تحصيل المرام - ج ١-٢

الشيخ محمّد بن أحمد بن سالم بن محمّد المالكي المكّي [ الصبّاغ ]

تحصيل المرام - ج ١-٢

المؤلف:

الشيخ محمّد بن أحمد بن سالم بن محمّد المالكي المكّي [ الصبّاغ ]


المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الأسدي للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١٠٧٤

وقال عليه‌السلام : «مكة رباط ، وجدة جهاد» (١). أخرجه الفاكهي.

قال التقي الفاسي في شفاء الغرام (٢) : جدة رباط.

وعن عطاء : جدة خزانة مكة ، وإنما يؤتى به إلى مكة لا يخرج به منها (٣).

قال ابن جريج : إني لأرجو أن يكون فضل مرابط جدة [على سائر المرابط](٤) كفضل مكة على سائر البلدان (٥).

حدثنا محمد بن عمر ، عن صنوان بن فخر (٦) قال : كنت جالسا مع عباد بن كثير في المسجد الحرام ، فقلت : الحمد لله الذي جعلنا في أفضل المجالس وأشرفها ، قال : وأين أنت عن جدة؟! الصلاة فيها بكذا وكذا ، والدرهم فيها بكذا وكذا ، وأعمالها بقدر ذلك ، يغفر الله للناظر فيها بقدر مدّ بصره مما يلي البحر (٧).

وقال الفاكهي (٨) عن فرقد السبخي أنه قال : إني رجل أقرأ هذا الكتاب ، وإني لأجد فيما أنزل الله عزوجل [من كتبه](٩) : جدّة أو جديدة يكونوا بها قتلى وشهداء ، لا شهداء يومئذ على وجه الأرض أفضل منهم.

__________________

(١) أخرجه الفاكهي (٣ / ٥٢ ح ١٧٨٠).

(٢) شفاء الغرام (١ / ١٦٥).

(٣) أخرجه الفاكهي (٣ / ٥٣ ح ١٧٨١).

(٤) قوله : على سائر المرابط ، زيادة من شفاء الغرام. وانظر : الفاكهي (٣ / ٥٣).

(٥) أخرجه الفاكهي (٣ / ٥٣).

(٦) في الفاكهي : صو بن فخر ، وفي شفاء الغرام : ضوء بن فجر.

(٧) أخرجه الفاكهي (٣ / ٥٣ ح ١٧٨٣).

(٨) أخرجه الفاكهي (٣ / ٥٥ ح ١٧٨٦) ، وانظر : شفاء الغرام (١ / ١٦٦) ، وإتحاف الورى (٢ / ٢٣٢).

(٩) قوله : من كتبه ، زيادة من الفاكهي.

٤٨١

وقال بعض أهل مكة : إن الحبشة جاءت جدة في سنة [ثلاث](١) وثمانين فوقعوا بأهل جدة ، فخرج الناس من مكة إلى جدة غزاة في البحر.

وروى الفاكهي (٢) أيضا عن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما : أن قبر حواء بجدة.

وذكر ابن جبير (٣) أنه كان بجدة موضع فيه قبة مشيدة عتيقة يذكر أنها منزل حواء أم البشر. ولعل هذا الموضع قبر حواء.

وذكر ابن جبير (٤) أنه رأى بجدة أثر سور محدق بها ، وأن بها مسجدين ينسبان لعمر بن الخطاب ، أحدهما يقال له : مسجد الأبنوسة.

قال ابن ظهيرة (٥) : وهو معروف إلى الآن ، والآخر غير معروف ولعله ـ والله أعلم ـ المسجد الذي تقام فيه الجمعة ، وهو من عمارة [المظفر](٦) صاحب اليمن. انتهى.

ثم قال : وجدة الآن ساحل مكة الأعظم. وعثمان بن عفان ـ رضي‌الله‌عنه ـ أول من جعلها ساحلا في سنة [ست](٧) وعشرين من الهجرة بمشورة الصحابة رضي‌الله‌عنهم ، واغتسل في بحرها وتوجه في طريق

__________________

(١) في الأصل : ثلاثة.

(٢) أخرجه الفاكهي (٤ / ٢٦٨ ح ٢٦٠٠).

(٣) رحلة ابن جبير (ص : ٦٨).

(٤) الموضع السابق.

(٥) الجامع اللطيف (ص : ٥٣).

(٦) قوله : المظفر ، زيادة من الجامع اللطيف (ص : ٥٣).

(٧) في الأصل : ستة.

٤٨٢

عسفان (١) إلى المدينة. انتهى ما ذكره الفاسي (٢).

وكوشف لبعض الأولياء رضي‌الله‌عنهم قال : إني رأيت الثغور كلها تسجد لعبّادان (٣) ، ورأيت عبادان ساجدة لجدة. ذكره الغزالي في الإحياء (٤).

وأول من أحدث بها العشور : بارسباي. انتهى منائح [الكرم](٥).

وأول من جعل لها سورا : الغوري صاحب مصر. كذا ذكره القطب (٦) في قصة طويلة ، فانظره إن شئت ، لكن هذا يخالف ما تقدّم عن جار الله ابن ظهيرة من أن الفرس جعلوا لها سورا ، فليحرر. انتهى.

