تحصيل المرام - ج ١-٢

الشيخ محمّد بن أحمد بن سالم بن محمّد المالكي المكّي [ الصبّاغ ]

تحصيل المرام - ج ١-٢

المؤلف:

الشيخ محمّد بن أحمد بن سالم بن محمّد المالكي المكّي [ الصبّاغ ]


المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الأسدي للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١٠٧٤

تسعة أحواض للماء ، تملأ من بئر زمزم يتوضأ الناس منها ، والخلوة (١) التي جانب هذه الحجرة عملت على ما هي عليه اليوم في سنة [سبع](٢) وثمانمائة ، وكانت قبل ذلك على غير هذه الصفة ، وإنما بنيت على هذا [الوضع](٣) الآن ليتوضأ الناس من البزابيز (٤) التي عملت في أسفلها. انتهى [كلام القرشي.

قلت : قد جددت هذه البزابيز في سنة ألف ومائتين وثمان (٥) وسبعين ثم تركت. انتهى](٦).

وفي منائح الكرم (٧) : وقد غيّرت قبة زمزم ، غيّرها السلطان أحمد خان على يد سليمان بيك شيخ الحرم الشريف سنة ألف [واثنتين](٨) وسبعين. انتهى.

وهي الموجودة الآن في زماننا ، وهي بيت مربع وفي جدرانه ثمانية شبابيك ، ثلاثة مواجهة الكعبة ، وثلاثة جهة المدرج ، واثنان بجانب الباب ، والباب في الوسط ، وفي هذين الشباكين [حوضان](٩) تملآن من زمزم

__________________

(١) الخلوة : المكان الذي ينقطع فيه العابد للعبادة ، وعند الصوفية المكان الذي يختلي فيه الصوفي بنفسه مبتعدا عن الخلق للتعبد والزهد ، وعند النصرانية : هو المكان الذي يحبس الراهب نفسه فيه للتعبد ، وهي بمنزلة الكنيسة (انظر : صبح الأعشى ٥ / ٤٤٥ ، والتعريف بمصطلحات صبح الأعشى ص : ١٢٢).

(٢) في الأصل : سبعة.

(٣) في الأصل : الموضع. والتصويب من البحر العميق (٣ / ٢٧٧).

(٤) البزابيز : هي الصنابير يصب منها الماء. وقال السباعي في تاريخ مكة (حاشية ص : ٣٣٣) : لعل كلمة «بزبوز» أخذت من بزبز الماء أو الحليب إذا تدفق بقوة.

(٥) في ب : ثمانية.

(٦) ما بين المعكوفين زيادة من ب.

(٧) منائح الكرم (٤ / ٢٢٦). وانظر : التاريخ القويم (٣ / ٨٣).

(٨) في الأصل : اثنين.

(٩) في الأصل : حوضين.

٣٠١

للشراب ، وفوق قبة البئر بيت آخر مقام على أعمدة بيت لشيخ زمزم ، أي : [رئيس](١) المؤذنين يصعد إليه بدرج جهة مقام الحنبلي ، فيطلع رئيس المؤذنين ـ وهو شيخ زمزم ـ ليؤذن ويتبعه سائر المؤذنين في جميع الأوقات. وقد جددت في زماننا شبابيك بيت زمزم ورخام أرضها وأصلح فمها والدرابزان الذي على فم البئر ، كل ذلك على يد سيدنا الشريف عبد الله بن سيدنا الشريف محمد بن عون والحاج عزت باشا في سلطنة السلطان عبد العزيز خان ، وكان ذلك العمل في سنة ألف ومائتين [وتسع](٢) وسبعين ، وابتداء ذلك في شعبان من التاريخ. انتهى.

ذكر باب زمزم وإغلاقه

في [نشر](٣) الأنفاس في فضائل زمزم وسقاية العباس للشيخ خليفة بن [أبي الفرج](٤) بن محمد الزمزمي البيضاوي المعروفين الآن بآل الريس :

إن زمزم ـ يعني بيتها ـ كان ليس عليه بابا ولا غلق ، ومع ذلك كان التكلم للجد بطريق النيابة عن الخلفاء العباسيين ، فلما صار أمر البئر إلى الشيخ عبد السلام بن أبي بكر الزمزمي [أنهى](٥) بمحضر إلى خليفة وقته وكانت إذ ذاك والخلافة في بني العباس بأن زمزم في أوقات الصلاة يدخلها الناس فيشوشون على الإمام والمصلين ، خصوصا أيام الحج ؛ بسبب

__________________

(١) في الأصل : ورئيس. والتصويب من : التاريخ القويم (٣ / ٨٣).

(٢) في الأصل : تسعة.

(٣) في الأصل : شرح. وانظر : أعلام المكيين للمعلمي (١ / ٤٧٦).

(٤) في الأصل : بن فرج. وانظر ترجمته في خلاصة الأثر (٢ / ١٣٢) ، والأعلام للزركلي (٢ / ٣١٢).

(٥) في الأصل : نهى.

٣٠٢

ازدحامهم ، ودفع أمواتهم ، وطالما دخلت الكلاب والبسس بالليل ويطيحون فيها ، والقصد باب (١) يجعل عليها يمنع ما ذكر فأجابه لسؤاله. اهـ.

ثم بعد الشيخ عبد السلام الزمزمي أنهى ذرية الشيخ عبد السلام الشيخ عمر بن عبد العزيز الزمزمي إلى خليفة زمنهم العباسي أن بيدهم خدمة زمزم وسقاية العباس ، والمقصد تجعل ضبة على باب زمزم يسكّونها (٢) بالليل وفي أوقات الصلاة ، وأن يكون المفتاح عند أكبرهم ، ويبقى ذلك في ذريتهم ، فأجابهم الخليفة العباسي بمرسوم شريف صورته مذكورة في «نشر الأنفاس».

