تحصيل المرام - ج ١-٢

الشيخ محمّد بن أحمد بن سالم بن محمّد المالكي المكّي [ الصبّاغ ]

تحصيل المرام - ج ١-٢

المؤلف:

الشيخ محمّد بن أحمد بن سالم بن محمّد المالكي المكّي [ الصبّاغ ]


المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الأسدي للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١٠٧٤

ويترجح قول من قال : المراد بالمرة : الشوط ؛ بأن مذهب ابن عباس أن الرجل إذا طاف أسبوعا ولم يتمّه فله أجر ما احتسب ، وكذا إذا صلى ركعة ولم يصلي أخرى فله أجر ما احتسب.

وعن ابن عمر رضي‌الله‌عنهما قال : كان أحب الأعمال إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا قدم مكة الطواف بالبيت (١). أخرجه أبو ذر.

ولعله أراد بهذا أن لا يعرج على شيء قبله.

وعنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «استمتعوا من هذا البيت ، فإنه هدم مرتين ويرفع في الثالثة». أخرجه ابن حبان والحاكم (٢) وصححه على شرط الشيخين.

وعنه أنه قال : «طوافان لا يوافقهما عبد مسلم إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ، وغفرت له ذنوبه بالغة ما بلغت : طواف بعد الصبح يكون فراغه عند طلوع الشمس ، وطواف بعد العصر يكون فراغه عند غروب الشمس ، فقال رجل : يا رسول الله ، إن كان قبله أو بعده. قال : يلحق به». رواه الفاكهي والأزرقي (٣) وغيرهما.

وفي رواية الفاكهي : أن رجلا قال : يا رسول الله ، فلم تستحب هاتان الساعتان؟ قال : «إنهما ساعتان لا تعدوهما (٤) الملائكة» (٥).

ويحتمل أن يراد بالبعدية في قوله : «بعد الصبح وبعد العصر» ما قبل الطلوع والغروب ولو بلحظة تسع أسبوعا.

__________________

(١) الفاكهي (١ / ٢٣٨ ح ٤٤٥).

(٢) أخرجه الحاكم (١ / ٦٠٨ ح ١٦١٠) ، وابن حبان (١٥ / ١٥٣ ح ٦٧٥٣).

(٣) أخرجه الأزرقي (٢ / ٢٢) ، والفاكهي (١ / ٢٥٣).

(٤) في الأصل : تغدوهما. والمثبت من الفاكهي (١ / ٢٥٤).

(٥) أخرجه الفاكهي (١ / ٢٥٤).

٢٤١

ويحتمل أن يراد استيفاء الزمانين بالعبادة ، قال الطبري (١) : ولعله الأظهر ، وإلا لقال : طواف قبل الغروب وقبل الطلوع.

وعن ابن عمر رضي‌الله‌عنهما قال : من أتى هذا البيت لا يريد إلا إياه وطاف طوافا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه (٢). رواه سعيد بن منصور. انتهى.

وفي الفوائح المسكية ولفظه : ثم اعلم أنه قد طاف بهذا البيت مائة ألف نبي وأربعة وعشرون ألف نبي سوى الأولياء ، وما من نبي ولا ولي إلا وله تتمة متعلقة به وبالبلد الحرام. انتهى.

وذكر القرشي (٣) عن الغزالي في الإحياء (٤) قال : لا تغرب الشمس من يوم إلا طاف بهذا البيت رجل من الأبدال ، ولا يطلع الفجر من ليل إلا طاف بهذا البيت رجل من الأوتاد ، وإذا انقطع ذلك كان سبب رفعه من الأرض ، فيصبح الناس وقد رفعت الكعبة لا يرى الناس لها أثرا ، وهذا إذا أتى عليها سبع سنين لم يحجها أحد ، ثم يرفع القرآن من المصاحف فيصبح الناس فإذا الورق أبيض يلوح ليس فيه حرف ، ثم ينسخ القرآن من القلوب فلا يذكر [منه](٥) كلمة ، ثم يرجع الناس إلى الأشعار والأغاني وأخبار الجاهلية ، [ثم يخرج الدجال وينزل عيسى عليه الصلاة والسلام ويقتله](٦) ، والساعة عند ذلك بمنزلة الحامل المقرب يتوقع ولادتها. انتهى.

__________________

(١) القرى (ص : ٣٣٠).

(٢) لم أقف عليه في المطبوع من سنن سعيد بن منصور.

(٣) البحر العميق (١ / ٢٢).

(٤) إحياء علوم الدين (١ / ٢٤٢).

(٥) في الأصل : فيه. والتصويب من البحر العميق (١ / ٢٢).

(٦) ما بين المعكوفين شطب في الأصل ، والمثبت من ب. وانظر : البحر العميق ، الموضع

٢٤٢

وعن أبي هريرة رضي‌الله‌عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أكرم سكان أهل السماء الذين يطوفون حول عرشه ، وأكرم سكان أهل الأرض الذين يطوفون حول بيته» (١).

وعن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما قال : كان آدم عليه الصلاة والسلام يطوف بالبيت سبعة أسابيع بالليل وخمسة بالنهار ويقول : يا رب اجعل لهذا البيت عمّارا يعمرونه من ذريتي (٢). وكان ابن عمر رضي‌الله‌عنهما يطوف بالبيت كذلك. ذكره الأزرقي (٣).

وقال الشيخ محب الدين الطبري (٤) : إن بعض أهل العلم ذكروا لعدد الطواف سبع مراتب :

الأول : خمسون أسبوعا في اليوم والليلة ؛ للحديث المتقدم.

