كتاب التّعارض

آية الله السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي

كتاب التّعارض

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي


المحقق: الشيخ حلمي عبد الرؤوف السنان
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة انتشارات مدين
المطبعة: الظهور
الطبعة: ١
ISBN: 964-8901-05-8
الصفحات: ٦٢٥

فالمدار على تمام العمل ، وإلا فقبله إن عدل لا يلزم مخالفة قطعيّة وإن شرع في العمل ، ولا ينافي كونه عاملا بالآخر إلا إذا كان العمل ممّا يحرم إبطاله ، وإن جعلنا المدرك ارتفاع الحيرة وكونه عالما بحكم المسألة (١) باختيار أحدهما فالمدار على مجرّد الأخذ ، وكذا إن جعلنا المدرك الاستصحاب أو عدم جواز ترك الواجب لا إلى بدل يحتمل أن يكون المدار ـ على هذين الوجهين ـ على مجيء زمان الحاجة بعد الأخذ ؛ لأنّ الحكم لا يتعين عليه إلا في هذا الوقت ، وكذا إن جعلنا المدرك كونه هو القدر المتيقن فإنّه بمجرّد البناء على العمل بأحدهما يجيء الشك في حجيّة الآخر ، فلا تغفل.

الرابع : بناء على البدويّة ؛ هل يجوز له أن يختار في واقعتين متماثلتين دفعة واحدة إحدى الروايتين في أحدهما والأخرى في الأخرى في مقام الإفتاء أو القضاء (٢) أو العمل أو لا يحق؟ لا ؛ بل الحق عدم الجواز بناء على الاستمراريّة أيضا ؛ لأنّه يلزم منه أن يكون له في آن واحد حكمان مختلفان ؛ لأنّ المفروض أنّ كلّا من الخبرين يفيد حكما غير ما أفاده الآخر ، وكونه مخيّرا بينهما لا يثمر شيئا ، وليس المقام نظير خصال الكفّارة إذا كان عليه كفّارتان.

نعم ؛ يجوز ذلك بناء على كون التخيير عمليّا محضا ، وكذا الكلام في مسألة تقليد المجتهدين ، بل في سائر الأمارات إذا قلنا بالتخيير بين المتعارضين منها (٣).

الخامس : بناء على الاستمراريّة لا يجوز له العدول في العمل الواحد بأن يكون تمام عمله مستندا إلى الخبرين ، سواء كان العمل مركّبا ذا أجزاء أو أمرا بسيطا ممتدّا مثل الزوجيّة والملكيّة ، فلو تعارض خبران في وجوب السورة لا يجوز له أن يختار أحدهما في الركعة الأولى والآخر في الأخرى (٤).

ولو تعارضا في النشر بالعشر في الرضاع مثلا فلا يجوز له أن يختار في يوم الدال

__________________

(١) في النسخة (ب) : بحكم الله في المسألة.

(٢) في نسخة (ب) : والقضاء.

(٣) في نسخة (ب) : منهما.

(٤) في نسخة (ب) : والآخر في الأخرى.

٣٠١

على النشر ، وفي يوم آخر الآخر في الواقعة الواحدة (١) ، وكذا في مسألة التقليد بناء على جواز العدول ، ولذا ذكروا عدم جواز نقض الفتوى في مثل المقام ، ولو تبدل رأيه ، وذلك للزوم الهرج والمرج وانصراف الأخبار عن مثله ، إلا أن يقال : نمنع الانصراف ، والمحذور المذكور ممنوع ؛ لقلّة الابتلاء بمثل ما ذكر خصوصا في مقامنا حيث إنّ الخبرين المتعادلين في غاية القلّة ، والهرج والمرج التقديري لا اعتبار به فيجوز العدول في الواقعة الواحدة الجزئيّة أيضا ، كما هو المفروض إلا إذا استلزم القطع بالمخالفة للواقع ، كما لو فرضنا أنّ أحد الخبرين قال يجب الجهر بالبسملة وقال الآخر يجب الإخفات ، فلو عمل بهما في صلاة واحدة يقطع بالبطلان إذا علم إجمالا أنّ الحكم (٢) مفاد أحدهما ، وليس خارجا عنهما.

السادس : بناء على الاستمراريّة (٣) قلنا سابقا إنّه لا تضر المخالفة القطعيّة الواقعيّة التدريجيّة فلو دلّ أحد الخبرين على وجوب القصر في الأربعة فراسخ والآخر على الإتمام فله اختيار أحدهما بالنسبة إلى الظهر والآخر بالنسبة إلى العصر أو العشاء ، إلا أنّه بعد الفراغ عن الأخير يعلم إجمالا أنّ عليه صلاة فيجب عليه الاحتياط بإعادتهما أو قضائهما ، ولا يثمر الترخيص الشرعي الذي هو لازم التخيير في رفع مقتضى الحكم الواقعي المعلوم إجمالا ؛ لأنّ حجيّة الخبرين في المقام على حدّ حجيّة سائر الأخبار ، والمفروض أنّها ـ بعد كشف الخلاف ـ لا تثمر في الإجزاء على التحقيق ، ففي المقام أولى ، ولا يتوهّم أنّه بناء على هذا ينبغي أن لا يحكم بالاستمرار من الأول ؛ لأنّ الوصول (٤) بمقتضاه موجب للإعادة وعدم الكفاية ، وذلك لأنّه لا مانع من الأخذ بكلّ من الحكمين في مورده ، فقبل حصول العلم الإجمالي نعمل بمقتضى التخيير ، وبعد حصول العلم الإجمالي نعمل بمقتضى من (٥) الاحتياط (٦) ، ولا بأس به ، لكنّ الإنصاف أنّه بالنسبة إلى الظهر والعصر في

__________________

(١) في نسخة (ب) : والآخر في يوم آخر.

(٢) في نسخة (ب) : أنّ الحكم الواقعي.

(٣) في نسخة (ب) : استمراريته.

(٤) في نسخة (د) : العمل.

(٥) في نسخة (د) : وبعد حصول العلم نعمل بمقتضاه من الاحتياط.

هكذا في النسخ.

٣٠٢

الوقت الواحد مشكل ؛ لأنّه إذا أتى بالعصر على خلاف الظهر يجب عليه إعادة العصر فقط ، فلا يحكم بصحتها ولو في الظاهر في زمان ، ولا يثمر عدوله شيئا في حقّه فحالهما حال العمل الواحد مع أنّه ـ مع قطع النظر عمّا ذكر ـ يمكن أن يقال : إنّه قاطع ببطلان عصره ؛ لأنّه إن كان الواجب في الواقع هو القصر مثلا فظهره المأتي بها تماما باطلة ، وإذا بطلت تبطل العصر أيضا ؛ لأنّها مرتبة على الظهر ، وإن كان الواجب هو التمام فإتيان العصر قصرا غير صحيح ؛ فلا تغفل.

