تحصيل المرام - ج ١-٢

الشيخ محمّد بن أحمد بن سالم بن محمّد المالكي المكّي [ الصبّاغ ]

تحصيل المرام - ج ١-٢

المؤلف:

الشيخ محمّد بن أحمد بن سالم بن محمّد المالكي المكّي [ الصبّاغ ]


المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الأسدي للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١٠٧٤

يكونوا خلف الإمام صفا واحدا ، أو يكونوا حول الكعبة صفا واحدا؟ [قال : بل يكونوا صفا واحدا حول الكعبة. قال :](١) [وتلا](٢) قوله تعالى : (وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ) [الزمر : ٧٥](٣). ذكره الأزرقي. انتهى.

وذرع ما بين كل من هذه المقامات وبين الكعبة :

أما مقام الشافعي : فبينه وبين جدار الكعبة الشرقي : تسعة وثلاثون ذراعا ونصف ، وبينه وبين الأسطوانتين المؤخرتين من سابط مقام إبراهيم تسعة أذرع ونصف.

وأما مقام الحنفي : فإن من جدار محرابه إلى وسط جدار الحجر اثنين وثلاثين ذراعا إلا سدسا (٤) ، ومن جدار محرابه إلى حاشية المطاف : عشرة أذرع ونصف بالعتبة ، وعرض العتبة نصف ذراع وقيراطان.

وأما مقام المالكي : فإن من جدار محرابه إلى وسط جدار الكعبة على الاستواء : سبعة وثلاثين ذراعا وثلثا ذراع ، ومن جدر المحراب إلى حاشية المطاف بالعتبة : عشرة أذرع وثلث.

وأما مقام الحنبلي : فإن من جدار محرابه إلى الحجر الأسود : ثمانية وعشرون ذراعا إلا [ثلثا](٥) بعتبة الحاشية ، والذرع المحرر [به](٦) هو بذراع

__________________

(١) ما بين المعكوفين زيادة من الأزرقي (٢ / ٦٦).

(٢) في الأصل : فتلا.

(٣) أخرجه الأزرقي (٢ / ٦٥ ـ ٦٦).

(٤) في الأصل : سدس. والصواب ما أثبتناه.

(٥) في الأصل : ثلث.

(٦) قوله : به ، زيادة من شفاء الغرام.

٤٠١

الحديد. انتهى. شفاء الغرام (١).

ومما أحدث : المزولة التي بصحن المسجد ، وهي من عمل الوزير الجواد ، ويقال لها : ميزان الشمس وبينه وبين الركن الشامي الذي يقال [أنه](٢) العراقي : ثلاثة وأربعون ذراعا وثمن ذراع.

ومنها : ظلة للمؤذنين في سطح المسجد تظلهم من الشمس. ذكرها الأزرقي (٣) ولا أثر لها.

قلت : وكذا المزولة لا أثر لها.

ومنها : فسقيّة (٤) من رخام بين زمزم والركن والمقام ، عملها خالد بأمر سليمان بن عبد الله ، وساق إليها ماء عذبا ضاهى بها زمزم ، ثم بطلت في سنة [اثنتين](٥) وثلاثين ومائة في زمن السفاح.

وأما صفة المقامات ومحلها ، أقول : فالشافعي يصلي الآن خلف مقام إبراهيم ، والحنفي يصلي في مقامه وهو في الجهة الشمالية خلف الحجر ، وهو [طبقتان](٦) : الأولى فيها الإمام ، والثانية فيها المكبّرون ، والمالكي يصلي في مقامه وهو من جهة الغرب ، وهو أربعة أعمدة مسقّف ، وفي صدره محراب بين عمودين ، والحنبلي مقابل الحجر الأسود ، وهو مثل مقام

__________________

(١) شفاء الغرام (١ / ٤٦٣).

(٢) في الأصل : نه.

(٣) الأزرقي (٢ / ٩٩).

(٤) الفسقيّة : بناء صغير مرتفع يملأ بالماء ، وقد تعلّق به مغاريف لسقي المسافرين ، وقد توضع بأسفله صنابير تصبّ الماء ، وعلى الطّرق قد توضع عليه قبّة صغيرة فحينئذ تسمّى جنبذة ، والجنابذ ـ غالبا ـ فساقي مقبّبة (معجم الكلمات الأعجمية والغريبة للبلادي ص : ٨٠) وتطلق أيضا على فوارة المياه أو الغرفة التي تكون تحت الأرض (التراث المعماري ص : ١٢٢).

(٥) في الأصل : اثنين.

(٦) في الأصل : طبقتين.

٤٠٢

المالكي في الصفة ، يجلسون فيه آغاوات الحرم ، أي : [الذين](١) يعتقونهم الناس ويهدونهم لخدمة المطاف. انتهى.

وقد نقل مقام الحنبلي إلى مكانه الذي هو به الآن ، وكان ابتداء العمل يوم السبت ٢٢ صفر سنة ١٣٠١ ، وحيث كان المحراب الأول يمنع [اعتدال](٢) الصف إن صلى الشافعي ، وقد قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «سوّوا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة» ، فلهذا نقل وبني على هذه الصفة ، وصار تسوية الصف ، وذلك في دولة مولانا السلطان الغازي (٣) عبد الحميد خان وأمير مكة سيدنا عون الرفيق ، وشيخ الحرم الوزير عثمان باشا ، والمهندس صادق بيه من مهندسي الآستانة. اه.