الثاني : إحدى وعشرون ، وقيل : سبع أسابيع ؛ كعمرة ، وورد ثلاث عمر كحجّة.

الثالث : أربعة عشر ، وقد ورد عمرتان بحجّة ، وهذا في غير عمرة شهر رمضان ؛ لأن العمرة فيه كحجّة.

الرابع : اثنا عشر أسبوعا ، خمسة بالنهار وسبعة بالليل ، كما تقدم عن فعل آدم عليه الصلاة والسلام ، وابن عمر رضي‌الله‌عنهما.

الخامس : سبعة أسابيع.

__________________

السابق.

(١) ذكره الخوارزمي في إثارة الترغيب والتشويق (ص : ١٦٠).

(٢) ذكر طواف آدم عليه‌السلام الأزرقي (١ / ٤٤) من حديث أبي هريرة.

(٣) الأزرقي (١ / ٤٤).

(٤) انظر القرى ص : (٣٣٤). وذكره الخوارزمي في إثارة الترغيب والتشويق (ص : ١٦٠) نقلا عن الطبري.

٢٤٣

السادس : ثلاثة أسابيع.

السابع : أسبوعا واحدا. انتهى ما ذكره القرشي.

ذكر فضل الطواف في الحر والمطر

عن داود بن عجلان قال : طفت مع أبي عقال رضي‌الله‌عنه في المطر فلما فرغنا من طوافنا قال : ائتنف ، فإني طفت مع أنس بن مالك رضي‌الله‌عنه في مطر فلما فرغنا من طوافنا قال : ائتنف [العمل](١) ، فإني طفت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في مطر فلما فرغنا من طوافنا قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ائتنفوا العمل فقد غفر لكم» (٢). أخرجه أبو ذر وابن ماجه بمعناه (٣).

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من طاف بالكعبة في يوم مطر ، كتب الله له بكل قطرة تصيبه حسنة وتمحى عنه بالأخرى سيئة» (٤).

وعن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من طاف بالبيت أسبوعا في يوم صائف شديد حرّه [حاسرا](٥) عن رأسه ، وقارب بين خطاياه ، وقلّ خطوته ، وغضّ بصره ، وقلّ كلامه إلا بذكر الله عزوجل ، واستلم الحجر في كل طواف من غير أن يؤذي أحدا كتب الله له بكل قدم يرفعها ويضعها سبعين ألف حسنة ومحى عنه سبعين ألف سيئة ،

__________________

(١) قوله : العمل ، زيادة من البحر العميق.

(٢) سنن ابن ماجه (٢ / ١٠٤١).

(٣) في هامش الأصل : قال أبو الفرج ابن الجوزي : هذا حديث لا يصح. قال ابن حبان :

وأبو عقال روى عن أنس أشياء موضوعة ، ما حدّث بها أنس قطّ ؛ فلا يجوز الاحتجاج به بحال. كذا في القرى لقاصد أم القرى (٣٣٠).

(٤) ذكره الخوارزمي في إثارة الترغيب والتشويق (ص : ١٦٣) ، وأطراف الحديث عند : العجلوني في كشف الخفاء (٢ / ٣٤١) ، والزبيدي في إتحاف السادة المتقين (٤ / ٢٧٣).

(٥) في الأصل : حاصرا.

٢٤٤

ويرفع له سبعين ألف درجة ، ويعتق له سبعين ألف رقبة ، ثمن كل رقبة عشرة آلاف درهم ، ويعطيه الله سبعين ألف شفاعة من أهل بيته من المسلمين وإن شاء في العامة ، وإن شاء عجل له في الدنيا وإن شاء أخّرت له في الآخرة» (١). رواه الجندي ورواه الحسن البصري وابن الحاج مختصرا. انتهى ما ذكره القرشي في البحر العميق (٢).

[قلت : لكن في رواية البصري بعد قوله : «حاسرا عن رأسه» زيادة : ثم استلم الحجر](٣).

الفصل الخامس عشر : في معرفة الأماكن التي صلى فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم

حول البيت وداخله

أحدها : خلف المقام ، كما ثبت في الصحيح أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى ركعتي الطواف خلف المقام (٤). والذي رجّحه العلماء : أن المقام كان في عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ملصقا بالبيت ، ثم أخّره النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى محله الذي هو به الآن كما تقدّم وهو الصحيح ، وقيل : الذي أخّره عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه.

الثاني : تلقاء الحجر الأسود على حاشية المطاف.

عن المطلب بن [أبي](٥) وداعة قال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين فرغ من سبعه ، جاء حتى حاذى الركن فصلى ركعتين في حاشية المطاف وليس

__________________

(١) ذكره الخوارزمي في إثارة الترغيب والتشويق (ص : ١٦٤) ، والزبيدي في إتحاف السادة المتقين (٤ / ٢٧٣).

(٢) البحر العميق (١ / ٢٢ ـ ٢٣).

(٣) ما بين المعكوفين زيادة على الهامش بخط الدهلوي.

(٤) أخرجه مسلم من حديث جابر الطويل (٢ / ٨٨٧).

(٥) قوله : أبي ، زيادة على الأصل. وانظر : التقريب (ص : ٥٣٥).

٢٤٥

بينه وبين الطائفين أحد. أخرجه النسائي وأحمد وابن ماجه (١) وهذا لفظه ، وقال : هذا بمكة خاصة.

