تحصيل المرام - ج ١-٢

الشيخ محمّد بن أحمد بن سالم بن محمّد المالكي المكّي [ الصبّاغ ]

تحصيل المرام - ج ١-٢

المؤلف:

الشيخ محمّد بن أحمد بن سالم بن محمّد المالكي المكّي [ الصبّاغ ]


المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الأسدي للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١٠٧٤

[فوضعته](١) تحت الشق الآخر وغسلته فغابت رجله فيه ، فجعله الله تعالى في الشعائر ، وهذا مروي عن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما وابن مسعود (٢).

لكن قال الشيخ سليمان الجمل في حواشيه على الهمزية عند قول الناظم : ومقام فيه المقام ... ، ونصه : وأما القول بأنه هو الحجر الذي وضع عليه رجله لما اغتسل عند زوجة إسماعيل بعد موت هاجر فهو قول غريب لم يثبت.

الثالث : أنه وقف عليه فأذّن في الناس بالحج.

قال الأزرقي (٣) : لما فرغ من التأذين ، أمر بالمقام فوضعه قبلة ، فكان يصلي إليه مستقبل الباب ، ثم كان إسماعيل عليه الصلاة والسلام بعد يصلي إليه إلى باب الكعبة.

وعن أنس بن مالك قال : رأيت المقام فيه أصابعه وأخمص قدميه والعقب ، غير أنه أذهبه مسح الناس بأيديهم (٤).

وعن قتادة في قوله تعالى : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) [البقرة : ١٢٥] قال : إنما أمروا أن يصلّوا عنده ولم يؤمروا بمسحه ، ولقد تكلفت هذه الأمة شيئا ما تكلفه الأمم قبلها ، ولقد ذكر بعض من رأى أثره وأصابعه ، فما زالت هذه الأمة تمسحه حتى انمحى (٥).

__________________

(١) في الأصل : فوضعه. والتصويب من المراجع التالية.

(٢) ذكره الطبري في التفسير (١ / ٥٣٧) ، وابن الجوزي في زاد المسير (١ / ١٤٢) ، والجصاص في أحكام القرآن (١ / ٩٢).

(٣) الأزرقي (٢ / ٣٠).

(٤) أخرجه الفاكهي (١ / ٤٥٠ ح ٩٨٦).

(٥) أخرجه الأزرقي (٢ / ٢٩) ، وابن جرير (١ / ٥٣٧). وذكره السيوطي في الدر المنثور (١ / ٢٩٢) ، وعزاه إلى عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والأزرقي.

٢٢١

وعن نوفل بن معاوية الديلي قال : رأيت المقام في عهد عبد المطلب مثل المهاة ، والمهاة : خرزة بيضاء. انتهى (١). ذكره القرشي (٢).

وأما موضعه زمن إبراهيم عليه الصلاة والسلام وزمن الجاهلية وزمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبي بكر وعمر رضي‌الله‌عنهما ومن رده إلى محله الذي هو به الآن هل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو عمر رضي‌الله‌عنه؟ فقد اختلف في ذلك ، ذكر شيخنا في حاشيته على توضيح المناسك ولفظه : قوله : يصلي خلف المقام أي : الحجر الذي أنزل من الجنة فقام عليه إبراهيم عليه الصلاة والسلام عند بناء الكعبة لما أمر به ، وأري سحابة على قدرها ، فكان الحجر يقصر به إلى أن يتناول الآلة من إسماعيل صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم يطول إلى أن يضعها ، ثم بقي مع طول الزمن وكثرة الأعداء بجانب باب الكعبة ، حتى وضعه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمحله الآن على الأصح من اضطراب في ذلك ، ولما صلى صلى‌الله‌عليه‌وسلم خلفه [ركعتي](٣) الطواف قرأ : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) [البقرة : ١٢٥] وقيل : قام عليه سيدنا إبراهيم حين أمره الله تعالى بالأذان ، وقيل : وقف عليه حين غسلت له زوجة إسماعيل عليه‌السلام. انتهى كلامه.

وذكر القرشي (٤) : أنه كان في عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ملصقا بالبيت.

روى الأزرقي (٥) عن المطلب ابن أبي وداعة السهمي قال : كانت

__________________

(١) أخرجه الأزرقي (٢ / ٣٠) ، والفاكهي (١ / ٤٤٢ ح ٩٦٥). وذكره ابن حجر في الإصابة (٦ / ٤٨١) وعزاه للفاكهي ، وذكره السيوطي في الدر المنثور (١ / ٢٩٢) ، وعزاه إلى الأزرقي.

(٢) البحر العميق (٣ / ٢٧١).

(٣) في الأصل : ركعتين.

(٤) البحر العميق (٣ / ٢٧٢).

(٥) أخرجه الأزرقي (٢ / ٣٣ ـ ٣٤).

٢٢٢

السيول تدخل المسجد الحرام من باب بني شيبة قبل أن يردم عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه الردم الأعلى ، وكان يقال لهذا الباب باب [السيل](١) ، وكانت السيول ربما رفعت المقام عن موضعه [وربما نحّته إلى](٢) وجه الكعبة حتى جاء سيل أم نهشل ، وسمي بذلك لأنه ذهب بأم نهشل بنت [عبيدة](٣) فماتت فيه. فاحتمل المقام من موضعه هذا فذهب به حتى وجد بأسفل مكة ، فأتي به وربط في أستار الكعبة في وجهها ، وكتب بذلك إلى عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه فأقبل عمر فزعا [فدخل](٤) بعمرة في شهر رمضان وقد [غبي](٥) موضعه وعفاه السيل ، فدعا عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه بالناس ، وقال : أنشد الله [عبدا](٦) عنده علم في هذا المقام أين موضعه ، فقال المطلب ابن أبي وداعة : عندي ذلك. فقد كنت خشيت عليه هذا ، فأخذت قدره من موضعه إلى الركن ، ومن موضعه إلى باب الحجر ومن موضعه إلى زمزم بمقاط (٧) ، وهو عندي في البيت. فقال عمر رضي‌الله‌عنه : اجلس عندي ، وأرسل إليها. فأتى بها فمدها فوجدها مستوية [إلى](٨) موضعه هذا ، فسأل الناس وشاورهم ،

__________________

(١) في الأصل : السهل. والتصويب من الأزرقي (٢ / ٣٣).

