تحصيل المرام - ج ١-٢

الشيخ محمّد بن أحمد بن سالم بن محمّد المالكي المكّي [ الصبّاغ ]

تحصيل المرام - ج ١-٢

المؤلف:

الشيخ محمّد بن أحمد بن سالم بن محمّد المالكي المكّي [ الصبّاغ ]


المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الأسدي للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١٠٧٤

أن المشركين ـ وهم الوليد بن المغيرة ، وأبو جهل ، والعاص بن وائل ، والعاصي بن هشام ، والأسود بن عبد يغوث ، والأسود بن عبد المطلب ونظائرهم ـ طلبوا من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقالوا له : إن كنت صادقا فشقّ لنا القمر فرقتين ، نصفا على أبي قبيس ونصفا على قعيقعان.

[وقيل : يكون نصفه بالمشرق ونصفه الآخر بالمغرب ، وكانت ليلة أربعة عشر. أي : ليلة البدر ، فقال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن فعلت تؤمنوا». قالوا : نعم. فسأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ربه أن يعطيه ما سألوا ، فانشق القمر نصفا على أبي قبيس ونصفا على قعيقعان](١).

وفي لفظ : فانشق القمر فرقتين ، فرقة فوق الجبل وفرقة دونه ـ أي : أمامه ـ ولعل الفرقة التي كانت [فوق](٢) [الجبل كانت جهة المشرق ، والتي كانت دون الجبل كانت](٣) جهة المغرب ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اشهدوا ، اشهد يا فلان ويا فلان». ولا منافاة بين الروايتين ولا بينهما ولا بين ما جاء في رواية : فانشق القمر نصفين ، [نصف](٤) على الصفا [ونصف](٥) على المروة قدر ما بين العصر إلى الليل ينظر إليه ثم غاب ، أي : ثم إن كان الانشقاق قبل الفجر فواضح وإلا فمعجزة أخرى ؛ لأن القمر ليلة أربعة عشر يستمر الليل كله. انتهى.

وفي الخفاجي على الشفا (٦) : فرقة فوق الجبل وفرقة دونه ـ أي : أمامه ـ

__________________

(١) ما بين المعكوفين زيادة من السيرة الحلبية.

(٢) في الأصل : فوقه.

(٣) ما بين المعكوفين زيادة من السيرة الحلبية.

(٤) في الأصل : نصفا.

(٥) في الأصل : ونصفا.

(٦) نسيم الرياض في شرح شفاء القاضي عياض (٣ / ٣).

٥٠١

والجبل حراء أو أبو قبيس.

قال ابن هشام اللخمي في شرح المقصورة : اختلفت الروايات في محل الانشقاق ، فقيل : بمكة ، وقيل : بمنى ، وفي أخرى : رئي حراء بينهما ، وقيل : شقة منه على أبي قبيس وأخرى على السويداء ، وقيل : شقة على أبي قبيس وشقة على قعيقعان. وهذه الروايات في محلها لا تنافي [بينها](١) ؛ لأن كل راء يرى القمر بأي مكان كانت رؤيته. انتهى.

وذكر القزويني في كتابه عجائب المخلوقات (٢) من أنه : من أكل عليه رأسا مشويا يأمن وجع الرأس.

قلت : اعتادت الناس أكل الرأس فوقه ويظنون أنه سنّة ، ويأكلون ذلك في رأس الجبل في وسط صهريج معد للماء ، لماء كان على رأسه ، كان قبل ذلك قلعة لبعض ملوك مكة ، بناها مكثر أخو داود بن عيسى ، يتخلص بها عند انهزامه من أخيه داود ، ثم بعد ذلك نقضها مكثر لما ولي مكة (٣) بدل أخيه داود ، وذلك في سنة خمسمائة [وثمان](٤) وثمانين (٥). كذا في تاريخ مصطفى الشهير بجنابي.

وعامة الناس يسمون ذلك المحل : حبس الحجاج ، وليس كذلك ، وهو الآن خراب قد انهدم سقفه.

وفوق أبي قبيس مسجد مشرف على الكعبة والحرم ، بناه رجل هندي

__________________

(١) في الأصل : بينهما.

(٢) عجائب المخلوقات وغرائب المخلوقات (ص : ٢٠١).

(٣) في الأصل زيادة : على.

(٤) في الأصل : وثمانية.

(٥) انظر : الغازي (١ / ٦٩٤) ، والتاريخ القويم (٢ / ٢٨٥).

٥٠٢

سنة ألف ومائتين [وخمس](١) وسبعين ، وكانت حجارة مرضومة في ذلك المحل يقال : إنه مسجد إبراهيم ، وليس هو خليل الرحمن ، وإنما هو رجل آخر.

وفي ذلك المحل شجّ في صخرة من جهة المشرق يقول الناس : إن هذا المحل كان الحجر الأسود فيه زمن الطوفان إلى زمن إبراهيم عليه‌السلام فأخذه من هذا المحل ، ولم أر أثرا ولا خبرا صحيحا ما يدل على ذلك ، وأنه كان في هذا المحل بعينه. والله أعلم.

وروى وهب بن منبه : أن قبر آدم عليه الصلاة والسلام فيه ، في غار الكنز ، وليس معروفا.

وقيل : بمسجد الخيف بمنى ، وقيل غير ذلك ، وكذا قبر شيث على ما قيل مع أبيه.

وله فضائل شتى ؛ منها : أن الكعبة تزف إلى الجنة كما تزف العروس.