[هل أنّ التخيير حكم عملي ظاهري أم لا؟]

[التنبيه] الثالث : من الأمور : هل التخيير بين الخبرين حكم عملي ظاهري بمنزلة الأصل أو حكم أصولي كذلك؟

وبعبارة أخرى هل هو أخذي أو عملي؟ وجهان ، أقواهما بل المتعيّن هو الأخذي ، فيكون الخبران حجّة ، ومع الأخذ بكلّ منهما له دليل اجتهادي على الحكم نظير الخبر بلا معارض ، وإن كان الحكم بالتخيير بمنزلة الأصل التعبدي فإنّه حينئذ أصل تعبدي في المسألة الأصولية بخلافه على تقدير كونه عمليّا ، فإنّه أصل تعبدي في المسألة الفرعيّة ، وإنّما قلنا إنّ المتعين هو الأخذي ؛ لأنّه ظاهر الأخبار من غير تأمّل وإنكار ، بل لو قلنا به من باب حكم العقل فكذلك ؛ لأنّ الظاهر أنّ العقل يحكم بالتخيير بين الخبرين لا بين المفادين كما في صورة الاحتمالين.

وأمّا احتمال كونه واقعيّا مع كونه أخذيا فمقطوع بعدمه .. هذا في التخيير (٧) العملي يتصور على وجهين :

أحدهما : [أن يكون بمعنى أنّه في مقام العمل مخيّر بين الاحتمالين] أن يكون بمعنى أنّه في مقام العمل مخيّر بين الاحتمالين في موضوع الخبرين ؛ كصورة عدم الخبر حتى يكون ـ في صورة كون أحدهما دالا على الوجوب والآخر على الحرمة ـ مخيّرا في الظاهر بين الفعل والترك بحيث يرجع إلى الإباحة وفي صورة كون أحدهما دالّا على طهارة شيء والآخر على نجاسته مخيّرا بين

__________________

(٧) في نسخة (د) هكذا : هذا والتخيير ...

٣٠٣

الاجتناب وعدمه ، ولازم هذا (١) الأخذ بمضمون خبر الطهارة ، وفي صورة كون أحدهما دالّا على الوجوب والآخر على الإباحة يكون كأنّه أخذ بخبر الإباحة ، وكذا في الدوران بين الإباحة والحرمة ، وبين الاستحباب والوجوب ، بل في جميع صور الدوران بين الأحكام التكليفيّة ، وفي صورة كون أحدهما دالّا على وجوب شيء آخر يكون مخيّرا بينهما.

وهذا الوجه مقطوع بفساده ؛ خصوصا إذا أريد الواقعي منه ، كما قد يحتمل.

الثاني : [أن يكون بمعنى أنّه مخيّر بين العمل بمقتضى كل واحد منهما] أن يكون بمعنى أنّه مخيّر بين العمل بمقتضى كل واحد منهما حتى إنّه يأتي بعنوان الوجوب أو الحرمة ، كما في صورة الأخذ إلا أنّه لا على وجه العمل بالخبر ، بل بمعنى أنّه في موضوع ورود الخبر الشارع جعل له (٢) حكما مطابقا له فلا يكون المفاد حكما واقعيّا له ، بل حكم ظاهري مطابق الخبر ؛ كأن يقال ـ في صورة وجود الخبر بلا معارض ـ : إنّ الشارع حكم بالعمل على طبق الخبر مع عدم جعله حجّة ودليلا حتى يكون طريقا إلى الواقع ، بل من حيث إنّه موضوع من الموضوعات ويكون حاصله أنّ الشارع جعل في موضوع الخبرين حكما عمليّا ظاهريّا ، وهو التخيير بين الواجبين التعيينيين ، أو بين الوجوب والإباحة ، وهذا مطابق للتخيير الأخذي في مقام العمل.

والفرق بينهما إنّما هو في كون كل من الحكمين حكما عمليّا ظاهريّا أو واقعيّا اجتهاديّا ، وهذا الوجه ليس مثل السابق في وضوح الفساد إلّا أنّه أيضا فاسد لما عرفت من أنّ ظاهر الأخبار حجيّة الخبرين وكون كل واحد طريقا إلى الواقع ، بمعنى العمل على طبقه على أنّه الواقع ، ولو بنى على الاحتمال المذكور لزم التزام مثله في الخبر بلا معارض ؛ لأنّه أيضا أمر معقول لا مانع منه ، ولا خصوصيّة للمقام لهذا الاحتمال إلا أن يقال : وإن كان ظاهر الأمر بالعمل بالخبر هو العمل به على وجه الطريقيّة أو (٣) جعله دليلا على الواقع إلا أنّه في خصوص مقامنا لا تعقل الطريقيّة ؛ إذ

__________________

(١) في نسخة (ب) : هذا الوجه.

(٢) في نسخة (ب) : جعل له الشارع.

(٣) في نسخة (د) : وجعله.

٣٠٤

لا يعقل أن يكون للواقع الواحد طريقان مختلفان ولو على وجه التخيير ، فلذا نحمل أخبار التخيير على بيان حكم العمل.

وبالجملة فما ذكرنا مانع عن إرادة الحجيّة من الأمر بالعمل بهما في المقام ، وهذا المانع مفقود في صورة عدم المعارضة ، لكن (١) قد عرفت سابقا أنّه لا مانع من جعل الطريقين المتناقضين على وجه التخيير ؛ لأنّه في كلّ زمان له طريق واحد ، فله أن يجعل لهذا طريقا فعليّا في الواقع أو ذاك ، وما ذكر من عدم المعقوليّة مسلّم لو أمر بالعمل بهما عينا ولو على وجه الاقتضاء .. حتى يكون التخيير من قبيل العجز عن القيام بالعمل بهما كذلك ، كما في الواجبين المتزاحمين.

وما يتراءى من عدم المعقوليّة في صورة التخيير أيضا فإنّما هو لعدم ملاحظة أنّ الحكم تعبدي قابل لمثل ذلك ، وليس الفرض أنّ الواقع حقيقة إمّا هذا أو ذاك (٢) ، حتى يقال إنّه لا يعقل ذلك ، ولذا يمكن أن يجعل ما لا يحصل منه الظن بالواقع ـ ولو نوعا ـ طريقا إليه ، ففي مقام التعبد والتنزيل يغتفر أزيد ممّا التزمنا كما لا يخفى.

فتحصّل : أنّ الحق هو التخيير الظاهري الأخذي الذي لازمه كون كل من الحكمين حكما واقعيّا له ما دام آخذا به ، فهو تخيير في المسألة الأصوليّة بالتخيير الظاهري التعبدي ، ومستلزم للتخيير في المسألة الفرعيّة أيضا ، إلا أنّه لا على (٣) وجه التخيير بين الخصال حتى يكون الواجب تخييريّا بل بمعنى التخيير بين الواجبين العينيين مثلا كما عرفت سابقا.

ثمّ إنّه يتفرع على المختار أنّه يجوز له الأخذ بلوازم كلّ من الخبرين أيضا ما دام آخذا به كما إنّه يأخذ بلوازم كل من الحكمين إذا كانت تلك اللوازم في المقامين شرعيّة (٤) أو كانت غيرها (٥) ، ولكن كانت ممّا يترتب عليها حكم شرعي ، وهذا

__________________

(١) في نسخة (د) : ولكن.

(٢) في نسخة (د) : إما هذا وإما ذاك.

(٣) في نسخة (د) : على وجه التخيير ...

(٤) في نسخة (ب) : إذا كانت تلك اللوازم شرعية في المقامين.

(٥) في النسخ .. الضمائر مذكرة وأنثت لمناسبة العبارة.