__________________

(١) عسفان : بلدة عامرة تقع شمال مكة على ثمانين كيلا على المحجّة إلى المدينة ، على التقاء وادي فيدة بوادي الصّغو ، فيها آبار عذبة قديمة مجصصة ومرقبة ، منها بئر التّفلة (معجم معالم الحجاز ٦ / ٩٩).

(٢) شفاء الغرام (١ / ١٦٧).

(٣) عبادان : بلد على بحر فارس بقرب البصرة شرقا منها بميلة إلى الجنوب. وقال الصغاني : عبادان جزيرة أحاط بها شعبتا دجلة ساكبتين في بحر فارس (المصباح المنير ٢ / ٣٨٩).

(٤) إحياء علوم الدين (١ / ٢٤٢).

(٥) في الأصل : الكرام.

وانظر الخبر في : منائح الكرم (٢ / ٤٣٣).

(٦) الإعلام (ص : ٢٤٤).

٤٨٣

الباب الرابع : في ذكر مكة المشرفة وأسمائها

وفضل جبالها مما هو بها وفي الحرم ، والأماكن المباركة فيها من المساجد

التي بها وما قاربها مما هو في الحرم من الدور والمواليد والمساجد التي بها

وخارجها مما هو في الحرم وفضائلها ، وفي أيهما أفضل هي أم المدينة ،

وفي فضل أهل مكة وفضل المجاورين بها ، وحكم المجاورة بها

وفيه ثلاثة فصول :

الفصل الأول : في ذكر مكة المشرفة وأسمائها

وقد أتت لها أسماء جليلة مكرمة ، وذكرها في مواضع كثيرة من القرآن ، وكثرة الأسماء تدل على شرف المسمى بالإعزاز والتبجيل ، كما في أسماء الله تعالى ، وأسماء رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قال النووي (١) رحمه‌الله : ولم يعلم بلد أكثر أسماء من مكة والمدينة ؛ لكونهما أفضل بقاع الأرض ، وذلك لكثرة الصفات المقتضية. انتهى.

فسماها الله : مكة ، وذلك قوله تعالى : (بِبَطْنِ مَكَّةَ) [الفتح : ٢٤]. وفي سبب تسميتها بهذا الاسم أقوال :

منها : لأنها يؤمها الناس من كل فج عميق فكأنها تجذبهم إليها ، وقيل : لأنها تمك من ظلم فيها ـ أي : تهلكه ـ من قولهم : مككت الرجل إذا أردت [أن](٢) تهلكه ، وقيل : لأنها تمك الذنوب ـ أي : تذهب بها ـ وقيل غير ذلك.

__________________

(١) تهذيب الأسماء (٣ / ٣٣٢).

(٢) قوله : أن ، زيادة على الأصل.

٤٨٤

وبكة ؛ قال ابن عباس رضي‌الله‌عنهما : لأنها تبك أعناق الجبابرة ـ أي : تدقها ـ وما قصدها جبار إلا قصمه الله تعالى (١).

ولأنها تضع من نخوة المتكبّرين ، ولذا لا يدخل فيها متكبّر إلا [ذل](٢) واضعا رأسه. قاله اليزيدي رحمه‌الله.

قال ابن الجوزي : واتفق العلماء أن مكة اسم لجميع البلد ، واختلفوا في بكة ، فقال جماعة من العلماء : إن بكة هي مكة ، وقيل : بكة ـ بالباء ـ اسم للبقعة التي فيها الكعبة. قال ابن عباس رضي‌الله‌عنهما : ومكة اسم لما وراء ذلك. قاله عكرمة. وقيل بكة ـ بالباء ـ : اسم للكعبة والمسجد ، ومكة اسم للحرم كله. قاله الجوهري (٣).

والبلد ؛ في قوله تعالى : (لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ) [البلد : ١] قال القرطبي (٤) : أجمعوا على أن البلد مكة ، والبلد في اللغة : صدر القرية.

والقرية ؛ ففي قوله تعالى : ([وَضَرَبَ] (٥) اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً ...) الآية [النحل : ١١٢] الإشارة إلى مكة ، والقرية : اسم لما يجتمع جماعة كثيرة من الناس ، من قولهم : قريت الماء في الحوض إذا جمعته فيه.

وأم القرى ؛ ففي قوله تعالى : (لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها) [الشورى : ٧] يعني : مكة. قاله ابن عباس رضي‌الله‌عنهما.

وعتيقة : سميت به ؛ لأنها أقدم الأرض. والثاني : لأنها قبلة يؤمها جميع

__________________

(١) أخرج الأزرقي (١ / ٨٩) عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال : سميت بكة لأنها كانت تبك أعناق الجبابرة ، وعن ابن جريج (١ / ٢٨٠) ، وذكره الفاكهي (٢ / ٢٨٢).

(٢) في الأصل : زل.

(٣) الصحاح (٥ / ١٨٩٦).

(٤) تفسير القرطبي (٢٠ / ٦٠).

(٥) في الأصل : ضرب. وهو خطأ.

٤٨٥

الأئمة. والثالث : لأنها أعظم القرى شأنا. والرابع : لأن فيها بيت الله.

والبلدة ؛ ففي قوله تعالى : (إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ) [النمل : ٩١] الإشارة فيه إلى مكة.

