كتاب التّعارض

آية الله السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي

كتاب التّعارض

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي


المحقق: الشيخ حلمي عبد الرؤوف السنان
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة انتشارات مدين
المطبعة: الظهور
الطبعة: ١
ISBN: 964-8901-05-8
الصفحات: ٦٢٥

فتأمّل حتى لا تتوهم المنافاة بين ما ذكرنا هنا من أنّ وجوب تقديم الأهم من الواجبين ليس من باب التقييد ، وبين ما مرّ منّا آنفا من أنّ الشك في الأهميّة شك في تقييد إطلاق الأمر ، وكذا في الشك في المرجّح لأحد الدليلين ؛ وذلك لأنّ المراد من التقييد هناك التقييد في مقام الطلب لا في مقام المطلوب ، وهنا التقييد في مقام المطلوب فتعدد المطلوب ، والتكليف في التكليف تقييد في مقام الطلب ، ولذا نقول إنّه لا يجوز (١) اختيار غير الأهم وليس مكلّفا به لا ظاهرا ولا واقعا ؛ إذ لا يجوز الأمر بالضدين في آن واحد لكن لو أتى به فقد أتى بالمطلوب وهو صحيح من هذه الجهة ، ولو كان التقييد في المطلوب كان باطلا ؛ إذ على هذا التقدير المطلوب هو الفعل المقيّد بعدم كونه مزاحما للأهم ، فالإتيان (٢) بما لا دخل له بالمطلوب مثل الإتيان بالصلاة بلا طهارة مثلا.

ومن هذا الباب حكمنا بصحّة الصلاة في الدار الغصبيّة مثلا بناء على عدم جواز اجتماع الأمر والنهي أيضا إذا فرض تحقق قصد القربة (٣) ؛ فإنّه من جهة أنّ التقييد إنّما هو في الطلب وإلا فقد أتى بجميع ما يعتبر في الصلاة من الشرائط والأجزاء غاية الأمر أنّه لم يتعلّق الأمر بما أتى به من جهة أنّه لا يمكن الأمر به مع كونهما (٤) منهيّا عنه.

والحاصل : أنّ العمل صحيح من جهة أنّه موافق للمحبوب من جميع الجهات ويكفي في قصد القربة أيضا موافقته للمحبوب ، وإذا (٥) لم يكن هناك أمر به فدائرة المطلوب أوسع من دائرة الطلب.

وبالجملة ؛ فباب الترجيح في الأدلة والترجيح في الواجبين مشتركان في أنّهما من تقييد الطلب على فرض اعتبار المرجّح ، ومفترقان في أنّ في الواجبين لا تقييد في المطلوب فلو أتى بالمرجوح كان صحيحا من حيث هو ، وفي الدليلين المرجوح

__________________

(١) في نسخة (د) : لا يجوز له.

(٢) في نسخة (د) : فالإتيان به إتيان ..

(٣) لاحظ رسالة المصنف في اجتماع الأمر والنهى : ص ٧٧ ـ ٧٨ مخطوط.

(٤) في نسخة (د) : مع كونهما.

(٥) في نسخة (ب) و (د) : وإن.

٣٤١

ساقط بالمرّة فالخبر المرجوح مثل خبر الفاسق ، ولو على القول بالموضوعيّة.

ثمّ إنّ ما ذكرنا إنّما هو ، بناء على التحقيق من بطلان القول بالترتب في مسألة الأهم وغير الأهم ، وأمّا بناء عليه فالأمر في الفرق أوضح ، فكيف كان (١) فقد تبيّن أنّ الكلام في المقام في تأسيس الأصل ، وأنّ (٢) مع الشك في الترجيح هل يجب الترجيح أو لا؟ تارة في قبال التساقط .. بمعنى أنّه مع عدم الترجيح يحكم بالتساقط وتارة (٣) في قبال التخيير العقلي من باب التزاحم ، وتارة في قبال التخيير العقلي بعد عدم أصل موافق بناء على التوقف ؛ إذ مع وجوده أيضا بناء على القول بالتخيير مطلقا لا عقلا (٤) بناء على الطريقيّة أيضا ، وتارة في قبال التخيير الشرعي من جهة الإجماع والأخبار ، فلا بدّ من التكلم على جميع هذه التقادير ليتبين الحكم على جميع المذاهب وفي جميع الموارد ، كتعارض سائر الأمارات غير الأخبار معها أو بعضها مع بعض.

[الأمر] الرابع : [طريقة العقلاء في تعارض الطرق البناء على التساقط] لا يخفى أنّ طريقة العقلاء في تعارض الطرق المعتبرة عندهم في أمورهم البناء على التساقط في صورة عدم المرجّح والأخذ بالأرجح مع وجوده إذا كان ذلك الرجحان في مناط اعتبار ذلك الطريق فيقدمون خبر الاثنين على الواحد ، والأضبط على غيره .. وهكذا ، ولكن إذا كان الرجحان خارجا عن المناط لا يعتبرونه كما إذا حصل الظن لهم بالمطلب موافقا لأحد الطريقين من غير الأمور الراجعة إلى ذلك الطريق ، كالظن الناشئ من الحدس ، أو النوم ، أو قول غير أهل الخبرة ، أو نحو ذلك ، فالمعتبر عندهم ما يرجع إلى مزيّة في نفس أحد الطريقين بحيث يكون الطريق بلحاظ تلك المزيّة أقوى من الآخر دون ما يكون خارجا عنه موافقا له ، وهذا نظير باب الدلالات ؛ فإنّ الأمور الراجعة إلى أظهريّة أحد الدليلين بالنسبة إلى الآخر من حيث اللفظ معتبرة عندهم ، ويقدمون الأظهر بهذا المعنى على الظاهر ، ويجعلونه قرينة عليه.

__________________

(١) في نسخة (ب) و (د) : وكيف كان.

(٢) لا توجد كلمة «أن» في نسخة (د).

(٣) جاء في نسخة (ب) هكذا : بالتساقط تارة وتارة في قبال التوقف وتارة ...

(٤) في نسخة (د) : مطلقا عقلا.

٣٤٢

وأمّا الظنون الخارجيّة المطابقة لأحد الظاهرين بحيث لا يكون نفس اللفظ معها أظهر فلا عبرة بها عندهم ، فالمدار عندهم على ظهور اللفظ من حيث هو بملاحظة تلك الأمور أو أظهريّته كذلك ، وكذلك المقام (١) المدار على قوّة إحدى الأمارتين من حيث إنّها أمارة.

هذا ومن المعلوم (٢) من طريقتهم ، وكذا طريقتهم في الأحكام الشرعيّة بالنسبة إلى الطرق التي قرّرهم الشارع على العمل بها ، فلو فرضنا أنّ بنائهم على العمل بخبر العدل مثلا في مطلق الأمور عرفيّة وشرعيّة ولم يمنعهم الشارع عن ذلك ، بل قرّرهم عليه فبناؤهم في صورة المعارضة على ما ذكرنا ، فليكن هذا على ذكر منك.