٣٠٥

بخلاف ما لو قلنا إنّ التخيير عملي ، نعم (١) بالمعنى الأول لا يترتب عليه لوازم الخبر لعدم الأخذ به ولا لوازم المخبر به أيضا ؛ لأنّ المفروض أنّه لم يعمل بمضمون الخبر أيضا ، نعم لو كان هناك حكم يترتب على الإباحة الظاهريّة أو الوجوب التخييري الظاهري أو نحو ذلك يترتب عليه كلّ في مقامه ، وبالمعنى الثاني لا تترتب لوازم الخبر لعدم جعله حجّة ، ولكن تترتب لوازم المخبر به ، لكن بشرط أن يكون ذلك اللازم للأعم من وجوده الواقعي أو الظاهري ، وإلا فلو كان لازما لوجوده الواقعي فلا يترتب أيضا ؛ لأنّ المفروض أنّ الشارع لم يأمر بالعمل به على أنّه الواقع ، مثلا لو كان هناك حكم يترتب على وجوب الجمعة أو الظهر واقعا لا يترتب إذا أخذ بأحد الخبرين بناء على التخيير العملي بهذا المعنى أيضا ، بل حاله أدون من الاستصحاب أيضا ؛ لأنّه يعمل به (٢) بعنوانه الواقعي وإن كان حكما عمليّا ، فلا تغفل (٣).

وممّا ذكرنا ظهر ما في كلام بعض الأفاضل (٤) في المقام حيث أطلق ترتب اللوازم للمخبر به خصوصا مع بنائه (٥) على التخيير العملي بالمعنى الأول على ما يظهر منه في غير مقام.

فإنّه ـ بعد ما نقل عن المفاتيح أنّه قال : هل معنى التخيير الأخذ بأحد الخبرين والعمل بجميع مقتضياته ولوازمه كما لو لم يعارضه خبر آخر؟ أو التخيير في الحكم المستفاد منهما؟ وتظهر الثمرة (٦) فيما إذا كان لأحدهما دلالة التزاميّة تابعة لمحل التعارض ـ قال : والتحقيق على وجه الإجمال أن يقال : إنّ اللازم إمّا للمخبر به أو للخبر ، وعلى (٧) التقديرين إمّا شرعي أو غيره ، ولكن يترتب عليه حكم شرعي ولا اعتبار بما لا يترتب عليه حكم شرعي ، ولا إشكال في ثبوت لازم الحكم الشرعي

__________________

(١) في نسخة (ب) و (د) : بدل كلمة «نعم» كتب «فإنّه».

(٢) لا توجد كلمة «به» في نسخة (د).

(٣) لا توجد كلمة «فلا تغفل» في نسخة (د).

(٤) هو الميرزا الرشتي ، لاحظ بدائع الأفكار : ٤٢٦.

(٥) في نسخة (د) : مع أنّ بناءه.

(٦) في نسخة (ب) و (د) : والثمرة تظهر.

(٧) في نسخة الأصل فقط : أو على.

٣٠٦

على كلا التقديرين إذا كان شرعيّا ، ولو كان غير شرعي فيثبت على التقدير الأول دون الثاني ، وأمّا لوازم الخبر ـ شرعيّة أو غيرها (١) ـ تترتب على التقدير الأول دون الثاني ؛ لأنّ التخيير ـ بناء عليه ـ متعلق بالمسألة الفرعيّة دون الأصوليّة.

توضيحه : إنّه على الأول معنى التخيير حجيّة أحد الخبرين ، وعلى الثاني جعل حكم شرعي في مسألة فرعيّة ، وهو يجامع تساقطهما رأسا ، قال : ومن لوازم الخبر الغير الشرعي وقوع المعارضة بينه وبين غيره ، ومن لوازمه الشرعيّة الحجيّة وما يتفرع عليها ، وعليك بالتأمّل لعلّك تجد بعض الثمرات من تحكيم أصل أو تخصيص عموم أو معارضة دليل .. وغير ذلك من وجوه الفرق بين الأصل والدليل وإن عجزت عن ذلك فلا تفوتك الثمرة النذريّة ، انتهى.

قلت : لعلّ غرضه من ذكر وقوع المعارضة والحجيّة أنّهما من اللوازم لا أنّهما ينفعان في المقام ، إذ بعد الحكم بالتخيير بين الخبرين أو مفادهما فلا يلاحظ المعارضة مع شيء آخر (٢) من الخبرين ، والحجية أيضا ليست من اللوازم التي يتردد ترتبه وعدم ترتبه بين الوجهين ، إذ على أحد التقديرين هما حجّة وعلى الآخر ليسا بحجة (٣) ، وكذا تحكيم الأصل أو تخصيص العموم ومعارضته الدليل لا دخل لها بالمقام ؛ لأنّ المفروض دوران الحكم بين مفاديهما مطلقا ، ولا يلاحظ معارضتهما لشيء آخر من أصل أو عموم أو نحوهما ، من غير فرق بين ما لو جعلناهما حجّة على مفاديهما أو أخذنا بهما تعبدا ، نعم يظهر من الشيخ المحقّق أيضا ابتناء تحكيم أخبار التخيير على الإطلاق أو العموم في قبال الخبرين وعدمه على الوجهين ، وسيأتي بيانه ، وأنّه غير تامّ.

وكيف كان ؛ فيتفرع على الوجهين مضافا إلى ما ذكرنا ما أشرنا إليه سابقا من أنّ التخيير ـ بناء على العملي ـ استمراري بلا إشكال ، وأيضا هو مسألة فرعيّة فيجوز

__________________

(١) في نسخة (ب) : أو غير ما ...

(٢) قد مسح أكثر هذه الجملة من نسخة الأصل ، ولكن أثبتناها من نسخة (ب) ، ولم ترد كلمة «من الخبرين» في نسخة (د).

(٣) في نسخة (د) : ليس بحجة.

٣٠٧

الإفتاء بالتخيير بناء عليه بلا اشكال ، وربما يفرع عليهما (١) صحّة حمل أخبار التوقف في قبال أخبار التخير على الاستحباب وعدمها (٢) ؛ إذ على تقدير كونه عمليا يصح الحكم بالتخيير واستحباب التوقّف والاحتياط وعلى تقدير كونه أخذيا لا يصح الحكم بالاستحباب ؛ إذ لا معنى للحكم بحجيّة الخبرين وأنّه يستحب العمل (٣) بهما

قلت : قد عرفت ما فيه سابقا.

هذا ؛ ويمكن أن يفرّع عليهما وجوب الإعادة أو القضاء وعدمها (٤) بناء على الفرق بين الأصل والدليل في قاعدة الإجزاء عند كشف الخلاف ، ويمكن أن يفرع عليهما أيضا ما لو فرض في صورة إيجاب كلّ منهما شيئا معيّنا مثل مسألة القصر والإتمام في الأربعة فراسخ : أنّه إن (٥) تعذر العمل بأحدهما فإنّه حينئذ يتعين الأخذ بالآخر بناء على كون التخيير عمليّا ؛ فإنّه حينئذ نظير تعذر بعض أفراد الواجب التخييري ؛ فإنّه يتعين البعض الآخر حينئذ بخلاف ما لو كان التخيير أخذيّا ، فإنّ له أن يختار الخبر الدال على وجوب التعذر ويحكم بعدم وجوب شيء عليه في حال التعذر ، والوجه واضح.