ومما ذكر في المرسوم : أن يعمل على الباب لمبة ومفتاح ، ويعطى للشيخ عمر بن عبد العزيز الزمزمي ، ويقيم على ذلك من شاء من جهتهم من يتولى غلق الباب وفتحه لمن يقصد زمزم ، فليعتمد هذا المرسوم الشريف كل واقف عليه ويعمل بمقتضاه. حرر عشرين من شوال سنة ثمانمائة [وست](٣) وعشرين. اهـ.

تنبيه : قال الشيخ خليفة الزمزمي في [نشر](٤) الأنفاس : أصل دخول خدمة وظيفة زمزم وسقاية العباس على جدنا الأكبر علي بن محمد بن داود البيضاوي ، قدم مكة عام ثلاثين وستمائة ، ولما قدم مكة من العراق باشر عن الشيخ سالم بن ياقوت المؤذن خدمة زمزم ، فلما ظهر له خيره نزل له

__________________

(١) في الأصل : بابا. والصواب ما أثبتناه.

(٢) في هامش الأصل : أي : يغلقونها.

(٣) في الأصل : ستة.

(٤) في الأصل : شرح. وانظر : أعلام المكيين للمعلمي (١ / ٤٧٦).

٣٠٣

عنها وزوّجه ابنته ، فولدت منه أولاد ، وصار لهم أمر البئر وسقاية العباس. انتهى.

وهم المعروفون الآن ببيت الريس. اه.

قال الشيخ خليفة : وقعت في زمن الشيخ شهاب الدين الزمزمي في آخر ثمانمائة [وسبع](١) وسبعين ، هو أن شخصا يقال له عبد العزيز بن عبد الله الزمزمي ، إذ كل من جبذ دلوا عليها نسب إليها ، وقد كثرت جماعة بهذه الأسماء من الهنود وغيرهم ، فادعى ذلك الرجل الشركة مع أولاد الشيخ إسماعيل الذين أخذوها من جدّهم عن الشيخ سالم بن ياقوت ، وهم وكلاء عن الخلفاء العباسيين في ذلك ، ودلّس ذلك الرجل على خليفة زمانهم فأشركه معهم ، وأنهى أولاد الشيخ إسماعيل إلى الخليفة ، فأرسل إليهم الأمير [أزبك](٢) ، فبحث عن هذه الخدمة ، وعقد مجلسا حضره القضاة وكثير من أعيان مكة ، ووقف على ما بيد أولاد الشيخ إسماعيل البيضاوي من المستندات القديمة ، وظهر الحق أن هذه الخدمة لأولاد الشيخ إسماعيل ، وأخرج المعتدين عليهم ، فهي لهم خلفا عن سلف من سنة ستمائة وثلاثين إلى وقتنا هذا ، ويعرفون الآن ببيت الريس. انتهى (٣).

أقول : ومثل هذه الحادثة وقعت في زماننا ، هو أن رجلا يقال له عبد الحميد كان وكيلا عن الشيخ علي الريس شيخ زمزم ، واستمر مدة من الزمان ، ثم بعد ذلك ادّعى أن خدمة زمزم له شركة معهم ، وأن بيده تقارير من أشراف مكة ـ يعني حكامها ـ فلما سمعوا منه بذلك أرسلوا ـ يعني

__________________

(١) في الأصل : سبعة.

(٢) في الأصل : زنابك. وانظر : إتحاف الورى (٤ / ٥٨٢).

(٣) انظر هذه الحادثة في : إتحاف الورى (٤ / ٥٨٢ ـ ٥٨٣).

٣٠٤

بيت الريس ـ رجلا من طرفهم إلى الآستانة العلية وبيده استنادات من الخلفاء العباسيين ومن سلاطين آل عثمان أن هذه الوظيفة لهم ، فلما اطلعوا على ذلك أيّدوهم بفرمان (١) سلطاني لمنع كل من يتعرض لهم ، وأن هذه الخدمة تبقى بيدهم كما كانوا عليه أسلافهم. انتهى.

ذكر سقاية العباس

قال العلّامة ابن فهد : سقاية العباس كانت بين الركن والمقام وزمزم ، بالقرب من مجلس سيدنا عبد الله بن عباس رضي‌الله‌عنهما ، فأخرّها عبد الله بن الزبير إلى موضعها الآن ، وكانت قبتها من خشب ، ثم عمّرت بالحجر في زمن الخليفة المعتمد أحمد بن المتوكل العباسي في عام تسعة وخمسين ومائتين. اه.

وقال شهاب الدين أحمد بن حسن : عمّرها محمد بن هارون بن عباس بن إبراهيم ـ لما حج بالناس ـ من خشب العاج ، وسقّفها به على حكم المقعد الظريف في بيت التربيع مزخرفا بماء الذهب ، وجعل البركة كلها من رخام منقوش ، وكتب اسمه في نقش الرخام ، واستمر بناؤه إلى ثلاثمائة وخمسين ، فحجّ بالناس أحمد بن محمد بن عيسى العباسي فهدم ذلك وبناه على أربعة أعمدة مفتحة من سائر الجوانب الأربعة ، وسقّفها بالخشب المذهب ، وأبقى البركة على بنائها الأصلي ، واستمر بناؤه إلى سنة ثلاثمائة [وثلاث](٢) وسبعين.