[الأمر] الخامس : [في حاجة المرجح ـ للترجيح به ـ إلى دليل] لا إشكال في أنّ كون الشيء مرجّحا لأحد الدليلين مثل كون الشيء دليلا في أنّه يحتاج إلى الدليل لا بمعنى أنّه يجب أن يرد من الشارع أنّ الشيء الفلاني مرجّح بل أعم من ذلك ومن كونه مرجّحا عقليّا أو عقلائيّا ، وقد أمضاه الشارع ، أو مشكوك المرجحيّة مع حكم العقل بوجوب العمل عليه من باب القدر المتيقّن أو نحو ذلك ، فلا بدّ من الانتهاء إلى العلم بأنّه يجب الأخذ به ، فقد يكون احتمال وجود المرجّح أو مرجحيّة الموجود مرجّحا عند العقل لا بمعنى أنّ العقل يحكم بوجوب التقديم عند هذا الاحتمال كما لو فرضنا حكمه بوجوب شيء مع الشك (٣) في وجوبه ، وإن كان صحيحا أيضا بل بمعنى أنّ نفس الاحتمال مزيّة في أحد الخبرين ، والعقل يحكم (٤) بتقديم ذي المزيّة.

[الأمر] السادس : [في الغرض من تأسيس الأصل] لا يخفى أنّ الغرض من تأسيس الأصل بيان مقتضى القاعدة هل هو وجوب الترجيح بمجرّد وجود مزيّة لأحد الخبرين أو الأمارتين مع قطع النظر عن الأخبار الدالّة على الأخذ بالمرجّحات أو لا ، سواء قلنا فيها بالتعدي بدعوى أنّ المستفاد منها الترجيح بكل مزيّة أو ما يوجب الأقربيّة أو لا؟ بأن اقتصرنا على المنصوصات ، ولا يختص الكلام بما إذا كان الترجيح مشكوك الاعتبار أو الوجود ،

__________________

(١) في نسخة (ب) و (د) : وكذلك في المقام.

(٢) جاء في نسخة (ب) و (د) : وهذا معلوم من طريقتهم.

(٣) أثبتنا هذا من النسخة (ب) و (د) ، وفي الأصل كانت : من الشك.

(٤) لا توجد كلمة «يحكم» في نسخة (ب).

٣٤٣

والمقصود (١) أنّ مقتضى القاعدة في تعارض الدليلين هل هو الأخذ بالأرجح من أيّ وجه كان؟ أو الأرجح من خصوص بعض الوجوه؟ أو عدم الأخذ به إلا مع ورود نصّ بترجيحه مثل المرجّحات المنصوصة؟ وأنّ مع الشك في أنّ الشارع هل جعله مرجّحا أن لا فهل يجب الاحتياط بالأخذ بما يحتمل كونه أرجح عنده أو لا؟ وكذا مع الشك في الوجود ، فالكلام في المقام أعمّ من بيان الحكم اجتهادا أو أصلا عند الشك ليظهر منه حال سائر الأمارات مطلقا ، وحال الأخبار في غير المنصوصات بناء على عدم التعدي من جهتها ، وحال مشكوك (٢) الموضوعيّة.

إذا عرفت هذه الأمور فنقول : إذا قلنا باعتبار الأخبار أو غيرها من الأمارات من باب الطريقيّة الصرفة فمقتضى القاعدة الأخذ بالأرجح منها عند التعارض إذا كان ذلك الرجحان راجعا إلى أرجحيّة ذيه في الطريقيّة نوعا ، سواء كان راجعا إلى تعدد العنوان أم لا ، أمّا إذا قلنا باعتبار الأخبار من باب بناء العقلاء وأنّ الشارع قرّرهم على العمل بها فواضح ، وكذلك الحال في كل طريق كان معتبرا من باب بناء العقلاء ؛ وذلك لأنّك قد عرفت سابقا أنّ بناءهم في مقام التعارض على الأخذ بأرجح الطريقين من حيث هو ، ولو كان ذلك بملاحظة الأمور المنضمة إليه من الخارج إذا كانت موجبة لقوّة طريقيّته لا لقوة مدلوله ، فالظنون المطابقة لأحد الطريقين الحاصلة من الحدس والوجوه والاستحسانيّة والأمور الخارجية عن طريقتهم مثل الرمل والجفر والنوم .. ونحو ذلك لا اعتناء (٣) بها عندهم ، ففي المقام مجرّد الظن بالواقع من بعض الأسباب التي لا دخل لها بقوّة الطريق لا اعتبار به.

وأمّا الحاصلة من مثل الأعدليّة والأضبطيّة والأكثريّة والشهرة بين الرواة .. ونحو ذلك فمعتبر (٤) عندهم ، وإذا قررهم الشارع على العمل بالخبر بمقتضى طريقتهم في العمل فقد أمضى هذا البناء منهم في مقام علاج التعارض أيضا.

وأمّا إذا قلنا باعتبارها من باب التعبّد ؛ بمعنى عدم كون العمل بها من باب طريقة

__________________

(١) في نسخة (ب) و (د) : فالمقصود.

(٢) في نسخة (ب) : المشكوك ، وفي نسخة (د) : الشكوك.

(٣) في نسخة (ب) : لا اعتبار.

(٤) في نسخة (د) : فهي معتبرة.

٣٤٤

العقلاء وأنّ الشارع جعلها حجّة من باب الطريقيّة الصرفة فكذلك أيضا ؛ وذلك لأنّ بناء العقلاء في العمل بالطريق إذا كان على الوجه الذي ذكرنا ، والمفروض أنّ الشارع جعلها طريقا صرفا ، فما لم يردعهم الشارع عن الطريقيّة (١) المذكورة فهي معتبرة.

فإن قلت : كون بنائهم على ذلك في طرقهم المتداولة بينهم في أمورهم مسلّم لكنّ بنائهم في الشرعيّات خصوصا في الطرق المجعولة للشارع ليس كذلك.

قلت : لا بدّ من الرجوع إلى الوجدان وهو شاهد بما ذكرنا ، وكون طريقيّة الطريق تعبّديّة لا ينافي إعمال طريقتهم (٢) مع عدم الردع في مقام الإطاعة والامتثال وفي كيفيّاتهما ، فلو كان بناؤهم على الاكتفاء بالظن مطلقا أو خصوص بعض الأفراد منه ولم يمنعهم الشارع فهو معتبر ، وإن كان جعل التكاليف من الشارع فجعل الطريق في المقام نظير جعل الوجوب في المسألة الفرعيّة.

فإن قلت : إنّ ما ذكرت يتم إذا كان طريقيّته (٣) معلوما عندهم ، مع أنّه ليس كذلك لاحتمال كونه غير الكشف الغالبي عن الواقع بل أمر آخر لا نعرفه ، أو كان هو الكشف الغالبي لكن على وجه خاص لا نعرفه مع إنّه إذا كان المدار والمعيار هو الكشف النوعي فهو موجود في كلا الخبرين فيما (٤) يتمانعان ، ولا دخل للمزيّة الموجبة للأقربيّة إلى الواقع بما هو المناط ، وقد اعترفت سابقا أنّ المرجّح إنّما يعتبر إذا كان في المناط.

قلت : أمّا احتمال كون ملاك الطريقيّة غير جهة الكشف عن الواقع فمقطوع العدم ، بل يمكن أن يقال : لا معنى للطريق إلا أن يكون معتبرا من حيث كشفه ، وإلا كان موضوعا من الموضوعات لا طريقا.

