تحصيل المرام - ج ١-٢

الشيخ محمّد بن أحمد بن سالم بن محمّد المالكي المكّي [ الصبّاغ ]

تحصيل المرام - ج ١-٢

المؤلف:

الشيخ محمّد بن أحمد بن سالم بن محمّد المالكي المكّي [ الصبّاغ ]


المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الأسدي للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١٠٧٤

بن الحنفية رسول الله ، وأن الحج والعمرة إلى بيت المقدس ، وافتتن به جماعة من الجهّال وأهل البراري ، وقويت شوكتهم حتى انقطع الحج من بغداد بسببه وبسبب ولده أبي طاهر ، فإن ولده أبا طاهر بنى بيتا بالكوفة سماه : دار الهجرة ، وكثر فساده واستيلاؤه على البلاد وقتله المسلمين ، وتمكنت هيبته من القلوب ، وكثر فساده وأتباعه ، وذهب إليه جيش الخليفة المقتدر بالله السادس عشر من [خلفاء](١) بني العباس غير (٢) مرة وهو يهزمهم ، ثم إن المقتدر سيّر ركب الحجاج إلى مكة فوافاهم أبو طاهر يوم التروية فقتل الحجيج بالمسجد الحرام وفي جوف الكعبة قتلا ذريعا ، وألقى القتلى في بئر زمزم ، وضرب الحجر الأسود بدبوسه (٣) فكسره ، ثم اقتلعه وأخذه منه ، وقلع الباب ـ أي باب الكعبة ـ وأخذ كسوتها وقسمها بين أصحابه ، وهدم قبة زمزم. انتهى ما ذكره الحلبي (٤).

وذكر شيخنا في حاشيته على توضيح المناسك قال : وفي الخفاجي على الشفا : أن القرامطة طائفة من الملحدين ، وهم من أهل هجر (٥) والحسا ، وأصلهم رجل من سواد الكوفة يقال له : قرمط ، وهو حمدان بن قرمط ، وسبب ظهورهم : أن جماعة من أولاد بهرام جور ، وذكروا بأنهم وجدودهم وما كانوا عليه من العز والملك وزوال ذلك بدولة الإسلام ، وقسموا الدنيا أربعة أقسام ، لكل رجل منهم ربع ، فذهب واحد إلى الكوفة

__________________

(١) قوله : خلفاء ، زيادة من السيرة الحلبية (١ / ٢٧٨).

(٢) في الأصل والسيرة الحلبية زيادة : «ما».

(٣) الدبوس : هو عمود على شكل هراوة مدملكة الرأس ، معرب. انظر : (المعجم الوسيط ١ / ٢٧٠).

(٤) السيرة الحلبية (١ / ٢٧٨).

(٥) هجر : مدينة في البحرين. وقيل : ناحية البحرين كلها هجر (معجم البلدان ٥ / ٣٩٣).

١٨١

فأول من أجابه : حماد بن قرمط فأعانه على الدعوة ، وكان ظهوره سنة ثمان وسبعين ومائتين ، فلم يزل يظهر الصلاح حتى اجتمع عليه الخلق فزعم أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بشّر به وأنه الإمام المنتظر ، فابتدع مقالات ، وزعم أنه انتقل إليه كلمة سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام ، وجعل الصلاة ركعتين بعد الصبح وركعتين بعد المغرب ، والصوم يومين بالنيروز والمهرجان ، فكانت لهم وقائع وحروب وخلفاء حتى ظهر منهم سليمان ، وكنيته أبو طاهر بن الحسن القرمطي الجبائي ، فأفسد ، وقصد مكة فدخلها يوم التروية سنة [سبع عشرة](١) وثلاثمائة في خلافة المقتدر ، فقتل من الحجاج خلقا كثيرا ، ورماهم ببئر زمزم ، وقلع باب الكعبة وأخذ كسوتها ، وأخذ الحجر الأسود ، فبقي عندهم سنين ، ثم ردوه مكسورا ، فنصب في محله ، وقد كان بذل لهم فيه خمسين ألف دينار فأبوا ، ولم يزالوا كذلك حتى أخذوا الشام وغيرها إلى أن قاتلهم جوهر القائد فهزمهم وقتل منهم خلقا كثيرا ، وكانت مدة خروجهم ستا وثمانين سنة ، وكانوا يحرّفون القرآن ويتأوّلونه بتآويل فاسدة لم تقبلها العقول. انتهى.

وقوله : إلى أن قاتلهم جوهر القائد ، ذكر السيوطي في تاريخه أخبار (٢) الناس في بني العباس (٣) : أن جوهر القائد قاتلهم وذلك في سنة ثلاثمائة وسبع (٤) وخمسين ؛ لأن القرامطة ملكت الشام وغيرها ، ولم يحج أحد في تلك السنة لا من الشام ولا من مصر ، وعزموا على قصد مصر ليملكوها

__________________

(١) في الأصل : سبعة عشر.

(٢) في هامش الأصل : إعلام.

(٣) تاريخ الخلفاء (ص : ٤٠١ ـ ٤٠٢).

(٤) في الأصل : وسبعة.

١٨٢

فجاء العبيديون وهم الذين يسمونهم العوام : الفواطم ، وهم روافض جدّهم يهودي حداد ـ كذا قال القاضي عبد الجبار البصري ـ ، وأقاموا دولة الروافض في أقاليم المغرب ومصر والعراق ، وذلك أن صاحب مصر نائب المطيع من بني العباس لما مات اختلّ النظام ، وقلّت الأموال على الجند ، فكتب جماعة إلى المعزّ يطلبون منه عسكرا ليسلموا إليه مصر ، فأرسل مولاه جوهرا في مائة ألف فارس فملكها وأخرج القرامطة وأخذ الشام ، وجوهر هذا هو الذي بنى الجامع الأزهر ، وابتدأ في بنائه في ربيع الآخر سنة ثلاثمائة [وتسع](١) وخمسين ، وفرغ في رمضان سنة ثلاثمائة [وإحدى وستين](٢). انتهى.