__________________

(١) الفرمان : فارسي ، وهو عهد السلطان للولاة. أمر ملكي ، مرسوم (معجم الكلمات الأعجمية والغريبة للبلادي ص : ٧٩).

(٢) في الأصل : ثلاثة.

٣٠٥

استطراد لطيف ، هو : في سنة ألف ومائتين [وثمان](١) وثمانين في جمادى الأولى ورد خطاب من الدولة العلية إلى حضرة من نحن تحت رعايته أدام الله عزه سيدنا الشريف عبد الله بن ولي الله سيدنا الشريف محمد بن عون لما بلغها من معمر باشا أن هذه القبة ـ [أي قبة الكتب](٢) ـ والتي بجانبها تمنع مشاهدة الكعبة المشرفة لمن بتلك الجهة ، فورد ذلك الخطاب بالكشف عن ذلك الأمر ، فعقد مجلسا على ذلك ببيته [الذي](٣) بالغزة وفيه العلماء ، فأخبروه أن [إحدى](٤) القبب ـ يعني : قبة سقاية العباس ـ [بني](٥) محلها ، فقال : نجعل محلها قبة صغيرة على أربعة أعمدة ، وفيها حوض باسم مولانا السلطان بحيث إن تلك القبة لا تمنع مشاهدة البيت لمن بتلك الجهة ، فاستحسن ذلك القول ، فلله ما أحسن رأيه الذي وافق على ما كانت عليه في زمن أحمد بن محمد العباسي ، فكتب بذلك إلى الدولة ولم يأت بعد ذلك خبر بالهدم. اه.

ثم في ثلاثمائة وألف ورد الأمر بهدمهما وذلك في سلطنة مولانا المعظم السلطان عبد الحميد بن السلطان عبد المجيد خان ، وأمير مكة يومئذ الشهم الهمام نجبة السادة الأشراف ، من نحن تحت حمايته سيدنا الشريف عون الرفيق باشا ابن ولي الله سيدنا الشريف محمد بن عون طاب ثراه ، وكان والي الحجاز وشيخ الحرم الوزير المعظم عثمان باشا. وكان ابتداء الهدم بعد صلاة الجمعة اثنا عشر صفر ، وشاهد الهدم سيدنا الشريف المومأ

__________________

(١) في الأصل : ثمانية.

(٢) زيادة من الغازي (١ / ٥٧٤) ، والتاريخ القويم (٣ / ٧٧).

(٣) في الأصل : التي.

(٤) في الأصل : أحد. والصواب ما أثبتناه.

(٥) في الأصل : يعني. والتصويب من الغازي (١ / ٥٧٤).

٣٠٦

إليه والوزير عثمان باشا.

ولما حج بالناس جعفر بن علي بن سليمان العباسي سقّفها لسقوطها وانهدامها وجعلها من حجر ونورة (١) ، واستمر ذلك إلى أربعمائة وثلاثين ، ثم حجّ بالناس عمر بن الحسن وقد انهدم ذلك البناء ، فبناها كلها على صفة بيت مربع ، وجعل لها بابان شرقي وغربي ، وأحسن عمارتها ، واستمر ذلك البناء إلى سنة خمسمائة وعشرين فجدّدها إبراهيم العباسي.

قال ابن فهد (٢) : ثم عمّرها الجواد الأصفهاني صاحب الموصل في أول القرن السادس. اه.

قال الفاسي في العقد الثمين (٣) : وآخر عقد عمرت فيه هذه السقاية سنة ثمانمائة [وسبع](٤) بعد سقوط القبة التي كانت بها ، وكانت من خشب من عمل الجواد الأصفهاني فعملت من حجر. وقد عمّرها وزير صاحب الموصل ، وأم الخليفة الناصر لدين الله العباسي.

قال ابن فهد رحمه‌الله في لطائفه : والمستكفي في سنة خمسمائة [وتسع](٥) ، والملك المظفر عمر في سنة ستمائة وأربع وسبعين ، وأحمد بن عمر المرجاني في سبعمائة وعشرين.

قال ابن فهد (٦) : ثم عمّرها محمد بن قلاوون في سبعمائة [وست](٧) ،

__________________

(١) النورة عند الحجازيين يسميها المصريون الجير الأسمر.

(٢) إتحاف الورى (٣ / ٤٤٣).

(٣) العقد الثمين (١ / ٢٦٠).

(٤) في الأصل : وسبعة.

(٥) في الأصل : وتسعة.

(٦) إتحاف الورى (٣ / ١٤٤). وانظر : شفاء الغرام (١ / ٤٩٠).

(٧) في الأصل : وستة.

٣٠٧

ثم في زمن الظاهر برقوق في ثمانمائة [وسبع](١) ، وسبب هذه العمارة : سقوط القبة. قاله الفاسي.

وقد عمّرها قيتباي في ستمائة وأربع وسبعين ثم في ثمانمائة [وأربع](٢) وتسعين. قاله ابن فهد.

وممن عمّرها بالنورة ، وأحدث فيها دكّة (٣) ، وجدّد هلالها : الوزير حسن باشا في حال وروده مكة من اليمن قاصدا البلاد الرومية أوسط ربيع الأول سنة مائة [وست](٤) وعشرين بعد الألف ، وبنى قبل هذه السنة [مكانا](٥) للوقادين بآخر المسجد عند باب بازان. اه. [ذكره](٦) الشيخ خليفة الزمزمي.