وأمّا احتمال خصوصيّة بعض الأمور في الكشف بمعنى أنّ الملاك كشف خاص لا يتقوى بالمزيّة الموجودة فهو ممّا لا يعتنى به في المقام ، ألا ترى أنّه إذا قال ارجع

__________________

(١) في نسخة (ب) : الطريقة.

(٢) جاء بعد هذا في نسخة (ب) و (د) : .. فيها على وفق طرقهم المتداولة بينهم وذلك نظير ما نقول من اعتبار طريقتهم ...

(٣) في نسخة (د) : إذا كان مناط الطريقيّة.

(٤) في نسخة (د) : فهما.

٣٤٥

إلى أهل الخبرة (١) يفهمون أنّ النظر إلى حيث خبرته فالأبصر والأخبر عندهم مقدّم وإن كان يحتمل أن يكون النظر إلى خصوص كونه أهل خبرة بحيث تكون الزيادة في الخبرة كالعدم ، فظاهر دليل جعل الأمارة هو أنّ النظر إلى حيث كشفه وأماريته والاحتمال المذكور مثل احتمال أن يكون اعتبار الشارع لخبر العادل من أنّ (٢) موضوع العادل يحسن الاعتناء بكلامه ، لا من حيث إنّه كاشف عن الواقع.

وأمّا كون المناط هو الظن النوعي والكشف الغالبي دون الشخصي فلا ينافي ما ذكرنا ؛ إذ هو من باب الكفاية وعدم اعتبار الأزيد (٣) لا من باب أنّ هذا المقدار هو المناط والزيادة خارجة عنه بالمرّة ، بحيث تكون الأصدقيّة والأخبريّة مثلا (٤) مثل كون أحد الراويين أبيض أو أسود ، ألا ترى أنّ في الواجبين المتزاحمين يترجح (٥) بقوة الوجوب وتأكده مع أنّ المناط في أصل الوجوب موجود في كل منهما والزيادة زيادة.

وأمّا ما ذكرت (٦) من أنّ الأقربيّة إلى الواقع لا اعتبار بها فهو كذلك إذا لم يرجع إلى قوّة الطريق ، فالمعتبر (٧) قوّة الطريق لا الظن بالواقع فتدبّر.

والحاصل : أنّ بناء العقلاء على اعتبار كلّ ما يوجب قوّة الطريق في نوعه وطريقيّته دون ما يوجب قوّة مضمونه من الظنون الخارجيّة في مطلق الطرق ومطلق الأمور شرعيّة وغيرها ، وبنائهم حجّة إلا مع الردع ولا ردع ، وعلى فرض الحاجة إلى الإمضاء والتقرير فهو حاصل ، بل يمكن أن تنزّل أخبار التراجيح على ذلك كما سيأتي ، وعليه عمل العلماء أيضا.

والظاهر أنّ ذلك منهم ليس بملاحظة الأخبار ؛ لأنّهم يعلّلون بغيرها مع أنّه قيل إنّ

__________________

(١) في نسخة (د) : إلى قول أهل الخبرة.

(٢) في نسخة (ب) و (د) : من حيث إنّ.

(٣) في نسخة الأصل : أزيد ، وما أثبتناه هو من النسخة (ب).

(٤) لا توجد كلمة «مثلا» في النسخة (ب).

(٥) في نسخة (د) : يرجح.

(٦) في نسخة (ب) : ما ذكر.

(٧) ما أثبتناه هو من النسخة (ب) ، وفي الأصل : المعتبرة.

٣٤٦

المتقدمين لم يلتفتوا إلى أخبار التراجيح بل إنّما وقف عليها المتأخرون (١) مثل أخبار الاستصحاب (٢) ، ومع ذلك عملهم على إعمال التراجيح ، ولازم ما ذكرنا الترجيح بمثل الأعدليّة والأكثريّة والأصدقيّة والأفقهيّة من جهة غلبة النقل بالمعنى ، وهو (٣) موافقة الكتاب ومخالفة العامّة من باب الحمل على التقيّة لا من باب أنّ الرشد في خلافهم ، ولا من باب مجرّد (٤) حسن المخالفة ، وكذا الشهرة والشذوذ والمطابقة لفتوى المشهور إذا كان عن استناد دون مجرّد المطابقة ، وهكذا غير المذكورات ممّا يرجع إلى ما ذكرنا ، ولا يعتبر مثل الظن بالواقع من غير المذكورات وموافقة الأصول العمليّة ، وإن كان من باب الظن والشهرة التطابقيّة والأفصحيّة .. ونحو ذلك.

والظاهر أنّ موافقة القواعد الكليّة الاجتهاديّة والأخبار الضعيفة مثل (٥) القسم الأول كما أنّ موافقة الاستقراء والأولويّة والاستحسانات ونحو ذلك من قبيل القسم الثاني ، وعليك بالتأمّل في أنّ أيّا من المرجّحات من قبيل الأول وأيّا منها من قبيل الثاني.

ثمّ إنّ ذلك كلّه بناء على الاعتبار من باب الطريقيّة الصرفة ، وأمّا بناء على الموضوعيّة والسببيّة فلا ترجيح إلا بتعدد (٦) العنوان ؛ إذ آكديّة المصلحة غير معلومة ؛ إذ هي فرع العلم بالمصلحة ولا علم إلا بوجودها في كليهما ، وأمّا مقولتهما (٧) فغير

__________________

(١) لا يخفى بعد هذه الدعوى لأمرين :

أولا : كون هذه الروايات قد دونوها في كتبهم ورووها.

وثانيا : أنّهم قد التفتوا إلى التناقض الذي يظهر للناظر فيها بدوا ، ولذا كتب الشيخ كتابه الإستبصار لحل مثل تلك التناقضات البدويّة ، بل ذكر بعضهم أنّ ظهور مثل تلك الأخبار أوجب ردّة بعض الشيعة في أوائل الأمر فأوجب ذلك سؤال الأصحاب من الأئمة عن سبب ذلك ، وتأليف المجاميع والرسائل في توجيه الروايات المتخالفة. وكتب المتقدمين ملىء بتوجيه الروايات المتعارضة ، فتأمل!

(٢) فقد ذكروا أنّ أول من استدل لحجيّة الاستصحاب بالروايات هو والد الشيخ البهائي الشيخ حسين بن عبد الصمد رحمه‌الله.

(٣) لا توجد هذه الكلمة «وهو» في نسخة (د).

(٤) من هنا إلى قوله «وهكذا غير المذكورات» لا يوجد في نسخة (د).

(٥) في نسخة (د) : من قبيل.

(٦) في نسخة (د) : إلا تعدد ...

(٧) في نسخة (د) : مقولتها.

٣٤٧

معلومة ، فعلى هذا لا يبعد الترجيح بالأكثريّة ؛ لأنها راجعة إلى تعدد العنوان بناء على أنّ الموضوع كل خبر خبر من غير ملاحظة المؤدّى ، مثل أن يكون العنوان سماع قول العادل ؛ فإنّه إذا أخبر عادلان بشيء واحد وعمل على طبق خبرهما يصدق أنّه صدق عادلين وسمع قولهما ؛ لكن الإنصاف أنّ كون الموضوع على هذا الوجه غير ظاهر على القول بالموضوعيّة ، وإن كان غير بعيد ، وعلى فرض معلوميّة تعدد العنوان لا يحتاج التقديم إلى التمسك (١) ببناء العقلاء بل هو مقتضى الدليل أعني دليل الاعتبار ، خصوصا إذا كان أحدهما عنوان الخبر مثلا والآخر عنوانا آخر فعلى هذا إذا جعلنا حجيّة البيّنة من باب الموضوعيّة ، فلا بدّ من تقديم الأربعة على الاثنين.