والبلد الأمين ؛ لقوله تعالى : (وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ) [التين : ٣].

وأم رحم ـ بضم الراء المهملة وإسكان الحاء ـ قاله مجاهد ، وقيل : سميت به ؛ لأن الناس كانوا يتراحمون فيها ويتهادون. حكاه البغوي (١).

وصلاح ـ بفتح الصاد وكسر الحاء مبني على الكسر ؛ كقطام وحذام ـ سميت بذلك لأنها محل الصلاح والفلاح. قال الشاعر :

أبا مطر هلمّ إلى الصلاح

فيكفيك [الندامى](٢) من قريش

وصرفها للضرورة.

والباسّة ـ بالباء الموحدة والسين المهملة ـ لأنها تبسّ من ألحد فيها ـ أي تحطمه وتهلكه ـ ومنه قوله تعالى : ([وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا])(٣) [الواقعة : ٥].

والناسّة ـ بالنون والسين المهملة ـ ، والنساسة ؛ لأنها تنسي الملحد ـ أي : تطرده وتنفيه ـ. ذكره القرشي (٤). ثم قال : سميت به لقلة مائها ، والنّسّ : اليبس (٥).

والحاطمة ؛ أي : لحطمها الملحدين ، وقيل : لحطمها الذنوب والأوزار. انتهى.

__________________

(١) معالم التنزيل (١ / ٣٢٨).

(٢) في الأصل : الفدا. والتصويب من شفاء الغرام (١ / ٩٩).

(٣) في الأصل : وبثت الجبال بثا. وهو خطأ.

وانظر الخبر في : شفاء الغرام (١ / ٩٨).

(٤) الجامع اللطيف (ص : ١٦١).

(٥) شفاء الغرام (١ / ٩٨) ، وهداية السالك (٢ / ٧٣٨).

٤٨٦

والرأس ـ بسكون الهمزة ـ قال النووي (١) : لأنها مثل رأس الإنسان ، وكأنه أراد والله أعلم مثل رأسه في الفضيلة ، كما أن الرأس أشرف عضو في الإنسان ، كذلك مكة أشرف بقاع الأرض ، أو أنها شبيه بالرأس ؛ لأنها وسط الدنيا وأقرب إلى السماء من غيرها.

[وكوثى](٢) ـ بضم الكاف ـ سميت به باسم موضع فيها ، وهو محلة بني عبد الدار. هكذا حكاه القرشي (٣).

والعريشة ـ بضم العين المهملة وإسكان الراء ـ كما ذكره القاضي عياض في المشارق (٤).

والعرش ـ بضم العين والراء ـ كما ضبطه البكري (٥).

وقال القاضي عياض رحمه‌الله : وهو جمع عريش وهي بيوت مكة.

وفي حديث ابن عمر رضي‌الله‌عنهما أنه يقطع التلبية إذا نظر عرش مكة. قاله ابن الأثير (٦). ويقال لها : العريش ، كما ذكره ابن سيده.

والقادسية والقادس. ذكره القرشي (٧).

وسبوحة ـ بفتح السين مخففة ـ. حكاه الجوهري (٨).

والحرام. قاله ابن خليل في منسكه.

__________________

(١) تهذيب الأسماء (٣ / ٣٣٢).

(٢) في الأصل : وكوني. وانظر الأزرقي (١ / ٢٨١) ، ومنائح الكرم (١ / ٢١٣) ، وشفاء الغرام (١ / ٩٩) ، والإعلام (ص : ٤٨).

(٣) الجامع اللطيف (ص : ١٥٩).

(٤) مشارق الأنوار (٢ / ١٠٨).

(٥) معجم ما استعجم (٣ / ٩٣٢).

(٦) النهاية في غريب الحديث (٣ / ٢٠٨).

(٧) الجامع اللطيف (ص : ١٥٨). وفيه : القادس والقادسة.

(٨) الصحاح (١ / ٣٧٢).

٤٨٧

والمسجد الحرام ؛ ففي قوله تعالى : (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ) [الفتح : ٢٧] ، الإشارة إلى مكة.

والمعطّشة ؛ سميت به لقلة مائها.

وبرّة ؛ لبرها للمؤمنين ، وكثرة خيرها الذي لا يوجد في محل سواها. وقال بعضهم : لأنها بلدة الأبرار ، وهي مبرورة بهم.

ومن أسمائها : أم ، قال القاضي عز الدين ابن جماعة في منسكه ، قال : ولأن الأم مقدمة.

ومن أسمائها : الرتاج. [قاله](١) الشيخ محب الدين الطبري في التنبيه.

ومن أسمائها : أم رحم ـ بضم الراء والحاء ـ. قاله المرجاني في بهجة النفوس (٢).

والإسراء ، وقيل : أم رحم كما تقدم. قاله القرشي (٣).

والناسئ ـ بفتح الهمزة ـ.

والبلد الحرام. قاله جماعة من العلماء ، وجزم به القرشي ، وقال : هو من أسمائها.

وأم الرحمة. ذكره ابن العربي.

وأم [كوثى](٤). قال القرشي رحمه‌الله (٥) : هو من أسمائها.

وقد زادها بعضهم أسماء نذكرها إن شاء الله عند فضل مكة.

