كتاب التّعارض

آية الله السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي

كتاب التّعارض

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي


المحقق: الشيخ حلمي عبد الرؤوف السنان
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة انتشارات مدين
المطبعة: الظهور
الطبعة: ١
ISBN: 964-8901-05-8
الصفحات: ٦٢٥

موافقا للاحتياط والمرجوح مخالفا (١) له لا دليل على وجوب الأخذ به ، والعقل لا يحكم بذلك ؛ لأنّ ملاك حكم العقل بالوجوب إنّما هو وجوب العمل بالمؤدّى والمضمون من حيث إنّه تكليف ووجوب العمل بالخبر إرشادي فيكون كدوران الأمر بين التخيير والتعيين في المسألة الفرعيّة ، والمفروض أنّا نقول بعدم وجوب الاحتياط في هذه الصورة.

وبالجملة ملاك المسألة هو الحكم الفرعي المترتب على العمل بالخبر ، وإذا كان حال الدوران فيه ما ذكر من عدم وجوب الاحتياط فكذا بالنسبة إلى الخبرين ؛ إذ ليس لهما حكم في حدّ نفسهما سوى الإرشاد إلى الواقع ، فلا فرق بين الاحتمالين (٢) في ذلك.

والحاصل : أنّ القدر المعلوم هو وجوب العمل بالخبر الأرجح أعم من التعيني والتخييري ، ولا دليل على التعيين فالعقاب عليه عقاب بلا بيان ، كما يقال بالنسبة إلى الاحتمالين ، نعم لو كانت أصالة عدم حجيّة المرجوح جارية [كان اللازم الأخذ بالأرجح والمفروض عدم جريانها للمعارضة ، فلا فرق في الدوران بين التعيين والتخيير](٣) بين التكاليف ، والأدلّة لعدم استقلالها في وجوب الأخذ مع أنّه على فرضه يكون الأمر كذلك ؛ لأنّه حينئذ نفس الدوران بين التكليفين في المسألة الفرعيّة ؛ لأنّه على هذا التقدير موضوع الخبر واجب العمل كوجوب الصلاة مثلا ، وهذا وإن كان عدولا عمّا ذكرنا في المقدمات من الفرق بين المقامين إلا أنّه لا بأس به فينبغي تخصيص ما ذكرنا هناك بما إذا كان الشك في أصل الحجيّة لا من جهة (٤) المعارضة وإن كان يسري إلى حال المعارضة أيضا.

بيان ذلك : إنّه قد يكون الأمر دائرا بين التعيين والتخيير في الخبرين الواردين في موضوع من الموضوعات كالخبرين المتعارضين بعد البناء على أنّ الأخبار والإجماع دلّا على أنّ الحكم في هذه الصورة إمّا التعيين أو التخيير ، بمعنى أنّ المجعول

__________________

(١) في نسخة (د) : موافقا.

(٢) جاء بعدها في النسخة (ب) و (د) : وبين الخبرين ، إلا أنّه قد شطب عليها في نسخة الأصل.

(٣) لا يوجد ما بين المعقوفين في النسخة (ب) إلا أنّه موجود في نسخة (د) ونسخة الأصل.

(٤) جاء في النسخة (ب) هكذا : لأنّه من جهة.

٣٦١

أحدهما ، وقد يكون الأمر دائرا بين حجيّة هذا فقط ومع (١) ذاك ، بحيث تكون حجيّة الأول معلومة ، وكانت (٢) حجيّة الثانية مشكوكة في حدّ نفسها ، بحيث لو لم يكن الأول حجّة أيضا كانت حجيّة الثاني مشكوكة ؛ إلا أنه على فرض حجيته يلزم التخيير إذا كانا في موضوع واحد ، كما إذا علمنا أنّ الخبر حجّة وشككنا في أنّ الشهرة أيضا حجّة حتى نكون مخيّرين في تشخيص التكاليف الواقعيّة بين الخبر والشهرة ، حتى لو تعارضا في مورد يكون الحكم هو التخيير بين العمل بهما في ذلك المورد ، أو لا حتى يلزمنا (٣) الاقتصار على الخبر والرجوع في صورة فقده إلى القواعد الأخر ، وكما (٤) إذا قلنا إنّ أدلة حجيّة الأخبار لا تشمل صورة المعارضة ، وأنّ الأخذ بالأرجح من المتعارضين معلوم الجواز من حيث هو مع قطع النظر عن الآخر ، والأخذ بالآخر مشكوك الجواز ولو لم يكن الأرجح حجّة.

ففي الصورة الأولى يكون الشك في تعيين المجعول وأنّه خصوص المعيّن أو أحدهما مخيّرا ، ولازمه عدم جريان أصالة عدم الحجّة في الآخر ؛ لأنّها معارضة بأصالة عدم [التعيين في الآخر ، وحينئذ يرجع إلى حكم العقل وأنّه هل يحكم بوجوب الاقتصار على الأول أو لا؟ وقد عرفت منعه ؛ لأنّه](٥) تكليف زائد على أصل وجوب الأخذ في الجملة .. المردّد بين المعيّن والمخيّر كما في الدوران بين التعيين والتخيير (٦) في المسألة الفرعيّة.

وفي الصورة الثانية يكون الشك في أصل حجيّة الآخر من غير دوران وإن كان لازم حجيّة كون الوجوب مخيّرا ولازم عدم حجيّة كونه معيّنا ، لكنّ هذا لازم قهري وفي الحقيقة الشك في التعيين ناشئ عن أصل حجيّة الآخر ، والأصل عدمها

__________________

(١) في نسخة (ب) : أو مع.

(٢) لا توجد كلمة «كانت» في نسخة (د).

(٣) لا توجد كلمة «يلزمنا» في النسخة (ب) وفي نسخة (د) : حتى يكون لازمه.

(٤) لا توجد كلمة «كما» في نسخة (ب).

(٥) ما بين المعقوفين غير موجود في النسخة (ب) ولكنّه بالإضافة لنسخة الأصل يوجد في نسخة (د).

(٦) في نسخة الأصل هكذا : بين التعيين التأخير ، كما أنّه في النسخة (ب) : في بدل بين.

٣٦٢

فيتعيّن الأخذ بالأول من غير فرق بين صورة المعارضة وعدمها ؛ فإذا شك في أنّه هل يجوز الأخذ بالشهرة أيضا كما يجوز الأخذ بالخبر فالأصل عدم الجواز فيكون الخبر متعيّنا في الحجيّة وتشخيص (١) التكاليف الواقعيّة ، (وكذا إذا تعارضا

نقول (٢) : حجيّة الخبر من حيث هو معلومة وحجيّة الشهرة مشكوكة والشك في تعيين الأول (٣) ناش عن حجيّة الثاني والأصل عدمها) (٤) ، وكذا إذا تعارض خبران وقلنا إنّ حجيّة الأرجح معلومة (٥) مع قطع النظر عن المرجوح وحجيّة المرجوح مشكوكة مع قطع النظر عن الأرجح ، فإنّ الشك في تعيين الأول ناش عن حجيّة الثاني المدفوعة بالأصل ، وعلى هذا حملنا كلام الفاضل المتقدم حيث قلنا بصحته ومتانته ، وإن كانت الصغرى ليست كذلك ؛ إذ الظاهر أنّ تعارض الخبرين من قبيل الصورة الأولى.