ويمكن أن يفرّع عليهما أيضا ما لو بنى على العمل بأحدهما ثمّ تركه نسيانا أو عصيانا حتى صار قضاء ، وأنّه هل يتعيّن عليه ذلك المختار أو يتخير؟ فعلى تقدير كونه أخذيا يقضي ذلك المبني عليه ، وعلى تقدير كونه عمليّا هو مخيّر كما في الوقت ، ويحتمل أن يقال إنّه مخير ولو على الأول أيضا ؛ لأنّ مجرّد البناء لا يكفي بل لا بدّ من العمل على طبقه في صدق الأخذ ، وأيضا لو بنى على الأخذ بما دلّ على الوجوب ثمّ تركه .. هل يحكم بفسقه أم لا؟ إذا فرض أنّ الآخر دالّ على عدم الوجوب فبناء على الأخذي يمكن أن يقال إنّه فاسق.

__________________

(١) في نسخة (د) : عليهما أيضا.

(٢) في نسخة (ب) : وعدمهما.

(٣) في نسخة (د) : عدم العمل.

(٤) في نسخة (د) : وعدمهما.

(٥) لا توجد في نسخة (ب) و (د) كلمة «إن».

٣٠٨

ويمكن أن يقال : إنّ المراد (١) على ما وقع في الخارج من العمل ، وكذا الكلام في وجوب القضاء عليه حينئذ وعدمه ؛ ثمّ إنّ هذه الوجوه وجملة من هذه الفروع تجري في التقليد إذا كان هناك مجتهدان متساويان وكذا في سائر الأمارات بناء على القول بالتخيير بين متعارضاتها بتنقيح مناط الأخبار ، فتدبّر.

الرابع (٢) : [قال في المناهج : قد يتعارض الخبران وليس بينهما مرجح] قال في المناهج (٣) : قد يتعارض الخبران وليس بينهما مرجح ولا يمكن المصير إلى التخيير لمانع كاجتماع أو غيره ويجب الرجوع حينئذ إلى الأصل اذ لا شك انّ أخبار التخيير مخصصة بغير ما دلّ الدليل على انتفائه فلا يمكن العمل هنا باخبار التخيير ولا بالمتعارضين معا ولا بواحد معيّن لعدم المرجّح (٤) فيجب الطرح والرجوع إلى الأصل لعدم العلم بالناقل عنه ، انتهى.

قلت : هذا الفرض إنّما ينفع فيما ذكره إذا كان ذلك المانع مانعا عن التخيير في الظاهر أيضا كأن يكون الإجماع على أنّ حكم المسألة في الظاهر أيضا غير التخيير أو كان هناك مانع عقلي كذلك ، وإلا فلو فرضنا أن الإجماع إنّما هو على أن الحكم الواقعي غير التخيير فلا يضر ، بل في غالب المقامات نعلم أنّ الحكم الواقعي غير التخيير ومع ذلك نحكم به في الظاهر ؛ لكن الإجماع على الوجه المذكور (٥) بعيد الاتفاق بل عديمه ، بل في غير المقام أيضا ليس لنا مورد يكون الإجماع على خلاف الحكم العملي الظاهري ، ولذا يقولون لا يتحقق الإجماع المركب في الظاهر وعلى (٦) خلاف مقتضى الأصول ، فتدبّر!

وأمّا غير الإجماع فلا نعقل (٧) مانعا عن التخيير في الظاهر في مقام من مقامات تعارض الخبرين ؛ نعم في مورد النزاع والتخاصم في الماليّات لا يمكنه التخيير ، لكن قد عرفت سابقا أنّ التخيير حينئذ للقاضي فقط ؛ لأنّ القضاء عمله ولو فرض في

__________________

(١) في نسخة (ب) و (د) : المدار.

(٢) هكذا ورد العدد في النسخ ؛ ولعله اشتباه ، أو سقط الثالث منها.

(٣) مناهج الأصول : ٣١٩ حجري.

(٤) في المصدر : لاستلزامه الترجيح بلا مرجح.

(٥) في نسخة (ب) : على خلاف الوجه المذكور.

(٦) في نسخة (ب) : على خلاف ، بدون الواو.

(٧) في نسخة (ب) : فلا يعقل.

٣٠٩

مورد جزئي عدم إمكان التخيير من جهة العجز عن العمل على طبق أحد الخبرين فلا يضر في العمل بأخبار التخيير كما هو واضح ، مثلا لو دلّ أحد الخبرين على أنّ الواجب هو الظهر والآخر على أنّه الجمعة وفرض تعذر أحدهما فلا يمنع هذا عن التخيير بل له أن يختار الذي يدل على أنّ الواجب هو ما يكون متعذرا ، نعم على التخيير العملي لا يمكن الحكم به في المقام ، إلا أنّه بناء عليه حينئذ يجب العمل على الآخر الغير المتعذر كما في الخصال إذا تعذر بعضها (١) حسبما أشرنا إليه سابقا فليس لنا مورد لا يمكن فيه الحكم بالتخيير الظاهري.

فإن قلت : يتصور فيما لو كان التكليف دائرا بين شخصين ولم يكن أحدهما تابعا للآخر ، ولم يكن ممّا يرجع فيه إلى القاضي كما لو تعارض خبران في أنّ القضاء على الأكبر من حيث السنّ أو البلوغ ؛ فإنّه لو كان الحكم التخيير يلزم أن يجوز لكل منهما اختيار الخبر الدال (٢) على أنّه واجب على الآخر ، وحينئذ يلزم مخالفة التكليف المعلوم في البين ، وليست الواقعة ممّا يرجع فيه إلى القاضي فيشكل الحكم بالتخيير بناء على أنّ المفتي يفتي بالتخيير كما هو المختار.

قلت : لا مانع من ذلك ؛ إذ طرح التكليف المعلوم بين شخصين لا بأس به بالنسبة إلى كلّ منهما كما في الرجوع إلى الأصول العمليّة ، بل هنا (٣) أولى من حيث إنّ كلّا منهما يجعل الواقع هو الوجوب على الآخر لا أنّه ينفي التكليف عن نفسه كما في الأصول ، فكلّ منهما بان على أنّ الواقع هو الوجوب على الآخر وفي الأصول ينفي كل منهما (٤) عن نفسه فالمخالفة في الأصول أشد ، ومع ذلك لا بأس به ، بل وكذا لو رجّح كلّ منهما الخبر الدال على أنّه واجب على الآخر ، وكيف كان ؛ فلو فرضنا وجود المانع عن التخيير الظاهري فالحكم كما ذكره من الرجوع إلى الأصول إلا أنّه يتم بناء على أنّ مقتضى القاعدة في تعارض الأخبار التساقط أو التوقف أو التخيير ، وإلا فلو فرضنا أنّ مقتضاها الاحتياط فلا بدّ من الاحتياط لا الرجوع إلى الأصول

__________________

(١) في نسخة (ب) : بعضهما.

(٢) في نسخة (ب) : الذي يدل.

(٣) في نسخة (ب) : بل هناك.

(٤) يوجد في النسخة (ب) تقديم وتأخير هنا هكذا : كل منهما ينفي الآخر.

٣١٠

العمليّة في المسألة الفرعيّة (١) أيضا ، وكذا مع كون مقتضى القاعدة أولا التخيير فعلى التقادير المذكورة يصح إطلاق القول بأنّ المرجع الأصل في المسألة الفرعيّة.

