تحصيل المرام - ج ١-٢

الشيخ محمّد بن أحمد بن سالم بن محمّد المالكي المكّي [ الصبّاغ ]

تحصيل المرام - ج ١-٢

المؤلف:

الشيخ محمّد بن أحمد بن سالم بن محمّد المالكي المكّي [ الصبّاغ ]


المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الأسدي للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١٠٧٤

والباب](١) واضعا وجهه على البيت (٢). اه (٣).

وفي شرح الموطأ (٤) عن ابن الزبير عن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما قال : الملتزم ما بين الحجر الأسود والباب. كذا في رواية الباجي والمهلب وابن وضاح وهو الصحيح ، ولسائر رواة يحيى : ما بين الركن والمقام.

قال القاضي عياض في المشارق (٥) : وهذا وهم إنما هذا الحطيم ، لا يلتزم بينهما أحد يسأل الله تعالى شيئا إلا أعطاه إياه. قال ابن الزبير : فدعوت الله هناك فاستجيب لي. اه.

وعن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم [يقول](٦) : «الملتزم موضع يستجاب فيه الدعاء ، وما دعا عبد لله فيه دعوة إلا استجابها له ، فو الله ما دعوت فيه إلا أجابني الله» (٧).

وعن عمرو : أنا والله ما أهمّني أمر فدعوت الله فيه إلا استجاب لي منذ سمعت هذا الحديث من ابن عباس (٨).

وعن سفيان رضي‌الله‌عنه : ما دعوت الله قط في شيء إلا استجيب لي منذ سمعت هذا الحديث من عمرو بن دينار (٩).

وقال الحميدي : وأنا والله ما دعوت الله قط فيه بشيء إلا استجاب لي

__________________

(١) زيادة من زبدة الأعمال (ص : ٩٧) ، وإثارة الترغيب والتشويق (ص : ١٧٤).

(٢) أخرجه أحمد (٣ / ٤٣٠).

(٣) زبدة الأعمال (ص : ٩٦ ـ ٩٧).

(٤) الموطأ (١ / ٣٣٨ / ح ٢٥١) ، وفيه : ما بين الركن والباب الملتزم.

(٥) المشارق (١ / ٣٩٣).

(٦) في الأصل : يقال. والتصويب من زبدة الأعمال (ص : ٩٧).

(٧) ذكره الخوارزمي في إثارة الترغيب والتشويق (ص : ١٧٤).

(٨) مثل السابق.

(٩) ذكره الخوارزمي في إثارة الترغيب والتشويق (ص : ١٧٥).

٢٠١

منذ سمعت هذا الحديث [من سفيان](١).

وقال محمد بن إدريس المكي كاتب الحميدي : وأنا والله ما دعوت الله عزوجل قط بشيء إلا استجاب لي منذ سمعت هذا الحديث من الحميدي. وقال محمد بن الحسن مثله (٢).

وقال عبد الله بن محمد : دعوت الله [مرارا](٣) فاستجيب لي ، وقال حمزة مثله ، وقال أبو الحسن مثله ، وقال أبو طاهر الأصبهاني مثله ، وقال أبو عبد الله (٤) مثله ، وقال محمد بن مسدي مثله ، وقال محب الدين الطبري (٥) مثله ، وقال عبد العزيز ابن جماعة مثله. ذكره القرشي (٦).

وقال ابن عباس رضي‌الله‌عنهما : من التزم الكعبة ودعا استجيب له. أخرجه الأزرقي (٧).

فيجوز أن يكون على عمومه ، ويجوز أن يكون محمولا على الملتزم.

وعن سليمان بن بريدة ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «طاف آدم عليه الصلاة والسلام حين نزل البيت سبعا ، ثم صلى تجاه البيت ركعتين ، ثم أتى الملتزم فقال : اللهم إنك تعلم سري وعلانيتي فاقبل معذرتي ، وتعلم ما في نفسي فاغفر لي ذنوبي ، وتعلم حاجتي فأعطني سؤلي ، اللهم إني

__________________

(١) قوله : من سفيان ، زيادة من البحر العميق (١ / ٢٥). وقد ذكره الخوارزمي في إثارة الترغيب والتشويق ، الموضع السابق.

(٢) ذكره الخوارزمي في إثارة الترغيب والتشويق (ص : ١٧٥).

(٣) في الأصل : أمورا. والتصويب من زبدة الأعمال (ص : ٩٧) ، والبحر العميق (١ / ٢٥) ، وإثارة الترغيب والتشويق (ص : ١٧٥).

(٤) في البحر : أبو عبيد التغليسي.

(٥) في هامش الأصل زيادة : مؤلف القرى لقاصد أم القرى. وانظر : القرى (ص : ٣١٥ ـ ٣١٦).

(٦) البحر العميق (١ / ٢٥) ، وذكره الخوارزمي في إثارة الترغيب والتشويق (ص : ١٧٥).

(٧) أخرجه الأزرقي (١ / ٣٤٨) ، وذكره الخوارزمي في إثارة الترغيب والتشويق (١٧٥).

٢٠٢

أسألك إيمانا يباشر قلبي ويقينا [صادقا](١) حتى أعلم أنه لا يصيبني إلا ما كتبت لي ، والرضى بما قضيت [عليّ](٢) ، فأوحى الله تعالى : يا آدم ، قد دعوتني بدعوات فاستجبت لك ، ولن يدعوني [بها](٣) أحد من أولادك إلا كشفت همومه ، وكففت عنه ضيعته ، ونزعت الفقر من قلبه ، وجعلت الغنى بين عينيه ، [وتجرت له](٤) من وراء تجارة كل تاجر ، وأتته الدنيا وهي راغمة وإن كان لا يريدها» (٥). انتهى من زبدة الأعمال (٦).