وأخرجه ابن حبان (٢) بزيادة ، ولفظه : رأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصلي حذو الركن الأسود والرجال والنساء يمرّون بين يديه ما بينه وبينهم سترة.

الثالث : قريبا من الركن الشامي مما يلي الحجر.

عن عبد الله بن السائب أنه كان يقود ابن عباس رضي‌الله‌عنهما يقيمه عند الشقة الثالثة (٣) مما يلي الركن الذي يلي الحجر مما يلي الباب ، فيقول له ابن عباس رضي‌الله‌عنهما : أنبئت أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم [كان](٤) يصلي هاهنا؟ فيقول : نعم ، فيقوم فيصلي. أخرجه أحمد وأبو داود (٥).

الرابع : عند باب الكعبة.

عن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن جبريل أمّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين فرضت الصلاة عند باب الكعبة مرتين (٦). رواه الشافعي بإسناد حسن.

قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام : إن الحفرة الملاصقة للكعبة بين الباب والحجر وهي التي تسميه العامة : المعجن ، هي المكان الذي صلى فيه جبريل عليه‌السلام بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم [الصلوات](٧) الخمس في اليومين حين

__________________

(١) النسائي (٥ / ٢٣٥) ، وابن ماجه (٢ / ٩٨٦) ، وأحمد (٦ / ٣٩٩).

(٢) ابن حبان (٦ / ١٢٨ ح ٢٣٦٤).

(٣) في هامش الأصل بخط الدهلوي : الرابعة.

(٤) قوله : كان ، زيادة من مصادر التخريج.

(٥) أخرجه أبو داود (٢ / ١٨١ / ح ١٩٠٠) ، وأحمد (٣ / ٤١٠).

(٦) أخرجه الشافعي في مسنده (١ / ٢٦).

(٧) قوله : الصلوات ، زيادة من شفاء الغرام (١ / ٤١٩) ، والبحر العميق (١ / ٢٦).

٢٤٦

فرضها الله تعالى على أمته.

قال القاضي عز الدين ابن جماعة في مناسكه الكبرى : ولم أر ذلك لغيره ، وفيه بعد ؛ لأن ذلك لو كان صحيحا لنبّهوا عليه بالكتابة في الحفرة ولما اقتصروا في التنبيه على من أمر بعمل المطاف. انتهى كلامه (١).

قال القرشي في البحر العميق : وليس هذا بلازم ؛ لأنه يحتمل أن يكون الأمر كما قال عز الدين بن عبد السلام ، ولا يلزم التنبيه بالكتابة عليه ، والشيخ عز الدين ناقل ، وهو حجّة على من لم ينقل.

وروي : أن آدم عليه الصلاة والسلام طاف بالبيت سبعا حين نزل ، ثم صلى وجاه باب الكعبة ركعتين (٢). رواه الأزرقي.

الخامس : تلقاء الركن الذي يلي الحجر من جهة المغرب جانحا إلى جهة المغرب قليلا بحيث يكون الباب الذي يقال له اليوم [باب](٣) العمرة خلف ظهره ، وهو باب بني سهم.

عن عبد المطلب بن أبي وداعة أنه رأى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصلي مما يلي باب بني سهم والناس يمرّون بين يديه وليس بينهما سترة. وفي رواية : وليس بينه

__________________

(١) شفاء الغرام (١ / ٤١٩).

(٢) أخرجه الأزرقي (١ / ٤٤) من حديث عبد الله بن أبي سليمان ، والطبراني في الأوسط (٦ / ١١٨ ح ٥٩٧٤) من حديث عائشة رضي‌الله‌عنها ، والخطيب البغدادي في موضح أوهام الجمع والتفريق (٢ / ١٢٠) ، والذهبي في السير (٢٢ / ١٧٣) من حديث بريدة رضي‌الله‌عنه. وقال ابن أبي حاتم عن حديث عائشة : هذا حديث منكر (العلل ٢ / ١٨٨).

وذكره الهيثمي في مجمعه (١٠ / ١٨٣) وقال : رواه الطبراني في الأوسط. وذكره السيوطي في الدر المنثور (١ / ١٤٣) والمباركفوري (٥ / ٥٧ ح ١٢٠٣٤) وعزياه إلى الأزرقي ، والطبراني في الأوسط ، والبيهقي في الدعوات ، وابن عساكر من حديث بريدة رضي‌الله‌عنه. وذكره الفاسي في شفاء الغرام (١ / ٢٥٩ ـ ٢٦٠).

(٣) في الأصل : بباب. والتصويب من : شفاء الغرام (١ / ٤١٧).

٢٤٧

وبين الكعبة سترة (١). رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه (٢).

قال الأزرقي (٣) : وباب بني سهم هو الذي يقال له الآن باب العمرة.

السادس : في وجه الكعبة ، في الصحيحين أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما خرج من الكعبة ركع قبل البيت ركعتين وقال : «هذه القبلة» (٤) ، وقبل البيت هو وجهه ، ويطلق على جميع الجانب الذي فيه الباب ، وهو المتعارف فيه.

وقد ورد تفضيل وجه الكعبة على غيره من جميع الجهات ؛ فعن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما قال : البيت كله قبلة ، وهذا قبلة ـ يعني الباب ـ (٥). أخرجه سعيد بن منصور.

السابع : بين الركنين اليمانيين.

ذكر ابن إسحاق في السيرة : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يصلي بينهما.

وفي السيرة الحلبية : كان صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا استقبل بيت المقدس جعل الكعبة بينهما ويصلي بين الركن اليماني والحجر. انتهى (٦).

