تحصيل المرام - ج ١-٢

الشيخ محمّد بن أحمد بن سالم بن محمّد المالكي المكّي [ الصبّاغ ]

تحصيل المرام - ج ١-٢

المؤلف:

الشيخ محمّد بن أحمد بن سالم بن محمّد المالكي المكّي [ الصبّاغ ]


المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الأسدي للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١٠٧٤

وعشرون ذراعا وثمن ذراع ، وعرض هذا الجدار من الركن اليماني [إلى الركن](١) الذي فيه الحجر الأسود ثمانية عشر ذراعا [وسدس ذراع](٢).

وذرع سطحها من وسط جدرها الشرقي إلى وسط جدرها الغربي أربعة عشر ذراعا وربع وثمن ذراع ، ومن وسط جدرها الشامي إلى وسط جدرها اليماني ثمانية عشر ذراعا إلا ثمن ، [وارتفاع الشاخص في الجهة الشرقية ذراع إلا ثمن ، وعرضه ذراعان إلا سدس](٣) ، وارتفاع الشاخص في الجهة الثانية ذراع وثمن ، وعرضه ذراعان إلا ثمن ، وارتفاع الشاخص في الجهة الغربية ذراع ، وعرضه ذراع ونصف وثمن ، وارتفاع الشاخص في الجهة اليمانية ثلثا ذراع ، وعرضه ذراع ونصف وقيراط. كل ذلك بذراع القماش المصري المستعمل في زمننا. انتهى ما ذكره الفاسي في شفاء الغرام (٤) ، ومنه نقلت.

الفصل الثاني : في ذكر باب الكعبة وأول من جعل لها بابا

قيل : أول من جعل لها بابا أنوش بن شيث بن آدم على القول أنها كانت مبنية بالحجر في زمن شيث ، وقيل : تبّع الثالث الذي كساها ونحر لها ، وقيل : جرهم [بوّبته](٥). والله أعلم. اه درر الفرائد (٦).

وذكر القرشي : أن باب الكعبة كان قبل بناء ابن الزبير رضي‌الله‌عنه

__________________

(١) قوله : إلى الركن ، زيادة من شفاء الغرام (١ / ٢١٥).

(٢) قوله : وسدس ذراع ، زيادة من المرجع السابق.

(٣) ما بين المعكوفين زيادة من شفاء الغرام (١ / ٢١٥).

(٤) شفاء الغرام (١ / ٢١٤ ـ ٢١٥).

(٥) زيادة من درر الفرائد (ص : ٢٨) ، وانظر : الغازي (١ / ٤٠٤).

(٦) درر الفرائد (ص : ٢٨).

١٤١

[مصراعا واحدا ، فجعل لها ابن الزبير](١) مصراعين طوله أحد عشر ذراعا من الأرض إلى منتهى أعلاه (٢).

قال ابن جريج : وكان الباب الذي عمله ابن الزبير أحد عشر ذراعا ، فلما كان الحجّاج نقص أربع أذرع وشبرا ، وعمل لها بابا طوله ستة أذرع [وشبر](٣). اه.

وبابا عمله الخليفة المقتفي العباسي سنة خمسمائة وإحدى وخمسين عمله مصفحا بالذهب والفضة ، وقلع الباب العتيق وعمل لنفسه منه تابوتا يدفن فيه. ذكره أبو الفدا (٤). اه.

وبابا عمله المظفر صاحب اليمن ، وكان عليه صفائح الفضة زنتها ستون رطلا (٥).

وبابا عمله الناصر [محمد بن](٦) قلاوون صاحب مصر من السنط الأحمر (٧) وحلّاه بخمس وثلاثين ألف درهم ، وركبه في الكعبة ثاني عشر ذي الحجة سنة [ثلاث](٨) وثلاثين وسبعمائة ، وقد قلع هذا الباب في سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة بأمر السلطان سليمان وعمل غيره وحلاه بحلية

__________________

(١) زيادة من الأزرقي (١ / ٢٠٩).

(٢) الأزرقي (١ / ٢٠٩).

(٣) الأزرقي (١ / ٢١١). وفي الأصل : وشبرا ، والتصويب من الأزرقي.

(٤) المختصر في أخبار البشر (٣ / ٣٣).

(٥) الرطل : معيار يوزن به أو يكال ، يختلف باختلاف البلاد ، والرطل يساوي أساسا ١٢ أوقية ، ويساوي كذلك ١ / ١٠٠ من القنطار (المعجم الوسيط ١ / ٣٥٢ ، والمكاييل والموازين ص : ٣٠).

(٦) في الأصل : بن محمد. والصواب ما أثبتناه. (انظر : كشف الظنون ٢ / ١١١٦).

(٧) السنط : هو شجر السّلم المعروف في الجزيرة العربية ، وتسمية السنط قبطية (معجم الكلمات الأعجمية والغريبة ص : ٦٢).

(٨) في الأصل : ثلاثة ، وكذا وردت في الموضع التالي.

١٤٢

كثيرة. انتهى من الإعلام لأهل بلد الله الحرام (١) ، والبحر العميق.

وبابا عمله السلطان مراد سنة ألف [وأربعة وأربعين](٢) ، ثم قلعوا الباب القديم وركبوا عوضه بابا من خشب لم يكن عليه حلية وإنما عليه ثوب من قطن أبيض.