وأن إبراهيم عليه الصلاة والسلام أذّن عليه على بعض الروايات.

ومنها : أنه أبو الجبال ، وأن الجبال امتدت منه.

ومنها : أنه من الجبال التي تكون بالجنة. ذكره القرشي.

وقال الفاكهي (٢) : إن الدعاء يستجاب فيه. وأن وفد عاد قدموا إلى مكة للسقيا إلى قومهم فأمروا بالطلوع على أبي قبيس للدعاء ، فاستجاب الله لهم. انتهى.

ومنها : جبل حراء (٣) وهو على ثلاثة أميال من مكة ، على ما ذكره

__________________

(١) في الأصل : خمسة.

(٢) أخبار مكة للفاكهي (٥ / ١٣٦ ـ ١٣٧).

(٣) حراء : الجبل الشامخ ذو الرأس الأزلج المقابل لثبير الأثبرة من الشمال ، بينهما وادي

٥٠٣

صاحب المطالع ، وهو على يسار الذاهب إلى منى ، وهو جبل عالي يراه الناظر مثل القبة ، وسمى بعضهم هذا الجبل : جبل النور ، وأهل مكة يطلقون على هذا الجبل جبل النور وعليه غار حراء ، ولعمري! إنه كذلك لمجاورة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيه وتعبده فيه ، وما خصه الله بالكرامة بالنداء للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ونزول الوحي على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيه ، وذلك في غار في أعلاه من جهة القبلة ، وهو مشهور يؤثره الخلف عن السلف ويقصدونه بالزيارة ، وهو الذي كان يتحنث فيه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الليالي ذوات العدد.

وأما ما ذكره الأزرقي في تاريخه (١) من أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أتى هذا الجبل واختفى فيه من المشركين من أهل مكة في غار في رأسه مما يلي القبلة ، فليس هذا بمعروف ، كما ذكره القرشي. والمعروف : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يختبئ من المشركين إلا في غار ثور بأسفل مكة. انتهى.

لكن يؤيد ما ذكره الأزرقي ما قاله عياض ثم السهيلي في الروض الأنف (٢) ، أن قريشا حين طلبوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان على ثبير ، وثبير على ما ذكره صاحب المطالع : أنه الجبل المقابل لحراء وبينهما الوادي ، وهو جبل عال يرى فوقه خرء الطير كثيرا ، وهو على يمين الذاهب إلى الطائف وحراء

__________________

أفاعية ، يأخذه (أفاعية) الطريق من مكة إلى الشرق مارا باليمانية ، ويسمى اليوم جبل النور ، وقد وصل اليوم عمران مكة إلى سفوحه الغربية ، يرتفع حراء ٢٠٠ م عن سطح البحر (معجم معالم الحجاز ٢ / ٢٤٨ ـ ٢٤٩).

وقال ياقوت الحموي : هو جبل من جبال مكة على ثلاثة أميال منها ، وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل أن يأتيه الوحي يتعبد فيه ، وفيه أتاه جبريل عليه‌السلام ، وهو أحد الجبال التي بنيت منها الكعبة على أرجح الآراء (معجم البلدان ٢ / ٢٣٣).

(١) الأزرقي (٢ / ٢٨٨).

(٢) الروض الأنف (١ / ٤٠٠).

٥٠٤

على يساره ، فقال له ثبير : اهبط عني يا رسول الله فإني أخاف أن تقتل فيعذبني الله ، فناداه حراء : إليّ يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. انتهى ما ذكره القرشي (١).

ثم قال : يحتمل أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم اختبأ من المشركين في واقعة أخرى ، ثم اختبأ في ثور في واقعة الهجرة. انتهى.

قال القطب بعد ذكر ما تقدم (٢) : قلت : لم ينقل وقوع ذلك له صلى‌الله‌عليه‌وسلم مرتين ، وليس في حديث السهيلي : أن حراء لما نادى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الاختباء من المشركين خصوصا ، وقد قال السهيلي لما نقل هذا الحديث في الهجرة ، قال : وأحسب في الحديث أن ثورا ناداه لما قال له ثبير : اهبط عني. انتهى.

وفي المواهب اللدنية (٣) : وهذا الغار الذي في جبل حراء مشهور بالخير والبركة ، يشهد له حديث بدء الوحي الثابت في الصحيحين وغيرهما ، وأورد ابن أبي جمرة سؤالا [وهو أنه : لم](٤) اختص صلى‌الله‌عليه‌وسلم بغار حراء ، فكان يخلو فيه ويتحنث به بدون غيره من المواضع؟ [ولم لم يبدله](٥) في أول تحنثه؟

أجيب عن ذلك : بأن هذا الغار له فضل زائد على غيره من قبل أن يكون فيه منزويا مجموعا لتحنثه ، وهو يبصر منه بيت ربه ، والنظر إلى البيت عبادة ، فكان له فيه ثلاث عبادات ، وهو الخلوة ، والتحنث ، والنظر إلى البيت ، وجمع هذه الثلاثة أولى من الاقتصار على بعضها دون بعض ، وغيره

__________________

(١) البحر العميق (٣ / ٢٩٤).

(٢) الإعلام ص : ٤٧ ـ ٤٨).

(٣) المواهب اللدنية (١ / ٢٠٣).

(٤) في الأصل : وهو لما. والتصويب من المواهب اللدنية ، الموضع السابق ، والبحر العميق (٣ / ٢٩٤).

(٥) في الأصل : ولما لم يبدو له.