ثم قال : وأما صفتها الآن فهي قبة كبيرة مثمّنة إلى نصفها يدخلها الإنسان من باب شامي له عتبتان ، وعلى يمين الداخل دكة كبيرة إلى نصف القبة من دائر ، ولها شباك غربي وشباك آخر يشرف جهة باب علي ، وبوسطها بركة مثمّنة باشرت ذرعها بيدي ، فوجدت طولها خمسة أذرع إلا قيراطين بالذراع الحديد ، وعرضها دائر اثنا عشر ذراعا وأربعة عشر قيراطا (٧) ، وعمقها زيادة عن قامة ، وفي وسط البركة عمود يصل إليه الماء من خشبة في زمزم يصب الماء فيها ثم ينزل في حاصل (٨) ، ومنه

__________________

(١) في الأصل : وسبعة.

(٢) في الأصل : أربع.

(٣) الدكّة : الذي يقعد عليه (مختار الصحاح ، مادة : دكك).

(٤) في الأصل : ستة.

(٥) في الأصل : مكان. وانظر : التاريخ القويم (٣ / ٧٦).

(٦) في الأصل : ذكر. وانظر : التاريخ القويم ، الموضع السابق.

(٧) في الأصل : قيراط. والصواب ما أثبتناه.

(٨) حاصل الشيء ومحصوله : بقيّته (مختار الصحاح ، مادة : حصل).

٣٠٨

لدبل (١) محاذي لطرف قبة الفراشين إلى باطن العمود المذكور ، فيفيض الماء فيه ويملأ البركة المذكورة ، فتدخل الناس وتشرب من البركة بمغاريف.

قال الفاسي : والذي عمّرها بهذه الصفة ـ أي : جعل الدبل المتصل بها من زمزم والعمود الذي في باطنها ـ ابن الظاهر برقوق في ثمانمائة وسبعة. اه.

وقال الشيخ عبد الرؤوف المناوي : سقاية العباس كانت حياضا بالمسجد الحرام والآن تسقي في بركة. وأصلها بيد قصي ، ثم لابنه عبد مناف ، ثم لابنه هاشم ، ثم لابنه عبد المطلب ، ثم لابنه العباس ، ثم لابنه عبد الله بن عباس ، ثم لابنه علي وهكذا ، ثم صارت لغيرهم.

وقال الجلال السيوطي في رسالته : الأساس في مناقب بني العباس : ثم من بعد علي بن عبد الله صارت لابنه محمد ، ثم لابنه عبد الله ، ثم لابنه المنصور أبي جعفر ، ثم لابنه المهدي أبي عبد الله محمد ، ثم لابنه أبي جعفر هارون الرشيد ، إلى أن قال : ثم لابنه الموفق علي ، إلى أن قال : ثم ليعقوب المقتدر بأمر الله (٢) ، ثم لابنه عز الدين المستنجد بأمر الله. اه.

وكانت لهم نوّاب إلى أن بقيت في ذرية أولاد الشيخ علي بن محمد بن داود البيضاوي المعروفين الآن [ببيت](٣) الريس. وقد تركت الآن سقاية العباس وصارت الحجاج والناس يشربون من دوارق وأزيار (٤) توضع بالمسجد محبة من أهل الخير.

__________________

(١) الدبل : جدول الماء أو القناة المجهزة المصنوعة لتجميع المياه (لسان العرب ، مادة : دبل).

(٢) في الغازي (١ / ٥٧٣) : المقتدر بالله.

(٣) في الأصل : بيت. وانظر : الغازي (١ / ٥٧٣) ، والتاريخ القويم (٣ / ٧٧).

(٤) الدّورق : مقدار لما يشرب ، يكتال به (لسان العرب ، مادة : درق).

والزّير : الحبّ الذي يجعل فيه الماء (لسان العرب ، مادة : زير).

٣٠٩

قال ابن حجر : وسقاية العباس لآل العباس أبدا وكانت لهم نواب. اه.

الفصل الثالث : في فضائل زمزم وأسمائها

روى الفاكهي (١) عن أشياخ مكة أن لها أسماء كثيرة ؛ فمن أسمائها : زمزم ، وهزمة جبريل عليه‌السلام ، وسقيا الله إسماعيل ، وبركة ، وسيدة ، ونافعة ، ومضنونة ، وعونة ، وبشرى ، وصافية ، ومعذبة ، وطاهرة ، وحرمية ، ومروية ، ومؤنسة ، وبرّة ، وعصمة ، وسالمة ، وميمونة ، ومباركة ، وكافية ، وعافية ، وطعام طعم ، وشفاء سقم. اه ما نقله في أسمائها.

ومن أسمائها : ظبية ، وشباعة العيال ، وشراب الأبرار.

وقال الشيخ أبو عبد الله البعلي في شرح ألفاظ المقنع (٢) : ومن أسمائها : تكتم ، بوزن تكتب. اه ما ذكره القرشي والنووي (٣).

وسميت زمزم ؛ لصوت الماء فيها حين ظهر. والزمزم : صوت الرعد ، ولكثرة مائها يقال : ماء زمزم ـ أي : كثير ـ ، أو لضم هاجر عليها‌السلام لمائها حين انفجرت ، أو لزمزمة جبريل عليه‌السلام [وكلامه](٤) ، وقيل : غير مشتق. والله أعلم.

وفي ربيع الأبرار (٥) : قيل : إن بابك بن ساسان (٦) بلغه مكان البيت

__________________

(١) أخبار مكة (٢ / ٦٧ ـ ٦٨) ، وانظر : شفاء الغرام (١ / ٤٧٧).

(٢) المطلع (ص : ٢٠٠).

(٣) البحر العميق (١ / ٢٨) ، وتهذيب الأسماء واللغات (٣ / ١٣١).

(٤) في الأصل : كلامه. والتصويب من البحر العميق (١ / ٢٨).

(٥) ربيع الأبرار (١ / ٢٢٤).

