كتاب التّعارض

آية الله السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي

كتاب التّعارض

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي


المحقق: الشيخ حلمي عبد الرؤوف السنان
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة انتشارات مدين
المطبعة: الظهور
الطبعة: ١
ISBN: 964-8901-05-8
الصفحات: ٦٢٥

مشكوك مدفوع بالأصل كما قرّرنا (١) على تقدير السببيّة ، وهو لا ينافي القول بالطريقيّة ؛ لأنّ كونه طريقا إلى الواقع لا ينافي كونه سببا وموضوعا لجواز العمل بعد ملاحظة دليل التخيير ؛ فإنّه يكشف عن وجود المقتضي في كل منهما ، فإذا شك في كون الأرجحيّة مانعة عن العمل بالمرجوح دفعاه بالأصل ، وليس هذا تمسكا بإطلاق دليل التخيير ، نعم هو مناف لما قرّرناه سابقا من أنّ مقتضى الأصل ـ بناء على الطريقيّة ـ الأخذ بالأرجح وأنّ في دوران الأمر بين التعيين والتخيير الأصل هو التعيين ، فيكون عدولا عمّا ذكرنا سابقا.

ثمّ قال : ويمكن أن يقال : إنّ أدلة التخيير مع قطع النظر عن إطلاقها إنّما تكشف عن وجود المقتضي في كل من المتعارضين في الجملة ، والقدر المتيقن صورة التساوي وعدم الرجحان ، فيحتمل عدم وجود المقتضي في المرجوح أصلا فلا يمكن أن يتمسك بأصالة عدم المانع ، وهو رجحان الراجح ، فالأصح ما اخترنا سابقا وأنّ قلب الاستدلال قلب فاسد.

وثانيا : بأنّ أصالة عدم المانع أصل مثبت ؛ لأنّ المانع عقلي فلا يترتب عليه موضوع الراجح (٢) حتى يعمل بالقاعدة ، اللهم إلا أن يدعى (٣) كون اعتبارها من باب الظن لا من باب التعبّد كما هو المختار ، فلا ضير في الاعتماد عليها في إثبات وجوب العمل بالراجح (٤) ، انتهى.

أقول : التحقيق في الجواب عن السؤال المذكور بعد كون معنى الطريقيّة على ما ذكرنا سابقا أنّ الشارع أمر بالعمل بها على أنّها مرآة للواقع لا أنّها (٥) موضوع من الموضوعات ؛ لأنّ الشارع لاحظ طريقيّتها وكاشفيّتها عن الواقع فأمر بها لأجل تعلّق

__________________

(١) في نسخة (د) : كما مرّ.

(٢) في (د) : الراجح والمرجوح.

(٣) في نسخة (د) : إلا أن يقال بدعوى كون اعتبارها ...

(٤) جاء بعدها في نسخة (د) : فالأولى الاقتصار على الجواب الأول أعني منع الرجحان مقتضيا لإيجاب العمل بالراجح ...

(٥) في نسخة (د) : لا على أنّها ...

٣٨١

غرضه بإحراز الواقع ؛ إذ (١) لا نسلم وجود المقتضي لإيجاب العمل بالراجح ؛ لأنّ تعلّق الغرض بإدراك الواقع كيف كان ممنوع بل مقطوع العدم ، وإلا لم يكن معنى لجعل الأصول بل والأمارات في حال انفتاح باب العلم بالمقتضي للعمل بالطريق غير معلوم (٢) ، وعلى فرض كون الكاشفيّة والطريقيّة مقتضيا لإيجاب العمل لا نسلم وجوب العمل بالمقتضي مع أنّ الشك (٣) في الجعل لأجل المانع ؛ إذ المقتضي إنّما يكفي في الحكم إذا كان راجعا إلى الاستصحاب بأن يكون المحكم مجعولا وشك في ارتفاعه أو إذا كان هو الدليل أعني العموم والإطلاق وشك في المخصص والمقيد ، وأمّا مجرّد وجود المقتضي لجعل الحكم مع الشك (٤) لأجل الشك في المانع عن الجعل فلا يثمر في ترتيب الأثر ، ألا ترى أنّه لو علمنا أنّ العلم مقتض لإيجاب الإكرام وأنّ زيدا عالم ، لكن لا ندري أنّ الشارع أمر بالإكرام أم لا؟ لاحتمال مانع عن جعل الحكم ، فلا يحكم بوجوب الإكرام ، نعم لو وجب الإكرام وشك في زوال الوجوب أو ذكر عامّا وشك في كونه مخصصا نحكم بالوجوب.

وبالجملة ؛ المقتضي للجعل وإن كان معلوما لا يكفي في الحكم ففي المقام على فرض العلم بأنّ المقتضي لإيجاب العمل بالظن الفلاني هو كونه كاشفا عن الواقع مع الشك في جعله حجّة وعدمه لا يحكم بحجيّته ، كيف؟ ولازم هذا حجيّة كل ظن لأنّ كلّا من أفراده له كاشفيّة (٥) عن الواقع ، والمانع عن جعله مشكوك مدفوع بالأصل ، وهذا ممّا لا يمكن أن يتفوه به.

نعم لو وصل إلينا من الشارع ما دلّ على أنّ كل كاشف حجّة ، وشككنا في خروج بعض الأفراد عن هذا الدليل تمسكنا بالمقتضي أي العموم ، ولذا تمسكنا في مسألة المتزاحمين بإطلاق الدليل ، لا بمجرّد المقتضي لإيجاب كل واحد منهما.

ومن ذلك يظهر أنّ ما سلّمه ذلك الفاضل من أنّه على تقدير كون المقتضي

__________________

(١) في نسخة (د) : إنا لا نسلم.

(٢) هكذا في النسخ.

(٣) في نسخة (د) : مع الشكّ.

(٤) في نسخة (د) : مع الشك فيه.

(٥) في نسخة (د) : له كاشفيّة له.

٣٨٢

للإيجاب هو الراجحيّة يجب العمل ، وأنّ أصالة عدم المانع جارية ؛ لأنّها معتبرة من باب الظن في غير محلّه ، مع أنّ الظن غير حاصل ولو نوعا بعدم المانع ، كما لا يخفى ولو قال إنّ أصالة عدم المانع معتبرة من باب بناء العقلاء وإن لم يفد الظن كان أولى وإن كان ممنوعا أيضا ؛ لأنّا نمنع بنائهم على جريانها مع عدم رجوعها إلى الاستصحاب ، ألا ترى أنّه لو علم العبد بوجود ضيف للمولى وأنّه مقتض لأمره بشراء اللحم إلا أن يمنعه مانع .. لا يجوز له أخذ اللحم وشراءه بمجرّد ذلك والبناء على عدم المانع.