وفي يوم الثلاثاء تاسع عشر الشهر وزنت الفضة [التي](٣) كانت على الباب المقلوع فكان مجموع ذلك مائة وأربعة وأربعين رطلا ، ثم شرع في تهيئة باب جديد ، فشرع فيه وأتّمه وركب عليه حلية الباب السابق ، وكتب عليه اسم السلطان مراد ، ثم جيء به محمولا على أعناق الفعلة ، فمشى الناس أمامه إلى أن وصلوا الحطيم ، وبه الشريف جالس فوضع بين يديه ، ثم أدخلوا فردة الباب إلى داخل الكعبة ، ودخل الشريف والمعمار والمهندس وبعض علماء البلد والسادن إلى الكعبة ، وصعدوا السطح وأشرفوا عليه ، ثم انفضوا الجميع ، فشرع الأمير بعد انفضاض الناس في تركيب الباب فركبه ، وتم عند غروب الشمس من يوم الخميس لعشرين خلت من رمضان من التاريخ المذكور ، وكان المتعاطي صاغة الباب صاغة مكة ، ثم توجّه بالباب القديم إلى القسطنطينية (٤) ووضع بالخزينة العامرة ، وقد أفرد الكلام على عمل الباب المذكور الشيخ عبد القادر الطبري

__________________

(١) الإعلام (ص : ٥٤ ـ ٥٥).

(٢) في الأصل : أربعة وأربعون.

(٣) في الأصل : الذي.

(٤) القسطنطينية : ويقال قسطنطينة بإسقاط ياء النسبة ، وهي دار ملك الروم ، بينها وبين بلاد المسلمين البحر المالح. عمّرها ملك من ملوك الروم يقال له : قسطنطين فسميت باسمه (معجم البلدان ٤ / ٣٤٧ ـ ٣٤٨).

١٤٣

برسالة (١). اه خلاصة الأثر (٢).

الفصل الثالث : في ذكر ميزاب الكعبة المشرفة

وأول من جعل لها ميزابا ومن حلّاه

ذكر القرشي (٣) : أنه لما بنى عبد الله بن الزبير رضي‌الله‌عنه الكعبة المشرفة جعل ميزابها يصب في الحجر. انتهى.

ثم عمل غير مرار ؛ فمن ذلك : ميزابا عمله الشريف رميثة صاحب مكة ، وميزابا عمله المقتفي العباسي وركّب في الكعبة ، وميزابا عمله الناصر العباسي وظاهره فيما يبدو للناس محلى بفضة. ذكره في درر الفرائد (٤).

ثم قال : وقد قلع هذا الميزاب في سنة [تسع](٥) وخمسين وتسعمائة بأمر من السلطان سليمان العثماني ، وركب غيره في الكعبة المشرفة في موسم السنة المذكورة ، وأمر بنقل الميزاب القديم إلى خزانة الروم (٦) بعد أن تعرض بنو شيبة له ، فأعطوا في مقابلته وزنه فضة من بندر (٧) جدة ـ وذلك بحسب تخمين نائب جدة والقاضي بمكة ـ ألفا وثمانمائة درهم فضة. انتهى.

أقول : ومن ذلك [ميزاب](٨) عمله السلطان أحمد خان وذلك في سنة

__________________

(١) وهي : تحفة الكرام بأخبار عمارة السقف والباب لبيت الله الحرام.

(٢) خلاصة الأثر (٤ / ٣٤٠ ـ ٣٤١).

(٣) البحر العميق (٢ / ٢٣).

(٤) درر الفرائد (ص : ٢٤).

(٥) في الأصل : تسعة.

(٦) أي عاصمة الدولة العثمانية الآستانة.

(٧) البندر : مرسى السفن في الميناء (فارسي) ويطلق الآن على البلد الكبير يتبعه بعض القرى (المعجم الوسيط ١ / ٧٠ ، والقاموس الإسلامي ١ / ٣٦٩).

(٨) في الأصل : ميزابا ، وكذا وردت في الموضع التالي.

١٤٤

ألف وإحدى وتسعين على ما هو مكتوب في حجر أبيض في الشاذروان على يمين الحفرة التي بجانب الباب مكتوب فيه : أمر بتجديد سقف الكعبة وميزاب الرحمة السلطان أحمد خان في سنة ألف وإحدى وتسعين (١).

ومن ذلك ميزاب عمله السلطان عبد المجيد خان بن السلطان محمود خان رحمهم‌الله عمل في القسطنطينية ، ثم جيء به صحبة الحاج رضا باشا ، وركب في جمادى سنة ألف ومائتين ست (٢) وسبعين ، ووالي مكة يومئذ سيدنا ومولانا الشريف عبد الله بن سيدنا الشريف محمد بن عون ، ثم حمل القديم في العام القابل إلى الأبواب العالية وهو ـ أي الميزاب الجديد ـ مصفح بالذهب نحو خمسين رطلا بحسب التخمين. والله أعلم. انتهى.

الفصل الرابع : في ذكر تحلية الكعبة المشرفة

وأول من حلّى الكعبة المشرفة بالذهب : عبد المطلب جد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالغزالتين التي وجدها في بئر زمزم.

ذكر الحلبي (٣) : أنه لما حفر عبد المطلب بئر زمزم وجد فيها أسيافا ودروعا وغزالتين فضرب عبد المطلب الأسياف بباب الكعبة وضرب من الباب الغزالتين ، فكان أول ذهب حلّيت به الكعبة ، ومن ثم جاء عن ابن عباس : والله إن أول من جعل باب الكعبة ذهبا لعبد المطلب. انتهى كلامه.