(٦) بابك بن ساسان هو : جد ملوك الأسرة الساسانية ، وهم ملوك الطبقة الرابعة من ملوك الفرس ، وهي الأسرة التي انقرضت باستيلاء العرب المسلمين على بلادهم ، وكان آخر

٣١٠

وإلى من تفضي النبوة ، فصار إلى البيت ، وشرب من ماء زمزم ، وزمزم حولها فسميت لزمزمته ، وهو كلام متتابع مع حركة ، من قولهم : سمعت زمزمة الرعد ، وهو تتابع الصوت.

شعر :

زمزمت الفرس على زمزم

[وذاك في سالفها](١) الأقدم

انتهى. ذكره في باب العيون والآبار.

وقولهم : بئر زمزم من المسمى إلى الاسم ، وهي غير مصروفة للتأنيث والعلمية ، [وسميت](٢) همزة جبريل ، أي : همز بعقبه في موضع زمزم فنبع الماء.

[وظبية](٣) : سميت به ؛ تشبيها لها بالظبية ، وهي الخريطة ؛ [لجمعها](٤) ما فيها. قاله ابن الأثير في النهاية (٥).

[وقيل](٦) : طيبة ؛ لأنها للطيبين والطيبات من ولد إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام. قاله السهيلي (٧).

وبرّة ؛ سميت به ؛ لأنها فاضت للأبرار وغاضت عن الفجّار.

وسميت مضنونة ؛ [لأنه ضن بها](٨) على غير المؤمنين ، فلا يتضلع

__________________

ملوكهم يزدجرد ، وأولهم أرديشر بن بابك وهو بابك بن ساسان بن بابك.

(١) في الأصل : وذلك في سالفهم. والتصويب من ربيع الأبرار.

(٢) في الأصل : وسميته.

(٣) في الأصل : وضبية. والتصويب من البحر العميق (١ / ٢٨).

(٤) في الأصل : لجمع. والتصويب من النهاية (٣ / ١٥٥) ، والبحر العميق ، الموضع السابق.

(٥) النهاية في غريب الحديث (٣ / ١٥٥).

(٦) في الأصل : وقوله. والتصويب من البحر العميق (١ / ٢٨).

(٧) الروض الأنف (١ / ٢٥٨).

(٨) في الأصل : لأن ضررها. والتصويب من البحر العميق (١ / ٢٨). وفيه : لأنها.

٣١١

منها منافق. قاله وهب بن منبه. وقيل : لأن عبد المطلب قيل له في المنام : احفر المضنونة ، ضنت على الناس لا عليك.

وسميت شباعة للعيال ؛ لأن أهل العيال من الجاهلية كانوا يغدون بعيالهم فينيخون عليها ، فتكون صبوحا لهم ، وكانوا يعدّونها عونا للعيال ، أي : وكذا في الإسلام ؛ فمن ثم سميت عونة.

وقالت أم أيمن حاضنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما اشتكى جوعا قط ولا عطشا ؛ لأنه يغدوا إذا أصبح فيشرب من ماء زمزم شربة ، فربما عرضنا عليه الغداء فيقول : أنا شبعان (١). ذكره القرشي (٢).

وعن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ماء زمزم لما شرب له ، فإن شربته لتشفى شفاك الله ، وإن شربته مستعيذا أعاذك الله ، وإن شربته لتقطع ظمأك قطعه الله». وكان ابن عباس إذا شرب ماء زمزم قال : اللهم إني أسألك علما نافعا ، ورزقا واسعا ، وشفاء من كل داء (٣). رواه الحاكم في المستدرك وهذا لفظه ، والدار قطني.

قال ابن العربي : وهذا موجود فيه إلى يوم القيامة ـ يعني : العلم والرزق والشفاء ـ لمن صحّت نيته وسلمت طويّته ، ولم يكن به ثم مكذبا ولا شربه مجربا ، فإن الله مع المتوكلين وهو يفضح [المجرّبين](٤).

وروى الدارقطني (٥) بدل قوله : «فإن شربته مستعيذا أعاذك الله» :

__________________

١) ذكره ابن سعد في الطبقات الكبرى (١ / ١٦٨) ، والخوارزمي في إثارة الترغيب والتشويق (ص : ١٧٨).

(٢) البحر العميق (١ / ٢٨).

(٣) أخرجه الحاكم (١ / ٦٤٦ ح ١٧٣٩) ، والدارقطني (٢ / ٢٨٩ ح ٢٣٨).

(٤) في الأصل : المجرمين. والتصويب من تفسير القرطبي (٩ / ٣٧٠).

(٥) سنن الدارقطني (٢ / ٢٨٩ ح ٢٣٨).

٣١٢

«[وإن شربته لشبعك](١) أشبعك الله» ، وروي : «[وهو](٢) همزة جبريل وسقيا الله إسماعيل».

وفي حديث إسلام [أبي](٣) ذر في صحيح مسلم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إنها طعام طعم» (٤). رواه أبو [ذر](٥) وزاد : «وشفاء سقم» (٦).

وقال في المجموع : «وشفاء سقم» ليس في مسلم ، وإنما رواه الطبراني والبزار وأبو داود [الطيالسي](٧) ورجاله رجال الصحيح. والظاهر أنه في بعض نسخ مسلم ، فإن البيهقي نقله عنه أيضا. ذكره ابن الجمال على الإيضاح.

