تحصيل المرام - ج ١-٢

الشيخ محمّد بن أحمد بن سالم بن محمّد المالكي المكّي [ الصبّاغ ]

تحصيل المرام - ج ١-٢

المؤلف:

الشيخ محمّد بن أحمد بن سالم بن محمّد المالكي المكّي [ الصبّاغ ]


المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الأسدي للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١٠٧٤

قانصوه إلى سفر اليمن وقدم ثقله ، ولم يبق إلا مخيمه وخيام العسكر ، فأشار قانصوه إلى شخص يتعاطى خدمته من أبناء الطواف يسمى محمد [المياس](١) أن يحسن إلى الشريف أحمد الوصول إلى قانصوه للوداع ففعل ، وذهب إلى الشريف أحمد وحسن له ذلك ، وكان ذلك يوم السبت رابع عشر صفر ، فلما كانت ليلة الأحد خامس عشرة صفر سنة [تسع](٢) وثلاثين بعد الألف ركب الشريف أحمد وصحبه بعض الأشراف ، فلما وصلوا تحادثا مليا ، فلما كانت الساعة الخامسة من الليل قبض على الجميع ، وقتل الشريف أحمد ، فتحركت عساكره فأظهره لهم مقتولا ، ونشر العلم ونودي : المطيع إلى السلطان يدخل تحت العلم ، فوقفت العساكر وخلع على الشريف مسعود بن إدريس.

وكانت ولاية الشريف أحمد سنة واحدة وأربعة أشهر وثمانية عشر يوما. انتهى (٣).

ثم استولى الشريف مسعود بن إدريس بن الحسن بن أبي نمي. كان من أمره أنه نشأ في كفالة أبيه الشريف إدريس ، ووقعت له حروب مع ابن عمه الشريف محسن بن حسن ، وفي بعضها أرسل الشريف محسن ولده [محمدا](٤) فظفر بالشريف مسعود واستولى عليه ، ثم بعد ذلك خمدت الفتنة. وكان في الجملة من أجود الأشراف ، ورخصت في زمنه الأسعار ، ووقع السيل المشهور الذي وقع منه البيت الحرام ، وبقي أمر العمارة إلى

__________________

(١) في الأصل : إلياس. والتصويب من خلاصة الأثر.

(٢) في الأصل : تسعة.

(٣) خلاصة الأثر (١ / ٢٣٩ ـ ٢٤١).

(٤) في الأصل : محمد. والتصويب من خلاصة الأثر.

٧٨١

سادس وعشرين ربيع الثاني من سنة أربعين كما فصلنا سابقا ، وتوفي الشريف مسعود ليلة الثلاثاء ثامن وعشرين من ربيع الثاني سنة أربعين ببستانه بالمعابدة بمرض الدق (١) ، ودفن عند السيدة خديجة الكبرى رضي‌الله‌عنها. وكانت مدة ولايته سنة وشهرين وستة وعشرين يوما (٢).

وولي سلطنة مكة ، وقام بعده الشريف عبد الله بن الحسن بن أبي نمي صاحب مكة ، كان سيدا جليلا عظيما صالحا ، ولي مكة بعد ابن أخيه الشريف مسعود ، وهو أكبر آل أبي نمي (٣) بالاتفاق من الأشراف وأمراء السلطان ، وكان قد تخلف عن الجنازة لذلك بعد أن امتنع من القبول ، فألزموه لذلك حقنا للدماء ، وما زالوا به حتى رضي ، وحصل بولايته الأمن والأمان ، وكان الاجتماع لذلك في السبيل المنسوب لمحمد بن مزهر كاتب السر (٤) الكائن في جهة الصفا ، واستمر إلى أن حج بالناس سنة أربعين وألف ، ثم خلع نفسه في المحرم سنة إحدى وأربعين وألف من الولاية ، وولى ولده الشريف محمد وأشرك معه زيد بن محسن ، وتوجه إلى

__________________

(١) الدق : الحمى. (اللسان ، مادة : دقق).

(٢) خلاصة الأثر (٤ / ٣٦١ ـ ٣٦٢).

(٣) آل أبي نمي : ينتسبون إلى قتادة بن إدريس بن مطاعن بن سليمان ، من ولد موسى الجون بن عبد الله المحض بن الحسن بن الحسن ابن الحسن بن علي بن أبي طالب (انظر : معجم الأنساب والأسرات الحاكمة في التاريخ الإسلامي ص : ٣١ ـ ٣٣).

(٤) كاتب السر : وهو صاحب ديوان الإنشاء. ويطلق عليه العامة كاتم السر ؛ لأنه يكتم سر الملك ، ومن مهماته : التوقيع على القصص على القصص بدار العدل وغيرها ، وتلقي أخبار الممالك وعرضها على السلطان وتولي الإجابة عنها ، وتعريف النواب في الوصايا ، وعليه أيضا النظر في تجهيز البريد والنجابة ، وما يبعث فيه من المصالح ، وكذلك معرفة حقوق ذوي الخدمة والنصيحة وإجرائهم في رسوم الرواتب وعوائد البر والاحسان ، والنظر في أمر الدبادب والكشافة والنظارة والمناور والمحرقات وأبراج الحمام وصرف نظره إلى رسل الملوك الواردة ، وأن يستكتب في ديوانه من علم صلاحه لذلك (انظر : صبح الأعشى ١ / ١٤٥ ـ ١٦٥ ، والتعريف بمصطلحات صبح الأعشى ص : ٢٨٢).

٧٨٢

عبادة ربه إلى أن توفي ليلة الجمعة عاشر جماد الآخر من السنة المذكورة ، وكانت ولايته تسعة أشهر وثلاثة أيام (١).