٥٠٥

من الأماكن ليس فيه ذلك المعنى ، جمع له صلى‌الله‌عليه‌وسلم في المبادئ كل حسنة. انتهى.

ومن عجائب ما ذكره المرجاني في بهجة النفوس (١) قال : خرجت في بعض الأيام إلى زيارة حراء ، وكان يوم السبت الثاني من جماد الأول سنة [ثلاث](٢) وخمسين وسبعمائة ، فلما كان بعض الظهر ـ وأنا فيه ـ سمعت لبعض الأحجار فيه أصواتا عجيبة ، فرفعت حجرين منها في يدي في كل كف [حجر](٣) ، فكنت أجد رعدة الحجر في يدي وهو يصيح ، ثم إني رفعت يدي فصاحت كل واحدة من أصابعي أيضا ، وكان مجل (٤) الصياح قدر قامة من الأرض ، فما كان على سمتها صاح ، وما كان أرفع من ذلك أو أخفض لم يتكلم ، فعلمت أن ذلك [تسبيح](٥) ، فدعوت الله تعالى بما تيسر ـ وكانت الشمس إذ ذاك مغيمة ـ ، فلما طلعت الشمس سكت ، فقست الشمس فصار ظل كل شيء مثله ومثل ربعه ، فقدرت بعد ذلك بالاسطرلاب (٦) ، [فكانت](٧) تلك هي الساعة العاشرة ، وكان صوت الحجر يسمع من مدى مائة خطوة. قال : [فذكرت](٨) ما رأيت لوالدي رحمه‌الله. قال : وأنا جرى لي بحراء شبه ذلك ، ثم صعدت الجبل المذكور مرة أخرى في بعض الأيام ومعي جماعة فحصل لنا ذلك ، وسمعوا ما

__________________

(١) بهجة النفوس (١ / ١٣٢).

(٢) في الأصل : ثلاثة. والتصويب من البحر العميق (٣ / ٢٩٤).

(٣) في الأصل : حجرا.

(٤) مجل : أثر (اللسان ، مادة مجل).

(٥) في الأصل : تسبيحا.

(٦) الاسطرلاب : جهاز استعمله المتقدمون في تعيين ارتفاعات الأجرام السماوية ومعرفة الوقت والجهات الأصلية (المعجم الوسيط ١ / ١٧).

(٧) في الأصل : فكان. والتصويب من البحر العميق (٣ / ٢٩٤).

(٨) في الأصل : تذكرت. والتصويب من بهجة النفوس (١ / ١٣٢) ، والبحر العميق (٣ / ٢٩٤).

٥٠٦

سمعت بعينه. انتهى.

ثم قال (١) : وحدثني والدي عن بعض من أدركه من أكابر وقته أنه كان يصعد معه إلى جبل حراء في كل عام مرة فيلتقط ذلك الشخص من بعض أحجاره ، فسألته عن ذلك فقال : أخرج منها [نفقتي في العام](٢) ذهبا إبريزا. انتهى ما ذكره القرشي.

وقال القطب (٣) : حراء ـ بكسر الحاء وفتح الراء ممدودا [ممنوعا](٤) ـ وكانت الجاهلية تعظمه وتذكره في أشعارها ؛ فمن ذلك قول أبي طالب عم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

وثور [ومن أرسى ثبيرا](٥) مكانه

وراق ليرقى في حراء [ونازل](٦)

ويقال له : جبل النور ـ بالنون ـ ؛ لظهور أنوار النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولكثرة إقامته صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتعبّده فيه ، ونزول الوحي عليه ، وذلك في غار في أعلاه. انتهى.

وروى أبو نعيم وكذا رواه الطيالسي والحارث في مسنديهما وعلى ما ذكره القسطلاني في مواهبه (٧) : أن جبريل وميكائيل شقّا صدره الشريف فيه وغسلاه ، ثم قال : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ...) الآيات [العلق : ١ ـ ٥] ، وفيه قال ورقة بن نوفل : أشهد أنك الذي بشّر به ابن مريم. انتهى.

__________________

(١) البحر العميق (٣ / ٢٩٤) ، وبهجة النفوس (١ / ١٣٢ ـ ١٣٣).

(٢) في الأصل : نفقة عامي. والتصويب من البحر العميق (٣ / ٢٩٤).

(٣) الإعلام (ص : ٤٤٧).

(٤) قوله : ممنوعا ، زيادة من الإعلام (ص : ٤٤٧).

(٥) في الأصل : وما أمسى ثبير. والتصويب من الإعلام (ص : ٤٧) ، وانظر البيت في : السيرة النبوية لابن هشام (٢ / ٦٨).

(٦) في الأصل : ونازله. والتصويب من الإعلام ، الموضع السابق.

(٧) المواهب اللدنية (١ / ٢٠٤).

٥٠٧

وفي رأس الجبل شجّ في الصخر [نازل](١) قدر ذراع ونصف ، وطوله قدر ذراعين ونصف ، [يقول](٢) الناس : أن شقّ صدره الشريف كان هناك ، ولم أقف على أثر ولا على خبر صحيح أن الشقّ كان في هذا المحل بعينه ، وكان أثر بناء حوله قدر القامة ، ولم أعلم من بناه ، حتى بني في ذلك المحل قبة أمر ببناءها الحاج محمد دفتدار جدة سنة ألف ومائتين [وثمان](٣) وسبعين.