(٢) في الأصل : وإلى. والمثبت من الأزرقي ، الموضع السابق.

(٣) في الأصل : عبيد. والتصويب من الأزرقي ، الموضع السابق. وانظر : (الإصابة ٨ / ٣١٦ ، وتهذيب الأسماء ٣ / ٣٣١).

(٤) قوله : فدخل ، زيادة من الأزرقي ، الموضع السابق ، والبحر العميق (٣ / ٢٧١).

(٥) في الأصل : غير. والتصويب من الأزرقي والبحر العميق ، انظر الموضعين السابقين.

وغبي : بمعنى خفي (اللسان ، مادة : غبا).

(٦) في الأصل : أعبدا. والتصويب من الأزرقي (٢ / ٣٣).

(٧) المقاط : حبل صغير يكاد يقوم من شدة فتله ، وقيل : الحبل الصغير الشديد الفتل (لسان العرب ، مادة : مقط).

(٨) في الأصل : أي. والتصويب من : الأزرقي (٢ / ٣٤) ، والبحر العميق (٣ / ٢٧١).

٢٢٣

قالوا : نعم ، هذا موضعه ، فلما [استثبت](١) ذلك عمر رضي‌الله‌عنه وتحقق عنده ، أمر به فأعلم ببناء ربطه تحت المقام ، ثم حوّله ، فهو في مكانه هذا إلى اليوم.

وروى الأزرقي أيضا (٢) عن [ابن](٣) أبي مليكة أنه قال : موضع المقام هو هذا الذي به اليوم ، وهو موضعه في الجاهلية وفي عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبي بكر وعمر رضي‌الله‌عنهما ، إلا أن السيل ذهب به في خلافة عمر رضي‌الله‌عنه ، [فجعل في وجه الكعبة حتى قدم عمر](٤) فرده بمحضر من الناس.

ونقل الأزرقي (٥) عن عروة بن الزبير : أن المقام كان عند [سقع](٦) البيت ، فأما موضعه الذي هو موضعه فموضعه الآن. وأما ما يقوله الناس : أنه كان هنالك موضعه فلا. انتهى كلام الأزرقي.

وقال مالك في المدونة (٧) ـ رضي‌الله‌عنه ـ : كان المقام على عهد إبراهيم عليه الصلاة والسلام في مكانه اليوم ، وكان أهل الجاهلية ألصقوه بالبيت خيفة السيل وكان ذلك في عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعهد أبي بكر ، فلما ولي عمر رضي‌الله‌عنهما ردّه بعد أن قاس موضعه بخيوط قديمة قيس بها حين أخبروه.

__________________

(١) في الأصل : اثتثبت. والتصويب من الأزرقي والبحر العميق ، انظر الموضعين السابقين.

(٢) أخرجه الأزرقي (٢ / ٣٥) ، وانظر : شفاء الغرام (١ / ٣٩١).

(٣) قوله : ابن ، زيادة على الأصل. وانظر : تقريب التهذيب (ص : ٣١٢).

(٤) ما بين المعكوفين زيادة من الأزرقي (٢ / ٣٥) ، والبحر العميق (٣ / ٢٧١).

(٥) أخبار مكة للأزرقي (٢ / ٣٥).

(٦) في الأصل : صنع. والتصويب من الأزرقي ، الموضع السابق.

وسقع البيت : ناحيته.

(٧) المدونة الكبرى (٢ / ٤٥٢).

٢٢٤

وحكى سند ، عن أشهب ، عن مالك أن الذي حمل عمر رضي‌الله‌عنه على ذلك ـ والله أعلم ـ لما كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم [يذكره](١) من كراهية [تغيير](٢) مراسم إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، ومنه قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعائشة : «لو لا حدثان قومك بكفر لنقضت الكعبة ... الحديث».

فرأى عمر رضي‌الله‌عنه أن ذلك ليس فيه تغيير لمكان ما رآه من مراسم إبراهيم عليه الصلاة والسلام. انتهى. ذكره القرشي (٣).

ثم قال : وفي هذا مناقضة ظاهرة لما ذكره الأزرقي عن [ابن](٤) أبي مليكة. وأما ما ذكره المطلب بن أبي وداعة فيحتمل أمرين :

أحدها : أن يكون [قول](٥) عمر رضي‌الله‌عنه : أنشد الله عبدا عنده علم في هذا المقام أين موضعه؟ أي : الذي كان عليه في عهد النبوة ، وهو المتبادر إلى الفهم ؛ لأنه كان بحّاثا [عن السنة ، وقّافا](٦) عندها ، وكذا فهمه ابن أبي مليكة ، فأثبت لذلك أن موضعه [اليوم](٧) هو الموضع الذي كان في عهد النبوة ، وإنما إلصاقه للبيت لعارض السّيل. انتهى.

وهذا الاحتمال يوافق ما تقدم أن الصحيح أن الذي أخّره إلى محله الذي هو به الآن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، تأمل. انتهى.

الثاني : أن يكون عمر رضي‌الله‌عنه سأل عن موضعه في زمن إبراهيم

__________________

(١) قوله : يذكره ، زيادة من البحر العميق (٣ / ٢٧٢).

