تفسير التّحرير والتّنوير - ج ٦

الشيخ محمّد الطاهر ابن عاشور

تفسير التّحرير والتّنوير - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمّد الطاهر ابن عاشور


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٧٨

لرسالته فمن آمن فلنفسه ومن كفر فعليها.

والحفيظ : القيّم الرّقيب ، أي لم نجعلك رقيبا على تحصيل إيمانهم فلا يهمّنك إعراضهم عنك وعدم تحصيل ما دعوتهم إليه إذ لا تبعة عليك في ذلك ، فالخبر مسوق مساق التّذكير والتسلية ، لا مساق الإفادة لأنّ الرّسول ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ يعلم أنّ الله ما جعله حفيظا على تحصيل إسلامهم إذ لا يجهل الرّسول ما كلّف به.

وكذلك قوله : (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) تهوين على نفس الرّسول ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ بطريقة التّذكير لينتفي عنه الغمّ الحاصل له من عدم إيمانهم. فإن أريد ما أنت بوكيل منّا عليهم كان تتميما لقوله : (وَما جَعَلْناكَ)(١)(عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) ؛ وإن أريد ما أنت بوكيل منهم على تحصيل نفعهم كان استيعابا لنفي أسباب التّبعة عنه في عدم إيمانهم ، يقول : ما أنت بوكيل عليهم وكّلوك لتحصيل منافعهم كإيفاء الوكيل بما وكّله عليه موكّله ، أي فلا تبعة عليك منهم ولا تقصير لانتفاء سببي التّقصير إذ ليس مقامك مقام حفيظ ولا وكيل. فالخبر أيضا مستعمل في التّذكير بلازمه لا في حقيقته من إفادة المخبر به ، وعلى كلا المعنيين لا بدّ من تقدير مضاف في قوله : (عَلَيْهِمْ) ، أي على نفعهم.

والجمع بين الحفيظ والوكيل هنا في خبرين يؤيّد ما قلناه آنفا في قوله تعالى : (وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) [الأنعام : ١٠٤]. من الفرق بين الوكيل والحفيظ فاذكره.

(وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٠٨))

عطف على قوله : (وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) [الأنعام : ١٠٦] يزيد معنى الإعراض المأمور به بيانا ، ويحقّق ما قلناه أن ليس المقصود من الإعراض ترك الدّعوة بل المقصود الإغضاء عن سبابهم وبذيء أقوالهم مع الدّوام على متابعة الدّعوة بالقرآن ، فإنّ النّهي عن سبّ أصنامهم يؤذن بالاسترسال على دعوتهم وإبطال معتقداتهم مع تجنّب المسلمين سبّ ما يدعونهم من دون الله.

والسبّ : كلام يدلّ على تحقير أحد أو نسبته إلى نقيصة أو معرّة ، بالباطل أو بالحقّ ، وهو مرادف الشّتم. وليس من السبّ النسبة إلى خطإ في الرّأي أو العمل ، ولا

__________________

(١) في المطبوعة : (أرسلناك).

٢٦١

النّسبة إلى ضلال في الدّين إن كان صدر من مخالف في الدّين.

والمخاطب بهذا النّهي المسلمون لا الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأنّ الرّسول لم يكن فحّاشا ولا سبّابا لأنّ خلقه العظيم حائل بينه وبين ذلك ، ولأنّه يدعوهم بما ينزل عليه من القرآن فإذا شاء الله تركه من وحيه الّذي ينزله ، وإنّما كان المسلمون لغيرتهم على الإسلام ربّما تجاوزوا الحدّ ففرطت منهم فرطات سبّوا فيها أصنام المشركين.

روى الطّبري عن قتادة قال «كان المسلمون يسبّون أوثان الكفّار فيردّون ذلك عليهم فنهاهم الله أن يستسبّوا لربّهم». وهذا أصحّ ما روي في سبب نزول هذه الآية وأوفقه بنظم الآية. وأمّا ما روى الطّبري عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاس أنّه لمّا نزل قوله تعالى : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) [الأنبياء : ٩٨] قال المشركون : لئن لم تنته عن سبّ آلهتنا وشتمها لنهجونّ إلهك ، فنزلت هذه الآية في ذلك ، فهو ضعيف لأنّ عليّ بن أبي طلحة ضعيف وله منكرات ولم يلق ابن عبّاس. ومن البعيد أن يكون ذلك المراد من النّهي في هذه الآية ، لأنّ ذلك واقع في القرآن فلا يناسب أن ينهى عنه بلفظ (وَلا تَسُبُّوا) وكان أن يقال : ولا تجهروا بسبّ الّذين يدعون من دون الله مثلا. كما قال في الآية الأخرى (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً) [الإسراء : ١١٠]. وكذا ما رواه عن السديّ أنّه لمّا قربت وفاة أبي طالب قالت قريش : ندخل عليه ونطلب منه أن ينهى ابن أخيه عنّا فإنّا نستحيي أن نقتله بعد موته ، فانطلق نفر من سادتهم إلى أبي طالب وقالوا : أنت سيّدنا ، وخاطبوه بما راموا ، فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال له : هؤلاء قومك وبنو عمّك يريدون أن تدعهم وآلهتهم ويدعوك وإلهك ، وقالوا : لتكفّن عن شتمك آلهتنا أو لنشتمنّك ولنشتمنّ من يأمرك. ولم يقل السدّي أنّ ذلك سبب نزول هذه الآية ولكنّه جعله تفسيرا للآية ، ويرد عليه ما أوردناه على ما روي عن عليّ بن أبي طلحة.

قال الفخر : هاهنا إشكالان هما : أنّ النّاس اتّفقوا على أنّ سورة الأنعام نزلت دفعة واحدة فكيف يصحّ أن يقال : إنّ سبب نزول هذه الآية كذا ، وأنّ الكفّار كانوا مقرّين بالله تعالى وكانوا يقولون : عبدنا الأصنام لتكون شفعاء لنا عند الله فكيف يعقل إقدام الكفّار على شتم الله تعالى ا ه.

