كتاب التّعارض

آية الله السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي

كتاب التّعارض

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي


المحقق: الشيخ حلمي عبد الرؤوف السنان
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة انتشارات مدين
المطبعة: الظهور
الطبعة: ١
ISBN: 964-8901-05-8
الصفحات: ٦٢٥

الذهن مستلزما لتعقل دليل آخر ينافيه ، سواء كانت المنافاة بلحاظ نفسه (١) ، أو بلحاظ دليل اعتباره ، ولم يكن تعقل الآخر مستلزما لتعقل الأول ، فهو حاكم عليه ، من غير فرق بين أن تكون المنافاة بينهما بالمباينة أو بالعموم المطلق ، أو من وجه ، قال : فإنّ تعقل عدم الضرر والحرج مستلزم لتعقل دين مشتمل على التكاليف ، وكذا تعقل وجوب البناء على الحالة السابقة ، مستلزم لتعقل أنّه لو لاه لكان له حكم آخر بخلافه ، وهو البراءة الثابتة بأدلّتها ، وهكذا ...

قلت : فيه ـ مع أنّه لا تعتبر المنافاة في الحكومة حسبما عرفت سابقا من حكومة الأصول الموضوعيّة والبيّنة على الأدلّة المثبتة لأحكام موضوعاتها الثابتة بها ، مع عدم المنافاة بينهما ـ أنّه لا يتم فيما إذا كانت الحكومة من جهة كونه ناظرا بسياقه إلى الدليل الآخر ، لا بمدلوله ، إذ حينئذ لا يتوقف تعقل مدلوله على تعقل الدليل الآخر ، وأيضا لا يتم فيما إذا كان دليل الحاكم والمحكوم واحدا ، كما في استصحاب الحاكم والمحكوم ، إذ لا يعقل توقف تعقل دليل على نفسه ، وأيضا لا يتوقف تعقل الأدلّة الاجتهاديّة ، ولا تعقل دليل اعتبارها على تعقل الأصول العمليّة التعبديّة ، نعم يمكن أن يقال إنّها موقوفة على تعقل الأصول العقليّة ، إذ معنى صدّق العادل احكم بثبوت ما أخبر به للواقع ، ولا تتوقف فيه ، ولا تكن متحيرا ، ولا نظر فيه إلى الاستصحاب أو أصل البراءة التعبديين.

هذا مع أنّه يمكن أن يقال ـ على فرض التسليم ـ : إنّ تعقل قوله «اعمل بالحالة السابقة عند الشك» موقوف على تعقل البينة ، وعدم العمل عليها كالعكس ، فيلزم عدم حكومتها على الاستصحاب.

والإنصاف عدم التوقف في شيء من الطرفين ، إذ غاية مفاد كل واحد وجوب العمل على مؤدّاه ، ونفي العمل على خلافه ، وأمّا أنّ خلافه ما ذا ، وهل هو مفاد الدليل الفلاني أو غيره ، فلا نظر إليه أصلا.

[المقام] الثاني : في الفرق بينها وبين التخصيص :

__________________

(١) كلمة «بلحاظ نفسه» لا توجد في نسخة (ب).

٦١

فنقول : قد عرفت سابقا أنّ الحكومة قد تكون بالتخصيص ، وقد تكون بالتقييد ، وقد تكون بغيرهما من أنحاء التصرفات ، ومن قال إنّها تخصيص في المعنى بلسان التفسير ، أراد القسم الأول ، وإلا فلا وجه لإطلاقه ، وحينئذ فينبغي بيان الفرق بينها وبينها ، وحاصله أنّها وإن كانت أحد المذكورات في المعنى إلا أنّ تصرفها في الدليل الآخر بمقتضى مدلول اللفظ ، بخلاف سائر (١) المذكورات ، فإنّ قرينتها إنّما هي بحكم العقل ، فالتقديم في الحكومة بمقتضى دلالة اللفظ ، حيث إنّ الحاكم ناظر وشارح بخلافه فيها ، فإنّه من باب ترجيح أحد الدليلين بحكم العقل ، من جهة نصوصيّته ، أو أظهريّته.

وقد فرّع (٢) المحقق الأنصاري قدس‌سره على هذا أنّه يقدّم الحاكم على المحكوم ، ولو كان الحاكم من أضعف الظنون ، ولا يقدم المحكوم عليه بمجرد الأقوائيّة ، بل يحتاج إلى قرينة أخرى غير المحكوم ، بخلاف التخصيص ، فإنّ المدار فيه على الأقوائية ، فإذا فرضنا أقوائية دلالة العام من الخاص يقدم عليه ، لأنّ كلا منهما صالح لصرف الآخر عن ظاهره ، فيكون المدار على الترجيح بحسب القوّة ، وأمّا في الحاكم والمحكوم فلا يصلح المحكوم أن يكون قرينة على صرف الظاهر (٣) عن ظاهره ، من حيث إن لسانه ناظر إليه ، فيحتاج إلى قرينة أخرى ، ففي صورة نصوصيّة الخاص لا ثمرة بينهما ، وإنّما تظهر الثمرة في الظاهرين حسبما عرفت.

وحاصل مراده أنّ للحاكم لحاظين : لحاظ دلالته على مدلوله ، ولحاظ نظره إلى المحكوم ، وليس للمحكوم إلّا الأول ، فغاية ما يكون له معارضته مع الحاكم في لحاظ أصل المدلول ، وقابليّة كلّ منهما لصرف الآخر ، وأمّا في لحاظ نظره فلا يكفي المحكوم في صرفه بل يحتاج إلى قرينة أخرى تسقطه عن النظر ، والأصل عدم هذه القرينة ، فالحاكم والمحكوم مع قطع النظر عن النظر حالهما حال العام والخاص في أنّ كلّا منهما قابل للتصرف في الآخر ، وأمّا مع ملاحظته فلا يمكن تصرف المحكوم

__________________

(١) كلمة «سائر» لا توجد في نسخة (ب).

(٢) فرائد الأصول : ٤ / ١٥ و ١٧.

(٣) في نسخة (ب) : الحاكم.

٦٢

في الحاكم ، إلا مع قرينة مدفوعة بالأصل ، فإذا فرضنا قوّة مدلول المحكوم ، وضعف مدلول الحاكم ، لا يقدم المحكوم ، لأنّ نظره مانع منه ، ويقوي مدلوله أيضا.