(٢) في الأصل : تغير. والتصويب من البحر العميق ، الموضع السابق.

(٣) البحر العميق (٣ / ٢٧٢).

(٤) قوله : ابن ، زيادة على الأصل. وانظر : تقريب التهذيب (ص : ٣١٢).

(٥) قوله : قول ، زيادة من القرى (ص : ٣٤٧) ، والبحر العميق (٣ / ٢٧٢).

(٦) في الأصل : على السنة واقفا. والمثبت من القرى والبحر العميق ، الموضعين السابقين.

(٧) في الأصل : أي الذي. والمثبت من القرى والبحر العميق ، الموضعين السابقين.

٢٢٥

عليه الصلاة والسلام ليردّه إليه ؛ لعلمه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم [كان يؤثر بقاء مراسم إبراهيم ، ويكره تغييرها ، ويكون سبيله صلى‌الله‌عليه‌وسلم](١) في تقرير المقام ملصقا بالبيت إلى أن توفي صلى‌الله‌عليه‌وسلم سبيله في تقرير ما كان من الكعبة في الحجر ؛ تأليفا لقريش في عدم تغيير مراسمهم. فلذلك سأل عمر رضي‌الله‌عنه عن مكان المقام في زمن إبراهيم عليه الصلاة والسلام ليردّه إليه.

وعلى هذا التأويل فلا مناقضة بين ما رواه المطلب والإمام مالك ، فيكون الجمع بينهما أولى من ترك أحدهما ، ويكون ابن أبي مليكة قال ما قاله فهما من سياق ما رواه المطلب ، والإمام مالك أثبت ما أثبته جازما به ، فلا يكون ذلك إلا عن [توقيف](٢) ، فكان الجمع أولى. [كما قاله](٣) المحب الطبري. ذكره القرشي (٤). انتهى.

وقال الفاسي في شفاء الغرام : قال الفاكهي (٥) : كان بين المقام وبين الكعبة ممر العنز. اه.

وليس فيما ذكر مالك وابن عقبة والفاكهي (٦) من كون المقام [كان](٧) عند الكعبة ؛ لأن فيه ما يقتضي أن موضعه الآن حذو موضعه الذي كان به قدّام الكعبة.

__________________

(١) زيادة من القرى (ص : ٣٤٧).

(٢) في الأصل : توفيق. والتصويب من القرى (ص : ٣٤٧) ، والبحر العميق (٣ / ٢٧٢).

(٣) في الأصل : ما قال. والتصويب من البحر العميق ، الموضع السابق.

(٤) القرى (ص : ٣٤٧) ، والبحر العميق (٣ / ٢٧٢).

(٥) شفاء الغرام (١ / ٣٩٤) ، وأخبار مكة للفاكهي (١ / ٤٥٥) ، وأخبار مكة للأزرقي (٢ / ٣٥).

(٦) شفاء الغرام (١ / ٣٩٤) ، وأخبار مكة للفاكهي (١ / ٤٥٤).

(٧) قوله : كان ، زيادة من شفاء الغرام.

٢٢٦

والمقام الآن في جوف صندوق الذي في حوز (١) الشبابيك ، ويحاذي الصندوق الذي فيه المقام من وجه الكعبة ذراعان بالحديد ونحو خمسة قراريط بذراع الحديد ، والذراعان هما نصف الحفرة المرخّمة الملاصقة للشاذروان ، ونصف الحفرة المشار إليه هنا هو النصف الذي يلي الحجر ـ بسكون الجيم ـ ، وما زاد على الذراعين من القراريط التي هي كمال ما يحاذي الصندوق الذي فيه المقام هي إلى طرف الحفرة مما يلي الحجر ـ بسكون الجيم ـ وإذا كان كذلك فيكون موضع المقام عند الكعبة تخمينا. والله أعلم.

[وفيما](٢) بين نصف الحفرة مما يلي الحجر ـ بسكون الجيم ـ والقراريط الزائدة على الذراعين ؛ لأن ذلك يحاذي الصندوق الذي فيه المقام [الآن](٣) ، وإذا كان كذلك فهو موافق قول من قال إن موضع المقام الآن حذاء موضعه عند الكعبة. اه (٤).

وذكر القرشي أيضا (٥) : أن رجلا يهوديا أو نصرانيا كان بمكة فأسلم ـ قوله : «أسلم» الظاهر أنه زور ـ ففقد المقام ذات ليلة فوجد عنده ، أراد أن يخرجه إلى ملك الروم ، فأخذ منه وضرب عنقه.

وعن عبد الله بن السائب ـ وكان يصلي بمكة ـ قال : أنا أوّل من صلّى خلف المقام حين ردّ في موضعه هذا ، ثم دخل عمر رضي‌الله‌عنه وأنا في

__________________

(١) في شفاء الغرام : جوف.

(٢) في الأصل : فيما. وانظر : شفاء الغرام (١ / ٣٩٤).

(٣) قوله : الآن ، زيادة من شفاء الغرام (١ / ٣٩٤).

(٤) شفاء الغرام (١ / ٣٩٤).

(٥) البحر العميق (٣ / ٢٧٢) ، وانظر : شفاء الغرام (١ / ٣٩٨) ، وأخبار مكة للفاكهي (١ / ٤٥٢).

٢٢٧

الصلاة فصلّى خلفي المغرب (١). انتهى (٢).

ذكر ما جعل على المقام من الذهب والفضة ، وأول من جعل ذلك

أول ما حلّي المقام في خلافة المهدي العباسي سنة إحدى وستين ومائة. كذا ذكره الفاكهي (٣).

