تحصيل المرام - ج ١-٢

الشيخ محمّد بن أحمد بن سالم بن محمّد المالكي المكّي [ الصبّاغ ]

تحصيل المرام - ج ١-٢

المؤلف:

الشيخ محمّد بن أحمد بن سالم بن محمّد المالكي المكّي [ الصبّاغ ]


المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الأسدي للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١٠٧٤

شفاء (١). رواه سعيد بن منصور والأزرقي.

ويروى أن في بعض الكتب المنزلة : زمزم لا تذف (٢) ولا تذم ، ولا يعمد إليها امرؤ يتضلع منها ريّا ابتغاء بركتها إلا أخرجت منه مثل ما شرب من الداء وأحدثت [له](٣) شفاء ، والنظر إليها عبادة والطهور منها يحطّ الخطايا ، وما امتلأ جوف عبد منها ـ أي : من زمزم ـ إلا ملأه الله علما وبرّا.

وعن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما قال : كان أهل مكة لا يسابقهم أحد إلا سبقوه ، ولا يصارعهم أحد إلا صرعوه ، حتى رغبوا عن ماء زمزم ، فأصابهم المرض في أرجلهم (٤). رواه أبو [ذر](٥).

وعن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «خير ماء بئر على وجه الأرض ماء زمزم». أخرجه ابن حبان [والطبراني](٦) برجال ثقات.

وعن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما «أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا أراد أن يتحف رجلا بتحفة سقاه من ماء زمزم». رواه [الحافظ](٧) شرف الدين

__________________

(١) أخرجه الأزرقي (٢ / ٤٩ ـ ٥٠) ، والفاكهي (٢ / ٤٤ ح ١١١٣) ، وأبو نعيم في الحلية(٤/ ٦٣).

وذكره السيوطي في الدر المنثور (٤ / ١٥٣) وعزاه إلى عبد الرزاق ، وسعيد بن منصور ، والأزرقي. وذكره المحب الطبري في القرى (ص : ٤٨٧) وعزاه للأزرقي ، وسعيد بن منصور.

(٢) في هامش الأصل : لا تذف : أي : لا تستقل. اه.

(٣) في الأصل : إليه. والتصويب من البحر العميق (١ / ٢٩).

(٤) ذكره الطبري في القرى (ص : ٤٨٨) ، والخوارزمي في إثارة الترغيب والتشويق (ص : ١٨٠).

(٥) في الأصل : داود. والتصويب من البحر العميق ، الموضع السابق.

(٦) في الأصل : والطبري. انظر : مجمع الزوائد (٣ / ٢٨٦). وقد رواه الطبراني في المعجم الكبير (١١ / ٩٨). ولم أجده في صحيح ابن حبان.

(٧) في الأصل : الحاكم. والتصويب من البحر العميق ، الموضع السابق.

٣٢١

الدمياطي وقال : إسناده صحيح.

وروى عبد الله بن عمر رضي‌الله‌عنهما أن في زمزم عينا من الجنة من قبل الركن. رواه القرطبي في التفسير (١).

وفي مناسك ابن الحاج : قال ابن شعبان : العين التي تلي الركن من زمزم من عيون الجنة.

وعن [الحميدي](٢) قال : كنا عند سفيان بن عيينة فحدّثنا بحديث زمزم : إنه لما شرب له ، فقام رجل من المجلس فعاد ثم قال : يا أبا محمد ، أليس الحديث صحيحا الذي حدّثتنا به؟ فقال سفيان : نعم. فقال : إني شربت الآن دلوا من زمزم على أن تحدّثني مائة حديث. فقال سفيان : اقعد ، فحدّثه بمائة حديث. حكاهما أبو الفرج في المثير (٣).

وعن عائشة رضي‌الله‌عنها : أنها كانت تحمل ماء زمزم ، وتخبر أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يحمله (٤). رواه الترمذي.

ويذكر أن السلطان صلاح الدين [أبا](٥) المظفر يوسف بن أيوب كان إذا عاد من الغزو نفض ثيابه من غبار الغزو على نطع وأمر من يجمعه ، وأن ذلك الغبار عجن بماء زمزم وجعل لبنة لطيفة وجعلت تحت رأسه في

__________________

(١) تفسير القرطبي (٩ / ٣٧٠). وفيه : عن عبد الله بن عمرو.

(٢) في الأصل : الحميد ، وهو تصحيف ، وهو : عبد الله بن الزبير الأسدي الحميدي ، الإمام الحافظ الفقيه ، شيخ الحرم المكي ، صاحب المسند. انظر تهذيب السير (١٧٧٤) ، والمعرفة والتاريخ (٣ / ١٨٤).

(٣) مثير الغرام (ص : ٣٢٤) ، والجامع اللطيف (ص : ٢٦٧). وقد أخرجه المنذري في الترغيب(١٠٦٦).

(٤) أخرجه الترمذي (٣ / ٢٩٥ ح ٩٦٣).

(٥) في الأصل : أبو. وهو لحن.

٣٢٢

قبره. ذكره القرشي (١).