وفي مدته كانت عمارة البيت الحرام ، وخلف عشرة بنين وهم : محمد ، وأحمد ، وحمود ، وحسين ، وهاشم ، وثقبة ، وزامل ، ومبارك ، وحامد ، وزين العابدين. طرح الله البركة في هذه الذرية ، لا زال مجدهم مكين وفخارهم في عز وتمكين ، وهم يلقبون بالعبادلة وبذوي عبد الله ، فأنعم بهم من سادات أجلة. انتهى.

ثم وليها الشريف محمد بن عبد الله بن حسن بن أبي نمي ، كان سيدا شجاعا ، مقدما ، رئيسا ، ولّاه والده الشريف عبد الله مكة في حياته ، وأشرك معه الشريف زيد بن محسن غرة صفر سنة ألف [وإحدى](٢) وأربعين ، وخطب لهما على المنابر إلى شعبان من السنة المذكورة ، فوصلت الأتراك من اليمن ـ وقصتهم مذكورة ستأتي في ترجمة الشريف زيد ـ فوقع اللقاء بين السادة الأشراف وبين الأتراك فحصلت ملحمة عظيمة وقتال شديد ، وقتل صاحب الترجمة وجماعة من الأشراف ، وتوجه بقية الأشراف إلى وادي مرّ ، ودخلت الأتراك مكة ، ونودي بالبلد للشريف نامي بن عبد المطلب ، وكان دخولهم من جهة بركة ماجن ، فتعبت الناس أشد تعب ، وحصل الخوف الشديد ، وتسلطت العساكر على الناس وأزعجوهم [نهبا وفسقا](٣) وظلما ، وحمل صاحب الترجمة ذلك اليوم ودفن بالمعلا بمقابر

__________________

(١) خلاصة الأثر (٣ / ٣٨ ـ ٣٩).

(٢) في الأصل : وأحد.

(٣) في الأصل : بها فسقا. والتصويب من خلاصة الأثر.

٧٨٣

آبائه وأجداده بعد أن قاتل [قتال](١) من لا يخاف الموت ، وكانت الواقعة المذكورة رابع عشر شعبان سنة إحدى وأربعين ، وكانت مدة ولايته ستة أشهر وأربعة عشر (٢) يوما. انتهى (٣).

ثم وليها الشريف نامي بن عبد المطلب بن حسن بن أبي نمي ، أمير مكة ، ولّاه الأتراك قهرا ، وأشركوا معه الشريف عبد العزيز بن إدريس في الربع محصولا لا ذكرا في الخطبة ، ثم أرسلوا إلى أمير جدة ليسلمها لهم ، فأبى وقتل الرسول ، فتجهزوا وساروا وحاصروها يومين ، ثم دخلوا جدة ونهبوها ، واستمر الشريف نامي [يعسف](٤) أهل مكة ، ونهب عسكره البلاد ، واستباحوا المحرمات ، وأكثروا فيها الفساد.

ولما توجه الشريف زيد في تلك الواقعة إلى وادي مرّ بعد أن دخل إلى مكة ومعه السيد أحمد بن محمد الحارث ، ومرّ على بيت السيد نامى بن عبد المطلب نادى السيد ، فخرج إليه متجردا متلفعا في مقنع أزرق ، فتكلم معه وأطال ، فقال السيد أحمد : ليس الوقت وقت كلام ، وكان من جملة ما قاله زيد :

تجازى الرّجال بأفعالها

فخير بخير وشرّ بشر

فالله الله يا نامي في الحريم وما يقرب من هذا ، ثم سار إلى المدينة. فلما وصل الخبر لصاحب مصر أرسل سبع صناجق. وكان مما يأتي في [ترجمة](٥) الشريف زيد ، فقبض على الشريف نامي وعبد العزيز موثوقين

__________________

(١) في الأصل : قتالا. والتصويب من خلاصة الأثر.

(٢) في خلاصة الأثر : وأربعة وعشرين.

(٣) خلاصة الأثر (٤ / ٢٧).

(٤) في الأصل : يسعف. والتصويب من خلاصة الأثر. والعسف : الجور والظلم.

(٥) في الأصل : ترجمته.

٧٨٤

مكتوفين ، فشنقا عند المدعى ، ومدة ولايته متغلبا على مكة مائة يوم ويوم ، وهي عدة حروف اسمه ؛ لأنه دخلها خامس وعشرين شعبان سنة إحدى وأربعين وألف ، وخرج منها عصر اليوم الخامس من ذي الحجة من السنة المذكورة ، وفي هذه السنة لم يرحل المحمل السلطاني من مكة إلا في العشر الأول من صفر. انتهى (١).

ثم وليها الشريف زيد بن محسن بن حسين بن أبي نمي ، كان من أمر زيد أنه ولد بمكة سنة ألف [وأربع عشرة](٢) ، وتربى في حجر والده ، وسافر معه إلى اليمن ، ولما توفي أبوه بصنعاء رجع إلى مكة ، وكان قام بأمر الحجاز الشريف أحمد بن عبد المطلب ، فلما قتل ولي مكة الشريف مسعود بن إدريس وكان مريضا بمرض الدق ، فمات بعد سنة وشهرين ، فاجتمع الأشراف على الشريف عبد الله بن حسن ـ وإليه تنسب العبادلة ـ وولوه الإمارة ، واستمر نحو سنة ، ثم خلع نفسه وقلد ولده الإمارة ، وأشرك معه في الربع الشريف زيد ، فبقي أمرهم على هذا الاتفاق مدة قليلة ، فدخل القنفذة (٣) سنة أربعين بعد الألف بعض عسكر اليمن الذين طردهم حاكمها قانصوه باشا ، فأرسلوا إلى الشريف محمد بن عبد الله إنا نريد مصر ، وقصدنا الإقامة بمكة أياما لنتهيأ للسفر ، فأبى خوفا من الفتنة والفساد ، فلما وصلهم الخبر جمع رأيهم على دخول مكة قهرا ، واستعدوا ، وخرج إليهم الأشراف وحصل القتال بينهم إلى أن قتل الشريف محمد ،

__________________

(١) خلاصة الأثر (٤ / ٤٤٨).