وكيف كان ؛ فما ذكرناه (٦) في المقدمات (٧) من الفرق بين التكاليف والأدلّة في الدوران وأنّه يجب الأخذ بما يحتمل تعيينه في الأدلة دون التكاليف إنّما يتم في الصورة الثانية دون الصورة الأولى لما عرفت ، بل أقول لا فرق بينهما مطلقا ، وذلك لأنّه لو فرض في التكاليف (٨) ما يكون من قبيل الصورة الثانية لا نحكم بالبراءة كما لو فرضنا أن نعلم أنّ هذا في حدّ نفسه واجب ، ولا نعلم أنّ الآخر أيضا واجب حتى يكون الحكم من جهة المزاحمة هو التخيير أو لا.

فنقول : الأصل عدم وجوب الآخر (٩) في حدّ نفسه ، ولازمه تعين وجوب الإتيان بالأول .. مثلا لو علمنا بوجوب الصلاة اليوميّة وشككنا في وجوب الآيات أيضا

__________________

(١) في نسخة (ب) و (د) : وفي تشخيص.

(٢) في نسخة (د) : وقلنا.

(٣) في نسخة (ب) : التعيين الأول ، ولعل الصواب : تعيّن الأوّل.

(٤) ما بين القوسين لا يوجد في نسخة (د).

(٥) جاء في نسخة (ب) : معلومة منهما.

(٦) في نسخة (ب) : فما ذكره.

(٧) ذكر ذلك في الأمر الثاني من مقدمات هذا القسم.

(٨) في نسخة (ب) و (د) : في التكاليف أيضا.

(٩) في نسخة (ب) : الأخذ.

٣٦٣

حتى نكون في ضيق الوقت مخيّرين بينهما ، وعدم وجوبها حتى يتعين الإتيان باليوميّة ، أو علمنا (١) أنّ إنقاذ المؤمن واجب ولا نعلم أنّ إنقاذ الكافر أيضا واجب حتى نكون مخيّرين في صورة المزاحمة وإلا فمقتضى (٢) القاعدة وجوب الإتيان بالأول ؛ لأنّ الأصل عدم وجوب الآخر حتى يكون معارضا ومزاحما له ، ويكون لازمه التخيير فهو وإن كان يصدق أنّه دوران بين التخيير والتعيين إلا أنّه ليس كسائر الموارد ، ومثل ما إذا علمنا أنّ الشارع أوجب يوم الجمعة خصوص (٣) الظهر أو هي والجمعة مخيّرا فإنّ مقتضى القاعدة عدم التعيين ، فتبصر وافهم واغتنم.

ثمّ إنّ ذلك جار (٤) في الصورة المتقدمة على الصورة التي بأيدينا وهي ما إذا قلنا بالتخيير من باب حكم العقل في صورة عدم وجود الأصل المطابق بل الحكم بعدم التعيين هناك أولى ؛ وذلك لأنّ أخذ الأرجح (٥) في هذه الصورة من باب أنّه دليل بحكم الشرع حيث علمنا بالأخبار والإجماع أنّ الشارع جعل الحجّة إمّا خصوص الأرجح أو أحد الخبرين مخيّرا وفي تلك الصورة الأخذ بالأرجح (ليس من باب أنّه حجّة معلومة بل من باب الاحتياط وكونه قدرا متيقنا.

وبعبارة أخرى .. في هذه الصورة تعيينه من باب الاحتياط) (٦) وفي تلك الصورة أصل الأخذ به أيضا كذلك ؛ لعدم الدليل من الشارع على الأخذ به ، بل العقل يحكم من باب أنّه لا يمكن الرجوع إلى الأصل ؛ لأنّه مخالف لهما فيكون العمل بالأرجح والمرجوح من باب مجرد تطبيق العمل لا من حيث إنّه معيّن للواقع ، بخلافه في هذه الصورة حيث إنّ الأخذ بالأرجح من حيث إنّه معيّن للواقع من جهة العلم ، وأنّه حجّة (٧) والأخذ بالمرجوح على فرضه من باب مجرّد تطبيق العمل ، فما ذكرناه

__________________

(١) جاء في نسخة (ب) : باليوميّة له وعلمنا.

(٢) في نسخة (ب) : أو لا ؛ فمقتضى.

(٣) في نسخة (ب) و (د) : إمّا خصوص.

(٤) جاء في نسخة (ب) و (د) : ذلك كلّه جار.

(٥) في نسخة (د) : الأخذ بالأرجح.

(٦) ما بين القوسين لا يوجد في نسخة (د).

(٧) في نسخة (ب) و (د) : بأنّه حجّة.

٣٦٤

يجري في الصورة السابقة بالأولى.

فإن قلت : ما ذكرت إن تمّ فإنّما يتم في الصورة السابقة فقط ، ولا يتم في هذه الصورة ، وذلك لأنّه في الصورة السابقة لمّا لم يكن حكم العقل بحجيّة الخبر الأرجح بل إنّما يتعين من حيث إنّه القدر المتيقن بعد عدم جواز الرجوع إلى الأصل المخالف ، وأنّ الحكم مفاد أحد الخبرين فيجب تطبيق العمل على الخبر الأرجح لا الحكم بأنّه دليل وكاشف عن الواقع ، وحينئذ فيمكن أن يقال لا دليل على ذلك ؛ إذ القدر المسلّم من الحكم هو عدم الخروج عن الخبرين في مقام العمل (١) والاقتصار (٢) على الأرجح فتكليف زائد ، ونحن في سعة عنه مثل الدوران في المسألة الفرعيّة.

وأمّا في هذه الصورة فالمفروض العلم بكون الأرجح دليلا وكاشفا عن الواقع والمفروض (٣) العلم بأنّ الشارع جعله حجّة ودليلا إمّا معينا أو مخيّرا ، والخبر الآخر مشكوك الدليليّة فلا يجوز العدول عن معلوم الدليليّة إلى مشكوكها ؛ لأنّه تشريع ولا يجري (٤) ما ذكرناه (٥) من إجراء حكم الدوران في المسألة الفرعيّة حينئذ.

قلت : نعم لا يجوز العمل بالخبر المرجوح حينئذ على أنّه دليل وكاشف عن الواقع ؛ لأنّ المفروض الشك في دليليّته ، ولكنّ غرضنا مجرّد تطبيق العمل عليه بعنوان أنّه لعلّه الواقع ، وكون الأرجح معلوم الدليليّة إنّما يمنع عن ذلك إذا كان دليلا معينا ، وأمّا مع فرض أنّ القدر المعلوم جواز أخذه دليلا فلا يمنع من العمل بالآخر لاحتمال كون الحكم على وفق مؤدّاه مثلا إذا كان الخبر دالّا على وجوب شيء والآخر دالّا على عدم وجوبه ، وكان الأول أرجح بالرجحان المشكوك الاعتبار فمقتضى ما ذكرناه في المقدمات وهاهنا أو لا ؛ أنّه يجب الأخذ به والإتيان بذلك الشيء ولا يجوز ترك الإتيان به كما هو مفاد الخبر الآخر ، ومقتضى ما ذكرناه هاهنا

__________________

(١) لا توجد كلمة «العمل» في نسخة (ب).

(٢) في نسخة (ب) و (د) : وأمّا الاقتصار.

(٣) في نسخة (د) : إذ المفروض.