وأمّا بناء على أنّ مقتضى القاعدة الاحتياط فلا بدّ من العمل عليه ولا يجوز الرجوع إلى الأصل العملي ؛ لما عرفت من أنّ الإجماع إذا منع عن التخيير فالمرجع الأصل في تعارض الخبرين.

فإن قلت : مقتضى القاعدة الاحتياط مطلقا ؛ وذلك لأنّه إذا كان الاجماع مانعا عن التخيير فتكون أخبار التوقف بلا مانع عن شمول المورد ، والمفروض أنّا لم نعمل بها من جهة معارضتها مع أخبار التخيير.

قلت : إذا قلنا إنّ أخبار التوقف لا دلالة لها على المقام بدعوى أنّها ظاهرة في التوقف في الفتوى مثلا ، وأنّها غير معارضة لأخبار التخيير فلا إشكال ، وإن كنّا قد طرحناها سندا أو دلالة بعد فرض تماميّتها من الحيثيتين من حيث هي بسبب التعارض ، فبناء على مذهب النراقي (٢) ـ حيث يلاحظ النسبة بين المتعارضين بعد التخصيص ـ فالأمر كما ذكرت ، حيث إنّ أخبار التوقف حينئذ لا مانع عنها مع أنّ المفروض تماميّتها سندا ودلالة ، إذ (٣) من المعلوم أنّه يطرح من الخبر بقدر المعارض ، وكذا إذا قلنا إنّ أخبار التخيير منصرفة عن بعض الصور مثل الصورة السابقة التي فرضناها بأن يكون المانع من التخيير الانصراف في الأخبار أو عدم إمكان الحكم به من حيث هو ؛ إذ حينئذ تخرج هذه الصورة عن مورد المعارضة مع أخبار التخيير ، فتكون أخبار التوقف بلا معارض ، لكن قد عرفت عدم وجود مورد لا يمكن فيه التخيير من حيث هو ، والإجماع على عدمه لا يضر بدلالة الأخبار من حيث هي ، فبملاحظتها تطرح أخبار التوقف ولو لم يعمل بأخبار التخيير أيضا من جهة ورود المخصّص وهو الإجماع المفروض.

__________________

(١) في نسخة (د) بعدها هكذا : كما هو ظاهر كلامه ؛ وذلك لأنّ مقتضى عدم شمول أخبار التخيير للمقام المشي على طبق القاعدة في تعارض الخبرين ، لا الرجوع إلى الأصل في المسألة الفرعية أيضا ...

(٢) مناهج الأصول : ٣١٧ ، عوائد الأيام : ٣٤٩ ـ ٣٥٣.

(٣) في نسخة (د) : ومن المعلوم.

٣١١

والحاصل أنّه إذا فرض وجود المانع عن أخبار التخيير لا على وجه التخصيص بل على وجه يكون مقدار مدلولها قاصرا عن شمول المورد سواء كان من جهة الانصراف أو من جهة عدم إمكان التخيير فمقتضى القاعدة حينئذ الأخذ بأخبار التوقف كما ذكرت ، ولا يتم ما ذكره النراقي من الرجوع إلى الأصول ، لكن النراقي فرض الكلام في التخصيص ، ففرضه أنّ أخبار التخيير من حيث هي لا مانع عنها وإنّما المانع قد خصّصها وحينئذ فالتحقيق ما ذكره وإن كان لا يتم على مذهبه.

الخامس : [عدم الفرق في الحكم بالتخيير بين الأصل والدليل الاجتهادي] لا فرق في كون الحكم في المتعادلين التخيير بين ما لو كان المرجع على فرض عدمها الأصول العمليّة أو الدليل الاجتهادي مثل المطلق إذا لم يجعله مرجّحا للخبر الموافق له ؛ بأن جعلنا العمل به من باب أصالة عدم التقييد لا من باب الظهور النوعي ، أو كانا معا مخالفين له أو للعموم مع العلم الإجمالي بعدم خروج أحدهما عن ذلك المطلق أو العام ، كما إذا قال أكرم العلماء وورد لا تكرم زيدا وورد أيضا لا تكرم عمرا ، وعلمنا بكذب أحدهما ؛ فإنّ إطلاق أخبار التخيير (١) شامل للمقام من غير فرق بين ما لو قلنا بالتخيير الأخذي أو العملي.

ودعوى الانصراف إلى صورة كونها في قبال الأصول العمليّة العقليّة أو الشرعيّة (٢) دون الأدلة الاجتهاديّة كما ترى! وكون الحكم معلوما من الدليل مع قطع النظر عنهما لا يثمر في رفع الحيرة في مقام العمل بعد وجودهما ووجدانهما لمناط الحجيّة ، وهذا واضح.

ودعوى أنّه بناء على التخيير العملي يكون من قبيل الأصل العملي فمع وجود الدليل الاجتهادي لا اعتبار بها (٣) بعد فرض شمول أخبار التخيير وعدم الانصراف فيها ، وخصوصيّة المورد بالنسبة إلى ذلك العام أو المطلق ، ألا ترى أنّه لو كان هناك خبر بلا معارض على خلاف أحدهما وكان الدليل دالا على الأخذ بمفاده يقدم على ذلك العام أو المطلق ، وإن كان الدليل لم يدلّ على حجيّته بل على العمل في مورد

__________________

(١) في نسخة (د) : إطلاق التخيير.

(٢) في نسخة (ب) : والشرعيّة.

(٣) في نسخة (ب) : لا اعتبار بهما ، وفي نسخة (د) كرّر الجملتين.

٣١٢

على طبق مضمونه ، والسرّ في ذلك أنّ الشك في مورد شك في المسألة الأصوليّة وإن لم يكن الحكم حكما أصوليّا .. مثلا إذا قال أكرم العلماء وقال إذا ورد لا تكرم زيدا فلا تكرمه يقدم عليه ولو كان هذا في ضمن عموم بأن يقول كلّما أخبرك زيد فاعمل بخبره على وجه يكون حكما عمليّا لا إثباتا لحجيّة خبره ، ففي مقامنا إذا كان مفاد أخبار التخيير أنّه عند ورود الخبرين المتعارضين يكون مخيّرا ، وكان شاملا بإطلاقه لما إذا كان أحدهما على خلاف (١) مثلا فيكون مقدّما على ذلك المطلق ، إذ لا فرق بين حجيّة الخبر وبين وجوب العمل بمفاده ، وهذا بخلاف ما إذا قال إذا شككت في الواقع فاعمل بالحالة السابقة ، فإنّ الدليل الاجتهادي أي المطلق مثلا رافع للشك في الواقع.

والحاصل : أنّ المعيار كون النظر في جعل الحكم العملي إلى الشك في الواقع وعدمه (٢) ففي الأصول العمليّة يكون موضوعها الشك (٣) وفي (٤) المقام ليس الموضوع ذلك بل إخبار المخبر وإن لم يكن العمل به على أنّه حجّة ، فتدبّر.

ومن ذلك يظهر ضعف ما ذكره الشيخ المحقق في الرسالة (٥) في مسألة أصل البراءة حيث قال : إنّ أخبار التخيير مسوقة لبيان عدم جواز طرح قول الشارع والرجوع إلى الأصول المقرّرة لحكم صورة فقدان قول الشارع فيهما (٦) ، والمفروض في المقام وجود قول الشارع ولو بضميمة أصالة الإطلاق ، والفرق بين هذا الأصل وتلك الأصول أنّها عمليّة فرعيّة عند فقد الدليل ، وهذا الأصل مقرّر لإثبات كون الشيء ـ وهو المطلق ـ دليلا وحجّة عند فقد ما يدل على عدمه ، فالتخيير مع عدم (٧) جريان هذا الأصل تخيير مع وجود الدليل الشرعي المعيّن لحكم المسألة المتعارض

__________________

(١) في نسخة (د) : خلاف مطلقا.

