ، فيعمل به ؛ غاية الأمر أنّه إذا حصل له الظن في مورد من الموارد بغير خبر الأعدل يعمل بظنه ، لا بخبر الأعدل ، وهذا لا يضرّ ، كما لو لم (٤) يكن الخبر معارضا ، وحصل له الظن بخلافه ، فإنّه لا يضرّ بحجيّة أصل الخبر من حيث هو ، بمعنى أنّه حجّة إذا لم يحصل هذا الظن ، وكذا إذا حصل له الظن ـ بمقتضى أخبار التخيير ـ بأنّ الحكم في التعادل هو التخيير ، فإنّه يحكم بالتخيير .. وهكذا.

فحال هذا القائل حال من يقول بحجيّة الأخبار من باب الظن الخاص ، إلا أنّ المعتبر الخبر المفيد للظن الفعلي.

وبالجملة فيمكن ـ بناء على الظن المطلق ـ اختيار التخيير ؛ لترجيح أخباره على أخبار التوقف ، ويمكن العكس ، ويمكن التفصيل بالجمع بأحد الوجوه المذكورة ، كما في سائر اجتهاداته التي مدركها الأخبار ، بمعنى أنّ سبب حصول الظن هو الأخبار ، فلا فرق ؛ وهذا واضح.

ومن ذلك ترى أنّ المحقق القمي (رحمه‌الله) (٥) مع قوله بالظن المطلق ذكر باب التعارض وتكلّم فيه من الأول إلى الآخر ، لكن على وجه يناسب الظن المطلق ، وفي

__________________

(١) لا توجد كلمة «الفعليّة» في نسخة (د).

(٢) في نسخة (د) هكذا : القائل بالظن الخاص في طريق اجتهاده ...

(٣) في نسخة (د) : يعمله.

(٤) في نسخة (ب) : كما إذا لم.

(٥) وفي نسخة (د) كتب : قدس‌سره.

٢٣٥

المقام أيضا رجّح القول بالتخيير ، وأجاب عن أخبار التوقف بما أجاب ، نعم لم يعتمد في الحكم بالتخيير على مجرّد أخباره ؛ بل عليها وعلى أمور أخر مثل الشهرة بين الأصحاب ، وكونه موافقا لحكم العقل بالبراءة ، فإنّه قال ما ملخصه ـ بعد اختياره التخيير وإسناده إلى المعروف من محققي متقدمي الأصحاب ومتأخريهم ـ (١) : إنّ الكلام في التخيير مثل الكلام في الترجيح في أنّه لا يجوز الرجوع فيه إلى الأخبار ، [ولا] سيّما مع اختلافها في تأدية المقصود ، فربّما حكم فيها بالتخيير أولا ، وربّما حكم فيها بعد العجز عن الترجيح ، وهي مختلفة في أنّه يعدّ أيّ (٢) من التراجيح؟

فلا يعرف موضع التخيير الخاص به ، بحيث يرتفع الإشكال!.

نعم ؛ يظهر من كثير منها أنّه بعد العجز عن الترجيح الخاص ؛ نعم هذه الأخبار مؤيدة للمختار ، وأمّا ما دلّ على التوقف فلا يقاوم ما دلّ على التخيير ؛ لأكثريتها وأوفقيتها بالأصول وعمل المعظم.

ثمّ ذكر محامل أخبار التوقف .. إلى أن قال : ويظهر لك قوّة القول بالتخيير عند العجز وضعف القول بالتوقف بملاحظة ما مرّ في الأدلة العقليّة أيضا ، وأمّا القول بالتساقط والرجوع إلى الأصل فهو ضعيف أيضا ؛ لأنّ بعد ملاحظة ورود الشرع والتكليف ، و [لا] سيّما بعد ملاحظة الأخبار الواردة في ورود حكم كلّ شيء وأنّه مخزون عند أهله ، يحصل الظن بأنّ حكم الله في هذه المادّة الخاصة هو مقتضى إحدى الأمارتين ؛ لا أصل البراءة ، خصوصا بعد ملاحظة الأخبار الواردة في التخيير ، وفي أنّ الخلاف منّا (٣) ، وأنّه أبقى لنا ولكم ، فلا يجوز ترك المظنون ، نعم أصل البراءة يقتضي عدم التكليف بواحد معيّن منهما ، وكيف كان ؛ فالمذهب هو التخيير ؛ انتهى.