(٤) في نسخة (ب) و (د) : فلا يجري.

(٥) في نسخة (ب) : ما ذكرنا ، وفي (د) : ما ذكر.

٣٦٥

ثانيا أنّه يجوز الترك ؛ لأنّ القدر المسلّم المعلوم جواز أخذ الخبر الأرجح دليلا وتعيين الواقع به والحكم بأنّه الوجوب.

وأمّا وجوب ذلك فلا فيجوز العمل بالخبر الآخر بمعنى ترك ذلك الشيء لا بمعنى الحكم بأنّ حكم الله هو جواز الترك كما لو قلنا بالتخيير ففي الحقيقة ما ذكرنا تخيير بين أخذ الشيء دليلا وعدم أخذه ، لا بين الخبرين كسائر المقامات.

فإن قلت : بعد فرض وجود الدليل لا معنى لجواز الترك ؛ إذ لا يعقل جواز ترك العمل بالدليل الثابت الحجيّة وهو الخبر الأرجح.

قلت : ليس الأرجح دليلا من حيث هو ؛ لأنّه غير معلوم بل المعلوم جواز أخذه دليلا فدليليّته المعلومة إنّما هي القدر المشترك بين التعيين والتخيير فهو نظير دليليّة كل من الخبرين على وجه التخيير ، غاية الأمر أنّ الطرف الآخر من التخيير في المقام مجرّد تطبيق العمل لا جعله دليلا وحجّة على مؤدّاه كما هو الشأن في التخيير بين الخبرين مع العلم بالتعادل ، وإن كان ذلك في قبال التخيير الشرعي الثابت بالأخبار مع فرض الإطلاق فيها كما هو الواقع ؛ إذ الإنصاف أنّها مطلقة في الحكم بالتخيير بين المتعارضين من الأخبار ، غاية الأمر التقييد بالنسبة إلى المرجّحات المنصوصة ، فمع الشك في اعتبار مرجّح آخر يؤخذ بإطلاقها ويحكم بالتخيير ، وهل يؤخذ بإطلاقها بالنسبة إلى ما يرجع إلى قوّة النوع من الأمور التي ذكرناها أولا وقلنا إنّ بناء العقلاء على الأخذ بها والترجيح بها ، فيكون إطلاق تلك الأخبار ردعا لبنائهم أو لا؟ وجهان ولا طائل في البحث عن ذلك بعد كون ما ذكرنا [من] أنّ بناء العقلاء عليه هو المرجّحات المنصوصة في الأخبار خصوصا بعد التعدي عنها إلى غيرها ممّا يشبهها بناء على فهم المثاليّة من المرجّحات المذكورة فيها كما سيأتي ، فعلى هذا تتطابق الأخبار وبناء العقلاء حسبما أشرنا إليه سابقا أيضا.

ثمّ إنّ التمسك بالإطلاقات في نفي الترجيح عند الشك مخصوص بالشبهة الحكميّة ، وأمّا في الشبهة الموضوعيّة كأن شك في وجود ما هو معلوم المرجحيّة فلا يتمسك بالإطلاق ، لكن إذا كان بحيث يجري فيه أصل العدم فالحكم كما ذكرنا ،

٣٦٦

إذ المفروض أنّه يثبت (١) بالإطلاقات التخيير في الخبرين إلا إذا كان هناك أعدليّة أو أصدقيّة أو نحو ذلك ، فإذا شك في وجودها وفرضنا جريان أصل العدم فيها فيحكم بالتخيير فهو نظير ما لو قال أكرم العلماء إلا الفسّاق وشككنا في فسق زيد فإذا قلنا الأصل عدم فسقه بأن كان له حالة سابقة فيحكم بوجوب إكرامه ، فتدبّر (٢).

إذا عرفت ما ذكرنا فنقول : اختلفوا في وجوب العمل بالأرجح من الدليلين وعدمه على قولين أو أقوال ؛ فعن المشهور أنّه يجب العمل بالأرجح مطلقا في الأخبار وغيرها من الأدلّة المتعارضة ، وعن بعضهم عدمه ، وأنّه يحكم بالتساقط والتخيير أو التوقف ، كلّ على مذهبه ، ويحتمل التفصيل بين الأخبار فيجب العمل فيها بالراجح (٣) منها بالمرجّحات المنصوصة أو مطلقا وبين غيرها من الأدلّة

__________________

(١) في نسخة (ب) و (د) : ثبت.

(٢) وقال في حاشيته على المكاسب في خيار الغبن تعليقة رقم ٨٠٠ : «.. أحدها : أنّ ملاك التمسك بالعموم عند الشك إنّما هو ظهور العموم وشموله لمورد الشك بحسب نظره اللفظي ، لا جريان أصالة عدم التخصيص ، فإنّه لا معنى لهذا الأصل إلا ظهور العموم ونظره ، وكذا الحال في أصالة الإطلاق وأصالة الحقيقة ، وحينئذ فنقول لا شك في أنّ العموم في القسم الأول أيضا ناظر إلى جميع الأزمنة ، وجميع الأيام ، بل جميع الآنات ؛ لأنّ هذا معنى قوله «أبدا» ، غاية الأمر أنّ تلك الأجزاء ملحوظة بلحاظ وحداني ، لا بلحاظات عديدة ، فهي أبعاض ، لا أفراد ، وإذا كان ناظرا إليها مع خروج بعضها والشك في البعض الآخر لا مانع من الأخذ بمقتضى ظهوره ونظره ؛ إذ لا فرق في كون كل من تلك الأزمنة داخلا تحت النظر بين كونه ملحوظا مستقلا ، أو ملحوظا بعنوان الجزئيّة ، فمجرد كون خروج الباقي غير موجب لزيادة التخصيص لا يستلزم عدم التمسك بالظهور ؛ إذ ليس المدار فيه على زيادته ونقصانه ، بل على كون المورد منظورا في العام أو غير منظور ، ولا اشكال في كون الجميع داخلا تحت النظر الوحداني ، فحال هذا القسم من العموم الأزماني حال العموم المجموعي ، كما إذا قال «أكرم مجموع العلماء» ، ومن المعلوم أنّه لو شك في بعض الأفراد بعد خروج بعضها يتمسك فيه بالعموم ، مع أنّه ليس منظورا على وجه الاستقلال ، بل في ضمن المجموع.

ثمّ على فرض كون الملاك أصالة عدم التخصيص نقول : يمكن أن يقال في المقام أيضا أنّ خروج بعض الأزمنة معلوم ، وخروج البعض الآخر مشكوك ، والأصل عدمه ، وإن كان على فرض الخروج خارجا مع ذلك البعض بعنوان واحد ؛ إذ ليس المدار على كيفية الخروج وأنّه اخراج واحد أو أزيد ، بل المدار على كونه كثيرا أو قليلا ، سواء كان إخراجا واحدا ، أو اخراجين ، وسواء كان الخارج فردا مستقلا ، أو جزء لفرد ملحوظ على وجه الاستمرار ، ولعمري إنّه من الوضوح بمكان. انتهى.

(٣) في نسخة (ب) و (د) : بالأرجح.