وفي درر الفرائد في سنة [سبع عشرة](٣) وثلاثمائة (٤) : لم يشعر الناس في يوم الاثنين يوم التروية ـ وقيل : في يوم السابع من ذي الحجة ـ إلا وقد وافاهم صاحب البحرين عدو الله تعالى أبو طاهر سليمان بن ربيعة الحسن القرمطي (٥) مكة في ناس من أصحابه فدخلوا المسجد الحرام ، وأبو طاهر سكران راكبا فرسا وبيده سيف مسلول ، فصفّر لفرسه فبال عند البيت ، وأسرف هو وأصحابه في قتل الحجّاج وأسرهم ونهبهم مع هتكه لحرمة

__________________

(١) في الأصل : وتسعة.

(٢) في الأصل : وتسعة وخمسين. والتصويب من : تاريخ الخلفاء (ص : ٤٠٢).

(٣) في الأصل : سبعة عشر.

(٤) درر الفرائد (ص : ٢٣٤ ـ ٢٣٧) ، وانظر : (إتحاف الورى ٢ / ٣٧٤ ـ ٣٧٩ ، والإعلام ص :

١٦٢ ـ ١٦٥).

(٥) هو : أبو طاهر سليمان بن أبي سعيد الحسن الجنّابي الهجري القرمطي ، خارجي طاغية جبار. قال الذهبي في وصفه : «عدو الله ، الأعرابي الزنديق» ، قتل الحجيج حول الكعبة وفي جوفها ، واقتلع الحجر الأسود وأخذه معه إلى هجر (انظر : البداية والنهاية ١١ / ٢٠٨ ، والمنتظم ٦ / ٣٣٦ ، والنجوم الزاهرة ٣ / ٢٢٥).

١٨٣

البيت ، فكان الناس يطوفون حول البيت والسيوف تأخذهم ، وكان علي بن بابويه (١) يطوف بالبيت والسيوف تأخذه فما قطع طوافه [رضي‌الله‌عنه](٢) إلا وهو ينشد :

ترى المحبّين صرعى في ديارهم

كفتية (٣) الكهف لم يدرون كم لبثوا

وقتل بالمسجد الحرام ألفا وسبعمائة قتيل رجالا ونساء ، وقيل : ثلاثة عشر ألفا وهم متعلقون [بالكعبة](٤) ، وردم بهم زمزم حتى ملأها ، ففرش بهم المسجد الحرام وما يليه ، وقيل : دفن البقية في المسجد بلا غسل ، وجعل الناس يصيحون : نحن جيران الله في حرم الله فيقول : ليس بجار من خالف أوامر الله ونهيه (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً ...) الآية [المائدة : ٣٣] ، وصعد الكلب أبو طاهر بنفسه على باب الكعبة ، واستقبل الناس بوجهه وهو يقول :

أنا بالله وبالله أنا

يخلق الخلق وأفنيهم أنا

لا رحمه‌الله ، وضرب [بعض](٥) أصحابه الحجر الأسود بدبّوس فتكسّر ، وقيل : إن الذي ضرب الحجر بالدبوس هو عدو الله أبو طاهر بنفسه وصاح : يا حمير أنتم تقولون : (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) [آل عمران : ٩٧] فأين الأمن وقد فعلت ما فعلت؟ وعطف دابته ليخرج فأخذ بعض الحاضرين بلجام فرسه وقد استسلم للقتل وقال له : ليس معنى الآية ما ذكرت ، وإنما معنى الآية : من دخل فأمّنوه ، فلوى القرمطي فرسه وخرج

__________________

(١) ترجمته في : العقد الثمين (٦ / ١٤٣).

(٢) ورد لفظ الترضي بعد الشعر. وقد قدمناها كما وردت في درر الفرائد.

(٣) في الأصل زيادة : أهل.

(٤) قوله : بالكعبة ، زيادة على الأصل.

(٥) قوله : بعض ، زيادة من ب.

١٨٤

ولم يلتفت إليه ، وقتل في سكاك مكة وظاهرها وشعابها من أهل خراسان (١) والمغاربة وغيرهم خلق كثير ، وكان ممن قتل بمكة أميرها ابن محارب ، والحافظ محمد بن الحسن الهروي ، أخذته السيوف وهو متعلق بيديه جميعا في حلقة الباب حتى [سقط](٢) رأسه على عتبة الباب ، وخلق كثير من الأعيان ، وهرب قاضيها يحيى بن عبد الرحمن الزهري القرشي [بعياله إلى وادي رهجان](٣) ، وأخذ القرمطي هو وجماعته ما ينوف عما قيمته مائة ألف وخمسون ألف دينار ، ولم يقف أحد هذه السنة بعرفة ولا أدّى فيها نسكا إلا قوم قليلون غرّوا بأنفسهم [فتمموا](٤) حجّهم دون إمام وكانوا رجالا ، وأخذ أبو طاهر مال الناس وحلي الكعبة ، وهتك أستارها ، وقسم كسوتها بين أصحابه ، ونهب دور مكة ، وقلع باب الكعبة وأمر بقلع الميزاب ـ وكان من الذهب ـ فطلع رجل ليقلعه فأصيب من أبي قبيس بسهم في عجزته فسقط ميتا ، ويقال : إن الرجل وقع على رأسه فقال القرمطي : اتركوه على حاله فإنه محروس حتى يأتي صاحبه ـ يعني المهدي ـ وأراد أخذ المقام فلم يظفر به ؛ لأن سدنة البيت غيّبوه في بعض شعاب