(٢) في الأصل : وأربعة عشر.

(٣) القنفذة : هي قنونى ، الميناء الحجازي المشهور ، وهو واقع في جنوب مكة. قال ياقوت : من أودية السراة يصب إلى البحر في أوائل أرض اليمن منجهة مكة قرب حلي (معجم البلدان ٤ / ٤٠٩).

٧٨٥

وقتل من الفريقين جمع ، وانهزمت الأشراف ، ونهبت العسكر البلاد ، واستباحوا المحرمات ، وكان الشريف زيد توجه إلى المدينة ، وكتب عروضا وأرسلها إلى صاحب مصر ، ولما وصل الخبر إلى صاحب مصر أرسل إليه سبعة من الأمراء ، وأرسل بخلع سلطانية إلى الشريف زيد ، وبلغهم أن الشريف زيد بالمدينة فدخلوا ، وخلعوا عليه الخلع السلطانية بملك الحجاز في الحجرة الشريفة ، وتوجه بالعسكر إلى مكة ، ولما وصلت العساكر إلى مرّ الظهران خرجت الخوارج إلى جهة الشرق ، وحج بالناس الشريف زيد سنة إحدى وأربعين وألف ، ولما فرغ من المناسك توجهوا إلى مسك الخوارج ، فقبضوا على كبيرهم محمود وعلي ، وقتلوا منهم خلقا كثيرين ، وأتوا بمحمود وعلي وحرقوهم بالنار في شعبة العفاريت (١) ، ولما خلصوا من الخوارج قبضوا على الشريف نامي وعبد العزيز فاستفتوا فيهما ، فأفتوا بقتلهما ، فقتلوهما وصلبوهما بجانب رأس الردم المسمى الآن بالمدّعى ، وتمت الولاية للشريف زيد ، وكان عارفا مشفقا على الرعية ، وأزال في زمانه كثيرا من المنكرات ، وأبطل ما خالف الكتاب والسّنة ، وأمنت في أيامه الرعايا. انتهى من خلاصة الأثر باختصار (٢).

قال العلامة العياشي في رحلته بعد مدحه له : إنه كان متواضعا ، وهو أسمر اللون ، أبيض اللحية ، سمح الوجه ، ضرب من الرجال ، إلى النحافة أميل ، وأثنى عليه العلماء والصلحاء ، وأثنى عليه العلامة أبو مهدي عيسى بن محمد الثعالبي الجعفري المغربي المجاور بحرم الله وحرم رسوله قال : وهذا

__________________

(١) شعبة العفاريت : هو شعب أبي دب ، ويسمى أيضا : شعبة الجن. وهو الشعب الذي فيه الجزارون ، وأبو دب رجل من بني سواءة بن عامر (معجم معالم الحجاز ٣ / ٢٠١ ـ ٢٠٢).

(٢) خلاصة الأثر (٢ / ١٧٦ ـ ١٧٨).

٧٨٦

الأمير أحسن أمراء عصره ، ولم تزل الإمارة في أسلافه منذ أعصار متطاولة وأسلافه المشهورون بآل أبي نمي ، وهم بطن من بني حسن ، وإخوانهم بني حسين لهم إمارة المدينة وولاية الحجاز الآن بأطرافه من أطراف اليمن إلى أقصى نجد مما يلي البصرة ، ثم خيبر (١) مما يلي الشام ثم إلى ينبع وما والاها كلها تحت إمارة الشريف زيد وأسلافه ، وليس لبني حسين في المدينة في هذا الزمان إلا الاسم فقط وبعض تصرفات بنظر الأمير زيد ، وكان الأمر فيما مضى على معتقد أهل بيته وهو اعتقاد الزيدية (٢) ، ثم إنه باينهم ورجع إلى معتقد أهل السنة والجماعة ، وتمذهب بمذهب أبي حنيفة ، وحسن اعتقاده في علماء أهل السنة ، وبالغ في تفضيلهم ، وكف أهل بيته عن كثير مما كانوا ينالون من أهل السنة في إظهار اعتقادهم ، وقد اجتمعوا ذات يوم ولاموه على رجوعه عن مذهبهم فقال لهم : ألم يكفيكم مني أني أخيركم ولا أقهركم عن الرجوع عمّا أنتم عليه ، إنما هو دين لا يسع المرء إلا الاعتقاد ما هو الحق واتباع ما يغلب على ظنه أنه الحق والهدى ، وقد ظهر لي صحة ما رجعت إليه ، فإن رأيتم وتبين لكم ما تبين لي فينبغي لكم إما أن ترجعوا إلى الحق والهدى ، وإن لم تروه فلكم دينكم ولي دين ، فمن ذلك اليوم أيسوا منه. انتهى.

__________________

(١) خيبر : ناحية على ثمانية برد من المدينة لمن يريد الشام ، يطلق هذا الاسم على الولاية ، وتشتمل هذه الولاية على سبعة حصون ، ومزارع ، ونخل كثير ، وقد فتحها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كلها في سنة سبع للهجرة ، وقيل : سنة ثمان (معجم البلدان ٢ / ٤٠٩).

(٢) الزيدية : فرقة شيعية تنسب إلى زيد بن علي بن الحسين. توفي سنة ١٢١ ه‍ في خلافة هشام بن عبد الملك ، وتقابل الإمامية ، وهما أكبر فرق الشيعة ، ولا تزالان باقيتين إلى اليوم (انظر : الموسوعة العربية الميسرة ص : ٩٣٨).