والحاصل : أنّ العقلاء لا يثبتون الجعل والأمر بأصالة عدم المانع ، ثمّ على تقدير كفاية المقتضي للجعل نقول : إنّ القلب في محلّه لأنّ المقتضي لكل من المتعارضين وإن لم يعلم من أدلّة التخيير إلا في الجملة على ما ذكره إلا أنّ المقتضى لكلّ منهما معلوم من حيث هو ؛ إذ لا مانع من جعلهما إلا التعارض ، فإذا شككنا في كونه مانعا فالأصل عدمه ، فيكون كلّ منهما مجعولا ؛ إذ نحن نعلم أنّه لو لا التعارض لجعل الشارع كلّا منهما ، فالمقتضي للعمل بالمرجوح موجود والمانع وهو اعتبار الرجحان في الراجح مشكوك والأصل عدمه.

ثمّ إنّ ما ذكره من أنّ المقتضى هو احتمال الإصابة لا نفس الإصابة وإلا لزم التناقض .. فيه : إنّه على تقدير كون المقتضي هو احتمال الإصابة أيضا (١) إذا كان أحدهما آكد في هذا الاحتمال وجب الأخذ به كما إذا كان المقتضي هو كاشفيّته ؛ إذ لو كان الكشف في أحدهما أكثر وجب الأخذ به ، فالأولى أن يقول لا نسلّم تعلق الغرض بإدراك الواجب حتى يجب الأخذ بما هو أقرب إليه ، ولعلّ مراده هذا وإن كانت العبارة قاصرة.

ثمّ إنّ السائل لم يجعل المقتضي نفس الإصابة حتى يلزم التناقض ، وكيف يعقل كون نفس الإصابة بهذا المعنى مقتضيا ، بل جعل المقتضي الطريقيّة والكاشفيّة ، ومعه لا يلزم التناقض كما لا يخفى.

فالتحقيق أنّ السائل يحتمل أنّ مقتضى كون الخبر ـ مثلا ـ معتبرا من باب الطريقيّة

__________________

(١) لا توجد كلمة «أيضا» في نسخة (د).

٣٨٣

الصرفة أن يكون الغرض متعلقا بإدراك الواقع ، ومعه فيجب الأخذ بالأرجح إلا لمانع وقد عرفت أنّ لازم الطريقيّة ليس ذلك ، فإنّ معنى الطريقيّة أنّه أمر بسلوكه على وجه الطريقيّة والمرآتيّة لا أنّه أمر به ؛ لأنّه كاشف عن الواقع حتى يكون المعتبر حيثيّة كشفه الذي لازمه وجوب العمل بكل ما هو كاشف ، وتقديم ما هو أكثر كشفا في مقام المعارضة ، فليس لازم الطريقيّة تعلّق الغرض بإدراك الواقع ، وكيف كان ؛ فلعلّ المقتضي للعمل به على وجه الطريقيّة دون الموضوعيّة شيء آخر غير كشفه أو هو وشيء آخر فتحقق المقتضي ممنوع.

نعم لا يمكن جعل شيء على وجه الطريقيّة إلا إذا كان له جهة كشف ، وأمّا أنّ ذلك هو المقتضي فغير معلوم.

ومن ذلك يظهر أنّه لا وجه لجعل المقتضي لإيجاب العمل هو احتمال الإصابة فإنّه لا يفيد في كون الشيء مجعولا على وجه الطريقيّة ، اللهم إلا أن يمنع وجوب كون الطريق التعبدي كاشفا في حدّ نفسه ولو نوعا أنّه (١) يمكن جعل الشك وما لا يفيد أزيد منه أيضا طريقا تعبديا ، فتدبر.

هذا ويمكن أنّ تقرير (٢) هذا الدليل على وجه يكون دليلا على المختار من الترجيح بكل ما يوجب قوة أحد الدليلين في طريقيّته ، لا بكل مزيّة بأن يقال :

مقتضى جعل الشيء طريقا وإن لم يكن تعلّق الغرض بإدراك الواقع حسبما مرّ إلا أنّ من المعلوم أنّ طريقيّته النوعيّة وكاشفيّته مناط للجعل ، لا بمعنى أنّ الملحوظ في الجعل هو هذه الحيثية فقط ، ليكون اللازم منه حجيّة كل ما يكون كاشفا نوعا بهذا المقدار بل بمعنى أنّ طريقيّته النوعيّة وكاشفيّته (٣) دخيلة في حجيته ، وإذا كان المفروض أنّ كلا من الدليلين واجد لهذا المناط كما هو الظاهر من دليل الجعل من حيث هو فإذا كان أحدهما مقرونا بما يوجب قوة هذا المناط ، فيكون أرجح في مقام الأخذ والحجيّة الفعليّة ، ويقبح من الجاعل التسوية بينه وبين المرجوح ، وذلك كما

__________________

(١) في نسخة (د) : وأنّه.

(٢) في نسخة (د) : أن يقرر.

(٣) لا توجد كلمة «وكاشفيته» في نسخة (د).

٣٨٤

إذا علمنا أنّ مناط وجوب إكرام الطائفة الفلانيّة علمهم ، فإذا تعارض فردان وكان أحدهما أعلم وجب اختياره كما في الواجبين المتزاحمين إذا كان أحدهما آكد في الوجوب ، لكنّ هذا مبني على معلوميّة كون الطريقيّة (١) مناطا في الجعل أو دخيلة فيه مع العلم بعدم وجود حيثيّة الآخر (٢) مزاحمة لهذا الرجحان ، كما إذا علم تساوي الدليلين في جميع الجهات إلا من هذه الحيثيّة الخاصة مثلا خصوصا إذا كانت تلك الحيثيّة مذكورة في لسان دليل الاعتبار ، كما إذا قال أعمل بخبر العادل دون الفاسق فإنّه يعلم منه أنّ العدالة مناط أو قال أعمل بخبر الضابط دون غيره فإنّه يعلم أنّ الضبط مناط فمع كون أحدهما أعدل أو أضبط يقبح التسوية بينهما بل يمكن أن يقال يقبح الحكم بطرحها أيضا ، فتأمّل.

السادس : [بناء العقلاء ؛ وقد عرفت أنّه يوافق المختار] بناء العقلاء ؛ وقد عرفت أنّه يوافق المختار ولم يعلم بنائهم على العمل بكل مزيّة.

وأورد عليه بعض الأفاضل بمنع صغرى وكبرى هذا الدليل.

وأنت خبير بما فيه ؛ إذ تحقق بنائهم (ممّا) (٣) لا يعتريه ريب كما أنّ حجيّته كذلك ومن العجب أنّه يمنع من حجية بناء العقلاء مع أنّه يقول بحجيّة أصل عدم المانع وإن لم يكن راجعا إلى الاستصحاب من باب بناء العقلاء ، فتدبّر.

السابع : [الأخبار ؛ وهي أخص من المدعى] الأخبار ؛ وهي أخص من المدعى خصوصا إن لم نفهم منها التعدي عن المنصوصات بل سيأتي أنّها توافق المختار من حيث إنّ المفهوم منها العمل بكل ما يوجب قوّة أحد الخبرين في الطريقيّة لا بكل مزيّة توجب الأقربيّة إلى الواقع أو لا توجب أيضا ، واستدلّ أيضا بوجوه أخر ضعيفة :

منها : التقرير لما روي أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قرّر معاذا في ترتيب الأدلة وتقديم بعضها على بعض حين بعثه قاضيا إلى اليمن ، حكي الاستدلال به عن العلّامة في النهاية ، وفيه أولا : أنّه غير ثابت بل عن شرح الوافية للسيد الصدر أنّه حكى عنه أنّه قال :

__________________

(١) جاء في نسخة (د) : كون الطريقيّة النوعيّة مناطا ...