الثامن : في الحجر. عن عروة بن الزبير قال : سألت عبد الله بن عمرو بن العاص رضي‌الله‌عنهما : أخبرني [بأشد شيء صنعه](٧) المشركون

__________________

(١) أخرجه أبو داود (٢ / ٢١١ / ح ٢٠١٦) ، والنسائي (٥ / ٢٣٥ / ح ٢٩٥٩) ، وابن ماجه (٢ / ٩٨٦ / ح ٢٩٥٨) ، وأحمد (٦ / ٣٩٩).

(٢) في هامش الأصل بخط الدهلوي : قال المحب الطبري في القرى : وفي إسناده مجهول : والمطلب ابن أبي وداعة قرشي سهمي صحابى ، ولأبيه أبي وداعة الحارث بن صبرة أيضا صحبة ، وهو من مسلمة الفتح ، ويقال : ضبيرة ـ بالضاد المعجمة ـ والأول أشهر.

(٣) انظر : (الأزرقي ٢ / ٩٣). وقال الفاسي في شفاء الغرام (١ / ٢٣٠) : باب بني سهم هو : باب المسجد المعروف الآن بباب العمرة. وهو الصحيح.

(٤) أخرجه البخاري (١ / ١٥٥ ح ٣٨٩) ، وصحيح مسلم (٢ / ٩٦٨ ح ١٣٣٠).

(٥) لم أقف عليه في المطبوع من سنن سعيد بن منصور.

(٦) السيرة الحلبية (٢ / ١٤٦).

(٧) في الأصل : أي شيء صنعته. والمثبت من البحر العميق (١ / ٢٧).

٢٤٨

بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قال : بينما النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصلّى في الحجر إذ أقبل عقبة بن أبي معيط لعنه الله ، فوضع ثوبه في عنقه ، فخنقه خنقا شديدا ، فأقبل أبو بكر الصديق رضي‌الله‌عنه حتى أخذ بمنكبه ودفعه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال : (أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً [أَنْ]) (١) (يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ ...) الآية [غافر : ٢٨]. أخرجاه (٢).

وقد صح أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخذ بيد عائشة رضي‌الله‌عنها وأدخلها الحجر وأمرها أن تصلّي فيه. أخرجاه (٣).

قال محب الدين الطبري في القرى (٤) : فلا يبعد أن تكون صلاته صلى‌الله‌عليه‌وسلم تحت الميزاب ، فقد روي عن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما قال : صلوا في مصلى الأخيار ، واشربوا من شراب الأبرار. قيل لابن عباس رضي‌الله‌عنهما : ما مصلّى الأخيار؟ قال : تحت الميزاب. قيل : فما شراب الأبرار؟

قال : ماء زمزم (٥). رواه الأزرقي.

وهو صلى‌الله‌عليه‌وسلم سيد الأبرار ، فلا يبعد أن تكون الإشارة إليه صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

التاسع : مصلى آدم عليه الصلاة والسلام فقد ورد : أن آدم عليه الصلاة والسلام ركع إلى جانب الركن اليماني ركعتين (٦). رواه الأزرقي.

فينبغي لمن قصد آثار النبوة : أن يعم بصلاته الأماكن التي يظن صلاته

__________________

(١) قوله : أن ، ساقط من الأصل.

(٢) في الأصل زيادة : الشيخين.

أخرجه البخاري (٣ / ١٤٠٠) ، ومسلم (٣ / ١٤١٩).

(٣) أخرجه أبو داود (٢ / ٢١٤ ح ٢٠٢٨) ، والترمذي (٣ / ٢٢٥ ح ٨٧٦) ، والنسائي (٥ / ٢١٩ ح ٢٩١٢) ، والبيهقي في السنن الكبرى (٢ / ٣٩٤ ح ٣٨٩٥). ولم أقف عليه في الصحيحين. وانظر تحفة الأشراف (١٢ / ٤٣٣).

(٤) القرى (ص : ٣٥١).

(٥) أخرجه الأزرقي (١ / ٣١٨). وذكره السيوطي في الدر المنثور (٤ / ١٥٣) وعزاه إلى الأزرقي. وذكره المناوي في فيض القدير (٤ / ٦٤) ، والفاسي في شفاء الغرام (١ / ٤٨٠).

(٦) الأزرقي (١ / ٤٤) ، والقرى (ص : ٣٤٨ ـ ٣٥٢).

٢٤٩

صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيها ؛ رجاء أن يظفر بمصلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من كل مكان. انتهى من البحر العميق للقرشي ، وشفاء الغرام لتقي الدين الفاسي (١).

العاشر : داخل الكعبة الشريفة ، وقد صح أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى داخل البيت ركعتين وكبّر ودعا في نواحيه. ذكره القرشي (٢).

وعن عبد الرحمن الزجاج قال : قلت لشيبة بن عثمان : إنهم زعموا أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم دخل الكعبة فلم يصلي ، قال : كذبوا وأبي ، لقد صلى بين العمودين ، ثم ألصق بها بطنه وظهره ... الحديث بسنده في أسد الغابة في ترجمة عبد الرحمن رضي‌الله‌عنه (٣).

