تحصيل المرام - ج ١-٢

الشيخ محمّد بن أحمد بن سالم بن محمّد المالكي المكّي [ الصبّاغ ]

تحصيل المرام - ج ١-٢

المؤلف:

الشيخ محمّد بن أحمد بن سالم بن محمّد المالكي المكّي [ الصبّاغ ]


المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الأسدي للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١٠٧٤

وحديد تعلق فيها القناديل في الرواقات ، وكمل عمارة المسجد في سنة [سبع](١) وثمانمائة ، وكان ذلك العمل في دولة أبو السعادات الناصر زين الدين فرج [بن](٢) برقوق رحمه‌الله (٣).

ومن العمائر الحرمية في أيامه : تجديد عقد (٤) المروة بعد سقوطه وذلك في سنة إحدى وثمانمائة (٥). ذكره القطب (٦).

قال القليوبي : وعمّرت في زمن الناصر المذكور المقامات الأربعة ـ أي : مقامات الأئمة ـ. انتهى.

وفي سنة [خمس](٧) وعشرين وثمانمائة تولى السلطان بارسباي ، وكان عامله بمكة الأمير مقبل القديدي فأمره سنة [ثلاث](٨) وثلاثين وثمانمائة بعمارة أماكن متعددة في الحرم قد استولى عليها الخراب ، فأحسن بنيانها ، وجدّد كثيرا من سقف المسجد ، وأيضا عمّر باب الجنائز وذلك في [سنة ست وعشرين وثمانمائة](٩).

__________________

(١) في الأصل : سبعة.

(٢) قوله : بن ، زيادة من الإعلام (ص : ١٩٦).

(٣) الإعلام (ص : ١٩١ ـ ١٩٦).

(٤) العقد : عرفت العمارة الإسلامية أنواعا مختلفة من العقود ، وفضل كل بلد نوعا ، ومن العقود التي استعملت في العمارة الإسلامية :

أ ـ عقد على شكل حدوة الحصان ، يتألف من قطاع دائري أكبر من نصف دائرة.

ب ـ والعقد المخموس ، ويتألف من قوس ودائرتين ، وهو مدبب الشكل.

ج ـ العقد ذو الفصوص ، ويتألف من سلسلة عقود صغيرة ، واستعمل في بلاد المغرب (انظر : تاريخ العمارة في العصور الوسطى ٢ / ٢٥٣).

(٥) في الإعلام : سنة ٨١١.

(٦) الإعلام (ص : ١٩٨).

(٧) في الأصل : خمسة.

(٨) في الأصل : ثلاثة.

(٩) إتحاف الورى (٣ / ٥٩٨). وفي الأصل : سنة عشرين وثمانمائة. والتصويب من إتحاف

٣٦١

قال النجم ابن فهد (١) : وفي هذه السنة عمّر الأمير مقبل القديدي عدة عقود في المسجد الحرام في الجانب الشامي من الدكة المنسوبة إلى القاضي [أبي](٢) السعود ابن ظهيرة إلى باب العجلة خلف مقام الحنفي ، وزاد في عرض العقود التي [تلي](٣) صحن المسجد من هذا الجانب ثلاثة عقود في الصف الثالث ، وأحكم هذه الأساطين التي عليها العقود ؛ وهي سبعة في الرواق الأول ، وثمانية في الذي يليه ، وثلاثة في الذي يليه ، وسبعة متصلة بجدار المسجد.

وجدّد من أبواب المسجد ؛ باب العباس ، وهو ثلاثة طاقات ، وباب علي وهو ثلاثة كذلك ، والباب الأوسط من باب الصفا [وهي](٤) خمسة ، وباب العجلة وهو واحد ، [وأحد بابي الزيادة ، وهو الواقع في الركن الغربي من الزيادة](٥) ، ورمّم باقي أبواب المسجد ، وبيّض [غالبه](٦) وأصلح سقفه ، كلّ ذلك على يد الأمير مقبل القديدي والمعمار جمال الدين يوسف (٧).

__________________

الورى ، الموضع السابق ، والغازي (١ / ٦٣٣).

(١) إتحاف الورى (٣ / ٥٩٩).

(٢) في الأصل : أبو.

(٣) في الأصل : في. والتصويب من الإعلام (ص : ٢١١) ، وإتحاف الورى (٣ / ٥٩٩) ، والغازي (١ / ٦٣٣).

(٤) في الأصل : وهو. والتصويب من الإعلام (ص : ٢١١).

(٥) في الأصل : وباب الزيادة ـ وهو الواقع في الركن الغربي ـ واحد. والمثبت من الإعلام (ص : ٢١٣) ، والغازي (١ / ٦٣٣).

(٦) في الأصل : المسجد. والتصويب من الإعلام (ص : ٢١٢) ، والغازي (١ / ٦٣٣).

(٧) إتحاف الورى (٣ / ٥٩٩ ـ ٦٠٠) ، وانظر الإعلام (ص : ٢١١ ـ ٢١٢).

٣٦٢

وفي سنة [ثلاث وأربعين](١) وثمانمائة في دولة السلطان جقمق ، وكان عامله بمكة الأمير سودون المحمدي (٢) فبيّض مئذنة باب الحزورة ، ورمّم أسفل مئذنة باب علي ، وأصلح سقف المسجد من تلك الجهة لخرابه ، وأصلح الرفرف (٣) الدائر الذي كان بالمسجد في زمنه ، وبيّض علو مقام إبراهيم ومقام الحنفي وعتبة باب إبراهيم والأميال [التي](٤) بالمسعى.