وأما ذكر البلد ؛ فقد ذكر القطب رحمه‌الله في كتابه الإعلام لأهل بلد

__________________

(١) في الأصل : قال. انظر : شفاء الغرام (١ / ١٠٠).

(٢) بهجة النفوس (٢ / ٢٧٢).

(٣) الجامع اللطيف (ص : ١٥٩).

(٤) في الأصل : كوني. وانظر : منائح الكرم (١ / ٢١٣) ، والإعلام (ص : ٤٨).

(٥) الجامع اللطيف (ص : ١٦٠).

٤٨٨

الله الحرام ولفظه (١) : اعلم أن مكة المشرفة بلدة مستطيلة واسعة ، ولها مبدأ ونهاية (٢) ؛ فمبدؤها المعلا ، ومنتهاها من جهة جدة الشبيكة.

قلت : هذا بحسب وقته وإلا فقد اتصل البناء من جهة المعلا إلى الأبطح وهو المحصّب (٣) ، وهو خيف بني كنانة. كذا عرفه القاضي عياض في المشارق (٤) ، وهو ما وراء المعابدة (٥). انتهى.

ومن جهة جدة فقد اتصل البناء في زماننا إلى بئر طوى. انتهى.

ثم قال : ومن جانب اليمن قرب مولد سيدنا حمزة في لصق بازان.

وعرضها جبل جزل إلى أكثر [من](٦) نصف أبي قبيس ، ويقال لهذين الجبلين : [الأخشبان](٧) ، وسماهما الأزرقي أخشبا مكة فإنه قال (٨) : [أخشبا](٩) مكة : أبو قبيس ، وهو الجبل المشرف على الصفا ، والآخر الجبل الذي يقال [له](١٠) : الأحمر ، وكان يسمى في الجاهلية : الأعرف ، ويسمى جبل جزل ، وجبل أبي الحارث ، وجبل المولى ، وهو الجبل المشرف

__________________

(١) الإعلام (ص : ١٠).

(٢) في الإعلام : ونهايتان.

(٣) المحصب : اسم المفعول من الحصباء ، والحصب : هو الرمي بالحصى ، وهو مسيل ماء بين مكة ومنى.

(٤) المشارق (١ / ٥٧).

(٥) المعابدة ، حي من مكة ، وهو ما يعرف بالأبطح ، والبنيان اليوم في الأبطح وجانبيه ، كل ذلك المعابدة ، وهو يشمل أحياء كثيرة منها : الخانسة والجعفرية والجميزة (معجم معالم الحجاز ٨ / ١٩٠).

(٦) قوله : من ، زيادة من الإعلام (ص : ١٠).

(٧) في الأصل : الأخشبين. وهو لحن.

(٨) الأزرقي (٢ / ٢٦٦ ـ ٢٦٧).

(٩) في الأصل : أخشبين.

(١٠) قوله : زيادة من الأزرقي (٢ / ٢٦٧).

٤٨٩

على قعيقعان وعلى دور عبد الله بن الزبير. انتهى (١).

فيكون قعيقعان ـ بضم القاف وبعدها عين مفتوحة وياء ساكنة وقاف مكسورة وعين مفتوحة مثاله ـ ما يشرف عليه الجبل المقابل لأبي قبيس.

وأما موضع الكعبة فهو في وسط المسجد ، والمسجد بين هذين الجبلين في وسط مكة.

ولها شعاب كثيرة ، وهي تسع [خلقا كثيرا](٢) خصوصا في أيام الموسم ، وهي تنقص عمارتها وتزيد بحسب الأزمان وبحسب [الولاة](٣) والأمن والخوف والغلاء والرخاء ، وهي الآن في دولة السلطان مراد خان في غاية الأمن والرخاء (٤). انتهى.

قلت : هي الآن في غاية الأمن والرخاء وترتيب الحب والصدقات لأهلها والمجاورين بها حتى امتلأت جبالها بالبناء وكثرت الخلق فيها ، وذلك في دولة السلطان الأعظم والخاقان (٥) المفخم حضرة السلطان عبد العزيز خان ، وحامي حمى بلد الله سيدنا الشريف عبد الله ابن المرحوم سيدنا الشريف محمد بن عبد المعين بن عون رحم الله أسلافه وجميع المسلمين. انتهى.

ثم قال القطب (٦) : وكنت أشاهد قبل الآن في سن الصبا خلو المطاف

__________________

(١) الإعلام (ص : ١٠ ـ ١١).

(٢) في الأصل : خلق كثيرة. والتصويب من الإعلام (ص : ١١).

(٣) في الأصل : الولا. والتصويب من الإعلام ، الموضع السابق.

(٤) الإعلام (ص : ١١).

(٥) الخاقان : اسم لكل ملك من ملوك الترك (معجم الكلمات الأعجمية والغريبة للبلادي ص : ٤٢).

(٦) الإعلام (ص : ١١).