والحاصل : إنّه لا ينبغي التأمّل في جريان الوجوه المذكورة ـ بناء على الظن المطلق ـ فكلّ من أصحاب الوجوه يرجّح وجها بناء عليه ، لدعواه أنّه المظنون

__________________

(١) قوانين الأصول : ٤٠٥.

(٢) في نسخة (ب): «يعدّان» بدل «يعدّ أي» ، وفي نسخة (د) : بعد أي.

(٣) كما وردت به بعض الأخبار «أنا خالفت بينهم» ...

٢٣٦

بملاحظة الأخبار والجمع بينها (١).

وعن بعض الأفاضل (٢) أنّه قال ـ بعد ذكره الوجوه المذكورة ـ أنّها إنّما تجري بناء على اعتبار الأخبار من باب الظن الخاص ، وأمّا على الظن المطلق فليس في البين حجّة مجعولة حتى يختلفا عند التعارض ؛ بل لا بدّ في الخبرين الواقعين في المسألة الفرعيّة من التوقف والرجوع إلى الأصل الموافق لأحدهما ؛ لا الثالث ، ولحصول (٣) الظن بنفيه ؛ قال : لكنّ هذا إذا قلنا بأنّ نتيجة الانسداد (٤) حجيّة الأسباب والأمارات ، وأمّا بناء على كون حجيّتها صفة الظن فلا تعارض في البين ؛ بل المرجع الظن الحاصل من أيّهما كان ، ثمّ قال : وحينئذ فلا وجه لما في القوانين من التخيير ؛ سيما مع نسبته إلى محققي الأصحاب ، مع أنّه من القائلين بالظن المطلق ، ولعلّه (٥) لذا ربّما يوجه كلامه بأنّ حكمه التخيير من جهة حصول الظن من إخباره ، ولكنّه يتم إذا كان مفادها التخيير بين الخبرين لا الحجّتين المتعارضتين ، فعلى الثاني لا يتم ؛ إذ لا حجّة (٦) في البين كي تجري الأخبار.

فالأولى أن يوجّه كلامه بأنّه لمّا كان المرجع عنده في الشبهات حتى المقرونة بالعلم الإجمالي هو البراءة ، فاللازم على أصله التخيير الذي مرجعه إلى البراءة عن التعيين ، وهذا عين التخيير في العمل ، إذ ليس مراده التخيير في الفتوى ؛ انتهى.

قلت : قد عرفت ما فيه ممّا ذكرنا ، وأنّ إيراده على المحقق القمي (قدس‌سره) (٧) ليس في محلّه ، مع أنّه ـ بناء على ما ذكره ـ ورود الإيراد عليه إنّما هو في ذكر أحكام التعارض كليّة ؛ لا خصوص حكمه بالتخيير ؛ لأنّه من القائلين باعتبار صفة الظن لا الأسباب والأمارات النوعيّة.

__________________

(١) لا توجد هذه الكلمة «بينها» في نسخة (ب).

(٢) الفصول الغرويّة : ٤٢٧.

(٣) في نسخة (ب) هكذا : لحصول.

(٤) في نسخة (د) : حجيّة دليل الانسداد.

(٥) لا توجد هذه الكلمة «ولعله» في نسخة (ب).

(٦) في نسخة (د) : حجيّة.

(٧) أثبتنا هذا من نسخة (د).

٢٣٧

ثمّ ما اختاره من التوجيه خلاف صريح كلام المحقق كما عرفت ، مع أنّه قائل بالتخيير حتى في مورد لا تجري البراءة ، كالأخبار الواردة في حقوق الناس والفروج والدماء ونحوها .. ولا يمكن بأن يكون من جهة البراءة ؛ وهذا واضح.