٧٨٧

قلت : جميع الأشراف [بمكة](١) وما حولها الآن أهل سنة وجماعة ، وفيهم من هو على مذهب أبي حنيفة ، وفيهم من هو الشافعي المذهب ولله الحمد ، وقد استفاض على ألسنة الناس أنه من أهل الخير والصلاح وإن كان تصرف عمّاله لا يخلو عن جور كما هو شأن ولاة العصر. انتهى.

وقد مدحه فضلاء الوقت كالشيخ محمد الرقباوي بقصيدة عارض بها قصيدة ابن النحاس ، وكذا مدحه السيد جعفر البيتي ، والسيد جعفر البرزنجي ناظم المولد الشريف في رسالة سماها : «النقش الفرجي والفتح المحمدي» ، حاصل الرسالة : أن في أيام صاحب الترجمة قامت أهل حرب على ساق وقدم بقتل الحجاج ونهب الزوار ، وكان شيخ حرب اسمه : عيد ، فتحرك عليه صاحب الترجمة وقاتله أشد قتال حتى أذاقه العذاب.

وكانت وفاة صاحب الترجمة يوم الثلاثاء لثلاث خلون من المحرم سنة ألف [وسبع](٢) وسبعين ، ودفن بالمعلا في قبة عم والده الشريف أبي طالب ، وقام بعده أصغر أولاده الشريف سعد.

وكانت مدة ولايته خمسة وثلاثين سنة وأشهرا وأياما ، وكان له من الولد سبعة من الذكور : أحمد ، وحسين ، وناصر ، ماتوا في حياته ، وورثه أربعة : حسن ، ومحمد يحيى ، وأحمد ، [وسعد](٣) مرتبتهم في السن كمرتبتهم في الذّكر ، ومن الإناث عدّة.

وصاحب الترجمة الذي تنتسب إليه ذوي زيد زادهم الله شرفا. انتهى

__________________

(١) في الأصل : مكة.

(٢) في الأصل : سبعة.

(٣) في الأصل : وسعيد. وانظر خلاصة الأثر (٢ / ١٨٦).

٧٨٨

خلاصة الأثر (١).

ثم وليها الشريف سعد بن زيد ، وكان من أمره لما توفي والده الشريف زيد بن محسن بن الحسين بن الحسن بن أبي نمي قام بالأمر بعد والده الشريف سعد بعد أن حصل تعب شديد ، ووقعت رجّة (٢) بمكة فيمن يتولى بين الشريف سعد والشريف حمود بن عبد الله ، فاتفق الحال على الشريف سعد ، وحصلت منافرة بينهم مذكورة في خلاصة الأثر (٣) ، وكذلك وقعت منافرة بينه وبين حسن باشا والي جدة ، وتوجه صاحب الترجمة للمدينة ، فلما توجه صاحب الترجمة للمدينة ولى حسن باشا الشريف أحمد بن الحارث بن الحسين بن أبي نمي ، كان آية في العقل والذكاء ، مرجعا للأشراف الحسنيين ملوك مكة ، ولم يتم له ذلك ، وكانت وفاته برجب تاسع يوم مضى من سنة ألف [وخمس](٤) وثمانين ، ودفن بقبة جده حسن إلى جنب تابوته مما يلي الشرق ، وخلّف أولادا أنجادا كبيرهم السيد محمد والسيد ناصر ، وقد أطال في ترجمة الشريف سعد صاحب خلاصة الأثر (٥) ، وذكر ما وقع له من الحروب ، فانظره إن شئت. ثم صرف عن إمارة مكة ، وكان قد اشترك معه [أخوه](٦) السيد أحمد ، وستأتي ترجمته.

ولما صرف الشريف سعد عن إمارة مكة سنة [اثنتين](٧) وثمانين وألف

__________________

(١) خلاصة الأثر (٢ / ١٨٦).

(٢) رجّة القوم : اختلاط أصواتهم. (اللسان ، مادة : رجج).

(٣) خلاصة الأثر (١ / ٤٣٦ ـ ٤٤١).

(٤) في الأصل : خمسة.

(٥) خلاصة الأثر في ترجمة الشريف بركات (١ / ٤٣٦).

(٦) في الأصل : أخيه.

(٧) في الأصل : اثنين.

٧٨٩

وليها الشريف بركات بن محمد بن إبراهيم بن بركات بن أبي نمي. خرج الشريف سعد فخرج ورائه الشريف بركات بالعساكر في طلبه ، فسلك [طريق](١) الثنية إلى الطائف ، وكان الشريف سعد قد سلكها ونزل بالطائف ، ثم ارتفع عنها إلى عباسة (٢) ، ثم إلى تربة (٣) ، ثم إلى بيشة (٤) ، فتبعه الشريف بركات حتى قرب تربة فلم يظفر ، فرجع إلى مكة فاستقر أمر مكة إلى الشريف بركات [وحظي](٥) عند السلطنة ، وكان مقبول الكلمة عندهم ؛ لما كان يكثر من مداراتهم ، وكان كثير الإحسان للأشراف والتعطف بهم وتقووا في زمنه ، وقويت شوكتهم وكثرت أموالهم ، وبسبب ذلك صار كبار الأشراف وصغارهم تحت طوعه ، وأمنت في زمنه السّبل ، ولم يزل كذلك عالي الهمة إلى أن تغلب عليه غالب الأشراف ، ووقعت في زمنه فتنة بين العبيد والأتراك أحد عشر ربيع سنة ألف [وتسع](٦) وثمانين ، مات جمع من الفريقين ثم سكنت.

وفي أيامه عمرت الخاسكية والتكية التي بين البزابيز والمدعى ، وصرف عليها أموالا كثيرة ، وكانت وفاته ليلة الخميس ثاني عشر ربيع الثاني ، وصلى عليه عبد الواحد الشيبي سنة ألف [وثلاث](٧) وتسعين ، وكانت

__________________

(١) في الأصل : الطريق. والمثبت من ب ، وخلاصة الأثر.