قلت : هذا إنّما يتم بلا إشكال فيما إذا كان الحاكم نصّا في النظر إلى ذلك المحكوم وإن كان ظاهرا في أصل المدلول ، بل كان دلالته على أصل المدلول في غاية الضعف ، أو كان نظره أقوى من دلالة المحكوم على مدلوله ، فإنّه حينئذ يصير بمنزلة النص في أصل المدلول ، أو بمنزلة الأظهر لتقوية المدلول بالنظر ، وأما إذا فرض كون دلالة المحكوم على مدلوله أقوى من دلالة الحاكم في نظره بحيث يمكن صرفه عن نظره ، فلا يتمّ ، إذ مدلول المحكوم في عرض مدلول الحاكم (١) ، وفي عرض نظره أيضا ، بمعنى أنّ هذا الحاكم بلحاظ تمام مدلوله النظري والأصلي معارض بالمحكوم ، فإذا كان أقوى يقدم عليه ، ولا يحتاج إلى قرينة أخرى ، بل هو قابل لصرفه عن النظر أيضا كما هو قابل لصرفه عن مدلوله ، فلو فرضنا إمكان صرف قوله عليه‌السلام «لا حرج ..» مثلا عن النظر إلى قوله «توضأ للصلاة ..» ، ولو بقرينة خارجيّة كما هو المفروض في كلامه قدس‌سره فنقول : يمكن أن يكون دلالة قوله «توضأ ..» على وجوب الوضوء ، ولو كان حرجيا ، في غاية القوة ، بأن يكون الوضوء ممّا يكون غالب أفراده حرجيّا ، بحيث يظهر منه وجوب الفرد الحرجي أيضا في خصوص المقام ، فإذا فرضنا كونه أقوى من ظهور «لا حرج ..» في شموله للوضوء ، ونظره إلى دليله نمنع تقديم الأول ، بل بعكس (٢) الأمر ، وإذا كانا متساويين نتوقف ، فيكون حال الحاكم والمحكوم حال المتعارضين في أنّ المناط هو أظهريّة الدلالة.

نعم ؛ لو كان صريحا في النظر إلى خصوص هذا العموم توجّه ما ذكره ، لكن حينئذ لا يمكن صرفه عن نظره ، فيخرج عن المفروض في كلامه قدس‌سره ، بل أقول : إنّ الحاكم إذا كان عاما فيكون نظره إلى كلّ واحد من المحكومات تابعا لعمومه ، بالنسبة إلى مدلوله ، وإن كان نصا في أصل النظر ، وتكون قوّة نظره تابعة لقوّة ظهوره في مدلوله ، وإذا أخرجنا واحدا من الأفراد عن مدلوله يسقط نظره بالنسبة إليه.

__________________

(١) من قوله «في نظره» إلى قوله «الحاكم» لا يوجد في نسخة (ب).

(٢) في نسخة (ب) : نعكس.

٦٣

فإذا كان عموم مدلول المحكوم في عرض عموم مدلول الحاكم ، وكان أقوى منه ، فلا يفيد نظره شيئا ، إذ ليست حيثيّة النظر متقدمة على حيثيّة المدلول ، بل هي تابعة لها ، فإذا كان مدلول الحكم من حيث هو مقدّما على مدلول الحاكم من حيث هو لأقوائيّته ، فلا مانع منه ، إذ لا يبقى معه نظر بالنسبة إليه ، مثلا إذا فرضنا صراحة قوله «لا حرج ..» في النظر إلى أدلّة التكاليف ، والمفروض أنّ شموله لكل واحد منها على نحو العموم ، فلا يكون نصّا في النظر بالنسبة إلى كل واحد منها ، فيمكن أن يكون شمول بعض تلك الأدلة للفرد الحرجي أقوى من شمول قوله «لا حرج ..» لدليل ذلك الفرد ، وحينئذ يكون نظره بالنسبة إليه ضعيفا ، لضعف شموله له ، وحيثية أصل المدلول متقدمة على حيثيّة النظر ، فلا بدّ من تقديم مدلول ذلك الدليل ، وعدم العمل بعموم «لا حرج ..» بالنسبة إليه ، فلا يبقى نظر (١) بعد ذلك حتى يوجب قوّته.

والحاصل أنّ المدلولين ـ مع قطع النظر عن النظر ـ في عرض واحد ، والمدار فيها (٢) على الأقوائيّة ، والنظر تابع للمدلول ، فلا وجه لتقويته له.

فإن قلت : فعلى هذا لا يبقى للحكومة ثمرة ، إذ المفروض أنّ النظر تابع لمدلول العام والمدار على أظهريّة أحد الدليلين ، كما هو الحال في العام والخاص.

قلت : يظهر الثمر فيما كان نظر الحاكم فعليّا غير تابع للمدلول ، وكان نصا أو أظهر في النظر ، وأضعف في أصل المدلول ، أو مساويا فيه مع المحكوم ، فإنّ نظره حينئذ يفيد تقديمه ، ولولاه كان الأمر بالعكس ، أو كان موردا للتوقف ، مثلا إذا قال يجوز الصلاة بالتيمم ؛ ناظر بسياقه إلى قوله لا صلاة إلا بطهور ، وفرضنا أقوائيّة دلالة قوله عليه‌السلام «لا صلاة ..» أو مساواتها لدلالة قوله «يجوز الصلاة بالتيمم» في مقدمة (٣) قوله «يجوز الصلاة» ، من جهة نصوصيّته في النظر ، أو أظهريّة نظره من دلالة قوله ، فإنّ المفروض أنّه ناظر فعلا إليه ، ومع الإغماض عن الحكومة والنظر ، لم يكن الأمر كذلك ، بل يمكن فرض الثمر في النظر التبعي أيضا ، كما فيما إذا كان الحاكم عامّا إذا

__________________

(١) في نسخة (ب) : نظره.

(٢) في نسخة (ب) : فيهما.

(٣) في نسخة (ب) : فحينئذ تقدم.

٦٤

فرض تساوي أفراد المحكومات في شموليتها لأدلتها ، وتساوي أفراد الحاكم في مشموليتها ، فإنّ نصوصيّته في أصل النظر أو أظهريته فيه يثمر حينئذ ، إذ بعد كونه نصا أو أظهر في أصل النظر ، لا يرفع اليد عن أصل نظره ، والمفروض تساوي المحكومات وأفراد الحاكم ، فيكون كالنص في النظر إلى كل واحد منها ، إذ لو خرج واحد منها دون البقيّة يلزم الترجيح بلا مرجح ، ومعها يلزم (١) رفع اليد عن أصل النظر ، مع فرض كونه نصا أو أظهر ، وذلك مثل الأدلة الاجتهاديّة بالنسبة إلى الأصول ، إذ لو قلنا إنّ قوله صدّق العادل ناظر إلى أدلة الشكوك ، فنظره بالنسبة إلى كل واحد من أفراد الأصول ، وإن كان بنحو العموم إلا أنّها متساوية في مشموليتها لأدلتها ، ولا تفاوت بينها في ذلك بحسب القوة والضعف ، كما أنّ شموله لأفراد الأخبار وإن كان بنحو العموم إلا أنّها متساوية في القوة والضعف (٢) ، فلا يمكن أن يقال إنّ بعض الأخبار داخل تحته دون بعض ، ولا أن يقال بعض الأصول مقدّم عليها دون بعض ، وحينئذ تقدم الأخبار كليّة على الأصول كذلك.

وهذا بخلاف مثل قوله عليه‌السلام «لا حرج ..» بالنسبة إلى أدلة التكاليف ، فإنّ شموله لها وإن كان بنحو واحد إلا أنّ شمول تلك الأدلّة للفرد الحرجي يمكن أن يكون متفاوتا ، لأنّها عمومات متعددة يمكن أقوائيّة ظهور بعضها في شمول الفرد الحرجي من بعض آخر (٣) بأن يكون شمول قوله «توضأ ..» للفرد الحرجي (٤) في غير (٥) تلك المرتبة ، أو في غاية الضعف ، فيمكن أقوائيّة بعضها من قوله «لا حرج ..» في شموله لذلك البعض فيخصص بذلك (٦) ، ويبقى عمومه ونظره بالنسبة إلى سائر التكاليف.