٤٩٠

وخلو الحرم ، حتى أني أدركت الطواف وحدي من غير أن يكون معي أحد مرارا كثيرة ، كنت أترصد ذلك لكثرة ثوابه بأن يكون الشخص يقوم بتلك العبادة وحده في جميع الدنيا ، وهذا لا يكون إلا بالنسبة للإنسان. وأما الملائكة فلا يخلو منهم المطاف ، بل لا يمكن أن يخلوا عن أولياء الله [ممن](١) لا تظهر صورته ويطوف خافيا عن أعين الناس ، ولكن لما كان ذلك خلاف الظاهر صار الإنسان يترصد على أداء هذه العبادة بالانفراد ظاهرا كثيرا من الصلحاء ؛ لأن معناه ليس عبادة يمكن أن ينفرد بها رجل واحد ولا يشاركه أحد في جميع الدنيا ولا يشاركه غيره في تلك العبادة بعينها إلا الطواف ، فإنه يمكن أن ينفرد به شخص بحسب الظاهر ، والله أعلم. انتهى.

ثم قال (٢) : وحكى والدي رحمه‌الله : أن وليا من أولياء الله رصد الطواف أربعين سنة ليفوز بالطواف وحده ، فرأى بعد هذه المدة خلو الطواف ، فتقدم ليشرع وإذا بحية تشاركه في ذلك الطواف ، فقال : ما أنت من خلق الله تعالى؟ فقالت : إني أرصد ما رصدته قبلك بمائة سنة ، فقال : حيث إنك كنت من غير البشر فإني فزت بالانفراد من بين البشر ، وأتم طوافه. انتهى.

ثم قال (٣) : وحكى لي الشيخ معمر ـ من أهالي مكة ـ : أن [الظباء](٤) كانت تنزل من جبل أبي قبيس إلى الصفا وتدخل من باب الصفا إلى

__________________

(١) في الأصل : مما. والتصويب من الإعلام (ص : ١٢).

(٢) الإعلام (ص : ١٢).

(٣) الإعلام (ص : ١٢).

(٤) في الأصل : الضباء. وانظر الإعلام ، الموضع السابق ، ومختار الصحاح (١ / ١٧٠).

٤٩١

المسجد ثم تعود لخلو المسجد [من](١) الناس وهو صدوق عندي. انتهى ما ذكره القطب.

ثم قال أيضا (٢) : وكنا نرى سوق المسعى وقت الضحى خاليا من الباعة ، وكنا نرى القوافل تأتي بالحنطة من بجيلة (٣) فلا تجد من يشتري منهم جميع ما جلبوه ، فكانوا يبيعون ما جاؤوا به بالأجل لأجل الاضطرار ليعودوا بعد ذلك ويأخذوا أثمان ما باعوه ، وكانت الأسعار رخيصة جدا ؛ لقلّة الناس وعسر الدراهم.

وأما الآن فالناس كثيرون.

قلت : هذا في زمانه ، وأما الآن فلا يعلم ما فيها من كثرة الخلق إلا الله تعالى.

قال القطب (٤) : ومكة شرفها الله بها جبال تحيط بها لا يسلك إليها الخيل والإبل والأحمال إلا من [ثلاثة](٥) مواضع :

أحدها : من جهة المعلا ، والثانية : جهة الشبيكة ، والثالثة : جهة المسفلة.

وأما الجبال المحيطة بها : فيسلك من بعض شعابها الرجال على أقدامهم لا الخيل. وكانت مكة مسوّرة في قديم الزمان ، مسوّرة من جهة المعلا ، كان بها سور عريض من طرف جبل عبد الله بن عمر إلى الجبل المقابل له ، وكان فيه باب من خشب مصفح بالحديد أهداه بعض ملوك الهند إلى

__________________

(١) في الأصل : عن. والتصويب من الإعلام ، الموضع السابق.

(٢) الإعلام (ص : ١٢).

(٣) بجيلة : قرية لذوي زيد من الأشراف العبادلة ، شمال شرقي الرميدة في وادي ليّة ، شرق الطائف (معجم معالم الحجاز ١ / ١٧٨).

(٤) الإعلام (ص : ١٣).

(٥) في الأصل : ثلاث.

٤٩٢

صاحب مكة.

قال القطب (١) : وقد أدركنا منه قطعة قصيرة قدر القامة ، وهو على سمت قطعة جدار مبني إلى خلف سبيل على مجرى دبل عين حنين (٢) ، بناه مصطفى ناظر العين باسم السلطان سليمان ، وجعل في علو السبيل منظرة (٣) بأربع شبابيك.

قال القطب (٤) : وذلك باق إلى الآن ، أي : إلى زمنه ، وأما زماننا فلم يوجد شيء مما ذكر.

ثم قال : وكان بجهة الشبيكة سور ، فيه بابان بعقدين.

قال القطب (٥) : أدركت [هذين](٦) العقدين يدخل منه الجمال والأحمال ، ثم تهدّمت شيئا فشيئا إلى أن لم يبق [منه](٧) شيء ، ولم يبق منه إلا فج بين جبلين متقاربين. انتهى.

قلت : كان محلّه ريع الرسام. انتهى.

ثم قال (٨) : وكان [سور في](٩) جهة المسفلة في درب اليمن. قال

__________________

(١) الإعلام (ص : ١٣).

(٢) عين حنين : تعرف أيضا بعين بازان ، وعين زبيدة ، ظلت إلى عهد قريب سقيا أهل مكة الوحيد إلى أن أجريت عيون أخرى ، وكذلك مياه التحلية. عمرت أكثر من مرة ، واليوم لها إدارة تسمى إدارة عين زبيدة والعزيزية (انظر : الأزرقي ٢ / ٢٣١ ـ ٢٣٢ ، وشفاء الغرام ١ / ٦٣٢ ـ ٦٣٣ ، معالم مكة التاريخية ص : ١٩٧).