وعن عبد الرحمن بن يعقوب قال : قدم علينا شيخ من هراة يكنى أبا عبد الله ، شيخ صدق فقال لي : دخلت المسجد في السحر فجلست إلى زمزم ، فإذا شيخ قد دخل من باب زمزم وقد سدل ثوبه على وجهه ، فأتى البئر فنزع الدلو فشرب ، فأخذت فضلته فشربتها فإذا سويق لم أر قط أطيب منه ، ثم التفتّ فإذا الشيخ قد ذهب ، ثم عدت من الغد في السحر فجلست إلى زمزم فإذا الشيخ قد دخل من باب زمزم ، فأتى البئر فنزع دلوا فشرب ، فأخذت فضلته وشربتها فإذا ماء مضروب بعسل لم أر قط أطيب منه ، فالتفتّ فإذا الشيخ قد ذهب ، ثم عدت من الغد في السحر فجلست إلى زمزم فإذا الشيخ قد دخل من باب زمزم ، فأتى البئر ونزع دلوا وشرب ، فأخذت فضلته فشربتها فإذا هو سكّر مضروب بلبن لم أر قط أطيب منه ، فأخذت ملحفته فلففتها على يدي وقلت : يا شيخ! بحق هذه البنية (٢) من أنت؟ قال : تكتم حتى أموت؟ قلت : نعم. قال : أنا سفيان بن سعيد الثوري (٣). حكاه القرشي (٤).

وعن عكرمة بن خالد قال : بينما أنا ليلة في جوف الليل عند زمزم [جالس](٥) إذ نفر يطوفون عليهم ثياب لم أر بياضا أبيض من ثيابهم لشيء قط ، فلما فرغوا صلّوا قريبا منّي ، فالتفت بعضهم فقال لأصحابه : اذهبوا

__________________

(١) البحر العميق (٢٩ ـ ٣٠).

(٢) البنية : من أسماء الكعبة وقد كثر قسمهم بها وذكرهم لها في أشعارهم.

(٣) الخبر أورده ابن قدامة المقدسي في كتاب الرقة (ص : ٢٤٥) ، وانظر مثير الغرام (ص : ٣٢٣).

(٤) البحر العميق (١ / ٣٠).

(٥) في الأصل : جالسا. والتصويب من البحر العميق (١ / ٣٠).

٣٢٣

بنا نشرب من شراب الأبرار. قال : فقاموا فدخلوا زمزم فقلت : والله لو دخلت على القوم فسألتهم ، فقمت فدخلت فإذا ليس فيها أحد من البشر (١). حكاه الأزرقي.

وتقدم : أن ماءها لما شرب له ، كما ثبت في الأحاديث الصحيحة ، وقد شربه جماعة من العلماء والصالحين لمقاصد جليلة وحوائج جزيلة فنالوها ؛ فمن ذلك : أن الإمام الشافعي رضي‌الله‌عنه شربه للعلم فكان فيه غاية ، وللرمي فكان يصيب العشرة من العشرة والتسعة من العشرة.

ومن ذلك : ما حكاه القرطبي (٢) عن أبي عبد الله ـ هو صاحب كتاب نوادر الأصول ـ محمد بن علي الترمذي ، عن أبيه قال : دخلت الطواف في ليلة ظلماء ، فأخذني من البول ما أشغلني ، فجعلت أعتصر حتى آذاني ، وخفت إن خرجت من المسجد أن أطأ بعض تلك [الأقدام](٣) ، وكان ذلك أيام الحاج ، فتذكرت الحديث وهو أنه لما شرب له ، فدخلت زمزم فتضلعت منه ، فذهب عني إلى الصباح مع أن ماء زمزم يطلق البول.

ومن ذلك : أن رجلا شرب سويقا فيه إبرة وهو لا يشعر بها ، فاعترضت في حلقه فصار لا يقدر يطبق فاه وكاد أن يموت ، فأمره بعض الناس بشرب ماء زمزم ويسأل الله فيه الشفاء ، فشرب منه شيئا بجهد ، وجلس عند أسطوانة من المسجد الحرام فغلبته عيناه فنام ، فلما انتبه من نومه وهو لا يحس من الإبرة شيئا وليس به [بأس](٤). هذا ملخص ما

__________________

(١) الأزرقي (٢ / ٥١) ، والبحر العميق ، الموضع السابق.

(٢) تفسير القرطبي (٩ / ٣٧٠).

(٣) في الأصل : الأقذار. والتصويب من تفسير القرطبي ، الموضع السابق.

(٤) في الأصل : بأسا.

٣٢٤

ذكره الفاكهي في فضائل مكة (١).

ومن ذلك : أن أحمد بن عبد الله الفرّاش بالحرم الشريف المكي شربه للشفاء من العمى فشفي.

ولا التفات إلى ما ذكره ابن الجوزي في الموضوعات من أن حديث : «ماء زمزم لما شرب له» [موضوع](٢) ، بل قد صح من طرق كما تقدم.

وأما حديث : «الباذنجان لما أكل له» فهو حديث موضوع كما ذكره ابن قيم الجوزية الحنبلي.

ومن فضائلها : أنه لا يتضلع منها المنافقون ، وأنها آية بيننا وبينهم من التضلع ، وأن النظر إليها عبادة.

ومنها : أنها طعام طعم وشفاء سقم ، يريد حديث أبي ذر الثابت في الصحيح (٣) ، وأنه أقام بمكة شهرا لا قوت له إلا ماء زمزم ، فسمن حتى تكسرت [عكن](٤) بطنه ، وكان أهل الجاهلية يعدونها عونا على العيال ، وتسميها شبّاعة.

وعن عبد العزيز [بن أبي رواد](٥) أن راعيا كان يرعى ، وكان من العبّاد ، وكان إذا ظمئ وجد فيها لبنا ـ أي : ماء زمزم ـ وإذا أراد أن يتوضأ

__________________

(١) أخبار مكة (٢ / ٣٥).