__________________

(١) خراسان : بلاد واسعة أول حدودها مما يلي العراق أزاذوار قصبة جوين وبيهق ، وآخر حدودها مما يلي الهند طخارستان وغزنة وسجستان وكرمان ، وليس ذلك منها إنما هو أطراف حدودها ، وتشتمل على أمهات من البلاد ، منها : نيسابور ، وهراة ، ومرو ـ وهي كانت قصبتها ـ وبلخ ، وطالقان ، ونسا ، وأبيورد ، وسرخس ، وما يتخلل ذلك من المدن التي دون نهر جيحون ، ومن الناس من يدخل أعمال خوارزم فيها ويعد ما وراء النهر منها ، وليس الأمر كذلك ، وقد فتحت أكثر هذه البلاد عنوة وصلحا (معجم البلدان ٢ / ٣٥٠).

(٢) في الأصل : سقطت.

(٣) في الأصل : بجبال بوادي الهيجان. والمثبت من الإعلام (ص : ١٦٤).

ووادي رهجان : واد يصبّ في نعمان ، فيه عسل كثير (معجم البلدان ٣ / ١٠٨).

(٤) في الأصل : فتموا. والتصويب من درر الفرائد (ص : ٢٣٦).

١٨٥

مكة ، فتألّم لفقده ، فعاد عند ذلك إلى الحجر الأسود [فقلعه](١) جعفر بن أبي علاج البناء المكي بأمر القرمطي بعد صلاة العصر من يوم الاثنين لأربع عشرة ليلة خلت من ذي الحجة ، وقال عند ذلك شعرا يدل على عظم زندقته حيث يقول ضاعف الله عليه عذابه :

فلو كان هذا البيت لله ربّنا

لصبّ علينا النار من فوقنا صبّا

لأنّا حججنا حجّة جاهلية

محللة لا تبقي شرقا ولا غربا

وأنّا تركنا بين زمزم والصفا

جنائز لا تبغي سوى ربّها ربّا

وقيل : إن بعضهم ضرب الحجر الأسود بدبوس فقلعه ثم كسره ، وقلع القرمطي قبة زمزم ، وأقام هو وأصحابه في مكة أحد عشر يوما ، وقيل : ستة أيام ، وقيل : سبعة ، ثم انصرف إلى بلده هجر ، وحمل معه الحجر الأسود يريد أن يجعل الحج عنده فهلك تحته أربعون جملا ، وبقي موضع الحجر من الكعبة خاليا يضع الناس فيه أيديهم للتبرك ، وأقام الحجر عندهم بالحسا عشرين سنة يستميلون الناس إليهم فلم يميلوا فيئسوا ثم ردوه.

وذكر أبو [عبيد](٢) عبد الله البكري في كتابه المسمى بالمسالك (٣) : أن الله تعالى رمى القرمطي بعلّة في جسده.

قال السيوطي : وهو جدري ، فطال عذابه حتى تقطعت أنامله ، وأراه الله عزوجل في نفسه عبرة.

وللصلاح الصفدي قصيدة في الحجر الأسود ذكرها الشيخ عبد القادر في كتابه درر الفرائد (٤) أولها :

__________________

(١) في الأصل : وأمر. والتصويب من درر الفرائد ، الموضع السابق.

(٢) قوله : عبيد ، زيادة من درر الفرائد. وانظر : كشف الظنون (٢ / ١٦٦٤).

(٣) المسالك والممالك (ص : ٨٠).

(٤) درر الفرائد (ص : ٢٣٧).

١٨٦

إذا لاحت لنا ذات الستور

[فأهون](١) بالشّموس وبالبدور

اه.

ومما قاله الأديب إبراهيم المهتار في تشبيه الحجر الأسود :

الحجر الأسود شبّهته

خال بخدّ البيت [زاد](٢) سناه

أو أنّه بعض موالي بني العباس

بواب لباب الإله

اه خلاصة (٣).

وفي سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة : حج بالناس [عمر بن](٤) يحيى العلوي ؛ فلما كان يوم الثلاثاء وهو يوم النحر وافى سنبر بن الحسن القرمطي ومعه الحجر الأسود ، فلما صار بفناء الكعبة ومعه أمير مكة أظهر الحجر الأسود من سفط (٥) وعليه ضباب فضة قد عملت من طوله وعرضه ، تضبط شقوقا حدثت عليه بعد قلعه ، وأحضر معه جصّا يشدّ به الحجر ، فوضع سنبر الحجر بيده ، ويقال : إن الذي أعاد الحجر الأسود بيده في مكانه : حسن بن مرزوق (٦) البنّاء وشدّه الصانع بالجص. وقال سنبر لما ردّه : أخذناه بقدرة الله ورددناه بمشيئته عزوجل ، ويقال : أخذناه بأمره ورددناه بأمره. ونظر الناس إلى الحجر فتبينوه وقبّلوه واستلموه وحمدوا الله تعالى. وكانت مدة إقامته عند القرامطة [اثنتان](٧) وعشرين سنة إلا أربعة

__________________

(١) في الأصل : فأهدت. والتصويب من درر الفرائد (ص : ٢٣٧).

(٢) في الأصل : ذا.

(٣) خلاصة الأثر (١ / ٥٧).

(٤) قوله : عمر بن ، زيادة من درر الفرائد. وانظر : إتحاف الورى (٢ / ٣٩٤).

(٥) السفط : الذي يعبّأ فيه الطّيب وما أشبهه من أدوات النساء (اللسان ، مادة : سفط).

(٦) في إتحاف الورى (٢ / ٣٩٥) ، ومنائح الكرم (٢ / ١٩٢) ، والنجوم الزاهرة (٣ / ٣٠٢) : المزوق.