نعم ؛ لو فرضنا أن نسبة تلك العمومات في شمول الفرد الحرجي بنسبة واحدة

__________________

(١) في نسخة (ب) : ومعها لا يلزم.

(٢) من قوله «كما أنّ» إلى قوله «والضعف» غير موجود في نسخة (ب).

(٣) بعدها في النسخة (ب) : مثلا يمكن أن ، ولا يوجد «بأن».

(٤) في نسخة (ب) : في غاية القوّة ، وشمول قوله «أغسل» ثوبك أو نحو ذلك للفرد الحرجي في تلك المرتبة ..

(٥) لا توجد هذه الكلمة في نسخة (ب).

(٦) بعدها في نسخة (ب) : البعض ...

٦٥

يكون حالها حال الأدلة الاجتهاديّة والأصول ، لكن ليس الأمر كذلك ، وبعد اللّتيا والتي فالمدار في الحاكم والمحكوم أيضا على الأظهريّة ، إلا أنّه لا يلاحظ المدلول الأصلي فقط ، بل يلاحظ مع حيثيّة النظر ، فإن كان نصا أو أظهر مع تلك الملاحظة ، يقدم على المحكوم ، وإلا فلا.

ودعوى أنّ نظره يوجب قوّة مدلوله في جميع المقامات وإن لم يكن نصا ولا أظهر في النظر وأنّ لسانه النظري ليس في عرض مدلول المحكوم ، كما ترى!

ثمّ لا يخفى أنّه قد يكون الحاكم أخص من المحكوم مطلقا ، ويكون تقديمه على العام لا من حيث إنّه أخص ، بل من جهة نظره إليه ، مثلا إذا فرضنا خاصا ناظرا بسياقه إلى العام بحيث كان مع الإغماض عن نظره ضعيفا في مدلوله ، بحيث يقدم العام عليه ، ويحمل على ما لا يخالف العام ، فبعد ملاحظة حيثيّة نظره يقدم عليه ، إذ لو [لم] يقدم يلغو نظره المفروض فعليته ، بل قد يكون الخاص مجملا محتمل لما يكون تخصيصا ، ولما لا يكون ، ويكون نظره معيّنا للتخصيص ، كما إذا قال أكرم العلماء ، وقال أيضا لا تكرم زيدا وكان زيد (١) مشتركا بين العالم والجاهل فإنّه لا يخصص به العام ، بل ربّما يجعل ظهور العام قرينة على إرادة زيد الجاهل ، فيحكم معه برفع إجماله ، وإذا فرض كون ذلك الخاص ناظرا إلى العام بسياقه يتعيّن حمله على زيد العالم ، حتى يكون مخصصا للعموم شارحا له ، إذ لو حمل على زيد الجاهل يلزم إلغاء نظره ، ومع ذلك لا يخرج عمّا ذكرنا من أنّ المدار في جميع الموارد على الأظهريّة كما لا يخفى.

[المقام] الثالث : في بيان عدم كون الحكومة من التعارض :

ولا يخفى أنّ الحاكم قد لا يكون منافيا للمحكوم أصلا حسبما عرفت سابقا كالأمارات والأصول المثبتة لموضوعات أدلّة الأحكام ، كالأصل الموضوعي الموافق للأصل الحكمي ، وهذا القسم ممّا لا إشكال فيه ، وإنّما الإشكال في القسم الآخر ، فإنّه ربّما يتخيل كونه من التعارض من حيث إنّ ظاهر المحكوم يقتضي حكما مغايرا

__________________

(١) لا توجد كلمة «زيد» في النسخة (ب).

٦٦

لظاهر الحاكم ولا بدّ من رفع (١) اليد عنه به ، مثلا يقتضي (٢) قوله «المشكوك حلال» حليّة التتن ، ومقتضى خبر الواحد بحرمته حرمته ، وهذا تعارض بينهما.

وكذا مقتضى قوله «توضأ» وجوب الوضوء الحرجي ومقتضى «لا حرج» عدمه فيكونان متعارضين ، إلا أنّا نقول إنّ لسان الحاكم لما كان لسان الشرح والتصرف في المحكوم لا يعدّ معارضا ومنافيا له عرفا في المحكومات التي لسانها لسان تنزيل موضوع الدليل المحكوم منزلة العدم ، فلأنّ الحاكم كأنّه يدل على تقرير لسان المحكوم في حكمه ، وأنّ حكمه حق إلا أنّ هذا الموضوع خارج عنه ، مثلا إذا كان موضوع الأصل المشكوك بوصف أنّه مشكوك ، فقول الشارع بوجوب تصديق العادل المخبر بأنّ الواقع كذا لا يعدّ منافيا له ، إذ كأنّه يقول سلّمنا أنّ المشكوك حلال لكنّ هذا ليس منه ، ومن المعلوم أنّ هذا اللسان ليس لسان المنافاة ، فهو نظير ما إذا تعارضت البينتان إحداهما أنّ المال كان في يد زيد والأخرى على أنّ يده (٣) بعنوان الغصب ، فإنّها كأنّها تصدق الأخرى فيما ادعته ، لكنّها تبين وجه اليد ، ففي المقام أيضا الحاكم لا يعارض المحكوم في مقتضاه ، لكنّه (٤) يبيّن أنّ هذا الموضوع ليس داخلا تحته ، ولذا لا يعدّ الحاكم والمحكوم المتوافقان في المفاد كالأصل الموضوعي والحكمي من المتعاضدين ، بل نقول إنّ الأصل الحكمي لا يجري مع وجود الموضوعي.

وأمّا في الحكومات التي لسانها لسان رفع الحكم عن موضوع الدليل المحكوم لا رفع نفس الموضوع كما في «لا حرج ..» و «لا ضرر ..» و «لا شكّ في النافلة ..» و «لا تعاد ..» ونحو ذلك ؛ فلأنّ الحاكم يبيّن مقدار مدلول المحكوم فيرفع الحكم عن موضوعه بلسان البيان لا بلسان المنافاة ، والمبيّن لا يعد معارضا ومنافيا للمبيّن ، وبعبارة أخرى لسان الحاكم لسان الصلح لا الخصومة ، ولذا لا يحتاج في تقديمه إلى واسطة من عقل أو غيره بخلاف التخصيص ، فإنّ الخاص لا يبيّن العام بلفظه بل

__________________

(١) في نسخة (ب) : ولا بدّ لرفع ...

(٢) في نسخة (ب) : بمقتضى.

(٣) في نسخة (ب) : يده عليه.

(٤) في نسخة (ب) : ولكنّه.

٦٧

العقل يجعله مبيّنا له ويرفع الخصومة بينهما.

والحاصل أنّ جميع وحدات التناقض متحققة ومع ذلك لا تعارض بلحاظ أنّ اللسان لسان الشرح والبيان لا التنافي فيرفع اليد عن أحد الظاهرين وهو ظاهر المحكوم ، فيرتفع (١) التناقض ، بل لأنّ الآخر قرينة عليه بلفظه ، ولا في العام والخاص فيرفع اليد عن العام إنّما هو لئلا يلزم التناقض ، وإلا فليس في أحد الكلامين ما يبيّن الآخر.