(٢) في الأصل : موضوع.

(٣) أخرجه مسلم (٤ / ١٩١٩ ح ٢٤٧٣) ، وابن أبي شيبة (٧ / ٣٣٨ ح ٣٦٥٩٨) ، والطبراني في الأوسط (٣ / ٢٤٦ ح ٣٠٥١) ، وأحمد (٥ / ١٧٤) ، والأزرقي (٢ / ٥٣) ، والفاكهي (٢ / ٢٩ ح ١٠٨٠) ، والبيهقي (٥ / ١٤٧ ح ٩٤٤١) كلهم عن عبد الله بن الصامت ، به.

(٤) قوله : عكن ، زيادة من البحر العميق (٣ / ٢٧٦). والعكن : الأطواء في البطن من السّمن (لسان العرب ، مادة : عكن).

(٥) في الأصل : بن داود. والتصويب من البحر العميق ، الموضع السابق.

٣٢٥

وجده ماء (١).

ومنها : أن الاطلاع فيها يحطّ الأوزار والخطايا. رواه الفاكهي (٢) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مرسلا من رواية مكحول.

وفي رواية أخرى : الطّهور منها يحطّ الخطايا.

ومنها : أنه خير ماء على وجه الأرض ، كما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الحديث المتقدم ، كيف وقد اختص بأن غسل منه بطن سيدنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ما ثبت في الصحيحين في حديث المعراج بعد البعثة ، وذلك دليل على فضيلة ماء زمزم على غيره من المياه ، إذ غسل منه هذا المحل الجليل في هذا الموطن الرفيع.

قال ابن [أبي](٣) جمرة : ولقائل أن يقول : لم لم يغسل قلبه الشريف بماء الجنة الذي هو أطيب وأبرك؟

والجواب : أنه لو غسل بماء الجنة دون استقراره بالأرض لم يبق لأمته أثر بركته ، فلما غسل بماء زمزم ، وهو مما استقر من ماء السماء على ما قاله ابن عباس في تفسير قوله تعالى : (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ َأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ) [المؤمنون : ١٨] ، فقال : كل ما في الأرض إنما هو [مما](٤) ينزل من السماء.

وقد جاء في الأثر : أن ما من ماء ينزل إلا وفيه مزاج من الجنة ، وتكون البركة فيه بقدر المزاج.

__________________

(١) أخرجه الأزرقي (٢ / ٥٤) ، والفاكهي (٢ / ٣٩ ح ١١٠٠) ، وذكره السيوطي في الدر المنثور (٤ / ١٥٤) وعزاه إلى الأزرقي.

(٢) أخرجه الفاكهي في أخبار مكة (٢ / ٤١).

(٣) قوله : أبي ، زيادة من البحر العميق (٣ / ٢٧٦). وانظر : فتح الباري (٧ / ٢٠٥).

(٤) في الأصل : من ماء. والتصويب من البحر العميق (٣ / ٢٧٧).

٣٢٦

فعلى هذا فقد حصل ماء كله من الجنة أو بعضه مع زيادة فوائد جمّة ، منها ما ذكرنا من إبقاء البركة للأمة.

ومنها : أنه خص بهذه الأرض المباركة.

ومنها : أنه خص به الأصل المبارك وهو إسماعيل عليه الصلاة والسلام.

ومنها : أنه خص بما لم يخص [غيره](١) من المياه بأن جعل فيه لهاجر أم إسماعيل عليه الصلاة والسلام [غذاء](٢) ، فكان [يغنيها](٣) عن الطعام والشراب.

ومنها : أن ظهوره كان بواسطة الأمين جبريل عليه‌السلام ، فكان أصلا مباركا في مقر مبارك بواسطة فعل أمين مبارك ، فاختص به هذا السيد المبارك ، فكان ذلك زيادة له في التشريف والتعظيم ، والله سبحانه وتعالى يفضل من يشاء من مخلوقاته ، حيوانا كان أو جمادا ، فجاء بالحكمة العجيبة في الملة الجليلة إبراهيم عليه الصلاة والسلام بالمقال ، وفي الماء ملك إسماعيل بلسان الحال. انتهى كلامه.

ومنها : أنها تبرد الحمّى كما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٤).

ومنها : أن ماءها يذهب الصّداع (٥) ، كما ذكره الضحاك بن مزاحم (٦).

__________________

(١) قوله : غيره ، زيادة من البحر العميق ، الموضع السابق.

(٢) قوله : غذاء ، زيادة من البحر العميق ، الموضع السابق.

(٣) في الأصل : يقيها. والتصويب من البحر العميق (٣ / ٢٧٧).

(٤) سبق ذكره وتخريجه ص : ٣١٩.

(٥) الصّداع : وجع في الرأس تختلف أسبابه وأنواعه (المعجم الوسيط ١ / ٥١٠).

(٦) أخرج الأزرقي (٢ / ٥٤) عن الضحاك بن مزاحم [٢٩٧٨] ، قال : بلغني أن التضلع من ماء زمزم براءة من النفاق ، وأن ماءها يذهب بالصداع.

٣٢٧

ومنها : أنه يفضل ماء الأرض كلها طبا وشرعا ، كما ذكره بدر الدين [بن](١) الصاحب المصري في تأليفه المسمى : نقل الكرام.

ومنها : أن الاطلاع فيها يجلو البصر ، كما ذكره الضحاك (٢).