ثمّ إنّ الحق من الوجوه المذكورة هو التخيير ؛ لأنّه مقتضي الجمع بين الأخبار المختلفة في المقام ، لأنّ الجمع بينها وإن كان يمكن بوجوه ، إلا أنّ وجهها أحد الثلاثة التي نتيجتها التخيير وتقديم أخباره.

بيان ذلك : إنّ هاهنا طوائف من الأخبار :

[الطائفة الأولى] :

منها : مرفوعة زرارة (١) الدالّة على الأخذ بالخبر الموافق للاحتياط بعد فقد المرجّحات ، ومع موافقتهما أو مخالفتهما له فالتخيير ، وعدّ هذه طائفة مستقلة بناء على كون الاحتياط المذكور فيها مرجعا أوليّا (٢) ، والتخيير مرجعا ثانويا بعد الأول ، وأمّا بناء على كون موافقة أحد الخبرين للاحتياط مرجعا (٣) له فهي من أخبار التخيير ، غاية الأمر أنّها زادت على المرجّحات مرجّحا آخر وهو الاحتياط الموافق لأحدهما.

[الطائفة الثانية] :

ومنها : ما دلّ على التخيير ؛ وهو أخبار :

منها : المرفوعة على الوجه الثاني.

ومنها : الخبر المروي في الاحتجاج (٤) عن الحميري عن الصاحب عليه‌السلام في استحباب التكبير بعد التشهد في الركعة الثانية ، حيث قال عليه‌السلام في ذلك حديثا .. إلى أن قال : «.. وبأيّهما أخذت من باب التسليم وسعك».

والإشكال فيه من جهة أنّ وظيفة الإمام عليه‌السلام ليس إلا بيان حكم الواقعة لا بيان

__________________

(١) عوالي اللآلي : ٤ / ١٣٣ ، حديث ٢٢٩.

(٢) في نسخة (ب) و (د) : أو لا.

(٣) في نسخة (د) : مرجّحا.

(٤) الاحتجاج : ٢ / ٣٠٤ ، الوسائل : الباب ١٣ من أبواب السجود ـ الحديث ٨.

٢٣٨

أنّه (١) اختلفت فيه الروايتان ، ومن جهة أنّ الخبر الثاني أخص من الأول ؛ فلا وجه لجعلهما متعارضين ، والحكم بالتخيير.

مدفوع بأنّ الأول لعلّه من جهة بيان الوظيفة عند التعارض ، وتعليم علاجه ، ولا يضر عدم بيان حكم الواقعة بعد كونه على وجه الاستحباب وعدم اعتبار نيّة الوجه ، والثاني بأنّ الخبر الثاني لعلّه كان عامّا ، ونقله الإمام عليه‌السلام بالمعنى ، وكيف كان فلا يضر الإشكالان المذكوران في الخبر ، بحيث يسقط عن الحجيّة في مقامنا.

ومنها : خبر الحسن بن الجهم (٢) عن الرضا عليه‌السلام ؛ وفيه : «.. فقلت يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين فلا يعلم أيّهما الحقّ؟ فقال عليه‌السلام إذا لم تعلم فموسّع عليك بأيّهما أخذت».

ومنها : خبر الحارث بن المغيرة (٣) عن أبي عبد الله قال : «إذا سمعت من أصحابك الحديث ، وكلّهم ثقة فموسّع عليك حتى ترى القائم (٤) فتردّه إليه».

ومنها : حسنة سماعة (٥) عن أبي عبد الله عليه‌السلام في خبرين أحدهما يأمر والآخر ينهى ، قال عليه‌السلام : «يرجه حتى يلقى من يخبره فهو في سعة حتى يلقاه» ، ودلالة هذا الخبر إنّما هي على تقدير أن يكون المراد من الإرجاء إرجاء تعيين الواقعة ، والمراد من قوله «فهو في سعة» السعة في العمل بالخبرين ، وأمّا بناء على إرادة السعة من حيث الرجوع إلى الأصل (٦) ، فيكون دليلا على التساقط والتوقف (٧) والرجوع إلى الأصل المطابق ، كما أنّه بناء على إرادة إرجاء نفس الواقعة ، وعدم العمل بشيء من الخبرين ، وكون المراد من السعة السعة في الإرجاء فيكون (٨) دليلا على الاحتياط.