وفي سنة [اثنتين](٥) وخمسين عمّر الأمير بيرم الخواجة (٦) ناظر الحرم في الجانب الشرقي قطعة من جدار المسجد الحرام مما يلي رباط السّدرة (٧) الذي هو الآن رباط قايتباي ، وعمّر شباك خلوة تنسب للشيخ جمال الدين

__________________

(١) في الأصل : سبع وخمسين. وهو خطأ. والتصويب من الغازي (١ / ٦٣٣).

(٢) الأمير سودون هو : سيف الدين سودون بن عبد الله المحمدي مملوك لسودون المحمدي الظاهري برقوق الذي عرف بالمجنون. صار خاصكيا بعد قتل أستاذه ، ورأس نوبة الجمدارية في أيام الأشرف برسباي ، ثم ولي نظر الحرم الشريف بمكة أكثر من مرة ، بعدها ولي نيابة قلعة دمشق حيث توفي بها (انظر : النجوم الزاهرة ١٥ / ٢٧٩ ، ٥١٦ ـ ٥١٧ ، وإتحاف الورى ٤ / أخباره متفرقة بين ص : ٦٧ ـ ١٨٤ ، والضوء اللامع ٣ / ٢٨٥ ـ ٢٨٦ ، وبدائع الزهور ٢ / ٢٥٤).

(٣) الرفرف : هو بروز خشبي أعلى الفتحات ، ويثبت في الحائط فوق المقاعد أو المساطب ، للوقاية من المطر أو أشعة الشمس ، كما يستخدم في تغطية الميضأة ، ووسط الصحن في المدارس والمساجد (العصر المملوكي ص : ٤٤١ ، والتراث المعماري ص : ٢١).

(٤) في الأصل : الذي.

(٥) في الأصل : اثنين.

(٦) بيرم : هو بيرم خواجا بن قشتدي أصلي الشاد. ولي نظر المسجد الحرام والحسبة بمكة أكثر من مرة. توفي فيها سنة ٨٦٠ ه‍ (انظر : إتحاف الورى ٤ / ٢٦٠ ، ٢٧٣ ، ٢٧٤ ، ٢٨٠ ، ٢٨٦ ، ٢٩٨ ، ٣٦٣ ، والضوء اللامع ٣ / ٢٢).

(٧) رباط السّدرة : يقع بالجانب الشرقي من المسجد الحرام ، على يسار الداخل إلى المسجد الحرام من باب بني شيبة ، ولا يعرف من وقفه ولا متى وقف ، إلا أنه كان موقوفا في سنة أربعمائة ، وقد حوّل رباطا للسلطان قايتباي المحمودي (إتحاف الورى ٤ / ٢٨٠ ، والإعلام ص : ٢١٨ ، والعقد الثمين ١ / ٢٨١ ، وشفاء الغرام ١ / ٦٠٧).

٣٦٣

محمد بن إبراهيم المرشدي ، [وجدّد](١) في الرّواق القبلي من الجانب الثاني سبعة عقود (٢).

وفي سنة ست وتسعمائة أمر السلطان الغوري بعمارة باب إبراهيم وأن يجعل في علوه قصرا وبجانبه بيتان وبترخيم الحجر. انتهى.

ثم آل أمر الحرمين إلى سلاطين آل عثمان أيدهم الله بالعز والنصر فهدموا جميع ما ذكر وغيّروه بعمارة حسنة كما سنذكره إن شاء الله تعالى.

فائدة : لما كانت سلطنة السلطان سليم بعد فتح مصر في عام اثنين وعشرين وتسعمائة أمر بالمحمل الشريف وبعمارة مقام الحنفي وبإرسال حب إلى أهل الحرمين.

الفصل الثاني : في تجديد آل عثمان الحرم الشريف

وتعمير سقفه بقبب ، وانتظامه بهذه الحالة الموجودة إلى الآن ، وذكر ذرعه

وعدد أساطينه وقببه وشرفاته وبيبانه إلى آخر ما يأتي إن شاء الله

قال القطب الحنفي (٣) : اعلم أن هذه العمارة الموجودة الآن وقعت في أيام السلطان سليم خان عليه من الله الرحمة والرضوان ، وسبب الأمر الشريف : أن الرواق الشرقي مال إلى ناحية الكعبة بحيث برزت رؤوس أخشاب السقف من محل تركيبها في جدار المسجد ، وذلك الجدار هو جدار مدرسة قايتباي وجدار مدرسة الأفضلية (٤) في شرق المسجد ، وفارق

__________________

(١) في الأصل : وحده. انظر إتحاف الورى (٤ / ٢٨١).

(٢) إتحاف الورى (٤ / ٢٨٠ ـ ٢٨١).

(٣) الإعلام (ص : ٣٩٠ ـ ٣٩٧).

(٤) المدرسة الأفضلية : هي مدرسة الملك الأفضل عباس بن الملك المجاهد صاحب اليمن ، تقع بالجانب الشرقي من المسجد الحرام ، وقفت على فقهاء الشافعية سنة ٧٧٠ ه‍ (العقد

٣٦٤

خشب السقف عن محل تركيبه في الجدار المذكور أكثر من ذراع ، ومال وجه الرواق إلى صحن المسجد ميلا ظاهرا بيّنا ، [وصار](١) نظّار الحرم يصلحون المحل الذي فارق الخشب إما بتبديل خشب السقف (٢) بأطول منه ، أو بنحو ذلك من العلاج.

وأما الرواق الذي ظهر ميله إلى صحن الحرم ، فترّسوه بأخشاب كبار حفروا لها في أرض المسجد لأجل [أن](٣) تمسكه من السقوط ، وصار الرواق الشرقي متماسكا على هذا الأسلوب في أواخر دولة السلطان سليمان ، وصدرا من دولة المرحوم سليم خان رحمهم‌الله.