ثمّ لا يخفى أنّه لا فرق في وجوب الترجيح بما ذكرنا من تعدد العنوان وأقوائيّة الطريق بين كون مقتضى القاعدة في المتعارضين التساقط أو التخيير ؛ وذلك لأنّ التساقط حينئذ يختص بما إذا لم يكن مرجح فيكون الدليل من الأول شاملا للأرجح دون المرجوح ، هذا ويؤيد ما ذكرنا في الجملة بل يدل عليه أنّه لو لا الترجيح في متعارضات الأدلة يلزم اختلاف (٢) النظام سواء قلنا بالتساقط أو بالتخيير ؛ وذلك لأنّ جلّ المسائل أو كلّها ممّا اختلف فيه الأدلّة كما لا يخفى على من كان بصيرا بالفقه وأدلّته.

ثمّ إذا شك في كون شيء مرجّحا شرعا بأن يكون ممّا اعتبره الشارع في مقام الترجيح ممّا (٣) لم يكن من قبيل ما ذكرنا أو ولو كان أيضا بناء على منع كون بناء العقلاء على ما ذكرنا ، أو منع اعتباره فهل يكون مرجّحا أو لا؟ نقول : إن كان ذلك في قبال التساقط بحيث لو لم ترجح يحكم بسقوطهما عن الاعتبار؟ فمقتضى القاعدة عدم الترجيح ؛ إذ المفروض عدم الدليل عليه ، فيرجع إلى الشك في حجيّة الأرجح بعد معلوميّة عدم حجيّة المرجوح ، والأصل عدم الحجيّة ؛ إذ أدلّة الحجيّة لا تشمل

__________________

(١) في النسخة (ب) : الشك.

(٢) في نسخة (د) : اختلال ، وهو الصحيح.

(٣) في نسخة (د) : فما لم يكن ...

٣٤٨

المتعارضين بالفرض.

ودعوى : أنّ المرجوح إذا علم عدم حجيّته فلا مانع من شمول الأدلّة للأرجح فيتمسك بإطلاقاتها بالنسبة إليه.

مدفوعة : بأنّ ذلك إنّما يصح لو كان معلوميّة عدم حجيّة المرجوح مع قطع النظر عن المعارضة ، وأمّا إذا كان العلم بذلك من جهة أنّه إمّا مرجوح شرعا أو معارض بالآخر فيسقط من جهة المعارضة فلا يمكن التمسك بالإطلاق بالنسبة إلى الأرجح ؛ إذ المفروض أنّه متساوي النسبة (١) بالنسبة إليهما ، واختصاصه بالأرجح فرع معلوميّة كون الرجحان معتبرا والأصل ينفي اعتباره.

فإن قلت : مزاحمة المرجوح للراجح في حيثيّة شمول الإطلاق إنّما هي من جهة التمانع بأن يكونا متساويين عند الشارع ، وأمّا مزاحمة الأرجح للمرجوح فهي إمّا بالتمانع (٢) أو المانعيّة بأن يكون المرجّح معتبرا شرعا ، فيكون الأرجح مانعا عن المرجوح من غير عكس ، وإذا كان كذلك فيمكن أن يقال (إنّ) (٣) الإطلاق إنّما سقط من الحيثيّة الأولى أي لا يمكن أن يشملهما معا من جهة تمانعهما ، وأمّا من الحيثيّة الثانية فسقوطه مشكوك ، فنقول : إذا شككنا في شموله للأرجح فقط فنتمسك به ؛ لعدم كون المرجوح مانعا عن الأرجح بأن يكون الدليل متحملا (٤) له فقط.

وبعبارة أخرى .. شمول الإطلاق لهما غير ممكن من جهة التمانع وشموله للمرجوح فقط معلوم العدم ؛ لأنّه فرع كون المانعيّة من طرفه فقط ، وشموله للأرجح فقط بلحاظ احتمال كونه مانعا مشكوك ، ولا مانع له من هذه الحيثيّة ، ومجرد المانع من الحيثيّة الأخرى لا يضر.

قلت : نعم ؛ ولكن الإطلاق إذا سقط بلحاظ التمانع ولو في ظاهر الأمر من جهة تساوي نسبته إليها فلا يعود ثانيا ، والتفكيك بين الحيثيّتين فرع مجيء الإطلاق مرّتين وهو غير ممكن مع أنّ احتمال مانعيّة الراجح للمرجوح فرع كون المرجّح معتبرا

__________________

(١) في نسخة (ب) و (د) بدل كلمة النسبة : الظهور.

(٢) في نسخة (ب) : التمانع.

(٣) أثبتاها من نسخة (د).

(٤) في نسخة (د) : شاملا.

٣٤٩

شرعا ، وإذا نفيناه بالأصل المذكور فلا تكون المانعيّة مشكوكة بل معلومة العدم بحكم الشرع ، فالإطلاق من حيث هو متساوي الأقدام بالنسبة إليهم ، والشك في شموله للأرجح فقط ناش عن الشك في اعتبار المرجح والأصل عدمه ، فيكون شاملا لهما معا ، ويسقط من جهة التمانع.

وممّا مرّ يظهر الحال فيما إذا كان الشك في وجود المرجّح المعتبر ؛ فإنّه أيضا راجع إلى الشك في حجيّة ما يحتمل وجود مرجّح له ، وكذا الكلام إن كان ذلك في قبال التوقف مع وجود الأصل الموافق ، فإنّ الشك يرجع إلى حجية الأرجح مثل السابق حرفا بحرف ، وإن كان ذلك في قبال التخيير العقلي من باب التزاحم كما إذا جعلنا حجيّة الأخبار من باب الموضوعيّة فمقتضى القاعدة ـ كما عرفت ـ عدم الترجيح : إمّا لأنّ إطلاق الأدلة يقتضي عدم الاعتناء بذلك الاحتمال ، وحينئذ فالعقل يحكم بالتخيير ، وإمّا لأنّ أصالة العدم جارية في نفيه فيتحقق موضوع حكم العقل.

ومن ذلك يظهر أنّ الأصل ليس مثبتا ؛ لأنّا لا نريد إثبات حكم العقل به بل نقول موضوع حكمه هو وجوب كل منهما مع عدم المزيّة الشرعيّة فإذا جرى الأصل ثبت الموضوع فيحكم العقل حينئذ وثمرة الأصل إنّما هي مجرّد عدم وجوب الأخذ بالأرجح معيّنا فلا يرد أنّ الأصل لا يجري إلا مع ترتب الأثر الشرعي عليه.

والحاصل : أنّه إذا نفينا القيد بالإطلاق كما في الوجه الأول فالعقل يحكم بالتنجز وإذا لم يمكن التنجز عينا فيحكم بالتخيير كما لو شككنا (١) في تقييد المطلق في سائر المقامات ورفعناه بظهور الإطلاق بحكم العقل بتنجز الخطاب عينا وإذا نفينا وجوب الأخذ بالترجيح بالأصل كما في الوجه الثاني فكذلك يحكم العقل بالتخيير ؛ لأنّ الشك في أصل الحجيّة والوجوب بل في سقوطه لمانع ـ على ما مرّ تفصيله ـ هذا في الشك في مرجحيّة الموجود.