(٢) عباسة : قرية في جنوب الطائف ، تبعد عن وادي سلامة (٣٥) كيلو مترا ، سكانها بنو سعد (معجم معالم الحجاز ٦ / ٣٤).

(٣) تربة : بلدة عامرة في وادي تربة بالقرب من مكة على مسافة يومين منها ، ولواديها ذكر في خبر عمر رضي‌الله‌عنه حين أنفذه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم غازيا حتى بلغ تربة (معجم البلدان ٢ / ٢١ ، ومعجم معالم الحجاز ٢ / ٢٠ ـ ٢٣).

(٤) بيشة : قرية غناء في واد كثير الأهل من بلاد اليمن (معجم البلدان ١ / ٥٢٩).

(٥) في الأصل : ومضى. والمثبت من خلاصة الأثر.

(٦) في الأصل : تسعة.

(٧) في الأصل : وثلاثة.

٧٩٠

ولايته عشر سنين وأربعة أشهر وستة عشر يوما (١).

ثم ولي بعده ولده الشريف [سعيد](٢) ولم يختلف عليه أحد ، ثم بعد ذلك وقع بينه وبين الأشراف ما يطول شرحه مذكورة في خلاصة الأثر (٣).

ثم عزل وولي الشريف أحمد بن زيد بن محسن بن الحسن بن أبي نمي ، كان من أمر الشريف أحمد أنه كان في دولة أخيه الشريف سعد مشاركا له في الربع ، ثم لما عزل عن إمارة مكة توجه في ذي الحجة سنة [اثنتين](٤) وثمانين وألف إلى الطائف ، ثم إلى بيشة ، وأقام بها ، ثم توجه إلى ديرة بني حسن فإن له أهلا بها وولدا ، واستمر إلى ذي القعدة من السنة ، فرحل منها [قاصدا](٥) زيارة جده بالمدينة صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فدخلها ليلة دخول الحج الشامي ، وواجه فيها أمير الحج المذكور ، والتمس منه [بعض](٦) مرام من شريف مكة إذ ذاك الشريف بركات ، ثم خرج من المدينة ونزل على شيخ حرب : أحمد ، واستمر عنده إلى عود الحاج الشامي ، فواجهه أمير الحاج وأخبره بعدم تمام ذلك المرام ، ثم توجه إلى الفرع في أول عام أربعة وثمانين ، واستمر به مدة يسيرة ، ثم لما خرج الشريف بركات لمحاربة حرب في وسط السنة المذكورة عاد إلى حرب ، وحضر الحرب ، ثم بعد انتهائها توجه إلى الفرع ، ثم وصل إليه أخوه الشريف سعد ، واستمر بين الوارقية والفرع وأكثر الإقامة بالفرع. ولما توعد الشريف بركات أهل الفرع في

__________________

(١) خلاصة الأثر (١ / ٤٤٥ ـ ٤٤٧).

(٢) في الأصل : سعد. والمثبت من خلاصة الأثر.

(٣) خلاصة الأثر (١ / ٤٤٧).

(٤) في الأصل : اثنين.

(٥) في الأصل : قاصد. والتصويب من خلاصة الأثر.

(٦) في الأصل : بعد. والتصويب من خلاصة الأثر.

٧٩١

أوائل سنة [خمس](١) وثمانين تنحوا إلى جهة وادي البقيع من بلاد حرب بين السفر وبلاد بني علي وعوف ، واستمروا ومن معهم بها إلى شهر رمضان ، ثم عنّ لهم التوجه إلى الأبواب السلطانية فتوجهوا ، ولم يمروا بحيّ من أحياء العرب إلا تلقوهم بالقبول إلى أن وصلوا الشام ، فحصل لهم العز والقبول ، واستأذن لهم والي الشام السلطنة في التوجه إليهم فأذنوا لهم ، فتوجهوا إلى أن وصلوا «أدرنة» فحصل لهم من الدولة إكرام ، ثم توجهوا إلى القسطنطينية بأمر من السلطان واستمروا بها ، وتولى الشريف سعد «معرة النعمان» ، فتوجه إليها وعزل ، وعرضت على المترجم له ترسوس فلم يقبل ، وأقام بالقسطنطينية مدة مديدة (٢).

ولم يزل مقيما بها والأحوال تنتقل به إلى أن حصل لمكة ما حصل من الاختلاف بين الأشراف ، فبلغ ذلك السلطان ، فأرسل إلى الشريف أحمد يطلبه ، فلما أتاه ودخل عليه قام له وقابله في غاية الإجلال ، ووضع كفه بكفه وصافحه من قيام قائلا : اللهم صل على محمد وآل محمد ، وأول خطاب من السلطان له قال له : يا شريف أحمد ، الحجاز خرب أريد إصلاحه فامتثل ذلك ، فعند ذلك ألبسه ما كان عليه ، ثم جلس السلطان وأمره بالجلوس ، فعاد عليه ما قاله مرتين وهو يجيبه بالامتثال والقبول ، [فحينئذ](٣) قال السلطان : إذا آن أوان الشيء أبرزه الله ، وأمر الوزير والكتّاب أن يكتبوا له ملتمسة ، فخرج الشريف وقدموا له مركوبا من خيل السلطان ، ورحل على خيل البريد إلى دمشق ، وقد خرج الحاج منها ،

__________________

(١) في الأصل : خمسة.

(٢) خلاصة الأثر (١ / ١٩٠ ـ ١٩١).

(٣) في الأصل : فح. والمثبت من خلاصة الأثر (١ / ١٩٦).