(٢) في نسخة (د) : في الأخرى.

(٣) أضيفت من النسخة (د).

٣٨٥

لا .. أكتب إليّ أكتب إليك (١).

وثانيا : يمكن أن يكون فعل معاذ الترتيب والتقديم في الجمع الدلالي ، ويمكن أن يكون بتقديم ما هو حجّة لواجديّته لشرائط الحجيّة على ما ليس بواجد لها وبالجملة ؛ فعل مجمل (٢) فلا ينفعه التقرير.

ومنها : قوله تعالى (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ)(٣) ، وقوله تعالى (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)(٤) ، وقوله تعالى (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ)(٥) وقوله تعالى (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى)(٦) .. إلى غير ذلك من الآيات ؛ فإنّها تدلّ على تقديم خبر العادل على الفاسق ، وإن كان موثقا والمؤمن على غيره ، والمجتهد الفقيه على العامي .. ونحو ذلك.

والجواب : إنّ هذه الآيات ظاهرة في عدم جواز الركون إلى هؤلاء أصلا ولو في غير صورة المعارضة ، مع إمكان إرادة نفي الاستواء في الدرجات الأخرويّة لا فيما يتعلق بمقامنا كما هو واضح في غير الآية الأخيرة ، فتدبّر.

__________________

(١) حكى الاستدلال وجوابه الميرزا الرشتي في بدائع الأفكار : ص ٤٣٣.

(٢) في نسخة (د) : فعله.

(٣) السجدة : ١٨.

(٤) الزمر : ٩.

(٥) الأنعام : ٥٠.

(٦) يونس : ٣٥.

٣٨٦

المقام الثاني (١)

الأخبار الدالة على الترجيحات والمرجحات (٢) المنصوصة :

وهي كثيرة قريبة من التواتر بل متواترة في الجملة :

[مقبولة عمر بن حنظلة]

أحدها (٣) : مقبولة عمر بن حنظلة (٤) وهي مشتملة على جلّ الترجيحات والمرجحات المنصوصة ..

منها : صفات الراوي من الأعدليّة والأفقهيّة والأصدقيّة والأورعيّة وظاهرها اجتماعها في الرواية الواحدة ، إلّا أنّه يمكن أن يقال بكفاية كلّ واحدة ؛ لأنّ المعلوم من الخارج حسبما سيأتي أنّ الغرض تعداد المرجحات ، فتكون الواو بمعنى أو خصوصا بملاحظة قوله ـ بعد ذلك ـ : لا يفضل واحد منها على الآخر ، حيث إنّه يستفاد منه أنّ الراوي فهم أنّ الغرض مجرّد زيادة أحد الخبرين على الآخر ويؤيده أنّ الراوي قال إنّهما معا عدلان مرضيّان عند أصحابنا حيث اقتصر على ذكر العدالة فقط ، بعد كون المرضي بمعنى العدل ، ولم يذكر البقيّة.

وبالجملة ؛ ؛ الإنصاف أنّه يستفاد منه (كفاية) (٥) كلّ واحد من الأوصاف المذكورة ومنها : الشهرة بين الأصحاب ؛ والظاهر عدم اعتبار كون الشهرة بين الجميع فيكفي نقل المشهور لها ، فالمراد بالمجمع عليه العرفي دون الحقيقي على ما سيأتي.

ومنها : الموافقة للكتاب والسنّة مع المخالفة للعامّة ، والظاهر اعتبار الاجتماع هنا وإن احتمل في الوافية كون الواو في هذا المقام أيضا بمعنى أو ؛ لأنّه يبعده كما اعترف به ذكر الموافقة للعامة فقط بعد هذه الفقرة ، والمراد من الموافقة للكتاب الموافقة لعموماته وإطلاقاته ، وكذا السنّة ، وبمخالفة العامّة مخالفتهم في الجملة لا

__________________

(١) هذا هو المقام الثاني من المقام الثالث وهو الترجيح.

(٢) في نسخة (د) : وبيان.

(٣) في نسخة الأصل : منها. ولكنّنا كتبنا لفظ العدد لتناسب ما بعدها.

(٤) رواها المشايخ الثلاثة ؛ ففي الكافي : ١ / ٦٧ و ٦٨ ، حديث ١٠ ، التهذيب : ٦ / ٣٠١ و ٣٠٢ حديث ٨٤٥ ، الفقيه : ٣ / ٨ ـ ١١ حديث ٣٢٣٣.

(٥) أثبتناها من نسخة (د).

٣٨٧

مخالفة جميعهم ، وإن كان ذلك مقتضى لفظ الجمع المحلّى باللام ، فلو خالف واحدا منهم كفى بشرط سكوت البقيّة.

ومنها : مخالفة العامّة بالمعنى المذكور.

ومنها : مخالفة ميل حكّامهم وقضاتهم إذا كان الخبران موافقين لهم ، والمراد أنّه مع وجود القولين فيهم يؤخذ بالخبر الذي يخالف القول الذي هم أميل إليه (١) بمعنى أنّ القائل به أكثر وأنّه إذا كان كذلك فيلاحظ ميل القضاة والحكّام دون فتاوى سائر المفتين منهم ، فالمدار في الترجيح حينئذ على قول القضاة ، وإن كانوا أقلّ من البقيّة ؛ لأنّ التقيّة منهم غالبا ، وهذا أظهر.

[مرفوعة زرارة]

الثاني : مرفوعة العلّامة عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام التي نقلها عنه محمد بن إبراهيم بن أبي جمهور الأحسائي (٢) أيضا (٣) مشتملة على جملة من التراجيح :

منها : الشهرة.

ومنها : الأعدلية والأوثقيّة معا ، أو كلّ واحدة بناء على كون الواو بمعنى أو ، ويحتمل كون الأوثقيّة فيها بمعنى الأعدليّة بأن يكون العطف تفسيريا.

ومنها : مخالفة العامّة وكون المراد مخالفتهم في الجملة لا مخالفة جميعهم هاهنا أظهر.

ومنها : الموافقة للاحتياط بناء على كون المراد الترجيح به كما هو الظاهر ، لا الرجوع إليه.

[رواية الاحتجاج]

الثالث : رواية الاحتجاج (٤) عن الحسن بن الجهم عن الرضا عليه‌السلام قال : قلت له يجيئنا الأحاديث عنكم مختلفة قال عليه‌السلام : «ما جاءك عنّا فاعرضه على كتاب الله عزوجل وأحاديثنا فإن كان يشبهها فهو منّا ، وإن لم يشبهها فليس منّا» ، فقلت : يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين فلا يعلم أيّهما الحق؟ فقال عليه‌السلام : «إذا لم تعلم فموسع عليك بأيّهما أخذت».