ثم لما كثر ميلان الرواق المذكور عرض ذلك على السلطان المرحوم سليم خان في سنة [تسع](٤) وسبعين ، فبرز الأمر بالمبادرة إلى بناء المسجد جميعه على وجه الإتقان والإحكام ، وأن يجعل عوض السقف قبابا دائرة بأرواق المسجد ليأمن تآكل الخشب ، [فإن خشب السقف كان متآكلا من جانب طرفيه بطول العهد ، فكان يحتاج بعض السقف إلى تبديل خشبه بخشب أخر في كل قليل](٥) ، إذ لا بقاء للخشب [زمانا طويلا مع تكسّر بعضه](٦) ، وكان المسجد قبل هذه العمارة الموجودة الآن له سقفان ، بين

__________________

الثمين ١ / ٢٨٠ ، وشفاء الغرام ١ / ٦٠٣).

(١) في الأصل : وصاروا. والتصويب من الإعلام (ص : ٣٩١).

(٢) في الأصل زيادة : أو. وانظر الإعلام ، الموضع السابق.

(٣) قوله : أن ، زيادة على الأصل.

(٤) في الأصل : تسعة.

(٥) ما بين المعكوفين زيادة من الإعلام (ص : ٣٩١).

(٦) مثل السابق.

٣٦٥

كل سقف فرجة قدر [ذراعين](١) بذراع العمل ، وكانت الحيات والدواب تأوي بين هذين السقفين ، فكان من أحسن نظر الدولة العلية تبديل السقوف بالقبب ، ووصلت أوامر السلطان إلى نائبه بمصر وهو الوزير سنان باشا (٢) ، فعيّن الوزير لهذه الخدمة الشريفة أحمد بيه ، وأضيف إليه بقية عمل دبل عين عرفات من الأبطح (٣) إلى أسفل مكة على ما يأتي ذكر ذلك في ذكر عيون مكة إن شاء الله تعالى.

وأضيفت إليه أيضا صنجقية (٤) جدة ، فبعد ورود الأوامر السلطانية إليه أخذ في أهبة السفر وتوجه من طريق البحر حتى وصل جدة ، ثم وصل إلى مكة ، وكانت الأوامر السلطانية والمتكلم عليها من جناب السلطنة مولانا وناظر المسجد الحرام ومدرس أعظم مدارس سلاطين الأنام ببلد الله الحرام الشيخ حسين الحسيني ففرح بهذه الخدمة الشريفة وصارت بين مولانا الشيخ حسين المالكي والأمير أحمد بيك غاية الملائمة والاتفاق ، وبذلك حصل المراد وجرت عادة الله ، الخير في الاتفاق ، والشر في الانشقاق.

ووصل لهذه الخدمة معمار دقيق النظر أجمع المهندسون على تقدّمه ، اسمه المعمار محمد ، جاوش الديوان العالي ، فاتفق المعمار والناظر والأمير

__________________

(١) في الأصل : ذراعان. وانظر : الغازي (١ / ٦٣٧).

(٢) سنان باشا : جركسي الأصل. قدم مصر وتولاها ثلاث مرات عام ٩٧٥ ه‍ ، وعام ٩٧٩ ه‍ ، وعام ٩٩٣ ه‍ ، وله آثار بمصر والشام والحجاز (انظر ترجمته في : خلاصة الأثر ٢ / ٢١٤ ، وأوضح الإشارات ص : ١٥١).

(٣) الأبطح : أثر المسيل من الرمل المنبسط على وجه الأرض بين مكة ومنى (معجم البلدان ١ / ٧٤).

(٤) الصنجقية : يقصد بها ناحية إدارية يحكمها شخص ، وقد تطلق على الشخص نفسه (معجم الدولة العثمانية ص : ١٠٨ ـ ١٠٩) والمعنى هنا هو رئاسة منطقة إدارية.

٣٦٦

على الشروع في هدم ما يجب هدمه إلى أن [يوصل إلى](١) الأساس ، فبدأ بالهدم من جهة باب السلام في منتصف ربيع الأول سنة تسعمائة وثمانين ، وأخذت [المعاول](٢) تعمل في رؤوس شرفات المسجد وطبطابه (٣) الذي على سقفه إلى أن ينكشف السقف فينزلوا أخشابه إلى الأرض ، ويجتمع في صحن المسجد وينظف عما نقض من البناء وأتربته ، ويحمل على الدواب إلى أسفل مكة ، ثم [تمال](٤) أساطين الرخام إلى أن ينزلوها برفق ، واستمروا على هذا العمل إلى أن [نظفوا](٥) وجه الأرض من باب السلام إلى باب علي وهو الجانب الشرقي ، ثم كشفوا عن أساسه فوجدوه مختلا فأخرجوا الأساس جميعه ، وكان جدارا عريضا نازلا في الأرض على هيئة بيوت رقعة الشطرنج ، وكان موضع [تقاطع](٦) الجدارين على وجه الأرض قاعدة تركب الأسطوانة على تلك القاعدة.

فشرعوا أولا في وضع الأساس على وجه الإحكام والإتقان من جانب باب السلام ، وكان ذلك الوضع ابتداءه لستّ مضين من جماد الأول سنة [ثلاث](٧) وثمانين وتسعمائة.

واجتمعت من أهالي مكة في ذلك اليوم من الأشراف والعلماء والصالحين والفقراء ، وباشروا من ذلك العمل شيئا تبركا ، وقرئت الفواتح

__________________

(١) في الأصل : يوصلوا. والتصويب من الإعلام (ص : ٣٩١).

(٢) في الأصل : المعاويل. والتصويب من المرجع السابق (ص : ٣٩٤).

(٣) الطبطاب : الأخشاب العريضة (لسان العرب ، مادة : طبب).

(٤) في الأصل : تقام. والتصويب من المرجع السابق.

(٥) في الأصل : نضفوا. والتصويب من المرجع السابق.