(٣) المنظرة : مكان من البيت يعد لاستقبال الزائرين ، والمنظرة : القوم الذين ينظرون إلى الشيء (المعجم الوسيط ٢ / ٩٣٢).

(٤) الإعلام (ص : ١٣).

(٥) الإعلام ، الموضع السابق.

(٦) في الأصل : هذه.

(٧) في الأصل : منها. والتصويب من الإعلام (ص : ١٣).

(٨) الإعلام (ص : ١٣).

(٩) في الأصل : من. والتصويب من الإعلام (ص : ١٣).

٤٩٣

القطب : [لم ندركه ولم ندرك](١) آثاره. انتهى.

وذكر التقي الفاسي (٢) أنه كان بمكة سور في أعلاها دون السور الذي تقدم ذكره قريبا من المسجد المعروف بمسجد الراية ، وأنه كان من الجبل الذي من جهة القرارة (٣) ـ ويقال لذلك الجبل : لعلع (٤) ـ إلى الجبل المقابل له إلى سوق الليل. قال : وفي الجبل آثار تدل على اتصال السور بها.

قال القطب (٥) : ولم ندرك شيئا من آثار هذا السور مطلقا ، ولعل دور مكة كانت تنتهي إلى هذا المحل حيث وضع السور ، ثم اتصل العمران إلى أن احتيج إلى سور المعلا.

قال الفاكهي (٦) : ومن آثار النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيه عند بئر جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل ، وكان الناس لا يتجاوزون السكنى قدم الدهر هذا البئر ، وما فوق ذلك خاليا من الناس ، وفي ذلك يقول عمر بن [أبي](٧) ربيعة شعر :

نزلوا بمكة في قبائل نوفل

[نزلوا وخلف](٨) البئر أعلا منزلا

والمسجد موجود والبئر خلفه ، وضع رأيته صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم فتح مكة فيه.

__________________

(١) في الأصل : لم يدركه ولم يدرك. والتصويب من الإعلام (ص : ١٣).

(٢) شفاء الغرام (١ / ٤٦).

(٣) القرارة : حي من أحياء مكة في قرارة شمال الحرم في جبل قعيقعان تفصل جبل شيبة شرقا يصعد إليها من الفلق ، كانت تعرف بقرارة جبل شيبة (معجم معالم الحجاز ٧ / ١٠٥).

(٤) لعلع : جبل كانت به وقعة لهم. قال أبو نصر : لعلع : ماء في البادية وقد وردته ، وقيل : بين البصرة والكوفة (معجم البلدان ٥ / ١٨).

(٥) الإعلام (ص : ١٤).

(٦) أخبار مكة (٤ / ١٩).

(٧) قوله : أبي ، زيادة على الأصل. وانظر : الأعلام للزركلي (٥ / ٥٢).

(٨) في الأصل : ونزلوا خلف. وقد عدلت لاستقامة الوزن الشعري.

٤٩٤

قال الفاسي (١) : ما عرفت متى أنشئت هذه الأسوار ولا من أنشأها ولا من عمّرها ، غير أنه بلغني أن الشريف قتادة بن إدريس عمّرها ، وأظن أن السور الذي بأعلى مكة عمّر في دولته ، وسهلت العقبة التي بني عليها سور [باب](٢) الشبيكة ، وذلك من جهة المظفر صاحب إربل في سنة [سبع](٣) وستمائة ، ولعله الذي بنى السور الذي بأعلى مكة ، والله أعلم. ذكره التقي الفاسي في شفاء الغرام. انتهى.

وفي العقد الثمين للتقي الفاسي (٤) في ترجمة الشريف حسن : أنه جدّد سور المعلا وباب الماجن ؛ لتخلل البناء ، وقصّر جداره وذلك في سنة ثمانمائة [وست عشرة](٥). انتهى.

ثم قال الفاسي (٦) : ورأيت في بعض التواريخ ما يقتضي أنه كان [لمكة](٧) سور في زمن المقتدر العباسي ، وما عرفت هل هو السور الذي بأعلا مكة وأسفلها أو من أحد الجهتين.

ثم قال القطب (٨) : وطول مكة بالذراع من باب المعلا ـ أي : من بركة الشامي ـ إلى باب [الماجن](٩) درب المسفلة موضع السور الذي كان موجودا في زمنه مارا على طريق المدعى والمسعى وسيل وادي إبراهيم ،

__________________

(١) شفاء الغرام (١ / ٤٤) ، وانظر الإعلام (ص : ١٤).

(٢) قوله : باب ، زيادة من شفاء الغرام ، والإعلام.

(٣) في الأصل : سبعة.

(٤) العقد الثمين (٣ / ٣٧٠).

(٥) في الأصل : وستة عشر.

(٦) شفاء الغرام (١ / ٤٥) ، وانظر الإعلام (ص : ١٤) ، ودرر الفرائد (ص : ٥٦٨).

(٧) في الأصل : بمكة. والتصويب من شفاء الغرام والإعلام.