ومنها : أن ماءها يحلو ليلة النصف من شعبان ويطيب على ما ذكره ابن الحاج المالكي في منسكه بحيث إن البئر تفيض بالماء على ما قيل ، لكن لا يشاهد هذا إلا الأولياء. وممن شاهد ذلك : الشيخ أبو الحسن علي المعروف بكوباج (٣) على ما نقله بعضهم عن الشيخ فخر الدين التوزري عنه.

ومنها : أن من حثى على رأسه ثلاث حثيات لم تصبه ذلة أبدا على ما وجد في كتاب الروم ، كما ذكره الفاسي بسنده عن بعض ملوك الروم.

ومنها : أن ماءها يعظم في الموسم ويكثر كثرة خارقة [لعادة](٤) الآبار ، كما ذكره ابن عطية في التفسير. ذكره القرشي (٥).

وفي حاشية الدردير على قصة المعراج (٦) : وإنما كان غسل قلبه الشريف من ماء زمزم ؛ لأنه أفضل المياه بعد النابع من بين أصابعه الشريفة ؛ لأنه من ضربة جبريل عليه‌السلام بجناحه الأرض ، ولما قيل من أنه يقوي القلب وأنه من ماء الجنة ، وقد اكتسب من بركة الأرض ، ويليه ماء الكوثر ، ثم نيل مصر.

__________________

(١) قوله : بن ، زيادة من البحر العميق ، الموضع السابق.

(٢) أخرج الأزرقي (٢ / ٥٤) عن الضحاك بن مزاحم ، قال : ... وأن الاطلاع فيها يجلو البصر.

(٣) في البحر العميق : بكرباج.

(٤) في الأصل : عادة. والتصويب من البحر العميق (٣ / ٢٧٧).

(٥) البحر العميق (٣ / ٢٧٦ ـ ٢٧٧).

(٦) حاشية الدردير (ص : ٤).

٣٢٨

ونظم التقي السبكي ذلك بقوله :

وأفضل المياه ماء قد نبع

من بين أصابع النبيّ المتّبع

يليه ماء زمزم فالكوثر

فنيل مصر ثمّ باقي الأنهر

ومن نظم العلّامة محمد بن علان قوله في بئر زمزم :

وزمزم قالوا فيه بعض ملوحة

ومنه مياه العين أحلى وأملح

فقلت لهم قلبي يراها [ملاحة](١)

فلا برحت تحلو لقلبي وتملح

فائدة عجيبة : ذكر العلامة حقي في روح البيان (٢) عند قوله تعالى في سورة الأعراف ، (وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [الأعراف : ١٥٨] : لو وضع شعر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو عصاه أو سوطه على قبر عاص لنجا ذلك المذنب ببركة تلك الذخيرة من العذاب. وإن كانت في دار إنسان أو بلدة لا يصيب سكانها بلاء ببركتها وإن لم يشعروا بها. ومن هذا القبيل ماء زمزم والكفن المبلول به ، وبطانة أستار الكعبة والتكفن بها. كذا في الأسرار المحمدية. انتهى.

وفي هذا القدر كفاية ، وإلا ففضلها كثير ، وقد جرّبه أناس كثيرون فلا حاجة إلى الإطالة. والله الموفق للصواب.

وأما سقاية العباس فقد ذكرها الأزرقي والفاسي (٣) ، وذكر ذرعها وصفتها وما كانت عليه.

قلت : ومحلها القبة التي فيها الكتب الآن. انتهى.

__________________

(١) في الأصل : مالحة.

(٢) روح البيان (٣ / ٢٥٩).

(٣) الأزرقي (٢ / ١٠٤) ، وشفاء الغرام (١ / ٤٩٠).

٣٢٩

الباب الثالث : فيما كان عليه وضع المسجد الحرام في أيام

الجاهلية وصدر الإسلام

وبيان ما أحدث فيه من التوسع والزيادات في زمن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي‌الله‌عنهما ، وزيادة المهدي الأولى والثانية وتربيعه بهذا [الحال](١) الذي هو عليه الآن ، وتجديد آل عثمان له ، وفضله ، وما حدث فيه ، إلى آخر ما يأتي إن شاء الله تعالى.

وفيه سبعة فصول :

الفصل الأول : فيما كان عليه المسجد الحرام زمن الجاهلية وزمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم

وأبي بكر رضي‌الله‌عنه ، وزيادة عمر وعثمان رضي‌الله‌عنهم ، وزيادة

المهدي العباسي الأولى والثانية وتربيعه له على هذه الحالة الموجودة الآن ،

ولم يزد فيه أحد شيء بعده إلا زيادة دار الندوة وزيادة باب إبراهيم ، ومن

عمّر فيه بعدهم من الملوك والسلاطين ، إلى آخر ما يأتي إن شاء الله تعالى.

قال الحطاب على منسك سيدي خليل عند قول المصنف : أما المسجد الحرام فكان فناء حول الكعبة وفضاء للطائفين. قال الحطاب : ولم أقف على تحقيق ذلك الفضاء وتحرّي قدره بعد البحث عنه في كتاب الأزرقي والفاكهي والماوردي ، والمحب الطبري ، والفاسي وغيرهم من أصحاب المناسك ومن المؤرخين ، لكن وقفت في كلام الأزرقي (٢) ما يفيد مقداره من بعض الجهات تقريبا فإنه ذكر ، قال : بلغنا أن أول من استصبح في المسجد

__________________

(١) في الأصل : الحالة.

(٢) الأزرقي (١ / ٢٨٦).