(٦) قوله : تقاطع ، زيادة من الإعلام (ص : ٣٩٤).

(٧) في الأصل : ثلاثة.

٣٦٧

وذبح البقر والغنم ، وتصدق بها على الفقراء والخدّام ، ووضع الأساس المبارك بإعانة الله تعالى ، وكان يوما [مشهودا](١) مباركا ، ولله الحمد على هذا الإكرام.

وكانت الأساطين قبل هذه العمارة مبنية على نسق واحد في جميع الأروقة ، فظهر لهم أن ذلك الوضع لا يقوى على تركيب القبب عليها ؛ لقلة استحكامها ، إذ القبة لا تكون قوية إلا بحيث يكون لها دعائم أربعة قوية تحملها من جوانبها الأربع ، فرأوا أن يدخلوا بين أساطين الرخام دعائم أخر تبنى من الحجر الصوان والشميسي يكون سمك كل دعامة من تلك الدعائم أربع أسطوانات من الرخام [ليكون مدعّما](٢) لها من جوانبها الأربع فتقوى [على](٣) تركيب القبب من فوقها ، ويكون كل صف من أساطين الأروقة في غاية الزينة والقوة.

ففي أول ركن من الرواق الأول دعامة مبنية من الحجر الصوان المنحوت والشميسي ، ثم أسطوانة رخام ، ثم أخرى ، ثم أخرى ، وبين الأساطين والدعائم عقود ، وهكذا إلى آخر الصف الأول ، ثم الثاني ، ثم الثالث ، وهكذا في جميع الأروقة.

وشرعوا من ركن المسجد الذي هو من جهة باب السلام ، وقاسوا تلك الصفوف بخيوط مستوية حتى صار الصف في غاية الاستواء ، فكان في إدخال هذه الدعائم بين أساطين الرخام حكمة أخرى غير الاستحكام

__________________

(١) في الأصل : مشهورا. والتصويب من الإعلام (ص : ٣٩٤).

(٢) في الأصل : لتكون مقيما. والتصويب من المرجع السابق.

(٣) قوله : على ، زيادة من الإعلام (ص : ٣٩٥).

٣٦٨

والزينة ، [وهي](١) : أن أساطين الرخام [التي](٢) كانت بالمسجد الحرام لم تف بجوانبه الأربع ؛ لأن الجانب الغربي احترقت أساطينه في أيام [الجراكسة](٣) كما تقدم.

وبإدخال هذه الدعائم كانت كلها على نسق واحد ؛ لأن كل ثلاثة أساطين من الرخام بينهما دعامة واحدة من الحجر الصوان والشميسي وذلك في غالب الأروقة من الجوانب الأربعة ، فلما كمل الجانبين من المسجد الحرام ـ وهي الجهة الشرقية والجهة الشمالية ـ [جاء](٤) خبر وفاة السلطان سليم خان ، عليه سحائب المغفرة والرضوان.

ثم تولى بعده السلطان مراد خان عليه سحائب المغفرة والرضوان ، فأول ما بدأ به أن برز الأمر الشريف إلى الأمير أحمد بيك ، والشيخ حسين ، والمعمار في إنجاز بقية إكمال المسجد الحرام على ما كانوا عليه من العمل السابق ، وكان قبل وصول الأمر جاء سيل عظيم سنة [ثلاث](٥) وثمانين وكانت ليلة الأربعاء عاشر جماد الأول حتى بلغ المطاف ، ووصل إلى قفل البيت الشريف ، وبقي الماء [يوما](٦) وليلة لموجب الطين والتراب الكائن بسبب عمارة المسجد ، وتعطلت الجماعة سبعة أوقات ، فبادر الناظر وشريف مكة والقاضي حسين والمعمار والفقهاء والأعيان إلى تنظيف الحرم

__________________

(١) في الأصل : وهو. والتصويب من الإعلام ، الموضع السابق.

(٢) في الأصل : الذي.

(٣) في الأصل : الجراسكة. والتصويب من الإعلام (ص : ٣٩٥).

(٤) في الأصل : فجاء.

(٥) في الأصل : ثلاثة.

(٦) في الأصل : يوم.

٣٦٩

وغسل الكعبة (١) ، وشرع المعمار في قطع مسيل وادي إبراهيم من الجانب الجنوبي إلى أن ظهرت عشر درجات كانت مدفونة ، فصار السيل إذا أتى انحدر بسهولة إلى المسفلة ، وكذلك قطع من باب الزيادة إلى باب إبراهيم وجعل فيه سردابا داخل الحرم فانصان المسجد الحرام (٢) ، وفي [تلك](٣) المدة وصلت الأوامر السلطانية في بقية إكمال المسجد الحرام على ما كانوا عليه من العمل السابق ، فشرعوا في ذلك العمل إلى أن [أتموا](٤) الجانب الغربي والجنوبي من المسجد الحرام بجميع قببه وشرافاته ودرجاته من خارج وداخل في دولة هذا السلطان الأعظم ، وذلك في آخر سنة [أربع](٥) وثمانين وتسعمائة فصار المسجد الحرام نزهة للناظرين (٦).

قال القطب الحنفي (٧) : وقد أخبرني الناظر أن الذي صرف على الحرم الشريف في بنيانه وقطع السيل مائة ألف دينار ذهب ، وعشرة آلاف دينار ذهب جديد ، غير ثمن الأخشاب [التي](٨) جلبت من مصر ، وغير ثمن الحديد الذي جلب ، وجعل بين كل أسطوانتين عمودا من حديد لأجل الحمام. ذكر هذه العمارة القطب الحنفي ، ثم قال : ووردت أبيات من إسلانبول ، وأمر بها أن تكتب تلك الأبيات على بعض جدار المسجد ،

__________________

(١) انظر خبر هذا السيل في : الإعلام (ص : ٤١٢) ، وأعلام العلماء (ص : ١٢٨) ، والسنا الباهر / أحداث سنة ٩٨٣ ه‍.