٣٦٧

المتعارضة فلا ، بل يحكم بمقتضى الأصل من الوجوه ، ولعل هذا مذهب المقتصر (١) في الترجيحات على المذكورة في الأخبار ، بل هو لازم مذهب الأخباريّة حيث إنّ الدليل الدالّ على وجوب الترجيح خاصّ بها ـ سواء تعدينا عن المرجحات المنصوصة أو لا ـ على الوجهين في فهم الأخبار ، وهو الظاهر من النراقي في المناهج (٢).

هذا ويحكى عن السيد الصدر شارح الوافية القول بعدم وجوب العمل بالمرجحات المنصوصة ، وأنّه مسلّم في خصوص الأخبار (٣) ، وإلا فالحكم هو التوقف في الإفتاء والتخيير في العمل.

ثمّ إنّ القائلين بالعمل بالأرجح منهم من يجعل المدار على الظن بالواقع ومنهم من يجعل المدار على وجود مزيّة لأحد الخبرين وإن لم يفد الظن بالواقع ، ويحتمل القول بوجوب العمل بالمرجّحات المنصوصة تعبدا أو بغيرها إذا أفاد الظن بالواقع أو الصدور.

ثمّ إنّ هذا كلّه بناء على عدم القول بالظن المطلق لدليل الانسداد ، وإلا فالمدار على ما أفاد الظن من الخبرين ، بل لا تعارض في الحقيقة إلا أن يحكم بحجيّة الخبر من باب الظن المطلق ، لا بحجيّة الظن المطلق (٤) بمعنى أنّ الحجّة ما أفاد الظن نوعا ، وكيف كان ؛ فالمقصود في المقام بيان وجوب العمل بالمرجّح وعدمه في الجملة وأمّا أنّ المدار على ما ذا؟ فسيأتي بعد ذلك.

فنقول : الحق هو وجوب العمل بأرجح الدليلين سواء كانا خبرين أو غيرهما أو مختلفين إذا كان ذلك الرجحان ممّا (٥) يوجب قوّة أحدهما في الطريقيّة ولا يجب الأخذ به إذا لم يكن كذلك حسبما أشرنا إليه سابقا.

لنا على ذلك بناء العقلاء وعمل العلماء بل الصحابة والتابعين على ما نقل عنهم

__________________

(١) في نسخة (ب) و (د) : المقتصرين.

(٢) مناهج الأصول : ٣١٧ مخطوط.

(٣) في نسخة (د) هكذا : بالمرجحات وأنّه مستحب في خصوص الأخبار.

(٤) قوله «لا بحجيّة الظن المطلق» لا توجد في نسخة (ب).

(٥) لا توجد كلمة «مما» في نسخة (ب).

٣٦٨

فعن غاية المبادي (١) : أجمع الصحابة على العمل بالأرجح عند التعارض ، وعن غاية المأمول (٢) : يجب العمل بالترجيح ؛ لأنّ المعهود من العلماء كالصحابة ومن خلفهم من التابعين أنّه متى تعارضت الأمارات اعتمدوا على الراجح ورفضوا المرجوح ، وعن الإحكام (٣) وجوب العمل بالدليل الراجح لما علم من إجماع الصحابة والسلف في الوقائع المختلفة على وجوب تقديم الراجح من الظنّين.

وعن المبادي (٤) دعوى الإجماع على وجوب العمل بأرجح الخبرين إلى غير ذلك ، وفي المناهج (٥) دعوى الإجماع على وجوب الأخذ بالأرجح ، ويمكن استفادة الإجماع القولي أيضا بملاحظة فتاويهم بعد ضمّ الدعاوى المذكورة ، وملاحظة بنائهم في مقام العمل ، وكيف كان فهذا الإجماع سواء كان قوليّا أو عمليّا حجّة ؛ لأنّه مفيد للقطع بالمطلب ، لا لأنّه (٦) وصل إليهم من الإمام عليه‌السلام في ذلك شيء ، أو لأنّ الإمام عليه‌السلام قرّرهم على هذه الطريقة أو لكشفه عن كونه طريقة العقلاء ، ولم يكن (٧) ردع من الإمام عليه‌السلام (٨) عن العمل عليها.

ومن ذلك يظهر أنّه لا يضر كونه في المسألة الأصوليّة ؛ لأنّه ليس المقصود إثبات وصول الحكم من الإمام عليه‌السلام كالمسائل الفرعيّة فهو نظير الإجماع على حجيّة الخبر الواحد ، مع أنّ الإجماع إذا تحقق في المسألة الأصوليّة أيضا فهو حجّة ؛ لأنّ الإشكال في حجيّته إنّما هو من جهة عدم كونه كاشفا عن رضا الإمام عليه‌السلام وفي مثل مقامنا لمّا كان متعلّقا بالعمل فهو نظير الإجماع في المسائل الفرعيّة يحصل منه الكشف عن رضا الإمام عليه‌السلام ، وليس كالإجماع في المسائل العقليّة.

ثمّ إنّ كلمات المدّعين للإجماع وإن كانت مطلقة في وجوب العمل بالأرجح إلا

__________________

(١) غاية المبادي (مخطوط) : ٢٧٩.

(٢) غاية المأمول : ٢١٨ ، وحكاه عنه في بحر الفوائد : ٤ / ٤٣.

(٣) حكاه عنه في مفاتيح الأصول : ٦٨٦.

(٤) مبادئ الوصول : ٢٣٢.

(٥) مناهج الأصول : ٣١٧.

(٦) في نسخة (ب) : إمّا لأنّه ...

(٧) في نسخة (ب) و (د) : يصل.

(٨) قوله «من الإمام» لا توجد في نسخة (ب).

٣٦٩

أنّ القدر المتيقن هو العمل بما يوجب قوّة أحد الطريقين لا مطلق المزية أو الظن بالواقع ، ويدلّ على ما ذكرنا مضافا إلى ما ذكر الأخبار لكنّها تتم في خصوص الأخبار وهي وإن كانت خاصّة بخصوص المرجّحات المنصوصة إلا أنّه سيأتي استفادة التعميم منها (١).

ومن ذلك يظهر الجواب عمّا يمكن أن يقال من أنّ الأخبار الدالّة على التخيير ـ سواء اشتملت على بعض المرجّحات أو لا ـ تدل على العمل (٢) بالمرجّح الغير المنصوص ؛ لأنّها بإطلاقها تنفي اعتبار المرجّحات .. خرجت المنصوصات بقي غيرها ، وذلك لأنّ هذا إنّما يتم إذا [لم](٣) نفهم منها المدار على كل ما يوجب قوّة أحد الخبرين وإلا نجمع (٤) المرجحات الكذائيّة من المنصوصات ، ويدلّ عليه أيضا في خصوص الأخبار أنّه لو لا الأخذ بالأرجح لزم اختلال نظام الفقه ـ سواء قلنا بالتخيير في كل خبرين متعارضين أو بالتساقط والرجوع إلى الأصل ـ والوجه واضح وإنّما خصصنا هذا الوجه أيضا بالأخبار ؛ لأنّ القدر المتيقن من هذا الوجه هو الأخبار ؛ إذ لو لم يعمل بالمتعارضين من غير الأخبار وحكم بالتساقط لا يلزم (٥) الاختلال إلا أن يقال لا ترجيح للأخبار في ذلك فكما يرتفع الاختلال بالأخذ بالأرجح من الخبرين كذلك يرتفع الأخذ بالأرجح من سائر الأدلة وبعض الأخبار المتعارضة ، وإذا لم يكن مرجّح فيؤخذ به في الكل ، ألا ترى أنّ رفع الاختلال يحصل بالأخذ به وبعض (٦) الاخبار المتعارضة فقط ، مع أنّك تقول بالأخذيّة في الكل فيجب الأخذ في غير الأخبار أيضا.