وفي رأس الجبل بركة تملأ زمن الأمطار من السيول يشرب منها الزوار ، ولم أعلم من بناها. انتهى.

لكن هذا الشجّ الذي في رأس الجبل قد [توارثه](٤) السلف عن الخلف ويقولون : إنه محل شق صدره الشريف ، وربّ الدار أعلم بما فيها ، والله أعلم.

وللمرجاني أبيات أنشدها في فضل حراء (٥) :

تأمل حرا في [جمال](٦) محياه

فكم أناس [من حلا](٧) حسنه تاهوا

فممّا حوى من جا لعلياه زائرا

يفرّج عنه الهمّ في حال مرقاه

به خلوة الهادي الشّفيع محمّد

وفيه [له غار قد](٨) كان يرقاه

[وقبلته](٩) للقدس كان بغاره

وفيه أتاه الوحي في حال مبداه

__________________

(١) في الأصل : نازلا.

(٢) في الأصل : يقولون.

(٣) في الأصل : وثمانية.

(٤) في الأصل : توارثوه.

(٥) بهجة النفوس (١ / ١٣٣).

(٦) في الأصل : حال. والتصويب من بهجة النفوس.

(٧) في الأصل : في حال. والتصويب من بهجة النفوس.

(٨) في الأصل : غار له. وقوله : قد ، زيادة على الأصل لاستقامة الوزن الشعري.

(٩) في الأصل : وقبلة.

٥٠٨

وفيه تجلّى الروح في الموقف الذي

به الله في وقت البداءة سوّاه

وتحت تخوم الأرض في السّبع أصله

ومن بعد هذا اهتزّ بالسّفل أعلاه

ولما تجلّى الله قدّس ذكره

لطور تشظّى فهو إحدى شظاياه

ومنها ثبير ثم ثور بمكة

كذا قد أتى في نقل تاريخ مبداه

وفي طيبة أيضا ثلاث فعدّها

فعير وورقاء أحد [قد](١) رويناه

ويقبل فيه ساعة الظّهر من [دعا](٢)

به وينادى من دعانا أجبناه

وفي أحد الأقوال في عقبه حراء

أتى [لقابيل هابيل](٣) غثاه

ومما حوى سرّا حوته صخوره

من التّبر إكسير يقام بسكناه

سمعت به [تسبيحة](٤) غير مرّة

وأسمعته جمعا فقالوا : سمعناه

به مركز النّور [الإلهيّ](٥) مثبتا

فلّله ما أحلى مقاما بأعلاه

ذكره القرشي (٦). انتهى.

ومنها : جبل ثور وهو بأسفل مكة ، وسماه البكري : أبو ثور ، والمعروف فيه : ثور ، كما ذكره الأزرقي والمحب الطبري (٧).

وهو من مكة على ثلاثة أميال على ما ذكره ابن الحاج وابن جبير (٨).

وقال البكري : إنه على ميلين من مكة ، وفوقه الغار الذي دخله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والغار ثقب في أعلا ثور ، وثور : جبل على مسيرة ساعة من مكة.

__________________

(١) قوله : قد ، زيادة على الأصل لاستقامة الوزن الشعري.

(٢) في الأصل : دعاه. والتصويب من بهجة النفوس.

(٣) في الأصل : قابيل لهابيل.

(٤) في الأصل : تسبيحا.

(٥) في الأصل : الإله. والتصويب من بهجة النفوس.

(٦) البحر العميق (٣ / ٢٩٤).

(٧) الأزرقي (٢ / ٢٩٤) ، والقرى (ص : ٦٦٥).

(٨) رحلة ابن جبير (ص : ١٢٢).

٥٠٩

وفي القاموس (١) يقال له : ثور أطحل ، وأطحل : اسم جبل نزله ثور بن عبد [مناة](٢) فنسب إليه ذلك الجبل.

وفي المعجم : أنه من مكة على ميلين ، وارتفاعه نحو ميل ، وفي أعلاه الغار الذي دخله النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مع [أبي](٣) بكر ، وهو المذكور في القرآن في قوله تعالى : (ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ) [التوبة : ٤٠] ، وقصته مشهورة في السّير ، وفيه من كل نبات الحجاز وشجره ، وفيه شجرة البان ، وفيه شجرة من حمل منها شيئا لم تلدغه هامة.

قال المرجاني في بهجة النفوس : وذكر بعض الجمالين (٤) : إني لأعرف رجلا كان له بنين وأموالا كثيرة ، فأصيب في ذلك كله ، فلم يحزن على شيء لقوة صبره ، فسألته عن ذلك فقال : روي أن من دخل غار ثور الذي آوى إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبو بكر رضي‌الله‌عنه وسأل الله تعالى أن يذهب عنه الحزن لم يحزن بعدها على شيء من مصائب الدنيا ، وقد فعلت ذلك فما وجدت قط حزنا.

قال المرجاني (٥) : والخاصيّة في ذلك من قوله تعالى : (ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا) [التوبة : ٤٠].

وهذا الغار مشهور معروف يتلقاه الخلف عن السلف ، ويزوره الناس ويدخلون إليه من بابه ، ويدعون الله تعالى ، ويظهر الله عليهم البركة ببركة

__________________

(١) القاموس المحيط (ص : ٤٥٩) ، ومعجم البلدان (٢ / ٨٦ ـ ٨٧).

(٢) في الأصل : مناف. والصواب ما أثبتناه (انظر : القاموس ومعجم البلدان ، الموضعان السابقان).

(٣) في الأصل : أبو. والصواب ما أثبتناه.