٧٩٢

فأنشده بعضهم هذه الأبيات مهنئا له :

الحق عاد إلى محله

والشيء مرجعه لأصله

يا طالما وعد الزما

ن به وأعيانا بمطله

حتى تحقق أنه

في الناس مفتقر لمثله

والسيف عند [الاحتيا

ج](١) إليه يعرف فضل نصله

والدهر ينفر تارة

ويعود معتذرا لأهله

لا ريب قد سرّ الورى

بفعاله الحسنى وعدله

فالكل شاكر صنعه

ولسانهم وصاف فضله

وأقام بدمشق ثلاثة أيام ، ثم خرج قاصدا الحج حتى لحقه ودخل المدينة الشريفة ، وتلقاه أهلها وعساكرها ، ولبس الخلعة السلطانية تجاه الحجرة الشريفة كما لبسها أبوه ثمة ، ثم دخل مكة سابع ذي الحجة ختام سنة [خمس](٢) وتسعين وألف من جهة أسفلها ، ووراءه المحمل المصري وجميع عسكر مصر والشام وجدة ، وركب بين يديه قاضي مكة وأحمد باشا والي جدة ، وكان موكبا عظيما ، فحجّ الناس على أحسن حال ، وحصل لأهل الحرمين بقدومه غاية السرور ، واستمر واليا على مكة إلى أن توفي في اليوم الحادي والعشرين من جمادى الأول سنة [تسع](٣) وتسعين وألف ، وولي بعده الشريف سعيد ابن أخيه الشريف سعد ، ثم عزل وولي بعده الشريف أحمد بن غالب. انتهى خلاصة الأثر (٤).

ثم عزل وتولى الشريف محسن بن حسين بن زيد ، ثم عزل وعاد

__________________

(١) في الأصل : الاحتجاج. والتصويب من خلاصة الأثر ، الموضع السابق.

(٢) في الأصل : خمسة.

(٣) في الأصل : تسعة.

(٤) خلاصة الأثر (١ / ١٩٦ ـ ١٩٧).

٧٩٣

الشريف سعيد ، ثم جاءه الشريف سعد من الروم سنة ألف ومائة [وثلاث](١) وبقي إلى سنة خمس ومائة وألف ، ثم عزل وتولى الشريف عبد الله بن هاشم ، ثم رجع الشريف سعد من اليمن وبقي بمكة إلى آخر ألف وثلاثة عشر بعد المائة فنزل لولده الشريف سعيد عن ملك مكة ، فبقي الشريف سعيد في ملك مكة إلى سنة ألف ومائة [وخمس عشرة](٢) وخرج منها.

ثم تولى الشريف عبد المحسن بن أحمد بن زيد ، وكانت مدته تسعة أشهر ، ثم وليها أخو الشريف مساعد ، الشريف أحمد بن سعيد ، وعاش ست سنوات وتوفي ، وأعقب أولادا كراما منهم : السيد فهيد والد السيد عبد الله بن فهيد ، ومنهم السيد مساعد ، والسيد عامر ، والسيد علي ، والسيد عبد العزيز ، والسيد دخيل الله المشهور بالعواجي ، ثم وليها الشريف سرور ، أخذها من عمّه أحمد بن سعيد سنة ١١٨٦ ، ثم تركها رغبة عنها ، وتولى الشريف عبد الكريم بن [محمد](٣) ، ثم عاد الشريف سعيد إلى مكة ، ثم أخرج منها ، ثم عزل الشريف سعيد ، وعاد الشريف عبد الكريم بن محمد ، وبقي بمكة سبع سنين ، ثم أراد الله بعود الشريف سعيد إلى مكة فدخلها ـ بأسباب يطول شرحها ذكرها شيخنا السيد أحمد دحلان في تاريخه في أمراء مكة فانظره إن شئت ـ سبعة وعشرين ذي القعدة سنة ألف ومائة [وثلاث](٤) وعشرين ، واستمر ملكا بمكة إلى أن توفاه الله بعد صلاة الظهر

__________________

(١) في الأصل : وثلاثة.

(٢) في الأصل : وخمسة عشر.

(٣) في الأصل : أحمد. وسيأتي على الصواب لاحقا.

(٤) في الأصل : ثلاثة.

٧٩٤

أحد وعشرين محرم سنة ألف ومائة [وتسع](١) وعشرين ، ثم قام مقامه الشريف عبد الله بن [سعيد بن سعد](٢) بعناية الشريف عبد المحسن بن أحمد بن زيد ، ثم وليها الشريف علي بن سعيد ، ثم الشريف يحيى بن بركات سنة ١١٣٠ ، ثم وليها الشريف مبارك بن أحمد بن زيد سنة ١١٣٢ ، ثم وليها الشريف مسعود [بن سعيد](٣) بن سعد بن زيد ، وأقام فيها إلى أن توفي سنة ١١٦٥.

ثم وليها الشريف مساعد بن [سعيد](٤) بن سعد بن زيد سنة ألف ومائة [خمس](٥) وستين ، فأمّن الطرق ، وأظهر الله في أيامه البركات ، وكان فيه كرم وسخاء ، وامتدحته الأفاضل ، ثم توفي لثلاث بقين من المحرم سنة ألف ومائة [وأربع](٦) وثمانين ، وكانت مدة ولايته تسعة عشر سنة ، وأعقب من البنين : سيدنا الشريف سرور ، والشريف مسعود ، والشريف عبد العزيز ، والشريف عبد المعين ، وسيدنا الشريف غالب ، والشريف لؤي.

ثم وليها الشريف [عبد المعين بن مساعد بعد أبيه ، فمكث عدة أشهر](٧) ، ثم تغلب عليه [أخوه](٨) الشريف سرور بن مساعد بعد حروب بالزاهر وغيرها مما يطول شرحه ، وامتدحه بعض الأفاضل منهم السيد أحمد البيتي وغيره.