__________________

(١) في نسخة (د) : هم إليه أميل.

(٢) غوالي اللئالي : ٤ / ١٣٣ ، المستدرك : ١٧ / ٣٠٣.

(٣) في نسخة (د) : وهي أيضا.

(٤) الاحتجاج : ٣٥٧.

٣٨٨

والمستفاد منها الترجيح بمشابهة الكتاب والأحاديث المعلومة عنهم عليهم‌السلام والظاهر كفاية كلّ واحد ، والمراد من المشابهة للكتاب الموافقة له ، ومن المشابهة للأحاديث ذلك أيضا ، أو كون البيان فيها على نحو البيان من عدم إعمال الاستحسان والقياس .. ونحوهما.

[رواية العيون وما في رسالة القطب]

الرابع : ما رواه في العيون (١) عن الرضا عليه‌السلام ، وفيه أنّه قال (عليه‌السلام) (٢) : «فما ورد عليكم من خبرين مختلفين فاعرضوهما على كتاب الله ، فما كان في كتاب الله موجودا حلالا أو حراما فاتبعوا ما وافق الكتاب ، وما لم يكن في الكتاب فاعرضوه على سنن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فما كان في السّنّة موجودا منهيّا عنه نهي حرام أو مأمورا به عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر إلزام فاتّبعوا ما وافق نهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمره ، وما كان في السنة نهي إعافة أو كراهة ، ثمّ كان الخبر على خلافه فذلك رخصة فيما عافه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أو كرهه ولم يحرمه ، فذلك الذي يسع الأخذ بها جميعا ..» إلى آخره.

والمستفاد منه الترجيح بموافقة الكتاب مطلقا ، وبموافقة السنّة في الإلزاميّات فقط.

الخامس : ما من رسالة القطب الراوندي (٣) بسنده الصحيح عن الصادق عليه‌السلام : «إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله ، فما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالف كتاب الله فذروه ، وإن لم تجدوه في كتاب الله فاعرضوهما على أخبار العامّة ، فما وافق أخبارهم فذروه وما خالف أخبارهم فخذوه».

والمذكور فيها الترجيح بموافقة الكتاب وبمخالفة أخبار العامّة ، والظاهر أنّ المراد مجرّد موافقة أخبارهم ومخالفتها ، وإن شك في عملهم بها أو وإن علم عدم عملهم بها ، والمراد الموافقة لها صريحا ، ويحتمل الأعم منها ومن الموافقة لعمومات أخبارهم كما في موافقة الكتاب.

السادس : موثقة ابن أبي يعفور (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن اختلاف الحديث

__________________

(١) عيون أخبار الرضا : ٢ / ٢١ ، وسائل الشيعة : ٢٧ / باب ٩ حديث ٢١.

(٢) أثبتناها من نسخة (د).

(٣) الرسالة ليست موجودة ، ولكنّ الرواية في وسائل الشيعة : ٢٧ / باب ٩ حديث ٢٩.

(٤) الكافي : ١ / ٥٥ حديث ٢ ، وسائل الشيعة : ٢٧ / باب ٩ من صفات القاضي ، حديث ١١.

٣٨٩

يرويه من يثق ومن لا يثق به قال : «إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهدا من كتاب الله أو من قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وإلا فالذي جاءكم أولى به» ، وليس المراد من قوله من لا يثق به .. من لا يكون خبره معتبرا ، وإلا لم يكن للسؤال وقع ، وكان المناسب الجواب بأخذ الخبر الذي يرويه الثقة دون غيره ، فالمراد من لا يثق بدينه وإن كان موثوقا به في نقله ، والمراد من الشاهد من كتاب الله أو من قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الشاهد ولو بالعموم أو الإطلاق أو الفحوى.

[رواية البحار وما في رسالة القطب]

السابع : ما عن البحار (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا حدثتم عنّي الحديث فانحلوا في أهنأه وأسهله وأرشده ، وإن وافق كتاب الله فأنا قلته وإن لم يوافق كتاب الله فلم أقله» ولفظة «في» يحتمل أن يكون في بالتخفيف وبالتشديد على أنّه يكون جارا ومجرورا والمراد من قوله «فانحلوا .. إلى آخره» اقبلوا ما هو أهنأ وأسهل وأقرب إلى الرشاد يعني خذوا بما هو أظهر وهذا أسهل (٢) ؛ لأنّ شريعتي سمحة سهلة ، وبما هو أقرب إلى الهداية والرشاد ؛ لأني أهديكم إلى سبيل الرشاد فيكون المستفاد منه مرجّحات ثلاثة : الأسهليّة والأرشديّة والموافقة للكتاب.

وقال في الفصول (٣) : الأظهر أنّ الأهنأ والأسهل والأرشد عبارة عن الكتاب ، بقرينة قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله «وإن وافق كتاب الله» فالمعنى انسبوا إليّ ما كان في الكتاب الذي هو أهنأ وأسهل وأرشد من الحديث ، فإن وافقه فأنا قلته وإن لم يوافقه فلم أقله ، وعلى هذا فلا يستفاد منه إلا الترجيح بموافقة الكتاب.

الثامن : ما عن رسالة القطب (٤) أيضا بسنده عن الحسين السري قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فخذوا بما خالف القوم».

التاسع : ما بسنده أيضا (٥) عن الحسن بن الجهم في حديث .. قلت له ـ يعني العبد الصالح عليه‌السلام ـ هل يسعنا فيما يرد علينا منكم إلا التسليم لكم؟ قال : «لا والله لا

__________________

(١) بحار الأنوار : ٢ / ٢٤٢ ، عن المحاسن : ١ / ٢٢١.

(٢) في نسخة (د) : خذوا بما هو السهل.

(٣) الفصول الغرويّة : ٤٢٣.

(٤) عنه وسائل الشيعة : ٢٧ / باب ٩ من أبواب صفات القاضي ـ حديث ٣٠.

(٥) وعنه وسائل الشيعة : ٢٧ / الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ـ ٣١.

٣٩٠

يسعكم إلا التسليم لنا» ، قلت فيروى عن أبي عبد الله عليه‌السلام شيء ويروى عنه أيضا خلاف ذلك فبأيّهما نأخذ؟ قال : «خذ بما خالف القوم وما وافق القوم فاجتنبه».

العاشر : ما بسنده (١) عن محمد بن أبي عبد الله قال : قلت للرضا عليه‌السلام : كيف نصنع بالخبرين المختلفين قال : «إذا ورد عليكم خبران مختلفان فانظروا ما خالف منهما العامّة فخذوه وانظروا ما يوافق أخبارهم فذروه».

الحادي عشر : ما رواه الشيخ (٢) في باب الخلع عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «ما سمعتم مني يشبه قول الناس فلا تقيّة فيه» ، والمراد من المشابهة المشابهة لقواعدهم أو المشابهة لأقوالهم في كيفيّة البيان من تعليل الحكم بالاستحسان .. ونحوه ، أو المراد الموافقة لفتاويهم ، فيكون كسائر الأخبار ، وهذا الخبر وإن لم يكن في الخبرين المتعارضين إلا أنّ القدر المتيقّن منه ذلك ، وإلا فلا يطرح الخبر بلا معارض بمجرّد مشابهته لأقوال العامّة.