هذا ؛ ويمكن أن يمنع لزوم الاختلال من الأصل ؛ لأنّ في غالب الموارد يكون هناك جمع دلالي ومع عدمه يكون في الغالب أحد الخبرين ممّا يكون خارجا عن

__________________

(١) يأتي في : ص ٤٠٤ ، ٤٩٢.

(٢) جاء في نسخة (ب) هكذا : على عدم العمل ...

(٣) أضيفت من نسخة (ب) و (د) ، ولم تكن في نسخة الأصل.

(٤) في نسخة (ب) و (د) هكذا : وإلا فيكون جميع ...

(٥) في نسخة (ب) : لم يلزم.

(٦) في نسخة (ب) و (د) : بالأخذ به في ...

٣٧٠

الحجيّة من جهة كونه موهوما بإعراض الأصحاب .. ونحو ذلك وفي غير الموردين لا يلزم الاختلال بالتخيير والرجوع إلى الأصل ؛ لعدم كونه في الكثرة بحيث يلزم الاختلال ، وكيف كان فتكفينا الأدلّة الثلاثة في تعارض الأخبار ، والأولين منها في غيرها.

ثمّ لا يخفى أنّ ما ذكرنا من وجوب الأخذ بالأرجح في غير الخبرين أيضا إنّما هو على فرض القول بحجيّة غير الخبرين (١) مثل الإجماع المنقول والشهرة .. ونحو ذلك ، وإلا فالتحقيق اختصاص ذلك بالأخبار ؛ لأنّ غيرها ليس حجّة عندنا ، نعم في تعارض الآيتين والآية والخبر يتصور الأخذ بالأرجح إلا أنّ الكلام في المقام في التعارض من غير جهة الدلالة ، وإلا ففي تعارض الظاهرين إذا كان أحدهما أرجح لا إشكال في وجوب الأخذ به إذا كان بحيث يكون قرينة على الآخر ، ومع عدمه فالحكم هو التساقط والإجمال ، فالكلام في المقام يختص بالأخبار المتعارضة ، نعم في تعارض قولي اللغويين بل مطلق أهل الخبرة أيضا الحكم كما ذكرنا ؛ لبناء العقلاء على حجيته.

واستدل للمشهور (٢) بأمور :

أحدها : [الأصل ؛ وقد عرفت عدم تماميّته] الأصل ؛ وقد عرفت عدم تماميّته سواء كان الترجيح في قبال التخيير أو التوقف والتساقط.

الثاني : [الإجماع القولي والعملي] الإجماع القولي والعملي ؛ وقد عرفت أنّ القدر المتيقن منه ما ذكرناه (٣) لا مطلق المرجح.

الثالث : [أنّ العمل بأحد الدليلين لازم ، وباب العلم به منسد] أنّ العمل بأحد الدليلين لازم ، وباب العلم به منسدّ فيجب في تعيينه العمل بالظن (٤).

وفيه : أنّ وجوب العمل بأحدهما أول الكلام ، فيحتمل التساقط وعلى فرضه فليس العمل بأحدهما المعيّن واقعا واجبا ليجب تعيينه بالعلم أو الظن ، وعلى فرضه

__________________

(١) في نسخة (ب) و (د) : غير الخبر.

(٢) في نسخة (ب) و (د) : على المشهور.

(٣) في نسخة (ب) و (د) : ما ذكرنا.

(٤) في نسخة (د) هكذا : فيجب العمل في تعيينه بالظن.

٣٧١

فلا نسلم بقاء التكليف (١) حتى مع عدم إمكان تميزه بالعلم.

وبالجملة ؛ المفروض أنّ كلّا من الدليلين في ملاك الحجة سواء فليس الحجة أحدهما المعيّن واقعا ليجب تميزه بالظن ، مع أنّ الظن بالواقع لا يثمر في تشخيص الحجّة من الخبرين إلا إذا كان الحجّة في الواقع هو المطابق للواقع وليس كذلك خصوصا مع احتمال كون الواقع خارجا عنها.

والحاصل : أنّه لو كان الكلام في قبال التساقط فأصل وجوب العمل ممنوع ، ولو كان في قبال التخيير فالتعيين ممنوع ، فلا وجه للعمل بالظن.

الرابع : [أنّه لو لا الأخذ بالأرجح لزم اختلال نظم الفقه] أنّه لو لا الأخذ بالأرجح لزم اختلال نظم الفقه والاجتهاد من حيث لزوم التخيير بين الخاص والعام والمطلق والمقيد .. وغيرهما من الظاهر والنص المتعارضين.

وفيه : إنّ تعارض الخاص والعام والمطلق والمقيّد خارج عن محل الكلام في المقام ؛ إذ لا إشكال في وجوب الأخذ بالخاص والمقيّد لكونهما قرينة على العام والمطلق ، فلا يكونان من المتعارضين عرفا ، وعلى فرض كون ذلك أيضا محلّا للنزاع نقول بالأخذ بالأرجح في المذكورات لما ذكرنا دون غيرها من المتعارضين من غير جهة الدلالة ، كالدليل (٢) على وجوب الأخذ بالخاص والمقيد موجود من جهة الاختلال (٣) ومعه فلا يتم الدليل المذكور.

وممّا ذكرنا ظهر النظر فيما ذكره بعض الأفاضل في مقام الإيراد على ما ذكر من خروج المذكورات عن محل النزاع : من أنّ المقام معدّ لوجوب العمل بأقوى الدليلين سواء كانت القوّة في السند أو في الدلالة ، ويدلّ على ذلك عموم معاقد الإجماعات وذكرهم المرجّحات الدلاليّة في المقام وإن أريد خروج خصوص العام والخاص والمطلق والمقيد فمع أنّه لا خصوصيّة لها من بين سائر وجوه الجمع بين الدليلين بل فيها ما هو أظهر وأجلى من العام والخاص مثل نفي البأس في مقابل الأمر

__________________

(١) في نسخة (ب) و (د) : التكليف به ...

(٢) في نسخة (ب) : فالدليل.

(٣) جاءت العبارة في نسخة (د) هكذا : من غير جهة الاختلال.

٣٧٢

والنهي (١) لا وجه لخروجهما عن البحث.

ودعوى عدم صدق التعارض عليهما عرفا واضحة الفساد كما بيناه سابقا ، انتهى.

وجه النظر أنّا نقول :

أولا : إنّ الكلام في المقام مختص بما لا يمكن فيه الجمع وذلك لما ذكروه من أنّه مع إمكان الجمع لا بدّ من تقديمه على أحكام التعادل والتراجيح.

وثانيا : على فرض كون النزاع في المقام أعمّ نقول : مجرّد النزاع لا يوجب تماميّة الدليل ؛ وذلك لأنّا نقول في مثل المذكورات يجب الأخذ بالأرجح من حيث الدلالة لما ذكر من عدم التعارض عرفا أو جعل أحدهما قرينة على الآخر ، فهي وإن لم تكن خارجة عن النزاع إلا أنّه لا ينبغي التأمّل فيها وفي وجوب الجمع مع قطع النظر عن لزوم الاختلال ، وإذا كان الأمر كذلك فلا يلزم الاختلال من جهتها ليكون دليلا على وجوب الترجيح في سائر المقامات ، وما ذكره من صدق التعارض عرفا لا يجدي بعد القطع بوجوب الأخذ بالخاص والمقيّد كما هو معترف به أيضا لا من جهة الاختلال ، مع إنّ الصدق ممنوع كما هو واضح.