ومما أحدث في الحرم لمصلحة : مخزن مسقّف خلف سقاية العباس كان يحطّ فيه الزيت ، ثم بعد ذلك صار لحفظ الصرّ (٤) الوارد لأهالي مكة ، فوضع فيه سنين ثم ترك. أنشأه حسين باشا المعمار في حدود العشرين بعد الألف. ذكره علي بن عبد القادر الطبري.

قلت : هو الآن يوضع فيه الشماعدين التي يوقد فيها الشمع ، قدام البيت الحرام ، وهو الآن بيد أغوات الحرم.

وأما ما يقوله العوام بأنه بيت اليهودية امتنعت عن بيعه ، وأن الصلاة

__________________

(١) في الأصل : الذي.

(٢) في الأصل : اعتدل. والتصويب من الغازي (١ / ٦٨٣).

(٣) الغازي : كلمة تركية مأخوذة من اللغة العربية بمعنى : المجاهد (الشناوي ـ الدولة العثمانية ١ / ١١) وهي صفة كان يلقب بها سلاطين الدولة العثمانية ، وهذا دلالة على نشأته الجهادية.

(٤) الصرّ : هو المال الخارج من دار الخلافة لإقامة شعائر الحرمين الشريفين ولوازمهما وجيرانه أهل الأراضي الحجازية ، وكان مقداره ٣٠٠٠ دينارا في عهد بايزيد الأول ، ثم زيد عليه في عهد بايزيد الثاني حتى بلغ ١٤٠٠٠ دينارا.

٤٠٣

لا تجوز فيه ، فهو كلام باطل لا أصل له. انتهى.

إنما هذا الكلام ذكره ابن جبير (١) في القبة التي بين سقاية العباس وزمزم ، ولم يبين السبب. كذا في شفاء الغرام (٢).

ومن ذلك : المنابر التي يخطب عليها ، وأوّل من خطب على منبر بمكة : معاوية بن أبي سفيان رضي‌الله‌عنه ، وكانت الخلفاء والولاة قبل ذلك يخطبون على الأرض قياما في وجه الكعبة وفي الحجر ، والمنبر الذي خطب عليه سيدنا معاوية بعث به من الشام سنة حجّ في خلافته ، وكان منبرا صغيرا على [ثلاث](٣) درج ، وكان ذلك المنبر الذي جاء به معاوية ربما خرب فيعمر [ولا يزاد فيه](٤) ، ولا [يزال](٥) يخطب عليه حتى حجّ هارون الرشيد في خلافته ، وموسى بن عيسى عاملا له على مصر ، فأهدى له منبرا عظيما على تسع درج منقوشا ، وأخذ منبر مكة القديم وجعل في عرفة حتى [كانت](٦) خلافة الواثق بالله وأراد الحجّ فكتب ، فعمل له [ثلاثة](٧) منابر : منبر بمكة ، ومنبر بمنى ، ومنبر بعرفات. هذا ما ذكره الأزرقي (٨) من خبر المنابر.

وذكر الفاكهي ذلك وزاد : أن المنتصر بن المتوكل العباسي لما حجّ في

__________________

(١) رحلة ابن جبير (ص : ٧٦).

(٢) شفاء الغرام (١ / ٤٥٩).

(٣) في الأصل : ثلاثة.

(٤) زيادة من الغازي (١ / ٦٨٣).

(٥) في الأصل : زال.

(٦) في الأصل : كان.

(٧) في الأصل : ثلاث.

(٨) الأزرقي (٢ / ٩٩ ـ ١٠٠).

٤٠٤

خلافة أبيه جعل له [منبر عظيم](١) ، فخطب عليه بمكة ، ثم خرج وخلفه بها. انتهى (٢).

ذكر القرشي (٣) ذلك وزاد ، قال : ثم جعل بعد ذلك عدة منابر للمسجد الحرام ، منها [منبر](٤) عمله وزير المقتدر العباسي ، وكان منبرا عظيما استقام بألف دينار ، ولما وصل إلى مكة أحرق ؛ لأنه كان بعث به ليخطب عليه للخليفة المقتدر فمنعه المصريون ، وخطب [للمستنصر](٥) العبيدي صاحب مصر.

ومنها : منبر عمل في دولة الأشرف شعبان في سنة [ست](٦) وستين وسبعمائة.

ومنها : منبر بعث به الملك الظاهر برقوق صاحب مصر في سنة [سبع](٧) وتسعين [وسبعمائة](٨). هذا ما ذكره القرشي.

قلت : ولم [يبق](٩) لها أثر لوجود المنبر الذي عمله السلطان سليم خان ، وهو منبر من الرخام ، فيه [ثلاث عشرة](١٠) درجة ، وفي رأسه أربعة أعمدة صغار من الرخام ، فوقها قبة صغيرة قدر قبب المنابر من خشب ، فوق تلك القبة ألواح من فضة محلاة بالذهب ، كاسية جميع القبة لم يظهر

__________________

(١) في الأصل : منبرا عظيما. وهو لحن.

(٢) الفاكهي (٣ / ٥٨ ، ٦١ ـ ٦٢).

(٣) البحر العميق (٣ / ٢٨١).