الفصل الحادي عشر : فيما يتعلق بالمستجار

ومعرفة محله وما جاء في فضله

في تشويق المساجد : إن المستجار ما بين الركن اليماني والباب المسدود ، وهو في ظهر الكعبة مقابل الملتزم ، وهو ـ أي المستجار ـ أربعة أذرع وثلاث أصابع ، ويسمى ذلك الموضع : مستجار من الذنوب ، وعرض الباب

__________________

(١) في الأصل : صالحا ، والمثبت من زبدة الأعمال (ص : ٩٨) ، والبحر العميق (١ / ٢٥).

وانظر الطبراني في الأوسط (٦ / ١١٨).

(٢) قوله : عليّ ، زيادة من زبدة الأعمال ، والبحر العميق ، الموضعين السابقين.

(٣) في الأصل : بهذا. والمثبت من المرجعين السابقين.

(٤) في الأصل : وتجارته. والمثبت من الأزرقي (١ / ٣٤٩).

(٥) أخرجه الأزرقي (١ / ٤٤) ، والطبراني في الأوسط (٦ / ١١٨ ح ٥٩٧٤) من حديث عائشة رضي‌الله‌عنها ، والخطيب البغدادي في موضح أوهام الجمع والتفريق (٢ / ١٢٠) ، والذهبي في السير (٢٢ / ١٧٣) من حديث بريدة رضي‌الله‌عنه. وذكره الزبيدي في إتحاف السادة المتقين (٤ / ٣٥٥) ، والهيثمي في مجمعه (١٠ / ١٨٣) ، والسيوطي في الدر المنثور (١ / ١٤٣) والمباركفوري (٥ / ٥٧ ح ١٢٠٣٤) وعزياه إلى الأزرقي ، والطبراني في الأوسط ، والبيهقي في الدعوات ، وابن عساكر من حديث بريدة رضي‌الله‌عنه ، وذكره الفاسي في شفاء الغرام (١ / ٢٥٩ ـ ٢٦٠).

(٦) زبدة الأعمال (ص : ٩٧ ـ ٩٨) ، والبحر العميق (١ / ٢٥) ، وإثارة الترغيب والتشويق (ص : ١٧٤ ـ ١٧٥).

٢٠٣

المسدود ثلاثة أذرع ونصف ذراع. انتهى.

وذكر القرشي (١) عن عطاء : مرّ ابن الزبير رضي‌الله‌عنهما بعبد الله بن العباس رضي‌الله‌عنهما بين الباب والركن الأسود فقال : ليس هاهنا الملتزم ، [الملتزم](٢) دبر الباب ، فقال ابن عباس رضي‌الله‌عنهما : هناك ملتزم عجائز قريش. أخرجه الأزرقي (٣).

وكان جماعة من السلف ، منهم القاسم بن محمد ، وعمر بن عبد العزيز ، وجعفر بن محمد ، وأيوب السختياني ، وحميد الطويل رضي‌الله‌عنهم يلتزمون ظهر الكعبة بين الركن اليماني والباب المسدود ويقال له : المستجار.

وعن مجاهد : قال معاوية بن أبي سفيان رضي‌الله‌عنه : من قام عند ظهر البيت ودعا استجيب له ، وخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه. أخرجه الأزرقي (٤).

وهذا القول لا يكون من معاوية رضي‌الله‌عنه إلا عن سماع من الشارع صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

__________________

(١) البحر العميق (١ / ٢٦).

(٢) قوله : الملتزم ، زيادة من الأزرقي (١ / ٣٤٨).

(٣) أخرجه الأزرقي (١ / ٣٤٨).

(٤) المرجع السابق.

٢٠٤

الفصل الثاني عشر : فيما جاء في الحطيم والحجر

واختلاف العلماء في موضع الحطيم وفيمن جدد الحجر بعد الحجّاج وما

جاء في فضلهما

عن عبد الرحمن بن صفوان قال : لما فتح الله على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مكة قلت : لألبسن ثيابي ولأنظر كيف يفعل رسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فانطلقت فرأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد خرج من الكعبة هو وأصحابه وقد استلموا البيت من الباب إلى الحطيم وقد وضعوا خدودهم على البيت ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وسطهم. رواه أحمد وأبو داود (١) وهذا لفظه. كذا في البحر العميق (٢).

وفي المدونة (٣) في تفسير الحطيم : هو ما بين الباب إلى المقام.

وقال ابن حبيب : هو ما بين الركن الأسود إلى الباب إلى المقام.

وعن ابن جريح قال : الحطيم ما بين الركن والمقام وزمزم والحجر.

ويسمى هذا الموضع حطيما ؛ لأن الناس كانوا يحطمون هناك بالأيمان ، ويستجاب فيه الدعاء للمظلوم على الظالم ، فقيل : من دعا هناك على ظالم هلك ، وقال : من حلف هناك آثما عجلت عقوبته (٤) ، وكان ذلك يحجز بين الناس عن الظلم ، وتهيب الناس الأيمان هناك ، فلم يزل ذلك كذلك حتى جاء الله بالإسلام ، فأخّر الله ذلك لما أراد إلى يوم القيامة. رواه الأزرقي (٥). ذكره القرشي.