هذا ويظهر من المحقق الأنصاري قدس سرّه أنّ الوجه في عدم كونها (٢) من التعارض تعدد الموضوع ، وظاهره أنّ هذا هو الوجه في جميع المحكومات حيث إنّه بعد ما ذكر أنّه لا يتحقق التعارض إلا بعد اتحاد الموضوع قال (٣) : ومنه يعلم أنّه لا تعارض بين الأدلة الاجتهادية والأصول .. ، ثمّ ساق الكلام في بيان ذلك إلى بيان الحكومة وميزانها وأردف ذلك بتتمة البيان بحكومة الأدلة الاجتهاديّة.

وأنت خبير بأنّ الموضوع واحد في المقام أيضا خصوصا بالنسبة إلى مثل «لا حرج» و «لا ضرر» فإنّ الموضوع الحرجي موضوع للوجوب في قوله «توضأ» ولعدمه في قوله «لا حرج» وهكذا في سائر الموارد ، بل الموضوع في الأدلة الاجتهاديّة والأصول أيضا واحد كما عرفت في مثال شرب التتن ، فإنّ الموضوع الخارجي الذي هو التتن يصدق عليه أنّه مشكوك ، وأنّه تتن ، فهو داخل تحت الدليلين ؛ غاية ما يكون أنّ الموضوع في لسان الدليل متعدد حيث إنّه في أحدهما المشكوك يوصف أنّه مشكوك وفي الآخر ذات الفعل مع قطع النظر عن العلم والجهل ، وهذا المقدار غير كاف في نفي المعارضة والمنافاة ، إذ المدار على اتحاد الموضوع ولو بالأخرة ، وهو متحقق في المقام ، فمع الإغماض من حيث الحكومة وأنّ لسان الشرح غير لسان التعارض لا يتم المطلب.

هذا ؛ ويمكن إرجاع ما ذكره أيضا إلى ما ذكرنا بدعوى عود الضمير في قوله ومنه

__________________

(١) في نسخة (ب) : لا ليرتفع.

(٢) في نسخة (ب) : كونه.

(٣) فرائد الأصول : ٤ / ١١.

٦٨

يعلم إلى قيد التنافي لا إلى قيد الاتحاد ، يعني ومن اعتبار التنافي في التعارض يسلم .. إلى آخره ، ويؤيده أنّه ضرب في بعض النسخ على قوله «إنّ موضوع الحكم في الأصول الشيء بوصف أنّه مجهول الحكم» إلّا أنّه بعيد من سوق الكلام ، والضرب المذكور لا يفيد بعد كون تتمة الكلام ناظرة إلى بيان تعدد الموضوع ، وكلامه في أول أصل البراءة أيضا ناظر إلى ذلك ، حيث قال (١) : وجه التقديم أنّ موضوع الأصول يرتفع بوجود الدليل فلا معارضة بينهما ، لعدم اتحاد الموضوع ، بل لارتفاع موضوع الأصل .. إلى آخره.

وفي بعض النسخ زيادة «لا» قبل قوله لعدم اتحاد .. إلى آخره ، إلّا أنّها أيضا غير مفيدة لأنّ سوق الكلام فيما بعد ظاهر في إرادة التعدد ، نعم يمكن أن يقال إنّ غرضه أنّ تعدد الموضوع في لسان الدليل يوجب دفع التعارض من جهة أنّه يستلزم تحقق الحكومة الرافعة للمنافاة لا أنّ ذلك بمجرّده كاف ، ففي الحقيقة الوجه في عدم كونها من المتعارضين (٢) هو الحكومة بالبيان الذي ذكرنا ، وتعدد الموضوع في لسان الدليل سبب في الحكومة بالنسبة إلى بعض الموارد ، وفي الورود بالنسبة إلى بعضها الآخر ، فلا يريد بيان أنّ الموضوع متعدد بحيث يرتفع به بمجرّده التنافي ، وكيف كان فالوجه ما ذكرنا ، والتعدد في لسان الدليل بمجرده لا يتمم المطلب ولا حاجة إليه بعد كون المدار على كون اللسان لسان الشرح والبيان ، وإن قلنا إنّ هذا المقدار من التعدد يكفي في مقام رفع المنافاة والمناقضة بين ثبوت الحكم الواقعي في الواقع وثبوت الحكم الظاهري فيما إذا لم يكن الواقع منجّزا على المكلّف ، لكن لا دخل له بمقامنا.

هذا إذ الكلام في المقام مع وجود الدليل على الواقع ، والغرض رفع التعارض بين الدليل والأصل وأنّ الواجب هو الأخذ بالأول دون الثاني ، وفي ذلك المقام لا يكون دليل اجتهادي وإنّما المرجع هو الأصل ، والغرض أنّه لو كان الأصل على خلاف

__________________

(١) فرائد الأصول : ٢ / ١١.

(٢) في نسخة (ب) : من التعارض.

٦٩

الواقع لا يضر وجوب الأخذ به في مقام (١) الحكم الواقعي واقعا ، ولا يلزم التزام التصويب ، ومن ذلك ظهر ما في كلام بعض في المقام حيث إنّه أورد على ما ذكره المحقّق المذكور من تعدد الموضوع في مقام إثبات عدم التعارض بين الأصل والدليل : بأنّ المغايرة بين الموضوعين إنّما هي بالإطلاق والتقييد ، لا بالمباينة وهي غير مجدية في دفع (٢) التنافي عند من لا يجوز اجتماع الأمر والنهي بتعدد الجهة ، لأنّه إذا قامت الأمارة على حرمة شرب التتن فقد دلّت على ثبوتها مطلقا ، لأنّ مداليل الأمارات غير مقيدة بالعلم والجهل ، وثبوت الحرمة له مطلقا لا يجتمع مع إباحته مقيدا بالجهل ، أو بقيد آخر.

ثمّ قال في بيان عدم التعارض : إنّ مفاد الدليل هو الحكم الشأني ، ومفاد الأصول هو الحكم الفعلي ، ولا تنافي ولا تضاد بينهما ، وإن كان بالنفي والإثبات ، لأنّ القابليّة والاستعداد لا ينافيان فعليّة الأصل ، فالتنافي مرتفع باختلاف المحمول ؛ توضيحه :

إنّ مفاد قوله الخمر حرام كونه مبغوضا في الواقع ؛ بحيث لو علم به المكلّف لكان معاقبا عليه ، ومعنى «الناس في سعة ما لا يعلمون» أنّه لا عقاب على الجاهل ، فالنهي المستفاد من الأول ليس ضدا للإباحة المستفادة من الثاني ، إذ ليس مقتضى الأول هو المنع الفعلي حتى ينافي الترخيص الفعلي .. انتهى.

إذ يرد عليه أنّ تعدد المحمول إنّما يناسب المقام الآخر لا مقامنا ، هذا مع أنّه غير تام في نفسه أيضا ـ كما سيأتي ـ وأيضا لازم بيانه تقديم الأصل العملي والحكم بالإباحة الفعليّة ، وحمل النهي المستفاد من الدليل على الواقعي الشأني مع أنّه لا إشكال في تقديم الدليل على الأصل في مقام العمل ، وطرح الأصل عند وجود الدليل ، وإنّما الكلام في أنّه من باب التعارض والترجيح أو خارج عن باب التعارض.