(٤) في الأصل : منبرا ، وكذا وردت في الموضعين التاليين.

(٥) في الأصل : للمنتصر. والتصويب من البحر العميق (٣ / ٢٨١).

(٦) في الأصل : ستة.

(٧) في الأصل : سبعة.

(٨) في الأصل : وتسعمائة. والتصويب من البحر العميق (٣ / ٢٨١).

(٩) في الأصل : يبقا. والتصويب من الغازي (١ / ٦٨٥).

(١٠) في الأصل : ثلاثة عشر.

٤٠٥

من الخشب شيء ، وهو في غاية الظرافة ، وأول خطبة خطبت عليه خطبة عيد الفطر ، كما في منائح [الكرم](١) ، ومحلّه بحذاء المقام من جهة الشام. انتهى (٢).

وفي تاريخ السيد مصطفى بن سنان الشهير بجنابي ولفظه : أقول : ولما كانت سنة [خمس](٣) وستين وتسعمائة أمر الملك المجاهد سليمان بن سليم خان بإعمال المنبر الشريف الذي بالمسجد الحرام ، وأن يعمل من رخام في طرز بديع ، فلما حفروا مكان الأساس إذ ظهر رجلان ميتان مدفونان بما عليهما من السلاح ولم يفقد منهما شيء ، فاختلف الناس في أمرهما ، وأما أنا فلم أشكّ في كون أحدهما عبد الله بن عثمان ؛ لأنه استشهد مع ابن الزبير وخفي أثره ، ودفن في المسجد خوفا أن ينبشه أصحاب الحجّاج ، والآخر عبد الله بن صفوان ، ثم قال : والعلم لله. انتهى من تاريخ جنابي. ذكر هذا عند ذكر الصحابة المدفونين بمكة.

الفصل الخامس : في ذكر المصابيح التي توقد في المسجد الحرام

قد جعلوا في عمارة آل عثمان للحرم الشريف في كل قبة من قبب السقف وفي كل طاجن سلسلة ترخى يعلق فيها القناديل ، فتعلق في تلك السلاسل بحسب [أمر](٤) ولاة الأمر من كثرة وقلة ، والآن في زماننا في دولة السلطان عبد العزيز خان ومن قبله في دولة أخيه السلطان المرحوم عبد المجيد خان يعلق في جميعها برم بلّور داخلها قناديل صغار ، وزاد

__________________

(١) في الأصل : الكرام.

(٢) منائح الكرم (٣ / ٣١٢).

(٣) في الأصل : خمسة.

(٤) زيادة من الغازي (١ / ٦٩٠).

٤٠٦

السلطان المرحوم عبد المجيد خان أعمدة من حديد بين الأساطين التي برواق المسجد من جهة الصحن دائر ما يدور الحرم ، تعلق فيها المصابيح ، بين كل عمودين خمسة قناديل ، توقد في رمضان إلى عشرين من ذي الحجة ، وكذلك توقد في دولة أخيه ، وهي باقية إلى الآن جزاهم الله خيرا ، وذلك في سنة ألف ومائتين [وأربع](١) وسبعين وجملتها ستمائة برمة ، كل برمة داخلها [قنديل](٢).

وأما [التي](٣) في الأروقة فجملتها ثلاثمائة وأربعة وثمانون ، وأما التي حول المطاف فجملتها مائتان وثمانية وثلاثون ، وهذا ما عدا التي في المقامات وعلى أبواب المسجد وخارج أبوابه وعلى المنابر في أشهر الحج ورمضان. انظر إلى هذه الدولة الكريمة وحبّهم لتعظيم شعائر الله ، أيّد الله بهم الإسلام. انتهى.

الفصل السادس : في تجديد سلاطين آل عثمان بعد السلطان مراد كما تقدم

ففي سنة ألف واثنتين وسبعين ورد أمر من الدولة العلية إلى سليمان ، شيخ الحرم أن يعمّر ما يحتاج إليه الحرم ، فشرع في عمارة ترميم المسجد الحرام ، وبنى مقام الحنفي [بالحجر المنحوت الصوان ، وبالأصفر المائي](٤)

__________________

(١) في الأصل : أربعة.

(٢) في الأصل : قنديلا.

(٣) في الأصل : الذي ، وكذا وردت في الموضعين التاليين.

(٤) في الأصل : بالحجر المنحوت الأصفر والصوان. والتصويب من منائح الكرم (٤ / ٢٢٥ ـ ٢٢٦).

والأصفر المائي : حجارة الماء من الحجارة الحمر الوجوه ، التي يسن عليها آلات الحديد من السيوف والسكاكين وغيرها ، وهو معروف عند أهل مكة ، يؤتى به من جهة الحديبية أحمر وأصفر منحوتا ، وهو حجر يزداد صلابة بوضعه في الماء (انظر : إتحاف الورى ٤ / ٦٧).

٤٠٧

ـ وهي هذه الموجودة في زماننا ـ ، وغير قبة زمزم وبناها على الصفة الموجودة في زماننا ، ونقش مقام إبراهيم بالذهب ، ونقش المقامات كذلك ، وجعل أعلاها مصفحا بالرصاص وكانت قبل ذلك طبطابا (١) ، وجعل في مقام الحنفي رصافتين مطليتين بالذهب ، وباقي المقامات رصافة واحدة ، والرصافة الهلال ، وكتب ذلك في حجر رخام بالنقر ، وألصق في مقام الحنفي وذلك في دولة السلطان محمد خان رحمه‌الله. انتهى. منائح [الكرم](٢).