[رواية سماعة في الاحتجاج وراوية الكافي]

الثاني عشر : ما عن الاحتجاج (٣) عن سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت يرد علينا حديثان واحد يأمرنا بالأخذ به والآخر ينهانا عنه قال : «لا تعمل بواحد منهما حتى تأتي صاحبك فتسأله عنه» ، قال : قلت : لا بدّ أن يعمل بأحدهما؟ قال : «خذ بما فيه خلاف العامّة».

الثالث عشر : ما عن الكافي (٤) بسنده عن المعلّى بن خنيس قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إذا جاء حديث عن أولكم وحديث عن آخركم فبأيّهما نأخذ؟ قال : «خذوا به حتى يبلغكم عن الحي فإن بلغكم عن الحي فخذوا بقوله» قال : ثمّ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إنّا والله لا ندخلكم إلا فيما يسعكم» ، والمذكور فيه الترجيح بالأحدثيّة إذا كان الثاني عن إمام آخر غير الأول.

__________________

(١) وعنه وسائل الشيعة : ٢٧ / الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ـ ٣٤. وفيه محمد بن عبد الله.

(٢) التهذيب : ٨ / ٩٨ ، عنه وسائل الشيعة : ٢٧ / الباب ٩ حديث ٤٦.

(٣) الاحتجاج : ٢ / ١٠٩ ، وسائل الشيعة : ٢٧ / باب ٩ حديث ٤٢.

(٤) الكافي : ١ / ٦٧ ، وسائل الشيعة : ٢٧ / باب ٩ حديث ٨.

٣٩١

[بقيّة روايات الكافي]

الرابع عشر : ما عنه أيضا (١) بسنده عن الحسين بن المختار عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «أرأيت لو حدّثتك بحديث العام ثم جئتني من قابل فحدثتك بخلافه بأيّهما كنت تأخذ؟» قال : قلت آخذ بالأخير ، قال فقال لي عليه‌السلام : «رحمك الله».

الخامس عشر : ما بسنده ـ الصحيح ظاهرا ـ عن أبي عمرو الكناني (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «يا أبا عمر أرأيت لو حدثتك بحديث أو أفتيتك بفتيا ثمّ جئت بعد ذلك تسألني عنه فأخبرتك بخلاف ما كنت أخبرتك أو أفتيك بخلاف ذلك بأيّهما تأخذ؟» ، قلت بأحدثهما وأدع الآخر ، قال : «قد أصبت يا أبا عمرو .. أبى الله إلا أن يعبد سرا .. ألا والله لأن فعلتم ذلك إنّه لخير لي ولكم ، أبى الله لنا في دينه إلا التقيّة».

السادس عشر : ما عن الكافي (٣) بعد نقل خبر المعلى ، وفي حديث آخر : «خذوا بالأحدث» ، ويستفاد من هذه الأخبار الترجيح بالأحدثيّة وإن كان من إمام واحد ، ويستفاد من الثاني أنّ السرّ في ذلك التقيّة ، وأنّ التقيّة في الثاني ، فعلى هذا لا ينفع في زماننا ممّا لا تقيّة فيه ، ويحتمل أن يكون السرّ فيه كون الثاني ناسخا للأول بمعنى كشفه عن النسخ ، ويؤيده الخبر الآتي ، والأظهر هو الاحتمال الأول.

السابع عشر : ما بسنده الموثّق (٤) عن محمد بن مسلم قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ما بال أقوام يروون عن فلان [وفلان] عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يتهمون بالكذب فيجيء منكم خلافه؟ قال : «إنّ الحديث ينسخ كما ينسخ القرآن» ، ويستفاد من هذا الخبر الأخذ بالأخير من باب النسخ ، وقريب منه :

الثامن عشر : وهو حسنة منصور بن حازم (٥) وفي آخرها : «أما تعلم أنّ الرجل كان يأتي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيسأله عن المسألة فيجيبه فيها بالجواب ثمّ يجيئه بعد ذلك ما

__________________

(١) الكافي : ١ / ٦٧ ، وسائل الشيعة : ٢٧ / باب ٩ حديث ٧.

(٢) الكافي : ٢ / ١٧٣ حديث ٧ ، عنه وسائل الشيعة : ٢٧ / باب ٩ من أبواب صفات القاضي ، حديث ١٧.

(٣) الكافي : ١ / ٥٣ آخر حديث ٩.

(٤) الكافي : ١ / ٦٤ وفي طبعة أخرى : ص ٥٢ ، وسائل الشيعة : ٢٧ / الباب ٩ حديث ٤.

(٥) الكافي : ١ / ٦٥ حديث ٣ ، وسائل الشيعة : ٢٧ / الباب ١٤ من أبواب صفات القاضي ، حديث ٣.

٣٩٢

ينسخ ذلك الجواب فنسخت الأحاديث بعضها ببعض».

لكنّ المعتبر في هذين الخبرين كون أحد الخبرين منقولا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمّا إذا كان كلاهما عن الائمة خصوصا عن إمام واحد من غير إسناده إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فلا يستفاد منهما الأخذ بالثاني من جهة النسخ ، فتأمّل (١).

هذا وفي الرسالة (٢) نقل روايتين أخريين :

إحداهما : الحسن عن أبي حيون (٣) مولى الرضا عليه‌السلام : «إنّ في أخبارنا محكما كمحكم القرآن ومتشابها كمتشابه القرآن ، فردّوا متشابهها إلى محكمها ، ولا تتبعوا متشابهها دون محكمها فتضلّوا».

الثانية : ما عن معاني الأخبار (٤) عن داود بن فرقد عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلامنا إنّ الكلمة لتنصرف على وجوه فلو شاء إنسان لصرف كلامه كيف شاء ولا يكذب».

وهاتان الروايتان ـ كما ترى ـ لا دخل لهما بالمقام (٥) ، بل بالجمع الدلالي ، فالأنسب ذكرهما عند البحث عن قاعدة الجمع ، فإنّه يستفاد منهما أنّه بمجرّد المعارضة لا ينبغي طرح الخبر بل لا بدّ من إرجاع أحدهما إلى الآخر ، وفي الوافية نقل عن الصدوق في كتاب الاعتقادات أنّه قال (٦) : اعتقادنا في الحديث المفسّر أنّه يحكم على المجمل كما قال الصادق عليه‌السلام ، قال (٧) : وراعى هذه القاعدة في كتاب من

__________________

(١) في نسخة (د) : فتدبر. أقول : ولعل وجه التأمل أنّ وجه الأخذ بالثاني قد يكون بعنوان كونه مخصصا للأول كما هو الغالب ، خصوصا من التوجه إلى أنّ النسخ قد يقال باختصاصه بما ورد عن النبي ليس إلا.

(٢) فرائد الأصول : ٤ / ٦٧.