ثمّ إنّه قد استفيد ممّا ذكره في الإيراد أنّه لو قلنا بجواز اجتماع الأمر والنهي مع تعدد الجهة لا مانع من العمل بهما ، وأنّه يتعدد الموضوع حينئذ ، وكذا لو قلنا باختلاف الأحكام بالعلم والجهل ، وأنت خبير بأنّه لا ربط لمسألة جواز الاجتماع ولا

__________________

(١) في نسخة (ب) : في بقاء.

(٢) في نسخة (ب) : رفع.

٧٠

لمسألة التصويب والتخطئة بالمقام ، إذ مع فرض تجويز الاجتماع لا نقول بالأخذ بالأصل والدليل معا ، وكذا على القول بالتصويب ، إذ مع فرض وجود الدليل في مقابل الأصل العملي لا يجوز الأخذ بالأصل ، وإن قلنا بتغيّر الأحكام بالعلم والجهل ، فهذا أيضا إنّما يناسب المقام الآخر ، وهذا واضح جدا.

وبعد اللّتيا والتي لا بأس بعد (١) الحاكم والمحكوم من المتعارضين ، غاية الأمر أنّ الحاكم مقدّم على المحكوم ، والوجه في تقديمه : كونه مبيّنا ومفسّرا ، بخلاف العام والخاص ، فإنّ تقديم الخاص من دلالة العقل ، فإنّ هذا المقدار من الفرق لا يقتضي خروجها عن باب (٢) التعارض بعد وجود مناطه فيها ، وهو تنافي مفاد الدليلين بمعنى عدم إمكان الأخذ بظاهر كل منهما ، ولذا قد يقدم المحكوم إذا كانت قوّة دلالته على مدلوله بمقدار يزيد على دلالة الحاكم ، ولو بعد ملاحظة نظره حسبما عرفت سابقا ، والأمر سهل.

تذييل : [دفع المنافاة بين مؤدّيات الأصول والواقع المجهول]

لا بأس بالتعرض للمقام الآخر الذي أشرنا إليه على سبيل الإجمال ، حسبما يقتضيه مقام الاستعجال ، وإن لم يكن للتفصيل مجال فنقول : قد يتخيل التناقض بين مؤدّيات الأصول والواقع المجهول إذا كانت مخالفة له بناء على ما هو الصواب من التخطئة من عدم تغير الأحكام الواقعيّة بالجهل ، فإنّ الموضوع الخارج الواحد على هذا يتصف بحكمين مختلفين مآلهما إلى التناقض ، فإنّه إذا كان الشيء الخارجي حراما أو واجبا واقعيا (٣) ، ولم يكن عليه دليل ، وأدّت الأصول إلى حليّته أو عدم وجوبه ، يلزم ما ذكر.

وهذا إنّما يتوجّه بناء على كون مؤدّيات الأصول أحكاما ظاهريّة شرعيّة ، إذ على الوجه الآخر وهو كونها أعذارا شرعيّة نظير مؤدّيات الطرق على ما هو التحقيق من أنّها كالطرق العقليّة في أنّها لا تحدث حكما على المكلّف ، وإنّما الواجب عليه

__________________

(١) في نسخة (ب) : لعدّ.

(٢) في نسخة (ب) : من باب.

(٣) في نسخة (ب) : واقعا.

٧١

العمل بها على وجه الطريقيّة والمرآتيّة فإن أصابت الواقع فيها ، وإلا فلا يحدث بسببها شيء ، فلا إشكال ، إذ على هذا يكون حاصل الترخيص بالعمل بأصالة البراءة مثلا أنّه إذا كان الشيء مجهولا فيجوز تركه أو فعله ، وإن كان في الواقع حراما أو واجبا ، والمكلّف معذور في الترك أو الفعل.

وكذا مؤدى استصحاب الوجوب أو الحرمة أنّه يجب عليك الإتيان به لاحتمال كونه واقعا ، فإن صادف فهو ؛ وإلا فلا وجوب ولا حرمة ، فيكون مفادهما بتخير (١) التكليف الواقعي المجهول على فرض تحققه.

وبالجملة : فحال الأصول حال ما إذا اعتقد المكلّف بعدم التكليف أو بثبوته وكان جهلا مركّبا ، وتظهر الثمرة بين كونها أحكاما أو أعذارا في صورة المخالفة لها إذا لم يخالف عمله الواقع ، فإنّه لا يعاقب بناء على كونها أعذارا ويعاقب (٢) على كونها أحكاما ، وهذا الترخيص الظاهري أو الإيجاب والتحريم الظاهريّان بناء على العذريّة نظير ترخيص الصبي والصائم لا يعدّ حكما شرعيّا ، ونظير الجزم بالتكليف مع كونه جهلا مركبا ، فإنّه إيجاب أو تحريم خيالي لا حقيقي ، وأيضا إنّما يتوقّف على ما هو التحقيق من القول بكون الأحكام الواقعيّة أحكاما مطلقة لا من قبيل الواجب المشروط حسبما يقول صاحب الفصول ، إذ بناء عليه أيضا لا إشكال إذ لازمه عدم الحكم عند عدم الشرط ، وهو العلم بالواقع.

هذا ويمكن دفع الإشكال بوجوه :

أحدها : دعوى تعدد الموضوع ؛ ومن المعلوم أنّ وحدته من شرائط التناقض ، فموضوع الأصول الشيء بوصف أنّه مجهول الحكم ، وموضوع الحكم الواقعي (٣) ذات الفعل ، وهذا هو الظاهر من المحقق الأنصاري قدس‌سره في أوّل أصل البراءة (٤) ، ويظهر من كلامه في مقامات أخر أيضا.

وفيه : ما عرفت من أنّ الفعل الخارجي الواحد متّصف بالعنوانين فيلزم اجتماع

__________________

(١) في نسخة ب : تخيير.

(٢) في النسخة (ب) : ويعاقب على تقدير ...

(٣) في نسخة (ب) : الواقعي المجهول ...

(٤) فرائد الأصول : ٢ / ١١ ـ ١٢.

٧٢

الحكمين ، والسرّ فيه أنّ الحكم الواقعي إذا كان لذات الفعل فيثبت في حال الجهل أيضا بناء على التخطئة ، فلا يندفع الإشكال مع أنّ هذا البيان لا يجري في مؤديات الطرق إذا كانت مخالفة للواقع ، بناء على كونها أحكاما شرعيّة ، مع أنّ الاشكال جار فيها أيضا على هذا الوجه.

الثاني : دعوى تعدد المحمول حسبما ظهر من كلام البعض المتقدم ؛ فإنّ كلامه وإن كان في المقام السابق إلا أنّه مناسب لهذا المقام ، ولازمه (١) القول به هنا بطريق أولى ، مع أنّ الظاهر أنّ غرضه بيان حال هذا المقام ، وإن كان اختلط عليه الأمر وحاصله أنّ الحكم الواقعي إنّما هو مجرد إنشاء نيّة للوجوب (٢) أو الحرمة مثلا فلا ينافي الترخيص الفعلي ، وكأنّه يجعل الأحكام الواقعيّة عبارة عن مجرد المحبوبيّة والمبغوضيّة دون الطلب والتكليف.