٣٣٠

الحرام [عقبة بن الأزرق بن عمرو](١) وكانت داره لاصقة بالمسجد الحرام من ناحية وجه الكعبة ، والمسجد يومئذ ضيّق ليس بين جدار المسجد وبين المقام إلا شيء يسير ، فكان يضع على حرف [داره](٢) ـ وجدار داره وجدار المسجد واحد (٣) ـ مصباحا كبيرا ، فيضيء له وجه الكعبة والمقام وأعلى المسجد. انتهى.

فهذا يقتضي أن آخر المسجد كان من هذه الجهة خلف المقام بيسير.

وذكر في بناء عبد الله بن الزبير أن باب دار الندوة شارع في المسجد ، وذكر أن بين بابها وموضع الصف الأول مثل ما بينه وبين الرواق (٤) الأول من المسجد اليوم. اه.

فهذا يقتضي أن حدّ المسجد من هذه الجهة كان إلى نصف ما بين موضع الصف الأول والرواق.

وذكر ابن [جبير](٥) في رحلته لما ذكر ذرع المسجد : وكان على عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم صغيرا ، وقبة زمزم خارجة عنه.

وفي مقابلة الركن الشامي (٦) رأس سارية ثابتة في الأرض منها كان (٧) حد الحرم أولا ، وبين [رأس](٨) السارية والركن الشامي من الكعبة اثنان

__________________

(١) في الأصل : عقبة عمر بن الأزرق. وهو خطأ (انظر : الأزرقي ، الموضع السابق).

(٢) في الأصل : جداره. والمثبت من الأزرقي.

(٣) وردت الجملة المعترضة في الأصل بعد قوله : شيء يسير. وقد أثبتناها في مكانها كما في الأزرقي.

(٤) الرواق : هو المسافة المحصورة بين صفين من العقود (التراث المعماري ص : ١٢٠).

(٥) في الأصل : حبان. وهو خطأ (وانظر رحلة ابن جبير ص : ٧٧).

(٦) في الأصل زيادة : من.

(٧) في الأصل زيادة : على.

(٨) قوله : رأس ، زيادة من رحلة ابن جبير.

٣٣١

وعشرون خطوة. اه.

ذكر القطب الحنفي في كتاب الإعلام لأهل بلد الله الحرام (١) : [اعلم](٢) أن الكعبة المشرفة لما بناها إبراهيم عليه الصلاة والسلام لم يكن حولها دور ولا جدار احتراما للكعبة ، فلما آل الأمر إلى قصي جد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم واستولى على مفتاح الكعبة ، جمع قصي قومه وأمرهم أن يبنوا بمكة بيوتا حول الكعبة المشرفة من جوانبها الأربعة ، وكانوا يعظّمون الكعبة أن يبنوا حولها بيوتا [أو يدخلوا](٣) مكة على جنابة ، وكانوا يقيمون بها نهارا ، فإذا أمسوا خرجوا إلى الحلّ ، فقال لهم قصي : إن سكنتم حول البيت هابتكم الناس ولم تستحل قتالكم والهجوم عليكم.

وبدأ هو وبنى دار الندوة في الجانب الشامي ، ويقال : إنها مقام الحنفي ، وقسّم قصي باقي الجهات بين قبائل قريش ، فبنوا دورهم وشرعوا أبوابها إلى نحو الكعبة ، وتركوا للطائفين قدر المطاف بحيث يقال : إنه القدر المفروش الآن بالرخام ، وجعل بين كل دارين من دورهم مسلكا شارعا فيه باب يسلك منه إلى بيت الله ، ثم كثرت البيوت واتصلت إلى زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ثم لما ظهر الإسلام وكثرت البيوت [استمر](٤) الحال على ذلك الوضع في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وزمن أبي بكر الصديق رضي‌الله‌عنه ، ثم ظهر الإسلام [وتكاثر](٥) المسلمون في زمن عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه ، فرأى أن يزيد في المسجد الحرام ، فأول زيادة زيدت في المسجد الحرام زيادته

__________________

(١) الإعلام (ص : ٧٣ ـ ٧٥).

(٢) قوله : اعلم ، زيادة من الإعلام.

(٣) في الأصل : ويدخلون. والتصويب من الإعلام.

(٤) في الأصل : واستمر. والتصويب من الإعلام.

(٥) في الأصل : وتكاثرت.

٣٣٢

رضي‌الله‌عنه ، وكانت زيادة عمر في سنة ١٧ بعد السيل الذي دخل المسجد الحرام وخرب معالمهم ، وهو سيل أم نهشل كما سيأتي.

قال الأزرقي (١) : كان المسجد ليس عليه جدار يحيط به ، وإنما كانت دور قريش محدقة به من كل جانب ، غير أن بين الدور أبواب يدخل منها الناس إلى المسجد الحرام. ولما كان زمن عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه ضاق المسجد بالناس ولزمه توسعة المسجد الحرام ، فاشترى دورا حول المسجد وهدمها وأدخلها في المسجد ، وبقيت دورا احتاج إلى إدخالها في المسجد فأبى أصحابها من بيعها ، فقال لهم عمر رضي‌الله‌عنه : أنتم نزلتم في فناء الكعبة وما نزلت الكعبة في سوحكم (٢) وفناءكم ، فقوّمت الدور وجعل ثمنها في جوف الكعبة ، ثم هدمت وأدخلت في المسجد الحرام ، ثم طلب أصحابها الثمن بعد ذلك فسلّم إليهم ، وأمر ببناء جدار قصير دون القامة أحاط بالمسجد وجعل فيه أبوابا كما كانت بين الدور قبل أن تهدم ، [وجعلها في محاذاة](٣) الأبواب السابقة.