(٢) انظر : منائح الكرم (٣ / ٤٦٩ ـ ٤٧٠).

(٣) في الأصل : ذلك.

(٤) في الأصل : تموا.

(٥) في الأصل : أربعة.

(٦) انظر : إتحاف فضلاء الزمن (١ / ٥٢٦ ـ ٥٣٣).

(٧) الإعلام (ص : ٤١٣).

(٨) في الأصل : الذي.

٣٧٠

فكتب منها على ظهر باب علي من جهة المسعى. انتهى (١).

والمسجد أربعة أروقة خلاف زيادة باب إبراهيم وزيادة دار الندوة ، والكعبة في الوسط ، فيه من الأسطوانات الرخام ثلاثمائة وإحدى [عشرة](٢) ، ففي جهة شرق المسجد الحرام وهو ما يقابل باب البيت اثنان وستون أسطوانة رخام ، وفي جهة شاميه ـ ويقال له : الجانب الشمالي وهو ما يقابل الحجر الشريف ـ إحدى وثمانون أسطوانة رخام ، وفي جهة غربية [أربع](٣) وستون أسطوانة سوى [ست](٤) أسطوانات من الحجر الصوان والباقي رخام ، [وفي جهة جنوبية وهو ما يقابل الركنين ٨٣ أسطوانة منها إحدى عشرة من الحجر الصوان والباقي من الرخام](٥). وفي زيادة دار الندوة [خمس عشرة](٦) أسطوانة ، من ذلك واحدة من [الحجر الصوان](٧) والباقي رخام. وفي زيادة باب إبراهيم [ست](٨) أسطوانات ، والأسطوانات [التي](٩) من الحجر الصوان والشميسي جملتها مائتان وأربعون ، وهي عبارة عن شكل مثمّن أو مسدّس أو مربّع على حسب ما اقتضاه المكان ، [وهي في طول الأسطوانة العليا مقدار الثلث](١٠) من

__________________

(١) الإعلام (ص : ٤٠٩). وانظر : منائح الكرم (٣ / ٤٧٢).

(٢) في الأصل : عشر.

(٣) في الأصل : أربعة.

(٤) في الأصل : ستة.

(٥) ما بين المعكوفين زيادة من الإعلام (ص : ٤٢١).

(٦) في الأصل : خمسة عشر.

(٧) في الأصل : حجر صوان. والتصويب من الإعلام (ص : ٤٢١).

(٨) في الأصل : ستة.

(٩) في الأصل : الذي.

(١٠) ما بين المعكوفين زيادة من الإعلام (ص : ٤٢١). وفي الأصل : ثلثاها.

٣٧١

الحجر الصوان [المنحوت وثلثاها (١) الأعلى](٢) من الحجر الشميسي المنحوت ؛ ففي شرقي المسجد الحرام ستة وثلاثون ، وفي غربيه ستة وثلاثون ، وفي جهة جنوبه ستة وستون ، وفي شماله اثنان وستون ، وأربعة في أركان المسجد ، الجملة مائتان وأربعة. وفي زيادة دار الندوة ستة وثلاثون ، وفي زيادة باب إبراهيم ستة عشر.

وأما القبب فعدتها مائة [واثنتان](٣) وخمسون ، ففي شرقي المسجد [أربع](٤) وعشرون ، وفي الجانب الشامي ست وثلاثون ، وواحدة في ركن المسجد ، وفي الغربي أربع وعشرون ، وفي الجنوبي ست وثلاثون. وفي زيادة دار الندوة [ست عشرة](٥) ، وفي زيادة باب إبراهيم [خمس عشرة](٦). وأما الطواجن فجملتها مائتان واثنان وثلاثون طاجنا (٧).

وأما الشرفات فجملتها ألف وثلاثمائة [وثمانون](٨) شرافة ، ففي شرقي المسجد مائة [واثنتان](٩) وستون ، فمن الرخام [سبع](١٠) وعشرون ، في وسطهن واحدة طويلة ، والباقي من الشميسي ، ومن جهة شاميه

__________________

(١) في الأصل : والثلثين.

(٢) ما بين المعكوفين زيادة من الإعلام (ص : ٤٢١).

(٣) في الأصل : واثنان.

(٤) في الأصل : أربعة ، وكذا وردت في الموضع التالي.

(٥) في الأصل : ستة عشر.

(٦) في الأصل : خمسة عشر.

(٧) الطاجن : هو المقلى ، وصحفة من صحاف الطعام مستديرة ، عالية الجوانب تتخذ من الفخار ، وينضج فيها الطعام في الفرن. أي أنها قبة لا رأس لها من الخارج تشبه الطاجن (انظر : المعجم الوسيط ٢ / ٥٥١ ، وأعلام العلماء حاشية ص : ١٣٠).

(٨) قوله : وثمانون ، زيادة من الإعلام (ص : ٤٢٢).

(٩) في الأصل : اثنان.

(١٠) في الأصل : سبعة.

٣٧٢

ثلاثمائة [وإحدى](١) وأربعون ، فمن الرخام [ثمان](٢) وسبعون ، منها [ثلاث](٣) رخام طوال والباقي حجر شميسي ، ومن جهة غربية مائتان وأربع ، فمن الرخام [اثنتان](٤) وعشرون في وسطهن واحدة طويلة ، والباقي شميسي ، وفي الجهة الجنوبية مثل الذي في الجهة الشامية ، وباقي العدد في زيادة دار الندوة وزيادة باب إبراهيم. ذكره القطب الحنفي (٥). انتهى.