__________________

(١) أخرجه أبو داود (٢ / ١٨١ / ح ١٨٩٨) ، وأحمد (٣ / ٤٣١).

(٢) البحر العميق (١ / ٢٥).

(٣) المدونة الكبرى (٣ / ٩٨).

(٤) شفاء الغرام (١ / ٣٧٥).

(٥) أخرجه الأزرقي (٢ / ٢٤). وذكره القرشي في البحر العميق (١ / ٢٥).

٢٠٥

ثم قال : والمشهور عند الأصحاب ـ أي : الأحناف ـ أن الحطيم اسم للموضع الذي فيه الميزاب ، وبينه وبين البيت فرجة ، فسمي هذا الموضع حطيما ؛ لأنه محطوم من البيت ـ أي : مكسور منه ـ فعيل بمعنى مفعول ؛ كقتيل بمعنى مقتول ، وقيل : فعيل بمعنى فاعل ، أي : حاطم ، كعليم بمعنى عالم ؛ لأنه جاء في الحديث : «من دعا على من ظلمه فيه حطمه الله».

ويسمى أيضا حجر ؛ لأنه حجر من البيت ـ أي : منع منه ـ (١).

وفي المشارق للقاضي عياض (٢) : حجر الكعبة وهو ما تركت قريش من بنائها على ما أسس إبراهيم صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، [وحجرت](٣) على الموضع ليعلم أنه من الكعبة فسمي حجرا لكن فيه زيادة على ما فيه من البيت ، حده في الحديث بنحو من سبعة أذرع. انتهى.

وقال القرشي (٤) : ويسمى أيضا حفرة إسماعيل عليه الصلاة والسلام ؛ لأن الحجر قبل بناء الكعبة كان زربا لغنم إسماعيل عليه الصلاة والسلام. انتهى.

وفي البخاري ومسلم (٥) عن عائشة رضي‌الله‌عنها : سألت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الجدر ـ بالفتح لغة في الجدار أي : الحجر كما فسره شراح البخاري ـ أمن البيت هو؟ قال : نعم.

قال القسطلاني : ظاهره أن الحجر كله من البيت ، وبه كان يفتي ابن عباس رضي‌الله‌عنهما قال : الحطيم الجادر ـ يعني جدار حجر الكعبة ـ.

__________________

(١) البحر العميق (١ / ٢٥).

(٢) المشارق (١ / ٢٢٠).

(٣) قوله : وحجرت ، زيادة من المشارق ، الموضع السابق.

(٤) البحر العميق (٣ / ٢٣٤).

(٥) أخرجه البخاري (٢ / ٥٧٣ / ح ١٥٠٧) ، ومسلم (٢ / ٩٧٣ / ح ١٣٣٣).

٢٠٦

أخرجه أبو داود (١).

وعنه : من طاف فليطف من وراء الحجر ولا يقول الحطيم (٢) ، وكره هذا الاسم.

قال العلامة الزرقاني في شرح الموطأ (٣) : اتفقت العلماء على أن الطواف لا يجوز إلا خارج الحجر كما حكاه ابن عبد البر ، ونقل غيره أنه لا يعرف في الأحاديث المرفوعة ولا عن أحد من الصحابة والتابعين ولا من بعدهم أنه طاف داخل الحجر ، وكان عملا مستمرا ، وهذا لا يقتضي أن جميع الحجر من البيت ، فلعله احتياط ، والعمل لا يقطع بالوجوب لاحتمال الندب. انتهى.

وفي شرح البخاري للشيخ محمد عربي البنّاني مفتي المالكية بمكة ولفظه : واختلف في الحجر هل كله من البيت أو بعضه ، فذهب المتقدمون من المالكية إلى أن كله من البيت ، وأن الطواف لا يصح إلا من وراء الحجر ، فلو طاف على جزء منه حتى على جداره لم يصح طوافه ، وهذا هو الصحيح في المذهب ، وجزم به النووي وابن الصلاح من الشافعية.

وقال مالك في المدونة (٤) : ولا يعتد بما طافه داخل الحجر ، فهو كمن لم يطف ، وهو قول الجمهور.

قال الحطاب : فصرح بعدم إجزائه على الجدار وهو الظاهر ، وذهب

__________________

(١) أخرجه أبو داود (٢ / ٣٩٤ ح ٣٨٩٥).

(٢) أخرجه البخاري من حديث ابن عباس (٣ / ١٣٩٧ ح ٣٦٣٥) ، والبيهقي في الكبرى (٥ / ١٥٦).

(٣) شرح الزرقاني على الموطأ (٢ / ٤٠٢).

(٤) المدونة الكبرى (٢ / ٤٠٦).

٢٠٧

الجويني [إمام](١) الحرمين والبغوي إلى أن بعض الحجر من البيت. فلو طاف خارجا عن ستة أذرع صح طوافه ، وبهذا قال خليل في مختصره ومنسكه وصاحب الشامل ، وجمهور المتأخرين من المالكية تبعا للخمي. انتهى.