وروى الأزرقي (٤) عن عبد الله بن شيبة قال : ذهبنا نرفع المقام في خلافة المهدي فانثلم. قال : وهو من حجر رخو يشبه السنان ، [فخشينا](٥) أن يتفتت ، فكتبنا بذلك إلى المهدي ، فبعث إلينا بألف دينار ، فضببنا بها المقام أعلاه وأسفله ، ولم يزل ذلك الذهب عليه حتى ولي أمير المؤمنين جعفر المتوكل على الله فجعل عليه ذهبا فوق ذلك الذهب أحسن من ذلك العمل في مصدر الحاج سنة [ست](٦) وثلاثين ومائتين.

__________________

(١) أخرجه الأزرقي (٢ / ٣٦) ، وانظر : البحر العميق (٣ / ٢٧٢).

(٢) في هامش الأصل بخط الدهلوي : قال المحب الطبري فقيه الحرم ومحدثه أبو عبد الله أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر الحسيني في كتابه «القرى لقاصد أم القرى» تنبيه : وجدت بخط شيخنا الإمام العالم أبي داود سليمان بن خليل ، إمام المقام وخطيب المسجد الحرام في كتاب كبير ألّفه في مناسك الحج ما هذا صورته : ولقد سمعت من الشيوخ الذين أدركتهم بالحرم الشريف ، يقولون إن الحجرين الكبيرين المفروشين خلف المقام الشريف الذي يقف المصلي عليهما ، قد صلى عليهما بعض الصحابة. هذا آخر ما وجدت بخطه.

وقد سمعت من الثقة عنه ، أنه ذكر أن المصلي عليهما ابن عمر رضي‌الله‌عنهما. اه.

(٣) أخبار مكة للفاكهي (١ / ٤٧٦) ، وانظر : (أخبار مكة للأزرقي ٢ / ٣٦ ، وشفاء الغرام ١ / ٣٨٦ ، وإتحاف الورى ٢ / ٢١٢).

(٤) أخبار مكة للأزرقي (٢ / ٣٦) ، وانظر : شفاء الغرام (١ / ٣٨٦).

(٥) في الأصل : فخشيت. وانظر الأزرقي ، الموضع السابق ، والبحر العميق (٣ / ٢٧٢).

(٦) في الأصل : ستة ، وكذا وردت في الموضعين التاليين ، والمثبت من زبدة الأعمال (ص : ١١٧).

٢٢٨

ثم إن الذهب الذي حلّي به المقام في خلافة المتوكل لم يزل عليه إلى أن أخذه جعفر بن الفضل ومحمد بن حاتم في سنة إحدى وخمسين ومائتين ، وضرباه دنانير وأنفقاه على حرب إسماعيل العلوي فيما ذكروا.

وبقي الذهب الذي عمل في خلافة المهدي إلى سنة ست وخمسين ومائتين ، ثم قلع وضم إليه ذهب آخر وحلّي المقام بذلك كله ، وكان على المقام حلية من فضة مع الذهب فزادوا فيها في هذا التاريخ أيضا ، والذي زاد الذهب والفضة في هذا التاريخ أمير مكة علي بن الحسن العباسي. والسبب في ذلك : أن الحجبة ذكروا لعلي بن الحسن المذكور ، أن المقام قد وهى [ويخاف](١) عليه ، [وسألوه](٢) أن يجدد عمله ، فأجابهم إلى ما سألوه ، وقلع ما على المقام من الذهب والفضة ، وركب عليه الفضة والذهب ما يزيد شدة ويحسن النظر فيه ، وكان ابتداء العمل في المحرم سنة ست وخمسين ومائتين ، وكان الفراغ منه في ربيع الأول منها ، وكان جملة ما في الطوقين [اللذين عملا](٣) في المقام بالنجوم [التي](٤) فيها [ألفي](٥) مثقال ذهب إلا ثمانية مثاقيل. انتهى كلام الفاكهي مختصرا (٦).

وذكر الشيخ سعد الدين الإسفرائيني في كتابه زبدة الأعمال (٧) : أن في

__________________

(١) في الأصل : ويخافوا. والتصويب من البحر العميق (٣ / ٢٧٢).

(٢) في الأصل : وسأله. والتصويب من البحر العميق ، الموضع السابق.

(٣) في الأصل : الذي عمل. والتصويب من البحر العميق (٣ / ٢٧٢).

(٤) في الأصل : الذي.

(٥) في الأصل : ألف. والتصويب من البحر العميق (٣ / ٢٧٢) ، وانظر : الفاكهي (١ / ٤٧٨).

(٦) أخبار مكة للفاكهي (١ / ٤٧٦ ـ ٤٧٨) ، وانظر : (شفاء الغرام ١ / ٣٨٦ ، والبداية والنهاية ١١ / ٢٩ ، وإتحاف الورى ٢ / ٣٣٠ ، والبحر العميق (٣ / ٢٧٢).

(٧) زبدة الأعمال (ص : ١٤٩) ، وانظر : البحر العميق (٣ / ٢٧٢).

٢٢٩

سنة [تسع](١) وخمسين وسبعمائة في زمان القاضي شهاب الدين أحمد بن محمد بن محمد [محب الدين](٢) الطبري سرق الذي كان عليه ، فعمل عليه الفضة وهي إلى الآن. انتهى.

ذكر ذرع مقام إبراهيم

ذكر الأزرقي (٣) : أن ذرع المقام ذراع ، وأن القدمين [داخلان](٤) فيه سبع أصابع.