__________________

(١) قال باسلامة في تاريخ الكعبة المعظمة (ص : ٢٣٤) : والظاهر أنه وقع غلط في التاريخ ، حيث إن الذي كتب على الحجر الأبيض المذكور ، أن عمل الميزاب المنوه عنه هنا هو في سنة (١٠١٢) لا في سنة (١٠٩١).

(٢) في الأصل : ستة.

(٣) السيرة الحلبية (١ / ٥٥).

١٤٥

وفي شفاء الغرام (١) : أن عبد المطلب علق الغزالتين في الكعبة ، فكان أول من علّق المعاليق.

وفي شفاء الغرام : أول من ذهّبها في الإسلام عبد الله بن الزبير رضي‌الله‌عنه ، وجعل على أساطينها صفائح الذهب ، وجعل مفاتيحها من الذهب.

وذكر الفاسي أيضا : أن عبد الملك جعل الذهب على ميزاب الكعبة. انتهى.

وذكر الأزرقي (٢) : أن الوليد بن عبد الملك أرسل بست وثلاثين ألف دينار يضرب بها على باب الكعبة وعلى أساطينها وعلى الميزاب وعلى أركانها من داخل.

وذكر الأزرقي أيضا (٣) : أن الأمين بن هارون الرشيد أرسل بثمانية عشر ألف دينار ليضرب بها صفائح الذهب على باب الكعبة ، فقلع ما كان على الباب من الصفائح ، وزاد عليها الثمانية عشر ألفا فضربها وجعلها على الباب ، وجعل مسامير الباب وحلقته وعتبته من الذهب ، وعمل منطقة من الفضة ركبها فوق إزار الكعبة من داخلها عرضها ثلاثة أذرع ، وجعل لها طوقا من الذهب متصلا بهذه المنطقة ، وكان مجموع الزوايا والطوق الذهب ثمانية ألف مثقال ، ومنطقة الفضة وما على الباب من الفضة وما حلّي به المقام من الفضة سبعين ألف درهم. انتهى.

__________________

(١) شفاء الغرام (١ / ٢١٨ ـ ٢١٩).

(٢) الأزرقي (١ / ٢١١).

(٣) أخبار مكة للأزرقي (١ / ٢١٢ ـ ٢١٣) ، وانظر : شفاء الغرام (١ / ٢٢٠).

١٤٦

وذكر الفاسي أيضا (١) ما وقع بعد الأزرقي من تحلية البيت ، فمن ذلك : أن حجبة البيت كتبوا إلى المعتضد العباسي أن بعض ولاة مكة قطع أيام الفتنة عضادتي باب الكعبة وغيرها ، وسكّها دنانير وأصرفها على دفع الفتنة ، فأمر المعتضد بإعادة ذلك جميعه.

ومن ذلك : أن أمّ [المقتدر](٢) الخليفة أمرت غلامها أن يتوجه إلى مكة ، وأن يلبس جميع أسطوانات البيت الشريف ذهبا ، ففعل ذلك في سنة [عشر](٣) وثلاثمائة (٤).

ومن ذلك : الوزير جمال الدين وزير صاحب مصر في سنة [تسع](٥) وأربعين وخمسمائة أرسل حاجبه إلى مكة ومعه خمسة آلاف دينار ليعمل صفائح الذهب والفضة في أركان البيت من داخلها (٦).

وممن حلّاها : الملك المظفر صاحب اليمن وحلّاها بستين رطلا من الفضة ضربها صفائح على الباب. وحلّاها الملك الناصر محمد [بن](٧) قلاوون صاحب مصر حلّى باب الكعبة في سنة [ست](٨) وتسعين وسبعمائة (٩) ، وحلّاها السلطان سليمان خان على يد نائبه بحلية كثيرة من

__________________

(١) شفاء الغرام (١ / ٢٢١) ، وانظر : إتحاف الورى (٢ / ٣٢٩).

(٢) في الأصل : المعتضد. وانظر : شفاء الغرام (١ / ٢٢٢) ، وإتحاف الورى (٢ / ٣٦٨).

(٣) في الأصل : سنة ستة عشر. وانظر الموضعين السابقين.

(٤) شفاء الغرام (١ / ٢٢١) ، وإتحاف الورى (٢ / ٣٦٨) ، وأخبار مكة للأزرقي (١ / ٢٩١).

(٥) في الأصل : تسعة.

(٦) شفاء الغرام (١ / ٢٢٢) ، وإتحاف الورى (٢ / ٥١٤) ، والعقد الثمين (٢ / ٢١٢) ، طبعة مصر.

(٧) قوله : بن ، زيادة على الأصل.

(٨) في الأصل : ستة.

(٩) شفاء الغرام (١ / ٢٢٢).

١٤٧

الفضة المطلاة بالذهب. انتهى من درر الفرائد (١) ، والإعلام لأهل بلد الله الحرام (٢).

قال ابن علان : وممن حلّى الباب : السلطان مراد (٣) ، حلّى الباب الذي عمله كما تقدم ، ووزن ذلك ألف (٤) وستة وستون رطلا فضة جعلها صفائح على الباب ، وطلى الباب بالذهب البندقي وذلك ألف دينار كما أخبر به الأمير رضوان ، وكان المتعاطي لطلائه صاغة مكة. انتهى. منائح الكرم (٥).

قلت : هو الموجود الآن.

الفصل الخامس : في ذكر معاليق الكعبة

قال المسعودي في مروج الذهب (٦) : كانت الفرس تهدي إلى الكعبة أموالا وجواهر في الزمن الأول ، وكان ساسان بن بابك (٧) أهدى غزالتين من ذهب وجواهر وسيوفا كثيرة إلى الكعبة. انتهى.

