من هدى القرآن - ج ١٦

السيّد محمّد تقي المدرّسي

من هدى القرآن - ج ١٦

المؤلف:

السيّد محمّد تقي المدرّسي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار محبّي الحسين عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-5648-19-X
ISBN الدورة:
964-5648-03-3

الصفحات: ٤٧٤

خلال تعريفه باسمين لربه من أهمّ ما ينبغي له التعرّف عليهما .. فلا يسترسل مع الرجاء المفرط ، ولا يصير فريسة للقنوط.

(وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ)

يأخذ بعزّته العاصين المذنبين ، ويغفر لمن يتوب ، فمن أحسن العمل غفر له ، ومن أساء عذّبه. ثم إنّنا نهتدي من هذه الخاتمة أنّ للابتلاء هدفا آخر غير استظهار معدن الناس ، وهو الجزاء.

[٣ ـ ٤] ثم تأخذ الآيات بأبصارنا وبصائرنا إلى بديع خلقه الكائنات ، فإنّنا إذا أمعنا النظر فيها والقينا نظرة إلى السماء التي تمتد مدى أبعد من أدق النواظير وأعظمها التي اخترعها الإنسان بما لا يقدر بشر على تخيّله .. وأعظم من حجم السماوات ذلك النظام المتناهي في الدقة الذي يحكمها على ما فيها من المنظومات والمجرات الهائلة ، فسنقرأ في الآفاق أسماء ربنا الجليل. إنّ التفكر في خلق الله يوقف الإنسان أمام حقيقة بديعة هي متانة الحق والتدبير في كلّ مفردات الكون وأجزائه ، والنظرة السليمة التي ينبغي أن نسلكها ليست التي تقف بنا عند ظواهر الأشياء ، بل التي تحملنا من الظاهر المشهود إلى الباطن المحجوب ، ومن معرفة المخلوق إلى معرفة الخالق الذي أنشأه وأبدع له النظام الذي يسير عليه.

(الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً)

قالوا : يعني بعضها فوق بعض ، كما قال الله : (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) (١) ويبدو أنّ التطابق هنا بمعنى الدقة في التكامل والتناسق ، من باب المطابقة والموافقة ضد التناقض والتنافر ، وإن دلّ ذلك على شيء فإنّما يدلّ على دقة

__________________

(١) الإنشقاق / ١٩.

١٤١

النظام الحاكم في الكون ومدى قدرة خالقه وعظمته ، فإنّك مهما بحثت وأجهدت نفسك فلن تجد ثغرة ولا عيبا في خلق الله.

(ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ)

أي ثغرات وتناقضات ، فإنّ التفاوت بمعنى الاختلاف ، والاختلاف يعني التناقض ، قال تعالى : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (١) وقد ذكر اسم «الرحمن» هنا عند الحديث عن نظام الخليقة لأنّ ذلك من أعظم تجلّيات رحمته عزّ وجلّ. أترى لو كان النظام الكوني متناقضا هل كانت الحياة ممكنة أو ميسّرة؟! كلّا .. وإنّنا مهما تفكرنا في الخلائق فإنّنا نجدها محكومة بنظام التكامل المتقن ، فالشمس تختلف عن القمر ولكنّ أحدهما يكمل مسيرة الآخرة ، بل يقوم بدور محدّد بحيث لا تنتظم مسيرته إلّا به ، بلى. قد نزعم أنّهما متناقضان لأنّ أحدهما (الشمس) نار مشتعلة والآخر (القمر) نور هادئ ولكنّ أحدهما وجه للثاني.

واللطيف في التعبير القرآني عند هذه الآية أنّه حدّثنا في المطلع عن السماوات السبع ، ولكنّه عند ما نفى وجود التناقض نفاه عن كلّ خلق الله ، وذلك أنّ الإنسان قد يسلّم بأنّ خلقا من خلقه تعالى كالسماوات محكم ومتقن ، ولكنّه يشك في وجود هذه الحقيقة عند ما يتفكّر في خلق آخر ، فإذا به يتساءل : ولماذا خلق الله الذباب والميكروبات المهلكة؟ لماذا الزلازل التي يذهب ضحيتها الألوف من البشر؟

ولكنّ عليه أوّلا : أن يقيس ما يعرفه من خلق البشر بما لا يعرفه ، وثانيا : أن يعالج شكّه باليقين ، فلا يسترسل مع وساوس الشيطان ، بل يظل باحثا عن الحقيقة حتى يكتشفها. لذلك يأتي الخطاب الإلهي الكريم يدعو كلّ فرد فرد من أبناء

__________________

(١) النساء / ٨٢.