ثم كثر الإسلام في زمن عثمان رضي‌الله‌عنه فأمر بتوسعة المسجد ، واشترى دورا وهدمها وأدخلها في المسجد ، وأبى جماعة عن بيع دورهم ، ففعل كما فعل عمر رضي‌الله‌عنهما وهدم الدور وأدخلها المسجد. انتهى.

ولم يذكر الأزرقي متى كانت زيادة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وعثمان رضي‌الله‌عنهما ، [وذكر](٤) ابن جرير الطبري وابن الجوزي : أن

__________________

(١) الأزرقي (٢ / ٦٨).

(٢) السوح : الناحية ، وهي أيضا المكان الواسع والفضاء بين دور الحيّ (لسان العرب ، مادة : سوح).

(٣) في الأصل : وجعل في محذات. والتصويب من الإعلام.

(٤) في الأصل : وذكرها.

٣٣٣

زيادة عمر رضي‌الله‌عنه كانت في سنة سبعة عشر من الهجرة بتقديم السين ، وأن زيادة عثمان رضي‌الله‌عنه كانت في سنة [سبع](١) وعشرين من الهجرة.

وقال الماوردي في كتابه الأحكام السلطانية (٢) وغيره من الأئمة المعتمدين وفي كلام بعضهم زيادة على بعض فقال : أما المسجد الحرام فكان حول الكعبة فضاء للطائفين ، ولم يكن [له](٣) على عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعهد أبي بكر رضي‌الله‌عنه جدارا ، وكانت الدور محيطة به ، وبين الدور أبواب يدخل منها الناس من كل ناحية.

فلما استخلف عمر ـ رضي‌الله‌عنه ـ وكثر الناس ، ابتاع منازل ووسّع بها المسجد ، واتخذ للمسجد جدارا قصيرا دون القامة ، وكانت المصابيح توضع عليه ، وكان عمر ـ رضي‌الله‌عنه ـ أول من اتّخذ الجدار للمسجد الحرام.

فلما استخلف عثمان ـ رضي‌الله‌عنه ـ ابتاع دورا ووسّع بها المسجد أيضا ، وبنى المسجد والأروقة فكان عثمان ـ رضي‌الله‌عنه ـ أول من اتخذ للمسجد الحرام الأروقة. انتهى.

ثم زيادة عبد الله بن الزبير رضي‌الله‌عنه.

قال الأزرقي (٤) : كان المسجد الحرام [محاطا](٥) بجدار قصير غير مسقّف ، وإنما كان الناس يجلسون حول المسجد بالغداة والعشي يبتغون

__________________

(١) في الأصل : سبعة.

(٢) الأحكام السلطانية (ص : ٢٨٤).

(٣) قوله : له ، زيادة من الأحكام السلطانية (ص : ٢٨٤).

(٤) الأزرقي (٢ / ٦٩).

(٥) في الأصل : مخالطا. والتصويب من الأزرقي (٢ / ٦٩).

٣٣٤

الإفياء ، فإذا قلص الظل قامت المجالس. فزاد ابن الزبير في المسجد الحرام واشترى دورا وأدخلها في المسجد الحرام.

قال الأزرقي (١) : وكان مما اشترى دارا لجدنا الأزرقي وهي كانت لاصقة بالمسجد الحرام وبابها شارع إلى باب بني شيبة على يسار الداخل ، وكانت دارا كبيرة اشترى بعضها ببضعة وعشرين ألف دينار وأدخلها المسجد الحرام.

قال الأزرقي (٢) : وكان قد انتهى بالمسجد إلى أن أشرعه على الوادي مما يلي الصفا ، والوادي يومئذ في موضع المسجد من جميع نواحيه ، وكانت دار الندوة يومئذ داخلة في موضعه حتى زاد أبو جعفر فأخّرها إلى ما هي عليه اليوم.

قال الأزرقي (٣) : وذكر جدي أنه سمع مشيخة من أهل مكة يذكرون أن عبد الله بن الزبير رضي‌الله‌عنهما سقّف المسجد غير أنهم لم [يذكروا](٤) أكلّه أو بعضه ، ثم قال : وعمّره عبد الملك بن مروان ولم يزد فيه ، لكنه رفع جدرانه وسقّفه بالساج ، وعمّره عمارة حسنة.

وقال أيضا (٥) : وحدثني جدي ، عن سعيد بن فروة ، عن أبيه قال : كنت على المسجد الحرام في زمن عبد الملك بن مروان فأمره أن يجعل على رأس كل أسطوانة خمسين مثقالا من الذهب.

__________________

(١) الأزرقي (٢ / ٧٠).

(٢) المرجع السابق.

(٣) الأزرقي (٢ / ٧١).

(٤) في الأصل : يذكرون.

(٥) الأزرقي (٢ / ٧١).

٣٣٥

وقال أيضا (١) : عمّر الوليد المسجد الحرام ونقض عمل عبد الملك وعمله الوليد عملا محكما ، وكان إذا بنى المساجد زخرفها ، وهو أول من نقل الأساطين الرخام إلى المسجد الحرام وسقّفه بالساج المزخرف ، وجعل على رأس الأساطين صفائح الذهب ، وأزّر المسجد بالرخام ، وجعل للمسجد [شرافات](٢).