وأما ذرع المسجد الحرام ؛ قال الأزرقي (٦) : مائة ألف وعشرون ألف مكسر. انتهى.

وقال عز الدين ابن جماعة : ومساحة المسجد الحرام ستة أفدنة ونصف وربع فدان ، والفدان عشرة آلاف ذراع بذراع العمل المستعمل في مصر وهو ثلاثة أشبار تقريبا (٧).

وقال الإمام علي بن عبد القادر الطبري (٨) : وقد ذرعناه فكان من وسط جداره الغربي ـ الذي فيه رباط الخوزي ـ قلت : هو الذي يسكنه الآن أهل اليمن ـ إلى وسط جداره الشرقي الذي فيه مدرسة قايتباي مع المرور في نفس الحجر ـ بكسر الحاء ـ واللصوق بجدار الكعبة الشامي ثلاثمائة ذراع وستة وخمسون ذراعا وثمن بالذراع الحديد ، وعرضه من

__________________

(١) في الأصل : أحد.

(٢) في الأصل : ثمانية.

(٣) في الأصل : ثلاثة.

(٤) في الأصل : اثنان.

(٥) الإعلام (ص : ٤٢١ ـ ٤٢٢). وانظر : منائح الكرم (٣ / ٤٧٧ ـ ٤٧٨).

(٦) الأزرقي (٢ / ٨١).

(٧) البحر العميق (٣ / ٢٧٩).

(٨) الأرج المسكي (ص : ١٧٦).

٣٧٣

ثلاثمائة ذراع وستة وخمسون ذراعا وثمن بالذراع الحديد ، وعرضه من الجدار القديم الذي يدخل منه إلى زيادة دار الندوة إلى وسط الجدار اليماني بين باب الصفا وباب أجياد [مارا](١) كذلك فيما بين الكعبة والمقام ، وأنت إلى المقام أقرب مائتا ذراع وستة وستون ذراعا بذراع الحديد ، وقد طابق هذا الذرع ما ذكره الفاسي في شفاء الغرام وكذا الأزرقي ، فانظرهما إن شئت.

وطول زيادة دار الندوة من جدار المسجد الكبير إلى الجدار المقابل له عند باب المنارة : أربعة وسبعون ذراعا إلا ربع ذراع ، وذرع عرضها من وسط الجدار الشرقي وهو جدار المدرسة السليمانية (٢) إلى وسط جدارها الغربي وهو وسط جدار [بيت](٣) [ميرزا مخدوم](٤) ـ هو بيت القطب صاحب التاريخ ـ سبعون ذراعا ونصف ذراع ، وذرع زيادة باب إبراهيم طولا من الأساطين مما يحاذي رباط [الخوزي](٥) إلى الجدار الذي فيه الباب سبعة وخمسون ذراعا إلا [سدسا](٦) ، وعرضه من جدار الخوزي إلى الجدار الذي فيه مدرسة الخاص اثنان وخمسون ذراعا وربع ، وهذا موافق ما ذكره الفاسي في شفاء الغرام.

وأفاد بعض مؤرخي مكة : أن ذرع هذه الزيادة تنقص قليلا لتغيير

__________________

(١) في الأصل : وصار. والتصويب من منائح الكرم.

(٢) باب السليمانية : كان ممرا لمدرستين من المدارس السليمانية إلى رباط السليمانية ، وينفذ إلى شارع سويقة ، وقد أسسه الأمير قاسم بك للسلطان سليمان خان عام ٩٧٢ (تاريخ عمارة المسجد الحرام ص : ١٣٢).

(٣) قوله : بيت ، زيادة من ب.

(٤) في الأصل : مير مخزوم. والتصويب من منائح الكرم.

(٥) في الأصل : الخوازي ، وكذا وردت في الموضع التالي. وانظر منائح الكرم (٣ / ٤٧٦).

(٦) في الأصل : سدس.

٣٧٤

الذرع ؛ لأنه آخر المؤرخين. انتهى من منائح الكرم (١).

وأما صفة المسجد الحرام قبل هذه العمارة وعدد أساطينه ، وقببه ، وذرعه ، فقد ذكره الأزرقي والفاسي (٢) فلا يحتاج إلى ذكرها ؛ لأنه لم يكن منها شيء في وقتنا ـ أي : من صفة بناء المسجد ـ.

وأما الذرع فواحد لا يزيد ولا ينقص ، وإنما الخلف في الذراع كونه بالحديد أو باليد.

وأما عدد أبوابه فتسعة عشر بابا ـ بتقديم التاء على السين ـ تفتح على [تسع](٣) وثلاثين طاقة (٤) ، في كل طاقة درفتان فيها خوخة (٥) [تفتح ، و](٦) في الدرفة اليمنى من الطاق الأوسط خوخة تغلق الدرفتان ، وتفتح الخوخة لمن يريد دخول المسجد ويخرج ، وكذا جميع الخوخات بالليل :

الأول : باب بني شيبة ، والمراد بباب بني شيبة جهة باب بني شيبة لا هذا الباب بنفسه فإنه لم يكن إلا في عمارة المهدي. وأما باب بني شيبة فهو العقد الذي على أصل المسجد القديم بدليل قولهم : وهو باب بني عبد [شمس](٧) ، وهذا الباب إنما حدث في زمن بني العباس (٨).

__________________

(١) في الأصل : الكرام.

انظر : منائح الكرم (٣ / ٤٧٣ ـ ٤٧٧).

(٢) الأزرقي (٢ / ٨١ ـ ٨٢) ، وشفاء الغرام (١ / ٤٤١).

(٣) في الأصل : تسعة.

(٤) في البحر العميق : تفتح على ثمانية وثمانين طاقا.

(٥) الخوخة : باب صغير وسط باب كبير نصب حاجزا بين دارين (المعجم الوسيط ١ / ٢٦١).