وقال عز الدين ابن جماعة (٥) : وحررته لما كنت بمكة سنة [ثلاث](٦) وخمسين وسبعمائة ، فمقدار إرتفاعه من الأرض نصف ذراع وربع وثمن بالذراع المستعمل في زماننا بمصر ذراع القماش ، وأعلى المقام مربع من كل جهة نصف ذراع وربع ، وموضع عرض القدمين في المقام ملبّس بفضة ، وعمقه من فوق الفضة سبعة قراريط ونصف قيراط ، والمقام اليوم في صندوق من حديد حوله شباك من حديد ، عرض الشباك عن يمين المصلّى وشماله خمسة أذرع وثمن ، وطوله إلى جهة الكعبة خمسة أذرع إلا قيراطين ، وخلف الشباك المصلّى وهو محوّز (٧) بعمودين من حجارة ، وحجرين من [جانبي](٨) المصلّى ، وطول المصلّى خمسة أذرع وسدس ، ومن صدر

__________________

(١) في الأصل : تسعة.

(٢) في الأصل : محيي الدين. وهو خطأ. والمثبت من زبدة الأعمال (ص : ١١٧).

(٣) أخبار مكة للأزرقي (٢ / ٣٨).

(٤) في الأصل : داخلين.

(٥) البحر العميق (٣ / ٢٧٢).

(٦) في الأصل : ثلاثة.

(٧) محوّز : أي محكم (اللسان ، مادة : حوز).

(٨) في الأصل : جانب. والتصويب من الغازي (١ / ٥٢١).

٢٣٠

الشباك الذي داخله المقام إلى شاذروان الكعبة عشرون ذراعا وثلث ، كل ذلك بالذراع المتقدم ذكره. انتهى كلام ابن جماعة.

وعبارة القليوبي : أما المقام فهو حجر وعليه بناء محوّط ، وكان وجه الباب لجهة الكعبة فغيّر الباب وجعل خلفه. اه.

وفي شفاء الغرام (١) : ذرع ما بين المقام والحجر الأسود ، وما بين المقام والركن الشامي ، وبين المقام وجدار الكعبة ، وبين جدار الكعبة وشاذروانها المقابل للمقام ، وما بين المقام وحجرة زمزم وحرف بئر زمزم.

وعبارته : وقد حررنا بعض ما حرره الأزرقي في هذا المعنى ، فكان ما بين ركن الكعبة الذي فيه الحجر الأسود وبين الركن اليماني من أركان الصندوق الذي فيه المقام من داخل الشباك الذي فيه الصندوق : أربعة وعشرون ذراعا إلا [سدسا](٢) ، وكان ذرع ما بين وسط جدار الكعبة الشرقي إلى وسط الصندوق المقابل له : اثنين وعشرين ذراعا إلا ربع ذراع ، وكان ما بين ركن الكعبة الشامي الذي يلى الحجر ـ بسكون الجيم ـ وركن الصندوق الشامي : ثلاثة وعشرون ذراعا ، وكان ما بين ركن الصندوق الشرقي إلى ركن البيت الذي ببئر زمزم المقابل له : خمسة عشر ذراعا إلا [ثلثا](٣) ، كل ذلك بذراع الحديد. انتهى.

وعبارة الأزرقي (٤) : وذرع ما بين الركن الأسود إلى مقام إبراهيم : تسعة وعشرون ذراعا وتسع أصابع ، وذرع ما بين [جدر](٥) الكعبة من وسطها

__________________

(١) شفاء الغرام (١ / ٣٩٠ ـ ٣٩١).

(٢) في الأصل : سدس.

(٣) في الأصل : ثلث.

(٤) أخبار مكة للأزرقي (٢ / ٨٥) ، وشفاء الغرام (١ / ٣٩٠).

(٥) قوله : جدر ، زيادة من أخبار مكة للأزرقي.

٢٣١

إلى المقام سبع وعشرون ذراعا ، وذرع ما بين شاذروان الكعبة إلى المقام ستة وعشرون ذراعا ونصف ، ومن الركن الشامي إلى المقام ثمانية وعشرون ذراعا [وسبع عشرة أصبعا](١).

ثم قال : ومن المقام إلى حرف بئر زمزم أربعة وعشرون ذراعا وعشرون أصبعا ـ أي : بذراع اليد (٢) ـ. انتهى.

وفي الخميس : ما بين المقام وباب الصفا مائة وأربعة وستون ذراعا. انتهى.

ذكر فضائله

عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : الركن والمقام من الجنة (٣).

وروى الأزرقي معناه موقوفا ، ولفظه عن ابن عباس قال : ليس من الجنة في الأرض إلا الحجر الأسود والمقام ، فإنهما جوهرتان من جواهر الجنة ، ولو لا ما مسهما من أهل الشرك ما مسهما ذو عاهة إلا شفاه الله (٤).

ويروى : أن الدعاء يستجاب خلف المقام (٥). انتهى. ذكره القرشي (٦).

__________________

(١) في الأصل : وسبع عشر أصبع ، وفي الأزرقي (٢ / ٨٥) : وتسع عشرة أصبعا.

(٢) أخبار مكة للأزرقي (٢ / ٨٦) ، وشفاء الغرام (١ / ٣٩٠).

(٣) أخرجه الأزرقي (١ / ٣٢٢) ، وعبد الرزاق (٥ / ٣٨ ح ٨٩١٧) من حديث ابن عباس.

(٤) أخرجه الأزرقي في الموضع السابق ، و (٢ / ٢٩) ، والفاكهي (١ / ٤٤٣ ح ٩٦٨).

(٥) ذكره الفاكهي في أخبار مكة (٢ / ٢٩١) ، والحسن البصري في فضائل مكة (١ / ٢٤).

(٦) البحر العميق (١ / ٢٣).

٢٣٢

الفصل الرابع عشر : فيما يتعلق بالمطاف

وأول من فرشه بعد ابن الزبير رضي‌الله‌عنه ، وفضل الطواف ، وأول

من طاف بالبيت ، ومن دفن حوله من الأنبياء ، وبين المقام وزمزم ، وما

ورد في فضل الطواف في الحر والمطر

قال تعالى : (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) [الحج : ٢٩].