ومن ذلك : تعمير حاشية المطاف من خارج ، [وكانت](٣) من بعد أساطين المطاف [الشريف دائرة حول المطاف](٤) مفروشة بالحصباء ، يدور بها دور حجارة مبنية منحوتة حول الحاشية كالإفريز لها ، فأمر الوزير سنان باشا بفرش هذه الحاشية بالحجر الصوان المنحوت ، ففرشت في أيام الموسم [وصار محلا لطيفا دائرا بالمطاف من بعد أساطين المطاف](٥) ، وصار ما بعد ذلك مفروشا بالحصباء الصغار كسائر المسجد ، كل ذلك في زمن السلطان سليم خان رحمه‌الله. ذكره القطبي (٦).

وفي سنة ألف ومائة وأربعين فرش الحرم الشريف بالحجارة المنحوتة ، وأزيل ما كان فيه من الطبطاب جميعه على يد باكير باشه في دولة السلطان أحمد ، وكان ابتداء العمل أول يوم من صفر.

__________________

(١) الطبطاب : الأخشاب العريضة (لسان العرب ، مادة : طبب).

(٢) في الأصل : الكرام. وانظر الخبر في : منائح الكرم (٤ / ٢٢٥ ـ ٢٢٧).

(٣) في الأصل : وكان. والتصويب من الإعلام (ص : ٣٦٨).

(٤) ما بين المعكوفين زيادة من الإعلام ، الموضع السابق.

(٥) ما بين المعكوفين زيادة من الإعلام ، الموضع السابق.

(٦) الإعلام (ص : ٣٦٨).

٤٠٨

وفي ألف ثلاثة وسبعين عمّرت المقامات الأربع ، [وطليت](١) قباب المسجد بالنورة باطنا وظاهرا ، ورخمت جميع المشاعر ؛ عرفات ، ومسجد إبراهيم ، وقبة جبل الرحمة (٢) ، والمشعر بمزدلفة ، ومسجد الخيف بمنى ، وحدود الحرم ، وأعلا الجمرات. انتهى من الدرر.

قلت : وفي سنة ألف ومائتين سبعة وخمسين أو [التي](٣) بعدها حصل ميل لعمودين بين باب البغلة وباب الصفا مما يلي صحن المسجد ، فكتب في ذلك إلى الأبواب ، وكان (٤) إذ ذاك مولانا السلطان عبد المجيد خان ، فبرز الأمر بإصلاحها وإصلاح ما كان في المسجد الحرام ، فأصلحت بعد هدم القبب والعقود التي فوقها ثم أعيدت كما كانت ، وكان ابتداء [هذه](٥) العمارة في ربيع الأول من التاريخ المذكور ، وكذلك أصلحوا عمودا وما فوقه من الرواق الذي وراء مقام الحنفي ، وأصلحوا المماشي وزيد في ممشة باب الصفا وأحدثت ممشة باب علي ، وبيّضوا جميع الحرم ، وما زاد من الحجر في هذه العمارة جعلوه دكة عند باب الزيادة وطبطبوا ظاهرها ، كل ذلك في زمن والي مكة سيدنا الشريف محمد بن عون وشيخ الحرم عثمان باشا.

__________________

(١) في الأصل : وطلي.

(٢) جبل الرحمة : هو جبل عرفات. وهو جبل منقطع عن الجبال قائم في وسط البسيط ، وكن صعب المرتقى ، فأحدث فيه جمال الدين ـ وزير صاحب الموصل ـ أدراجا وطيئة من أربع جهات ، يصعد فيها بالدواب وأنفق فيها مالا عظيما (معجم معالم الحجاز ٤ / ٤٣).

(٣) في الأصل : الذي ، وكذا وردت في الموضع التالي.

(٤) في الأصل زيادة : ذلك. وانظر : الغازي (١ / ٦٧٣).

(٥) في الأصل : هذ. وانظر : الغازي (١ / ٦٧٣).

٤٠٩

وفي سنة [اثنتين](١) وستين أو [التي](٢) بعدها بيضوا الحرم وأصلح طبطابه ، ونقشوا عقوده ، [ونقشوا](٣) المقامات والمنبر ومسحوا هلالاتها ، وجعل رفرف على باب السلام من خارج منقش ، وذلك في زمن والي مكة سيدنا الشريف محمد بن عون وشيخ الحرم شريف باشا.

وفي سنة [ست وستين ومائتين وألف](٤) فرشت رحبة باب السلام من خارج الباب بالرخام الأبيض ، وكانت قبل ذلك سقاية يباع فيها الماء ، وربما بعض الناس كشف عورته واستنجى مواجه البيت الشريف ، وكانوا يوسخون الحرم ، فأزيل ذلك في زمن والي مكة سيدنا الشريف محمد بن عون وشيخ الحرم حسيب باشا جزاهم الله خيرا ، كل ذلك في أيام السلطان عبد المجيد خان. انتهى.