(٤) في بهجة النفوس : العمالين.

(٥) بهجة النفوس (١ / ٥٣).

٥١٠

مآثر نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والناس يدخلون غار جبل ثور من بابه الضيق ويقولون : من لم يدخل منه ليس ابن أبيه. ذكره القرشي (١).

ثم قال : وقد وسّع الباب الضيق في زماننا ؛ لأن بعض الناس انحبس به لما ولج ، فلم يقدر أن يخرج ولا يدخل ، ومكث على ذلك قريبا من ليلة حتى راحوا إليه الحجّارون ، ووسّعوا عنه ، وقطعوا عنه الحجر من الجوانب ، فانفتح حتى اتسع الموضع. انتهى (٢).

وذكر القطب (٣) : أن هذا الغار مشهور يتلقاه الخلف عن السلف فيدخلون إليه الناس من بابه الكبير الذي يروى أن جبريل عليه‌السلام ضربه بجناحه ففتحه ، وقلّ أن يدخل إليه أحد من بابه الضيق ؛ لأن الدخول منه عسر ويحتاج إلى فطنة.

والمشهور عند العوام : أن من احتبس فيه لا يكون ابن أبيه ، وذلك كلام باطل لا أصل له ، وقد تعوق فيه بعض الناس قديما وحديثا وقد حبس فيه بحضرتنا ناس وأخذ لهم الحجّارون من مكة فقطعوا عنهم ، وتكرر ذلك كثيرا في كل عصر ، ومع ذلك لا يتسع كثيرا بل يتعوق الناس فيه للجهل بكيفية الدخول خصوصا إذا كان بطنا. وطريقة الدخول : أن الداخل إليه ينبطح على وجهه ويدخل رأسه وكتفيه ، ثم يميل إلى جانب يساره فلا يجد ما يعوقه ، ويسلك مائلا إلى اليسار. وأما من لم يعرف طريقة الدخول فيدخل برأسه وكتفيه ، ويستمر داخلا بباقي جسده ، فتصادفه صخرة قدامه

__________________

(١) البحر العميق (٣ / ٢٩٤ ـ ٢٩٦).

(٢) البحر العميق (٣ / ٢٩٦ ـ ٢٩٧).

(٣) الإعلام (ص : ٤٥٠ ـ ٤٥١) ، وانظر : البحر العميق ، الموضع السابق.

٥١١

فتعوقه ، فيرفع رأسه إلى فوق فلا [يمكنه](١) الولوج ، وكلما شدّد في الدخول تعوّق وانحبس ، فيحتاج [إلى حجّار](٢) يقطع عنه قليلا ليتخلص ، ولا يفطن للميل جهة اليسار ليتخلص بسهولة ، ولكن الخرق قد اتسع كثيرا الآن. انتهى كلام القطب.

ومنها : جبل خندمة (٣) ، وهو جبل كبير خلف أبي قبيس.

قال الفاكهي (٤) : حدثني أبو بكر [أحمد بن محمد المليكي](٥) حدثنا عبد الله بن عمر بن أسامة [قال : حدثنا](٦) أبو [صفوان](٧) المرواني ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس قال : ما مطرت مكة قط إلا وكان [للخندمة](٨) غرّة ، وذلك أن فيها قبر سبعين نبيا.

[وهي مشرفة](٩) على أجياد الصغرى وشق شعب عامر. كذا في الإعلام (١٠).

ومنها : جبل ثبير ، وهو على يسار الذاهب إلى عرفات ، وهذا الجبل من

__________________

(١) في الأصل : يمكن. والتصويب من البحر العميق (٣ / ٢٩٦).

(٢) قوله : إلى حجّار ، ساقط من الأصل. والمثبت من ب. وانظر : البحر العميق ، الموضع السابق.

(٣) الخندمة : جبل بمكة في ظهر أبي قبيس (معجم البلدان ٢ / ٣٩٢) وهو مشرف على سوق الليل.

(٤) أخبار مكة (٤ / ١٣٤).

(٥) في الأصل : محمد بن أحمد المكي. والتصويب من الفاكهي (٤ / ١٣٤) ، والإعلام (ص : ٤٥٢ ـ ٤٥٣).

(٦) قوله : قال حدثنا ، زيادة من المصدرين السابقين.

(٧) في الأصل : سليمان. والتصويب من الإعلام (ص : ٤٥٣). وانظر ميزان الاعتدال (٤ / ١٠٩).

(٨) في الأصل : لخندمة. والمثبت من الإعلام ، الموضع السابق.

(٩) في الأصل : وهو مشرف. والتصويب من الإعلام ، الموضع السابق.

(١٠) الإعلام (ص : ٤٥٢ ـ ٤٥٣).

٥١٢

منى ، وهو الذي أهبط عليه الكبش الذي فدي به إسماعيل عليه الصلاة والسلام.

وفي الوصل والمنى في فضائل منى : أن أبا بكر النقاش قال في منسكه : إن الدعاء يستجاب في ثبير الذي بلحفه مغارة الفتح ؛ لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يتعبد فيه قبل النبوة وأيام ظهور الدعوة ، وإن بقرب المغارة التي بلحف ثبير معتكف عائشة. كذا في الإعلام.

ثم قال القطب (١) : وهذه الصخرة غير معروفة الآن. انتهى.

وفي إخبار الكرام للأسدي (٢) : مسجد عائشة رضي‌الله‌عنها ، وهو غار لطيف عليه بناء فوق مسجد الكبش. انتهى.