(٣) عيون أخبار الرضا : ١ / ٢٩٠ ، والوسائل : ٢٧ / باب ٩ من أبواب صفات القاضي ، حديث ٢٢ ، وسندها في المصدر هكذا : وعن أبيه ـ والد الشيخ الصدوق ـ عن علي بن ابراهيم عن أبيه عن أبي حيون مولى الرضا عن الرضا عليه‌السلام.

(٤) معاني الأخبار : ١ ، والوسائل : ٢٧ / باب ٩ من أبواب صفات القاضي ، حديث ٢٧.

(٥) في نسخة الأصل : بالعلم. والصواب ما أثبتناه من نسخة (د).

(٦) اعتقادات الشيخ الصدوق : ١٠٨ ، عنه وسائل الشيعة : ٢٧ / باب ٩ من أبواب صفات القاضي ، رقم ٢٨.

(٧) القائل هو صاحب الوافية : ٣٣١ ـ ٣٣٢.

٣٩٣

لا يحضره الفقيه في الجمع بين الأخبار ، والظاهر أنّه أراد بالمفسّر المخصص والمقيّد والمبين والمفصل ونحوها ، وبالمجمل خلافها ، وهذه المرسلة أيضا لا دخل لها بمقامنا ، فلا ينبغي عدّها في أخبار التراجيح في المقام أيضا.

نعم يمكن أن يؤيد الأخبار الدالة على وجوب الأخذ بموافقة الكتاب وطرح المخالف بما دلّ من الأخبار الكثيرة على أنّ الخبر المخالف للكتاب باطل وزخرف (١) وأنّه يضرب على (٢) عرض الجدار (٣) ؛ فإنّها لعمومها شاملة للمقام ، هذا ما وقفنا عليه من الأخبار الدالّة على وجوب الترجيح.

وادّعى بعض الأفاضل ورود روايات كثيرة دالّة على وجوب الأخذ بما وافق ما علم من أحاديث الإماميّة ، ونقل عن الفاضل الجزائري (٤) أنّه عمل في هذا الباب رسالة مبسوطة غاية البسط ، فعلى هذا يكون من المرجّحات المنصوصة موافقة الأخبار المعلومة ، ويمكن استفادتهما من بعض الأخبار السابقة حسبما أشرنا إليه.

ثمّ إنهم أوردوا على التمسك بهذه الروايات إيرادات بعضها عامّة وبعضها خاصة ببعضها ، وبعضها في الحقيقة إيراد على بعض المرجّحات المذكورة ، وأنّه لا يصلح مرجحا ، ومن هذه الجهة طرحوا الأخبار ، فمنهم من بنى على العمل بمطلق الظن في مقام الترجيح وجعله بمقتضى القاعدة ، ومنهم من حكم بالتخيير مطلقا ، والسيد الشارح للوافية ـ بعد إيراد بعض هذه الإشكالات ـ حمل الترجيحات المذكورة في الأخبار على الاستحباب.

وقد يقال : إنّ هذه الإشكالات منشأ عدم ذكر القدماء لهذه الأخبار والاعتماد عليها في الترجيح ، وتمسكهم في وجوبه بأدلّة أخرى حسبما مرّت سابقا ، وكيف كان ؛ فنحن نشير إلى تلك الإشكالات ونجيب عنها حسب المقدور ، فنقول :

من الاشكالات العامة : [الموردة على روايات الترجيح] أنّ هذه الأخبار كلّها ضعيفة السند عدا واحد منها ممّا دلّ على الأخذ بالأحدث ، هذا مع أنّ المسألة أصوليّة ، ويعتبر فيها العلم ، ولا يكفي

__________________

(١) الكافي : ١ / ٥٥ ، وسائل الشيعة : ٢٧ / باب ٩ من أبواب صفات القاضي ، حديث ١٢ ـ ١٤.

(٢) لا توجد كلمة «على» في نسخة (د).

(٣) مجمع البيان : ١ / ٢٧.

(٤) حكاها عنه السيد المجاهد في مفاتيح الأصول وكذا الميرزا الرشتي في بدائعه.

٣٩٤

الخبر الواحد ، ولو كان صحيح السند بل بلوغها حدّ التواتر المعنوي لا ينفع بعد كون القدر المعلوم واحدا منها معينا في الواقع غير معين عندنا ؛ إذ معه لا يجوز الأخذ بشيء منها معيّنا ولا غير معيّن ، فإنّ مجرّد العلم باعتبار مرجّح بين عشرة مثلا لا يقتضي التخيير بينها (١) مع إنّه لا معنى له في المقام كما لا يخفى.

والجواب : أمّا عن ضعف سندها ؛ فبأنّ ذلك مسلّم إلّا أنّ المقبولة من بينها معتبرة وكافية لنا وحدها ، فكيف مع تأيدها بسائرها ، وذلك لأنّه ليس في سندها من يطعن فيه إلا داود بن فرقد وعمر بن حنظلة ، والأول قد وثقه النجاشي فقال : إنّه ثقة (٢) ، ولعلّه لهذا عدّها في الوافية من الصحيح عن عمر بن حنظلة (٣) ، نعم عن الشيخ أنّه قال : ثقة أفطحي (٤) ، فعلى هذا يكون من الموثق إلى عمر ، ولعلّه إلى هذا نظر المجلسي حيث إنّه حكم بكونها موثّقا على ما حكي عنه (٥) ، وقد بيّن في محلّة أنّ قول النجاشي مقدّم على قول الشيخ ؛ لأنّه أعرف بالرجال وأخبر ، إلا أن يقال إنّ الجارح مقدّم على المعدّل ، وعلى فرض تقديم قول الشيخ أيضا لما ذكر لا يضرّ ؛ إذ يكفي كونه موثقا.

وأمّا عمر بن حنظلة فلم يرد فيه توثيق ، نعم عن الشهيد الثاني في مواقيت الصلاة أنّه نقل عنه حديثا ، وقال : إنّه يستفاد منه كونه موثقا ، واستشكل في الاستفادة سبطه الشيخ محمد قال (٦) : إنّي كلّما أتأمّل في هذا الحديث لا يتبيّن وثاقة عمر بن حنظلة كما استفاده جدّي (٧).

__________________

(١) في نسخة (د) : بينهما.

(٢) ذكر توثيقه السيد الخوئي في معجمه ـ ٨ / ١١٩ ـ قال : كوفي ثقة.

(٣) الوافية : ٣٢٧.

(٤) كتاب الرجال للشيخ الطوسي : ٢٥١ برقم ٤٥١.

(٥) لم نعثر على كلام له يتعلق بالرجل ، نعم عن والده في روضة المتقين ـ ٦ / ٢٧ ـ أنّه وصفه ـ بالقوي ـ.

(٦) استقصاء الاعتبار في شرح الإستبصار : ٢ / ٦٢ ، ٤ / ٢٩٣.