(٢) لا توجد كلمة «وعدمه» في نسخة (ب).

(٣) لا توجد كلمة «الشك» في نسخة (ب).

(٤) أثبتناها هكذا من نسخة (د).

(٥) فرائد الأصول : ٤ / ٣٤٩ ـ ٣٥٠.

(٦) في النسخة (ب) و (د) : فيها.

(٧) لا توجد كلمة «عدم» في نسخة (ب) و (د).

٣١٣

فيها النصان ، بخلاف التخيير مع جريان تلك الأصول ، فإنّه تخيير بين المتكافئين عند فقد دليل (١) ثالث في موردهما.

هذا ؛ ولكن الإنصاف أنّ أخبار التخيير حاكمة على هذا الأصل وإن كان جاريا في المسألة الأصوليّة ؛ لأنّ موردها بيان حجيّة أحد المتعارضين كمؤدى أدلّة حجيّة الأخبار (٢) فهي دلالة على مسألة أصوليّة وليس مضمونها عمليّا صرفا ، ومن المعلوم حكومتها على مثل هذا الأصل كما أنّها حاكمة على تلك الأصول الجارية في المسألة الفرعيّة ، فلا فرق بين أن يرد (٣) في موارد هذا الدليل المطلق اعمل بالخبر الفلاني المقيّد لهذا المطلق وبين قوله اعمل بأحد هذين المقيّد أحدهما له ، انتهى ملخصا.

فإنّ الإنصاف أنّ نظر أخبار التخيير ليس إلى المرجع عند عدم العمل بهما وأنّه الأصل أو الدليل المتأخر رتبة عنهما ، بل مساقها أنّه لو ورد خبران في واقعة ولا ندري الحق منهما فالحكم هو الأخذ بأحدهما ، ثمّ إنّ ما ذكره من الحكومة إن أراد أنّها تثمر مع فرض الانصراف فهو ممنوع ؛ إذ مع الانصراف لا نظر إلى الخبرين في قبال المطلق حتى يكون حاكما وإن أراد أنّها تثمر مع عدم الانصراف فقد عرفت عدم الفرق ـ بعد عدم الانصراف ـ بين كون مفادها التخيير الأخذي والعملي ، وإن أراد أنّها منصرفة من حيث هي إلا أنّها لما كانت على فرض كون التخيير أخذيّا حاكمة فلا تكون منصرفة.

وبعبارة أخرى ؛ لسان الحكومة يمنع عن الانصراف فهو كما ترى! إذ هو شبه الدور فلا تغفل (٤).

ثمّ إنّه يمكن أن يقال : إنّ الرجوع إلى المطلق ومع ورود هذين الخبرين مشكل

__________________

(١) لا توجد كلمة «دليل» في نسخة (ب).

(٢) في نسخة (ب) هكذا : أخبار الآحاد.

(٣) لا توجد كلمة «أن» في نسخة (ب).

(٤) لعل الوجه في شباهته بالدور أنّ لسان الحكومة في ظرف النظر إلى الخبرين ، ومع افتراض الانصراف فلا نظر فلا حكومة ، فإذا فرضنا أنّ الانصراف مانع عن الحكومة ومن طرف آخر فرضنا أنّ الحكومة توجب عدم الانصراف بلحاظ لسانها من النظر تحقق شبه الدور لا الدور ؛ لكونه غير واضح على كلا شقي التخيير العملي والأخذي.

٣١٤

وإن أغمضنا عن أخبار التخيير ؛ لأنّ ظهور المطلق ليس وضعيّا بل من باب دليل الحكمة وقبح تأخير البيان ، فهو لا يجري في مثل المقام من ورود المقيّد المبتلى بمثله ، فيختص بما لم يرد شيء أصلا ، فتدبّر ، فلا يثمر وجود مثل هذا المطلق ؛ إذ المرجع ـ بعد طرح الخبرين ـ الأصول العمليّة ، نعم بناء على كون العمل به من باب الأصل التعبدي وهو أصل عدم التقييد يمكن الرجوع إليه ، لكن يمكن أن يقال : حاله حينئذ حال الأصول العمليّة ، فتأمّل.

ثمّ على فرض الرجوع إلى المطلق إنّما يتم هذا فيما فرضه من كون أحد الخبرين مطابقا له ، وأمّا فيما فرضنا من كون كلّ منهما مخالفا له أو للعموم ومع العلم الإجمالي في أحدهما بعدم حقيّته فيشكل من جهة أنّه إذا علم بورود أحد المخصصين أو المقيدين ولا يدرى المعين فمع عدم التخيير لا يمكن العمل بالعموم والإطلاق ، فلا بدّ من الحكم بالتخيير وإن لم يشمله أخباره من باب حكم العقل إذا فرضنا مناقضتهما للعام أو المطلق ، مثل قوله يجب إكرام العلماء وقوله (١) يحرم إكرام زيد ويحرم إكرام عمر ، ومع العلم الإجمالي بكذب أحدهما فيلزم ما ذكره في هذا الفرض العدول عن أخبار التخيير إلى حكم العقل به ، إلا أن يقال إنّ مجرّد وجود المطلق والعام لا يوجب الانصراف ، بل فيما أمكن الرجوع إليه مثل هذا الفرض يلزم بشمول الأخبار.

وكيف كان فالحق ما ذكرنا من عدم الانصراف وعدم الفرق بين التخيير العملي والأخذي بناء على عدم كون المطلق مرجّحا أو فرضنا كون كل منهما مخالفا له ، ولكن سيجيء ـ إن شاء الله ـ أنّ المطلق مرجح فيختص الكلام بالصورة الثانية ، ولعلّ الشيخ أيضا لا يقول في هذه الصورة بما ذكر لما ذكر (٢) ، فتدبّر جيدا.

السادس : [بعد الحكم بالتخيير قد يكون أحد الخبرين كافيا]

لا يخفى أنّه بعد الحكم بالتخيير قد يكون أحد الخبرين كافيا في حكم المسألة ، ولا يحتاج إلى مئونة شيء آخر من أصل أو دليل ، كما إذا قال أكرم زيدا لا تكرم زيدا فإنّه مع أخذ الأول واختياره يحكم بالوجوب ومع اختيار الثاني يحكم

__________________

(١) لا توجد في النسخة (ب).

(٢) في نسخة (د) : بما ذكرنا لما ذكرنا.