وتقدم أن الملائكة طافت بالبيت العتيق قبل أن يخلق آدم عليه الصلاة والسلام بخمسين ألف سنة على الاختلاف المتقدم.

وتقدم أن عبد الله بن الزبير لما بنى الكعبة بقيت حجارة ، ففرشها حول الكعبة في المطاف نحو عشرة أذرع (١).

وذكر الفاسي في شفاء الغرام (٢) فإنه قال : وعمارة الرخام الذي في المطاف عمل ذلك دفعات حتى صار على ما هو عليه اليوم ، وكان مصيره هكذا في سنة سبعمائة ست (٣) وستين ، فممّن عمّره : المستنصر العباسي سنة ستمائة وإحدى (٤) وثلاثين ، واسمه مكتوب [في تلك الحفرة التي عند](٥)

__________________

(١) في هامش الأصل : لكن في رحلة ابن بطوطة وأنه لما حج سنة سبعمائة [وخمسة] وعشرين ذكر في رحلته أن موضع الطواف [كان] مفروشا بحجارة سود محكمة الإلصاق ، وقد اتسعت عن البيت بمقدار تسع خطا إلا في [الجهة] التي تقابل المقام فإنها امتدت إليه حتى أحاطت به ، وسائر الحرم مع البلاطات مفروش برمل أبيض وطواف النساء في آخر الحجارة المفروشة. (انظر رحلة ابن بطوطة ١ / ١٥٨) ، وقوله : الجهة ، زيادة من الرحلة.

(٢) شفاء الغرام (١ / ٥٨٧).

(٣) في الأصل : ستة.

(٤) في الأصل : إحدى.

(٥) في الأصل : في ذلك في الحفرة الذي عند. والتصويب من : التاريخ القويم (٥ / ٢٦٩).

وانظر : شفاء الغرام (١ / ٥٨٧).

٢٣٣

باب الكعبة ، وممن عمّره الملك شعبان صاحب مصر وكذلك المنصور (١). انتهى كلامه.

قال القطب الحنفي (٢) : وبلصق الكعبة في وسط مقام جبريل عليه‌السلام ، في الحفرة التي على يمين باب الكعبة حجر من الرخام الأزرق الصافي ، منقور فيه ما صورته : «بسم الله الرحمن الرحيم ، أمر بعمارة هذا المطاف الشريف سيدنا ومولانا الإمام الأعظم المفترض الطاعة على سائر الأمم أبو جعفر المنصور [المستنصر](٣) بالله أمير المؤمنين بلّغه الله آماله وذلك في سنة إحدى وثلاثين وستمائة ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم». انتهى.

وهذا الحجر موجود عليه ما ذكر من الكتابة وقد قرأته ، وبجنبه حجر صغير قيل : إن لمسه أمان من اليرقان (٤). كذا في منائح الكرم (٥).

والحفرة المشار إليها جدد رخامها على ما ذكره التقي الفاسي في شفاء الغرام الذي هو بها الآن في سنة إحدى وثمانمائة ، وقد (حرر ذرعها) (٦) فكان طولها من الجهة الشامية إلى الجهة اليمانية أربعة أذرع ، وعرضها من الجهة الشرقية إلى جدر الكعبة ذراعان وسدس ، وعمقها نصف ذراع ، كل ذلك بذراع الحديد ، والحفرة المشار إليها لم ترخم إلا بعد قدوم ابن جبير (٧)

__________________

(١) هو : الملك المنصور لاجين المنصوري ، من ملوك مصر ، تولى السلطنة سنة ٦٩٦ ه‍ ، وقتل سنة ٦٩٨ ه‍ (البداية والنهاية ١٣ / ٣٤٨ ـ ١٤ / ٣).

(٢) الإعلام (ص : ١٧٧).

(٣) زيادة من الإعلام (ص : ١٧٧).

(٤) اليرقان : آفة تصيب الإنسان يصيبه منها الصفّار في جسده (لسان العرب ، مادة : أرق).

(٥) لم أجده في منائح الكرم.

(٦) في ب : حرر أمورا تتعلق بذرعها. وقد شطب عليها في الأصل.

(٧) رحلة ابن جبير (ص : ٧٤).

٢٣٤

مكة ، وكان قدومه في سنة [تسع](١) وخمسين وخمسمائة ، وذكر أنه علامة موضع المقام ـ أي مقام إبراهيم ـ إلى أن صرف إلى موضعه الذي هو به الآن وكان مفروشا برملة بيضاء. انتهى.

ومن خيرات السلطان سليمان : تغيير بلاط المطاف القديم [وتجديده](٢) ببلاط جديد ـ أي : رخام ـ على يد أحمد جلبي في سنة تسعمائة [وتسع](٣) وخمسين. انتهى من درر الفرائد (٤).

وأما ذرع المطاف من جوانبه على ما حرره الفاسي في شفاء الغرام ونصه : وقد اعتبر بعض أصحابنا بحضوري مقدار ما بين منتهى ذلك وبين الكعبة من جميع جوانبها ، فكان مقدار ما بين الحجر الأسود وطرف البلاط المحاذي له على الاستواء في الجهة اليمنية خمسة [وعشرون](٥) ذراعا إلا [ثلثا](٦) ، وما بين الحجر الأسود وطرف البلاط المحاذي لوسط مقام الحنبلي اثنان وعشرون ذراعا وثلث ذراع ، وما بين الحجر الأسود وجدار زمزم [ثلاثون](٧) ذراعا [وثلثا](٨) ذراع ، وما بين الركن العراقي وآخر تدوير المطاف المسامت له في الجهة الشرقية أربعة وعشرون ذراعا ونصف ، ومن الركن الشامي إلى آخر البلاط المحاذي له في الجهة الشامية سبعة

__________________

(١) في الأصل : تسعة.