(٧) في الأصل : اثنان.

١٨٧

أيام. ولما أعيد الحجر الأسود إلى مكة حمل على قعود هزيل فسمن. انتهى من درر الفرائد (١).

قال السيوطي : وكان ذلك في خلافة المطيع وذلك في سنة [تسع](٢) وثلاثين وثلاثمائة ، فأمر المطيع أن يجعل له طوق فضة وزنه ثلاثة آلاف وسبعمائة وسبعة وسبعين درهما ونصف. انتهى.

وفي الفوائح المسكية والفواتح المكية للشيخ عبد الرحمن البسطامي (٣) : أن سنبر بن الحسن القرمطي لما أحضر الحجر الأسود أحضر معه حجرا آخر قريبا من لون الحجر وقال : لأدفع لهم هذا لأعلم هل جهلوه لبعد المدة أم لا؟ فأظهر سنبر أولا الحجر الذي قريبا من لون الحجر الأسود فأمر والي مكة عبد الله بن حكيم باستلامه ـ وكان من العلماء المحققين ـ فلما رآه قال : هذا ما هو حجرنا ، إن لنا في حجرنا علامة ، وهو أنه لا يحمى في النار ولا يرسب في الماء ، فأمر سنبر بإحماء الحجر الذي قريبا من لون الحجر فحمي ، ووضع في الماء فرسب ، فقال ابن حكيم : هذا ليس حجرنا. فقال سنبر : صدقت ، وأمر بمجيء الحجر الأسود ، فجيء به فألقي في النار فلم يحمى ، وألقي في الماء فطفا ، فقال ابن حكيم : هذا حجرنا فقال له : صدقت فمما أخذت هذا؟ فأورد الحديث : «الحجر الأسود يمين الله في أرضه».

وفي رواية زيادة : أن يطفو على الماء وأن لا يسخن بالنار ، فقال سنبر : هذا دين مضبوط.

وقال ابن جماعة : ومن آيات الحجر الأسود أنه أزيل عن مكانه غير

__________________

(١) درر الفرائد (ص : ٢٤٢ ـ ٢٤٣).

(٢) في الأصل : تسعة.

(٣) الفوائح المسكية (ص : ٢٧١) بنحوه.

١٨٨

مرة ، ثم ردّه الله إلى مكانه ، ووقع ذلك من جرهم ، وأباق ، والعماليق ، وخزاعة ، والقرامطة. انتهى.

وذكر الذهبي في العبر (١) : أن في سنة [ثلاث عشرة](٢) وأربعمائة تقدم بعض الباطنية من المصريين فضرب الحجر الأسود بدبوس فقتلوه في الحال. وقال محمد بن علي بن عبد الرحمن العلوي : قام فضرب الحجر الأسود ثلاث ضربات وقال الخبيث : إلى متى يعبد [هذا](٣) الحجر ، ولا محمد ولا علي [يمنعني](٤) مما أفعله ، فإني اليوم أهدم هذا البيت ، فالتقاه أكثر الحاضرين ، وكاد أن يفلت منهم ، وكان أحمر أشقر طويلا [جسيما](٥) قاتله الله ، وكان على باب المسجد عشرة فوارس [ينصرونه](٦) ، فاحتسب رجل [وواجهه](٧) بخنجر ، ثم تكاثروا عليه فهلك وأحرق ، وقتل جماعة ممن اتهم بمعاونته ، واختبط الوفد ومال الناس على الركب المصري بالنهب ، وتخشن الحجر الأسود ، وتساقط منه شظايا يسيرة ، وتشقق فظهر الكسر منه أسمر يضرب إلى صفرة محببا مثل الخشخاش ، فأقام الحجر الأسود على ذلك يومين ، ثم إن بني شيبة جمعوا [الفتات](٨) وعجنوه بالمسك واللك ، وحشوا الشقوق وطلوه بطلاء من ذلك ، فهو بيّن لمن

__________________

(١) العبر في خبر من غبر (٣ / ١١٢ ـ ١١٣) ، والكامل في التاريخ (٨ / ١٤١).

(٢) في الأصل : ثلاثة عشر.

(٣) قوله : هذا ، زيادة من العبر.

(٤) في الأصل : فيمنعني محمد. وانظر : الكامل (٨ / ١٤١).

(٥) في الأصل : خبيثا. والتصويب من العبر.

(٦) في الأصل : يبصرونه. والتصويب من العبر.

(٧) في الأصل : ووجهه.

(٨) في الأصل : الفتافت.

وفتات الشيء : ما تكسر منه (اللسان ، مادة : فتت).

١٨٩

تأمله.

وذكر ابن الأثير (١) : أن هذه الواقعة كانت في سنة أربع [عشرة](٢) وأربعمائة. انتهى.

قال الشيخ محمد بن علان المكي : أخبرني شيخ الفراشين (٣) محمود بن أبي بكر (٤) بن عبد الرحمن عن والده أنه في [عشر](٥) التسعين وتسعمائة جاء رجل أعجمي بدبّوس في يده فضرب الحجر الأسود ، وكان حاضرا الأمير ناصر جاوش ، فوجأ (٦) ذلك الأعجمي بالخنجر فقتله ، فأراد العجم المجاورون بمكة أن يقتادوا منه (٧) ، وزعموا أن ذلك العجمي شريف ، فحال بينه وبينهم القاضي حسين المالكي ومنعهم. انتهى. منائح الكرم (٨).

وتقدم أن ابن الزبير رضي‌الله‌عنه أول من ربط الركن الأسود بالفضة لما أصابه الحريق ، ثم كانت الفضة قد رثّت وتزعزعت حول الحجر الأسود ، حتى خافوا على الركن أن ينقض ، فلما حجّ أمير المؤمنين هارون الرشيد وجاور بمكة في سنة [تسع](٩) وثمانين ومائة أمر بالحجارة التي يليها

__________________

(١) الكامل (٨ / ١٤١).