وقد تقدم حديث ابن الزبير رضي‌الله‌عنه حين أراد أن يبني البيت على قواعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، وهو قوله عليه الصلاة والسلام لعائشة رضي‌الله‌عنها : ألم تري (٢) قومك حين بنوا الكعبة اقتصروا على قواعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام حين عجزت بهم النفقة ، لو لا حدثان قومك بالجاهلية ـ يعني قريشا ـ وفي لفظ : لو لا حدثان عهد بالجاهلية ـ أي : قرب عهدهم بها ـ وفي لفظ : لو لا الناس حديثو عهد بالكفر ، وليس عندي من النفقة ما يقوى على بنائها لهدمتها ، وجعلت لها خلفا ـ [أي بابا من خلفها](٣) ـ أي وفي لفظ : لجعلت لها بابا يدخل منه [وبابا بحياله يخرج الناس منه ، وفي لفظ : وجعلت لها بابين ، بابا شرقيا](٤) وبابا غربيا ، وألصقت بابها بالأرض ـ أي : كما كانت في زمن إبراهيم عليه الصلاة والسلام ـ ولأدخلت الحجر فيها ، أي وفي رواية : لأدخلت نحو ستة أذرع ، وفي رواية : ستة أذرع وشيئا ، وفي رواية : [وشبرا](٥) ، وفي رواية : قريبا من سبعة أذرع ، فقد اضطربت الروايات في القدر الذي أخرجته قريش ، وفي

__________________

(١) في الأصل : وإمام.

(٢) في الأصل : تر. والتصويب من السيرة الحلبية (١ / ٢٧٥).

(٣) ما بين المعكوفين زيادة من السيرة الحلبية (١ / ٢٧٥).

(٤) مثل السابق.

(٥) في الأصل : وشبر. والتصويب من السيرة الحلبية (١ / ٢٧٥).

٢٠٨

رواية : لأدخلت فيها ما أخرج منها. وفي لفظ : لجعلتها [على](١) أساس إبراهيم عليه الصلاة والسلام وأزيد ـ أي : بأن أزيد في الكعبة من الحجر ـ ، أي : وذلك ما أخرجته قريش. انتهى ما ذكره الحلبي (٢).

قال الحافظ العسقلاني (٣) : ولم تأت رواية صحيحة أن جميع الحجر كله من بناء إبراهيم في البيت. انتهى.

تنبيه : ما تقدم من الروايات في القدر الذي في الحجر من البيت هل هو ستة ، أو ستة وشبرا وسبع ، لم يثبت ذلك بالتواتر ، وإنما ثبت برواية الآحاد من طرق كلها عن عائشة رضي‌الله‌عنها ، فحينئذ لا تجوز الصلاة متوهما إلى القدر الذي ثبت من البيت على الاختلاف في قدره ، وهو قول الأئمة.

وقال اللخمي من المالكية : يجوز أن يصلي مستقبل القدر الذي ثبت من البيت وهو ستة أذرع ، وقد علمت أنه لم يثبت إلا برواية الآحاد ، فكلام اللخمي ضعيف حتى قال الحطاب من المالكية بعد ذكر كلام اللخمي : الذي أدين الله به أنه لا تجوز الصلاة إلى الحجر بدون استقبال البيت. انتهى من الزرقاني.

ذكر رخام الحجر

وفي درر الفرائد : أول من رخّمه (٤) الحجّاج لما أخرجه من البيت وردّه على ما كان في زمن قريش ، وتقدم توضيح ذلك ، فأول من رخّمه بعد ذلك : أبو جعفر المنصور العباسي سنة إحدى وأربعين ومائة.

__________________

(١) قوله : على ، زيادة من السيرة الحلبية ، الموضع السابق.

(٢) السيرة الحلبية (١ / ٢٧٥).

(٣) فتح الباري (٣ / ٤٧٧).

(٤) أقحم بين الأسطر قوله : «بعد».

٢٠٩

وفي تاريخ الخميس (١) : لما حجّ المنصور دعا زياد بن عبد الله الحارثي أمير مكة وقال له : إني رأيت الحجر مبنيا بحجارة البادية فلا أصبح حتى يصير جدار الحجر بالرخام. فدعا زياد بالعمال فعملوا بالسرج قبل أن يصبح. انتهى.

وفي سنة إحدى وستين ومائة فرش باطن الحجر بالرخام الأبيض والأخضر والأحمر جعفر بن سليمان بن علي وذلك في خلافة المهدي (٢). انتهى.

وأما البلاطة الخضراء التي في الحجر فبعث بها أحمد بن [طريف](٣) من مصر في سنة مائتين [وإحدى](٤) وأربعين وذرعها ذراع وثلاث أصابع. قاله الفاكهي في أخبار مكة. انتهى.

وفي كتاب مكة للأزرقي (٥) : أمر عبد الله بن عبيد الله بن العباس بن محمد الهاشمي بقلع لوح له من رخام الحجر يسجد عليه ، فقلع له في الموسم فأرسل أحمد بن طريف مولى العباس بن محمد الهاشمي برخامتين خضراوتين من مصر هدية للحجر مكان ذلك اللوح ، وهي الرخامة الخضراء على سطح جدار الحجر مقابل الميزاب على هيئة الزورق ، والرخامة الأخرى هي الرخامة الخضراء التي تحت الميزاب تلي جدار الكعبة

__________________

(١) تاريخ الخميس (٢ / ٣٢٥) باختصار. وانظر : (شفاء الغرام ١ / ٤٠٧ ـ ٤٠٨ ، وأخبار مكة للأزرقي ١ / ٣١٣ ، وإتحاف الورى ٢ / ١٧٧ ، والجامع اللطيف ص : ١٤٢).

(٢) إتحاف الورى (٢ / ٢١٢).