وفي المواهب اللدنية : مالك عن نافع فيما أخرجه الدارقطني في الغرائب من طريق ابن مهدي وابن وهب وغيرهما وأبو داود (٤) من طريق ابن مهدي كلهم عن مالك عن نافع عن ابن عمر ولفظه : «صلى بينه وبين القبلة ثلاثة أذرع» ، وكذا أخرجه أبو عوانة من طريق [هشام بن سعد](٥) عن نافع وهذا فيه الجزم بثلاثة أذرع ، لكن روى النسائي من طريق ابن القاسم [عن مالك](٦) بلفظ : «نحوا من ثلاثة أذرع» (٧) ، وهي موافقة لرواية ابن عقبة كما في البخاري ولفظه : حدثني إبراهيم بن المنذر قال : حدثنا أبو ضمرة قال : حدثنا موسى بن عقبة عن نافع : أن عبد الله بن عمر

__________________

(١) البحر العميق (١ / ٢٦ ـ ٢٧) ، وشفاء الغرام (١ / ٤١٥ ـ ٤١٧).

(٢) البحر العميق (١ / ٢٧).

(٣) أسد الغابة (٣ / ٣٤٤).

(٤) أبو داود (٢ / ٢١٤ / ح ٢٠٢٤).

(٥) في الأصل : ابن هشام بن سعيد. والتصويب من شرح المواهب (٢ / ٣٤٤). وانظر ترجمته في : الجرح والتعديل (٩ / ٦١).

(٦) زيادة من شرح المواهب.

(٧) أخرجه النسائي (٢ / ٦٣ ح ٧٤٩).

٢٥٠

كان إذا دخل الكعبة مشى قبل وجهه حين يدخل ، وجعل الباب قبل ظهره فمشى حتى يكون بينه وبين الجدار الذي قبل وجهه قريبا من ثلاثة أذرع ، صلى بهذا المكان الذي أخبره به بلال أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى فيه. قال : وليس على أحدنا بأس إن صلى في أيّ نواحى البيت (١).

وفي كتاب مكة للأزرقي والفاكهي (٢) : أن معاوية سأل ابن عمر رضي‌الله‌عنهما : أين صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ فقال : اجعل بينك وبين الجدار ذراعين أو ثلاثة أذرع فصلّ (٣).

فعلى هذا ينبغي لمن أراد [الاتباع](٤) في ذلك أي : في موضع صلاة المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وسلم في البيت : أن يجعل بينه وبين الجدار ثلاثة أذرع فإنه تقع قدماه مكان [قدميه](٥) صلى‌الله‌عليه‌وسلم إن كان ثلاثة أذرع سواء ، وتقع ركبتاه ويداه إن كان المحل أقل من ثلاثة أذرع. والله أعلم بحقيقة الموضع. انتهى من المواهب وشرحها للزرقاني (٦).

وذكر الفاسي في شفاء الغرام : قال الحافظ أبو الفضل العراقي : من أراد أن يظفر بمصلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم داخل البيت فإذا دخل من الباب يسير تلقاء وجهه حتى يدخل إلى أن يجعل بينه وبين الحائط ثلاثة أذرع أو ذراعين أو ما بينهما لاختلاف الطرق ، وأن لا يجعل بينه وبين الجدار أقلّ من ثلاثة أذرع.

__________________

(١) أخرجه البخاري (١ / ١٩٠ / ح ٤٨٤).

(٢) لم أجده في المطبوع من الفاكهي.

(٣) أخرجه الأزرقي (١ / ٢٧١). ولم أجده في المطبوع من الفاكهي.

(٤) في الأصل : الإقناع. والتصويب من شرح المواهب (٢ / ٣٤٤).

(٥) في الأصل : قدمه. والمثبت من شرح المواهب ، الموضع السابق.

(٦) شرح المواهب اللدنية (٢ / ٣٤٤).

٢٥١

انتهى (١).

وقدر صلاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم داخل الكعبة ركعتين ، كما في رواية ابن عمر رضي‌الله‌عنهما ، وقيل : أكثر. انتهى ما ذكره الفاسي باختصار (٢).

وفي المواهب اللدنية : وتستحب الصلاة داخل الكعبة وهو ظاهر في النفل ، وألحق الجمهور به الفرض إذ لا فرق.

وعن ابن عباس : لا تصح الصلاة داخلها مطلقا ، وعلّله بلزوم استدبار بعضها ، وقد ورد الأمر باستقبالها فيحمل على استقبال جميعها ، وقال به بعض المالكية والظاهرية وابن [جرير](٣).

وقال المازري : والمشهور في المذهب منع صلاة الفرض داخلها ووجوب الإعادة.

وعن ابن عبد الحكم (٤) : الإجزاء ، وصححه ابن عبد البر وابن العربي ، وأطلق الترمذي عن مالك جواز النفل ، وقيده بعض أصحابه بغير الرواتب.

قال شارح المواهب : ومن المشكل ما نقله النووي في زوائد الروضة : أن صلاة الفرض داخل الكعبة إن لم [يرج](٥) جماعة أفضل من الصلاة خارجها.

ووجه الإشكال : أن الصلاة خارجها متفق على صحتها بين العلماء ، فكيف يكون المختلف في صحته أفضل من المتفق عليه. انتهى من الفتح

__________________

(١) شفاء الغرام (١ / ٢٦٥).

(٢) شفاء الغرام ، الموضع السابق.

(٣) في الأصل : جريج. والتصويب من شرح المواهب اللدنية (٢ / ٣٤٤).

(٤) في الأصل زيادة : منع. والتصويب من المرجع السابق.

(٥) في الأصل : يرجى.

٢٥٢

جميعه بما ساقه [المصنف](١).