وقال الفاسي في شفاء الغرام (٨) : يقال : إن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة ؛ أول من علّق في الكعبة السيوف المحلّاة بالذهب والفضة ذخيرة للكعبة.

__________________

(١) درر الفرائد (ص : ٢٥).

(٢) الإعلام (ص : ٥٤ ـ ٥٥).

(٣) ذكر في هامش الأصل ، أن تحلية السلطان مراد للباب كانت في سنة ١٠٤٤.

(٤) في منائح الكرم : مائة.

(٥) منائح الكرم (٤ / ١٧٤).

(٦) مروج الذهب (١ / ٢٤٢) ، وانظر : شفاء الغرام (١ / ٢٢٣).

(٧) في الأصل : بابل.

(٨) شفاء الغرام (١ / ٢٢٣ ـ ٢٢٤) ، وانظر : أخبار مكة للأزرقي (١ / ٢٢٤).

١٤٨

ثم نقل عن الأزرقي شيئا أهدي إلى الكعبة ، منها : أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ـ رضي‌الله‌عنه ـ لما فتح الله عليه مواضع كثيرة كان مما بعث إليه هلالان ذهبا ، فبعث بها فعلّقها في الكعبة.

وبعث السفّاح [بالصحفة](١) الخضراء فعلّقت في الكعبة.

وبعث المأمون الياقوتة التي تعلّق في كل موسم بسلسلة من الذهب في وجه الكعبة.

وأهدى المعتصم العباسي قفلا من الذهب لباب الكعبة وزنه ألف مثقال في سنة تسع عشرة (٢) ومائتين. وكان والي مكة من قبله : صالح بن العباس ، فأرسل إلى الحجبة ليعطيهم القفل فأبوا أن يأخذوه منه لأجل أنه طلب منهم القفل الأول ليرسله إلى الخليفة فأبوا أن يعطوه ذلك ، ثم توجهوا إلى بغداد ، وتكلموا مع المعتصم ، فترك قفل الكعبة القديم عليها ، وأعطاهم القفل الذي كان بعثه وهو الذهب فاقتسموه بينهم (٣).

وذكر أن ما أهدي إلى الكعبة الشريفة طوق من الذهب مكلل بالدر والياقوت مع ياقوتة كبيرة خضراء أرسلهما ملك الهند لما أسلم سنة تسع وخمسين ومائتين ، وعرض ذلك على المعتصم العباسي فأمر بتعليقهما في البيت الشريف (٤).

قال التقي الفاسي (٥) : ومما علّق على الكعبة بعد الأزرقي قصبة من ذهب فيها بيعة جعفر أمير المؤمنين ، ثم لما وقعت الفتنة بمكة أخذت تلك

__________________

(١) في الأصل : بالصفيحة. والتصويب من شفاء الغرام ، الموضع السابق.

(٢) في الأصل : تسعة عشر.

(٣) أخبار مكة للفاكهي (٥ / ٢٣٦).

(٤) شفاء الغرام (١ / ٢٢٥).

(٥) شفاء الغرام ، الموضع السابق.

١٤٩

المعاليق وصرفت في ذلك.

وذكر الحلبي (١) : أن عبد الملك بن مروان علق عليها شمستين وقدحين من قوارير ، وعلق بها الوليد بن اليزيد سريرا ، وعلق بها [المنصور](٢) القارورة الفرعونية.

وقد كانت الملوك تهدي قناديل الذهب تعلّق في الكعبة وهي باقية إلى الآن ، وهي في غاية الصون مع بقاء الشيخ الموجود الآن ، وهي معلّقة موجودة ينظرها الخاص والعام.

فمن ذلك : بعث المطيع قناديل كلها فضة بل منها ذهبا زنته ستمائة مثقال وذلك في سنة ثلاثمائة وخمسين وتسع (٣).

ومن ذلك : قناديل ومحاريب أهداها إلى الكعبة صاحب عمان.

ومن ذلك : قناديل ذهب وفضة أهداها إلى الكعبة الملك المنصور صاحب اليمن في سنة [اثنتين](٤) وثلاثين وستمائة.

ومن ذلك : قفل ومفتاح أهداه الملك الظاهر بيبرس (٥).

ومن ذلك : حلقتان من ذهب مرصعتان باللؤلؤ كل حلقة وزنها ألف مثقال ، وفي كل حلقة ست لؤلؤات أرسل بها وزير سلطان التتر (٦).

__________________

(١) السيرة الحلبية (١ / ٥٥ ـ ٥٦) ، وشفاء الغرام (١ / ٢٢٣).

(٢) في الأصل : الوليد. والمثبت من السيرة الحلبية (١ / ٥٦).

(٣) شفاء الغرام (١ / ٢٢٦) ، وانظر : إتحاف الورى (٢ / ٤٠٧).

(٤) في الأصل : اثنين.

(٥) الظاهر بيبرس : من مماليك نجم الدين أيوب. ترقى حتى صار أتابكيا على العسكر بمصر.

قاتل مع قطز التتار ، تآمر على قطز وقتله ، وتولى بعده ، ونقل الخلافة العباسية إلى القاهرة.

كان شجاعا ، وله وقائع مع الفرنج والتتار. توفي بدمشق عام ٦٧٦ ه‍ (انظر ترجمته في : فوات الوفيات ١ / ٨٥ ، والنجوم الزاهرة ٧ / ٩٤ ، وابن إياس ١ / ٩٨ ، ١١٢ ، وابن الوردي ٢ / ٢٢٤ ، والسلوك للمقريزي ١ / ٤٣٦ ـ ٦٤١ ، والأعلام ٢ / ٧٩).