(٣) في الأصل : ظريف ، وكذا وردت في الموضع التالي. وانظر : (أخبار مكة للأزرقي ١ / ٣١٧ ، والمقتنى في سرد الكنى ١ / ١٤٨).

(٤) في الأصل : وأحد.

(٥) الأزرقي (١ / ٣١٧).

٢١٠

فجعلتا في هذين الموضعين.

قال أبو محمد الخزاعي : ثم حوّلت [التي](١) كانت على ظهر الحجر فجعلت مقابل الميزاب أمام الرخامتين اللتين على هيئة المحراب في سنة [ثلاث](٢) وثمانين ومائتين. انتهى ما ذكره الأزرقي.

قلت : هي باقية بهذه الصفة.

وممن عمّر الحجر : المعتضد العباسي سنة مائتين [وثمان](٣) وأربعين ، وسبب ذلك : أن الحجبة كتبوا إليه بذلك فأمر بعمارته.

وفي سنة [ست](٤) وعشرين وثمانمائة أمر بتعمير أرض الحجر الأشرف بارسباي.

وفي [اثنتين](٥) وخمسين وثمانمائة وصلت كسوة إلى الحجر مع كسوة البيت الشريف ؛ لأنه لم تجر بذلك عادة ، فوضعت في جوف الكعبة ، ثم كسي بها الحجر من داخل في العشرين من ذي الحجة سنة ثمانمائة وثلاث (٦) وخمسين ، وذلك من قبل جقمق الجراسكي (٧).

وفي ثمانمائة وإحدى وثمانين غيّر رخام الحجر الشريف من داخله وخارجه (٨) ، ورصّصت الشقوق [التي](٩) بين أحجار المطاف ، ورخّم

__________________

(١) في الأصل : الذي. وانظر الأزرقي.

(٢) في الأصل : ثلاثة.

(٣) في الأصل : وثمانية.

(٤) في الأصل : ستة.

(٥) في الأصل : اثنين.

(٦) في الأصل : ثلاثة.

(٧) إتحاف الورى (٤ / ٢٨٧) ، والتبر المسبوك (ص : ٢٦٨).

(٨) إتحاف الورى (٤ / ٦٠١).

(٩) في الأصل : الذي. والتصويب من الإعلام (ص : ٢٢٥).

٢١١

داخل البيت الشريف وذلك من قبل قايتباي (١) ، وأيضا في أيام قانصوه الغوري (٢) الترخيم الواقع في حجر البيت [الشريف ، عمل بأمره في أيامه](٣) ، واسمه مكتوب فيه ، وفرغ من عمله سنة تسعمائة [وست عشرة](٤). ذكره القطب الحنفي (٥).

وفي درر الفرائد : أمر بتعمير الحجر الشريف : قانصوه الغوري ، هدم جميعه وعمّره من داخل بالرخام ومن خارج بالحجارة ، وذلك في سنة تسعمائة [وست عشرة](٦).

وفي تسعمائة [وتسع عشرة](٧) ورد أمر من السلطان الغوري بنقض الحجر الشريف وإعادته بالرخام الأبيض والأسود وشدّه بالجص والرصاص فبنى خمس مداميك رخام أبيض وأربع مداميك رخام أسود ، وسمك كل مدماك مقدار سبعة أصابع ، ثم تفكك بعض أحجار الحجر فأعادها الأمير خوشكلدي ورمم في سنة تسعمائة [وإحدى](٨) وخمسين.

__________________

(١) الإعلام (ص : ٢٢٥).

(٢) قانصوه الغوري : قانصوه بن عبد الله الظاهري الأشرفي ، أبو النصر ، سيف الدين. لقب بالملك الأشرف سلطان مصر والشام والحجاز (٩٠٦ ـ ٩٢٢ ه‍) من الجراكسة. حاربه السلطان سليم في مرج دابق قرب حلب ، وهزمه فأغمي عليه وهو على فرسه ، فمات قهرا ، وضاعت جثته تحت سنابك الخيل. كان شجاعا فطنا وداهية. له مآثر جميلة في مكة وطريق الحاج وبناء سور جدة (انظر : بدائع الزهور ٤ / أحداث السنوات ٩٠٦ ـ ٩٢١ ه‍ ، والإعلام ص : ٢٣٩ ـ ٢٤٣ ، وشذرات الذهب ٤ / ١١٣ ـ ١١٤ ، والأعلام للزركلي ٥ / ١٨٧).

(٣) زيادة من الأعلام (ص : ٢٤٤) ، والغازي (١ / ٥٣٥).

(٤) في الأصل : وستة عشر.

(٥) الإعلام (ص : ٢٤٤). وفيه : وفرغ من عمله سنة ٩١٧.

(٦) في الأصل : وستة عشر.

(٧) في الأصل : تسعة عشر.

(٨) في الأصل : إحدى.

٢١٢

انتهى (١).

وفي منائح الكرم : وممن جدّده السلطان مراد خان ، وهو أول من جدّده من آل عثمان ، وذلك لما بنى الشق الشامي من البيت على ما تقدم ، وذلك في يوم السبت عاشر رمضان سنة ألف وأربعين. انتهى (٢).

قلت : وممن عمّره السلطان عبد المجيد خان ، أمر بذلك سنة ألف ومائتين وستين أو [التي](٣) بعدها أو قبلها ، وحضر عند بنائه أمير مكة حضرة السلالة الهاشمية مولانا الشريف ولي الله الشريف محمد بن عبد المعين بن عون ، وباشر بعض عمل من البناء الشريف ، وكذلك عثمان باشه والي جدة والمفاتي والعلماء وردّوه على ما كان ؛ لأنهم لم يهدموا جميعه مرة واحدة ، وإنما كلما هدموا شيئا ردوه كما كان ، إلى أن أتموه. انتهى.