(٧) قال السيد الخوئي قدس‌سره في مباني تكملة المنهاج : إنّ عمر بن حنظلة لم يثبت توثيقه وما ورد من الرواية في توثيقه ـ يقصد بها الرواية التي استفاد منها الشهيد وثاقته ـ لم تثبت ، فإنّ راويها هو يزيد بن خليفة ولم تثبت وثاقته ، وقال سبط الشهيد عن يزيد هذا بأنّه قيل عنه أنّه واقفي ومع هذا هو غير موثق ولا فيه مدح.

٣٩٥

وكيف كان نقول ـ مع قطع النظر عمّا ذكر ـ إنّ هذه الرواية ممّا نقلها المشايخ الثلاثة وهذا يدل على اعتبارها مضافا إلى أنّها معمول بها بين الأصحاب حتى سمّيت بالمقبولة.

ودعوى أنّ القدماء لم يعملوا بها في الرجوع إلى المرجّحات المذكورة بل استدلوا على وجوب الترجيح بوجوه أخر مدفوعة بمنع ذلك ، نعم المتأخرون مثل المحقق والعلامة .. ونحوهما ذكروا هذه الوجوه ، وأمّا القدماء فيمكن أن يكون نظرهم إلى المقبولة ، بل هو الظاهر ؛ لعدم تعويلهم على الوجوه الضعيفة المذكورة في كتب العامّة ، مع أنّ عملهم بها في غير المرجّحات من الأحكام التي اشتملت عليها مثل حرمة الترافع إلى قضاة الجور ووجوب إمضاء حكم الحاكم ، وعدم الردّ عليه .. ونحو ذلك يكفي في جبرها كما لا يخفى.

وبالجملة ؛ ؛ فالإنصاف أنّه لا ينبغي الإشكال في اعتبار المقبولة مع أنّ الأخبار المذكورة بعضها يؤيد بعضا في المرجّحات التي هي مشتركة بينها مثل موافقة الكتاب ومخالفة العامّة ، بل الأخبار الدالّة عليها يمكن دعوى قطعيتها.

[و] أمّا عن كون المسألة أصوليّة فبعدم الفرق عندنا في حجيّة الخبر الواحد بين الأصول والفروع وإن أسند إلى الأكثر الفرق ، مع إمكان منعه أيضا بأنّ المراد من الأصول التي لا يمكن التمسك فيها بأخبار الآحاد أصول الدين.

ودعوى اعتبار العلم في الأصول مسلّمة إلا أنّه يكفي الانتهاء (١) إلى العلم بل كلّ مسألة كذلك سوى الاعتقاديّات ، حيث يعتبر فيها الاعتقاد ، فلا يكفيها الانتهاء إلى العلم ، بل لا بدّ منه أولا.

هذا مع أنّ الأخبار إذا كانت متواترة كانت قطعيّة في اعتبار المرجّح في الجملة ولا قائل بالفرق بين المرجّحات المذكورة في الاعتبار ، مع أنّ مثل موافقة الكتاب ومخالفة العامّة يمكن القطع (٢) باعتبارهما بخصوصهما من جهة كثرة الأخبار الدالّة عليها ، وإذا ثبت ذلك ثبت البقيّة بعدم القول بالفصل ، وعلى فرض عدم الإجماع

__________________

(١) في نسخة (د) : يكفي في الانتهاء.

(٢) جاء في نسخة (د) : يمكن دعوى القطع.

٣٩٦

على عدم الفصل فلا ينبغي طرح المرجّحات بالكليّة ، وبالجملة ؛ ؛ الإنصاف أنّه لا وقع لهذا الإشكال أصلا.

ومنها (١) : أنّ هذه الأخبار كلّها من قبيل الخطابات الشفاهيّة ، وهي لا تشمل الغائبين إجماعا ، إذ الخلاف في الشمول لهم إنّما هو في خصوص الكتاب من جهة كونه من قبيل تأليف المؤلّفين ، فلا بدّ في تسرية الحكم إلى الغائبين من ضمّ قاعدة الاشتراك الموقوفة على اتحاد الموضوع واتحاد الصنف الغير المتحقق هنا ؛ لأنّ العمل بالترجيح حكم ظاهري ، وهو يختلف باختلاف الحالات من العجز والقدرة والعلم والظن والشك ، فمن الجائز اختصاص المخاطبين بها لتمكنهم من تحصيل العلم بأحوال الرواة في عصرهم ، وفهم الكتاب والسنّة وأقوال العامّة ، والعلم بها غير حاصل لنا ، كيف؟ وغاية الميسور في حقنا الظن من علم الدراية بصفات الرواة وكونها في بعض أقوى من الآخر ، ومن التفاسير الظن بمعاني الكتاب ، ومن المراجعة إلى كتب العامّة والخاصّة الظن بمذاهبهم ، ومن الرجوع إلى التواريخ الظن بمخالفة رأيه (٢) لفتوى فقيه عصره الذي يتقي عنه الإمام عليه‌السلام ، وأين هذا من العلم بهذه الأمور بالحس والوجدان؟ فكيف يحكم باشتراكنا مع المخاطبين المنفتح لهم باب العلم والظن (٣) المتاخم له أو الأقوى ممّا يحصل لنا ، وأيضا من الواضح اختلاف حال الروايات عندهم وعندنا من حيث قلّة الوسائط وكثرتها ، فالموضوع من هذه الجهة أيضا مختلف ، فلا يمكن التمسك بقاعدة الاشتراك.

ودعوى : أنّه إذا لم يمكن العلم قام الظن مقامه.

مدفوعة : بأنّ ذلك فرع كوننا مكلّفين في الواقع بالعمل بهذه المرجّحات ، وهو أول الدعوى ..

كذا قال (٤) بعض الأفاضل ، واعتمد على هذا الإشكال في طرح الأخبار

__________________

(١) أي من الإشكالات التي أوردوها على روايات المرجحات.

(٢) في نسخة (د) : الرواية.

(٣) في نسخة (د) : أو الظن.

(٤) في نسخة (د) : قاله.

٣٩٧

المذكورة (١).

أقول :

أولا : إن جملة من الروايات دالّة على الترجيحات المذكورة بطريق بيان الحكم الوضعي الغير المخصوص بالمخاطبين ، مثل قوله في المقبولة «الحكم كذا» ، وقوله «ينظر إلى كذا» وقوله «لا يلتفت إلى كذا» .. ونحو ذلك.

ودعوى أنّها أيضا تكاليف كما ترى ، فهي من قبيل قوله الماء طاهر وقوله (تعالى) (٢)(لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ)(٣) .. ونحو ذلك ، وفي بعض الروايات «ما خالف كتاب الله فلم نقله» (٤).

وثانيا : إنّ الخطابات المذكورة فيها من قبيل الكنايات فلا يكون المقصود إلا بيان أنّ الحكم كذا ، من غير نظر إلى شخص دون شخص ، فقوله (عليه‌السلام) (٥) «خذ ما وافق الكتاب» في قوّة قوله (عليه‌السلام) (٦) الحكم كذا ، وهذا معلوم لمن كان متتبعا في الأخبار ، ولذا ترى (٧) أنّه كثيرا ما يعدل عن الخطاب إلى الغيبة أو عن الغيبة إلى الخطاب ، ولعمري إنّه من الواضحات.