وفيه : إنّ هذا في الحقيقة إنكار للحكم الواقعي ، وإن أراد الوجوب الحقيقي والحرمة كذلك ، فلا يتعدد المحمول حينئذ ، إذ مفاد الأصول نفيها (٣).

الثالث : دعوى تعددهما من حيث القوّة والفعل ، حيث إنّ الحكم الواقعي شأني والظاهري فعلي.

وفيه : إنّ هذا إنّما يصح إذا قلنا إنّ الحكم الواقعي شأنيّة (٤) الوجوب أو الحرمة وليس كذلك ؛ بل هو الوجوب والحرمة الشأنيّان ، وفرق واضح بين شأنيّة الحكم وبين الحكم الشأني ، والذي يرفع التناقض إنّما هو الأول دون الثاني كما لا يخفى من ملاحظة قولك زيد كاتب بالقوة ، وزيد ليس بكاتب بالفعل ، حيث إنّك تريد من الأول شأنيّة (الكتابة ، لا أنّه كاتب ، وفي المقام ندعي أنّ الوجوب ثابت في الواقع لا أنّ له شأنيّة) (٥) الوجوب ، وإلا رجع (٦) إلى إنكار الحكم الواقعي أو إلى مذهب.

__________________

(١) في نسخة (ب) : ولازم له.

(٢) في نسخة (ب) : الشأنيّة للوجوب ، وهو الصواب.

(٣) في نسخة (ب) : نفيهما.

(٤) بعدها في نسخة (ب) : الحكم أي شأنيّة ...

(٥) ما بين القوسين لم يرد في نسخة (ب).

(٦) في نسخة (ب) : يرجع.

٧٣

من (١) صاحب الفصول الذي هو نوع من التصويب.

الرابع : دعوى تعددهما من حيث المرتبة ، ولا تناقض بين الشيء وبين ما لا يكون في مرتبته ، بل التناقض إنّما هو بين الفعليين أو الشأنيين.

بيان ذلك : إنّ الخطاب الواقعي خطاب شرعي غير واصل إلى المكلّف ، والفعلي خطاب واصل ، والأول وإن كان متحققا في حد نفسه بمعنى تماميّة جميع مراتبه من المحبوبيّة والحسن والطلب ، إلا أنّ طلبه لم يتعلق بالمكلّف تعلقا يستحق معه العقاب على المخالفة ، والثاني تعلق به كذلك.

فإن قلت : كيف يمكن تصوير الحكم مع عدم التنجز ، فإنّ الطلب عبارة عن البعث والتحريك ، وهما مفقودان في الجاهل ، فغاية ما يتعلق بالنسبة إليه هو الحسن الذاتي للفعل والمقتضي للطلب وهو غير كاف مع المانع الذي هو الجهل ، وما الفرق بينه وبين العجز المانع عن الطلب عندك حيث لا تقول إنّ العاجز مكلّف شأني (٢).

قلت : الطلب هو إنشاء البعث والتحريك ، ولا يلزم من وجوده الإنشائي (٣) في الانبعاث والتحرك ، فهو من قبيل البيع الذي هو عبارة عن إنشاء التملك وإن لم يتحقق تملك ، فمجرد هذا الإنشاء طلب فليس من قبيل الكسر والانكسار حيث إنّ الأول لا يتحقق بدون الثاني ، ولذا لو قال للحمار أو الجدار افعل يقال إنّه طلب منه غاية الأمر أنّه قبيح ففي المقام أيضا نقول الطلب متحقق وإن لم يتحقق وجوب فعلي ، إلا أن يقال إنّ مجرّد الإنشاء غير كاف إلا في تحقق الوجوب الانشائي ، والكلام في الوجوب الحقيقي (٤) فلا يكفيه الوجود الإنشائي المتحقق بالنسبة إلى (٥) الحمار والجدار ، بل أزيد من ذلك (٦).

__________________

(١) الظاهر زيادة كلمة «من» هنا.

(٢) في نسخة (ب) : شأنا.

(٣) في نسخة (ب) : وجود الإنشاء.

(٤) كتب بعد هذا في النسخة (ب) : الشرعي ، فليس المقام من قبيل البيع أيضا فإنّ البيع مجرد التمليك الإنشائي وليس أزيد من ذلك ، بخلاف الوجوب ...

(٥) بعدها في النسخة (ب) : مثل ...

(٦) قوله «بل أزيد من ذلك» لا توجد في نسخة (ب).

٧٤

وفيه : إنّ الوجوب الشرعي أيضا ليس أزيد (١) من الوجوب الانشائي الحاصل يقول الشارع افعل مع قابليّة المحل لا لمثل الحمار والجدار ، وبالطلب والإيجاب يحصل الوجوب الشرعي وإن لم يحصل الانبعاث والتحريك ، كما هو كذلك بالنسبة إلى العالم العاصي وهو غير معتبر في تحقق الوجوب ، ويبقى الإشكال في الفرق بين الجهل والعجز.

والجواب : إنّ الفارق هو الإجماع والأدلّة ، وإلا فبحسب حكم العقل لا مانع من جعل الحكم الواقعي بالنسبة إلى العاجز أيضا ، وتظهر الثمرة في وجوب القضاء بعد القدرة ، بل قد عرفت سابقا تحققه بالنسبة إلى بعض الأفراد (٢) ، كما في الواجبين المتزاحمين.

وكيف كان فبعد تصوير الحكم الواقعي نقول : التناقض مرتفع بتعدد المرتبة.

فإن قلت : أي الوحدات الثمانية مرتفعة على هذا الوجه؟

قلت : تعدد المرتبة نظير تعدد المكان ، وإن شئت فقل (٣) إنّه يرجع إلى تعدد المحمول ، حيث إنّ الحكم الواصل غير الحكم الغير الواصل ؛ هذا غاية تقريب هذا الوجه ، ومع ذلك الإنصاف أنّه مشكل ، إذ لازمه جواز جعل حكمين واقعيين متنافيين إذا كان أحدهما منجزا والآخر غير منجز ، ولا نلتزم به ، وقياس المقام على الترتب الذي يقوله بعض المحققين في حاشيته على المعالم (٤) في مسألة اجتماع الأمر والنهي باطل ، بعد بطلان الحكم في المقيس عليه على ما حقق في محله ، والأولى أن يقال في دفع الإشكال بتعدد المرتبة ، لكن لا بالبيان المذكور بل بأنّ الحكم الواقعي ثابت في الواقع ، وليس في مرتبة الحكم الظاهري أصلا ، والظاهري ثابت في الظاهر ، وليس في مرتبة الواقعي ، فلا نفرق بين الواصل وغير الواصل حتى يرد ما ذكر من لزوم جواز جعل حكمين واقعيين مختلفين بالوصول وعدمه ، مع معلوميّة عدم جوازه من حيث إنّ نحو الحكمين حينئذ واحد وإن تنجز أحدهما دون

__________________

(١) في النسخة (ب) : بأزيد.

(٢) في نسخة (ب) : أفراده.

(٣) بعدها في نسخة (ب) : إنّه وزائد على الثمانية وأنّ الوحدات تسعا ، وإن شئت فقل ...

(٤) هداية المسترشدين : ٣ / ١٠٧ ـ ١٠٨.