وأمّا الشك في وجود ما هو معلوم المرجّحيّة فيجري فيه الوجه الثاني فقط (٢).

__________________

(١) في نسخة (د) : كما أنّها لو شككنا.

(٢) جاء بعدها في نسخة (ب) : فإن قلت : إذا كان التخيير من باب حكم العقل فهو لا يحكم ...

٣٥٠

فإن قلت (١) : إنّ المفروض أنّ الحاكم بالتخيير هو العقل وأنّه لا يحكم بها إلا بعد عدم المزيّة المعتبرة ففي صورة الشك في وجودها كما هو المفروض لا يحكم إلا بعد إحراز عدمها.

وحاصل ما ذكرت أنّ الإطلاق والأصل يحرزان ذلك والحال أنّ شيئا منهما غير نافع ، أمّا الإطلاق فلأنّ أدلّة الحجيّة ليست (إلا) (٢) بصدد بيان وجوب العمل لكل من المتعارضين عينا مع الإمكان ، والمفروض عدم إمكان العمل بهما كذلك ، فليس الإطلاق شاملا ، نعم العقل يستفيد من هذا الحكم المعلّق بالإمكان عدم جواز طرح كليهما ، ولا يحكم بالتخيير بعد هذا إلا بضميمة أنّ اعتبار (٣) أحدهما ترجيح بلا مرجّح ، فإذا استقلّ بعدمه يحكم وإلا فلا ، وأمّا الأصل فلأنّه لا يرفع موضوع الاحتمال ، ومعه يستقل (٤) العقل بالتخيير ؛ لأنّ نفس الاحتمال مرجّح عند العقل في مقام العمل ، فالترجيح الواقعي مشكوك ، والترجيح الظاهري معلوم ؛ لأنّه يرجع إلى الدوران بين التخيير والتعيين وإلى الشك في حجيّة المرجوح.

قلت : نمنع أنّ الإطلاق مقيّد بصورة الإمكان ، بل هو شامل لكلّ منهما عينا ، وعدم الإمكان إنّما يرفع التنجز ، والإطلاق ليس بصدد إثبات التنجز ، بل هو بحكم العقل في غير صورة المعارضة يحكم به عينا ، وفيها لا يحكم (٥) إلا تخييرا ، فإمكان العمل وعدمه لا ربط لهما بمقام الإطلاق ، ألا ترى أنّ إطلاق التكاليف يشمل الجاهل حتى الغافل مع عدم إمكان العمل في حقّه ، فيظهر من هذا أنّ شأن الإطلاقات (٦) إثبات أصل التكليف لا فعليّته فإنّها من حكم العقل.

فإن قلت : هذا مناف لما هو المشهور من أنّ القدرة شرط في أصل (٧) التكليف (٨)

__________________

(١) في النسخة (ب) : قلت ؛ بدون كلمة «فإن».

(٢) أثبتناها من نسخة (د).

(٣) في نسخة (د) : اختيار.

(٤) في نسخة (د) : لا يستقل.

(٥) في نسخة (د) : لا يحكم به.

(٦) في نسخة (ب) و (د) : الإطلاق.

(٧) لا توجد كلمة «أصل» في نسخة (ب).

(٨) جاءت العبارة في نسختي (ب) و (د) بتفاوت مع الأصل ففيهما : فإنّ مقتضاه أنّه لو لم يكن ـ قادرا لم يكن مكلّفا أصلا ، قلت : المقامات مختلفة ففي بعض المقامات القدرة شرط في أصل التكليف ...

٣٥١

وفي بعضها شرط في التنجز كما في الواجبين المتزاحمين ، ولعل المعيار أنّه لو كان الفعل غير مقدور من حيث هو فالقدرة شرط في أصل التكليف ، وإن كان مقدورا من حيث هو إلا أنّه بملاحظة وجوب الآخر غير مقدور ، بمعنى أنّ الجمع بينهما غير مقدور فهي مثل العلم في أنّه شرط في التنجز فمطلق القدرة ليس شرطا في أصل التكليف ، كيف ولو كان كذلك لزم عدم كون الغافل بالموضوع مكلّفا واقعا ؛ لأنّه حال غفلته غير قادر على الإتيان ، بل وكذا الغافل في الحكم (١) في بعض المقامات هذا.

ولو فرضنا عدم شمول الإطلاقات لصورة التعارض فلا يمكن الحكم بالتخيير أصلا ؛ لأنّ ما ذكر من أنّ العقل يستفيد من ذلك الحكم المعلّق بالإمكان .. إلى آخره ممنوع .. بعد فرض خروج صورة التعارض عن مورد الدليل ؛ لكونه مقيّدا بالإمكان وهذا واضح.

وأمّا ما ذكره من أنّ الأصل لا يرفع الاحتمال فهو كذلك ، إلا أنّ رفع حكمه كاف في ثبوت موضوع حكم العقل ؛ إذ نحن ندّعي أنّ موضوعه أعمّ من عدم الرجحان الواقعي والشرعي ، فإذا جرى أصل عدم وجود الرجحان أو عدم اعتباره ثبت (٢) موضوعه ولا يضر وجود الاحتمال من حيث الوجدان كما في سائر موارد الأصول ، مع أنّ لنا أن نقول : لا يحتاج إلى إجراء أصالة العدم بل العقل حين الشك في الترجيح يحكم بعدمه ظاهرا ؛ لأنّ مرجع الشك إلى أنّه هل يتعيّن عليه اختيار الأرجح بحيث يعاقب على تركه أو لا؟ فيكون نظير الشك في أصل وجوب شيء في أنّ العقل يستقلّ بقبح العقاب عليه من غير بيان ، فبعد وجوب المقتضي للوجوب بالنسبة إلى (٣) كل منهما تعيّن (٤) أحدهما تكليف زائد يستقلّ العقل بقبح

__________________

(١) في نسخة (ب) و (د) : بالحكم.

(٢) في نسخة (ب) و (د) : يثبت.

(٣) جاء في النسخة (د) هكذا : وجود المقتضي للوجوب ، وهو الأصح.

(٤) في نسخة (ب) و (د) : تعيين.

٣٥٢

العقاب من جهته ، فتدبّر.

هذا وقد سلك في الرسالة (١) مسلكا آخر في المقام بناء على جعل الأخبار من باب الموضوعيّة ، وهو أنّه لما كان الحكم بالتخيير من العقل وهو إنّما يحكم به من جهة أنّ وجوب العمل لكل منهما عينا الذي يستفيده من دليل وجوب العمل بكل من المتعارضين مع الإمكان مانع عن وجوب العمل بالآخر كذلك ، ولا تفاوت بينهما في الماهيّة (٢) ؛ لأنّ المانع بحكم العقل هو مجرّد الوجوب الموجود في كلّ منهما ومجرّد مزيّة أحدهما بما لا يرجع إلى الأقربيّة إلى الواقع لا يثمر شيئا ، بعد أن كان المناط هو مجرّد وجوب العمل دون الأقربيّة ، وليس في حكم العقل إهمال وإجمال وواقع مجهول حتى يحتمل تعيين الراجح ووجوب طرح المرجوح ، فالحكم بالتخيير نتيجة وجوب العمل بكلّ منهما في حدّ ذاته ، قال (٣) : وهذا الكلام مطرد في كلّ واجبين متزاحمين ، نعم لو كان وجوب أحدهما آكد استقل العقل بتقديمه وكذا لو احتمل الآكديّة والأهميّة في أحدهما ، وما نحن فيه ليس كذلك ؛ فإنّ وجوب العمل بالراجح ليس آكد من وجوب العمل بالمرجوح.