(٦) ما بين المعكوفين زيادة من الإعلام (ص : ٤٢٣).

(٧) في الأصل : الشمس.

(٨) في هامش الأصل : وفي حاشية الحاوي على أقرب المسالك : وفي الحقيقة باب السلام المعروف الآن موصل إليه ، وبه الآن قوصرة بوسط صحن الحرم يمر منها الداخل من

٣٧٥

قال القرشي (١) : و [يقال له](٢) باب السلام (٣) [وهو باب بني عبد شمس بن عبد مناف ، وبهم كان يعرف في الجاهلية عند أهل مكة](٤) وفيه ثلاثة طاقات.

قال الأزرقي (٥) : وهو الذي يدخل منه الخلفاء. قال : وفي عتبة هذا الباب حجارة طوال مفروشة بها العتبة ، قال : سألت جدي عنها : أبلغك أن هذه الحجارة الطوال كانت أوثانا في الجاهلية تعبد ، فإني أسمع بعض الناس يذكرون هذا الأمر؟ فضحك ، وقال : لعمري ما كانت بأوثان ، ما يقول هذا الأمر إلا من لا علم له ، إنما هي أحجار كانت فضلة مما قلع القسري لبركته التي يقال لها : بركة البردى بفم الثقبة (٦) وأصل ثبير ، كانت حول البركة مطروحة حتى نقلت حين بنى المهدي المسجد فوضعت حيث رأيت. انتهى.

وهي ثلاثة أحجار ، حجرين مفروشين والآخر في الوسط ، وعلى رأس الحجر الأوسط من طرفه رأس قدر نصف ذراع. انتهى من البحر

__________________

المعروف الآن موصل إليه ، وبه الآن قوصرة بوسط صحن الحرم يمر منها الداخل من باب السلام القاصد للكعبة ، فلو دخل شخص من أي باب وتوصل للكعبة من تلك القوصرة فقد أتى بالمندوب.

(١) البحر العميق (٣ / ٢٨٠).

(٢) قوله : يقال له ، مطموس من الأصل ، والمثبت من ب.

(٣) باب السلام : من الأبواب التي أحدثها الخليفة المهدي العباسي ، وكان قبل التوسعة دورا لأهل مكة ، فاشتراها المهدي وأدخلها في الحرم ، ثم جدّدت عمارته بأمر السلطان سليمان خان عام ٩٨٠ ه‍ ، ولا يزال على عمارته إلى الآن. (الإعلام ص : ٦٨ ، وتاريخ عمارة المسجد الحرام ص : ١١٣).

(٤) ما بين المعكوفين مطموس في الأصل ، والمثبت من ب (وانظر : البحر العميق ٣ / ٢٨٠).

(٥) الأزرقي (٢ / ٧٧ ـ ٧٨).

(٦) الثقبة : جبل بين حراء وثبير بمكة ، وتحته مزارع (معجم البلدان ٢ / ٨١).

٣٧٦

العميق للقرشي.

[وقال](١) محيي الدين ابن العربي قدس‌سره : هبل هو الحجر الذي يطؤه الناس في العتبة السفلى من باب بني شيبة ، وبلّط الملوك فوقه البلاط. كذا في حسن المسامرة.

قال القطب (٢) : ولم يجدد فيه شيئا من العمارة أي : عمارة آل عثمان الحرم لكونه محكم البناء. انتهى.

فائدة لطيفة : من خيرات الملك الظاهر [أبي](٣) الفتح سيف الدين ططر الظاهري [الجراكسي](٤) ، [بل](٥) من أعظم خيراته : قرر لصاحب مكة الشريف حسن بن عجلان ـ وذلك في سنة سبع [عشرة](٦) وثمانمائة ـ ألف دينار ذهب تحمل إليه من خزانة مصر في كل عام ، وجعل ذلك في مقابلة ترك المكس (٧) عن الخضر والفواكه والحبوب وغيرها الواردة إلى مكة ، وأمر أن تكتب هذه ، واعتراف الشريف بذلك على بعض أساطين الحرم من ناحية باب السلام ومن ناحية باب الصفا بإسقاط المكوس ، وأن لا يكلف شريف مكة أحدا بأخذ القرض ، والسواري المكتوبة بهذه العهدة موجودة إلى الآن. ذكره القطب (٨).

__________________

(١) في الأصل : لكن قال.

(٢) الإعلام (ص : ٤٢٣).

(٣) في الأصل : أبو ، وهو لحن.

(٤) في الأصل : الجراسكي.

(٥) زيادة على الأصل.

(٦) في الأصل : عشر.

(٧) المكس : الضريبة التي تفرض على التجار (المعجم الوسيط ٢ / ٨٨١) ، وقد تفرض على غيرهم من الطوائف (التعريف بمصطلحات صبح الأعشى ص : ٣٢٥).

(٨) الإعلام (ص : ٢٠٥ ـ ٢٠٦).

٣٧٧

ثم قال : ومن خيرات السلطان قايتباي المحمودي [الجراكسي](١) : أمر بتبطيل المكوس من مكة ، وأن ينقر ذلك على أسطوانة من أساطين الحرم عند باب السلام. انتهى ما ذكره القطب (٢).

الثاني : باب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعرّفه القرشي بباب الجنائز (٣) ، قال : وإنما سمي باب النبي ؛ لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يخرج منه إلى دار خديجة رضي‌الله‌عنها ، وفيه طاقان.

قال القطب (٤) : لم يجدد في هذا الباب شيء غير الشرافات التي عليه ، وعدتها [أربع](٥) وعشرون شرافة. انتهى.

الثالث : باب العباس بن عبد المطلب (٦) رضي‌الله‌عنه ، وعنده علم المسعى ـ أي : ميل حد الهرولة ـ من خارج ، وفيه ثلاثة طاقات ، وسمّاه صاحب النهاية وابن الحاج في منسكه ، باب الجنائز.