٧٥

الآخر ، إذ التنجز وعدمه لا يوجب اختلاف نحو الحكمين ، إذ ليس هو إلا صحّة العقاب وعدمها ، وإلا فيثبت (١) الطلب والمطلوبيّة منهما على الحق سواء ، ولذا لا تتغير كيفيّة الحكم بالوصول إلى المكلّف ، بل ليس إلا صحّة العقاب معه وعدمها مع عدمه.

بل نقول : إنّ الحكم الظاهري في حيثيّة كونه طلبا وإنشاء للوجوب أو غيره نظير الواقعي إلا أنّه في مرتبة الظاهر فقط ، كما أنّ الواقعي في مرتبة الواقع فقط ، فجميع الوحدات متحققة إلا وحدة المرتبة.

فإن قلت : إنّ الحكم الظاهري وإن لم يكن في مرتبة الواقعي إلا أنّه ثابت في مرحلة الظاهري ، إذ المفروض أنّه ثابت لذات الفعل ولو حال الجهل.

قلت : يمنع ثبوته في مرحلته ومرتبته ، بل هو ثابت حال الجهل في مرتبة الواقع في حدّ (٢) نفسه ؛ نظير حليّة الغنم المغضوب في مرتبة الغنميّة في مقابل الحرمة الذاتيّة الثابتة لمثل الكلب والهرّة ، فهو حلال ذاتي حرام فعلي ، ففيما نحن فيه أيضا نقول إنّه حرام واقعي في حال الجهل ، وحلال فعلي ، ولا يتخطى شيء من الحكمين عن حدّه حتى يلزم التناقض ، ولا يلزم من هذا البيان تجويز اجتماع الحكمين الواقعيين المختلفين (٣) بالتنجز ؛ فضلا عن مثل ما ذكره المحقق المشار إليه في مسألة الاجتماع من الحكمين الواقعيين المنجزين : بدعوى أنّ أحدهما مترتب على عصيان (٤) الآخر فلا تغفل.

[المقام] الرابع : في بيان كيفية تقديم الأدلة الاجتهاديّة على الأصول

فنقول : الكلام تارة في بيان حالها مع الأصول اللفظيّة فهنا موضعان :

[الموضع] الأول : في كيفية تقديمها على الأصول العمليّة : وهي قسمان عقليّة وشرعيّة :

__________________

(١) في النسخة (ب) : بدل «فيثبت» كتب «فحيثيّة».

(٢) في نسخة (ب) : وفي حد نفسه.

(٣) في النسخة (ب) : حكمين واقعيين مختفين.

(٤) في النسخة (ب) : العصيان.

٧٦

أما بالنسبة إلى الأصول العقليّة كأصالة البراءة والاحتياط والتخيير العقليّات ، فلا إشكال في أنّه من باب الورود ، إذ موضوعاتها ـ نحو عدم البيان في الأولى واحتمال العقاب في الثانية (١) ـ ترتفع بالدليل الاجتهادي الظني ضرورة أنّ حكم العقل معلّق على عدم ما يكون حجّة شرعيّة ، بل ترتفع موضوعاتها إذا كان في قبالها أصل تعبدي شرعي فضلا عن الدليل الاجتهادي ، كما هو واضح.

وأمّا بالنسبة إلى الأصول التعبديّة الشرعيّة كالاستصحاب وأصل البراءة بناء على اعتبارها بالأخبار المقرّرة لحكم العقل ، فيمكن أن يقال فيه وجوه ؛ وقبل الشروع (٢) نذكر أمرين :

أحدهما : إنّ المعارضة البدويّة إنّما هي بين الأصول ونفس الأدلّة ، لا بينها وبين دليل اعتبار الأدلة وبين (٣) دليليهما ، وقد يتخيّل أنّها بين دليليهما بدعوى أنّ قول العادل مثلا مع قطع النظر عن دليل الاعتبار لا اعتبار به ، فلا يعدّ معارضا للأصل.

وفيه : ما لا يخفى! إذ التنافي إنّما هو بين نفسيهما ، ودليل الاعتبار لا يفيد إلا الاعتبار ، فقول المخبر «التتن حرام» مناف لقوله «المشكوك حلال» غاية الأمر أنّه مع عدم اعتباره لا اعتبار بمنافاته ولا يضر في الأخذ بالأصل ، وإلا فالمنافاة حاصلة قبل دليل الاعتبار ، ولازم هذا القول أنّه لو فرض كون دليل الأصل أيضا خبرا ظنيا كان التعارض بين آية النبأ ونفسها مثلا ، بل لازمه في تعارض الخبرين الظنيين أن يكون التعارض بين دليليهما ، وليس كذلك قطعا.

الثاني : إنّ المراد من الدليل الاجتهادي على ما ذكره المحقق الأنصاري قدس‌سره في أواخر باب الاستصحاب : ما يكون ناظرا إلى الواقع ، واعتبر من حيث نظره وكشفه عن الواقع (٤) كالأخبار في الأحكام ، والأمارات في الموضوعات ، فحينئذ ما لا يكون ناظرا أو يكون معتبرا لا من حيث نظره وكشفه عن الواقع يكون من الأصول

ويمكن أن يقال إنّ الاعتبار بكيفيّة الاعتبار ؛ فما اعتبر لاستكشاف الواقع دليل

__________________

(١) بعدها في نسخة (ب) : والتنجز في الثالثة.

(٢) بعدها في النسخة ب : فيها.

(٣) في نسخة (ب) : أو بين.

(٤) كلمة «وكشفه عن الواقع» لا توجد في النسخة (ب).

٧٧

وأمارة (١) ، وإن لم يكن ناظرا إلى الواقع ، إذ يمكن أن يعتبر الشارع ما لا نظر له إلى الواقع على وجه الكشف التعبدي ، بل يمكن أن يجعل خلاف نظر الناظر كاشفا تعبديّا عن الواقع ، كأن يقول إذا أخبرك الفاسق فخذ بخلاف قوله ، على أنّه الواقع ، فيكون حاصل الفرق : أنّ ما اعتبره الشارع على وجه الطريقيّة والمرآتيّة يكون دليلا ، وما كان مبيّنا لحكم العمل يكون أصلا عمليّا ، ولا يلزم أخذ الشك في موضوعه ، نعم لا بدّ من أخذه في دليل اعتباره إمّا في لسان الدليل أو من الخارج ، كما أنّه لا يعتبر عدم أخذ الشك في لسان دليل اعتبار الدليل الاجتهادي ، فلو قال إذا شككت فاعمل بخبر العادل ، واستكشف منه الواقع ، لا يخرج عن كونه دليلا ، بل يمكن أن يقال جميع الأدلة الاجتهاديّة قد أخذ الشك في دليل اعتبارها ، وإلا فمع العلم بالواقع في أحد الطرفين لا يجوز العمل بها ، غاية الأمر أنّه قد يذكر ذلك في لسان الدليل وقد لا يذكر.