__________________

(١) في الأصل : تسعة.

(٢) في الأصل : سعد بن سعيد. وانظر جداول أمراء مكة (ملحق رقم : ٥).

(٣) قوله : بن سعيد ، زيادة من جداول أمراء مكة ، ملحق رقم ٥.

(٤) في الأصل : مسعود. والصواب ما أثبتناه. انظر المرجع السابق.

(٥) في الأصل : خمسة.

(٦) في الأصل : أربعة.

(٧) ما بين المعكوفين مشطوب في الأصل ، والمثبت من ب.

(٨) في الأصل : أخيه.

٧٩٥

وفي ألف ومائة [وثمان](١) وثمانين جدد الشريف صاحب الترجمة الفضة التي حول الحجر.

وفي ألف ومائة [واثنتين](٢) وتسعين جدد منارة باب العمرة على ما هو مكتوب على بابها ، وكانت له المحاسن الحسنة ، أمّن الطرقات حتى أن الحمول إن طرحت بطريق جدة خالية عن أهلها لم يتعرض أحد لها ، وغزى الحربية وأذلّهم غاية الذل ، وكانت له فراسة تامة ، وبنى بيته [الذي](٣) بأجياد الذي فوق الجبل.

ثم الشريف أحمد بن مساعد بعد موت الشريف سرور ، ولم يمكث إلا ثلاثة أيام أو خمسة ، وخلعه الشريف سيدنا غالب بن سيدنا الشريف مساعد بن سيدنا الشريف مسعود بن سيدنا الشريف سعد بن الشريف زيد ... إلى آخر نسب أبي نمي بن سعيد بن سيدنا الشريف مسعود بن سيدنا الشريف سعد بن الشريف زيد ... إلى آخر نسب أبي نمي ، فسار في وقته بالقوة ، وكان شجاعا. اقتنى من العبيد والعقار شيئا كثيرا لم يسبق مثله في الحزم ، إلا أن في أيامه ظهرت فرقة من الشرق يقال لهم : الوهابية (٤) ، كبيرهم سعود ، وهم من بلاد حنيفة [التي](٥) منها مسيلمة الكذاب ، والآن اسمها الدرعية.

وخلاصة الكلام على ما ذكره رفاعة في الجغرافيا على ظهور الوهابية ، وهذا المذهب المخالف للسنة المحمدية وما حدث له في القوة والبأس هو : أنه

__________________

(١) في الأصل : ثمانية.

(٢) في الأصل : اثنين.

(٣) في الأصل : التي.

(٤) انظر ص : ١٥٦.

(٥) في الأصل : الذي.

٧٩٦

تحدث العرب خصوصا أهل اليمن بأن فقيرا يقال له : سليمان ، رأى في المنام أن شعلة نار خرجت من ظهره وانتشرت ، وسارت ترعى من لقيها ، فقص هذه الرؤيا على بعض المعبرين ففسّرها بأن أحد أولاده يجدّد دولة قوية ، فتحققت الرؤيا في ابنه الشيخ محمد بن عبد الوهاب بن سليمان المذكور ، المؤسس لهذا المذهب هو محمد بن عبد الوهاب ، ولكن نسب هذا المذهب لعبد الوهاب ، فلما كبر محمد احترمته أهل بلاده بسبب هذا المقام صدقا أو كذبا ، وأخبرهم أنه قرشي من ذرية النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وألّف لهم قواعد وهي عبادة واحد قديم قادر حق ، يثيب المطيع ويعاقب العاصي ، وأن القرآن قديم يجب اتباعه دون الفروع ، وأن محمدا هو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لكن لا ينبغي تعظيمه ولا وصفه بأوصاف المدح والتعظيم ، إذ لا يليق ذلك إلا بالقديم ، وأن الله حيث لم يرض بالإشراك سخره ليهدي الناس إلى الصراط المستقيم ، فمن امتثله منها فنعم ، ومن أبى فهو جدير بأن يقتل ، وأن البدع المستحسنة بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يجوز العمل بها ، وأنه لا يجوز زيارة وليّ بعد موته ولا الشفاعة بهم عند الله ، وأن من فعل ذلك يكون شبيها بعبدة الأوثان يستحل مالهم ويكونوا حلّ حرب مثل الكفار ، إلى غير ذلك من قواعده القبيحة (١) ، وأول ظهوره سرّا فقلده عدة أتباع ، ثم سافر الشام لهذا الشأن فخاب سعيه ولم يتبعه أحد ، فرجع لبلاده بعد ثلاث سنين ووجد بها حمي وهو ابن سعود شيخ نجد ، وعلى رأس [خمس عشرة](٢) سنة وسع بلاده وظن أن محمد الوهابي يجذب العرب بمذهبه وحميته ، فأعان هذا المذهب فاتبع ، وتبعته سائر أهل نجد ، فرتب مذهبه وجعله مطردا ، ثم

__________________

(١) انظر تعليقنا (ص : ١٥٦).

(٢) في الأصل : خمسة عشر.

٧٩٧

أظهر الاجتهاد وأنه كبير الوهابية ، وابن سعود أميرهم وقائد عساكرهم ، فصارت ذرية كلا من الاثنين يتولى رتبة سلفه ، واختاروا قاعدة بلدهم الدرعية في الجانب الشرقي ، ولا زال ابن سعود مشتغلا بما في باله من توسيع ولايته ، فاصطنع جيشا جيدا ، وسار يزيد اجتهاده لهم وتبشيره لهم بالنصر ، وجهز جيشا يفوق عن عشرين ألفا ، فسلم له عرب البادية قبيلة بعد قبيلة حتى ملك الحجاز إلى قرب الشام ، ودخلوا مكة إلى أن كسر شوكتهم الحاج محمد علي باشا صاحب مصر وردهم إلى محلهم ، وكان دخولهم مكة سنة ألف ومائتين [وست عشرة](١) ، وصار بين الشريف غالب صاحب مكة وبينهم حروبا ووقائع يطول شرحها.