أقول : الحاكم وإن كان هو العقل إلا أنّ حكمه معلّق على عدم تعيين الشارع لأحدهما ، فيمكن أن يشك في أنّه هل عيّن العمل بالراجح أو لا؟ وكون المزية موجبة للأقربيّة التي ليست مناطا لا ينفي الشك ؛ لاحتمال أن يكون الشارع اعتبرها تعبدا كما إنّه اعتبر الخبر الذي هو مفيد للظن النوعي تعبدا ، ولم يعتبر ما لا يفيد الظن نوعا ، فموضوع الحجيّة أو الوجوب (٤) هو الخبر المفيد للظن النوعي تعبدا ، فيمكن أن يكون الموضوع في حال المعارضة الخبر المقرون بما يوجب الأقربيّة إلى الواقع مع أنّ لازم كلامه عدم الترجيح بالمرجّحات المنصوصة وإن كانت معلومة الاعتبار لعدم إمكان كونها مرجحة عنده بناء على الموضوعيّة.

ودعوى : أنّه يجعل الترجيحات في الأخبار شاهدة على الطريقيّة.

__________________

(١) فرائد الأصول : ٤ / ٥٢ ـ ٥٣.

(٢) في نسخة (د) : في المانعيّة ، أقول : وهو الصحيح.

(٣) في نسخة (ب) : وقال.

(٤) جاء في نسخة (ب) : الحجيّة والوجوب ، وفي (د) : فموضوع الحجّة والوجوب.

٣٥٣

مدفوعة : بأنّها وإن كانت كذلك بحسب ظاهرها إلا أنّه يمكن كونها تعبديّة.

والحاصل أنّه بناء على الموضوعيّة يمكن الترجيح بالمزيّة تعبدا فيمكن الشك فيه ، وهذا واضح جدا.

ثمّ إنّ ما ذكره ـ من أنّه مع الشك في الأهميّة يقدم ما يشك كونه أهمّ ـ قد عرفت ما فيه من أنّه يرجع إلى الشك في المانع عن وجوب الآخر والأصل عدمه ، مع أنّ أصالة البراءة تجري فيه ، مضافا إلى ما ذكرنا من أنّ الإطلاق ينفيه وإن كان ظاهر كلامه عدم شمول الإطلاق حسبما ذكره سابقا أيضا ، حيث إنّه قال : إنّ الأدلّة مقيّدة بصورة الإمكان ، والعقل يستفيد من ذلك الحكم المعلّق بالإمكان على عدم جواز طرح كليهما .. إلى آخره ، وقد عرفت ما فيه وأنّه لو لم يكن الإطلاق شاملا لم يمكن استفادة الوجوب العيني لكلّ منهما الذي هو ملاك التخيير العقلي.

ومن ذلك يظهر أنّ من حكم بأنّ الدليل لا يشمل صورة التعارض في المقام ، ولا صورة التزاحم في الواجبين ، وأنّ الحكم بوجوب أحدهما من باب العلم بوجود المصلحة التامّة في كليهما .. لا يمكنه الحكم بالتخيير في المقام ، وذلك لأنّ العلم بوجود المصلحة حتى في صورة المعارضة ممنوع ، وعلى فرضه فيحتمل كونها في خصوص ذي المزيّة ، فلا بدّ من الاقتصار عليه دون الحكم بالتخيير ، فما اختاره بعض الأفاضل (١) من التخيير في المقام عند الشك في اعتبار المزيّة شرعا مع كونه قائلا بما ذكر من عدم شمول الدليل كما ترى! خصوصا مع أنّه فسر الموضوعيّة بما لا يرجع إلى التصويب الباطل من أنّ الحكم تابع (٢) للأمارة وأنّه لا واقع غير مؤدّيات الأمارة (٣) قال : إنّ المراد من الموضوعيّة أن يكون العمل بالطريق لما فيه من المصلحة المتداركة لمفسدة ترك الواقع على فرض المخالفة ، والمؤكدة لمصلحتها على فرض الموافقة ، مع أنّ الخبر معتبر من باب الكشف عن الواقع لا أنّه لا واقع إلا مؤدى الطريق ؛ فإنّ العقل والنقل متطابقان على بطلانه ، وجه الخصوصيّة أنّه على

__________________

(١) يمكن استظهاره في الجملة من السيد الشيرازي في تقريراته : ٤ / ١٦٠ ، وكذا قريب منه بدائع الأفكار للميرزا الرشتي : ٤٣٢.

(٢) جاء بعدها في نسخة (ب) : لما فيه.

(٣) في نسخة (د) : الأمارات.

٣٥٤

هذا الوجه يقوى احتمال كون المصلحة في خصوص الراجح ؛ لأنّ المنظور على هذا إدراك الواقع ، غاية الأمر أنّ في الطريق أيضا مصلحة ، فكما أنّه خصّ الأمر بما يوجب الكشف نوعا (١) فيمكن أن يخصّ في حال المعارضة بما يكون أقرب إلى إدراكه ، فتدبّر.

وكذا الكلام (٢) في قبال التخيير العقلي من جهة شمول الدليل لكل من المتعارضين بناء على الطريقيّة أيضا ، بدعوى أنّ العقل يحكم بالتخيير حينئذ ؛ لأنّ كلّا منهما واجد لمصلحة الطريقيّة وهي الإيصال النوعي إلى الواقع ؛ فإنّ الشك حينئذ أيضا يرجع إلى سقوط الآخر عن الحجيّة ؛ لأنّ مقتضى شمول الدليل لكل منهما ـ كما هو المفروض ـ وجوب العمل بكلّ منهما ، ومع عدم الإمكان يحكم العقل بالتخيير ، فملاك مسألة التزاحم ـ وهو شمول الدليل ـ موجود في كلّ منهما فبناء على القول بالتخيير العقلي حينئذ لا التوقف والتساقط الكلام فيه كالسابق حرفا بحرف ، والحكم هو التخيير وعدم الاعتناء بالاحتمال سواء كان في الشبهة الحكميّة أو الموضوعيّة.

وأمّا إذا كان في قبال التخيير العقلي بعد البناء على التوقف والرجوع إلى الأصل المطابق لو كان والتخيير مع عدمه ، فمقتضى القاعدة الأخذ بالأرجح في صورة عدم وجود الأصل المطابق ؛ لأنّه القدر المتيقن ويرجع الشك إلى الشك في حجيّة الآخر والمفروض عدم المقتضي لحجيّته ، وعدم دلالة الدليل عليه ، ولا فرق بين الشبهة الحكميّة والموضوعيّة ، أي ما يكون الشك في مرجحيّة الموجود وفي وجود المرجّح ، وكذا إذا كان في قبال التخيير الشرعي إذا قلنا بعدم الإطلاق في أخبار التخيير ؛ فإنّ المفروض بناء عليه أيضا أنّ الأدلة لا تشمل صورة التعارض وأنّ التخيير على خلاف القاعدة ثبت (٣) من الأخبار ، والقدر المتيقّن منه صورة عدم المرجح لأحدهما ؛ فإنّ المستفاد من الأخبار والإجماع أنّ اللازم في باب المعارضة عدم

__________________

(١) جاء بعدها في (د) : دون غير الكاشف نوعا.