(٨) الإعلام (ص : ١٥) ، وانظر : شفاء الغرام (١ / ٤٥) ، ودرر الفرائد (ص : ٥٦٨).

(٩) في الأصل : الجان. والتصويب من الإعلام ، الموضع السابق ، وشفاء الغرام ودرر الفرائد ، الموضعين السابقين.

٤٩٥

والسوق الذي يقال له الآن : السوق الصغير مع ما فيه من دورات ولفتات [ليست](١) على الاستواء : أربعة آلاف ذراع وأربعمائة واثنان وسبعون ذراعا ـ بتقديم السين ـ بذراع اليد ، وهو ينقص ثمن ذراع عن ذارع الحديد المستعمل الآن ـ يعني : ذراع الشرع ـ.

وطول مكة من باب المعلا على طريق المدعى ثم [يعدل](٢) عنه إلى السويقة ثم إلى الشبيكة : أربعة آلاف ومائة ذراع واثنان وسبعون ذراعا بتقديم السين. انتهى من القطب.

وفي درر الفرائد (٣) : طول مكة من المعلا إلى المسفلة نحو ميل ، وعرضها من أسفل أجياد إلى قعيقعان نحو ثلث ميل ، وبمكة ثلاثة (٤) حمامات ، وكان بها ستة عشر حماما. كذا ذكره الشيخ عبد القادر في درر الفرائد ، والشيخ عبد القادر كان موجودا بعد الألف.

وفي العقد الثمين للفاسي (٥) في ترجمة أحمد بن عبد الملك بن مطرف الكنجري صاحب الرباط الذي بالمروة على يسار الذاهب إليها : وأنه صاحب الحمّام الذي بجياد ، وذلك الحمّام وقف على الرباط ، وكان مولد أحمد صاحب الحمّام سنة [اثنتين](٦) وخمسمائة. انتهى.

قلت : وأما في زماننا فلم يكن بها إلا حمّامين ، حمّام في باب العمرة بناه محمد باشا صاحب المدرسة التي عند باب الزيادة ، ومحمد باشا هو وزير

__________________

(١) في الأصل : ليس. والتصويب من المصادر السابقة.

(٢) في الأصل : يعود. والتصويب من المصادر السابقة.

(٣) درر الفرائد (ص : ٥٦٧ ـ ٥٦٨).

(٤) في الأصل : ثلاث.

(٥) لم أقف عليه في المطبوع من العقد الثمين.

(٦) في الأصل : اثنين.

٤٩٦

السلطان سليمان خان ، أمر أن يبنى له موضع بقرب الحرم يكون محلا للفقراء صونا للحرم الشريف ـ أي : وهي عند باب الزيادة ـ وأن يبنى حمّام في وسط البلد يكون عظيم الشأن ، فبني له جميع ذلك ، وذلك سنة تسعمائة وأربع (١) وثمانين. كذا في منائح [الكرم](٢). انتهى (٣).

والآخر في القشاشية ، ولم يذكر الشيخ محل الحمّامات ولا من بناها.

وقوله : «ستة عشر» لعله أراد الحمّامات التي كانت في البيوت ، لأني لم أر من ذكر ذلك غيره. انتهى.

وأما حكم بيع دورها ، ذكر الحطاب على منسك سيدي خليل عن اللخمي أنه اختلف قول مالك في كراء دور مكة وبيعها ، فمنع من ذلك مرة.

وحكى أبو جعفر الأبهري أنه كره بيعها وكرائها ، فإن بيعت أو كريت لم يفسخ ذلك ، وحاصل ما روي في ذلك أربع روايات : المنع ، والجواز ، والكراهة ، وكراهة كرائها في أيام الموسم خاصة.

وقال القاضي تقي الدين الفاسي (٤) : والقول بمنع ذلك فيه نظر ؛ لأن غير واحد من علماء الصحابة وخلافهم عملوا بخلافه في أيام مختلفة ، ثم ذكر وقائع من ذلك عن عمر وعثمان وابن الزبير ومعاوية رضي‌الله‌عنهم.

وعلى القول بجواز البيع والكراء اقتصر ابن الحاج فإنه قال بعد ذكر

__________________

(١) في الأصل : أربعة.

(٢) في الأصل : الكرام.

(٣) منائح الكرم (٣ / ٤٤٤).

(٤) شفاء الغرام (١ / ٦٤).

٤٩٧

الخلاف : وأباحت طائفة من أهل العلم بيع رباع مكة وكراء [منازلها](١) ، منهم : طاووس وابن دينار ، وهو قول مالك والشافعي. قال : والدليل على صحة قول مالك ومن يقول بقوله ، قول الله عزوجل : (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ) [الحشر : ٨] ، وقوله يوم الفتح : من دخل دار أبو سفيان كان آمنا ، فأثبت لأبي سفيان ملك داره ، وأثبت لهم أملاكهم على دورهم. وأن عمر ابتاع دارا بأربعة آلاف درهم (٢) ، وأن دور أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيد أعقابهم ؛ منهم : أبو بكر الصديق ، والزبير بن العوام ، وعمرو بن العاص وغيرهم. وقد بيع بعضها وتصدّق ببعضها ، ولم يكونوا يفعلون ذلك إلا في أملاكهم (٣) ، وتأولوا قوله تعالى : (سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ [وَالْبادِ])(٤) [الحج : ٢٥] في البيت خاصة. انتهى من حاشية شيخنا على مناسك الحطاب.