هذا ؛ والأولى لهذا المستدلّ أن يقول : لو لا الأخذ بالأرجح من الخبرين أو الدليلين في غير مورد الجمع الدلالي أيضا يلزم الاختلال ؛ إذ في غالب المسائل الأدلة متعارضة فلو قلنا بالتساقط أو التخيير يلزم الاختلال ، لكنّك عرفت سابقا أنّه يمكن منع الاختلال ؛ لأنّ الجمع الدلالي في غالب موارد التعارض موجود ، وقد عرفت عدم الإشكال في وجوب الأخذ به ، ومع فقده فكثيرا ما يكون أحد الخبرين أو الدليلين خارجا عن الحجيّة ؛ لإعراض الأصحاب وغيره وفي سائر الموارد ، ولا يلزم الاختلال كما لا يخفى على من كان مطّلعا (٢) على الفقه في الجملة.

ومن ذلك يظهر أنّ ما ذكره بعض الأفاضل من أنّ هذا الدليل خير ما استدلّ به في المقام ؛ لعدم تماميّة الأدلة الأخر حتى الأخبار أيضا ليس في محله فتدبّر!.

الخامس : [أنّ العدول عن الراجح إلى المرجوح قبيح عقلا] أنّ العدول عن الراجح إلى المرجوح قبيح عقلا ، بل ممتنع قطعا ،

__________________

(١) في نسخة (ب) : الأمر أو النهي.

(٢) هكذا وردت في نسخة (ب) وهو المناسب ، وكانت في نسخة الأصل : مطلقا.

٣٧٣

فيجب العمل بالراجح لئلا يلزم ترجيح المرجوح على الراجح ، قيل إنّه استدل به جماعة من الخاصة والعامّة كالنهاية والتهذيب والمبادي والمنية وغاية المبادي وغيرهم.

وفيه : إنّ الاستدلال بقاعدة القبح المذكور إنّما يتم إذا كان الحاكم معلقا على الواقع ، ولم يكن للشارع تصرف في مقام الامتثال بجعل أصل أو أمارة ؛ فإنّه لو كلّفنا بالواقع وأراده منّا مطلقا فمع إمكان تحصيل العلم به يجب تحصيله ومع عدمه وعدم إمكان الاحتياط أو عدم وجوبه يجب العمل بالظن في تعيينه ، ولا يجوز العدول عن المظنون إلى غيره ، فكل ما هو أرجح في إدراك الواقع يجب العمل عليه (١) بل لازم ذلك وجوب العمل بأمارة ثالثة غير الخبرين ، مثلا إذا كان هو المظنون بل في كل مسألة مسألة يجب العمل بالظن حينئذ ولو انفتح باب العلم في سائر المسائل.

وأمّا إذا كان المعلوم جعل الشارع للأمارات والأصول وتصرفه في مقام الامتثال فيعلم أنّ غرضه ليس إدراك الواقع كائنا ما كان ، فلا يكون الأرجح من حيث إنّه مطابق للواقع أرجح في مقام العمل بل قد نعلم (٢) بعدم جواز الأخذ به كما إذا نهى الشارع من العمل بظن خاص أو رجحان خاص ، فالصغرى ليست محرزة ؛ لأنّ المعلوم أنّ المدار على الرجحان في مقام الأخذ والعمل على الفرض المذكور الرجحان (٣) من حيث الإيصال إلى الواقع.

فإن قلت : بعد جعل الخبر حجّة وتعارض (٤) الخبرين يعلم أنّ الشارع أراد الواقع فيما بينهما بناء على كون حجيّة الخبرين (٥) من حيث الطريقيّة دون الموضوعيّة وحينئذ إذا كان أحدهما أرجح من حيث الإيصال إلى الواقع يجب الأخذ به.

قلت : أمّا إذا كان ذلك في قبال التساقط فنقول : لا نسلّم وجوب العمل بالخبر

__________________

(١) لا توجد في نسخة (د) كلمة «العمل عليه».

(٢) في نسخة (ب) و (د) : يعلم.

(٣) في نسخة (ب) و (د) : المذكور لا الرجحان.

(٤) في نسخة (د) : في تعارض ...

(٥) في نسخة (د) : الخبر.

٣٧٤

حينئذ ؛ لأنّ المفروض أنّه يحتمل عدم حجيّة شيء من الخبرين فلا يكون الأرجح من حيث الإيصال أرجح في مقام العمل ، بل المتعيّن هو الرجوع إلى [الأصل](١) ؛ لأنّ حجيّته معلومة عندهم (٢) عند عدم الدليل ، وأمّا إذا كان ذلك في قبال التخيير بأن كان نفي الثالث معلوما فنقول : إذا احتملنا التخيير بين الراجح والمرجوح فلا يكون الأرجح أرجح في مقام العمل بل مقتضى الأصل عدم وجوب الأخذ به حسبما ذكرنا سابقا ، وكون الخبر معتبرا من باب الطريقيّة لا يستلزم أن يكون الغرض إدراك الواقع ليكون الأخذ بالأرجح واجبا ؛ لأنّ معنى كونه من باب الطريقيّة في مقابل الموضوعيّة أنّ الشارع جعله حجّة من حيث المرآتيّة والآليّة لا من حيث إنّه موضوع من الموضوعات ، وهذا لا ينافي أن [يكون](٣) كل منهما معتبرا من هذه الحيثيّة على سبيل التخيير ، وإن كان أحدهما أرجح من حيث الايصال.

وليس المراد من الطريقيّة أنّ الشارع لاحظ كون الخبر طريقا ظنيّا إلى الواقع فجعله حجّة من هذه الحيثيّة بأن يكون النظر في جعله حجّة مجرّد كونه موصلا إلى الواقع ؛ فإنّ لازم هذا أنّه لو جعل ظنّا ما حجّة كان كل ظن حجّة ؛ إذ لو كان الغرض من جعل الخبر حجّة كونه طريقا ظنيّا إلى الواقع ، فإذا كان القياس أو الأولويّة أو نحوهما كذلك فلا بدّ من كونها (٤) حجّة ؛ لأنّ المفروض أنّ الشارع مريد للواقع وأمره بالعمل بالخبر من باب مجرّد كونه طريقا ظنيّا إليه فكأنه جعل الظن حجّة مع أنّ هذا واضح الفساد ففرق بين بين جعل الشيء حجّة لأنّه طريق ظني ، وبين جعل شيء ظنّي حجّة بعنوان الطريقيّة ، فالشارع جعله طريقا لا موضوعا لا أنّه جعله حجّة لأنّه طريق ظني ، فهو نظير ما لو قال أكرم زيدا ؛ لأنّه عالم فلاحظ علمه وأمر بإكرامه ، وقال [أكرم زيدا العالم] أو قال أكرم زيدا حيث إنّه عالم بمعنى أنّه أمر بإكرامه بلحاظ علمه ، ففي الأول يجب إكرام عمرو العالم أيضا ، وفي الثاني لا يجب لأنّه أمر بإكرام خصوص

__________________

(١) أثبتناها من النسخة (ب) و (د).