ومن خيرات مولانا السلطان عبد العزيز خان في سنة [تسع وسبعين ومائتين وألف](٥) ورد الأمر بترميم المسجد الحرام ؛ لأن أرض أروقته ومماشيه وحاشية المطاف ـ أي : التي خارج الأعمدة النحاس التي يوقد فيها المصابيح ـ قد تحفرت بسبب السيل الذي دخل الحرم في شهر جماد الأول لثمان خلت منه سنة ألف ومائتين [وثمان](٦) وسبعين ، وكان دخوله قبل صلاة الصبح ، ووصل ذلك السيل إلى قفل باب الكعبة المشرفة ، وغطى مقام المالكي ، وملئ بئر زمزم حتى أنه خرج من بيبان الحرم الشريف ،

__________________

(١) في الأصل : اثنين.

(٢) في الأصل : الذي.

(٣) في الأصل : ونقش.

(٤) في الأصل : ستة وستين وألف ومائتين.

(٥) في الأصل : تسعة وسبعين وألف ومائتين.

(٦) في الأصل : ثمانية.

٤١٠

وتعطلت صلاة الجماعة خمسة أوقات ، ولم يصلّ في الحرم في ذلك اليوم أحد إلا أناس صلّوا صلاة العصر على دكة باب الزيادة ، وطاف بعض الناس [سباحة](١) في ذلك اليوم ، وانحبس الشيخ عبد الرحمن الريس فوق قبة زمزم ذلك اليوم ، وغرقت ناس كثيرة في الحرم ؛ لأن السيل دخل الحرم دفعة واحدة ، وكذلك غرقت ناس كثيرة خارج الحرم ، وحصر الذين ماتوا في السيل فكانوا فوق العشرين ، وجرّ بعض البيوت التي على طريقه ، فبعد ذلك ورد الأمر من الدولة العلية وكان إذ ذاك مولانا السلطان عبد العزيز خان بإصلاح الحرم الشريف ، والنظر في ذلك لحضرة مولانا وسيدنا حامي حماية بلد الله الحرام ومدينة جدة سيد الأنام حضرة الشريف عبد الله بن المرحوم سيدنا الشريف محمد بن عون وإلى شيخ الحرم الحاج أحمد عزت باشا ، فعند وصول الأمر شرعوا في تعميره ، فأخرج جميع ما في الرواقات من الطبطاب القديم ، وكذا المماشي وحاشية المطاف ، وعوضوا ذلك بطبطاب جديد ، ولم يعمر مثل هذه العمارة منذ بني الحرم ، وإنما كانوا [قبل ذلك](٢) يصلحون ما تقلع من الطبطاب وفي أقل مدة يتقلع.

وأما هذه العمارة فأتقنوها غاية الإتقان جزاهم الله خيرا ، وكان ابتداء الشروع في العمل في ثمانية وعشرين من جماد الآخر سنة ألف ومائتين [وتسع](٣) وسبعين ، وأتموا العمل [في](٤) غاية ذي الحجة من التاريخ. انتهى.

__________________

(١) في الأصل : سباحا.

(٢) قوله : قبل ذلك ، زيادة من ب.

(٣) في الأصل : تسعة.

(٤) زيادة من الغازي (١ / ٦٧٥).

٤١١

وفي هذا السيل غرقت الكتب التي في سقاية العباس ، وهي قبة عالية كانت قبل وضع الكتب فيها محل الشماعدين والفرش حق الحرم ، وقد شاهدت فيها بركة ودبلا (١) متصلا بزمزم والكتب التي غرقت وقف مولانا المرحوم السلطان عبد المجيد خان ، ثم اصلحت وعمرت القبة بالكتب كما كانت. انتهى.

وسبب دخول الماء إلى القبة التي بها الكتب أن شبابيكها قريبة من الأرض وكذا بابها ، فلأجل هذا دخل الماء ، وقد كان أمر مولانا المرحوم السلطان عبد المجيدخان ببناء مدرسته بجانب تكية محمد علي باشا والي مصر رحمه‌الله ، وقبة لأجل الكتب ، فجاء هذا السيل قبل تمام القبة ، وكذا توفي السلطان عبد المجيد خان ولم تكمل ، وهي إلى الآن على حالها ، جزى الله خيرا من كان السبب في إكمالها ؛ لأنها منفعة عامة.

وفي هذا السيل عثر مولانا الشريف عبد الله بعين ماء كشف عنها السيل أسفل مكة تصب في بركة ماجد ، فأخذ ـ أي : أمر ـ في تبريح دبلها وتبعه بالحفر ، فأخذوا في الحفر ، فمال بهم الدبل من البركة هكذا إلى قدام مولد سيدنا حمزة ، ثم إلى مجرى السيل من جهة جبل عمر ، ثم مال بهم إلى الهجلة إلى السوق الصغير ، ثم دخل من تحت باب إبراهيم حتى خرج بهم من تحت منارة باب علي ، ثم أخذ على القشاشية فوجدوا خرزة قدام بيت اليماني بجانب البئر من جهة سوق الليل ، وأدركهم الحج وبطل العمل.

ومن خيرات السلطان عبد العزيز خان : تجديد [سقوف](٢) المقامات ؛ لأنها خربت حتى تكسر بعض خشب مقام الحنبلي وسند بالخشب ، وكان

__________________

(١) في الأصل : ودبل.

(٢) في الأصل : صفوف. والتصويب من الغازي (١ / ٦٨١).