وأخبر شيخنا العلامة حسين : أنه رأى في أرض الحجر عند هذه العمارة أحجارا كبارا كالإبل بعضها [مشتبك](٤) ببعض ، بينها وبين جدار البيت نحو من ستة أذرع.

وفي هذه العمارة وجد [جدر قصير](٥) ردم من حجارة البادية داخل البناء الذي هو الرخام دائر ما يدور الحجر ، يدل على أن هذا التحويط من زمن قريش ، ثم جاءت الملوك وحوّطت عليه بهذا الرخام الموجود ، وطول

__________________

(١) درر الفرائد (ص : ٢٥ ـ ٢٦).

(٢) لم أقف عليه في المطبوع من منائح الكرم.

(٣) في الأصل : الذي.

(٤) في الأصل : متشبك. والتصويب من الغازي (١ / ٥٤٠).

(٥) في الأصل : جدارا قصيرا. والتوصيب من الغازي ، الموضع السابق.

٢١٣

الأحجار الدائرة [التي](١) هي من أحجار البادية قدر نصف ذراع ، ردم على بعضه. كذا أخبرني السيد عمر بن عقيل وأنه شاهد ذلك ـ أي : أخبرني بحضرة شيخنا الشيخ حسين ـ بعد صلاة الظهر بمدرسته التي بجانب باب القطبي في آخر شعبان سنة [ثلاث](٢) وثمانين بعد المائتين والألف.

وفي هذا التاريخ حصل تجديد نصف أرض الحجر [من جهة مقام الحنفي](٣) ، وكان ابتداء العمل يوم الأحد تسعة وعشرين خلت من شعبان ، وذلك في دولة مولانا الشريف عبد الله بن عون ، وسلطنة السلطان عبد العزيز خان.

وذكر الشيخ عبد الرحمن المرشدي أن في سنة تسعمائة [وتسع](٤) وتسعين : ظفروا برجل مصري يقلع بعض رخام الحجر بآلة من نحاس [صورتها صورة كف إنسان ، وعليها كتابة كوفية. فمسك ذلك الرجل وقطعت يده. ورأيت صورة الكف النحاس](٥) وليس فيها حدّ يتمكن بها من قلع الحجارة من موضعها ، اللهم إلا أن يكون [ذلك](٦) أثر الكتابة المرقومة عليها فلا يبعد ، والله أعلم. انتهى منائح الكرم (٧).

وذرع الحجر : قال ابن جماعة : وحررته سنة [ثلاث](٨) وخمسين

__________________

(١) في الأصل : الذي.

(٢) في الأصل : ثلاثة.

(٣) أخرت هذه العبارة في الأصل إلى آخر الفقرة ، وجاءت فيه هكذا : «أي : جدد نصف أرض الحجر من جهة مقام الحنفي». والتصويب من الغازي (١ / ٥٤٠) ، حيث نقل النص من التحصيل.

(٤) في الأصل : تسعة.

(٥) زيادة من منائح الكرم (٣ / ٤٩٩).

(٦) مثل السابق.

(٧) منائح الكرم (٣ / ٤٩٨ ـ ٤٩٩). وانظر الخبر في إتحاف فضلاء الزمن (١ / ٥٦٨).

(٨) في الأصل : ثلاثة.

٢١٤

وسبعمائة لما كنت مجاورا بمكة : ذرع دائرة الحجر من داخله من الفتحة إلى الفتحة : إحدى وثلاثين ذراعا وثلث ، ومن خارجه من الفتحة إلى الفتحة : سبعة وثلاثين ذراعا ونصف ذراع ونصف وربع وثمن.

ومن الفتحة إلى الفتحة على الاستواء : سبعة عشر ذراعا.

ومن صدر دائرة الحجر من داخله إلى جدار البيت تحت الميزاب : خمسة عشر ذراعا.

وعرض جدار الحجر : ذراعان وثلث [وثمن](١).

وارتفاعه عن أرض المطلق مما يلي الفتحة [التي](٢) من جهة المقام : ذراعا وثلثا ذراع وثمن.

وارتفاعه مما يلي الفتحة الأخرى : ذراع ونصف وثلث وربع (٣).

وارتفاعه من وسطه : ذراع وثلث (٤) ذراع.

وسعته ما بين جدار الحجر والشاذروان عند الفتحة التي من جهة المقام : أربعة أذرع وثلث.

وعرض الشاذروان في هذه الجهة : نصف ذراع ، والخارج من جدار الحجر في هذه الجهة من مسامة الشاذروان : نصف ذراع وثلث ذراع.

قال عز الدين ابن جماعة : كل ذلك حرّرته بذراع القماش المستعمل في زماننا (٥). انتهى كلامه.

__________________

(١) قوله : وثمن ، زيادة من شفاء الغرام.

(٢) في الأصل : الذي.

(٣) في شفاء الغرام : وثمن.

(٤) في شفاء الغرام : وثلثا.

(٥) شفاء الغرام (١ / ٤١١) ، وانظر : هداية السالك (٣ / ١٣٣٤ ـ ١٣٣٥).