(٦) شفاء الغرام (١ / ٢٢٦).

١٥٠

ومن ذلك : أربعة قناديل من الذهب أهداها صاحب بغداد وذلك في سنة سبعمائة [واثنتا](١) عشر.

قال الفاسي في شفاء الغرام (٢) : وأهدى الناس بعد ذلك للكعبة قناديل كثيرة ، والذي في الكعبة الآن ستة عشر قنديلا ، منها ثلاثة فضة ، وواحد ذهب ، وواحد بلّور ، واثنان نحاس ، والباقي زجاج ، وهي تسعة. انتهى فاسي.

قال القطب (٣) : ووصل في سنة أربع وثمانين وتسعمائة ثلاثة قناديل ، اثنان إلى الكعبة وواحد إلى الحجرة الشريفة ، وذلك من قبل السلطان مراد خان من الذهب مرصعة بالجواهر ، وهو أول من علّق القناديل من آل عثمان. ذكره القطب الحنفي في الإعلام لأهل بلد الله الحرام.

استطراد : أرسل السلطان أحمد بن محمد بن مراد الكوكب الدري وكان لا قيمة له ، ولم يسبق لأحد من ملوك الهند والعجم (٤) مثله ، وعلّق على القبر الشريف.

وفي ألف ومائة ثمانية وأربعين قدم شعبان أفندي (٥) المدينة ومعه حجر

__________________

(١) في الأصل : واثنا.

(٢) شفاء الغرام (١ / ٢٢٧).

(٣) الإعلام (ص : ٦٦).

(٤) العجم : خلاف العرب ، الواحد : عجمي ، نطق بالعربية أو لم ينطق (المعجم الوسيط ٢ / ٥٨٦).

(٥) أفندي : بالتركية : أفندم ، ولا زال المصريون ينطقونه كذلك ، غير أن الحجازيين عرّبوها أو حرّفوها إلى (أفندي) وكانت تعني : الموظفين الكبار والصغار ، (أفندينا القاضي) و (أفندينا محمد علي باشا). أما على العسكريين فكانت تطلق على صغار الضباط ، دون يوزباشي (نقيب) ، ويطلق على ما فوقه لقب (بك) ثم ألغتها العرب رسميا بعد الاستقلال بعشرات من السنين ، ولا زالت مسموعة مفهومة ، والمصريون يقولونها لكل مخاطب ، فقد يقول للوزير (حاضر يا فندم) وللست كذلك (معجم الكلمات الأعجمية والغريبة

١٥١

ألماس محفوف بأحجار مختلفة ، مكفوف بصفائح الذهب والفضة ، وهذا الحجر من آثار الدولة العثمانية فوضع ذلك الحجر تحت الحجر اللذي وضعه السلطان أحمد خان. كذا في الدرر. اه.

قلت : والقناديل باقية مع وجود هذا الشيخ ، وهو الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد الشيبي الحجبي ، وهذا [الشيخ](١) عبد الله رجل صوفي. انتهى.

الفصل السادس : في ذكر كسوة الكعبة المشرفة قديما وحديثا

وحكم بيعها وشراءها والتبرك بها

ذكر الأزرقي (٢) : أول من كسى الكعبة تبّع الحميري. انتهى.

قال الحلبي (٣) : وفي كلام البلقيني : أن تبّع اليماني لما كساها الخسف انتفضت ، فزاله عنها ، فكساها المسوح (٤) والأنطاع (٥) فانتفضت ، فزاله عنها ، فكساها الوصائل [فقبلتها. قال : والوصائل](٦) [ثياب](٧) موصولة من ثياب اليمن.

وقيل : أول من كساها عدنان بن [أدد](٨) ، وكانت كسوتها في زمن

__________________

للبلادي ص : ١٣).

(١) في الأصل : لشيخ.

(٢) الأزرقي (١ / ٢٤٩).

(٣) السيرة الحلبية (١ / ٢٨٠ ـ ٢٨١).

(٤) المسوح : جمع مسح ، وهو ثوب من الشعر الغليظ (اللسان ، مادة : مسح).

(٥) الأنطاع : جمع نطع وهو : بساط من الجلد (اللسان ، مادة : نطع).

(٦) ما بين المعكوفين زيادة من السيرة الحلبية (١ / ٢٨٠).

(٧) في الأصل : ثيابا. والتصويب من السيرة الحلبية ، الموضع السابق.

(٨) في الأصل : آدر. والتصويب من السيرة الحلبية (١ / ٢٨٠).

١٥٢

الجاهلية المسوح والأنطاع.

وكانت قريش تشترك في كسوة الكعبة المشرفة حتى نشأ أبو ربيعة بن المغيرة فقال لقريش : أنا أكسوها سنة وحدي وجميع قريش سنة ، أي وقيل : كان يخرج نصف كسوة الكعبة في كل سنة ، ففعل ذلك إلى أن مات فسمته قريش : العدل ؛ لأنه عدل قريشا وحده في كسوة الكعبة (١).

وكانت كسوتها لا تنزع ، فكان كلما تجدد كسوة تجعل فوق الأخرى ، واستمر ذلك إلى زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم كساها صلى‌الله‌عليه‌وسلم الثياب اليمانية.

وفي كلام بعضهم : أن أول من كساها القباطي (٢) النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكساها أبو بكر وعمر وعثمان رضي‌الله‌عنهم القباطي (٣).