ومنها : الجبل المقابل لثبير بلحفه مسجد الخيف ؛ لأن فيه [غارا](٣) يقال له : غار المرسلات (٤) ، فيه أثر رأس النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ذكره ابن جبير في رحلته (٥) بعد أن ذكر مسجد الخيف. قال : وبقربه على يمين المارّ على الطريق حجر [مسند](٦) إلى سفح الجبل مرتفع عن الأرض يظل من تحته ، ذكر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قعد تحته ، ومسّ رأسه الكريم الحجر [فلان الحجر](٧) حتى أثّر فيه تأثيرا بقدر دائرة الرأس ، فيضع الناس رؤوسهم في هذا المحل ؛ تبركا

__________________

(١) الإعلام ص : (٤٥١).

(٢) إخبار الكرام (ص : ٦٩).

(٣) في الأصل : غار. والتصويب من الإعلام.

(٤) غار المرسلات : غار صغير بمنى بسفح جبل الصفائح جنوب مسجد الخيف ، وهو عبارة عن حجر كبير مستدير إلى سفح الجبل مرتفع على الأرض يظلل ما تحته ، يقال أنه نزلت فيه على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم سورة المرسلات (انظر : القرى لقاصد أم القرى ص : ٦٦٥ ، وشفاء الغرام ١ / ٥٣١ ـ ٥٣٢ ، والجامع اللطيف ص : ٣٣٥ ـ ٣٣٦ ، ومرآة الحرمين ١ / ٣٢٦).

(٥) رحلة ابن جبير (ص : ١٢١) ، والإعلام (ص : ٤٥٢).

(٦) في الأصل : مستدير. والتصويب من الرحلة ، والإعلام.

(٧) زيادة من الرحلة والإعلام.

٥١٣

بموضع رأسه صلى‌الله‌عليه‌وسلم كي لا تمس رؤوسهم النار.

وقال ابن خليل : يستحب أن يزار مسجد المرسلات. وسيأتي ذكر هذا المسجد في المساجد.

الفصل الثالث : في الأماكن المباركة بمكة المشرفة

مما هو فيها وفي حرمها كالمساجد التي بمنى وما قربها مما هو في الحرم التي

يستحب زيارتها والصلاة والدعاء فيها رجاء بركتها ، وهذه الأماكن

مساجد ودور ، والمساجد أكثر من غيرها ، إلا أن بعض المساجد اشتهرت

باسم المواليد وبعضها باسم الدور. وسنذكر كلا منها على حدتها

فمن المساجد : مسجد بقرب المجزرة على يمين الهابط إلى المسجد الحرام ويسار الصاعد ، يقال أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى المغرب فيه على ما هو مكتوب في حجرين في هذا المحل ، أحدهما بخط عبد الرحمن بن [أبي](١) حرمي ، وفيه : أنه عمّر في رجب سنة [ثمان](٢) وثمانين وخمسمائة ، وفي الآخر : أنه عمّر سنة [سبع](٣) وأربعين وستمائة (٤) ، وذكره الأزرقي في المحل الذي يستحب فيه الصلاة (٥).

قال الفاسي (٦) : وطول هذا المسجد من الجدار الذي فيه بابه إلى الجدار المقابل له : سبعة أذرع إلا ربع ذراع بالحديد ، وعرضه : خمسة أذرع وثمن.

__________________

(١) قوله : أبي ، زيادة على الأصل. وانظر ترجمته في : سير أعلام النبلاء (٢٣ / ٢٦٩).

(٢) في الأصل : ثمانية.

(٣) في الأصل : سبعة.

(٤) شفاء الغرام (١ / ٤٩٣).

(٥) الأزرقي (٢ / ١٩٨) ، والإعلام (ص : ٤٥٠ ـ ٤٥١) ، وشفاء الغرام (١ / ٤٩٣).

(٦) الفاسي (١ / ٤٩٣).

٥١٤

وذلك من الجدار الذي فيه محرابه إلى الجدار المقابل له ، وبين باب هذا المسجد وجدار باب بني شيبة : خمسمائة ذراع وعشرة أذرع ونصف ذراع بذراع اليد.

وتوهم أهل العصر أن هذا المسجد هو الذي ذكره الأزرقي أنه عند قرن [مسقلة](١) عند موقف الغنم ، وأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بايع الناس عنده يوم فتح مكة. وسبب هذا التوهم : أن المسجد الذي ذكرنا ذرعه وشيئا (٢) من خبره بلحف جبل ، وعنده الآن سوق الغنم ، وليس هذا التوهم بشيء. انتهى.

وفي الإصابة قال : ومنها مسجد عند سوق الغنم بالمدعى ، يروى أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بايع الناس عنده يوم فتح مكة.

وقال الأسدي في إخبار الكرام (٣) : ومنها المسجد الذي عند المدعى يقال : إنه صلى المغرب عنده صلى‌الله‌عليه‌وسلم. انتهى.

وقال القليوبي : مسجد الميل عند زقاق المجزرة الكبيرة على يمين الهابط إلى مكة ، يقال : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى المغرب هناك. انتهى.

ومنها : مسجد على يمين الصاعد إلى المعلا على رأس حوش غراب خارج عن جدار بيت الزرعة ، محوط عليه بالحجر الشبيكي أمام الخرازين ، يقال : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى فيه. كذا في حاشية السيد يحيى المؤذن.