وأقول : يدفع الإشكال الأوّل أنّ سبب النّزول ليس يلزم أن يكون مقارنا للنّزول فإنّ السّبب قد يتقدّم زمانه ثمّ يشار إليه في الآية النّازلة فتكون الآية جوابا عن أقوالهم. وقد أجاب الفخر بمثل هذا عند قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ) [الأنعام : ١١١]

٢٦٢

الآية. ويدفع الإشكال الثّاني أنّ المشركين قالوا لئن لم تنته عن سبّ آلهتنا لنهجونّ إلهك ، ومعناه أنّهم ينكرون أنّ الله هو إلهه ولذلك أنكروا الرّحمن (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا وَزادَهُمْ نُفُوراً) [الفرقان : ٦٠]. فهم ينكرون أنّ الله أمره بذمّ آلهتهم لأنّهم يزعمون أنّ آلهتهم مقرّبون عند الله ، وإنّما يزعمون أنّ شيطانا يأمر النّبيء صلى‌الله‌عليه‌وسلم بسبّ الأصنام ، ألا ترى إلى قول امرأة منهم لمّا فتر الوحي في ابتداء البعثة : ما أرى شيطانه إلّا ودّعه ، وكان ذلك سبب نزول سورة الضّحى.

وجواب الفخر عنه بأنّ بعضهم كان لا يثبت وجود الله وهم الدهريون ، أو أنّ المراد أنّهم يشتمون الرّسول ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ فأجرى الله شتم الرّسول مجرى شتم الله كما في قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ) [الفتح : ١٠]» ا ه. فإنّ في هذا التّأويل بعدا لا داعي إليه.

والوجه في تفسير الآية أنّه ليس المراد بالسبّ المنهي عنه فيها ما جاء في القرآن من إثبات نقائص آلهتهم ممّا يدلّ على انتفاء إلهيتها ، كقوله تعالى : (أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُ) في سورة الأعراف [١٧٩]. وأمّا ما عداه من نحو قوله تعالى : (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها) [الأعراف : ١٩٥] فليس من الشّتم ولا من السبّ لأنّ ذلك من طريق الاحتجاج وليس تصدّيا للشّتم ، فالمراد في الآية ما يصدر من بعض المسلمين من كلمات الذمّ والتّعبير لآلهة المشركين ، كما روي في «السيرة» أنّ عروة بن مسعود الثّقفي جاء رسولا من أهل مكّة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الحديبيّة فكان من جملة ما قاله : «وأيم الله لكأنّي بهؤلاء (يعني المسلمين) قد انكشفوا عنك» ، وكان أبو بكر الصدّيق حاضرا ، فقال له أبو بكر «امصص بظر اللّات» إلى آخر الخبر.

ووجه النّهي عن سبّ أصنامهم هو أنّ السبّ لا تترتّب عليه مصلحة دينيّة لأنّ المقصود من الدّعوة هو الاستدلال على إبطال الشّرك وإظهار استحالة أن تكون الأصنام شركاء لله تعالى ، فذلك هو الّذي يتميّز به الحقّ عن الباطل ، وينهض به المحقّ ولا يستطيعه المبطل ، فأمّا السبّ فإنّه مقدور للمحقّ وللمبطل فيظهر بمظهر التّساوي بينهما. وربّما استطاع المبطل بوقاحته وفحشه ما لا يستطيعه المحقّ ، فيلوح للنّاس أنّه تغلّب على المحقّ. على أنّ سبّ آلهتهم لمّا كان يحمي غيظهم ويزيد تصلّبهم قد عاد منافيا لمراد الله من الدّعوة ، فقد قال لرسوله ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ «وجادلهم بالّتي هي أحسن» ، وقال لموسى وهارون ـ عليهما‌السلام ـ (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً) ، فصار السبّ عائقا من المقصود

٢٦٣

من البعثة ، فتمحّض هذا السبّ للمفسدة ولم يكن مشوبا بمصلحة. وليس هذا مثل تغيير المنكر إذا خيف إفضاؤه إلى مفسدة لأنّ تغيير المنكر مصلحة بالذّات وإفضاؤه إلى المفسدة بالعرض. وذلك مجال تتردّد فيه أنظار العلماء المجتهدين بحسب الموازنة بين المصالح والمفاسد قوّة وضعفا ، وتحقّقا واحتمالا. وكذلك القول في تعارض المصالح والمفاسد كلّها.

وحكم هذه الآية محكم غير منسوخ. قال القرطبي : قال العلماء : حكمها باق في هذه الأمّة على كلّ حال ، فمتى كان الكافر في منعة وخيف أنّه إن سبّ المسلمون أصنامه أو أمور شريعته أن يسبّ هو الإسلام أو النّبيء ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ أو الله عزوجل لم يحلّ للمسلم أن يسبّ صلبانهم ولا كنائسهم لأنّه بمنزلة البعث على المعصية ا ه ، أي على زيادة الكفر. وليس من السبّ إبطال ما يخالف الإسلام من عقائدهم في مقام المجادلة ولكنّ السبّ أن نباشرهم في غير مقام المناظرة بذلك ، ونظير هذا ما قاله علماؤنا فيما يصدر من أهل الذّمة من سبّ الله تعالى أو سبّ النّبيء صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأنّهم إن صدر منهم ما هو من أصول كفرهم فلا يعدّ سبّا وإن تجاوزوا ذلك عدّ سبّا ، ويعبّر عنها الفقهاء بقولهم : «ما به كفر وغير ما به كفر».

وقد احتجّ علماؤنا بهذه الآية على إثبات أصل من أصول الفقه عند المالكيّة ، وهو الملقّب بمسألة سدّ الذّرائع. قال ابن العربي : «منع الله في كتابه أحدا أن يفعل فعلا جائزا يؤدّي إلى محظور ولأجل هذا تعلّق علماؤنا بهذه الآية في سدّ الذّرائع وهو كلّ عقد جائز في الظاهر يؤول أو يمكن أن يتوصّل به إلى محظور». وقال في تفسير سورة الأعراف [١٦٣] عند قوله تعالى : (وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ) : قال علماؤنا : هذه الآية أصل من أصول إثبات الذّرائع الّتي انفرد بها مالك ـ رضي‌الله‌عنه ـ وتابعه عليها أحمد في بعض رواياته وخفيت على الشّافعي وأبي حنيفة ـ رضي‌الله‌عنهما ـ مع تبحّرهما في الشّريعة ، وهو كلّ عمل ظاهر الجواز يتوصّل به إلى محظور ا ه. وفسّر المازري في باب بيوع الآجال من «شرحه للتّلقين» سدّ الذّريعة بأنّه منع ما يجوز لئلّا يتطرّق به إلى ما لا يجوز ا ه. والمراد : سدّ ذرائع الفساد ، كما أفصح عنه القرافي في «تنقيح الفصول» وفي «الفرق الثّامن والخمسين» فقال : الذّريعة : الوسيلة إلى الشّيء. ومعنى سدّ الذّرائع حسم مادّة وسائل الفساد.