(٢) في الأصل : وجدده. والتصويب من : الغازي (١ / ٥٤٢) ، والتاريخ القويم (٥ / ٢٦٩).

(٣) مثل السابق.

(٤) درر الفرائد (ص : ٢٦).

(٥) في الأصل : وعشرين.

(٦) في الأصل : ثلث.

(٧) في الأصل : ثلاثين.

(٨) في الأصل : وثلثين.

٢٣٥

وثلاثون ذراعا وربع ذراع ، ومن وسط [جدار](١) الحجر إلى آخر البلاط الذي أمام مقام الحنفي اثنان وعشرون ذراعا ، وما بين الركن الغربي وآخر البلاط المحاذي له في الجهة الشامية والغربية ثلاثون ذراعا ، وما بين نصف الجهة الغربية من الكعبة وآخر البلاط المقابل لذلك على الاستواء مثل ذلك ، وما بين الركن اليماني وآخر البلاط المقابل له من الجهة الغربية تسعة وعشرون ذراعا إلا [ثلثا](٢) ، وكذلك ما بين وسط الجهة اليمانية وآخر البلاط المحاذي له. انتهى (٣).

ذكر من دفن حول المطاف من الأنبياء وبين المقام والركن وزمزم

جاء عن عبد الله بن عمر رضي‌الله‌عنهما : أن بين المقام والركن وزمزم قبر تسعة [وعشرين](٤) نبيا.

وجاء : أن حول الكعبة لقبور ثلاثمائة نبي ، وأن ما بين الركن اليماني إلى الركن الأسود لقبور سبعين نبيا (٥). ذكره الحلبي في السيرة (٦).

وذكر القرشي (٧) : أن بين الركن والمقام قبور نحو من ألف قبر نبي.

وعن [ابن](٨) سابط رحمه‌الله أنه قال : ما بين الركن والمقام وزمزم قبور

__________________

(١) قوله : جدار ، زيادة من شفاء الغرام.

(٢) في الأصل : ثلث.

(٣) شفاء الغرام (١ / ٥٨٨ ـ ٥٨٩).

(٤) في الأصل : وعشرون.

(٥) ذكره الفاكهي في أخبار مكة (٢ / ٢٩١) ، والحسن البصري في فضائل مكة (١ / ٢٠).

(٦) السيرة الحلبية (١ / ٢٥٠).

(٧) البحر العميق (١ / ٢٤).

(٨) زيادة على الأصل. وانظر : تقريب التهذيب (ص : ٣٤٠).

٢٣٦

تسعة وتسعين نبيا (١).

وعن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما قال : في المسجد الحرام قبران ليس فيه غيرهما ؛ قبر إسماعيل وشعيب عليهما الصلاة والسلام (٢).

قال القرشي : ولا تنافي بين القول الأول وبين هذا بأن يكون مراد ابن عباس رضي‌الله‌عنهما ليس بالمسجد الحرام قبر نبي ورسول غير شعيب وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام.

وأما قبور الأنبياء فكثيرة كما ذكره غير واحد. انتهى.

وأما ذكر فضائل الطواف والحث عليه ، فقد ذكر القرشي (٣) عن ابن عمر رضي‌الله‌عنه أنه قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «من طاف بهذا البيت أسبوعا فأحصاه كأنه عتق رقبة». وسمعته يقول : «لا يضع قدما ولا يرفع أخرى إلا حطّ الله بها عنه خطيئة وكتب له حسنة» (٤). أخرجه الترمذي وحسّنه.

وفي رواية لأحمد (٥) أنه قال : [سمعته](٦) ـ يعني النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يقول : «من طاف أسبوعا يحصيه وصلى ركعتين ، كان كعدل رقبة». وسمعته يقول : «ما رفع رجل [قدما](٧) ولا وضعها إلا كتب له عشر حسنات ، وحطّ

__________________

(١) أخرجه الأزرقي من طريق ابن سابط عن عبد الله بن ضمرة السلولي (١ / ٦٨) ، والبيهقي في الشعب (٣ / ٤٤١ ح ٤٠٠٦) ، وذكره السيوطي في الدر المنثور (١ / ٣١٩) ، وعزاه إلى الأزرقي ، والبيهقي.

(٢) أخرجه الفاكهي (٢ / ١٢٤ ح ١٢٧٥).

(٣) البحر العميق (١ / ٢١ ـ ٢٢).

(٤) أخرجه الترمذي (٣ / ٢٩٢ ح ٩٥٩).

(٥) أخرجه أحمد (٢ / ٣ ح ٤٤٦٢).

(٦) في الأصل : سمعت. والتصويب من البحر العميق (١ / ٢١).

(٧) في الأصل : قدماه. والتصويب من البحر العميق ، الموضع السابق.

٢٣٧

عنه عشر سيئات ، ورفع له عشر درجات».

ومعنى قوله : «يحصيه» : يتحفظ فيه أن لا يغلط. قاله ابن وضاح وغيره.

وعن جابر بن عبد الله رضي‌الله‌عنهما قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من طاف بالبيت سبعا ، وصلّى خلف المقام ركعتين ، وشرب من ماء زمزم ؛ غفر له ذنوبه بالغا ما بلغت» (١). أخرجه أبو سعيد والواحدي.

وعن مولى لأبي سعيد قال : رأيت أبا سعيد يطوف بالبيت وهو متكئ على غلام له يقال له : طهمان وهو يقول : لأن أطوف بهذا البيت أسبوعا لا أقول فيه هجرا ، وأصلّي ركعتين ، أحبّ إليّ من أن أعتق طهمان. رواه سعيد بن منصور (٢).