ومنها : مسجد بأعلا الردم عند بئر جبير بن مطعم ، يقال : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى فيه ، ويعرف اليوم بمسجد الراية ، كما ذكره المحب الطبري (٤).

__________________

(١) في الأصل : مقلة. وانظر شفاء الغرام. ومسقله : اسم رجل كان يسكنه في الجاهلية.

(٢) في الأصل : وشيء. والصواب ما أثبتناه.

(٣) إخبار الكرام (ص : ٦٤).

(٤) القرى (ص : ٦٦٤).

٥١٥

قال الأزرقي (١) : وقد بناه [عبد الله بن](٢) عبيد الله بن عباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس رضي‌الله‌عنهما.

وعمّره [المستعصم](٣) بالله العباسي في شعبان سنة [أربع](٤) وستين وستمائة ، وعمّره الأمير قطلبك (٥) في أوائل سنة إحدى وثمانمائة. كذا في البحر العميق (٦).

وفي الإعلام (٧) : مسجد الراية فيه مئذنة ذات دورين تهدّم رأسها الآن ، ويقال لها : منارة [أبي شامة](٨) وأمامها بئر معطلة يقال : إنها بئر جبير بن [مطعم بن عدي](٩) بن نوفل ، يقال : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم غرز رايته يوم الفتح في هذا المحل.

وقال الفاكهي (١٠) : وكان من آثار النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند بئر جبير بن مطعم ، وكان الناس لا يتجاوزون السكنى ، وفي ذلك يقول ربيعة شعرا (١١) :

نزلوا بمكة في قبائل نوفل

[نزلوا وخلف](١٢) البئر أعلا منزلا

__________________

(١) الأزرقي (٢ / ٢٠٠).

(٢) قوله : عبد الله بن ، زيادة من الأزرقي ، الموضع السابق ، والبحر العميق (٣ / ٢٨٨).

(٣) في الأصل : المعتصم. والتصويب من البحر العميق ، الموضع السابق.

(٤) في الأصل : أربعة.

(٥) قطلبك ـ أو قطلوبك ـ : هو أحد أعيان أمراء الدولة الظاهرية (انظر ترجمته في : الضوء اللامع ٦ / ٢٢٤).

(٦) البحر العميق (٣ / ٢٨٨).

(٧) الإعلام (ص : ٤٥٣).

(٨) في الأصل : الدمشيشة. والتصويب من الإعلام ، الموضع السابق.

(٩) في الأصل : عدي بن مطعم. وانظر ترجمته في : التاريخ الكبير (٢ / ٢٢٣) ، والجرح والتعديل (٢ / ٥١٢).

(١٠) الفاكهي (٤ / ١٩).

(١١) في الأصل : شعر.

(١٢) في الأصل : ونزلوا خلف. وقد عدلت لاستقامة الوزن الشعري.

٥١٦

انتهى.

وقال الفاسي : إنه كان بمكة سور قريب من مسجد الراية ، وأنه كان من الجبل الذي من جهة القرارة ، ويقال لذلك الجبل : جبل لعلع إلى جهة سوق الليل. قال : وفي الجبل آثار تدل عليه.

وذرع هذا المسجد على ما ذكره الفاسي من داخله : ستة عشر ذراعا (١) بالحديد ، وذلك من الجدار الذي فيه الباب إلى الجدار المقابل له ، وعرضه : ستة أذرع إلا [ثلثا](٢) ، وذلك من الجدار الذي في محرابه إلى الجدار المقابل له ، وبين جدار هذا المسجد وجدار باب بني شيبة : تسعمائة ذراع وأربعة وعشرون ذراعا بذراع الحديد ، فيكون ذلك باليد : ألف ذراع وستة وخمسين ذراعا. انتهى (٣).

وذكر السيد يحيى المؤذن في حاشيته أن مسجدا بأعلا مكة على يمين الصاعد إلى المعلا أمام زاوية الرفاعي [التي](٤) بسوحها دبل عين زبيدة ، ثم قال : ومن هذا المسجد إلى جدر باب السلام تسعمائة ذراع وأربعة وعشرون ذراعا بالحديد ، وهذا هو المسجد الذي [شاع](٥) عند أهل مكة أنه مسجد الراية.

[ومنها](٦) : مسجد الشجرة : ففي الإصابة في أماكن الإجابة للشيخ إدريس الصعيدي قال : مسجد الشجرة ، ولعله المسجد الذي يقال له :

__________________

(١) في الأصل : ذراع. وانظر الفاسي.

(٢) في الأصل : ثلث.

(٣) شفاء الغرام (١ / ٤٩٤ ـ ٤٩٥).

(٤) في الأصل : الذي.

(٥) في الأصل : شائع.

(٦) في الأصل : منها.

٥١٧

مسجد الراية ، ويسمى مسجد الحرس ، ومسجد المصلّى يصلي فيه العوام المغرب أربعة في ذي الحجة من الرجال والنساء ، ثم ينفرون بعد صلاة المغرب ويقال : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى المغرب فيه ، وهذا الذي يفعلونه ما له أصل في السّنّة.

وفي البحر العميق (١) : مسجد الشجرة مقابل مسجد الجن ، سألها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في شيء فأقبلت تخطّ بعروقها وأصولها الأرض حتى وقفت بين يديه فسألها عما يريد ، ثم أمرها فرجعت حتى انتهت إلى موضعها. انتهى.

قلت : وهذا المسجد هو الحوطة [التي](٢) خلف مسجد الجن من جهة المعابدة. انتهى.