وقد ألف الشيخ عبد الله عبد الشكور هندية في حروبهم مع صاحب الترجمة كتابا حافلا.

وحصروا عن مكة الطعام حتى قاسوا أهلها من الجوع أشد ما يكون. والحاصل أنهم يكرهون أهل السنة والجماعة ويسمونهم المشركين ، ومساجدهم من غير قبب ، ويدفنون موتاهم من غير مشهد ، ولأجل هذا هدموا جميع قبب الأولياء والصحابة التي بمكة ، وكذا التي بالمدينة ما عدا قبته صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلم يقدروا على هدمها ، لكن نهبوا ما في الحجرة الشريفة مما هو من الخزائن والجواهر (٢) ، وبقوا مستولين على الحجاز ومكة والمدينة ، وانقطع الحج المصري والشامي في أيامهم إلى أن أخرجهم من مكة والمدينة والحجاز ، وقتل منهم مقتلة عظيمة.

وفي ألف ومائتين [وثمان](٣) وعشرين لتسع عشرة خلت من ذي

__________________

(١) في الأصل : وستة عشر.

(٢) هذا من تجني المؤلف على الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي يعد من الدعاة المصلحين ، المشهود له بالعلم والدين ، الذي دعى إلى تجريد التوحيد وإخلاص العبادة لله وحده ، وترك البدع وإقامة شعائر الإسلام.

(٣) في الأصل : ثمانية.

٧٩٨

القعدة قبض الحاج محمد علي باشا على صاحب الترجمة بحيلة وأرسله إلى سنانيك بلدة من أرض الروم ، وما زال بها حتى توفي رحمه‌الله ، وهو الذي بنى البيت الذي بجياد ، وكذا قلعة جبل الهندي ، وقلعة جبل لعلع والأبراج التي حوالي مكة ، وكان شجاعا لكن قدر الله مقدورا. كذا بخط بعض الأفاضل.

ثم وليها الشريف يحيى بن سرور بن مساعد بن سعيد بن مسعود سنة ألف ومائتين [وثمان](١) وعشرين لعشرين خلت من ذي القعدة ، وما زال واليا حتى وشى بينه وبين أحمد باشا نائب محمد على باشا.

وفي ألف ومائتين [واثنين](٢) وأربعين قتل الشريف شنبر في السادس والعشرين من شعبان بعد المغرب ، وكادت البلد أن تفتتن ، ثم توجه الشريف يحيى إلى مصر وتوفي بها.

ثم ولي إمارة مكة سيدنا الشريف عبد المطلب بن الشريف غالب ، وكان مثل والده صاحب عزم وشجاعة ، وكانت البلد مفتتنة ، وحصل بينه وبين عساكر محمد علي باشا قتال عظيم ، فوصل الخبر إلى مصر بما وقع وكان إذ ذاك سيدنا الشريف محمد بن سيدنا الشريف عبد المعين بن الشريف عون بن الشريف محسن بن عبد الله بن حسين بن عبد الله بن حسن بن أبي نمي ... إلى آخر نسب أبي نمي بالنسب المتقدم ذكره إلى أبي نمي بمصر ، فولاه الحاج محمد علي باشا على مكة والمدينة والحجاز وما والاها لما ظهر له من شجاعته وحسن تدبيره وتوفر عقله ، وأرسل يطلب له الفرمان من مولانا السلطان محمود خان ، فتوجه من مصر ومعه العساكر

__________________

(١) مثل السابق.

(٢) في الأصل : اثنين.

٧٩٩

والخيل والرجال ، وكان وصوله إلى جدة يوم الخميس سلخ (١) ربيع الأول سنة ألف ومائتين [وثلاث](٢) وأربعين ، وتوجه إلى مكة ، فلما وصل إلى مكة وجد الحرب بين الشريف عبد المطلب وبين العساكر المقيمين بمكة من طرف محمد علي باشا بمنى وبالخندمة ، فلما وصل صاحب الترجمة انكسرت عساكر الشريف عبد المطلب ، ونجا بنفسه وخواصه إلى الطائف ، [وحوصر](٣) بها أياما ، ثم تركها وتوجه إلى الأستانة العلية على طريق الشرق لتسع وعشرين خلون من رجب ، وكان ذلك يوم الجمعة. كذا بخط بعض الأفاضل.

واستقرت السلطنة بمكة والمدينة وجدة والحجاز وما والاها واليمن لصاحب الترجمة ، فسار مولانا المشار إليه على أحسن سيرة حاميا حول البيت المعظّم ، وذابّا عن سوحه المطهّر المفخم ، حتى أنه من مزيد أمنه اختلط فيه العرب والعجم ، ورعى الذئب مع الغنم ، وأمّن السبل الحجازية ، ومهّد الطرق الحرمية ، فكانت تشدّ الرحال في سائر جهاته ، وليس معها خفير سوى الأجير لا يفقد منها صواع ، ولا يختلس منها ولا قدر صاع ، وربما ترك المتاع صاحبه في الفقراء [لسبب](٤) ليؤتى له بما يحمل فيجده سالما من الآفات ، ولما طالت الأوقات مع كثرة الطارقين لتلك المعاهد والسالكين لهذا الوطن والقاصد ، ولم يعهد هذا إلا في زمن هذا الملك العادل ، ولم ينقل مثله عن مثله من الملوك الأوائل ، فلقد كانت هذه

__________________

(١) السّلخ : آخر الشهر (المعجم الوسيط ١ / ٤٤٢).

(٢) في الأصل : ثلاثة.

(٣) في الأصل : وحاصر.

(٤) في الأصل : السبب.

٨٠٠