فلله درّ مالك رضي‌الله‌عنه ما أدق نظره حيث استحب النفل داخلها ؛ لأنه الواقع منه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومنع الفرض لورود الأمر باستقبالها ، فخص منه النفل بالسنة فلا يقاس عليه. انتهى من المواهب وشرحها للزرقاني (٢).

ودخلها صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ما ذكره الفاسي في شفاء الغرام أربع مرات : يوم فتح مكة ، وفي ثاني [يوم](٣) الفتح ، وفي عمرة القضاء ، وفي حجة الوداع. انتهى (٤).

لكن الصحيح أنه لم يدخلها صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلا مرة واحدة في فتح مكة ، كما في الزرقاني على الموطأ (٥).

ذكر فضل الصلاة والدعاء داخل البيت

وفي رسالة الحسن البصري عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من دخل البيت وصلى فيه دخل في رحمة الله ، وفي حمى الله ، وفي [أمن](٦) الله ، وخرج مغفورا له» (٧).

وعن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من دخل

__________________

(١) قوله : المصنف ، زيادة من شرح المواهب اللدنية (٢ / ٣٤٤).

(٢) شرح المواهب اللدنية (٢ / ٣٤٤). وجاء في هامش الأصل زيادة بخط الدهلوي : فصارت المواضع التي صلى فيها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقينا وتخمينا تسع مواضع. والتاسع من العدد : هو مصلى آدم عليه‌السلام.

(٣) زيادة من الغازي (١ / ٤٦٣).

(٤) شفاء الغرام (١ / ٢٩٣).

(٥) شرح الزرقاني على الموطأ (٢ / ٤٧٢).

(٦) في الأصل : أمر. والتصويب من الجامع اللطيف (ص : ١٠١).

(٧) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (٢ / ٢٩١) ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٦ / ١٦٦). وانظر الجامع اللطيف ، الموضع السابق.

٢٥٣

البيت دخل في حسنة وخرج من سيئة مغفورا له» (١). رواه البيهقي وغيره.

وفي رواية ذكرها عبد الرزاق أنه قال ذلك بمعناه ، وزاد : أن يخرج معصوما فيما بقي.

وقوله : «معصوما فيما بقي» يحتمل أن يريد بذلك العصمة من الكفر ، فتكون فيه البشارة لمن دخله بالموت على الإسلام.

وعن موسى بن عقبة قال : طفت مع سالم بن عبد الله بن عمر رضي‌الله‌عنهم خمسة أسابيع ، كلما طفنا سبعا دخلنا الكعبة فصلينا فيها ركعتين (٢). رواه الأزرقي. ذكره القرشي (٣).

روي أن إبراهيم الخليل وجد حجرا مكتوبا فيه أربعة أسطر :

الأول : أنا الله لا إله إلا أنا [فاعبدني ، والثاني : أنا الله لا إله إلا أنا](٤) محمد رسولي ، طوبى لمن آمن به وصدّقه ، إلى أن قال : والكعبة بيتي من دخل بيتي أمن من عذابي. انتهى حلبي (٥).

لطيفة بل منقبة شريفة : مما تفرد به ابن علان الصديقي المكي : أنه قرأ البخاري في جوف الكعبة في مدة عمارة البيت في زمن السلطان مراد كما تقدم.

ومما يعد من مناقب الإمام أبي حنيفة رضي‌الله‌عنه : أنه دخل الكعبة

__________________

(١) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (٥ / ١٥٨) ، وابن خزيمة في صحيحه (٤ / ٣٣٢) ، والطبراني في الكبير (١١ / ١٧٧).

(٢) أخرجه الأزرقي (١ / ٢٧٣).

(٣) البحر العميق (١ / ٢٧).

(٤) ما بين المعكوفين زيادة من السيرة الحلبية (١ / ٣٥٥).

(٥) السيرة الحلبية (١ / ٣٥٥).

٢٥٤

وصلّى بالقرآن جميعه ركعتين. انتهى من منائح الكرم (١).

وفي حاشية (٢) شيخنا : يستحب دخول البيت ولو ليلا. انتهى.

وفي الخرشي : وإقرار النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم المفاتيح بيد من هي معه ـ أي : من بني شيبة ـ لما أرادت السيدة عائشة رضي‌الله‌عنها أن تدخل البيت ليلا فاعتذر ـ أي عثمان الحجبي ـ للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقوله : فإنها لم تفتح (٣) ليلا ، لا في الجاهلية ولا في الإسلام ؛ جبرا (٤) وتطييبا لخاطرها فلا يكون فيه دليل على كراهية دخوله ليلا. انتهى.

تنبيه : ينبغي لمن دخل البيت الشريف أن لا يرفع بصره إلى السقف ، وأن لا ينظر إلى حوائطه بنيّة الفرجة ، وإنما يدخله بخشوع ووقار ، فبقدر تعظيم البقعة يعظم الأجر ، كما ورد عن عائشة رضي‌الله‌عنها قالت : عجبت للرجل المسلم إذا دخل الكعبة كيف يرفع نظره إلى السقف ، كيف لا يدع ذلك إجلالا لله تعالى ، دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما خالف بصره موضع سجوده حتى خرج منها. انتهى شرح جمال الدين على منسك ملا علي القاري.

الفصل [السادس عشر](٥) : في سدانة البيت

وهي الحجابة ـ أي : خدمة البيت وتولي أمره وفتح بابه وإغلاقه ـ

قال الشيخ محمد الحطاب المالكي رحمه‌الله في باب النذر من شرحه

__________________

(١) منائح الكرم (٤ / ١٢٢).