٢١٥

وحرره التقي الفاسي في شفاء الغرام (١) فكان مما قاس وسط جدار الكعبة الذي فيه الميزاب إلى مقابله من جدار الحجر : خمسة عشر ذراعا ، وكان عرض جدار الحجر من وسطه : ذراعين وربع.

وسعة فتحة باب الحجر الشرقية : خمسة أذرع ، وكذلك سعة الغربية بزيادة قيراط.

وسعة ما بين الفتحتين من داخل الحجر : سبعة عشر ذراعا وقيراطان.

وارتفاع جدار الحجر من داخله عند الفتحة الشرقية : ذراعان إلا قيراطا ، ومن خارجه عندها : ذراعان وقيراطان.

وارتفاع جدر الحجر من وسطه ومن داخله : ذراعان إلا [ثلثا](٢) ، ومن خارجه : ذراعان وقيراطان.

وارتفاع جدر الحجر من داخله عند الفتحة الغربية : ذراعان إلا [قيراطا](٣) ، ومن خارجه عندها : ذراعان وثمن ذراع ، كل ذلك بذراع الحديد (٤).

وأما فضائله والصلاة فيه والدعاء فيه وأنه مستجاب : فعن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «صلوا في مصلى الأخيار واشربوا من شراب الأبرار. قيل : وما مصلى الأخيار؟ قال : تحت الميزاب. قيل : وما شراب الأبرار؟ قال : زمزم» (٥). رواه الفاكهي وغيره.

__________________

(١) شفاء الغرام (١ / ٤١١).

(٢) في الأصل : ثلث.

(٣) في الأصل : قيراط.

(٤) ذراع الحديد يساوي ثمانية وعشرين إصبعا ، و ٧ / ٦ من ذراع اليد ، وعلى هذا يكون طوله ١٨٧ ، ٥٨ سم بالضبط (انظر : المكاييل والأوزان ص : ٨٧).

(٥) أخرجه الأزرقي (١ / ٣١٨). وذكره السيوطي في الدر المنثور (٤ / ١٥٣) وعزاه إلى ـ ـ الأزرقي. وذكره المناوي في فيض القدير (٤ / ٦٤) ، والفاسي في شفاء الغرام (١ / ٤٨٠).

وقد ذكر الفاكهي نحوه (٢ / ٢٩٢).

٢١٦

وعن ابن عمر رضي‌الله‌عنهما قال : قبلة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم تحت الميزاب (١).

قال القرشي (٢) : أي : والمراد بقبلة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في كلام ابن عمر تحت الميزاب أي : قبلة المدينة ؛ لأنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يتوجه من المدينة إلى ناحية الميزاب ، وقبلة المدينة قبلة وحي كما هو معلوم. انتهى.

وفي رسالة الحسن البصري رضي‌الله‌عنه : أن إسماعيل عليه الصلاة والسلام اشتكى إلى ربه حرّ مكة فأوحى الله إليه [أنّي](٣) أفتح لك بابا من الجنة في الحجر يخرج عليك الرّوح منه إلى يوم القيامة. انتهى. زبدة الأعمال (٤).

وذكر القرشي (٥) : وحكى لي بعض العلماء عن الفقيه إسماعيل الحضرمي صاحب الضحى أنه لما حج إلى مكة سأل الشيخ محب الدين الطبري عن [ثلاث](٦) مسائل ، عن الحفرة الملاصقة للكعبة في المطاف ، وعن البلاطة الخضراء في الحجر ، وعن القبران اللذان يرجمان بأسفل مكة عند جبل البكّا (٧) فأجابه الشيخ محب الدين الطبري : أن الحفرة : مصلى

__________________

(١) ذكره الخوارزمي في إثارة الترغيب والتشويق (ص : ١٧٦). وقد أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه (٢ / ٢٣٨) عن ابن عمر أنه قال في هذه الآية : (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها) قال : قبلة إبراهيم تحت الميزاب يعني : في الحجر.

(٢) البحر العميق (١ / ٢٦).

(٣) في الأصل : أن. والتصويب من زبدة الأعمال (ص : ٧٦) ، والبحر العميق (١ / ٢٧).

(٤) زبدة الأعمال (ص : ٩٨).

(٥) البحر العميق (١ / ٢٧).

(٦) في الأصل : ثلاثة.

(٧) في البحر العميق : البركان. والمقلع : يعرف اليوم ب (البكّاء) وهو على يمينك إذا دخلت منطقة أبي لهب تريد الشهداء.

٢١٧

جبريل بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأما البلاطة الخضراء : فقبر إسماعيل عليه الصلاة والسلام ، ويشير من رأس البلاطة إلى ناحية الركن الغربي مما يلي باب بني سهم ستة أشبار ، فعند ذلك يكون رأس إسماعيل عليه الصلاة والسلام.

وأما القبران المرجومان ، فقصتهما : أنه أصبح البيت يوما في دولة بني العباس ملطخا بالعذرة (١) ، فرصدوا الفاعل لذلك ، فمسكوهما بعد أيام ، فبعث أمير مكة إلى أمير المؤمنين في شأنهما ، فأمر بقتلهما ، فصلبا في هذا الموضع وصارا يرجمان إلى الآن.

وذكر تقي الدين الفاسي في شفاء الغرام (٢) : أن قبر إسماعيل وأمه في الحجر. رواه ابن هشام وكذا الأزرقي وكذا صاحب الاكتفاء (٣) ، وهذا القول عن عطاء ، وقيل : في الحطيم. انتهى.