(٢) في الأصل : عشر.

(٣) الفراشون : واحدتها فراش ، وهو من يتولى أمر الفراش وخدمته في المنازل ونحوها. انظر :

المعجم الوسيط (٢ / ٦٨٢).

(٤) في منائح الكرم (٣ / ٤٦٦) : الشيخ أبو بكر ، وفي نسخ أخرى من منائح الكرم : محمد أبو بكر ، وفي الغازي : محمد بن أبي بكر (١ / ٥٠٣).

(٥) في الأصل : عشرة. والتصويب من منائح الكرم (٣ / ٤٦٦) ، والغازي (١ / ٥٠٣).

(٦) وجأ فلان : أي دفعه بجمع كفه في الصدر أو العنق ، ويقال ضربه باليد والسكين. انظر : المعجم الوسيط (٢ / ١٠١٢).

(٧) يقتادوا منه : أي يقتلوه به قصاصا.

(٨) منائح الكرم (٣ / ٤٦٦).

(٩) في الأصل : تسعة.

١٩٠

الحجر الأسود فثقبت بالماس من فوقها وتحتها ، ثم أفرغ فيها الفضة إلى أن قلعه القرمطي ، ولما [أعيد](١) في خلافة المطيع لله ـ كما تقدم ـ جعل (٢) له طوقا ثم جدّد مرارا. انتهى.

قلت : ثم في سنة ألف ومائتين [وثمان](٣) وستين بعث مولانا السلطان عبد المجيد طوقا من ذهب صحبة الشريف عبد المطلب في ذي القعدة ، وذلك الطوق بحسب التخمين نحو ألف دينار ، ثم ركب بعد أن أزيلت الفضة ، ومكتوب فوقه : بسم الله الرحمن الرحيم.

وفي سنة ألف ومائتين وثمانين : تكسّر بعض الذهب من الطوق ، ولم يعلم من أخذه ، ثم حشي مكانه لك (٤) أسود.

وفي سنة ألف ومائتين واحد وثمانين أرسل السلطان عبد العزيز خان طوقا من فضة ، وكان وصوله مكة [لأربعة](٥) عشر خلت من رمضان ، وابتدؤوا في قلع الطوق الأول الذي أرسل به السلطان عبد المجيد ، وابتدؤوا تركيب الطوق الذي أرسل به السلطان عبد العزيز يوم خمسة عشر خلت من رمضان من التاريخ المذكور ، ووالي مكة حينئذ سيدنا الشريف عبد الله بن سيدنا الشريف محمد بن عون ، وشيخ الحرم الحاج وجيهي باشا.

__________________

(١) في الأصل : أعيدت.

(٢) في الأصل : وجعل. والتصويب من الغازي (١ / ٥٠٤).

(٣) في الأصل : ثمانية.

(٤) اللّك : صبغ أحمر تفرزه بعض الحشرات على بعض الأشجار في جزر الهند الشرقية ، يذاب في الكحول فيكون منه دهان للخشب (المعجم الوسيط ٢ / ٨٣٧).

(٥) في الأصل : أربعة.

١٩١

الفصل التاسع : في فضائل الحجر الأسود والركن اليماني

وما ورد بأن الدعاء مستجاب عندهما

عن عبد الله بن عمر رضي‌الله‌عنهما أنه قال عند المقام : أشهد بالله ـ يكررها ـ سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «إن الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة طمس الله نورهما ، ولو لا أن نورهما طمس لأضاءا ما بين المشرق والمغرب» (١). رواه ابن حبان في صحيحه كما في حاشية شيخنا والترمذي. أي : من نورهما.

ولعل طمس نور الحجر كان سببه ما تقدم ، فلا مخالفة.

وجاء : أنهما يقفان يوم القيامة وهما في العظم مثل أبي قبيس يشهدان لمن وافاهما بالوفاء (٢).

وعن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما : لو لا ما مسهما من أهل الشرك ما مسهما ذو عاهة إلا شفاه الله (٣).

وعن جعفر الصادق : لما خلق الله الخلق قال لبني آدم : ألست بربكم؟ قالوا : بلى ، فكتب القلم إقرارهم ، ثم ألقم ذلك الكتاب الحجر ، فهذا الاستلام إنما هو بيعة على إقرارهم الذي كانوا أقروا به ، قال : وكان أبي يقول إذا استلم الحجر : اللهم! أمانتي أدّيتها وميثاقي وفيت به ليشهد لي

__________________

(١) جامع الترمذي (٣ / ٢٢٦ ح ٨٧٨) ، وصحيح ابن حبان (٩ / ٢٤ ح ٣٧١٠).

(٢) أخرجه الأزرقي (١ / ٣٢٦) ، والفاكهي (١ / ٩٣ ح ٢٨) ، وعبد الرزاق (٥ / ٣٢ ح ٨٨٩٠).

وذكره السيوطي في الدر المنثور (١ / ٢٩١) وعزاه إلى الأزرقي والجندي. وذكره الفاسي في شفاء الغرام (١ / ٣٩٨).

(٣) أخرجه الأزرقي (١ / ٣٢٢) ، والفاكهي (١ / ٤٤٣ ح ٩٦٨).

١٩٢

عندك بالوفاء (١). انتهى.