وعن عبد الله بن المؤمل ، عن [أبي](٨) الزبير ، عن جابر رضي‌الله‌عنهم ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ماء زمزم لما شرب له» (٩). أخرجه أحمد وابن ماجه والبيهقي. وقال : إن عبد الله بن المؤمل تفرّد به وهو ضعيف ، وضعّفه النووي في شرح المهذب (١٠) أيضا من هذا الوجه ، لكن قد صح من طريق آخر لم يقف عليه النووي وهو حديث عبد الله بن المبارك : أنه أتى

__________________

(١) في الأصل : وإن يشبعك ، والمثبت من سنن الدارقطني ، الموضع السابق.

(٢) قوله : وهو ، زيادة من ب.

(٣) في الأصل : أبا.

(٤) أخرجه مسلم (٤ / ١٩٢٢).

(٥) في الأصل : داود. والتصويب من البحر العميق.

وقد رواه ابن أبي شيبة (٣ / ٢٧٣) عن أبي ذر ، ورجاله رجال الصحيح.

(٦) أخرجه البيهقي في السنن (٥ / ١٤٧) ، والطبراني في المعجم الصغير (١ / ١٨٦) ، والبزار في مسنده (٩ / ٣٦١).

(٧) في الأصل : والطيالسي.

(٨) في الأصل : ابن. والتصويب من مسند أحمد (٣ / ٣٥٧ ، ٣ / ٣٧٢) ، وسنن ابن ماجه (٢ / ١٠١٨) ، والبيهقي (٥ / ١٤٨).

(٩) أخرجه ابن ماجه (٢ / ١٠١٨) ، وأحمد (٣ / ٣٥٧) ، والبيهقي (٥ / ١٤٨).

(١٠) المجموع (٨ / ١٩٥).

٣١٣

ماء زمزم فاستقى منه شربة ، ثم استقبل الكعبة فقال : اللهم إن ابن أبي [الموال](١) حدثني عن محمد بن المنكدر عن جابر أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ماء زمزم لما شرب له» ، وهذا أشربه لعطش يوم القيامة ، ثم شربه. أخرجه الحافظ شرف الدين الدمياطي وقال : إنه على رسم الصحيح ، وكذا صححه ابن عيينة ـ من المتقدمين ـ. وقال فيه الحاكم : صحيح الإسناد. وقال فيه الحافظ ابن حجر بعد ذكر طرقه (٢) : إنه يصلح الاحتجاج به على ما عرف من قواعد الحديث. اه.

وصح عند الشافعي رضي‌الله‌عنه ، فشربه للرمي ، فكان يصيب من كل عشرة تسعة. انتهى من الشبرخيتي على خليل.

قال ابن حجر في حاشيته على إيضاح النووي (٣) : قد كثر كلام المحدّثين في هذا الحديث ، والذي استقر عليه أمر [محقيهم](٤) : أنه حديث حسن صحيح.

وقال ابن الجزري في الحصن الحصين : حديث عبد الله بن المبارك ... إلخ ، سنده صحيح ، والراوي عن ابن المبارك : سويد بن سعيد ثقة. روى له مسلم في صحيحه ، وابن أبي الموال (٥) ـ بفتح الواو وتخفيف الواو ـ ثقة. روى له البخاري في صحيحه فصح الحديث والحمد لله.

وقوله : فصح الحديث أي : المذكور وهو : «ماء زمزم لما شرب له» ، وهو ردّ على من قال : إنه ضعيف ، ومن توغل قال : إنه موضوع ، لكن قال

__________________

(١) في الأصل : المولى. والتصويب من البحر العميق (١ / ٢٨). وانظر : التقريب (ص : ٣٥١).

(٢) في الأصل زيادة : وقال.

(٣) حاشية ابن حجر على إيضاح النووي (ص : ٤٤٢).

(٤) في الأصل : محققهم. وانظر حاشية ابن حجر ، الموضع السابق.

(٥) في الأصل : المولى. وانظر : تقريب التهذيب (ص : ٣٥١).

٣١٤

العلقمي في شرح الجامع الصغير : اختلف الحفاظ ؛ [فمنهم](١) من صحّحه ، ومنهم من ضعّفه ، ومنهم من حسّنه وهو المعتمد ، وقد جرّب ماء زمزم في أمراض كثيرة وغيرها. انتهى. شارح الحصن.

وقوله : «لما شرب له» معناه : لمن شربه لحاجة نالها ، وقد جرّبها العلماء والصالحون لحاجات أخروية ودنيوية ، فنالوها بحمد الله وفضله.

وفي مناسك ابن العجمي : ينبغي لمن أراد أن يشرب ؛ يشربه للمغفرة [وأن](٢) يقول عند شربه : اللهم إنه بلغني أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ماء زمزم لما شرب له» ، اللهم إني أشربه لتغفر لي فاغفر لي ، وإن أراد شربه للشفاء من مرض به قال : اللهم إني أشربه مستشفيا ، اللهم فاشفني.

وعن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جاء إلى السقاية فاستقى ، فقال العباس رضي‌الله‌عنه : يا فضل ، اذهب إلى أمك فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يشرب من عندها ، فقال : يا رسول الله إنهم يجعلون أيديهم فيه ، فقال : «اسقني» ، ثم أتى زمزم وهم يسقون عليها فقال : «اعملوا فإنكم على عمل صالح» ، ثم قال : «لو لا أن تغلبوا لنزلت حتى أضع الحبل على هذا ـ وأشار إلى عاتقه ـ». أخرجاه (٣).

وفي قوله : «لنزلت» [دليل](٤) على أنه كان راكبا. وقد اختلفت الروايات هل شرب صلى‌الله‌عليه‌وسلم قائما أو راكبا على بعيره.

وروى ابن عباس : أنه كان قائما. وقال عكرمة : إنه ما كان يومئذ إلا

__________________

(١) في الأصل : منهم. والمثبت من الغازي (١ / ٥٧٧).