ولم يعمر المسجد الحرام بعد الوليد بن عبد الملك ولم يزد فيه ، حتى كان أبو جعفر المنصور (٣) فأمر بالزيادة في المسجد الحرام فزيد في شقة الشامي الذي يلي دار الندوة وزاد في أسفله إلى أن انتهى إلى المنارة التي في ركن باب بني سهم الذي يقال له اليوم : باب العمرة ، ولم يزد في الجانب الجنوبي لاتصاله بمسيل الوادي ، ولصعوبة البناء فيه وعدم ثباته إذا قوي السيل عليه ، ولذلك لم يزد في أعلا المسجد ، واشترى من الناس دورهم وأدخلها في المسجد. وكان الذي ولي عمارة المسجد الحرام من قبل أبي جعفر زياد بن [عبيد الله الحارثي](٤) كان من شرطة عبد العزيز بن عبد الله بن مسافع بن عبد الرحمن الشيبي ، وكان زياد أجحف بدار شيبة بن عثمان وأدخل أكثرها في الجانب الأعلى من المسجد ، فتكلم مع زياد في أن يميل عنه قليلا ففعل ، فكان في هذا المحل ازورارا في المسجد ، أي : قبل تربيع المهدي العباسي له. وأما الآن فهو مربّع كما يأتي إن شاء الله.

__________________

(١) الأزرقي (٢ / ٧١ ـ ٧٤).

(٢) في الأصل : سرادقات. والتصويب من الأزرقي (٢ / ٧٢).

(٣) في هامش الأصل : استطراد : أول من نقّط المصحف وشكّله ، يقال : إن أول من أمر به عبد الملك فتصدى لذلك الحجاج وهو بواسط فأمر الحسن البصري وسمي بن يعمر ففعلا ذلك. وأما كتابة الأعشار على الحواشي نسب إلى الحجاج. اه أوائل السيوطي.

(٤) في الأصل : عبد الله الحارث. والمثبت من الأزرقي (٢ / ٧٢).

٣٣٦

وأمر أبو جعفر المنصور بعمارة منارة هناك ، فعملت واتصل عمله في أعلا المسجد بعمل الوليد بن عبد الملك ، وكان عمل [أبي](١) جعفر طاقا واحدا بأساطين الرخام دائرا على صحن المسجد ، وكان الذي زاد فيه قدر الضعف مما كان قبله وزخرف المسجد بالذهب وأنواع النقوش ورخّم الحجر ، وهو أول من رخّمه كما تقدم ، وكان ذلك العمل كله على يد زياد ، وفرغ من عمل ذلك في عامين ، وقيل : ثلاثة ، وكان ابتداء العمل في سنة مائة [وسبع](٢) وثلاثين ، وكتب على باب بني جمح أحد أبواب المسجد الحرام من جهة الصفا : بسم الله الرحمن الرحيم محمد رسول الله ، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون. (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ) [آل عمران : ٩٦]. أمر عبد الله أمير المؤمنين بتوسعة المسجد الحرام وعمارته والزيادة فيه نظرا منه للمسلمين واهتماما بأمورهم ، والذي زاده فيه الضّعف مما كان عليه قبل ، وفرغ منه ورفعت الأيدي منه في ذي الحجة سنة أربعين ومائة وذلك بتيسير الله على أمير المؤمنين وحسن معونته وإكرامه له بأعظم كرامة ، فأعظم الله أجر أمير المؤمنين فيما نواه من توسعة المسجد الحرام وأحسن ثوابه ، وجمع الله لديه خير الدنيا والآخرة وأعزّ نصره وأيده. انتهى.

ثم زاد فيه المهدي العباسي ثالث الخلفاء من بني العباس ، وذلك أنه لما حج في سنة ستين ومائة ـ كما في درر الفرائد (٣) اه ـ فرّق أموالا عظيمة

__________________

(١) في الأصل : أبو.

(٢) في الأصل : سبعة.

(٣) درر الفرائد (ص : ٢١٥).

٣٣٧

على أهل الحرمين ، ثم استدعى قاضي مكة ، وهو يومئذ محمد بن عبد الرحمن المخزومي ، وأمره أن يشتري دورا في أعلا المسجد ويهدمها ويدخلها في المسجد الحرام ، وأعدّ لذلك أموالا عظيمة ، فاشترى القاضي جميع ما كان بين المسجد الحرام والمسعى مما كان من الصدقات والأوقاف ، واشترى للمستحقين بدلها دورا في فجاج مكة ، وكان الذي اشتراه وأدخله المسجد الحرام ، كل ذراع مكسر في مثله بخمسة عشر [دينارا](١) ، فكان فيما دخل في ذلك المشترى دار الأزرقي ، وهي يومئذ لاصقة بالمسجد الحرام على يمين الخارج من باب بني شيبة ، وكان ثمن ناحية منها عشرة آلاف دينار ، وكان أكثرها داخل في المسجد الحرام في زيادة عبد الله بن الزبير رضي‌الله‌عنه ، ودخل أيضا دار خيرة بنت سباع الخزاعي ، وكان ثمنها ثمانية وأربعون ألفا دفعت إليها ، وكانت شارعة على المسعى يومئذ قبل أن يؤخّر المسعى ، ودخلت أيضا دار جبير بن مطعم ودار شيبة بن عثمان ، اشترى ذلك كلّه وأدخله المسجد ، وجعل دار القوارير [رحبة](٢) بين المسجد الحرام والمسعى ، حتى [استقطعها](٣) جعفر البرمكي من الرشيد لما آلت الخلافة إليه ، فبناها دارا ثم آلت إلى حماد البربري فعمّرها ، وزين باطنها بالقوارير وظاهرها بالرخام والفسيفساء (٤).