(٢) أقحم في الأصل بين الأسطر بخط الدهلوي لفظة : «شيخ».

(٣) في هامش الأصل زيادة قوله : «نهارا ولا» بخط الدهلوي.

(٤) أقحم في الأصل بين الأسطر بخط الدهلوي لفظة : «ذلك».

(٥) في الأصل : الخامس عشر. وهو خطأ.

٢٥٥

على مختصر خليل ما نصه : الخزانة جمع خازن ، وخزنة الكعبة هم بنو شيبة. يقال : خزنة وسدنة وحجبة ، ومنصبهم يقال له : حجابة وسدانة وخزانة ـ بكسر الخاء ـ اه.

وخزنة الكعبة ، قال القرشي (١) : اعلم أن قصيا جدّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما آل أمر البيت ومكة إليه ـ وكبر قصي ـ كان عنده [أولاد](٢) ، فكان عبد الدار أكبر أولاده وبكره ، وكان ولده عبد مناف قد شرف في زمان أبيه ، وذهب شرفه كل مذهب ، ثم أجمع قصي على أن يقسم أمور مكة الستة التي فيها الشرف والذّكر والعزّ بين ابنيه ، فأعطى عبد الدار السدانة ـ وهو جد بني شيبة ـ ودار الندوة واللواء ، وأعطى عبد مناف السقاية والرفادة والقيادة ، أما السدانة فهي الحجابة ـ أي : خدمة البيت وتولي أمره وفتح بابه وإغلاقه ـ فيروى أنها كانت قبل لطسم ـ قبيلة من عاد ـ فاستخفوا بحقه وحرمته فأهلكهم الله ، ثم وليه خزاعة فاستخفوا بحرمته فأخرجهم الله وأهلكهم ، حتى كان آخرهم أبا غبشان ، فباع المفتاح من قصي بزق خمر وكبش فأشهد عليه ، ثم ولي قصي الحجابة وأمر مكة ـ أي : حجابة الكعبة ـ بعد أمور وحروب جرت له ، كما ذكره القرشي.

ثم أعطى ولده عبد الدار السدانة ودار الندوة واللواء ، وأعطى عبد مناف السقاية والرفادة والقيادة ، فلما توفي قصي أقيم أمره في قومه بعد وفاته [على](٣) ما كان عليه في حياته ، واختص عبد الدار بحجابة البيت

__________________

(١) البحر العميق (٣ / ٢٤٩ ـ ٢٥٠).

(٢) في الأصل : أولادا.

(٣) قوله : على ، زيادة من ب. وانظر : البحر العميق (٣ / ٢٥٠).

٢٥٦

وولاية دار الندوة واللواء ، كما ولّاه [أبوه](١) قصي ، فلم يزل يليه حتى توفي ، وجعل الحجابة إلى ابنه عثمان بن عبد الدار ، وجعل دار الندوة إلى ابنه عبد مناف بن عبد الدار.

أما الندوة فلم يزالوا بنو عبد مناف بن عبد الدار يلون الندوة دون ولد عبد الدار ، فكانت قريش إذا أرادت أن تشاور شيئا في أمرها فتحها لهم عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار وبعده ولده أو ولد أخيه.

وأما السدانة فلم يزالوا بنو عثمان بن عبد الدار يلون الحجابة دون ولد عبد مناف بن عبد الدار ، ثم وليها عبد العزى ، ثم أبو طلحة ، ثم وليها عثمان من بعده ، فهو : عثمان بن أبي طلحة بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي جد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى كان فتح مكة فقبضها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أيديهم وفتح الكعبة ، ثم ردها إليهم. انتهى ما ذكره القرشي (٢).

وفي المواهب اللدنية (٣) : روى الفاكهي من طريق ضعيفة عن ابن عمر قال : كان بنو أبي طلحة يزعمون أنه لا يستطيع أحد فتح [باب](٤) الكعبة غيرهم ، فأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المفتاح من عثمان بن شيبة بن طلحة يوم الفتح ، ففتحها بيده (٥).

وعثمان المذكور هو : عثمان بن طلحة بن أبي طلحة بن عبد العزى ـ كما قاله ابن إسحاق وغيره ـ بن عثمان بن عبد الدار فنسبه إلى جده الأعلى ليتميز بين أولاد قصي على عادة أهل النسب ، فلا يفهم من أن

__________________

(١) في الأصل : أبيه.

(٢) البحر العميق (٣ / ٢٥٠ ـ ٢٥١).

(٣) المواهب اللدنية (١ / ٥٨٦ ـ ٥٨٧).

(٤) زيادة من المواهب اللدنية.

(٥) أخبار مكة (٥ / ٢٣٤).

٢٥٧

اسم أبي طلحة : عبد الدار كما ظنه من وهم ، واسم جده ـ أي عثمان ـ : عبد الله ، ويقال له : الحجبي ـ بفتح الحاء والجيم ـ ويعرفون الآن بالشيبيين ، نسبة إلى شيبة بن عثمان بن أبي طلحة ، له صحبة وأحاديث ، روى عنه البخاري وأبو داود وابن ماجه ، مات سنة [تسع](١) وخمسين. اه.

وهو ـ أي : عثمان بن طلحة ـ له صحبة وهجرة ، ورواية لمسلم وأبو داود وغيرهما : مات سنة اثنتين وأربعين.

واسم أم عثمان : سلافة بنت سعد الأوسية الأنصارية ، أسلمت بعد.