(٢) في الأصل : أن. والتصويب من الغازي (١ / ٥٧٨).

(٣) أخرجه البخاري (٢ / ٥٨٩ ح ١٥٥٤) ، ولم أجده في صحيح مسلم. وانظر : تحفة الأشراف (٥ / ١٢٨).

(٤) في الأصل : دليلا.

٣١٥

على بعيره وحلف عكرمة على ذلك. أخرجه البخاري (١).

ويجوز أن الأمر على ما حلف عليه عكرمة ، وهو أنه شرب وهو على راحلته ويطلق عليه قائما ، ويكون ذلك مراد ابن عباس رضي‌الله‌عنهما فلا يكون بينهما تضاد.

ولأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مكث بمكة قبل الوقوف أربعة أيام بلياليها من صبيحة يوم الأحد إلى صبيحة يوم الخميس ، فلعل ابن عباس سقاه من زمزم وهو قائما في بعض تلك الأيام ، فلا يكون بينهما تضاد.

وفي رواية أنه قال العباس رضي‌الله‌عنه : إن هذا شراب قد مغث فيه [ومرث](٢) ، أفلا نسقيك لبنا وعسلا؟ فقال : «اسقونا مما تسقون [منه](٣) المسلمين» (٤).

وفي رواية قال : «اسقوني من النبيذ» قال العباس : هذا شراب مغث ومرث (٥) ، وخالطته الأيدي ، ووقع فيه الذباب ، وفي البيت شراب هو أصفى منه ، فقال : «اسقني» يقول ذلك ثلاث مرات (٦). رواه الأزرقي.

وذكر ابن حزم : أن ذلك كله كان يوم النحر.

وقوله : «مغث ومرث» المغث : المرث والدلك بالأصابع ، ثم استعير لضرب ليس بالشديد.

والمعنى : أنهم وسخوا الماء بمخالطة أيديهم النبيذ الذي كان في سقاية

__________________

(١) أخرجه البخاري (٥ / ٢١٣٠ / ح ٥٢٩٤).

(٢) في الأصل : ومرنا. والتصويب من البحر العميق (١ / ٢٨).

(٣) في الأصل : به. والتصويب من البحر العميق ، الموضع السابق.

(٤) أخرجه الأزرقي (٢ / ٥٦) ، والفاكهي (٢ / ٥٧).

(٥) مغث ومرث : أي نالته الأيدي وخالطته (لسان العرب ، مادة : مغث).

(٦) أخرجه الأزرقي (٢ / ٥٦).

٣١٦

العباس رضي‌الله‌عنه.

وعن جابر رضي‌الله‌عنه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رمل ثلاث أطواف من الحجر إلى الحجر وصلى ركعتين ، ثم عاد إلى الحجر ، ثم ذهب إلى زمزم فشرب منها وصب على رأسه ، ثم رجع إلى الصفا فقال : «ابدؤوا بما بدأ الله به ورسوله» (١). رواه أحمد. ذكره القرشي (٢).

ثم قال : وليس بصحيح. والمعروف في مسلم من حديث جابر الطويل أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد ركعتي الطواف رجع إلى الركن فاستلم ، ثم خرج إلى الصفا (٣).

وفي حديث جابر الطويل هذا : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ركب فأفاض إلى البيت ، فصلى بمكة الظهر ، فأتى بني عبد المطلب يسقون على زمزم فقال : «لو لا أن يغلبكم الناس على سقياكم لنزعت [معكم](٤) ، فتناول دلوا فشرب منه» (٥).

وقال أبو علي ابن السكن : إن الذي نزع له الدلو العباس رضي‌الله‌عنه.

وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه جاء إلى زمزم فنزع له دلو فشرب ، ثم مجّ في الدلو ، ثم صبوه في زمزم ، ثم قال : «لو لا أن تغلبوا عليها لنزعت بيدي» (٦). رواه الطبراني وغيره.

وفي رواية لأحمد : أنهم لما نزعوا الدلو غسل منه وجهه ثم تمضمض ثم

__________________

(١) أخرجه أحمد (٣ / ٣٩٤).

(٢) البحر العميق (١ / ٢٨ ـ ٢٩).

(٣) صحيح مسلم (٢ / ٨٨٨).

(٤) في الأصل : منكم. والتصويب من صحيح مسلم.

(٥) أخرجه مسلم (٢ / ٨٩١).

(٦) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (١١ / ٩٧).

٣١٧

أعاد فيها (١).

وعن ابن جريج : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم نزع لنفسه دلوا فشرب منه وصبّ على رأسه (٢). رواه الواقدي.

وعن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي‌الله‌عنهما : كنت عند ابن عباس رضي‌الله‌عنهما [فجاءه](٣) رجل فقال : من أين [جئت](٤)؟ فقال : من زمزم. قال : فشربت منها كما ينبغي؟ قال : فكيف؟ قال : إذا شربت منها فاستقبل القبلة ، واذكر اسم الله تعالى ، [وتنفس](٥) ثلاثا ، وتضلع منها ، فإذا فرغت فاحمد الله عزوجل ، فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن آية ما بيننا وبين المنافقين لا يتضلّعون من ماء زمزم» (٦). رواه ابن ماجه وهذا لفظه ، والدارقطني والحاكم في المستدرك وقال : إنه صحيح على شرط الشيخين.