٤١٢

الشروع في تجديد سقوف المقامات يوم الأربعاء لعشر مضين من ذي القعدة الحرام سنة ألف ومائتين وثمانين. وأول ما ابتدأ بمقام الحنبلي ، ثم المالكي ثم مقام إبراهيم ، وزادوا في ارتفاع قبة مقام إبراهيم [نحوا](١) من ذراع ونصف ؛ لأنه قبل هذه العمارة كان السقف على قدر الشبابيك [التي](٢) بين الأعمدة ، فزادوا فوق الأعمدة قطعة من خشب وركبوا عليها السقف ، وفيها مصلحة ؛ لأنه قبل هذه العمارة كان بعض الطائفين إذا طافه ـ وكان طويلا ـ ربما اندقّ رأسه في القناديل المعلقة في [رفرف](٣) المقام ، فزادوا في ارتفاع [الرفرف](٤) إلا أنه ربما ثقل على الأعمدة فيحصل الخراب عاجلا ، لكن هم أعلم بصنعتهم. انتهى.

ومن خيراته : تجديد مقام الحنفي ، وكان قبل هذه العمارة مبني بالحجر الصوان والشميسي ، فبدلوا الصوان برخام ، وأعادوا الأصفر على ما كان ، وكان من جهة المغرب عمودا في الوسط وقوسين ، فرفعوا العمود وجعلوه قوسا واحدا ، وكذا من جهة المشرق ، وفرغوا من عمارته في ذي الحجة سنة ألف ومائتين [واثنتين](٥) وثمانين ، والحرم الشريف أربعة أروقة مربع ، وفي وسطه الكعبة المشرفة ، وهذه صفته كما تراه من بعد هذه الصفحة إن شاء الله تعالى. انتهى.

__________________

(١) في الأصل : نحو.

(٢) في الأصل : الذي.

(٣) في الأصل : رفوف. والمثبت من الغازي (١ / ٦٨٢).

(٤) في الأصل : الرفوف. والمثبت من الغازي ، الموضع السابق.

(٥) في الأصل : اثنين.

٤١٣

الفصل السابع : في فضل المسجد الحرام وفضل الصلاة فيه

اعلم أن مسجد مكة أفضل من مسجد المدينة ، ومسجد المدينة أفضل من مسجد الأقصى ، والمسجد الأقصى أفضل من مسجد الجماعة. وحيث أطلق المسجدان فالمراد [منهما](١) مسجد مكة والمدينة. كذا ذكره المرجاني (٢). حكاه القرشي (٣).

وفي الصحيحين (٤) : «لا تشد الرّحال إلا لثلاثة : المسجد الحرام ، ومسجدي هذا ، والمسجد الأقصى».

قال النووي (٥) : واختلف العلماء في شد الرّحال وإعمال المطايا إلى غير المساجد الثلاثة ، كالذهاب إلى قبور الصالحين وإلى المواضع الفاضلة ونحو ذلك ، فقال الشيخ أبو محمد الجويني : لا يجوز ، وأنه حرام ، والصحيح عند أصحاب الشافعي وهو الذي اختاره إمام الحرمين والمحققون : أنه لا يحرم ولا يكره. قال : والمراد أن الفضيلة الثابتة إنما هو في شدّ الرّحال إلى هذه الثلاثة خاصة. انتهى.

وعن ابن الزبير رضي‌الله‌عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام ، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجدي هذا».

__________________

(١) في الأصل : منهم. والتصويب من البحر العميق (١ / ١٨).

(٢) بهجة النفوس (١ / ١٨٤).

(٣) البحر العميق (١ / ١٨).

(٤) أخرجه البخاري (١ / ٣٩٨) ، ومسلم (٢ / ١٠١٤).

(٥) شرح النووي على صحيح مسلم (٩ / ١٠٦).

٤١٤

رواه أحمد بإسناد على رسم الصحيح ، وابن حبان في صحيحه (١) ، وصححه ابن عبد البر وقال : إنه الحجة عند التنازع نص في موضع الخلاف قاطع له عند من ألهم رشده ولم تميل به عصبية ، وقال : إن مضاعفة الصلاة بالمسجد الحرام على مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمائة صلاة ، وقال : إنه مذهب عامة أهل الأثر.

وروى الطحاوي (٢) حديث ابن الزبير هذا موقوفا عليه ، ومن رفعه أحفظ وأثبت من جهة النقل كما قال ابن عبد البر.

واختلفوا في المراد بالمسجد الحرام على أربعة أقوال :

الأول : إنه الحرم ، [وحدّه شيخنا](٣) من جهة المدينة أربعة أميال ، والمبدأ من الكعبة والانتهاء مسجد عائشة ، ومن جهة العراق ثمانية أميال للمقطع ، ومن جهة عرفة تسعة أميال إلى حد عرفة ، ومن جهة الجعرانة (٤) تسعة أميال إلى شعب عبد الله بن خالد ، ومن جهة جدة عشرة أميال إلى آخر الحديبية ، فهي داخلة بخلاف الغايات السابقة ، ومن جهة اليمن سبعة أميال ـ بتقديم السين ـ إلى أضاة. انتهى من توضيح المناسك.

وسيأتي حدود الحرم بأوضح من هذا وذرعه وتحرير ذلك (٥).

وعن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما قال : الحرم كله هو المسجد الحرام.

أخرجه سعيد بن منصور.