وذكر البلقيني : أن كون ابن الزبير رضي‌الله‌عنه أول من كسى الكعبة الديباج أشهر من القول بأن أول من كساها الديباج أم العباس بن عبد المطلب ، وجاز أن يكون عبد الله كساها أولا القباطي ثم الديباج. اه.

وكساها معاوية رضي‌الله‌عنه الديباج والقباطي والحبرات فكانت تكسى الديباج يوم عاشوراء ، والقباطي في آخر رمضان ، والاقتصار على ذلك يفيد أن عطف الحبرات على القباطي من عطف التفسير ، فليتأمل. ذكره الحلبي (٤).

وكساها المأمون الديباج الأحمر والديباج الأبيض والقباطي ، فكانت تكسى [الأحمر يوم التروية ، والقباطي يوم هلال رجب ، والديباج الأبيض

__________________

(١) أخرجه الأزرقي (١ / ٢٥١).

(٢) القباطي : القبطية : ثياب من كتان بيض رقاق تنسج في مصر. وهي منسوبة إلى القبط (المعجم الوسيط ٢ / ٧١١).

(٣) أخرجه الأزرقي (١ / ٢٥٣).

(٤) السيرة الحلبية (١ / ٢٨١).

١٥٣

يوم سبع وعشرين من رمضان. قال بعضهم : وهكذا كانت تكسى](١) في زمن المتوكل العباسي ، ثم في زمن الناصر العباسي كسيت السواد من الحرير واستمرت إلى الآن. انتهى. ذكره الحلبي (٢).

وذكر القطب الحنفي (٣) : قال الأزرقي (٤) : وكساها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الثياب اليمانية ، ثم كساها عمر وعثمان القباطي ، وكانت تكسى الديباج بعد ذلك.

وقال أيضا : كانت تكسى الكعبة كل سنة مرتين ، فتكسى أولا الديباج قمصا [يدلى](٥) عليها يوم التروية ولا يخاط ، ويترك الإزار حتى يذهب الحجاج ؛ لئلا يخرقونه ، فإذا كان العاشوراء علّقوا عليها الإزار وأوصلوا بالقمص الديباج ، فلا يزال عليها إلى السابع والعشرين من رمضان فكسوها الكسوة الثانية وهي القباطي.

فلما كانت في خلافة المأمون أمر أن تكسى الكعبة ثلاث مرات كل سنة ، فتكسى الديباج الأحمر يوم التروية ، وتكسى القباطي أول رجب ، وتكسى الديباج الأول من رمضان. انتهى.

وفي درر الفرائد (٦) : وكانت الكعبة المشرفة بعد الخلفاء العباسيون تكسى تارة من قبل سلاطين مصر ، وتارة من قبل سلاطين اليمن.

وأول من كسى الكعبة بعد الخلفاء العباسيين : الملك المظفر يوسف بن

__________________

(١) ما بين المعكوفين زيادة من السيرة الحلبية ، الموضع السابق.

(٢) السيرة الحلبية ، الموضع السابق.

(٣) الإعلام (ص : ٦٨).

(٤) أخبار مكة للأزرقي (١ / ٢٥٣).

(٥) في الأصل : يبدل. والتصويب من الإعلام والأزرقي ، انظر الموضعين السابقين.

(٦) درر الفرائد (ص : ٥٧٤ ـ ٥٧٥).

١٥٤

المنصور صاحب اليمن سنة [خمس](١) وخمسين وستمائة.

وأول من كساها من الترك : الظاهر بيبرس الصالحي سنة [اثنتين](٢) وستين وستمائة.

وكسوة الكعبة المشرفة الآن من حرير أسود ، وبطانتها من قطن أبيض. وللكسوة الآن طراز مدور بالكعبة ، بين الطراز إلى الأرض قريبا من عشرين ذراعا ، وعرض الطراز ذراعان إلا شيئا يسيرا ، مكتوبا بالفضة مذهّبا ، على جانب وجه الكعبة بعد البسملة : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ) ـ إلى قوله ـ : (غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) [آل عمران : ٩٦ ـ ٩٧] صدق الله العظيم.

وبين الركن اليماني مكتوب بعد البسملة : (جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ) ـ إلى قوله ـ : (بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [المائدة : ٩٧] صدق الله العظيم.

وبين الركن اليماني والغربي مكتوب بعد البسملة : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ) ـ إلى قوله ـ : (التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [البقرة : ١٢٧ ـ ١٢٨] صدق الله العظيم.

وبين الركن اليماني والشامي مكتوب بعد البسملة : مما أمر بعمل هذه الكسوة الشريفة العبد الفقير السلطان فلان. انتهى.

وأول من بدأ بالطراز المذهب : السلطان سليم من آل عثمان. اه.

وكان قبل ذلك من حرير أصفر.

وأول ما عمل أصفر سنة ثمانمائة ونيف. اه فاسي (٣).

وتقدم أن بعد الخلفاء العباسيين كانت الكسوة تارة من قبل سلاطين

__________________

(١) في الأصل : خمسة.

(٢) في الأصل : اثنين.

(٣) شفاء الغرام (١ / ٢٣٥).

١٥٥

مصر وتارة من قبل ملوك اليمن ، إلى أن اشترى الملك الناصر قلاوون قريتين من قرى مصر [ووقفهما](١) على كسوة الكعبة ، أحدهما اسمها بيسوس (٢) والأخرى سندبيس (٣) ، وكانوا يرسلون عند تجديد كل سلطان كسوة حمراء مع الكسوة السوداء لداخل البيت الشريف ، ثم من بعدهم من ملوك آل عثمان تجري على حسب العادة. ذكره القطب الحنفي ، والشيخ عبد القادر في درر الفرائد (٤).