(٢) جاء في نسخة (ب) و (د) : وكذا الكلام لو كان ...

(٣) في نسخة (ب) : يثبت.

٣٥٥

الطرح ، بل إمّا الأخذ بالأرجح أو التخيير ؛ فإذا شككنا في أنّ المورد من موارد التخيير أو الترجيح فلا يجوز الأخذ بالمرجوح ؛ للشك في حجيّته ، والأصل العدم.

فإن قلت : الشك في جواز العمل بالمرجوح وعدمه مسبب عن الشك في كون الرجحان الثابت علما أو احتمالا واجب العمل شرعا ، فأصالة عدم وجوبه حاكم على عدم جواز العمل بالآخر.

قلت : قد أجاب بعض الأفاضل (١) عن ذلك :

أولا : بأنّ الحكومة في أفراد أصل واحد لا تجري ، ولو مع التسبب (٢) فلا يقدم الأصل في السبب على الأصل في المسبّب ، بل هما متعارضان كغيرهما وفاقا للجلّ قال : وقد حققنا ذلك في بابه.

وثانيا : إنّ التسبب لا بدّ من أن يكون (٣) بين المشكوكين لا بين الشكّين ، والأمر هنا ليس كذلك ؛ لأنّ سبب عدم جواز العمل بالمرجوح عند الشارع ليس وجوب العمل بالراجح ، بل لما مرّ في مرتبة واحدة (٤) ، وإلا لكان عدم اعتبار الظنون الغير المعتبرة مسببا ومعلولا لحجيّة الظنون المعتبرة ، وهو كما ترى! بل الراجح والمرجوح ظنّان تعارضا ونحن جازمين بحجيّة الراجح وشاكّين في حجيّة المرجوح ، فإن لم يكن حجّة فإنّما هو لعدم وجود المقتضي له ، لا لوجود المانع ، وهو حجيّة الراجح ؛ فإنّ الشك في وجوب العمل بالراجح عينا ليس شكّا في أمر زائد على جواز العمل به بعد إحرازه كما قلنا في المتزاحمين حتى يدفع بالأصل ، بل العينيّة على فرض وجوبها العيني إنّما نشأت من عدم حجيّة معارضه ، فالشك في وجوب العمل بالراجح عينا وجواز العمل بالمرجوح كليهما نشأ من الشك في الحكم الشرعي في المرجوح :

__________________

(١) بحر الفوائد : ٤ / ٤٠ ـ ٤١ ، وذكره بدائع الأفكار أيضا نصا ، ولا نعلم أيّا منهما قد أخذه من الآخر أو أنّهما قد أخذاه من ثالث.

(٢) في نسخة (د) : التسبيب.

(٣) كلمة «أن يكون» لا توجد في نسخة (ب) و (د).

(٤) مرّ في الصفحة السابقة وما قبلها.

٣٥٦

هل هو (١) الحجيّة أيضا مثل الراجح أم لا (٢)؟ فلا سبب ولا حكومة ولو قلنا به في تعارض الأصلين ، انتهى.

قلت : أمّا ما ذكره من نفي الحكومة في أفراد أصل واحد فالكلام معه في محلّه وأمّا ما ذكره من أنّ التسبب لا بدّ أن يكون بين المشكوكين دون الشكين فهو صحيح ، لكن المقام ليس من التسبب بين الشكين أيضا بمقتضى بيانه ، كما لا يخفى! مع أني أقول لا يمكن التسبب بين الشكين إلا مع كونه بين المشكوكين ؛ إذ ليس الشك في شيء علّة للشك في آخر إلا إذا كان بين الشيئين علّيّة ، وإلا فلو كانا معلولي علّة ثالثة يكون الشكّان في رتبة واحدة ، نعم يمكن أن يحصل من الأول الشك في أحدهما مع الغفلة عن الآخر والشك فيه ، لكن التقدم (٣) الزماني ليس ملاكا كما هو واضح ، بل التسبب إنّما يتحقق إذا كان الشك في أحدهما مع الالتفات إلى الملازمة (٤) ، لكن هذا أيضا إذا كان العلم بأحدهما من باب دليل الإنّ ، وإلا فمع الدليل اللمي هما في مرتبة واحدة كما لا يخفى.

والحاصل : أنّه إذا فرضنا أنّ الملاك في التسبب هو العلية والتقدم الطبعي دون مجرّد عدم تقدم التفات الذهن إلى أحدهما ، فالمثال الذي يمكن أن يكون من تسبب أحد الشكين للآخر دون مشكوكيهما مثال المتلازمين ، وفيها مع فرض الالتفات إليهما وإلى الملازمة بينهما لا يكون الشك في أحدهما مسببا عن الشك في الآخر ، وهذا بخلاف العلم بأحدهما من دليل الإنّ ؛ فإنّه يعقل التسبب كما عرفت.

وأمّا أصل الجواب الذي ذكره محصّله (٥) : أنّ جواز العمل بالراجح معلوم وبالمرجوح مشكوك ، فإن ثبت في المرجوح أيضا يلزمه قهرا كون وجوب العمل

__________________

(١) في نسخة (د) : بل هو.

(٢) في نسخة (د) هكذا : أم فلا سبب ...

(٣) في نسخة الأصل كتبت التقديم ، وما أثبتناه هو من نسخة (ب).

(٤) في نسخة (د) بعد هذا : إلى الآخر وإلى الملازمة بينهما مقدما طبعا على الشك في الآخر ، وهذا غير معقول كما لا يخفي على من راجع وجدانه ، نعم يمكن أن يكون العلم بأحد المتلازمين علّة للعلم بالآخر من جهة أنّه إذا علم به فقد علم بوجود علته ، والعلم بالعلّة مستلزم للعلم بالمعلول الآخر مع الالتفات إلى الملازمة.

(٥) في نسخة (ب) و (د) : ومحصله.

٣٥٧

بالراجح تخييريّا وإن ثبت عدمه يلزمه قهرا كون وجوبه عينا (١) فنحن نقول الأصل عدم جواز العمل بالمرجوح ويلزم منه قهرا عينيّة العمل بالآخر بعد كون أصل جواز العمل به مفروغا عنه ، فلا يكون الترديد بين جعل الشارع للوجوب العيني للراجح أو (للجواز) (٢) وللمرجوح بل جواز العمل بالراجح يكفي في عينيّته بعد نفي جواز العمل بالآخر فهو متين (٣) ، لكن إذا قرر الإشكال على وجه لم يكن الشك في حجيّة المرجوح مرتبطا بحجيّة الراجح ، بل كان العمل (٤) من حيث هو معلوم الجواز والمرجوح من حيث هو مشكوك الجواز.