والتضلع : الامتلاء حتى تمتد الأضلاع. والمراد [بالتنفس](٧) ثلاثا : أن يفصل فاه عن الإناء ثلاث مرات ، يبتدئ كل [مرة](٨) ببسم الله ، ويختم بالحمد لله ، وهذا جاء مفسرا في بعض الطرق ، وقد ورد التنفس في الإناء ، فيحمل على ما ذكر.

وحكى صاحب المحيط عن شيخ الإسلام جواهر زاده : أنه لا يشرب

__________________

(١) ذكره الطبري في القرى (ص : ٤٨٣).

(٢) ذكره الطبري في القرى ، الموضع السابق.

(٣) في الأصل : فجاء. والتصويب من سنن ابن ماجه.

(٤) قوله : جئت ، زيادة من سنن ابن ماجه.

(٥) في الأصل : وتنفث. والتصويب من سنن ابن ماجه.

(٦) أخرجه ابن ماجه (٢ / ١٠١٧ ح ٣٠٦١) ، والدارقطني (٢ / ٢٨٨) ، والحاكم (١ / ٦٤٥).

(٧) في الأصل : بالتنفث. والتصويب من البحر العميق (١ / ٢٩).

(٨) في الأصل : منه. والتصويب من البحر العميق ، الموضع السابق.

٣١٨

قائما إلا في موضعين ، أحدهما : فضل وضوءه أو بعضه ، والثاني : عند زمزم. ذكره في كنز العبادة. انتهى.

وعن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «التضلع من ماء زمزم براءة من النفاق» (١). رواه الأزرقي.

وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا يجتمع ماء زمزم ونار جهنم في جوف عبد أبدا» (٢). رواه محب الدين الطبري. ذكره القرشي (٣).

ويروى : أن مياه الأرض العذبة ترفع قبل يوم القيامة إلا ماء زمزم (٤).

وعن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «[الحمّى](٥) من فيح جهنم ، فأبردوها من ماء زمزم» (٦). رواه أحمد وأبو بكر بن أبي شيبة ، وابن حبان في صحيحه ، وانفرد البخاري بإخراجه وقال : «فأبردوها بالماء أو بماء زمزم».

قال الطبري (٧) : وربما طلبت هذا الحديث في [مظنته](٨) من البخاري فلا يوجد ، فيظن أنه ليس فيه ، وليس كذلك. وقد أخرجه الحميدي في أفراد البخاري من رواية ابن عباس. اه.

__________________

(١) أخرجه الأزرقي (٢ / ٥٢).

(٢) ذكره الديلمي في الفردوس بمأثور الخطاب (٥ / ١٥٥).

(٣) البحر العميق (١ / ٢٩).

(٤) أخرجه الأزرقي من حديث الضحاك بن مزاحم (٢ / ٥٩) ، والفاكهي (٢ / ٦٧ ح ١١٦٥) ، وذكره السيوطي في الدر المنثور (٤ / ١٥٥) وعزاه إلى الأزرقي.

(٥) في الأصل : الحمه. وانظر : مواضع التخريج. والحمّى : علّة يستحرّ بها الجسم ، وهي أنواع : التيفود ، التيفوس ، الدق ، الصفراء ، القرمزية (المعجم الوسيط ١ / ٢٠٠).

(٦) أخرجه البخاري (٣ / ١١٩٠) ، وأحمد (١ / ٢٩١) ، وابن أبي شيبة (٥ / ٥٨) ، وابن حبان (١٣ / ٤٣١).

(٧) القرى (ص : ٤٨٧).

(٨) في الأصل : مظنة. والتصويب من القرى (ص : ٤٨٧).

٣١٩

قلت : رواه البخاري من حديث ابن عباس ، ولفظ الحديث : حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا أبو عامر العقدي حدثنا همام عن أبي جمرة الضبعي قال : كنت أجالس ابن عباس بمكة فأخذتني الحمّى فقال : أبردها عنك بماء زمزم فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «الحمّى من فيح جهنم فأبردوها بالماء أو بماء زمزم» ـ شك همام ـ. ذكر هذا الحديث البخاري في باب صفة النار.

وقوله : «فأبردوها» ـ بهمزة وصل وضمّ الراء ـ يقال : برد بالماء الحمى أبردها على وزن قتلها اقتلها ، أي : أسكنت حرارتها وأطفئت لهبها ، هذا هو المشهور. قاله النووي.

وحكى القاضي عياض أنه يقال : بهمزة قطع وكسر الراء في لغة ، وحكاها الجوهري وقال : هي لغة رديئة.

وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «خمس من العبادات : النظر إلى المصحف ، والنظر إلى الكعبة ، والنظر إلى الوالدين ، والنظر إلى زمزم وهي تحط الخطايا ، والنظر إلى العالم» (١). رواه الفاكهي.

وعن ابن [خثيم](٢) قال : قدم علينا وهب بن منبه رضي‌الله‌عنه فاشتكى ، فجئناه لنعوده فإذا عنده ماء زمزم. قال : فقلت له : لو استعذبت فإن هذا الماء فيه غلظ ، قال : ما أريد أن أشرب غيره حتى أخرج منها ، والذي نفس وهب بيده إنها لفي كتاب الله تعالى زمزم لا تذف ولا تذم ، وإنها لفي كتاب الله تعالى طعام طعم وشفاء سقم ، والذي نفس وهب بيده لا يعمد إليها أحد فيشرب حتى يتضلع إلا نزعت منه داء وأحدثت له

__________________

(١) أخرج جزءا منه الفاكهي (٢ / ٤١ / ح ١١٠٥) ، وذكره السيوطي في فيض القدير (٣ / ٤٦٠).

(٢) في الأصل : خيثم ، وهو تصحيف. انظر التقريب (ص : ٣١٣).

٣٢٠