وفي الفوائح المسكية عن الشيخ محيي الدين ابن العربي ـ قدس‌سره ـ قال : لقد أودعت شهادة التوحيد في الحجر الأسود عندما قبّلته ، فخرجت الشهادة عند تلفظي بها وأنا أنظر إليها بعيني في صورة ملك ، وانفتح الحجر الأسود مثل الطاقة حتى نظرت إلى طول قاع الحجر فرأيته نحو ذراع ، ورأيت الشهادة قد صارت مثل الكبة ، واستقرت في قاع الحجر ، وانسدّ ذلك الطاق وأنا أنظر إليه فقال لي : هذه أمانة عندي ، أرفعها لك إلى يوم القيامة ، أشهد بها عند الله تعالى. هذا قول الحجر له ، فشكر الله على ذلك. انتهى.

وذكر الحلبي أن في كلام السهيلي : أن العهد الذي أخذه الله على ذرية آدم حين مسح ظهره [أن لا يشركوا به شيئا](٢) كتبه في صكّ وألقمه الحجر الأسود ، ولذلك يقول [المستلم](٣) : اللهم إيمانا بك ووفاء بعهدك (٤).

وذكر الشيخ سعد الدين الإسفرائيني في زبدة الأعمال (٥) : عن عبد الله بن [عمرو](٦) رضي‌الله‌عنهما قال : الركن والمقام من الجنة (٧).

وعن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما أنه قال : ليس في الأرض من الجنة إلا الركن الأسود والمقام ، فإنهما جوهرتان من جواهر الجنة ، ولو لا مسهما

__________________

(١) أخرجه الفاكهي (١ / ٨٥). وذكره السيوطي في الدر المنثور (٣ / ١٤٤) وعزاه لأبي الشيخ.

(٢) ما بين المعكوفين زيادة من السيرة الحلبية (١ / ٢٥٧).

(٣) في الأصل : المسلم. والمثبت من السيرة الحلبية ، الموضع السابق.

(٤) السيرة الحلبية (١ / ٢٥٧).

(٥) زبدة الأعمال (ص : ٩٠ ـ ٩١).

(٦) في الأصل : عمر. والتصويب من الأزرقي (١ / ٣٢٢) ، وزبدة الأعمال (ص : ٩٠).

(٧) أخرجه الأزرقي (١ / ٣٢٢) ، وعبد الرزاق (٥ / ٣٨ ح ٨٩١٧) من حديث ابن عباس.

١٩٣

من أهل الشرك ما مسهما ذو عاهة إلا شفاه الله (١).

وقال عبد الله بن [عمرو](٢) : نزل الركن وهو أشد بياضا من الفضة (٣).

وعن ابن منبه أن عبد الله بن عباس رضي الله [عنهما](٤) أخبره : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لعائشة رضي‌الله‌عنها وهي تطوف معه بالكعبة حين استلم (٥) الركن الأسود : «لو لا ما طبع على هذا الحجر يا عائشة من أرجاس الجاهلية وأنجاسها إذا لاستشفي به من كل عاهة [وإذا لألفي](٦) اليوم كهيئته يوم أنزله عزوجل ، وليعيدنّه إلى ما خلقه أول مرة ، فإنه لياقوتة بيضاء من يواقيت الجنة ، ولكن الله غيّره بمعصية العاصين وستر زينته عن الظّلمة ؛ لأنه لا ينبغي لهم أن ينظروا إلى شيء كان بدؤه من الجنة» (٧).

وعن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله يبعث الحجر الأسود له عينان يبصر بهما ، ولسان ينطق به ، ويشهد لمن استلمه بحق». رواه الترمذي والدارمي وابن ماجة (٨).

__________________

(١) أخرجه الأزرقي في الموضع السابق ، و (٢ / ٢٩) ، والفاكهي (١ / ٤٤٣ ح ٩٦٨).

(٢) في الأصل : عمر. والتصويب من الأزرقي (١ / ٣٢٢) ، وزبدة الأعمال (ص : ٩١).

(٣) أخرجه الأزرقي (١ / ٣٢٢).

(٤) في الأصل : عنهم.

(٥) في الأصل : استلما. والمثبت من الأزرقي (١ / ٣٢٢) ، وزبدة الأعمال (ص : ٩١).

وانظر : الفاكهي (١ / ٩٤).

(٦) في الأصل : وإذ لأبقي. والتصويب من : الأزرقي (١ / ٣٢٣) ، والفاكهي (١ / ٩٤).

(٧) أخرجه الأزرقي (١ / ٣٢٢ ـ ٣٢٣) ، والفاكهي (١ / ٩٣ ـ ٩٤ ح ٢٩). وذكره الفاسي في شفاء الغرام (١ / ٣١٧) ، والمحب في القرى (ص : ٢٩٣).

(٨) أخرجه الترمذي (٣ / ٢٩٤ ح ٩٦١) وابن ماجه (٢ / ٩٨٢ ح ٢٩٤٤) والدارمي (٢ / ٦٣ ح ١٨٣٩) ، والأزرقي (١ / ٣٢٣).

١٩٤

وعن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما أنه قال : الركن يمين الله في أرضه يصافح به عباده ، كما يصافح أحدكم أخاه (١).

وعن أبي سعيد الخدري رضي‌الله‌عنه قال : خرجنا مع عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه إلى مكة ، فلما دخلنا الطواف قام عند الحجر الأسود وقال : والله إني لأعلم أنك حجر لا تضرّ ولا تنفع ، ولو لا أني رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبّلك ما قبّلتك ، ثم قبّله ومضى في طوافه ، فقال له عليّ رضي‌الله‌عنه : يا أمير المؤمنين هو يضرّ وينفع. قال عمر رضي‌الله‌عنه : وبماذا؟ قال : بكتاب الله عزوجل. قال عمر : وأين ذلك من كتاب الله؟ قال علي رضي‌الله‌عنه : قال الله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا) [الأعراف : ١٧٢] قال : لما خلق آدم ومسح ظهره فأخرج ذريته من صلبه فقررهم أنه الرب وهم العبيد ، ثم كتب ميثاقهم في رقّ وكان الحجر له عينان ولسان ، فقال له : افتح فاك ، فألقمه ذلك الرّق ، وجعله في هذا الموضع وقال : نشهد لمن وافاك بالموافاة يوم القيامة قال : فقال عمر رضي‌الله‌عنه : أعوذ بالله أن أعيش في قوم لست فيهم يا أبا الحسن ـ رضي‌الله‌عنهم ـ (٢).