وفي المواهب اللدنية (٣) كما في رواية موسى بن عقبة : أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث الزبير رضي‌الله‌عنه يوم فتح مكة على المهاجرين وأمره أن يدخل من كداء ـ بالفتح ـ بأعلا مكة ، وأمره أن يركز رايته بالحجون ولا يبرح حتى [يأتيه](٤). انتهى.

وكداء ـ بفتح الكاف والدال ـ. ففي البخاري عن ابن عمر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم دخل من كداء من الثنية العليا التي بالأبطح.

وهذه الثنية هي الثنية الصغرى المعروفة بين الجبلين التي بأعلا مكة التي ينزل منها إلى الحجون مقبرة أهل مكة.

قال الحطاب المالكي : وهذه الثنية كانت صعبة المرتقى فسهّلت مرارا ،

__________________

(١) البحر العميق (٣ / ٢٨٨).

(٢) في الأصل : الذي.

(٣) المواهب اللدنية (١ / ٥٧٠) ، وشرحها (٢ / ٣٠٩).

(٤) في الأصل : يأتي. والتصويب من المواهب اللدنية.

٥١٨

واختلف في أول من سهّلها ، فقيل : معاوية ، وقيل : عبد الله بن الزبير ، ثم سهّلها عبد الملك بن مروان ، ثم سهّلها ودرجها المهدي ، ثم بعض المجاورين سهّل موضعا في رأسها سنة إحدى [عشرة](١) وثمانمائة ، ثم سهّلها غيره في سنة [سبع عشرة](٢) وثمانمائة ، وكانت ضيّقة لا تسع إلا قنطارا واحدا ففتحت حتى اتسعت فصارت تسع أربع مقاطير محمّلة ، وسهّلت أرضها. اه من شرح البخاري للشيخ محمد عربي المالكي البنّاني.

أقول : ثم سهّلت في سنة ألف ومائتين وتسعين ١٢٩٠.

قال ابن الأثير (٣) : والحجون الجبل المشرف مما يلي شعب الجزارين بمكة ، وقيل : هو موضع بمكة فيه اعوجاج. قال : والأول هو المشهور.

وفي القاموس (٤) : الحجون [جبل](٥) بمعلا مكة. اه.

وفي السيرة الحلبية (٦) : إنه (٧) موضع ما غرز الزبير رايته بالحجون ، وذلك عند شعب أبي طالب ، وفيه تصريح أن شعب أبي طالب كان خارجا عن مكة. اه.

وقد علمت الخلاف في موضع مسجد الراية ، فليحرر. انتهى.

ومنها : مسجد يقال له : مسجد الجن ، وقد عرّفه الأزرقي (٨) بأنه مقابل الحجون.

__________________

(١) في الأصل : عشر.

(٢) في الأصل : سبعة عشر.

(٣) النهاية في غريب الحديث (١ / ٣٤٨).

(٤) القاموس المحيط (ص : ١٥٣٤).

(٥) قوله : جبل ، زيادة من القاموس.

(٦) السيرة الحلبية (٣ / ٢٧).

(٧) في الأصل : أن. والصواب ما أثبتناه.

(٨) الأزرقي (٢ / ٢٠٠ ـ ٢٠١).

٥١٩

وقال الأسدي (١) : مقابل الحجون وأنت مصعد على يمينك يقال : إنه موضع الخط الذي خطه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لابن مسعود ليلة سمع منه الجن. قال : وهو يسمى الآن مسجد البيعة ، يقال : إنهم بايعوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ذلك المحل ، وفيه نزلت : (قُلْ أُوحِيَ ...) إلى آخر السورة [الجن : ١ ـ ٢٨]. انتهى.

قلت : هو الآن عمار وعليه قبة صغيرة.

ومن ذلك : المسجد الذي يقال له : مسجد الإجابة وهو بالأبطح ، ويسمى بالبطحاء وبخيف بني كنانة ، وهو المسمى الآن بالمعابدة. وحدّه إلى جبل ثقبة.

والموضع الذي نزل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم هو الموضع المسمى بمسجد الإجابة. كذا في حاشية الشيخ سنبل على منسك الدر. اه.

[وهو](٢) على يسار الذاهب إلى منى في شعب قرب ثنية أذاخر (٣) ، ويقابله جبل زرود الذي يشرف على البياضية ، وهو مسجد مشهور عند أهل مكة يقال : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى المغرب فيه. ذكره القرشي (٤).

ثم قال : وهو الآن خراب جدا ، وجدرانه ساقطة إلى [القبلة](٥) ، وفيه حجر مكتوب [فيه](٦) إنه مسجد الإجابة ، وأنه عمّر سنة عشرين وسبعمائة.

__________________

(١) إخبار الكرام (ص : ٦٧).

(٢) قوله : وهو ، زيادة على الأصل.

(٣) أذاخر : جبل يشرف على الأبطح من الشمال ، ويتصل بالحجون من الشرق ، ولا زالت هناك ثنية تعرف بثنية أذاخر ، منها دخل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم فتح مكة ، وريع أذاخر لا زال معروفا بمكة حتى الآن (معالم مكة التاريخية ص : ٢٢ ـ ٢٣ ، والأزرقي ٢ / ٢٨٩).

(٤) البحر العميق (٣ / ٢٨٨) ، وانظر : الجامع اللطيف (ص : ٢٠٦).

(٥) في الأصل : القبلي.

(٦) قوله : فيه ، زيادة من ب.

٥٢٠