١٤٢

البشر للنظر والتفكر في خلق الله ، ودراسة الظواهر المختلفة ، لأنّنا كلنا مسئولون عن معرفة الحقيقة والوصول إلى درجة اليقين من الإيمان بالله ، ويقول :

(فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ)

وإلى جانب البصر ينبغي أن يعمل الإنسان بصيرته أيضا ، فإنّ العين نافذة القلب على الحياة. ولعلّ الفرق بين كلمتي «تفاوت وفطور» أنّ التفاوت يكون بين خلق وخلق آخر ، وهو منفي لأنّ كلّ خلائق الله يكمل بعضها بعضا فهي منسجمة مع بعضها ، أمّا الفطور فيكون في ذات الخلق الواحد بين أجزائه ، وليس في خلق من خلقه تعالى ثغرة.

وإنّه لعجيب قول ذلك الدكتور الألماني بخنر : «بما أنّنا لم نجد ظاهرة واحدة في هذا الكون الرحيب من أبعد نقطة اكتشفناها في الفضاء وإلى أقرب جرم إلينا ، لم نجدها شاذّة عن النظام الكوني ، فليس لنا الحاجة إلى افتراض وجود الله» (١). سبحان الله كيف عمي قلبه ولم يعرف أنّ وجود النظام دليل على من نظّمه وهيمن على إجرائه؟!

نعم لو ثمّة تناقض أو تنافر في نظام الكون لأمكن افتراض أنّ الصدفة هي التي أوجدته ، أو أنّ هناك آلهة متعددة شركاء في الربوبية يتناقض الكون بتناقض آرائهم وتدبيرهم ، ولكنّنا لا نرى شيئا من ذلك ، فما هي إلّا حقيقة التوحيد الخالص إذن. وليست مشكلة الدكتور بخنر إلّا واحدا من أمرين : فامّا أن يكون جاحدا معاندا لم يرد التسليم للحق ، وامّا أنّ يكون قد أخطأ في منهج البحث والدراسة لظواهر الكون ، بحيث أنّه جعل المزايا العلمية المجردة هدفا من بحثه فلمّا وجدها توقّف عندها ، وهذا خلاف المنهج السليم الذي يأمر به العقل والدين

__________________

(١) الفكر الإسلامي مواجهة حضارية ـ للمؤلّف / ص ١٨٨.

١٤٣

والذي يدعو إلى تجاوز ظواهر الأمور إلى بواطنها.

إنّ الإنسان لا يستطيع أن يصنع شيئا إلّا وفيه ثغرة ، ولكنّك لا تجد ولا بعضا من فطور في خلق الله ، وأنّى يكون ذلك وهو الرحمن ، الذي لا يريد لخلقه عناء ولا نصبا؟ أترى لو كانت الشمس تتغير من موقعها هل نستطيع العيش على هذا الكوكب؟! وهل يمكن لنا الحياة على الأرض لو انعدم الأوكسجين أو تلاشى قانون الجاذبية؟! كلّا .. إذن فذلك من رحمة خالقنا وتلطّفه بنا سبحانه.

بلى. قد ينظر الإنسان إلى خلق الله ويتفكر فيه فيزعم أنّ وجود اللوزتين ـ مثلا ـ ثغره في خلق الإنسان ، الأمر الذي دعا بعضهم قبل سنين معدودات إلى اقتلاعهما بعيد الولادة! أو يسمّي عضوا داخله بالزائدة الدودية ، وتسود هذه الأفكار بين الناس بل في الأوساط العلمية أيضا ردحا من الزمن ، ولكنّه بعد أن يتقدم العلم يكتشف خلاف تلك المزاعم ، ويتبيّن له أنّ اعتقاداته السابقة كانت ظنونا سببها الجهل والتسرّع في الحكم. لذلك يدعو القرآن للتفكر والنظر في الأمور بإمعان مرّات عديدة :

(ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ)

وأكثر من ذلك ، وابحث بكلّ ما تستطيع عن تناقض وثغرات في خلق الله ، بل افترضه ذلك ثم حاول أن تثبت وجوده ، فهل ستجد إلى ذلك سبيلا؟ كلّا .. وإنّما ستصل إلى حقيقة واحدة هي التي أشار إليها القرآن : (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ) عند تفكرك في أيّ خلق من خلقه تعالى ، حتى.

(يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ)

والخاسئ المطرود المبعد ، وتقال هذه الكلمة للكلب والخنزير ، قال صاحب

١٤٤

المنجد : الخاسئ من الخنازير والكلاب المبعد المطرود ، لا يترك أن يدنو من الناس (١) وكانّ الإنسان حينما يجول ببصره يبحث عن عيب في خلق الله يطرد بلسان حال الخلائق ، وكأنّها تقول له : إخسأ إنّنا خلق الرحمن الحكيم العليم فلن تجد فينا نقصا ، حيث يقال خسأ وخسوء البصر : كلّ وأعيا (٢) ، وهذا المعنى قريب أيضا لأنّ الباحث سوف يتعب ويشقى دون العثور على عيب ، وكيف يعثر على شيء ليس بموجود؟! ويؤيّد هذا القول قوله تعالى : (يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ) فهو يتعب ويكلّ من النظر إلى الخلائق فلا يعود إلى ذلك مرّة أخرى .. بل يرجع صاحبه منهكا دون نتيجة.