فإن قلت : كيف يمكن حمل الإرجاء على هذا المعنى ، مع أنّ الأمر دائر بين

__________________

(١) سقطت كلمة «لا بيان أنّه» من نسخة ب ، وفي نسخة (د) : لا أنّه.

(٢) وسائل الشيعة : ٢٧ / الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، حديث ٤٠.

(٣) وسائل الشيعة : ٢٧ / الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، حديث ٤١.

(٤) في نسخة (ب) : القائم (عليه‌السلام).

(٥) الكافي : ١ / ٥٣ ، وسائل الشيعة : ٢٧ / الباب ٩ ، حديث ٥.

(٦) كلمة «الرجوع إلى الأصل» لا توجد في نسخة (ب).

(٧) في نسخة (د) : أو التوقف.

(٨) في نسخة (ب) : يكون.

٢٣٩

المحذورين ، ولا يمكن فيه إرجاء العمل والاحتياط.

قلت : الاحتياط (١) يمكن تصوره (٢) إذا كان الوجوب على تقديره موسّعا ، فإنّه يمكن تأخير العمل بأن لا يفعل ولا يترك بعنوان الحرمة ؛ بل يترك بعنوان الاحتياط ، وبعد السؤال إن كان الحكم الوجوب فيأتي به ، وإن كان الحكم الحرمة فيترك في بقيّة المدّة أيضا ، فالاحتياط في هذه الصورة ممكن في صورة الدوران بين الوجوب والحرمة ، ويؤيد ما ذكرنا من الاحتمال خبر سماعة بن مهران (٣) حيث قال عليه‌السلام في خبرين أحدهما يأمر والآخر ينهى «لا تعمل بواحد منهما حتى تأتي صاحبك فتسأل عنها ، فقلت : لا بدّ أن نعمل بواحد منهما؟ قال : خذ بما فيه خلاف العامّة».

ومن ذلك ظهر أنّه لا وجه لما ذكره بعضهم من الحكم بإجمال هذه الرواية من جهة نهيه عن العمل بواحد منهما حتى يسأل ، مع أنّ الأمر دائر بين المحذورين ، ولا يمكن عدم العمل بواحد منهما ؛ فتدبّر!.

وربّما يستشكل في دلالة الرواية : بأنّ موردها الدوران بين الوجوب والحرمة ، وفي هذا المورد العقل يحكم بالتخيير ، فحكم الإمام عليه‌السلام بالتخيير بين الخبرين يكون إرشادا إلى حكم العقل ، فلا ينفع في التخيير في سائر المقامات.

قلت :

أولا : بعد ما ذكرنا من الاحتمال نمنع كون العقل حاكما بالتخيير ، لإمكان الاحتياط بالوجه الذي ذكرنا.

وثانيا : إنّ حكم الإمام عليه‌السلام إنّما هو بالتخيير بين الخبرين ، والعقل لا يحكم إلا بالتخيير بين الفعل والترك ؛ لا التخيير بين الخبرين إلا أن يحمل التخيير الشرعي أيضا على العملي ، وهو بعيد ، مع إنّه إذا ثبت التخيير بين الخبرين ـ ولو تخييرا عمليّا في الصورة المذكورة ـ يتم في غيرها بالإجماع المركّب ، إذ لا قائل بالفصل مع الحكم بالتخيير بين الخبرين.

__________________

(١) قوله «الاحتياط» لا يوجد في النسخة (ب) و (د).

(٢) في نسخة (د) : تصويره.

(٣) الاحتجاج : ٢ / ١٠٩ ، عنه : وسائل الشيعة : ٢٧ / الباب ٩ من أبواب صفات القاضي حديث ٤٢.

٢٤٠