٣١٥

بالحرمة ، ومثل ما إذا دلّ أحد الخبرين على أنّ الواجب هو القصر والآخر على أنّه هو الإتمام مثلا ، فإنّه مع اختيار كل منهما لا يحتاج إلى ضميمة أخرى .. وهكذا مثال الظهر والجمعة ، وكذا مثال تعارضهما في أنّ الأكبر من هو؟ فإنّه إذا أخذ بأحدهما يحكم بأنّ القضاء عليه ولا يحتاج في نفيه عن مورد الآخر إلى أصل أو دليل ، فإنّ المفروض أنّ كلّا منهما يعيّن الواقع ، فمع العمل عليه لا يبقى شك في المسألة وهو (١) واضح ، وقد يكون في تتميم حكم المسألة محتاجا إلى الغير كما إذا دلّ أحدهما على وجوب شيء والآخر على وجوب آخر من غير نظر إلى تعيين الواقع ، وكان هناك دليل على أنّ الواجب أحدهما أو علم بكذب أحد الخبرين ، وكذا (٢) إذا دلّ كلّ منهما على حرمة شيء مع العلم بكذب أحدهما ؛ فإنّه مع اختيار كل منهما لا يحصل له إلا العلم الشرعي بمفاده وأنّه واجب أو حرام وأنّ الآخر غير واجب أو غير حرام ، وأمّا أنّه محكوم بما ذا من سائر الأحكام فيحتاج إلى أصل أو دليل ، فلو كان في قبال الخبرين إطلاق أو عموم مثل قوله أكرم العلماء ، وكان مفاد أحدهما حرمة إكرام زيد والآخر حرمة إكرام عمرو مع العلم بعدم مطابقة أحدهما للواقع فاختار أحدهما وجعله مخصّصا للعام فهل يرجع في مورد الثاني إلى الأصل أو إلى العموم؟ وجهان مبنيان على أنّ اختيار أحد الخبرين كترجيحه في إحياء العموم أو الإطلاق (٣) أو لا؟ وذلك لأنّه مع قطع النظر عن هذا الاختيار والتخيير سقط التمسك بالعموم ؛ لأنّه يعلم بورود أحد التخصصين ولا يعلم التعيين فإذا صار مخيّرا واختار أحدهما فهل له أن يتمسك بذلك العموم كما (٤) إذا رجّحه (٥) بأحد الترجيحات أو لا؟ بل يرجع إلى الأصول العمليّة من أنّه إذا سقط عن الاعتبار بالنسبة إلى مورد الخبرين فلا يعود فالمرجع الأصول ، ومن أنّ سقوطه إنّما كان بملاحظة عدم الدليل على أنّ المخصّص منهما ما هو؟ وبعد الاختيار تعين ذلك بحكم الشرع فالمرجع

__________________

(١) في النسخة (ب) و (د) : وهذا.

(٢) ذ يوجد في نسخة (د) من قوله «أحدهما» الى قوله «كذا».

(٣) في نسخة (د) : والإطلاق.

(٤) في النسخة (ب) : وكما.

(٥) في نسخة (د) : رجّح.

٣١٦

العموم ويظهر الثمر فيما إذا خالف حكم الأصل حكم العموم كما إذا فرضنا أنّه يعلم بكذب أحد الخبرين (١) ، وأنّه ليس محرّم الإكرام مثلا ، أمّا أنّه واجب الإكرام (٢) أو غيره فلا يعلم ، وأمّا إذا علم بأنّه واجب الإكرام فلا فرق بين أن يرجع إلى العموم أو الأصل ؛ لأنّ مقتضى العلم الإجمالي حينئذ أيضا وجوب إكرامه.

ومن ذلك يظهر حكم ما إذا فرضنا أنّ كلّا من الخبرين موافق للعموم ، وعلم إجمالا بكذب أحدهما كما إذا ورد أكرم العلماء وورد أكرم زيدا وورد أيضا أكرم عمرا فإنّه إذا أخذ بأحدهما ففي المطروح لا يعمل بالعموم بل يرجع إلى الأصل.

وأمّا في المأخوذ فهل يتمسك بالعموم أو بذلك المأخوذ فقط؟ فإذا فرض أنّ المستفاد من العموم الوجوب والخبر المأخوذ لا يدلّ إلا على الرجحان المطلق فهل يحكم بالوجوب أو بمجرّد الرجحان وينفى الوجوب بالأصل؟ الوجهان.

وكذا إذا فرض موافقة أحدهما للعموم في الجملة مع الاختلاف في كيفيّة الحكم ، وأنّه على وجه الوجوب أو الاستحباب مثلا (٣) إذا قال يجب إكرام العلماء وورد أكرم زيدا ولا تكرم زيدا ، وقلنا إنّ الأمر للقدر المشترك بين الوجوب والاستحباب ، أو كان بلفظ لا يدل إلا على الرخصة ، ولا يكون ظاهرا في شيء من الرجحان أو الاستحباب أو الوجوب فمع تقديم قوله لا تكرم زيدا يحكم بما يستفاد منه من الحرمة أو الكراهة (٤) ، ولكن مع تقديم قوله أكرم زيدا هل يحكم بما يستفاد منه وينفى الأزيد بالأصل أو لا؟ بل يحكم بالوجوب المستفاد من العموم وأنّه لا يضر عدم دلالة الخبر الخاص عليه؟ الوجهان ؛ والحق التمسك بالعموم في جميع المقامات المذكورة ؛ لأنّه إذا اختار أحد الخبرين فقد ارتفع الإجمال الحاصل من جهة العلم الإجمالي بكذب أحدهما ؛ لأنّ المفروض أنّ التخيير أخذي لا عملي صرف نعم (٥) هو نظير الترجيح حيث إنّه قبل الوقوف على ما يوجب المزيّة سقط العام عن الحجيّة بالنسبة

__________________

(١) في النسخة (ب) و (د) هكذا : بأحد الخبرين كذبه.

(٢) لا توجد كلمة «الإكرام» في نسخة (ب).

(٣) بعدها في النسخة (ب) و (د) : كما إذا.

(٤) في نسخة (د) : والكراهة.

(٥) لا توجد كلمة «نعم» في نسخة (ب) و (د).

٣١٧

إلى مورد الخبرين وبعد الترجيح يرتفع الإجمال ، وإن كان بين مقامنا والترجيح فرق في الجملة ؛ نعم بناء على أنّ التخيير عمليّ صرف وأنّ الشارع حكم في مورد الخبرين بكذا فلا يرتفع الإجمال ؛ لأنّ مختاره ليس ناظرا إلى تعيين الواقع أصلا ، فتدبّر وتأمّل في الأطراف فإنّ المسألة غير معنونة ، وما ذكرت كان من بادي النظر.

السابع : [بناء على كون مقتضى القاعدة في الأمارتين المتعادلتين التخيير]

بناء على كون مقتضى القاعدة في الأمارتين المتعادلتين التخيير فلا إشكال في حكم غير الأخبار أيضا ، وأمّا بناء على أنّه خلاف القاعدة وبمقتضى الشرع فلا بدّ من القصر على خصوص الخبرين ، ولا يتعدّى إلى سائر الأمارات من غير فرق بين ما يكون من مقدمات الاستنباط كتعارض اللّغويّين أو الناقلين للعرف وتعارض الجارح والمعدّل في الرجال وغيره ، بل وكذا في الآيتين من حيث الدلالة والإجماعين المنقولين والشهرتين المنقولتين .. إلى غير ذلك.

ودعوى أنّ الناقل للإجماع مخبر عن الإمام عليه‌السلام كما ترى ؛ إذ الظاهر من الخبرين غير ذلك فالتعدي إليها أو إلى بعضها قياس والمناط غير معلوم بل الظاهر من قوله عليه‌السلام (١) «من باب التسليم ..» القصر على الخبر المصطلح ، وهذا واضح.