__________________

(١) في الأصل : دينار.

(٢) في الأصل : جنبه. والتصويب من الأزرقي (٢ / ٧٥).

(٣) في الأصل : استعطفها. والتصويب من الأزرقي ، الموضع السابق.

(٤) انظر : الأزرقي (٢ / ٧٤ ـ ٧٥).

في هامش الأصل : قوله : والفسيفساء هي ألوان من الخرز تركب في حيطان البيوت من داخل للزينة. اه قاموس.

٣٣٨

قال القطب الحنفي (١) : وتداولت الأيدي عليها بعد ذلك إلى أن صارت رباطين (٢) متلاصقين أحدهما كان يعرف برباط المراغي (٣) ، والثاني يعرف برباط السدرة (٤) ، [فاستبدلهما قايتباي وبناهما](٥) مدرسة ورباطا في سنة ثمانمائة وثمانين (٦).

وقد ذكر القطب كيفية وقفها وما أعدّ فيها من الخيرات وحدودها ، وكانت تنزل فيها أمراء مصر ـ أي : أمراء الحج المصري ـ ويوضع تحتها المحمل المصري : وهذه الزيادة الأولى للمهدي في أعلا المسجد وكذا في أسفله إلى أن انتهى إلى باب بني سهم ، ويقال له الآن : باب العمرة وإلى باب الحناطين ، وكذا زاد من الجانب الشامي إلى منتهاه الآن ، وكذا زاد في الجانب اليماني إلى قبّة الشراب ، وتسمى قبة العباس ـ قلت : وهي القبة التي فيها الكتب ـ وإلى حاصل الزيت وهو بجانبها كان يوضع فيه الزيت أولا ، وكان بين جدار الكعبة اليماني وبين جدار المسجد الذي من جهة

__________________

(١) الإعلام (ص : ١٠٠).

(٢) الرباط : الأصل فيه : المكان الذي يرابط فيه المجاهدون والمدافعون عن ديار الإسلام ، ثم أصبح يطلق على كل مبنى خيري يخصص للفقراء أو لطلاب الرحلة أو المتصوفة (انظر : مختار الصحاح ص : ٩٧ ، ولسان العرب ، مادة : ربط ، والمصباح المنير ص : ٢٥٦ ، ودائرة المعارف الإسلامية ١٠ / ١٩ ـ ٢٤).

(٣) رباط المراغي : ويعرف بالقيلاني ، وقد وقفه واقفه على الصوفية الواصلين إلى مكة المقيمين والمجتازين من العرب والعجم ، وتاريخ وقفه سنة ٥٧٥ (العقد الثمين ١ / ٢٨١ ، وشفاء الغرام ١ / ٦٠٧ ـ ٦٠٨).

(٤) رباط السدرة : يقع بالجانب الشرقي من المسجد الحرام على يسار الداخل إلى المسجد الحرام من باب بني شيبة ، ولا يعرف من وقفه ولا متى وقف ، إلا أنه كان موقوفا في سنة أربعمائة (العقد الثمين ١ / ٢٨١ ، وشفاء الغرام ١ / ٦٠٧).

(٥) في الأصل : فاستبدلها قايتباي وبناها. والتصويب من الإعلام.

(٦) في الإعلام : سنة ٨٨٣.

٣٣٩

الصفا تسعة وأربعون (١) ذراعا ونصف ، وكان وراءه سيل الوادي ، فهذه زيادة المهدي العباسي الأولى ، وأمر بالأساطين فحملت من مصر والشام ، ثم حملت في البحر إلى قرب جدة في موضع يقال له : الشعيبة ، وكان ذلك المحل ساحل مكة في أيام الجاهلية فجمعت هناك ؛ لأن مرساها قريبة إلى البر بخلاف جدة ؛ لأن مرساها التي توقف بها السفن بعيدة إلى البر ، فصاروا يحملون أساطين الرخام على العجل ويجيئون بها إلى مكة.

قال القطب (٢) : ويتحاكى بعض العرب أن بها الآن بقايا أساطين رخام دفنتها الريح. والله أعلم بالحقيقة.

وعمل الأساس لتلك الأساطين بحيث حفر الأرض وبنى بها جدران على شكل الصليب ، ووضع كل أسطوانة على موضع من تلك التقاطع.

قال القطب (٣) : وقد كشف عنها السيل العظيم في سنة تسعمائة وثلاثين ، وشوهد أساس الأساطين على هذه الحالة ، واستمر المسجد على هذا الحال إلى سنة [أربع](٤) وستين ومائة ، ثم حج المهدي في ذلك العام فشاهد الكعبة المشرفة ليست في وسط المسجد بل في جانب منه ، ورأى المسجد قد اتّسع من أعلاه ومن أسفله [ومن جانبه](٥) الشامي ، وضاق من الجانب اليماني الذي يلي مسيل الوادي ، وكان محل المسيل الآن بيوتا للناس وكانوا يسلكون من المسجد في بطن الوادي ، ثم يسلكون زقاقا ضيقا ، ثم يصعدون إلى الصفا ، وكان المسعى في موضع المسجد الحرام

__________________

(١) كذا في الأصل. وقد عدلت في الهامش إلى : وأربعين ، وهو خطأ.

(٢) الإعلام (ص : ١٠١).

(٣) الإعلام (ص : ١٠١ ـ ١٠٣).

(٤) في الأصل : أربعة.

(٥) في الأصل : وجانبه. والتصويب من الإعلام.

٣٤٠