__________________

(١) أخرجه أحمد (٤ / ٥) ، وابن حبان (٤ / ٤٩٩).

(٢) الطحاوي في شرح معاني الآثار (٣ / ١٢٧).

(٣) في الأصل : شيخنا وحده.

(٤) الجعرانة : الأصل بئر تقع شمال شرقي مكة في صدر وادي سرف ، الذي يسمى بها هناك ، ثم اتخذت عمرة إقتداء باعتمار الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم منها بعد غزوة الطائف ، فيها اليوم مسجد كبير وبستان صغير ، يشرف عليها من الشمال الشرقي جبل أظلم ، ويربطها بمكة طريق معبدة تمتد إلى وادي الزبارة (معجم معالم الحجاز ٢ / ١٤٨).

(٥) ص : ٤٣٧.

٤١٥

ويتأيد بقوله تعالى : (وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) [الحج : ٢٥] ، وقوله تعالى : (وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) [الفتح : ٢٥] ، وكان المشركون صدّوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه عن الحرم عام الحديبية ، فنزل خارجا عنه.

وقيل لعطاء : هذا الفضل الذي يذكر في المسجد الحرام وحده أو في الحرم ، قال : بل في الحرم كله.

والثاني : مسجد الجماعة : وهذا الذي يحرم على الجنب المكث فيه ، واختاره ابن جماعة ، والظاهر من كلام الأصحاب فإنهم قالوا : التفضيل مختص بالفرائض ، وأن النوافل في البيوت أفضل من المسجد ، فجعلوا حكم البيوت غير حكم المسجد ، ويتأيد بما تقدم من قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام» ، والمراد بمسجده : مسجد الجماعة ، فينبغي أن يكون المستثنى كذلك.

والثالث : إنه مكة ، ويتأيد بقوله تعالى : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) [الإسراء : ١] ، وكان ذلك من بيت أم هانئ على بعض الروايات.

ونقل الزمخشري في الكشاف (١) في تفسير قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ) [الحج : ٢٥] عن أصحاب أبي حنيفة : أن المراد بالمسجد الحرام : مكة. قال : واستدلّوا به على امتناع بيع

__________________

(١) الكشاف (٣ / ٢٩).

٤١٦

دور مكة وإجارتها.

وحكى قوم في شرح [مسألة](١) بيع دور مكة عن الطحاوي (٢) : أن المراد بالمسجد الحرام في قوله تعالى : (وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ ...) الآية هو المسجد الحرام لا جميع أرض مكة.

الرابع : إنه الكعبة. قال القاضي عز الدين بن جماعة : وهو أبعدها ، ويتأيّد هذا القول بحديث أبي هريرة رضي‌الله‌عنه : «صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا الكعبة» (٣). أخرجه النسائي.

وفي السراج الوهاج شرح القدوري : أن الصلاة في الكعبة بمائة ألف صلاة. كذا ذكره في أول باب الصلاة في الكعبة.

قال الشيخ محب الدين الطبري (٤) : والقائل بهذا يقول : لو نذر الاعتكاف في المسجد الحرام لزمه أن يكون في البيت وفي الحجر. ذكره القرشي (٥).

وعلى القول بأن المسجد الحرام مسجد الجماعة ، فالمضاعفة غير مختصة بالمسجد الذي في زمنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكذا مسجد المدينة ، وهو اختيار جماعة من العلماء ، منهم الشيخ محب الدين الطبري ، وهو قول الحنابلة.

وسئل المقرئ الشيخ خليل [المالكي](٦) عن حدود الحرم ـ يعني المسجد

__________________

(١) في الأصل : مسلم. والتصويب من البحر العميق (١ / ١٩).

(٢) شرح معاني الآثار (٤ / ٥١).

(٣) أخرجه النسائي (٥ / ٢١٤).

(٤) القرى (ص : ٦٥٧).

(٥) البحر العميق (١ / ١٨ ـ ١٩).

(٦) في الأصل : المالقي.

٤١٧

في زمنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، فأجاب بأنه على قدر المطاف. فقلت له : ولم تصل خارجا عنه وأنت تعلم ما في إلحاق الزيادة في الفضيلة بالأصل من الخلاف؟ قال : مذهب ابن عباس : الحرم كله مسجد. اه كفاية المحتاج لأحمد بابا.

ويروى عن أبي هريرة رضي‌الله‌عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لو بني هذا المسجد إلى صنعاء كان مسجدا».

وقال عمر رضي‌الله‌عنه : لو زدنا فيه حتى بلغ الجابية (١) كان مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وعن أبي هريرة قال : إنا لنجد في كتاب الله حد المسجد الحرام من الحزورة إلى المسعى (٢).

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : أساس المسجد الحرام الذي وضعه إبراهيم عليه الصلاة والسلام من المسعى إلى الحزورة إلى مخرج [سيل](٣) أجياد (٤). انتهى.

والمهدي وضع المسجد على المسعى. ذكره الأزرقي ، حكاه القرشي (٥). ومذهب مالك رضي‌الله‌عنه : أن الصلاة في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أفضل من الصلاة في المسجد الحرام.

__________________

(١) الجابية : قرية من أعمال دمشق ثم من عمل الجيدور من ناحية الجولان ، قرب مرج الصفر في شمالي حوران (معجم البلدان ٢ / ٩١).