(٢) لا توجد كلمة «عندهم» في نسخة (ب) و (د).

(٣) توجد هذه الإضافة في النسخة (ب).

(٤) في نسخة (ب) و (د) : كونهما.

٣٧٥

زيد من حيث إنّه عالم (وبعنوان أنّه عالم) (١) وإذا كان الأمر كذلك فيمكن أن يكون الراجح والمرجوح سواء في جعلهما طريقا ، وإن كان بينهما فرق في أنفسهما حيث إنّ طريقيّة أحدهما في حدّ نفسه بمعنى كاشفيّته أولى وأرجح من الآخر.

فظهر أنّ الأرجح من حيث الإيصال لا يلزم أن يكون أرجح في مقام العمل والأخذ والحجيّة الفعليّة وهذا واضح.

ثمّ إنّ ما ذكر في الاستدلال من الترقي إلى الامتناع ليس في محلّه كما لا يخفى كيف؟ ولو كان كذلك لم يكن وجه للقول بلزوم العمل بالأرجح ؛ إذ التكليف إنّما يتعلّق بالممكن ، فهو خلط بين مقام الإيجاد ومقام المصلحة والتكليف ، فترجيح المرجوح من حيث علّة الإيجاد محال ، بل ترجيح أحد المتساويين محال عند غير الأشعري ، بل عنده أيضا ؛ لأنّه يجعل الإرادة مرجّحا ، وفي مقام التكليف والمصلحة اختيار غير الأرجح وما فيه المصلحة قبيح لا محالة ؛ إذ من البديهيّات إمكان إيجاد ما فيه المفسدة (٢) أو ما هو حرام أو مكروه فكيف يقال إنّه محال ، وفي مقامنا من البديهي إمكان العمل بالخبر المرجوح.

هذا ولبعض الأفاضل في المقام كلام لا بأس بنقله :

قال ـ بعد ذكر الدليل المذكور ـ (٣) : وهذه القاعدة ممّا استدلوا بها في كثير من المسائل ، فقد استدلّ بها أهل التحسين والتقبيح في علم الكلام لإثبات إمامة الأفضل ، وفي حال انسداد باب العلم لإثبات حجيّة الظن ، وكثيرا ما يستدلون بها في بعض مسائل (٤) الفقه ، والتحقيق أنّ هذه القاعدة إمّا أن تلاحظ في فعل المكلّف أو الشارع ، فإن أرادوا إجراءها في فعل المكلّف وأنّه لا يجوز له في مقام الامتثال ترجيح الموهوم والعمل به ؛ ففيه أنّ الكلام في جوازه شرعا بعد فرض إمكان وقوعه لمرجّحات خارجيّة (٥) نفسانيّة ، وحينئذ يخرج المرجوح عن كونه مرجوحا ،

__________________

(١) لا توجد هذه العبارة في النسخة (د).

(٢) في نسخة (د) : مفسدة.

(٣) بدائع الأفكار : ٤٣١.

(٤) قوله «بعض المسائل» لا توجد في نسخة (ب).

(٥) في نسخة (د) : خارجه.

٣٧٦

فيحتاج المنع إلى دليل آخر غير هذه القاعدة ، ولو فرض الكلام فيما لم يكن هناك مرجح خارجي امتنع صدوره ولا نحكم (١) بجوازه ولا بامتناعه شرعا ؛ إذ الأحكام الشرعيّة لا تتعلق بالممتنعات ، نعم على فرض المحال يحكم بقبحه عقلا ، لكنّ القبح العقلي في مسألة العمل بالظن لا يستتبع حكما شرعيّا بالملازمة ؛ لأنّ العمل به مع الانسداد من أقسام الإطاعة ، ومخالفته داخلة في المعصية ، وقبح المعصية كحسن الإطاعة لا يستلزمان حكما شرعيّا ، بل حكما إرشاديّا ؛ لما تحقق في محلّه من أنّ قاعدة التطابق (٢) تابعة للموارد فقد يثبت بها الحكم الارشادي وقد يثبت بها الحكم الشرعي فلا بدّ من قابليّة المحلّ [لعروض](٣) الحكم الشرعي.

نعم لو فرض هذا المحال في التخيير الواقعي الشرعي أو العقلي بأن كان أحد فردي الواجب المخيّر أرجح في نظره من الآخر لرجحان شرعي أو عرفي ، ولم يعارضه غرض نفساني في الفرد الآخر أمكن إثبات الحرمة من هذه القاعدة ، لكن محاليّة الفرض تخرجه عن مقاصد الأصول ، وإن أرادوا إجراءها في فعل المكلّف أي الشارع كما في باب الإمامة فإحراز صغرى هذه القاعدة أعني مرجوحيّة أحد الفردين عنده يحتاج إلى دليل ، فإن كان عليها دليل ـ أعني ذلك الدليل ـ عن هذه القاعدة وإلا فالصغرى ممنوعة ، ففي التخيير الظاهري كمسألة حجيّة الظن ومسائل التجري في مقدمات العبادات إن قام الدليل على كون أمر الشارع بالعمل بالمرجوح مرجوحا عنده أغنانا عن هذه القاعدة وإلا فصغراها غير محرزة.

فكيف يستدلّ بها على حجيّة الظن ، فالمستدل إن أراد أنّ العمل بالموهوم مرجوح عند المكلّف فالصغرى والكبرى كلتاهما مسلّمتان ، لكنّهما غير منتجتين للمقصود ، وهو حرمة العمل بالموهوم ؛ لأنّه لا يختار الموهوم إلا لمرجح خارجي عنده ، فيخرج به المورد عن مجرى القاعدة ، وإن أراد أنّ العمل به مرجوح عند

__________________

(١) جاء في نسخة (د) : ولا يحكم.

(٢) في نسخة (د) : التطابق. أقول : والمقصود منها قاعدة الملازمة بمعنى أنّ ما حكم به العقل حكم به الشرع وبالعكس ، والمراد منها هنا الشق الأول منها.

(٣) هكذا وردت في النسخة (ب) و (د) وهو الصحيح ، وكانت في نسخة الأصل : لو فرض.

٣٧٧

الشارع فلا يرخص فيه فالصغرى ممنوعة ، إذ يجوز (١) أن يكون العمل به راجحا عنده بسبب لا نعلمه فيحتاج إثبات كونه مرجوحا إلى دليل من عقل أو نقل ، ومعه لا حاجة إلى هذه القاعدة ، فالاستدلال بها على الحكم الشرعي لا يصح أبدا ، انتهى بأدنى تغيير.

أقول : حاصل مراده ـ على ما صرح به أخيرا ـ أنّه لا مورد لهذه القاعدة أصلا ؛ إذ بالنسبة إلى فعل الشارع الصغرى غير محرزة إلا مع دليل آخر ، وهو مغن عن هذه القاعدة ، وبالنسبة إلى فعل المكلّف لا يمكن اختيار المرجوح أبدا ، وعلى فرض المحال ففي مثل العمل بالظن ونحوه لا يستتبع حكما شرعيّا ، بل قبحه يستلزم حكما إرشاديّا صرفا ، وفي مثل خصال الكفارة إذا فرض محالا أنّه رجّح ما هو مرجوح فهو قبيح ، ويستلزم الحرمة أيضا إلا أنّ محاليّة الفرض تمنع عن التمسك بالقاعدة فلا مجرى لهذه القاعدة في التخيير الشرعي والعقلي الواقعيين ، ولا في الظاهريين ، بل ولا في سائر الموارد.