وأجمعت الأمّة على أنّ الذّرائع ثلاثة أقسام : أحدها : معتبر إجماعا كحفر الآبار في

٢٦٤

طرق المسلمين وإلقاء السمّ في أطعمتهم وسبّ الأصنام عند من يعلم من حاله أنّه يسبّ الله تعالى حينئذ. وثانيها : ملغى إجماعا كزراعة العنب فإنّها لا تمنع لخشية الخمر ، وكالشركة في سكنى الدّور خشية الزّنا. وثالثها مختلف فيه كبيوع الآجال ، فاعتبر مالك ـ رضي‌الله‌عنه ـ الذّريعة فيها وخالفه غيره ا ه. وعنى بالمخالف الشّافعي وأبا حنيفة ـ رضي‌الله‌عنهما ـ.

وهذه القاعدة تندرج تحت قاعدة الوسائل والمقاصد ، فهذه القاعدة شعبة من قاعدة إعطاء الوسيلة حكم المقصد خاصّة بوسائل حصول المفسدة. ولا يختلف الفقهاء في اعتبار معنى سدّ الذّرائع في القسم الّذي حكى القرافي الإجماع على اعتبار سدّ الذّريعة فيه. وليس لهذه القاعدة عنوان في أصول الحنفيّة والشّافعيّة ، ولا تعرّضوا لها بإثبات ولا نفي ، ولم يذكرها الغزالي في «المستصفى» في عداد الأصول الموهومة في خاتمة القطب الثّاني في أدلّة الأحكام.

و (عَدْواً) ـ بفتح العين وسكون الدّال وتخفيف الواو ـ في قراءة الجمهور ، وهو مصدر بمعنى العدوان والظلم ، وهو منصوب على المفعوليّة المطلقة ل «يسبّوا» لأنّ العدو هنا صفة للسبّ ، فصحّ أن يحلّ محلّه في المفعوليّة المطلقة بيانا لنوعه. وقرأ يعقوب (عَدْوا) ـ بضمّ العين والدّال وتشديد الواو ـ وهو مصدر كالعدو.

ووصف سبّهم بأنّه عدو تعريض بأنّ سبّ المسلمين أصنام المشركين ليس من الاعتداء ، وجعل ذلك السبّ عدوا سواء كان مرادا به الله أم كان مرادا به من يأمر النّبيء صلى‌الله‌عليه‌وسلم بما جاء به لأنّ الّذي أمر النّبيء صلى‌الله‌عليه‌وسلم بما جاء به هو في نفس الأمر الله تعالى فصادفوا الاعتداء على جلاله.

وقوله : (بِغَيْرِ عِلْمٍ) حال من ضمير (فَيَسُبُّوا) ، أي عن جهالة ، فهم لجهلهم بالله لا يزعهم وازع عن سبّه ، ويسبّونه غير عالمين بأنّهم يسبّون الله لأنّهم يسبّون من أمر محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم بما جاء به فيصادف سبّهم سبّ الله تعالى لأنّه الّذي أمره بما جاء به.

ويجوز أن يكون (بِغَيْرِ عِلْمٍ) صفة ل (عَدْواً) كاشفة ، لأنّ ذلك العدو لا يكون إلّا عن غير علم بعظم الجرم الّذي اقترفوه ، أو عن علم بذلك لكن حالة إقدامهم عليه تشبه حالة عدم العلم بوخامة عاقبته.

وقوله : (كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ) معناه كتزييننا لهؤلاء سوء عملهم زيّنّا لكلّ أمّة

٢٦٥

عملهم ، فالمشار إليه هو ما حكاه الله عنهم بقوله : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَ ـ إلى قوله ـ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ) [الأنعام : ١٠٠ ـ ١٠٨]. فإنّ اجتراءهم على هذه الجرائم وعماهم عن النّظر في سوء عواقبها نشأ عن تزيينها في نفوسهم وحسبانهم أنّها طرائق نفع لهم ونجاة وفوز في الدّنيا بعناية أصنامهم. فعلى هذه السنّة وبمماثل هذا التّزيين زيّن الله أعمال الأمم الخالية مع الرّسل الّذين بعثوا فيهم فكانوا يشاكسونهم ويعصون نصحهم ويجترئون على ربّهم الّذي بعثهم إليهم ، فلمّا شبّه بالمشار إليه تزيينا علم السّامع أنّ ما وقعت إليه الإشارة هو من قبيل التّزيين. وقد جرى اسم الإشارة هنا على غير الطّريقة الّتي في قوله : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) [البقرة : ١٤٣] ونظائره ، لأنّ ما بعده يتعلّق بأحوال غير المتحدّث عنهم بل بأحوال أعمّ من أحوالهم. وفي هذا الكلام تعريض بالتوعّد بأن سيحلّ بمشركي العرب من العذاب مثل ما حلّ بأولئك في الدّنيا.

وحقيقة تزيين الله لهم ذلك أنّه خلقهم بعقول يحسن لديها مثل ذلك الفعل ، على نحو ما تقدّم في قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكُوا) [الأنعام : ١٠٨]. وذلك هو القانون في نظائره.

والتّزيين تفعيل من الزّين ، وهو الحسن ؛ أو من الزّينة ، وهي ما يتحسّن به الشّيء. فالتّزيين جعل الشّيء ذا زينة أو إظهاره زينا أو نسبته إلى الزّين. وهو هنا بمعنى إظهاره في صورة الزّين وإن لم يكن كذلك ، فالتّفعيل فيه للنّسبة مثل التّفسيق. وفي قوله : (وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ) [الحجرات : ٧] بمعنى جعله زينا ، فالتّفعيل للجعل لأنّه حسن في ذاته.

ولما في قوله : (كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ) من التّعريض بالوعيد بعذاب الأمم عقّب الكلام ب (ثُمَ) المفيدة التّرتيب الرتبي في قوله : (ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) ، لأنّ ما تضمّنته الجملة المعطوفة ب (ثُمَ) أعظم ممّا تضمّنته المعطوف عليها ، لأنّ الوعيد الّذي عطفت جملته ب (ثُمَ) أشدّ وأنكى فإنّ عذاب الدّنيا زائل غير مؤيّد. والمعنى أعظم من ذلك أنّهم إلى الله مرجعهم فيحاسبهم. والعدول عن اسم الجلالة إلى لفظ (رَبِّهِمْ) لقصد تهويل الوعيد وتعليل استحقاقه بأنّهم يرجعون إلى مالكهم الذي خلقهم فكفروا نعمه وأشركوا به فكانوا كالعبيد الآبقين يطوّفون ما يطوّفون ثمّ يقعون في يد مالكهم.

والإنباء : الإعلام ، وهو توقيفهم على سوء أعمالهم. وقد استعمل هنا في لازم

٢٦٦

معناه ، وهو التّوبيخ والعقاب ، لأنّ العقاب هو العاقبة المقصودة من إعلام المجرم بجرمه. والفاء للتّفريع عن المرجع مؤذنة بسرعة العقاب إثر الرّجوع إليه.

(وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ (١٠٩))

عطف جملة : (وَأَقْسَمُوا) على جملة : (اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) [الأنعام : ١٠٦] الآية. والضّمير عائد إلى القوم في قوله : (وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُ) [الأنعام : ٦٦] مثل الضّمائر الّتي جاءت بعد تلك الآية ومعنى : (لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ) آية غير القرآن. وهذا إشارة إلى شيء من تعلّلاتهم للتمادي على الكفر بعد ظهور الحجج الدّامغة لهم ، كانوا قد تعلّلوا به في بعض تورّكهم على الإسلام. فروى الطّبري وغيره عن مجاهد ، ومحمّد بن كعب القرظي ، والكلبي ، يزيد بعضهم على بعض : أنّ قريشا سألوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم آية مثل آية موسى ـ عليه‌السلام ـ إذ ضرب بعصاه الحجر فانفجرت منه العيون ، أو مثل آية صالح ، أو مثل آية عيسى ـ عليهم‌السلام ـ ، وأنّهم قالوا لمّا سمعوا قوله تعالى : (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) [الشعراء : ٤] أقسموا أنّهم إن جاءتهم آية كما سألوا أو كما توعدوا ليوقننّ أجمعون ، وأنّ رسول الله ـ عليه الصلاة والسّلام ـ سأل الله أن يأتيهم بآية كما سألوا ، حرصا على أن يؤمنوا. فهذه الآية نازلة في ذلك المعنى لأنّ هذه السّورة جمعت كثيرا من أحوالهم ومحاجّاتهم.

والكلام على قوله : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) هو نحو الكلام على قوله في سورة العقود [٥٣] (أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ). والأيمان تقدّم الكلام عليها عند قوله تعالى : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) في سورة البقرة [٢٢٥].

وجملة : (لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ) إلخ مبيّنة لجملة : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ). واللّام في (لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ) موطّئة للقسم ، لأنّها تدلّ على أنّ الشّرط قد جعل شرطا في القسم فتدلّ على قسم محذوف غالبا ، وقد جاءت هنا مع فعل القسم لأنّها صارت ملازمة للشّرط الواقع جوابا للقسم فلم تنفكّ عنه مع وجود فعل القسم. واللّام في (لَيُؤْمِنُنَّ بِها) لام القسم ، أي لام جوابه.

والمراد بالآية ما اقترحوه على الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعنون بها خارق عادة تدلّ على أنّ الله

٢٦٧

أجاب مقترحهم ليصدّق رسوله ـ عليه الصلاة والسّلام ـ ، فلذلك نكّرت (آيَةٌ) ، يعني : أيّة آية كانت من جنس ما تنحصر فيه الآيات في زعمهم. ومجيء الآية مستعار لظهورها لأنّ الشّيء الظّاهر يشبه حضور الغائب فلذلك يستعار له المجيء. وتقدّم بيان معنى الآية واشتقاقها عند قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) في سورة البقرة [٣٩].

ومعنى كون الآيات عند الله أنّ الآيات من آثار قدرة الله وإرادته ، فأسباب إيجاد الآيات من صفاته ، فهو قادر عليها ، فلأجل ذلك شبّهت بالأمور المدّخرة عنده ، وأنّه إذا شاء إبرازها أبرزها للنّاس ، فكلمة (عِنْدَ) هنا مجاز. استعمل اسم المكان الشّديد القرب في معنى الاستبداد والاستئثار مجازا مرسلا ، لأنّ الاستئثار من لوازم حالة المكان الشّديد القرب عرفا ، كقوله تعالى : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ) [الأنعام : ٥٩].

والحصر ب (إِنَّمَا) ردّ على المشركين ظنّهم بأنّ الآيات في مقدور النّبيءصلى‌الله‌عليه‌وسلم إن كان نبيئا فجعلوا عدم إجابة النّبيء صلى‌الله‌عليه‌وسلم اقتراحهم آية أمارة على انتفاء نبوءته ، فأمره الله أن يجيب بأنّ الآيات عند الله لا عند الرّسول ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ ، والله أعلم بما يظهره من الآيات.

وقوله : (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) قرأ الأكثر (أنّها) ـ بفتح همزة «أنّ» ـ. وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، ويعقوب ، وخلف ، وأبو بكر عن عاصم في إحدى روايتين عن أبي بكر ـ بكسر همزة (إنّ) ـ.

وقرأ الجمهور (لا يُؤْمِنُونَ) ـ بياء الغيبة ـ. وقرأه ابن عامر ، وحمزة ، وخلف ـ بتاء الخطاب ـ ، وعليه فالخطاب للمشركين.

وهذه الجملة عقبة حيرة للمفسّرين في الإبانة عن معناها ونظمها ولنأت على ما لاح لنا في موقعها ونظمها وتفسير معناها ، ثمّ نعقّبه بأقوال المفسّرين. فالّذي يلوح لي أنّ الجملة يجوز أن تكون الواو فيها واو العطف وأن تكون واو الحال. فأمّا وجه كونها واو العطف فإن تكون معطوفة على جملة : (إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ) كلام مستقلّ ، وهي كلام مستقلّ وجّهه الله إلى المؤمنين ، وليست من القول المأمور به النّبيء ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ بقوله تعالى : (قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ).

والمخاطب ب (يُشْعِرُكُمْ) الأظهر أنّه الرّسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ والمؤمنون،

٢٦٨

وذلك على قراءة الجمهور قوله : (لا يُؤْمِنُونَ) ـ بياء الغيبة ـ. والمخاطب ب (يُشْعِرُكُمْ) المشركون على قراءة ابن عامر ، وحمزة ، وخلف (لا تُؤْمِنُونَ) ـ بتاء الخطاب ـ ، وتكون جملة (وَما يُشْعِرُكُمْ) من جملة ما أمر الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يقوله في قوله تعالى : (قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ).

و (ما) استفهامية مستعملة في التّشكيك والإيقاظ ، لئلّا يغرّهم قسم المشركين ولا تروج عليهم ترّهاتهم ، فإن كان الخطاب للمسلمين فليس في الاستفهام شيء من الإنكار ولا التّوبيخ ولا التّغليظ إذ ليس في سياق الكلام ولا في حال المسلمين فيما يؤثر من الأخبار ما يقتضي إرادة توبيخهم ولا تغليطهم ، إذ لم يثبت أنّ المسلمين طمعوا في حصول إيمان المشركين أو أنّ يجابوا إلى إظهار آية حسب مقترحهم ، وكيف والمسلمون يقرءون قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ) كلمات (رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ) وهي في سورة يونس [٩٦ ، ٩٧] وهي نازلة قبل سورة الأنعام ، وقد عرف المسلمون كذب المشركين في الدّين وتلوّنهم في اختلاق المعاذير. والمقصود من الكلام تحقيق ذلك عند المسلمين ، وسيق الخبر بصيغة الاستفهام لأنّ الاستفهام من شأنه أن يهيّئ نفس السامع لطلب جواب ذلك الاستفهام فيتأهّب لوعي ما يرد بعده.