والهجر : هو الفحش وكثرة الكلام فيما لا ينبغي (٣).

وعن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا خرج المرء يريد البيت ، أقبل يخوض في رحمة الله ، فإذا دخله غمرته ، ثم لا يرفع قدما ولا يضعها إلا كتب له بكل قدم خمسمائة حسنة ، وحطّت عنه خمسمائة سيئة ، ورفعت له خمسمائة درجة. فإذا فرغ من طوافه فصلى ركعتين دبر المقام خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ، وكتب له أجر عشر رقاب من ولد إسماعيل ، واستقبله ملك على الركن وقال له : استأنف العمل فيما تستقبل فقد كفيت فيما مضى ، وشفع في سبعين من أهل

__________________

(١) العلل المتناهية (٢ / ٥٧٢).

(٢) أخرجه الأزرقي (٢ / ٣) ، والفاكهي (١ / ١٩٤ ـ ١٩٥ ح ٣١٥) ، وابن أبي شيبة (٣ / ١٢٣ ح ١٢٦٦٧) ، وذكره المحب الطبري في القرى (ص : ٣٢٣) ، وعزاه لسعيد بن منصور. ولم أقف عليه في المطبوع من سنن سعيد بن منصور.

(٣) اللسان ، مادة : هجر.

٢٣٨

بيته» (١). أخرجه الفاكهي والأزرقي.

وعنه عن أبيه ، عن جده ، عن عمرو بن العاص أنه قال : من توضأ فأسبغ (٢) ، وضوءه ثم أتى الركن يستلمه خاض في الرحمة ، فإذا استلمه وقال : بسم الله ، والله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله غمرته الرحمة ، فإن طاف بالبيت كتب له بكل قدم سبعين ألف حسنة ، وحطّ عنه سبعين ألف سيئة ، ورفع له سبعين ألف درجة ، ويشفع في سبعين ألف من أهل بيته. فإذا أتى مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام وصلّى عنده ركعتين إيمانا واحتسابا كتب الله له عتق أربعة عشر محررا من ولد إسماعيل ، وخرج من خطيئته كيوم ولدته أمه (٣).

وفي رواية : وأتاه ملك فقال له : اعمل لما يبقى فقد كفيت ما مضى. رواه أبو الفرج في مثير الغرام (٤).

وعن عائشة رضي‌الله‌عنها قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله ليباهي بالطائفين ملائكته» (٥). أخرجه أبو ذر وأبو الفرج.

والمباهاة : المفاخرة ، أي : إن الله ليفاخر بهم الملائكة (٦).

قال القاضي عياض : وعن الحسن البصري في رسالته عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم

__________________

(١) أخرجه الأزرقي (٢ / ٤ ـ ٥) ، وذكره المنذري في الترغيب (١٠ / ٤١) ، وابن الجوزي في مثير الغرام (ص : ٢٨٤) ، والسيوطي في الدر المنثور (١ / ٢٩٤) ، وعزاه إلى الأزرقي.

وذكره الفاسي في شفاء الغرام (١ / ٣٣٤) وعزاه إلى الجندي من حديث ابن عباس. ولم أجده في المطبوع من الفاكهي.

(٢) في هامش الأصل بخط الدهلوي : «ـ بالسين ـ أبلغه مواضعه ووفى كل عضو حقه ، قاموس ومصباح اه».

(٣) أخرجه الأزرقي (٢ / ٤) ، وذكره المنذري في الترغيب والترهيب (٢ / ١٢٤ ح ١٧٦٦).

(٤) مثير الغرام (ص : ٢٨٤).

(٥) مسند إسحاق بن راهويه (٣ / ١٠١٠).

(٦) اللسان ، مادة : بها.

٢٣٩

قال : «الطواف بالبيت خوض في رحمة الله» (١).

وعن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الكعبة محفوفة بسبعين ألفا من الملائكة يستغفرون لمن طاف بها ويصلون عليه». رواه الفاكهي (٢).

وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من صلى خلف المقام ركعتين غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وحشر يوم القيامة من الآمنين». ذكره القاضي عياض في الشفاء (٣).

وعن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من طاف بالبيت خمسين مرة خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه» (٤). رواه الترمذي وقال : حديث غريب. وقال البخاري : إنما يروى هذا عن ابن عباس.

والمراد بخمسين مرة : خمسين أسبوعا ؛ لأن الشوط الواحد لا يتعبد به ، ويدل لذلك : أن عبد الرزاق والفاكهي (٥) وغيرهما رووه فقالوا : من طاف بالبيت خمسين أسبوعا كان كما ولدته أمه ؛ فهذه الرواية مفسرة للحديث الأول ، فيكون [ردا لقول](٦) من قال : المراد بالمرة : الشوط.

قال محب الدين الطبري (٧) : وقال أهل العلم : وليس المراد أن يأتي بها متوالية في آن واحد ، وإنما المراد أن يأتي [به](٨) في صحيفة حسناته ، ولو في عمره كله.

__________________

(١) ذكره الخوارزمي في إثارة الترغيب والتشويق (ص : ١٥٩).

(٢) أخرجه الفاكهي (١ / ١٩٦).

(٣) الشفا بتعريف حقوق المصطفى (٢ / ٩٣).

(٤) أخرجه الترمذي (٣ / ٢١٩ ح ٨٦٦).

(٥) أخبار مكة للفاكهي (١ / ١٩٥ ، ٢ / ٢٩٢) ، ومصنف عبد الرزاق (٥ / ٥٠٠).

(٦) في الأصل : أراد بالقول. والتصويب من البحر العميق (١ / ٢١).

(٧) القرى (ص : ٣٢٥).

(٨) في القرى : وإنما المراد أن يوجد في صحيفة (ص : ٣٢٥).

٢٤٠