وعند الشافعي يجوز. وعند أبي حنيفة قولان : أجاز أصحابه ومنعه الإمام. انظر شفاء الغرام (٥).

الفصل الثاني : في ذكر جبال مكة وما قاربها مما هو في الحرم وفضلهم

قال القطب : اعلم أن جبال مكة شرفها الله تعالى لا تعد.

ذكر الأزرقي رحمه‌الله تعالى قال : وبحرم مكة شرفها الله تعالى اثنا عشر ألف جبل.

__________________

(١) في الأصل : منازلهم. والمثبت من شفاء الغرام.

(٢) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (٦ / ٣٤).

(٣) شفاء الغرام (١ / ٦٨).

(٤) في الأصل : والبادي.

(٥) شفاء الغرام (١ / ٧٢ ـ ٧٣).

٤٩٨

قال القرشي : إن جبال مكة متمائلة رؤوسها كالسجود للكعبة ، يرى هذا من ثبير.

قال النقاش رحمه‌الله : ودونها جبال من فضة وذهب وكنوز وجوهر ، وربما يكشف عن بعضها لمن هو موعود بذلك. انتهى.

فمنها : الجبل المعروف بأبي قبيس (١) ، وهو الجبل المشرف على الصفا ، وهو أحد أخشبي مكة ، وسمي [بأبي](٢) قبيس قيل : باسم رجل من إياد يقال له : أبا قبيس. ذكره الأزرقي (٣).

وقيل : إن هذا الرجل من مذحج. ذكره ابن الجوزي. وقيل : سمي بأبي قبيس باسم رجل صالح من جرهم كان قد وشى بين [عمرو](٤) بن مضاض وبين ابنة عمه مية ، فنذرت أن لا تكلمه ـ وكان شديد المحبة لها ـ فحلف ليقتلن قبيسا ، فهرب منه في الجبل المعروف به وانقطع خبره ، إما مات فيه وإما تردى منه. وصحح النووي في التهذيب الأول (٥) ، وقال : إن الوجه الثاني ضعيف أو غلط.

وقال الأزرقي : الأول أشهر عند أهل مكة (٦).

وقيل : إنه اقتبس منه الحجر كما تقدم. وكان يسمى في الجاهلية : الأمين ؛ لأن الحجر الأسود استودعه الله فيه زمن الطوفان على قول كما

__________________

(١) أبو قبيس : الجبل المشرف على الكعبة المشرفة من مطلع الشمس ، وكان يزحم السيل فيدفعه إلى المسجد الحرام ، فنحت منه الكثير وشق بينه وبين المسجد الحرام طريقا للسيل وطريقا للسيارات ، وهو مكسو بالبنيان (معجم معالم الحجاز ٧ / ٨٩).

(٢) في الأصل : أبي. والتصويب من الغازي (١ / ٦٩٢).

(٣) الأزرقي (٢ / ٢٦٧).

(٤) في الأصل : عمر. وانظر معجم البلدان (١ / ٨١).

(٥) تهذيب الأسماء (٣ / ٢٨٧).

(٦) الأزرقي (٢ / ٢٦٧).

٤٩٩

تقدم ، فلما بنى الخليل الكعبة نادى أبو قبيس : الركن منّي بمكان كذا وكذا ، وقيل : إن آدم اقتبس منه نار الدنيا. كذا في حاشية شيخنا. انتهى.

وعن مجاهد قال : أول جبل وضع على وجه الأرض أبو قبيس ، ثم مدت الجبال منه (١). ذكره الأزرقي والواحدي.

وقال النقاش في فهم المناسك : من صعد إلى أبي قبيس رأى الحرم مثل الطير يزهر (٢) ، وهو أحد جبال الجنة. قال : وهو من آيات الله سبحانه وتعالى ، وعليه كان انشقاق القمر.

تنبيه : لم يرد أثر ولا خبر يعتمد عليه أن انشقاق القمر كان في المحل الذي أمام المسيل الذي تسميه عوام الناس : المشق ، بل الناس اعتادت هذا المحل الذي هو في آخر الجبل من جهة المسيل يصلون فيه ، ويقولون هذا محل انشقاق القمر ، ويعنون ذلك البقعة وليس كذلك.

قال القطب الحنفي (٣) : وفي جبل أبي قبيس موضع يزعم الناس أن القمر انشق فيه للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قال : وليس لذلك صحة. كذا ذكره السيد الفاسي رحمه‌الله (٤).

وقال القرشي (٥) : كون وقع انشقاق القمر في الموضع الذي يقوله الناس اليوم ، فلم أر ما يدل على ذلك. انتهى.

وحاصل ما جاء في انشقاق القمر كما ذكره الحلبي (٦) عن ابن عباس :

__________________

(١) أخرجه الأزرقي ، الموضع السابق.

(٢) انظر : لسان العرب ، مادة : زهر.

(٣) الإعلام (ص : ٤٤٣).

(٤) شفاء الغرام (١ / ٥٢١).

(٥) البحر العميق (٣ / ٢٩٣).

(٦) السيرة الحلبية (١ / ٤٩١).

٥٠٠