والإشعار : الإعلام بمعلوم من شأنه أن يخفى ويدقّ. يقال : شعر فلان بكذا ، أي علمه وتفطّن له ، فالفعل يقتضي متعلّقا به بعد مفعوله ويتعيّن أن قوله : (أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) هو المتعلّق به ، فهو على تقدير باء الجرّ. والتّقدير : بأنّها إذا جاءت لا يؤمنون ، فحذف الجارّ مع (أنّ) المفتوحة حذف مطّرد.

وهمزة (أن) مفتوحة في قراءة الجمهور. والمعنى أمشعر يشعركم أنّها إذا جاءت لا يؤمنون ، أي بعدم إيمانهم.

فهذا بيان المعنى والتّركيب ، وإنّما العقدة في وجود حرف النّفي من قوله : (لا يُؤْمِنُونَ) لأنّ (ما يُشْعِرُكُمْ) بمعنى قولهم : ما يدريكم ، ومعتاد الكلام في نظير هذا التّركيب أن يجعل متعلّق فعل الدّراية فيه هو الشّيء الّذي شأنه أن يظنّ المخاطب وقوعه ، والشّيء الّذي يظنّ وقوعه في مثل هذا المقام هو أنّهم يؤمنون لأنّه الّذي يقتضيه قسمهم (لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَ) فلمّا جعل متعلّق فعل الشّعور نفي إيمانهم كان متعلّقا غريبا بحسب العرف في استعمال نظير هذا التّركيب.

والّذي يقتضيه النّظر في خصائص الكلام البليغ وفروقه أن لا يقاس قوله : (وَما

٢٦٩

يُشْعِرُكُمْ) على ما شاع من قول العرب ما يدريك ، لأنّ تركيب ما يدريك شاع في الكلام حتّى جرى مجرى المثل باستعمال خاصّ لا يكادون يخالفونه كما هي سنّة الأمثال أن لا تغيّر عمّا استعملت فيه ، وهو أن يكون اسم (ما) فيه استفهاما إنكاريا ، وأن يكون متعلّق يدريك هو الأمر الّذي ينكره المتكلّم على المخاطب. فلو قسنا استعمال (ما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) على استعمال (ما يدريكم) لكان وجود حرف النّفي منافيا للمقصود ، وذلك مثار تردّد علماء التّفسير والعربيّة في محمل (لا) في هذه الآية. فأمّا حين نتطلّب وجه العدول في الآية عن استعمال تركيب (ما يدريكم) وإلى إيثار تركيب (ما يُشْعِرُكُمْ) فإنّنا نعلم أنّ ذلك العدول لمراعاة خصوصيّة في المعدول إليه بأنّه تركيب ليس متّبعا فيه طريق مخصوص في الاستعمال ، فلذلك فهو جار على ما يسمح به الوضع والنظم في استعمال الأدوات والأفعال ومفاعليها ومتعلّقاتها (١).

فلنحمل اسم الاستفهام هنا على معنى التّنبيه والتشكيك في الظنّ ، ونحمل فعل (يُشْعِرُكُمْ) على أصل مقتضى أمثاله من أفعال العلم ، وإذا كان كذلك كان نفي إيمان المشركين بإتيان آية وإثباته سواء في الفرض الّذي اقتضاه الاستفهام ، فكان المتكلّم بالخيار بين أن يقول : إنّها إذا جاءت لا يؤمنون ، وأن يقول : إنّها إذا جاءت يؤمنون. وإنّما أوثر جانب النفي للإيماء إلى أنّه الطرف الرّاجح الّذي ينبغي اعتماده في هذا الظنّ.

هذا وجه الفرق بين التّركيبين. وللفروق في علم المعاني اعتبارات لا تنحصر ولا ينبغي لصاحب علم المعاني غضّ النّظر عنها ، وكثيرا ما بيّن عبد القاهر أصنافا منها فليلحق هذا الفرق بأمثاله.

__________________

(١) اعلم أن قولهم ما يدريك له ثلاثة استعمالات. أحدها : أن يكون مرادا به (الرد) على المخاطب في ظن يظنه فيقال له ما يدريك أنه كذا فيجعل متعلق فعل الدراية هو الظن الذي يريد المتكلم رده على المخاطب وهذا الاستعمال يجري فيه تركيب ما يدريك وما أدراك وما تصرف منهما مجرى المثل فلا يغير عن استعماله ، ويكون الاستفهام فيه إنكاريا ، ويلزم أن يكون متعلق الدراية على نحو ظن المخاطب من إثبات أو نفى نحو ما يدريك أنه يفعل وما يدريك أنه لا يفعل. ثانيها : أن يرد بعد فعل الدراية حرف الرجاء نحو : ما يدريك لعله يزكى ، إذا كان المخاطب غافلا عن ظنه وهو الاستعمال الذي على مثله خرج الخليل قوله تعالى : (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) بناء على ترادف فعل يشعركم وفعل يدريكم. ثالثها : نحو وما أدراك ما القارعة ، مما وقع بعده (ما) الاستفهامية لقصد التهويل.

٢٧٠

وإن أبيت إلّا قياس (ما يُشْعِرُكُمْ) على (ما يدريكم) سواء ، كما سلكه المفسّرون فاجعل الغالب في استعمال (ما يدريك) هو مقتضى الظّاهر في استعمال (ما يُشْعِرُكُمْ) واجعل تعليق المنفي بالفعل جريا على خلاف مقتضى الظّاهر لنكتة ذلك الإيماء ويسهل الخطب. وأمّا وجه كون الواو في قوله : (وَما يُشْعِرُكُمْ) واو الحال فتكون «ما» نكرة موصوفة بجملة (يُشْعِرُكُمْ). ومعناها شيء موصوف بأنّه يشعركم أنّها إذا جاءت لا يؤمنون. وهذا الشّيء هو ما سبق نزوله من القرآن ، مثل قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ) كلمات (رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ) [يونس : ٩٦ ، ٩٧] ، وكذلك ما جرّبوه من تلوّن المشركين في التفصّي من ترك دين آبائهم ، فتكون الجملة حالا ، أي والحال أنّ القرآن والاستقراء أشعركم بكذبهم فلا تطمعوا في إيمانهم لو جاءتهم آية ولا في صدق أيمانهم ، قال تعالى : (إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ) [التوبة : ١٢]. وإنّي لأعجب كيف غاب عن المفسّرين هذا الوجه من جعل «ما» نكرة موصوفة في حين أنّهم تطرّقوا إلى ما هو أغرب من ذلك.