نعم لا يمكن أخذ الشك في نفس موضع (٢) الدليل الاجتهادي بخلاف الأصل فإنّه قد يؤخذ الشك في نفس موضوعه ، وقد يؤخذ في دليل اعتباره ، فالأول كالأصول الأربعة المعروفة ، والثاني كاليد والبيّنة ونحوهما إذا جعلناهما من باب الأصل لا الأمارة ، فإنّ الأصل التعبدي حينئذ هو اليد ، وليس الشك معتبرا في نفسها ، بل في دليل اعتبارها حيث إنّ الدليل قيّد اعتبارها بحال الشك ، سواء كان مذكورا في لسان الدليل أو لا ، وهذا بخلاف أصل البراءة ، فإنّه عبارة عن قوله «المشكوك حلال» ، والاستصحاب فإنّه عبارة عن الأخذ بحالته (٣) السابقة عند الشك ، ولو كان الاستصحاب عبارة عن نفس الحالة السابقة كان كاليد والبيّنة ، فالدليل الاجتهادي كالأصل العملي في أنّه أخذ في دليل اعتباره الشك ، إمّا في لسان الدليل أو في الخارج ، ومفارق معه في أنّه لا يكون الشك معتبرا في موضوعه بخلاف الأصل ، فإنّه قد يكون كذلك (٤).

__________________

(١) في نسخة (ب) : أو أمارة.

(٢) هكذا في النسخة ؛ والظاهر أنّها موضوع.

(٣) في نسخة (ب) : بالحالة.

(٤) وبعبارة أخرى أنّ الفارق بين الدليل الاجتهادي والأصل أنّ الشك مأخوذ في الأول في مقام ـ الثبوت وملغى في مقام الإثبات ، وفي الأصل قد أخذ الشك فيه ثبوتا وإثباتا.

٧٨

ثمّ لا يخفى أنّه يمكن أن يقدم الدليل الاجتهادي الذي لم يتعلق (١) في لسان دليل اعتباره على الشك على ما كان معلّقا عليه ، وكذا الأصل العملي ، وكيف كان فظهر أنّ الملاك في الفرق أنّ مؤدى الأصل حكم مقام (٢) العمل ، وهو مرجع للعمل (٣) عند الشك ، ومؤدى الدليل نفس الواقع ، ولو بالجعل والتنزيل ، فهو مبين للواقع ، وطريق إلى تعيينه.

ثمّ لا فرق في كون الشيء دليلا بين أن (٤) يكون لسان دليل اعتباره تنزيله منزلة العلم حتى يكون جعل مؤداه منزلة الواقع مفهوما بالتبع ، أو يكون لسانه من الأول لسان تنزيل المؤدى منزلة الواقع ، على وجه يستتبع جعله منزلة العلم.

وبعبارة أخرى لا فرق بين أن يكون المجعول أولا الطريقيّة إلى الواقع ليكون جعل المؤدى بالتبع ، وبين أن يكون المجعول أولا نفس المؤدّى ليكون جعل الطريقيّة بالتبع ، إذا عرفت ذلك فنقول :

الوجه الأول : لتقديم الأدلّة على الأصول : الحكومة (٥) ؛ ويمكن تقريرها بوجوه :

أحدها : ما ذكره المحقق الأنصاري قدس‌سره

من أنّ الدليل الاجتهادي بملاحظة دليل اعتباره ناظر إلى الأصول بنفي الحكم من موضوعاتها أو بنفيها لينتفي حكمها ، وذلك لأنّ معنى جعل الأمارة حجّة أنّه لا يعبأ باحتمال مخالفة مؤداه للواقع ، فالحكم المترتب على الاحتمال لا يترتب عليه بعد وجود الأمارة ، قال (٦) : فمؤدى الأمارات بحكم الشارع كالمعلوم لا يترتب عليه الأحكام المجعولة للمجهولات.

وحاصل مرامه أنّ قوله صدّق العادل في قوّة قوله ألغ احتمال الخلاف ، ولا يترتب على الاحتمال ما كان يترتب عليه لو لا هذا الخبر من الأمارة العقليّة والشرعيّة

__________________

(١) في نسخة (ب) : يعلق.

(٢) في نسخة (ب) : لمقام.

(٣) في نسخة (ب) : العمل.

(٤) في نسخة (ب) : أو أن.

(٥) حق العبارة هكذا : تقديم الأدلة على الأصول للحكومة.

(٦) فرائد الأصول : ٤ / ١٣.

٧٩

، ويمكن أن يورد عليه أوّلا بالنقض بالأصول التعبديّة ، خصوصا إذا كانت ناظرة إلى الواقع ، ولم يعتبرها الشارع من حيث نظرها ، فإنّه إذا جعلها الشارع حجّة فقد أمر بعدم الاعتناء باحتمال خلافها ، فيلزم أن تكون في عرض الأدلة الاجتهاديّة ، ومعارضة معها ؛ مثلا إذا قال اعمل باليد أو البيّنة أو بخبر العادل مثلا ، وفرضنا أنّه اعتبرها لا بلحاظ نظرها فهي من الأصول ، ومع ذلك لسان دليل اعتبارها كلسان دليل اعتبار الأدلة ، وإن شئت فقل قوله اعمل بالخبر العادل مثلا لا يتفاوت حاله من حيثيّة [توخي](١) إلغاء احتمال الخلاف بين أن يكون من باب الطريقيّة أو التعبديّة ، بل في مثل الاستصحاب إذا قال اعمل بالحالة السابقة يكون معناه ألغ احتمال خلافها ، فيكون معارضا مع الأدلة ، إذ كما أنّه أمر بإلغاء احتمال الخلاف في الدليل المقابل له كما أمر بإلغاء احتمال الخلاف فيه ، فإذا أخبر العادل بفسق زيد وكان عادلا سابقا فيجب إلغاء احتمال [خلاف](٢) العدالة بمقتضى الاستصحاب ، وإلغاء احتمال خلاف الفسق بمقتضى الخبر.

وكون الأصول المذكورة معلّقة على الشك دون الأدلة لا يثمر ، بعد ما عرفت من أنّ اعتبار الأدلة أيضا معلّق على الشك ، نعم لم يؤخذ الشك في موضوعها ، ومورد النقض من الأصول المذكورة أيضا كذلك ، حيث إنّ الشك لم يعتبر في موضوعها (٣) ، بل في دليل اعتبارها ، ولذا خصصنا مورد النقض بما كان ناظرا إلى الواقع ، ولم يعتبر من حيث نظره ، والاستصحاب وإن أخذ الشك في موضوعه ، إلا أنّه من باب الاصطلاح حيث إنّه في الاصطلاح عبارة عن الأخذ بالحالة السابقة عند الشك ، ففي الحقيقة المرجع هو الحالة السابقة عند الشك ، وهي الدليل والحجة ، نظير اليد فيصح النقض به أيضا.

فإن قلت : الأدلة الاجتهاديّة وإن كانت مقيّدة بحال الشك إلا أنّه لم يذكر في دليل حجيتها ، بل هو مطلق ؛ غاية الأمر أنّه مقيّد في الواقع بصورة الشك ، بخلاف تلك

__________________

(١) كلمة غير واضحة وقد رسمنا ما يظهر لنا منها.

(٢) أثبتناها من نسخة (ب).

(٣) مراده هذه الأصول المذكورة ؛ وإلا فقد تقدم منه أنّه قد يؤخذ الشك في موضوع الأصل وقد يؤخذ في دليله ، وعلى كل حال فهو ممكن الأخذ في موضوعه في الجملة.

٨٠