قلت : وقد تقدم الاختلاف في الحطيم فعلى القول الأول بأن الحطيم هو الحجر ـ بكسر الحاء ـ فيرجع قولا واحدا. انتهى.

وفي رسالة الحسن البصري سمعت عثمان بن عفان أقبل ذات يوم فقال لأصحابه : ألا تسألوني من أين جئت؟ قالوا : من أين جئت يا أمير المؤمنين؟ قال : كنت قائما على باب الجنة ـ وكان قائما تحت الميزاب يدعو الله تعالى ـ.

وقال الشيخ محب الدين الطبري (٤) : إنه يروى أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ما من أحد يدعو تحت الميزاب إلا استجيب له».

__________________

(١) العذرة : الغائط (اللسان ، مادة : عذر).

(٢) شفاء الغرام (١ / ٤١٣ ـ ٤١٤).

(٣) أخرجه ابن هشام في السيرة (١ / ١١١) ، والأزرقي (١ / ٣١٢ ـ ٣١٣) ، والكلاعي في الاكتفاء (١ / ٥٤).

(٤) القرى (ص : ٣١٠).

٢١٨

وروي عن بعض السلف أنه قال : من صلى تحت الميزاب ركعتين ثم دعا بشيء مائة مرة وهو ساجد ، استجيب له.

وعن عطاء بن [أبي](١) رباح قال : من قام تحت مثعب الكعبة فدعا استجيب له ، وخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه. رواه الأزرقي (٢).

ومثعب الكعبة : مجرى مائها ، وهو الميزاب كما جاء في رواية أخرى.

ويروى عن أبي هريرة وسعيد بن جبير وزين العابدين رضي‌الله‌عنهم : أنهم كانوا يلتزمون ما تحت الميزاب (٣). انتهى.

وفي زبدة الأعمال (٤) عن عائشة رضي‌الله‌عنها قالت : كنت أحب أن أدخل البيت وأصلي فيه ، فأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيدي فأدخلني الحجر وقال : «إن أردت دخول البيت فصلي في الحجر فإنما هو قطعة منه». قالت : فما أبالي بعد هذا صليت في الحجر أو في البيت (٥). انتهى.

وذكر الفاسي في شفاء الغرام (٦) : عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : يا أبا هريرة إن على باب الحجر لملكان ، [يقولان](٧) لمن دخل فصلى ركعتين : مغفورا لك ما مضى فاستأنف العمل ، وعلى بابه الآخر ملك منذ خلق الله الدنيا إلى يوم يرفع البيت يقول لمن صلى وخرج : مرحوما إن

__________________

(١) قوله : أبي ، زيادة على الأصل. وانظر : تقريب التهذيب (ص : ٣٩١).

(٢) أخرجه الأزرقي (١ / ٣١٨) ، وذكره الفاسي في شفاء الغرام (١ / ٤١٣).

(٣) ذكره الخوارزمي في إثارة الترغيب والتشويق (ص : ١٧٧).

(٤) زبدة الأعمال (ص : ٩٩).

(٥) أخرجه أبو داود (٢ / ٢١٤ ح ٢٠٢٨) ، والترمذي (٣ / ٢٢٥ ح ٨٧٦) ، والنسائي (٥ / ٢١٩ ح ٢٩١٢) ، والبيهقي في السنن الكبرى (٢ / ٣٩٤) ، والأزرقي (١ / ٣١٢) ، وعبد الرزاق (٢ / ٢٣٨ ح ٨٥٢٩ ، ٧ / ٣٢٨ ح ٤٣٦٤).

(٦) شفاء الغرام (١ / ٤١٢).

(٧) في الأصل : يقول.

٢١٩

كنت من أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١). انتهى.

الفصل الثالث عشر : فيما يتعلق بمقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام

وفضله ، ومن حلّاه ، وفي أي موضع كان في زمن إبراهيم عليه الصلاة

والسلام وزمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، واختلاف الروايات في ذلك ، ومن أخّره إلى

موضعه الذي هو به الآن هل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو عمر رضي‌الله‌عنه؟

المقام في اللغة : موضع قدم القائم (٢). ومقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام هو الحجر الذي وقف عليه إبراهيم عليه الصلاة والسلام.

واختلفوا في المراد من المقام في قوله تعالى : (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ) [آل عمران : ٩٧] فقال الجمهور : هو الحجر المعروف.

وقيل : البيت كله مقام إبراهيم ؛ لأنه بناه وقام في جميع أقطاره ، وقيل : مكة كلها ، وقيل : الحرم كله. والصحيح قول الجمهور.

وفي سبب وقوفه عليه أقوال :

أحدها : أنه وقف عليه لبناء البيت الشريف. قاله سعيد بن جبير رضي‌الله‌عنه.

الثاني : أنه جاء من الشام يطلب ابنه إسماعيل فلم يجده ، فقالت له زوجته : انزل ، فأبى ، فقالت : دعني أغسل رأسك. فأتته بحجر فوضع رجله عليه وهو واقف ، فغسلت [شقه](٣) ، ثم [رفعته](٤) وقد غابت رجله فيه ،

__________________

(١) أخرجه الفاكهي (١ / ١٣٧).

(٢) لسان العرب ، مادة : قوم.

(٣) في الأصل : شعثه. والتصويب من البحر العميق (٣ / ٢٧١) ، والمصادر التالية.

(٤) في الأصل : دفعته. والتصويب من المراجع التالية.

٢٢٠