وأمّا إذا قرر الإشكال على وجه آخر وهو أن يقال : إنّا نعلم من جهة أخبار التخيير وأخبار الترجيح مضافا إلى الإجماع أنّ المتعارضين من الأخبار ليس حكمهما الطرح كما هو مقتضى القاعدة ، بل الشارع إمّا عيّن وجوب العمل بأحدهما كما إذا كان مع أحدهما رجحان معتبر ، أو جوّز (٥) العمل بكل منهما مخيّرا كما إذا لم يكن هناك مرجّح (٦) معتبر ، فنحن نعلم بأحد الجعلين فنقول بعد العلم بذلك بأنّ موضوع التخيير صورة عدم الرجحان ، وموضوع الترجيح صورة وجود الأصل وعدم وجود الرجحان المعتبر أو عدم اعتباره ، فيثبت موضوع التخيير ، فالشك في جواز العمل بالآخر الذي هو عين الحكم بالتخيير ناش عن الشك في إيجاب الشارع للعمل بالراجح (٧) وجعل الوجوب العيني بالنسبة إليه ، فإذا نفيناه بالأصل فيكون الحكم هو التخيير إمّا لأنّه عبارة عن عدم (٨) الوجوب العيني للآخر أو لأنّ موضوعه عدم الرجحان الثابت بالأصل.

__________________

(١) في نسخة (ب) : عينيّا.

(٢) أثبتناها من نسخة (ب) و (د) ، إلا أنّه قد شطب عليها في نسخة الأصل.

(٣) في نسخة (ب) و (د) : فهو حق متين.

(٤) في نسخة (د) : العمل بالراجح.

(٥) أثبتناها هكذا من نسخة (ب) ، وإن كانت في نسخة الأصل ـ إذ جواز ـ وذلك لمناسبة الكلام لما أثبتناه.

(٦) في نسخة (ب) و (د) : رجحان.

(٧) في نسخة (ب) و (د) : بالأرجح.

(٨) في نسخة (ب) هكذا : عن مجرد عدم ...

٣٥٨

فالجواب عنه هو أن يقال : نمنع تسبب أحد الشكّين عن الآخر بل نقول بعد العلم بأحد الجعلين يكون الشك في الوجوب العيني بالنسبة إلى الراجح والجواز بالنسبة إلى المرجوح مسببا عن أنّ المجعول في هذه الصورة ما هو؟ وكما أنّ الأصل عدم الوجوب (١) اختيار الراجح فقط في مقام العمل ؛ لأنّه القدر المتيقن ، والفرق بين هذا البيان والبيان الذي ذكره إنّما نسلم كون الوجوب العيني أمرا زائدا على الجواز ، وأنّه بجعل الشارع وأنّ الأصل عدمه ، ولكن (٢) نقول هو معارض بأصالة عدم حجيّة الآخر ، فأحد طرفي المعارضة يعين العمل وأحد طرفيها جواز العمل ، وليس الشك في أحدهما ناشئا عن الشك الآخر (٣) فيسقطان بالمعارضة ، ويبقى الجواز في الآخر سليما.

ودعوى : أنّ التخيير عبارة عن عدم الوجوب العيني فيكون أحد الجعلين (٤) أمرا وجوديّا (٥) والآخر عدميّا فلا يكون الأصل معارضا.

مدفوعة : بمنع ذلك بل التخيير أمر وجودي ؛ لأنّه عبارة عن جعل الحجّة لكل واحد على وجه التخيير ، كما أنّ دعوى أنّ موضوعه مجرّد عدم الرجحان المعتبر ممنوعة أيضا ، بل يمكن أن يكون موضوعه التساوي الواقعي لا مجرد الأمر العدمي ، وكون عدم الرجحان في الواقع كافيا في الحكم بالتخيير لا يثبت أنّ العنوان في الواقع كذلك ؛ إذ يحتمل أن يكون من باب الملازمة الواقعيّة لما هو العنوان وهو التساوي.

ثمّ لا يخفى أنّ ما ذكره من أنّ الشك في وجوب العمل بالراجح عينا وجواز العمل بالمرجوح كلاهما نشأ .. إلى آخره ، غير تام ؛ إذ جواز العمل بالمرجوح عين حجيّته ، فبمقتضى ما ذكره ينبغي أن يقول : الشك في العينيّة (٦) ناشئ عن الشك

__________________

(١) جاء في النسخة (د) بعدها : العيني كذلك الأصل عدم جواز العمل بالآخر فلا يجري شيء من الأصلين وحينئذ يحكم العقل بوجوب ...

(٢) في نسخة (د) : لكن.

(٣) في نسخة (د) : في الآخر.

(٤) في نسخة (ب) و (د) : أحد المجعولين.

(٥) لا توجد كلمة «وجوديا» في النسخة (ب).

(٦) جاء في نسخة (د) : العينية القهريّة.

٣٥٩

في جواز العمل بالمرجوح والأصل عدمه.

هذا ويختلج بالبال ما لا بأس (١) بذكره وهو أنّه يمكن أن يقال : إذا كان المفروض أنّا نعلم بمقتضى الأخبار والإجماع أنّ الحكم في المتعارضين إمّا وجوب الأخذ بأحدهما معينا أو التخيير بينهما ، وأنّ القدر المتيقن الأخذ بالأرجح فيكون وجوب الأخذ (٢) من باب الاحتياط بحكم العقل ، فيجب تخصيصه بما إذا لم يكن الأخذ بالآخر موافقا للاحتياط في المسألة الفرعيّة وإلا فالعقل لا يحكم بوجوب الأخذ (٣) والمفروض أنّ أصالة عدم الحجيّة لا تجري ؛ لأنّها معارضة بأصالة عدم التعيين كما عرفت فيجوز العمل على وفق الآخر أيضا.

فإن قلت : على فرض العلم بوجوب الأخذ بالأرجح من جهة العلم باعتبار المرجّح شرعا أيضا يجوز الأخذ بالآخر (٤) فلا حاجة إلى ما ذكرت ؛ لأنّ حسن الاحتياط ورجحانه معلوم ولو مع وجود الحجّة على عدم التكليف ما لم يكن قطعا في الواقع (٥).

قلت : ليس الفرض جواز الأخذ (٦) بالآخر من باب الاحتياط بل الفرض أنّه لا يتعين (٧) الواقع بعد ولا يجب الأخذ بالأرجح على حدّ وجوب الأخذ به في صورة العلم باعتبار الرجحان ، فالمراد أنّ الحجيّة (٨) بعد مشتبهة والعقل لا يحكم بتعين الأرجح للحجيّة ، غايته (٩) أنّ جواز الأخذ معلوم ، وأمّا كونه في ضمن الوجوب فيحتاج إلى دليل ، وإذ ليس فلا مانع من الأخذ بالآخر ، بل أقول إذا كان الأرجح

__________________

(١) جاء في نسخة (د) : ويختلج بالبال هنا شيء لا بأس بذكره ...

(٢) في نسخة (ب) و (د) : الأخذ به.

(٣) في نسخة (ب) و (د) : الأخذ به.

(٤) جاء في نسخة (ب) و (د) : بالآخر في الصورة المفروضة ...

(٥) في نسخة (ب) و (د) : بالواقع.

(٦) لا توجد كلمة «الأخذ» في نسخة (ب).

(٧) في نسخة (د) : لم يتعين.

(٨) في نسخة (ب) و (د) : الحجّة.

(٩) جاء في نسخة (ب) و (د) بعدها : حينئذ غاية الأمر.

٣٦٠