وأنت خبير بما فيه ؛ إذ نقول :

أولا : إنّ المراد من المرجوح المرجوح في نظر المكلّف بالنسبة إلى المصالح والمفاسد كما في أفعال العقلاء مع قطع النظر عن الشارع والموالي ، أو بالنسبة إلى مراد الشارع كما في الأحكام الشرعيّة ، وغرض المستدل أنّ العقل حاكم بأنّ الانسان إذا اختار في مقام العمل ما هو مرجوح بالنسبة إلى إدراك (٢) مرجوح كونه مرادا له فهو قبيح ، ولا يتفاوت الحال في الثاني بين أن يقال إنّه يقبح من المكلّف اختيار المرجوح كونه مرادا للمولى ، وبين أن يقال يقبح من الشارع إرادة المرجوح (٣) وجعله بعد تعلّق غرضه بذلك المراد ، لكنّ المراد من المرجوح في القاعدة (٤) المرجوح في نظر المكلّف كما هو واضح.

__________________

(١) في نسخة (ب) : إذ لا يجوز.

(٢) جاء في نسخة (د) هكذا : في مقام إتيان مراد المولى ما هو مرجوح.

(٣) في نسخة (د) : إرادة غير المرجوح.

(٤) لا توجد كلمة «في القاعدة» في نسخة (د).

٣٧٨

ثمّ إنّه (١) لا يخفى بداهة إمكان اختيار المرجوح كونه مرادا أو مصلحة ، غاية الأمر قبحه إذا كان يجب تحصيل ذلك المراد أو المصلحة في حكم العقل ، فدعوى عدم إمكانه راجعة إلى الخلط بين مقام التكوين ومقام التشريع ، وما ذكره من أنّ الدواعي النفسانيّة تخرجه عن كونه مرجوحا أيضا مبني على الخلط المذكور ، إذ الدواعي النفسانيّة لا تخرج المرجوح في مقام إدراك المراد أو المصلحة عن كونه مرجوحا كما هو محط القاعدة.

نعم يخرج المرجوح في مقام الإيجاد والتكوين عن كونه مرجوحا ، وليس الكلام فيه.

ثمّ إنّ ما سلّمه من أنّه ـ على فرض المحال ـ قبيح لكن لا يستتبع حكما في الأحكام الظاهريّة ويستلزم (٢) في الأحكام الواقعيّة لا وجه له ؛ إذ لا نسلّم أولا قبح اختيار المرجوح بالنسبة إلى مقام الإيجاد والتكوين الذي فرض خروجه عن القبح والمرجوحيّة كما (٣) إذا كان مقرونا بالدواعي النفسانيّة ؛ إذ ما يخرج عن القبح مع ضمّ الدواعي النفسانيّة لا يكون قبيحا (٤) بل قد يكون اختياره راجحا بل واجبا ، وبالجملة ؛ من الواضحات أنّ الراجح والمرجوح بالنسبة إلى مقام التكوين ليسا مناطين في الحسن والقبح والحرمة والوجوب.

وثانيا : على فرضه لا نسلم عدم استتباعه حكما ؛ إذ المفروض (٥) في المقام ليس إلا وجوب متابعة الظن فيكفيه الوجوب الإرشادي بمعنى أنّه لو لم يعمل به ووقع في خلاف الواقع عوقب على مخالفته كما في سائر موارد حجيّة الظن والخبر .. ونحوهما ، فدعوى أنّه لا مجرى للقاعدة على هذا التقدير لا وجه لها ، نعم في التخيير الشرعي الواقعي لو وجب اختيار أحد الفردين واختار المرجوح يكون

__________________

(١) لا توجد كلمة «إنّه» في نسخة (د).

(٢) في النسخة (ب) و (د) : ويستلزمه ...

(٣) لا توجد كلمة «كما» في نسخة (د).

(٤) يوجد في نسخة الأصل بعد هذا : «إذا لم يضم إليه الدواعي قطعا». إلا أنّه جعل عليها علامة الحذف ، وإن كانت لم تحذف من النسخة (ب) و (د).

(٥) في نسخة (د) : الفرض.

٣٧٩

قبيحا وحراما من حيث هو ، وفي التخيير الظاهري يكون حراما لو خالف الواقع كما أنّ العمل بخبر الواحد واجب وتركه حرام ، وبهذا المعنى أيضا فإذا دلّ دليل على وجوب ذلك لا يقال إنّه لا يستلزم حكما ، ولعمري إنّ هذه من الواضحات (١). (٢)

ثمّ إنّه (٣) بعد العبارة السابقة أورد على نفسه سؤالا بقوله :

فإن قلت إذا كان اعتبار الظن المحض كونه طريقا موصلا إلى الواقع ووقع التعارض بين فردين منه وكان أحدهما أقرب إلى الواقع من الآخر كانت تلك الأقربيّة مقتضية لإيجاب العمل به والنهي عن الآخر إذا لم يكن لجواز العمل بذلك المرجوح سبب آخر في (٤) ترخيص العمل به بلا سبب من نقض الغرض واختيار المرجوح على الراجح القبيحين عن (٥) الشارع ، وهذا واضح لا سترة عليه ، ومقتضى الأصل عدم ذلك السبب ، وبعبارة أخرى المقتضي لوجوب العمل به بما هو أقرب إلى الواقع موجود والمانع وهو السبب المسوّغ للعمل بالمرجوح غير معلوم فيندفع بالأصل.

وأجاب :

أولا : بما حاصله : أنّ وجود المقتضى لإيجاب العمل بالراجح ممنوع ؛ لأنّ المقتضى للجعل هو احتمال إصابة الواقع لا نفس الإصابة ، وإلا امتنع وقوع التعارض بين الأدلّة للزوم اجتماع النقيضين ، واحتمال الإصابة موجود في كلا الدليلين والأقربيّة إلى الواقع لا دليل على كونها مقتضيا ، قال : بل لنا قلب الاستدلال ؛ لأنّ المقتضي للعمل بالمرجوح وهو احتمال الإصابة موجود ، وكون رجحان الآخر مانعا

__________________

(١) إلى هنا وينقطع اتصال المقابلة مع نسخة (ب) لسقوط أوراق منها ، وتعود عند قوله «أقول : أولا لا يخفى أنّ البحث ...» وهو في الصفحة ٢٢٧ من نسخة الأصل ، ويوافق صفحة ٤٧٢ من طبعتنا هذه.

(٢) ثمّ إنّه بعد ذلك يوجد مقطع من النسخة (د) قد مرّ بتمامه في الصفحة ٣٤٣ وأوله «قباله عن عدم وجود الوجوب العيني ـ إلى قوله ـ والشك في العينيّة القهريّة ناش عن الشك في جواز العمل بالمرجوح والأصل عدمه» وكتب بعدها «إلى هنا».

(٣) في نسخة (د) : ذلك الفاضل.

(٤) في نسخة (د) : لما فيه ترخيص ...

(٥) جاء في نسخة (د) : على الشارع.

٣٨٠