وفي رسالة للشعراني سماها : القواعد الكشفية في الصفات الإلهية ونصه : وقد ذكر العلماء في قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ

__________________

(١) أخرجه الأزرقي (١ / ٣٢٣) ، والفاكهي (١ / ٨٩ ح ٢١) ، وعبد الرزاق (٥ / ٣٩ ح ٨٩١٩) ، والديلمي (٢ / ١٥٩ ح ٢٨٠٨) مرفوعا من حديث أنس. وذكره السيوطي في الدر المنثور (١ / ٣٢٤) وعزاه إلى الأزرقي ، والجندي.

(٢) أخرجه الأزرقي (١ / ٣٢٣ ـ ٣٢٤) ، والحاكم (١ / ٦٢٨ ح ١٦٨٢).

١٩٥

ظُهُورِهِمْ) ... إلخ [الأعراف : ١٧٢] اثنا عشر سؤالا إلى أن قال : الثاني عشر : في أي مكان أودع كتاب العهد والميثاق؟

والجواب قد جاء في الحديث : أنه [مودع](١) في باطن الحجر الأسود ، وأن للحجر الأسود عينين وفما ولسانا.

فإن قال قائل : هذا غير متصور في العقل؟

فالجواب : أن كل ما عسر على العقل تصوره يكفينا الإيمان به. كذا في حاشية الجمل على الجلالين (٢).

وعن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما قال : يبعث الله عزوجل هذا الحجر يوم القيامة له عينان يبصر بهما ولسان ينطق به يشهد لمن استلمه بالحق (٣).

وعن عكرمة قال : إن الحجر الأسود يمين الله في أرضه ، فمن لم يدرك بيعة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فمسح الركن فقد بايع الله ورسوله (٤).

وعن مجاهد رضي‌الله‌عنه أنه قال : يأتي الركن والمقام يوم القيامة كل واحد منهما مثل أبي قبيس يشهدان لمن وافاهما بالموافاة (٥).

وعن ابن عمر رضي‌الله‌عنهما أنه قال : استقبل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الحجر ، ثم وضع شفتيه عليه وبكى طويلا ، ثم التفت فإذا هو بعمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه يبكي فقال : يا عمر! هاهنا تسكب العبرات. رواه ابن ماجه (٦).

__________________

(١) في الأصل : موضوع. والتصويب من حاشية الجمل.

(٢) حاشية الجمل (٢ / ٢٠٨ ـ ٢١٠).

(٣) سبق تخريجه ص : ١٩٤.

(٤) أخرجه الأزرقي (١ / ٣٢٥) ، والفاكهي (١ / ٨٨ ح ١٧) عن عكرمة ، عن ابن عباس.

وذكره العجلوني في كشف الخفاء (١ / ٤١٧).

(٥) سبق تخريجه ص : ١٩٢.

(٦) سنن ابن ماجه (٢ / ٩٨٢ ح ٢٩٤٥).

١٩٦

وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «ما من أحد يدعو عند الركن إلا استجيب له» (١).

وعن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما قال : الركن يمين الله عزوجل يصافح به خلقه ، والذي نفس ابن عباس بيده ما من امرئ مسلم يسأل الله عزوجل عنده حاجة إلا أعطاه الله إياها (٢).

وفي رسالة الحسن البصري عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن عند الركن بابا من أبواب الجنة ، والركن الأسود من أبواب الجنة». اه.

وفي الفوائح المسكية : ما بين الركن اليماني والأسود باب من أبواب الجنة. انتهى.

وفي زبدة الأعمال (٣) : وإنه ما من أحد يدعو عند الركن الأسود إلا استجيب له ، وكذا عند الميزاب. انتهى.

وأما استلام الركن الأسود واليماني : عن عطاء وابن المسيب أن عبيد بن عمير قال لابن عمر رضي‌الله‌عنهما : أراك تزاحم الناس على هذين الركنين فقال : إني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «استلامهما يحط الخطايا» (٤).

وعن مجاهد رضي‌الله‌عنه قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يستلم الركن

__________________

(١) أخرجه الأزرقي من حديث مجاهد (١ / ٣٣٩).

(٢) أخرجه الأزرقي (١ / ٣٢٦) ، وعبد الرزاق (٥ / ٣٩ ح ٨٩١٩) ، والفاكهي (١ / ٩٣) عن علي بن عبد الله بن عباس. وذكره العجلوني في كشف الخفاء (١ / ٤١٧) وعزاه للأزرقي ، والقضاعي. وذكره الصنعاني في سبل السلام (٢ / ٢٠٦) وعزاه إلى الأزرقي.

وذكره السيوطي في الدر المنثور (١ / ٣٢٥) وعزاه إلى الأزرقي. وذكره الفاسي في شفاء الغرام (١ / ٣٢٣).

(٣) زبدة الأعمال (ص : ٩٣).

(٤) أخرجه الأزرقي (١ / ٣٣١).

١٩٧

اليماني ويضع خده عليه (١).

وعن عائشة رضي‌الله‌عنها قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما مررت بالركن اليماني إلا وجدت جبريل عليه‌السلام [عليه](٢) قائما» (٣).

وعن مجاهد : ما من إنسان يضع يده على الركن اليماني ويدعو إلا استجيب له. وبلغني : أن ما بين الركن اليماني والحجر الأسود سبعون ألف ملك لا يفارقونه ، هم هناك منذ خلق الله البيت (٤).