وذكر بعض الأفاضل (٢) وجها للتعدي إلى نقل المخبرين عن المجتهدين (٣) بأنّ كون (٤) المقلّد مخيّرا في العمل بأيّهما لوجود المناط وأنّ الفتوى في حق العامي بمنزلة قول الإمام عليه‌السلام (٥) ، وبعموم (٦) أدلّة النيابة ؛ فإنّه يقتضي أن يكون الفقيه مثل الإمام عليه‌السلام في أنّه إذا تعارض الناقلون لقوله يكون الحكم التخيير ، وهو كما ترى! إذ لا دخل لأدلة النيابة بالمقام ؛ إذ ليس هذا من المناصب للإمام عليه‌السلام ومن الأمور الراجعة إليه من حيث إنّه وليّ على المسلمين ، والمناط مشكوك مع إمكان أن يقال إنّ (٧)

__________________

(١) من قوله «كما ترى» إلى قوله «من باب التسليم» غير موجود في نسخة (د).

(٢) هو الميرزا الرشتي في بدائعه عن مفاتيح الأصول.

(٣) في النسخة (ب) : عن المجتهد.

(٤) في نسخة (ب) و (د) : يكون.

(٥) ورد بعدها في نسخة (ب) و (د) : للمجتهد ، ولعموم ...

(٦) لا توجد كلمة «وبعموم» في نسخة (د).

(٧) لا توجد في نسخة (د) كملة «إنّ».

٣١٨

التخيير إنّما قلنا به في زمان الغيبة دون الحضور ، فبناء على جريان أدلّة النيابة لا يثمر في المفروض ؛ لأنّ الفقيه حاضر ، والوصول إليه ممكن.

وكيف كان فعلى المختار مقتضى القاعدة الرجوع إلى الأصول العمليّة في موارد (١) الأمارات ، ولا فرق بين أن يكون التعارض بينهما بالتباين أو العموم من وجه أو المطلق ، ولا تجري قاعدة الجمع لتعدد المخبر إلا إذا كانت مثل الأخبار .. نقلا لكلام متكلّم واحد أو من هو بمنزلة المتكلّم الواحد ، نعم يؤخذ بالقدر الجامع المتفق عليه ولا وجه لما قد (٢) يتخيل من الأخذ بالمقيّد في الأعم والأخص المطلقين في نقل اللغة ؛ لأنّه القدر المتيقن ؛ لأنّ كونه قدرا متيقنا في كونه من مصاديق المعنى لا دخل له ببيان المعنى ، وكذا لا وجه لما قد (٣) يتخيل فيهما من الأخذ بالأعم ؛ لأنّه يقتضي الملاحظة أو الاعتبار في المعنى والزائد مدفوع بالأصل ؛ لأنّه أيضا لا يثبت المعنى ، وكذا لا وجه للتفصيل بين أن يكون ذكر الخاص على وجه المطلق المقيد أو على وجه الخصوصيّة ، وأنّه لو قال مثلا الغناء هو الصوت المطرب مع الترجيع ، وقال الآخر الصوت (٤) فيؤخذ بالأعم ؛ لأنّ الأصل عدم اعتبار القيد بعد العلم باعتبار المطلق ، ولو قال الغناء ترجيع الصوت مثلا ، أو قال الصعيد .. التراب فلا يؤخذ بالمطلق ؛ لأنّ الناقل للأخص لم يجعله على وجه المطلق المقيّد حتى ينفى القيد بالأصل ، فإنّ هذا التفصيل إنّما ينفع في بيان الحكم الشرعي فلو قال الإمام عليه‌السلام : أعتق رقبة وشككنا في أنّه قيّده بالمؤمنة أو لا نقول الأصل عدم وجوب القيد.

وأمّا لو علمنا أنّه أوجب عتق رقبة وشككنا في أنّه قال أعتق رقبة أو قال أعتق زيدا مثلا ، فلا يمكن أن يقال الأصل عدم اعتبار خصوصيّة كونه زيدا ؛ لأنّ المطلق لم يعلّق عليه الحكم حتى يقال الأصل عدم وجوب أزيد منه ، فإنّه لو كان الواجب عتق خصوص زيد لا يكون الواجب عتق رقبة هو زيد ، فليس من المطلق المقيّد بخلاف الصورة الأولى.

__________________

(١) في نسخة (ب) : في سائر موارد ، وفي (د) : موارد سائر ...

(٢) لا توجد كلمة «قد» في نسخة (ب).

(٣) لا توجد في نسخة (د) كلمة «قد».

(٤) بعدها في نسخة (ب) و (د) : المطرب.

٣١٩

وأمّا في مقامنا هذا فعلى التقديرين معنى اللفظ أمر خاص سواء قال الصعيد وجه الأرض الذي هو التراب ، أو قال هو التراب ، فلا يكون هناك قدر متيقن حتى (١) في كونه معنى اللفظ حتى ينفى الزائد ، لكن في التكاليف يمكن أن يقال القدر المتيقن من التكليف كذا والزائد كذا ؛ والسر في ذلك أنّ التكليف يقبل الزيادة والنقيصة في مقام الاعتبار والموضوع له ، والمعنى لا يقبل ذلك ، فالقدر المشترك مكلّف به تعينا (٢) ، ولذا لو فرضنا في غير صورة المعارضة أيضا أنّا نعلم (٣) أنّ الواضع قال الصعيد هو وجه الأرض لكن لا نعلم أنّه قيّده أو أطلقه لا نحكم بأنّ المطلق معنى اللفظ وإجراء أصالة عدم ذكر القيد لا ينفع في إثبات المعنى مثل سائر الأصول المتداولة بينهم من أصالة عدم التفات الواضع إلى كذا ، وعدم لحاظ كذا أو نحو ذلك ممّا لا اعتبار به قطعا ؛ لأنّها لا تفيد الظن وليست ممّا يعتبرها العقلاء في أمثال المقام ولا تشملها الأدلّة التعبديّة للأصول ؛ لأنّها مثبتة ، وما يقال من اعتبار الأصول المثبتة في اللغات فالمراد إنّما هو إذا كانت معتبرة من باب الظن.

هذا مع أنّ الأصل التعبدي الشرعي لا يعتبر إذا كان مخالفا للأصول العمليّة في المسألة الفرعيّة ، فالمدار ـ بناء على التعبديّة ـ على الفروع لا المسائل الأصوليّة واللغويّة ، فتدبّر! (٤).

ثمّ الظاهر اختصاص التخيير بالأخبار الظنيّة ففي تعادل المتعارضين من المتواترات (٥) والمحفوف بالقرائن القطعيّة لا يحكم بالتخيير بل يحكم بالإجمال إن لم يكن للجمع الدلالي مجال ، إلا أن يقال : مقتضى القاعدة في تعارض الدلالات التخيير ، وقد عرفت منعه سابقا ، والفرض أخبار التخيير (٦) لا تشملها ؛ إذ الظاهر من

__________________

(١) لا توجد كلمة «حتى» في نسخة (د).

(٢) في نسخة (د) : يقينا ، وجاء بعدها في النسخة (ب) : لكنّ القدر المشترك ليس معنى اللفظ يقينا ...

(٣) في نسخة (د) : أنّا لا نعلم.

(٤) لا توجد كلمة «فتدبر» في نسخة (د).

(٥) في نسخة (ب) : المتواترين.

(٦) في نسخة (د) : أنّ أخبار التخيير.

٣٢٠