قلت : إلا أنها كسيت مدة الوهابية (٥) لما استولوا على مكة ، فكانوا [يكسونها](٦) حريرا أسود من غير كتابة ، وأميرهم سعود صاحب الشرق نحو سبع سنين ، وانقطع الحج في مدتهم وهو سنة ألف ومائتين وعشرين (٧) إلى أن أخذ مكة منه محمد علي باشا صاحب مصر. انتهى.

تنبيه : ذكر البردة (٨) التي توضع على باب الكعبة

وهي من حرير أسود مكتوبة بالفضة مذهب وتلك الكتابة بعض آيات من القرآن ، ومكتوب أيضا فيها : أمر بعمل هذه البردة السلطان فلان ،

__________________

(١) في الأصل : ووقفها. والتصويب من الإعلام.

(٢) بيسوس : من قرى القليوبية ، وتعرف اليوم باسم باسوس (انظر : مرآة الحرمين ١ / ٢٨٤).

(٣) سندبيس : من قرى القليوبية (انظر : مرآة الحرمين ، الموضع السابق).

(٤) الإعلام (ص : ٦٨ ـ ٦٩). وانظر : درر الفرائد (ص : ٥٧٤).

(٥) يشير إلى الدعوة الإصلاحية التي قام بها الإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه‌الله ـ وهي دعوة سلفية نادى بها الشيخ إلى تحكيم كتاب الله وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم والتمسك بها ظاهرا وباطنا. والتعرض لهذه الدعوة بالسب والثّلب والانتقاص تجنّ ظاهر ليس له حجة ولا برهان ، وإنما هو اتباع للهوى ، وبعد عن الإنصاف ، وتأثر بالظروف السياسية ، وبشيوخ الصوفية في زمنه.

(٦) في الأصل : يكسوها.

(٧) ولا يعلم انقطاع الحج في مدتهم ، حيث أشارت المصادر إلى استمراره. (انظر : تاريخ مكة لأحمد السباعي ٢ / ٥٦٧).

(٨) هي الغطاء الذي يوضع على الباب كالستارة.

١٥٦

وتسدل على باب البيت ليلة الاثنين وليلة الجمعة ـ أي : من عصر يوم الأحد وعصر يوم الخميس إلى المغرب ـ وهي حسنة ، ويسموها أهل مكة : البرقع ، ولم أعلم متى حدثت ولا من أحدثها.

وذكرها الفاسي في شفاء الغرام ونصه : وعمل في هذه السنة ـ وهي سنة [تسع عشرة](١) وثمانمائة ـ لباب الكعبة [ستارة عظيمة الحسن أحسن من الستائر الأول التي شاهدناها](٢). انتهى (٣).

قال السمهودي : وفي عشر الستين وسبعمائة اشترى السلطان الصالح إسماعيل ابن الناصر محمد قرية من بيت مال المسلمين بمصر ووقفها على كسوة الكعبة المشرفة في كل سنة ، وعلى كسوة الحجرة والمنبر في كل خمس سنين مرة ، وذكره التقي الفاسي والزين المراغي إلا أنه قال في كسوة الحجرة : في كل ست سنين مرة تعمل من الديباج الأسود مرقوما بالحرير الأبيض ، ولها طراز منسوج بالفضة المذهبة دائر عليها إلا كسوة المنبر فإنها بتفصيص أبيض. اه.

والعادة قسم الكسوة العتيقة عند ورود الجديدة والحكم فيه كحكم كسوة الكعبة. قال العلائي : إنه لا تردد في جواز قسمتها ؛ لأن الوقف عليها كان بعد استقرار العادة بذلك والعلم بها. اه من الخلاصة بلفظه.

وأما نزع كسوة الكعبة وتقسيمها بين الناس ، ذكر الأزرقي (٤) : أن عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه كان ينزع كسوة الكعبة في كل عام ويفرقها على

__________________

(١) في الأصل : تسعة عشر.

(٢) في الأصل : ساتر عظيم أحسن من الساتر الأول. والتصويب من الغازي (١ / ٤٢٢).

(٣) شفاء الغرام (١ / ٢٣٥) ، وإتحاف الورى (٣ / ٥٣٦).

(٤) أخبار مكة للأزرقي (١ / ٢٥٩ ـ ٢٦٠) ، وانظر الأعلام (ص : ٧٠).

١٥٧

الحجاج.

وأول من كساها كسوتين : عثمان بن عفان رضي‌الله‌عنه ، فلما كان في أيام معاوية كساها الديباج مع القباطي ، ولما أرسل بها معاوية رضي‌الله‌عنه وألبسها الكساوي الذي بعث بها قسم الثياب التي كانت عليها بين أهل مكة ، وكان عبد الله بن عباس رضي الله [عنهما](١) حاضرا في المسجد فما أنكر ذلك (٢).

وقال الأزرقي أيضا (٣) عن عطاء قال : قدمت مكة معتمرا فجلست إلى عبد الله بن عباس رضي‌الله‌عنهما في صفة زمزم ، وشيبة بن عثمان رضي‌الله‌عنه يجرّد الكعبة ورأيته يخلّق الكعبة ، ورأيت ثيابها التي جرّدت عنها قد وضعت بالأرض ، ورأيت شيبة بن عثمان يقسّمها. فلم أر ابن عباس أنكر شيئا من ذلك مما صنع شيبة بن عثمان.