وثالثا : إنّ الاحتمال المذكور ممّا لا اعتناء به ، والإجماع منعقد على اشتراكنا مع المخاطبين في كل حكم شرعي كان ثابتا في حقّهم ، واشتراط اتحاد الصنف إنّما هو إذا علم أنّ الموضوع في ذلك الزمان كان مقيّدا بعنوان مفقود في الغائبين ، وإلا فمقتضى إطلاق أدلّة الاشتراك من الإجماع ـ حيث إنّه منعقد على القاعدة الكليّة ومعقده عام ـ وغيره من الأخبار مثل قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٨) «حكمي على الواحد حكمي على

__________________

(١) حكى هذا الاعتراض في الفصول الغرويّة : ص ٤٢١.

(٢) أثبتناها من نسخة (د).

(٣) آل عمران : ٩٧.

(٤) في نسخة (د) : أقله.

(٥) أثبتناها من نسخة (د).

(٦) أثبتناها من نسخة (د).

(٧) في نسخة (د) : نرى.

(٨) أثبتناها من نسخة (د).

٣٩٨

الجماعة» (١) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله «وليبلغ الشاهد الغائب» (٢) ، وقوله عليه‌السلام «حلال محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله حلال إلى يوم القيامة» (٣) هو أنّه إذا كان للحاضرين بما هم مكلفون حكم فالغائبون مثلهم ، هذا إذا لم يكن للدليل المثبت للحكم في ذلك الزمان إطلاق ينفي اعتبار ذلك القيد ، وإلا فيصير الأمر أظهر.

والحاصل : أنّ أمثال هذه الاحتمالات لو منعت عن التمسك بالقاعدة ورد الإشكال بالنسبة إلى الأصول العمليّة مثل الاستصحاب .. ونحوه ، فإنّ قوله عليه‌السلام «لا تنقض ..» خطاب لزرارة ، ويحتمل أن يكون عمله بالاستصحاب عند الشك من جهة قلّة مشكوكاته ، وكون غالب المسائل معلوما عنده ، بخلاف أهل زماننا ، وكذا بالنسبة إلى ما دلّ على حجيّة خبر الواحد ؛ لاحتمال كون وجه الحجيّة في حق (٤) المخاطبين إمكان تحصيلهم العلم بالعدالة والضبط .. ونحو ذلك ممّا لا يحصل لنا ، وكذا الكلام بالنسبة إلى احتمال قلّة الوسائط وكثرتها ، بل ما نحن فيه نظير مسألة حجيّة الخبر الواحد بعينها.

ورابعا : إنّ العمل بالترجيح ليس من الأحكام الظاهريّة ؛ إذ ليس الغرض تعيين الحجّة المشبوهة (٥) ؛ لأنّ المفروض أنّ كلّا من الخبرين واجد لشرائط الحجيّة فلا واقع مجهول (٦) يراد تعيينه بل الغرض إثبات حجيّة أحدهما فعلا دون الآخر ، فهو نظير مسألة حجيّة الخبر الواحد ، ومن المعلوم أنّها ليست من الأحكام الظاهريّة مع أنّ اعتبار اتحاد الصنف لا فرق فيه بين الأحكام الواقعيّة والظاهريّة ، نعم الأحكام الظاهريّة تتفاوت في الغالب بالأمور المذكورة ، ومجرّد هذا لا يكفي في الفرق.

وخامسا : إنّ تحصيل العلم بالمرجّحات المذكورة يمكن لنا أيضا ، غاية الأمر ندرته ففي صورة العلم لا فرق بيننا وبينهم ، واتحاد الصنف حاصل.

__________________

(١) عوالي اللئالي : ١ / ٤٥٦ حديث ١٩٧.

(٢) المصدر السابق.

(٣) الكافي : ١ / ٥٨ باب البدع والمقاييس حديث ١٩.

(٤) العبارة في نسخة الأصل : كون الحجيّة في وجه المخاطبين ، فأصلحناها من نسخة (د).

(٥) في نسخة (د) : المستبهة.

(٦) في نسخة (د) : للمجهول.

٣٩٩

وأمّا قلّة الوسائط وكثرتها فلا دخل لها قطعا ، خصوصا مع أنّ الملحوظ كلّ واسطة واسطة إذ يراعى المرجّحات المذكورة بالنسبة إلى كلّ واحد من الرواة ، فكأنّه هناك أخبار عديدة بلا واسطة ، هذا مع أنّا نمنع ندرة حصول العلم خصوصا بالنسبة إلى موافقة الكتاب والسنّة ، حيث إنّ المدار على موافقة عموماتها ، وهي غير محتاجة إلى الرجوع إلى كلمات المفسرين ، وكذا بالنسبة إلى مخالفة العامّة ؛ فإنّ المراد مخالفتهم في الجملة لا مخالفة جميعهم كما عرفت ، وهذا يمكن العلم به غالبا واحتمال كون الخبر الآخر أيضا مخالفا لبعضهم مدفوع بالأصل ، فتدبّر.

وبالجملة ؛ الإنصاف عدم وقع لهذا الإشكال أيضا.

ومنها : أنّ هذه الأخبار معارضة بأخبار التوقف والتخيير ، فلا يجوز الأخذ بها إلا بعد علاج التعارض ، وهو إمّا بترجيح هذه سندا من حيث اعتضادها بالشهرة أو من جهة الأكثرية أو بترجيحها دلالة من حيث أخصيّتها ، والأخذ بها أول الدعوى والرجوع إلى هذه الأخبار في وجوبه دور واضح ، ودعوى خروج الترجيح الدلالي عن محلّ الكلام هنا أو كونه إجماعيّا من حيث هو ممنوع ، بل النزاع في المقام أعم ولذا يذكرون المرجّحات المتنية ممّا يرجع إلى الدلالة في عدد المرجّحات ، وكونه إجماعيّا ممنوع ، ودعوى عدم صدق التعارض على العام والخاص المطلقين أيضا ممنوعة.

والجواب واضح : إذ لا إشكال في تقديم الجمع الدلالي خصوصا في مثل العام والخاص ، بل خروجهما عن التعارض عرفا ، وعن محلّ الكلام في المقام ، وذكر المرجّحات المتنيّة لا يقتضي دخول العام والخاص المطلقين (١) في النزاع ، وعلى فرضه لا إشكال في ضعفه فمجرّد النزاع لا يكفي بعد القطع بوجوب الجمع ، ولعمري إنّه من الواضحات مع أنّه يمكن أن ترجح هذه الأخبار بالشهرة والإجماع على الأخذ بالترجيح لا من جهة هذه الأخبار حتى يكون دورا ، بل لأنّ إطلاقات التخيير حينئذ تصير موهونة من حيث هي ، وخارجة عن الحجيّة.

ومنها : أنّ هذه الأخبار بعضها يعارض بعضا ، والنسبة عموم من وجه ؛ وذلك لأنّ

__________________

(١) جاءت العبارة في نسخة (د) : العام والخاص والمطلق والمقيد في محل النزاع ...

٤٠٠