فإذا جعل الخطاب في قوله : (وَما يُشْعِرُكُمْ) خطابا للمشركين ، كان الاستفهام للإنكار والتّوبيخ ومتعلّق فعل (يُشْعِرُكُمْ) محذوفا دلّ عليه قوله : (لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ). والتّقدير : وما يشعركم أنّنا نأتيكم بآية كما تريدون.

ولا نحتاج إلى تكلّفات تكلّفها المفسّرون ، ففي «الكشاف» : أنّ المؤمنين طمعوا في إيمان المشركين إذا جاءتهم آية وتمنّوا مجيئها فقال الله تعالى : وما يدريكم أنّهم لا يؤمنون ، أي أنّكم لا تدرون أنّي أعلم أنّهم لا يؤمنون. وهو بناء على جعل (ما يُشْعِرُكُمْ) مساويا في الاستعمال لقولهم ما يدريك.

وروى سيبويه عن الخليل : أنّ قوله تعالى : (أَنَّها) معناه لعلّها ، أي لعلّ آية إذا جاءت لا يؤمنون بها. وقال : تأتى (أنّ) بمعنى لعلّ ، يريد أنّ في لعلّ لغة تقول : لأنّ ، بإبدال العين همزة وإبدال اللام الأخيرة نونا ، وأنّهم قد يحذفون اللام الأولى تخفيفا كما يحذفونها في قولهم : علّك أن تفعل ، فتصير (أنّ) أي (لعلّ). وتبعه الزمخشري وبعض أهل اللّغة ، وأنشدوا أبياتا.

وعن الفرّاء ، والكسائي ، وأبي عليّ الفارسي : أنّ (لا) زائدة ، كما ادّعوا زيادتها في قوله تعالى : (وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) [الأنبياء : ٩٥].

وذكر ابن عطيّة : أنّ أبا عليّ الفارسي جعل (أَنَّها) تعليلا لقوله (عِنْدَ اللهِ) أي لا

٢٧١

تأتيهم بها لأنّها إذا جاءت لا يؤمنون ، أي على أن يكون (عِنْدَ) كناية عن منعهم من الإجابة لما طلبوه.

وعلى قراءة ابن كثير ، وأبي عمرو ، ويعقوب ، وخلف ، وأبي بكر ، في إحدى روايتين عنه (أَنَّها) ـ بكسر الهمزة ـ يكون استئنافا. وحذف متعلّق (يُشْعِرُكُمْ) لظهوره من قوله (لَيُؤْمِنُنَّ بِها). والتّقدير : وما يشعركم بإيمانهم إنّهم لا يؤمنون إذا جاءت آية.

وعلى قراءة ابن عامر ، وحمزة ، وخلف ـ بتاء المخاطب ـ. فتوجيه قراءة خلف الّذي قرأ إنها ـ بكسر الهمزة ـ ، أن تكون جملة (أَنَّها إِذا جاءَتْ) إلخ خطابا موجّها إلى المشركين. وأمّا على قراءة ابن عامر وحمزة اللّذين قرءا (أَنَّها) ـ بفتح الهمزة ـ فإن يجعل ضمير الخطاب في قوله : (وَما يُشْعِرُكُمْ) موجّها إلى المشركين على طريقة الالتفات على اعتبار الوقف على (يُشْعِرُكُمْ).

(وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١٠))

يجوز أن يكون عطفا على جملة (أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) [الأنعام : ١٠٩] فتكون بيانا لقوله (لا يُؤْمِنُونَ) [الأنعام : ١٠٩] ، أي بأن نعطّل أبصارهم عن تلك الآية وعقولهم عن الاهتداء بها فلا يبصرون ما تحتوي عليه الآية من الدّلائل ولا تفقه قلوبهم وجه الدّلالة فيتعطّل تصديقهم بها ، وذلك بأن يحرمهم الله من إصلاح إدراكهم ، وذلك أنّهم قد خلقت عقولهم نابية عن العلم الصّحيح بما هيّأ لها ذلك من انسلالها من أصول المشركين ، ومن نشأتها بين أهل الضّلال وتلقّي ضلالتهم ، كما بيّنته آنفا. فعبّر عن ذلك الحال المخالف للفطرة السّليمة بأنّه تقليب لعقولهم وأبصارهم ، ولأنّها كانت مقلوبة عن المعروف عند أهل العقول السّليمة ، وليس داعي الشّرك فيها تقليبا عن حالة كانت صالحة لأنّها لم تكن كذلك حينا ، ولكنّه تقليب لأنّها جاءت على خلاف ما الشّأن أن تجيء عليه.

وضمير (بِهِ) عائد إلى القرآن المفهوم من قوله : (لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ) [الأنعام : ١٠٩] فإنّهم عنوا آية غير القرآن.

والكاف في قوله : (كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ) لتشبيه حالة انتفاء إيمانهم بعد أن تجيئهم آية ممّا اقترحوا. والمعنى ونقلّب أيديهم وأبصارهم فلا يؤمنون بالآية الّتي تجيئهم مثلما لم يؤمنوا بالقرآن من قبل ، فتقليب أفئدتهم وأبصارهم على هذا المعنى يحصل في

٢٧٢

الدّنيا ، وهو الخذلان.

ويجوز أن تكون جملة (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ) مستأنفة والواو للاستئناف ، أو أن تكون معطوفة على جملة (لا يُؤْمِنُونَ) [الأنعام : ١٠٩]. والمعنى : ونحن نقلّب أفئدتهم وأبصارهم ، أي في نار جهنّم ، كناية عن تقليب أجسادهم كلّها. وخصّ من أجسادهم أفئدتهم وأبصارهم لأنّها سبب إعراضهم عن العبرة بالآيات ، كقوله تعالى : (سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ) [الأعراف : ١١٦] ، أي سحروا النّاس بما تخيّله لهم أعينهم.

والكاف في قوله : (كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ) على هذا الوجه للتّعليل كقوله : (وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ) [البقرة : ١٩٨].

وأقول : هذا الوجه يناكده قوله (أَوَّلَ مَرَّةٍ) إذ ليس ثمّة مرّتان على هذا الوجه الثّاني ، فيتعيّن تأويل (أَوَّلَ مَرَّةٍ) بأنّها الحياة الأولى في الدّنيا.