وقال أيضا (٤) : حدثني جدي حدثني إبراهيم بن محمد بن [أبي](٥) يحيى ، حدثني علقمة ، عن أمه ، عن أم المؤمنين عائشة رضي‌الله‌عنها : أن شيبة بن عثمان دخل عليها وقال : يا أم المؤمنين كثر ثياب الكعبة عليها ، أفنجرّدها عن خلقانها ، ونحفر حفرة ندفن فيها ما بلي من كسوة الكعبة كي لا تلبسها الحيض والجنب؟ فقالت له عائشة رضي‌الله‌عنها : ما أصبت فيما فعلت فلا تعد إلى ذلك ؛ فإن ثياب الكعبة إذا نزعت عنها لا يضرها من لبسها من حائض وجنب ، ولكن بعها واجعلها في سبيل الله وابن

__________________

(١) في الأصل : عنهم.

(٢) أخبار مكة للأزرقي (١ / ٢٦٠).

(٣) أخبار مكة للأزرقي (١ / ٢٦١).

(٤) أخبار مكة للأزرقي (١ / ٢٦١).

(٥) قوله : أبي ، زيادة على الأصل. وانظر : تقريب التهذيب (ص : ٩٣).

١٥٨

السبيل.

ومذهب الحنفية : رجوعها إلى السلطان.

وقال الإمام فخر الدين قاضي خان في كتاب الوقف من فتاويه (١) : ديباج الكعبة إذا صار خلقا يبيعه السلطان ويستعين به في أمر الكعبة ؛ لأن الولاية فيه للسلطان لا لغيره.

وفي تتمة الفتاوى عن الإمام محمد رحمه‌الله في ستر الكعبة يعطى منه إنسان ، فإن كان له ثمن لا يأخذه ، وإن لم يكن له ثمن فلا بأس.

قال الإمام نجم الدين [الطرطوسي](٢) في منظومته :

وما على الكعبة من لباس

إن رثّ جاز بيعه للناس

ولا يجوز أخذه بلا شرا

للأغنياء [لا](٣) ولا للفقرا

وقال الفقيه أبو بكر الحدادي في السراج الوهاج : لا يجوز قطع شيء من كسوة الكعبة ولا نقله ولا بيعه ولا شراؤه ولا وضعه بين أوراق المصاحف ، ومن حمل شيئا من ذلك فعليه رده ، ولا عبرة بما يتوهم أنهم يشترون ذلك من بني شيبة فإنهم لا يملكونه ؛ فقد روي عن ابن عباس وعائشة رضي‌الله‌عنهما أنهما قالا : يباع ذلك ويجعل ثمنه في سبيل الله.

وقال القرطبي ـ من علماء المالكية ـ (٤) : كنز الكعبة : المال المجتمع مما يهدى إليها بعد نفقة ما تحتاج إليه ، وليس من كنز الكعبة ما تحلّى به من الذهب والفضة ؛ لأن حليتها حبس عليها كحصرها وقناديلها فلا يملكها

__________________

(١) الفتاوى الهندية وبهامشه فتاوى قاضي خان (٦ / ٢٧١).

(٢) في الأصل : الطرطوسي. والتصويب من كشف الظنون (٢ / ١٨٦٧) ، والوفيات للسلامي (٢ / ٢٠٢).

(٣) قوله : لا ، زيادة من الإعلام (ص : ٧١).

(٤) انظر : (مواهب الجليل ٣ / ٣٤٠).

١٥٩

أحد. انتهى.

قال الزركشي ـ من علماء الشافعية ـ في قواعده (١) : قال ابن عبدان : [أمنع بيع كسوة الكعبة وأوجب ردّ](٢) من حمل منها شيئا.

وقال ابن الصلاح : هي إلى رأي الإمام. والذي يقتضيه القياس : أن العادة استمرت [قديما](٣) بأنها تبدل كل سنة ، وتأخذ بني شيبة الكسوة القديمة فيتصرفون فيها بالبيع وغيره.

قال : والذي يظهر لي أن كسوة الكعبة الشريفة إن كانت من قبل السلطان من بيت مال المسلمين فأمرها راجع إليه يعطيها من يشاء من الشيبيين أو غيرهم ، وإن كانت من أوقاف السلطان أو غيره فأمرها راجع إلى شرط الواقف فهي لمن عينها له. وإن جهل شرط الواقف فيها عمل بما جرت به العادة السابقة فيها ، وقد جرت العادة أن بني شيبة يأخذونها لأنفسهم ـ أي : يأخذون الكسوة العتيقة بعد وصول الجديدة فيبقون على عادتهم فيها ـ والله أعلم. ذكره القطب الحنفي في تاريخه الإعلام لأهل بلد الله الحرام (٤).

وقال العلامة الأمير المالكي في المجموع في باب النذر : أن الوقف إذا جهل شرطه عمل بما اعتيد في صرفه. انتهى.

وعبارة ابن الجمال على الإيضاح : والحاصل الواقع اليوم في هذا الوقت أن الواقف شرط تجديدها في كل سنة مع علمه بأن بني شيبة

__________________

(١) قواعد الزركشي (٢ / ٣٩٥).

(٢) في الأصل : منع بيع كسوة الكعبة واجب ورد. والتصويب من : الزركشي (٢ / ٣٩٥) ، والإعلام (ص : ٧٢).

(٣) في الأصل : قديمة. والتصويب من الإعلام.

(٤) الإعلام (ص : ٧٢).

١٦٠