وعن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين رضي‌الله‌عنهم أجمعين وقد مررنا قريبا من الركن اليماني ونحن نطوف دونه فقلت : ما أبرد هذا المكان؟ فقال : قد بلغني أنه باب من أبواب الجنة (٥).

وعن مجاهد رضي‌الله‌عنه أنه كان يقول : ملك موكّل بالركن اليماني منذ خلق الله السموات والأرض يقول : آمين ، فقولوا : (رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ)(٦).

وعن سالم بن عبد الله قال : على الركن ملكان [موكلان](٧) يؤمّنان على من دعا عنده ، وإن على الحجر الأسود ما لا يحصى (٨).

وعن سفيان الثوري ، عن طارق بن عبد العزيز ، عن الشعبي رضي‌الله‌عنهم قال : لقد رأيت عجبا ، كنّا بفناء الكعبة أنا وعبد الله بن الزبير

__________________

(١) أخرجه الأزرقي (١ / ٣٣٨).

(٢) زيادة من زبدة الأعمال (ص : ٩٤).

(٣) أخرجه الأزرقي (١ / ٣٣٨).

(٤) أخرجه الأزرقي (١ / ٣٣٩).

(٥) أخرجه الأزرقي (١ / ٣٣٨).

(٦) أخرجه الأزرقي (١ / ٣٤١).

(٧) زيادة من الأزرقي (١ / ٣٤١) ، وزبدة الأعمال (ص : ٩٥).

(٨) أخرجه الأزرقي (١ / ٣٤١).

١٩٨

ومصعب بن الزبير رضي‌الله‌عنهم وعبد الملك بن مروان وعبد الله بن عمر رضي‌الله‌عنهما فقال القوم بعد أن فرغوا من حديثهم : ليقم رجل فليأخذ بالركن اليماني وليسأل الله حاجته فإن الله يعطيه من سعته ، قم يا عبد الله بن الزبير فإنك أول مولود بعد الهجرة ، فقام وأخذ بالركن اليماني فقال : اللهم إنك عظيم ، أسألك بحرمة وجهك ، وحرمة عرشك ، وحرمة نبيك محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن لا تميتني حتى توليني الحجاز ، ويستلم عليّ [الخلافة](١) ، ثم رجع وجلس ، ثم قام مصعب بن الزبير ، فقام حتى أخذ بالركن وقال : اللهم إنك ربّ كل شيء ، وإليك مصير كل شيء ، أسألك بقدرتك على كل شيء أن لا تميتني حتى توليني العراق ، وتزوجني سكينة ابنة الحسين رضي‌الله‌عنهم ، ثم رجع وجلس ، ثم قال : قم يا عبد الملك بن مروان ، فقام وأخذ الركن وقال : اللهم رب السموات السبع ورب الأرض ذات النبات بعد الفقر ، أسألك بما سألك به عبادك المطيعون لأمرك ، وأسألك بحقك على جميع خلقك ، وبحق الطائفين حول بيتك أن لا تميتني حتى توليني الخلافة ، ثم جاء وجلس ، ثم قال : قم يا عبد الله بن عمر رضي‌الله‌عنهما ، فقام حتى أخذ بالركن وقال : اللهم إنك رحمن رحيم ، أسألك برحمتك التي وسعت غضبك ، وأسألك بقدرتك على جميع خلقك أن لا تميتني من الدنيا حتى توجب لي الجنة.

قال الشعبي : فما ذهبت عيناي من الدنيا حتى رأيت كل واحد [منهم](٢) أعطاه الله ما سأل ، وبشّر عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنهما بالجنة.

__________________

(١) في الأصل : بالخلافة.

(٢) في الأصل : منهما. والتصويب من زبدة الأعمال (ص : ٩٦).

١٩٩

وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما بين الركن اليماني والحجر الأسود روضة من رياض الجنة» (١).

ويروى أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن خير البقاع وأقربها إلى الله تعالى ما بين الركن اليماني والمقام» (٢). انتهى زبدة الأعمال (٣).

الفصل العاشر : فيما يتعلق بالملتزم من الفضائل

وتقدم أنه ما بين الحجر الأسود والباب ، وتقدم ذرعه.

وفي زبدة الأعمال : عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه أنه قال : طفت مع عبد الله بن عمرو بن العاص رضي‌الله‌عنهما ، فلما جئنا دبر الكعبة قلت : ألا تتعوذ؟ فقال : نعوذ بالله من النار ، ثم مضى حتى استلم الحجر الأسود ، وقام بين الركن والباب ، فوضع صدره ووجهه وذراعيه وكفّيه وبسطهما بسطا ، ثم قال : هكذا رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يفعله. رواه أبو داود وابن ماجه (٤).

وعن مجاهد عن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما قال : الملتزم ما بين الركن والباب ، وكان يقول : ما بين الركن والباب يدعى الملتزم ، لا يلتزم ما بينهما أحد يسأل الله تعالى شيئا إلا أعطاه إياه (٥).

وعن عبد الرحمن بن صفوان قال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم [بين الركن

__________________

(١) ذكره الحسن البصري في فضائل مكة (١ / ٢٦).

(٢) أخرجه الفاكهي من حديث عائشة (١ / ٤٦٨ ح ١٠٣٢).

(٣) زبدة الأعمال (ص : ٩٤ ـ ٩٦).

(٤) أخرجه أبو داود (٢ / ١٨١ / ح ١٨٩٩) ، وابن ماجه (٢ / ٩٨٧ / ح ٢٩٦٢).

(٥) أخرج الأزرقي نحوه (١ / ٣٥٠) عن مجاهد.

٢٠٠