والتّقليب مصدر قلّب الدالّ على شدّة قلب الشّيء عن حاله الأصليّة. والقلب يكون بمعنى جعل المقابل للنظر من الشيء غير مقابل ، كقوله تعالى : (فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها) [الكهف : ٤٢] ، وقولهم : قلب ظهر المجن ، وقريب منه قوله : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ) [البقرة : ١٤٤] ؛ ويكون بمعنى تغيير حالة الشيء إلى ضدّها لأنّه يشبه قلب ذات الشّيء.

والكاف في قوله : (كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ) الظّاهر أنّها للتّشبيه في محلّ حال من ضمير (لا يُؤْمِنُونَ) [الأنعام : ١٠٩] ، و «ما» مصدريّة. والمعنى : لا يؤمنون مثل انتفاء إيمانهم أوّل مرّة. والضّمير المجرور بالباء عائد إلى القرآن لأنّه معلوم من السّياق كما في قوله : (وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ) [الأنعام : ٦٦] ، أي أنّ المكابرة سجيّتهم فكما لم يؤمنوا في الماضي بآية القرآن وفيه أعظم دليل على صدق الرّسول ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ لا يؤمنون في المستقبل بآية أخرى إذا جاءتهم. وعلى هذا الوجه يكون قوله : (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ) معترضا بالعطف بين الحال وصاحبها. ويجوز أن يجعل التّشبيه للتقليب فيكون حالا من الضّمير في (نُقَلِّبُ) ، أي نقلّب أفئدتهم وأبصارهم عن فطرة الأفئدة والأبصار كما قلّبناها فلم يؤمنوا به أوّل مرّة إذ جمحوا عن الإيمان أوّل ما دعاهم الرّسول ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ ، ويصير هذا التّشبيه في قوّة البيان للتّقليب المجعول حالا من انتفاء إيمانهم بأنّ سبب صدورهم عن الإيمان لا يزال قائما لأنّ الله حرمهم إصلاح قلوبهم.

وجوّز بعض المفسّرين أن تكون الكاف للتّعليل على القول بأنّه من معانيها ، وخرّج

٢٧٣

عليه قوله تعالى : (وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ) [البقرة : ١٩٨]. فالمعنى : نقلّب أفئدتهم لأنّهم عصوا وكابروا فلم يؤمنوا بالقرآن أوّل ما تحدّاهم ، فنجعل أفئدتهم وأبصارهم مستمرّة الانقلاب عن شأن العقول والأبصار ، فهو جزاء لهم على عدم الاهتمام بالنّظر في أمر الله تعالى وبعثة رسوله ، واستخفافهم بالمبادرة إلى التّكذيب قبل التّأمّل الصّادق.

وتقديم الأفئدة على الأبصار لأنّ الأفئدة بمعنى العقول ، وهي محلّ الدّواعي والصّوارف ، فإذا لاح للقلب بارق الاستدلال وجّه الحواس إلى الأشياء وتأمّل منها. والظّاهر أنّ وجه الجمع بين الأفئدة والأبصار وعدم الاستغناء بالأفئدة عن الأبصار لأنّ الأفئدة تختصّ بإدراك الآيات العقليّة المحضة ، مثل آية الأمّية وآية الإعجاز. ولمّا لم تكفهم الآيات العقليّة ولم ينتفعوا بأفئدتهم لأنّها مقلّبة عن الفطرة وسألوا آيات مرئيّة مبصرة ، كأن يرقى في السّماء وينزل عليهم كتابا في قرطاس ، أخبر الله رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمسلمين بأنّهم لو جاءتهم آية مبصرة لما آمنوا لأنّ أبصارهم مقلّبة أيضا مثل تقليب عقولهم.

وذكّر (أَوَّلَ) مع أنّه مضاف إلى (مَرَّةٍ) إضافة الصفة إلى الموصوف لأنّ أصل «أوّل» اسم تفضيل. واسم التّفضيل إذا أضيف إلى النّكرة تعيّن فيه الإفراد والتّذكير ، كما تقول : خديجة أوّل النّساء إيمانا ولا تقول أولى النّساء.

والمراد بالمرّة مرّة من مرّتي مجيء الآيات ، فالمرّة الأولى هي مجيء القرآن ، والمرّة الثّانية هي مجيء الآية المقترحة ، وهي مرّة مفروضة.

(وَنَذَرُهُمْ) عطف على (نُقَلِّبُ). فحقّق أنّ معنى (نُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ) نتركها على انقلابها الّذي خلقت عليه ، فكانت مملوءة طغيانا ومكابرة للحقّ ، وكانت تصرف أبصارهم عن النّظر والاستدلال ، ولذلك أضاف الطّغيان إلى ضميرهم للدّلالة على تأصّله فيهم ونشأتهم عليه وأنّهم حرموا لين الأفئدة الّذي تنشأ عنه الخشية والذّكرى.

والطّغيان والعمه تقدّما عند قوله تعالى : (وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) في سورة البقرة [١٥].

والظّرفيّة من قوله : (فِي طُغْيانِهِمْ) مجازية للدّلالة على إحاطة الطّغيان بهم ، أي بقلوبهم. وجملة : (وَنَذَرُهُمْ) معطوفة على (نُقَلِّبُ). وجملة (يَعْمَهُونَ) حال من الضّمير المنصوب في قوله : (وَنَذَرُهُمْ). وفيه تنبيه على أنّ العمه ناشئ عن الطّغيان.

٢٧٤

محتوى الجزء السادس من كتاب تفسير التحرير والتنوير

سورة الأنعام

(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ـ إلى ـ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ)...... ٩

(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ـ إلى ـ تَمْتَرُونَ)...................................... ١٢

(وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ ـ إلى ـ تَكْسِبُونَ)............................ ١٥

(وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ ـ إلى ـ مُعْرِضِينَ)............................... ١٦

(فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ ـ إلى ـ يَسْتَهْزِؤُنَ).................................. ١٨

(أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ ـ إلى ـ آخَرِينَ).................................... ١٩

(وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً ـ إلى ـ مُبِينٌ).............................................. ٢٢

(وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ ـ إلى ـ ما يَلْبِسُونَ).................................. ٢٤

(وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ ـ إلى ـ يَسْتَهْزِؤُنَ)................................. ٢٧

(قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ـ إلى ـ الْمُكَذِّبِينَ)......................................... ٢٩

(قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ـ إلى ـ لا يُؤْمِنُونَ)............................ ٣٠

(وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)............................. ٣٥

(قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا ـ إلى ـ الْمُشْرِكِينَ)....................................... ٣٦

(قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي ـ إلى ـ الْمُبِينُ)................................... ٤٠

(وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ ـ إلى ـ قَدِيرٌ)........................................... ٤١

(وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ)................................... ٤٣

(الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ ـ إلى ـ لا يُؤْمِنُونَ)....................................... ٤٨

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ ـ إلى ـ الظَّالِمُونَ)................................ ٥٠

(وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ـ إلى ـ يَفْتَرُونَ)........................................... ٥١

(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ ـ إلى ـ الْأَوَّلِينَ)........................................ ٥٥

(وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ ـ إلى ـ يَشْعُرُونَ).................................... ٥٩

٢٧٥

(وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ ـ إلى ـ لَكاذِبُونَ)................................... ٦٠

(وَقالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا ـ إلى ـ بِمَبْعُوثِينَ)....................................... ٦٣

(وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ ـ إلى ـ تَكْفُرُونَ).................................... ٦٣

(قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ ـ إلى ـ يَزِرُونَ)................................... ٦٤

(وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ ـ إلى ـ أَفَلا تَعْقِلُونَ).................................. ٦٧

(قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ـ إلى ـ يَجْحَدُونَ)......................................... ٧١

(وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ ـ إلى ـ الْمُرْسَلِينَ)................................... ٧٥

(وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ ـ إلى ـ الْجاهِلِينَ).................................. ٧٧

(إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ ـ إلى ـ يُرْجَعُونَ).................................. ٨٠

(وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ ـ إلى ـ لا يَعْلَمُونَ).................................... ٨٢

(وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ ـ إلى ـ يُحْشَرُونَ)....................................... ٨٦

(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا ـ إلى ـ مُسْتَقِيمٍ)............................................ ٩٠

(قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ ـ إلى ـ تُشْرِكُونَ)................................. ٩٢

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ ـ إلى ـ الْعالَمِينَ)................................. ٩٧

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ ـ إلى ـ يَصْدِفُونَ)............................... ١٠٣

(قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ ـ إلى ـ الظَّالِمُونَ).............................. ١٠٦

(وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ ـ إلى ـ يَفْسُقُونَ)............................... ١٠٧

(قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ ـ إلى ـ تَتَفَكَّرُونَ)............................ ١٠٩

(وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ ـ إلى ـ يَتَّقُونَ)........................................ ١١٢

(وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ ـ إلى ـ الظَّالِمِينَ)................................. ١١٤

(وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ ـ إلى ـ بِالشَّاكِرِينَ)................................. ١٢٠

(وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ ـ إلى ـ رَحِيمٌ)....................................... ١٢٤

(وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ ـ إلى ـ الْمُجْرِمِينَ)............................. ١٢٦

(قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ ـ إلى ـ الْمُهْتَدِينَ)...................................... ١٢٨

(قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي ـ إلى ـ الْفاصِلِينَ).................................... ١٣٠

٢٧٦

(قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ ـ إلى ـ بِالظَّالِمِينَ).............................. ١٣٤

(وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها ـ إلى ـ مُبِينٍ)................................... ١٣٥

(وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ ـ إلى ـ تَعْمَلُونَ)..................................... ١٣٩

(وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ ـ إلى ـ الْحاسِبِينَ)..................................... ١٤١

(قُلْ مَن ْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ ـ إلى ـ تُشْرِكُونَ)............................ ١٤٤

(قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ ـ إلى ـ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ)............................ ١٤٦

١٤٦ (وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُ ـ إلى ـ تَعْلَمُونَ)............................. ١٤٩

(وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ ـ إلى ـ الظَّالِمِينَ).................................. ١٥٠

(وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ ـ إلى ـ يَتَّقُونَ)......................................... ١٥٤

(وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً ـ إلى ـ يَكْفُرُونَ)................................. ١٥٦

(قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ـ إلى ـ لِرَبِّ الْعالَمِينَ).................................. ١٦٠

(وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ ـ إلى ـ الْخَبِيرُ)............................................ ١٦٣

(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ ـ إلى ـ مُبِينٍ)........................................... ١٦٩

(وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ ـ إلى ـ الْمُوقِنِينَ)................................. ١٧٣

(فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً ـ إلى ـ الْمُشْرِكِينَ).............................. ١٧٥

(وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَتُحاجُّونِّي ـ إلى ـ تَتَذَكَّرُونَ).................................. ١٨٢

(وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ ـ إلى ـ تَعْلَمُونَ)...................................... ١٨٥

(الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ ـ إلى ـ مُهْتَدُونَ)............................... ١٨٧

(وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ ـ إلى ـ عَلِيمٌ)..................................... ١٩٠

(وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ـ إلى ـ مُسْتَقِيمٍ).................................... ١٩١

(ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ ـ إلى ـ يَعْمَلُونَ)...................................... ٢٠٢

(أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ ـ إلى ـ بِكافِرِينَ)................................. ٢٠٣

(أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ ـ إلى ـ لِلْعالَمِينَ)......................... ٢٠٥

(وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ ـ إلى ـ يَلْعَبُونَ)....................................... ٢١٠

(وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ ـ إلى ـ يُحافِظُونَ).................................... ٢١٦

٢٧٧

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ ـ إلى ـ تَسْتَكْبِرُونَ).............................. ٢١٩

(وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى ـ إلى ـ تَزْعُمُونَ)......................................... ٢٢٥

(إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى ـ إلى ـ الْعَلِيمِ)...................................... ٢٣٠

(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ ـ إلى ـ يَعْلَمُونَ).................................. ٢٣٤

(وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ ـ إلى ـ يَفْقَهُونَ).................................. ٢٣٦

(وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ـ إلى ـ يُؤْمِنُونَ)................................... ٢٣٩

(وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَ ـ إلى ـ يَصِفُونَ)...................................... ٢٤٣

(بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ـ إلى ـ عَلِيمٌ)........................................ ٢٤٧

(ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ـ إلى ـ وَكِيلٌ).................................... ٢٤٩

(لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)..................... ٢٥٠

(قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ ـ إلى ـ بِحَفِيظٍ).................................... ٢٥٤

(وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ـ إلى ـ يَعْلَمُونَ)....................................... ٢٥٦

(اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ـ إلى ـ بِوَكِيلٍ).................................... ٢٥٨

(وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ ـ إلى ـ يَعْمَلُونَ)...................................... ٢٦١

(وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ ـ إلى ـ لا يُؤْمِنُونَ)................................. ٢٦٧

(وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ ـ إلى ـ يَعْمَهُونَ).................................... ٢٧٢

٢٧٨