(٢) أخرجه الأزرقي (٢ / ٦٢) ، والفاكهي (٢ / ٨٧ ح ١١٧٩). وذكره السيوطي في الدر المنثور (١ / ٥٢٢) ، وعزاه إلى الأزرقي. وذكره الفاسي في شفاء الغرام (١ / ٤٣٨).

(٣) في الأصل : السيل.

(٤) أخرجه الأزرقي (٢ / ٦٢) ، وأخرجه الفاكهي (٢ / ٨٦ ح ١١٧٨). وذكره السيوطي في الدر المنثور (١ / ٥٢٢) ، وعزاه إلى الأزرقي. وذكره الفاسي في شفاء الغرام (١ / ٤٣٨).

(٥) الأزرقي (٢ / ٦٢) ، والبحر العميق (١ / ١٩).

٤١٨

وعند غيره : أن الصلاة في المسجد الحرام أفضل من [الصلاة](١) في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كما تقدم من حديث ابن الزبير رضي‌الله‌عنه.

وذكر الطحاوي في شرح الآثار (٢) : أن الرجل يوجب على نفسه أن يصلي في مكان فيصلي في غيره.

واعلم أن التفضيل هذا مختص بالفرائض ، وصلاة النوافل في البيوت أفضل من المسجد ، لحديث عبد الله بن سعد : لأن أصلي في بيتي أحب إليّ من أن أصلي في المسجد (٣). وحديث ابن ثابت : خير الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة (٤).

فإن قيل : قد جاء عن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما : أن حسنات الحرم كل حسنة بمائة ألف حسنة ، وهذا يدل على أن المراد بالمسجد الحرام في فضل تضعيف الصلاة في الحرم جميعه ؛ لأنه عمم التضعيف في جميع الحرم. أجاب عنه الشيخ محب الدين الطبري (٥) بأنا نقول : بموجب حديث ابن عباس : أن حسنة الحرم مطلقا بمائة ألف ، لكن المسجد مخصوص بتضعيف ذلك على ذلك ، والصلاة في مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بألف صلاة ، كل صلاة بعشر حسنات ، كما جاء عن الله عزوجل ، فتكون بعشرة آلاف حسنة ، والصلاة في المسجد الحرام بمائة [صلاة في مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقد بيّنا أنها في مسجده بعشرة آلاف ، فتكون الصلاة في المسجد الحرام بألف ألف

__________________

(١) في الأصل : الصلوات. والتصويب من البحر العميق (١ / ١٩).

(٢) شرح معاني الآثار (٣ / ١٢٥).

(٣) أخرجه ابن ماجه (١ / ٤٣٩ ح ١٣٧٨) ، والبيهقي (٢ / ٤١١) ، وابن خزيمة (٢ / ٢١٠) ، والمقدسي في الأحاديث المختارة (٩ / ٤٠٩).

(٤) أخرجه البخاري (١ / ٢٥٦ ح ٦٩٨) ، ومسلم (١ / ٥٣٩ ح ٧٨١).

(٥) القرى (ص : ٦٥٨ ـ ٦٥٩).

٤١٩

حسنة.

فعلى هذا تكون حسنة الحرم بمائة](١) ألف حسنة ، وحسنة الحرم المكي ـ إما مسجد الجماعة وإما الكعبة على اختلاف القولين ـ بألف ألف ، ويقاس بعض الحسنات على بعض ، ويكون ذلك [مخصوصا](٢) بالصلاة [لخاصة](٣) فيها. انتهى والله أعلم. ذكره القرشي (٤).

وفي حاشية شيخنا على توضيح المناسك ولفظه : اعلم أن العلماء صرحوا بأن هذه المضاعفة فيما يرجع إلى الثواب ، فثواب صلاة فيه يزيد على مائة ألف صلاة فيما سواه ، ولا يعتد بذلك إلى الإجزاء عن الفوائت ، حتى لو كان عليه صلاتان فصلى في مسجد المدينة أو المسجد الحرام أو المسجد الأقصى صلاة لم تجزئه عنهما ، وهذا لا خلاف فيه بين العلماء ، خلافا لما يغترّ به بعض الجهّال. ذهب الطحاوي من الحنفية إلى هذا التفضيل إنما هو في صلاة الفرض ، وذهب مطرف ابن أخت الإمام مالك إلى أن مضاعفة ثواب الصلاة في النافلة أيضا. انتهى من حاشية شيخنا ، وعزا هذه العبارة للخفاجي وملا علي قارئ على الشفا.

قال أبو بكر النقاش : فحسبت ذلك فبلغت صلاة واحدة في المسجد الحرام عمر خمسة وخمسين سنة وستة أشهر وعشرة ليالي ، وصلاة يوم وليلة في المسجد الحرام ـ وهي خمس صلوات ـ عمر [مائتي](٥) سنة [وسبع](٦)

__________________

(١) ما بين المعكوفين زيادة من البحر العميق (١ / ١٩).

(٢) في الأصل : مخصوص. والتصويب من البحر العميق (١ / ١٩).

(٣) في الأصل : لحاجة. والتصويب من البحر العميق ، الموضع السابق.

(٤) البحر العميق (١ / ١٩).

(٥) في الأصل : مائتين.

(٦) في الأصل : وسبعة.

٤٢٠