قال الشارح ـ أي شارح المواهب ـ : وهذه العبارة جزم بها المصنف تبعا للفتح في كتاب (٢) الحج من أول قوله : وعثمان إلى هنا بلفظه ، وكأنه لم يصح عنده ما ذكره الفاكهي أن ولد عثمان لما قدموا من المدينة منعهم ولد شيبة ، فشكوا إلى الخليفة المنصور ببغداد فكتب إلى [ابن جريج](٣) يسأله ، فكتب إليه أنه عليه الصلاة والسلام دفع المفتاح إلى عثمان فادفعه لولده فدفعه ، فمنعوا ولد شيبة من الحجابة ، فركبوا إلى المنصور وأعلموه أن ابن جريج يشهد أنه عليه الصلاة والسلام قال : «خذوها يا بني أبي طلحة» ، فكتب لعامله أن يشهد ابن جريج بذلك ، فأدخلهم فشهد عند العامل بذلك فجعلها إليهم [كلها](٤). انتهى ما ذكره الشارح (٥).

وفي أسد الغابة (٦) في ترجمة شيبة بن عثمان بن أبي طلحة ـ واسمه عبد

__________________

(١) في الأصل : تسعة.

(٢) في الأصل : باب. والتصويب من شرح المواهب اللدنية.

(٣) في الأصل : أبي نجيح. والتصويب من المرجع السابق.

(٤) في الأصل : كلهم.

(٥) شرح المواهب اللدنية (٢ / ٣٣٨).

(٦) أسد الغابة (٢ / ٣٨٣).

٢٥٨

الله ـ بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار وأنه من خيار المسلمين ، دفع له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولابن عمه عثمان بن طلحة بن أبي طلحة [مفتاح الكعبة](١) وقال : «خذوها خالدة مخلّدة تالدة إلى يوم القيامة ، يا بني أبي طلحة! لا يأخذها منكم إلا ظالم».

وهو جد هؤلاء بني شيبة ، الذين يلون حجابة البيت ، الذين بأيديهم مفتاح الكعبة إلى يومنا هذا.

وفي طبقات ابن سعد عن عثمان بن طلحة قال : وكنا نفتح الكعبة في الجاهلية يوم الاثنين والخميس فأقبل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوما يريد أن يدخل الكعبة مع الناس فأغلظت له ونلت منه فحلم عني ، ثم قال : «يا عثمان لعلك ترى هذا المفتاح يوما بيدي أضعه حيث شئت» ، فقلت له : لقد هلكت قريش يومئذ وذلت فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «بل عمرت وعزت يومئذ» ، ودخل الكعبة فوقعت كلمته مني موقعا ظننت أن الأمر يومئذ سيصير إلى ما قال. فلما كان يوم الفتح قال : «يا عثمان ائتني بالمفتاح» فأتيته به وذلك بعد امتناع أمي ، وقال : خذه يا رسول الله بأمانة الله ، ودخل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم هو وعثمان بن طلحة وبلال وأسامة بن زيد ... الحديث في الموطأ (٢).

وطلب العباس عم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يدفع له المفتاح ، فأنزل الله الآية ، فدفع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم المفتاح إلى عثمان بن طلحة وقال : «خذوها يا بني أبي طلحة خالدة تالدة» ، معنى كل منها : مقيمة ، كما في القاموس وغيره (٣) ، فالثاني تأكيد للأول حسنه اختلاف اللفظ.

__________________

(١) زيادة من أسد الغابة (٢ / ٣٨٣).

(٢) موطأ مالك (١ / ٣٩٨).

(٣) القاموس المحيط ، مادة : خلد ، تلد.

٢٥٩

وفي حاشية الجمل على الجلالين (١) : خالدة : أي : هاك هذه الخدمة خالدة ، أي : مستمرة إلى آخر الزمان ، تالدة : أي : قديمة متأصلة فيكم وهو في المعنى تعليل فكأنه قال : خذوها مستمرة فيكم في مستقبل الزمان ؛ لأنها لكم في ماضية. انتهى.

وقال المحب الطبري (٢) : لعل «تالدة» من التالد ، وهو المال القديم ، أي : هي لكم من أول الأمر وآخره ، وأتبعها بخالدة بمعناها : «لا ينزعها منكم إلا ظالم».

وفي رواية : «لا يظلمكموها إلا كافر» ، أي : كافر نعمة الفتح ، ويحتمل الحقيقة إن استحل ، «يا عثمان إن الله استأمنكم على بيته فكلوا مما يصل إليكم من هذا البيت» أي : بسبب خدمته (٣) على سبيل التبرع والبر بالمعروف.

قال المحب الطبري (٤) : ربما تعلق الجاهل بجواز أخذ الأجرة على دخول الكعبة ، ولا خلاف في تحريمه ، وهذا إن صح يحتمل أن معناه ما يأخذونه من بيت المال على خدمته والقيام بمصالحه ، ولا يحل لهم إلا قدر ما يستحقونه ، أو ما يقصدون به من البر والصلة على وجه البر ، فلهم أخذه وذلك أكل بالمعروف ، والمحرم إنما هو نزع المفتاح منهم لا منعهم من انتهاك حرمة البيت (٥) وما فيه قلة أدب ، فهذا واجب لا خلاف فيه.

__________________

(١) حاشية الجمل (١ / ٣٩٤).

(٢) القرى (ص : ٥٠٤).

(٣) في الأصل : خدمة.

(٤) القرى (ص : ٥٠٦).

(٥) في الأصل زيادة بخط الدهلوي : «حاشاهم عن ذلك».

٢٦٠