قال القرشي (٧) : ولعله كانت الجنائز يصلى عليها عنده. ويؤيد ذلك ما

__________________

(١) في الأصل : الجراسكي.

(٢) الإعلام (ص : ٢٢٣).

(٣) باب الجنائز : الظاهر من تسميته بهذا الاسم : أن الجنائز كانت تخرج منه في ذلك العصر ، ويقال له باب النبي ؛ لأنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يخرج منه إلى دار السيدة خديجة ويدخل منه إلى المسجد ، ويقال له أيضا باب القفص ؛ لأن الصاغة كانوا يقطنون قديما تلك الجهة ويضعون الحل في أقفاص بقرب الباب المذكور ، وقد أحدث هذا الباب الخليفة المهدي العباسي ، كما جدّده الملك الأشرف قايتباي (تاريخ عمارة المسجد الحرام ص : ١١٦).

(٤) الإعلام (ص : ٤٢٣).

(٥) في الأصل : أربعة.

(٦) باب العباس : سمي بذلك ؛ لأنه يقابل دار العباس التي بالمسعى الشهيرة باسمه إلى الآن ، ويقال له باب الجنائز أيضا ؛ لأنها تخرج منه في الغالب ، وقد أنشأه الخليفة المهدي العباسي ، وجددت عمارته عام ٩٨٤ (تاريخ عمارة المسجد الحرام ص : ١١٨).

(٧) البحر العميق (٣ / ٢٨٠).

٣٧٨

ذكره الفاكهي (١) : أنه كان يصلى على الجنائز عند باب بني شيبة وباب العباس وباب الصفا. قال : وكان الناس فيما مضى يصلون على الرجال المشهورين ـ أي : الأعيان ـ في المسجد الحرام. انتهى.

يفهم منه أنه لا يصلى في المسجد الحرام على غير الأعيان.

قال القرشي (٢) : وأما في زماننا فيصلى على الموتى جميعهم داخل المسجد الحرام ، غير أن المشهورين [من](٣) الناس يصلّى عليهم عند باب الكعبة ، ويحكى أنهم كانوا يصلون على الأشراف وقريش ، ورأينا في زمننا يصلون عند باب الكعبة على غيرهم من الأعيان ، وبعض الناس نازع في ذلك وقال : إنه لا يصلّى عند باب الكعبة إلا على الأشراف وقريش ، وأنه لا يخرج غيرهم وإن كان من العلماء والأعيان من باب بني شيبة ، وهذا شيء لم يرد به أثر.

وأما ما يفعله الأشراف في زماننا من الطواف بالميت حول الكعبة الشريفة أسبوعا فبدعة شنيعة لم تنقل عن أحد من السلف الصالح.

وأما الصلاة على الموتى عند باب الكعبة ؛ فكلام الفاكهي يقتضي : أن آدم عليه الصلاة والسلام صلّي عليه عند باب الكعبة. انتهى كلام القرشي (٤).

قلت : وفي زماننا يصلّى على جميع الناس ، ذكر وأنثى ، حر وعبد ، شريف وعالم ، عند باب الكعبة ، ويخرجون من باب بني شيبة ، ومن أيّ

__________________

(١) أخبار مكة (٢ / ٢٠٢).

(٢) البحر العميق (٣ / ٢٨٠).

(٣) في الأصل : بين. والتصويب من البحر العميق (٣ / ٢٨٠).

(٤) البحر العميق (٣ / ٢٨٠).

٣٧٩

مكان يريدون الخروج ، ولا مزية لأحد ، ولم يطف بأحد حول البيت بالميت ولله الحمد. انتهى.

الرابع : باب علي ، ويقال له باب بني هاشم (١) ، وفيه ثلاثة طاقات ، وعرّفه الأزرقي (٢) بأنه باب بني هاشم.

قال القطب (٣) : وقد جدّد ـ أي : زمن عمارة المسجد ـ هذا الباب والذي قبله ، وعدد ما [عليهما](٤) من الشرفات مائة [وخمس عشرة](٥) ، وهذه الأبواب الأربعة في الشق الذي يلي المسعى وهو الشرقي.

الخامس : باب ابن عائذ ، هكذا عرفه الأزرقي (٦) ، ويقال له اليوم : باب بازان (٧) ، وفيه طاقان.

قال القطب (٨) : وقد جدّد هذا الباب بأسلوب حسن ، [وعدد](٩) ما عليه من الشرفات [تسع عشرة](١٠) شرافة.

__________________

(١) باب علي أو باب البطحاء : أنشأه الخليفة المهدي في عمارته عام ١٦٤ ه‍ ، وجددت عمارته عام ٩٨٤ (تاريخ عمارة المسجد الحرام ص : ١١٩).

(٢) الأزرقي (٢ / ٨٨).

(٣) الإعلام (ص : ٤٢٣).

(٤) في الأصل : عليه.

(٥) في الأصل : وخمسة وعشرون. وهو خطأ. والتصويب من الإعلام (٤٢٣). وانظر : إتحاف فضلاء الزمن (١ / ٥٤١).

(٦) الأزرقي (٢ / ٨٩).

(٧) باب بازان : ويسمى باب بني عائذ أو باب النعوش ؛ لأن النعوش كانت تخرج منه إلى شارع القشاشية ، ومنه إلى المعلى ، وقد أنشأه الخليفة المهدي عام ١٦٤ (تاريخ عمارة المسجد الحرام ص : ١٢٠).

(٨) الإعلام (ص : ٤٢٣).

(٩) في الأصل : عدد. والتصويب من الإعلام.

(١٠) في الأصل : تسعة عشر.

٣٨٠