أمّا الحسير فقيل : المحقّر ، وقيل : من اشتدت حسرته وندامته على أمر فاته (٣) ، وهما محتملان الصحّة .. وهناك معنى قريب جدا من الآية هو العاري من الحسّر : الرجّالة في الحرب يحسرون عن وجوههم ورؤوسهم ، أو يكونون لا درع عليهم ، ويقال : أرض عارية المحاسر أي لا نبات فيها (٤) وإنّ الإنسان ليعود ببصره وبصيرته من رحلة البحث عن التفاوت أو الفطور في خلق الله وهما مجرّدان عاريان من أيّ دلالة ونتيجة تثبت ذلك.

قال أمير المؤمنين (ع): «فمن فرّغ قلبه ، وأعمل فكره ، ليعلم كيف أقمت عرشك ، وكيف ذرأت خلقك ، وكيف علّقت في الهواء سماواتك ، وكيف مددت على مور الماء أرضك ، رجع طرفه حسيرا ، وعقله مبهورا ، وسمعه والها ، وفكره حائرا». (٥)

__________________

(١) المنجد مادة خسا.

(٢) المصدر.

(٣) المصدر ـ مادة حسر.

(٤) المصدر.

(٥) نهج البلاغة خ ١٦٠ ص ٢٢٥.

١٤٥

ولنا في الآية الرابعة وقفة عند معنى «كرّتين» ، فلما ذا قال الله : «ثم ارجع البصر كرّتين»؟ والإجابة :

١ ـ للتأكيد على ضرورة أن يركّز الإنسان في بحثه ودراسته ، فلا يحكم على شيء من نظرة واحدة عابرة ، إنّما يجب أن يدرس أموره مرّات عديدة ثم يقول رأيه ، فقد يكون في مرّته الأولى غفل عن بعض الجوانب والمعطيات ، أو لم يفكر تفكيرا كافيا.

٢ ـ إنّ المعرفة السليمة قد لا تتأتّى إلّا بالمقارنة بين الأشياء ، فينبغي للدارس أن يراجع ببصره وفكره مرتين ، مرة يرجع إلى ما يريد معرفته والتحقيق في شأنه ، وأخرى يرجع إلى ما يشابهه أو يناقضه للمقارنة.

٣ ـ إنّ دراسة الشيء دراسة شاملة تتم بدراسة جانبين فيه : الجانب المادي الظاهر ، والجانب المعنوي الباطن ، ويحتاج الباحث أن يكرّ مرّة ببصره لملاحظة الجانب الأوّل ، وكرّة أخرى يرجع بها إلى الجانب الثاني منه.

٤ ـ لكي يرقى الإنسان في معارفه سلّم التكامل فهو بحاجة إلى إعادة النظر في ما توصّل إليه سابقا بهدف نقده أو تكميله من خلال نظرة تفكّر جديدة ، لا حقة بعد السابقة وهكذا.

[٥] وممّا يؤكّد حاجة الإنسان إلى إعادة النظر في معارفه أنّ هناك جملة من الأفكار والإعتقادات الخاطئة (الأساطير) ينطوي عليها فكره لا تتصحح إلّا بكرّات أخرى جديدة يرجع فيها البصر والبصيرة ، ومن بينها تصوّره المتصل بنظام السماء أنّه فيه ثغرات تنفذ منها الشياطين إلى الملأ الأعلى فتطّلع على أقدار الله ، وزعمه بأنّ النجوم هي مراكز الأقدار وأنّ لكلّ فرد نجما يخصّه إذا مات سقط ، وعلى ذلك

١٤٦

فسّروا ظاهرة الشهب والنيازك ، ومضى القول : (نجمي لا يوافق نجمك). والقرآن يشير إلى تلك التصوّرات ويصححها حين يقول تبارك وتعالى :

(وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ)

وهي النجوم التي تعتبر لأهل الأرض قناديل الليل ، إذ تهتدي بها السفن التي أضلّتها العواصف عن مسارها وتضيء درب الراعي الساري بغنيماته ليلا في صحراء بعيدة ، كما تناغي المستلقي تحت السماء في الليالي الصافية. ولكنّ متانة الخلقة تربط بين تلك الزينة والإضاءة وبين حراسة السماء في تلك النجوم ، فهي كما تزيّن السماء وتضيء لأهل الأرض كذلك تقصف الشياطين رجما فلا يستطيعون العبث بمقدّرات الكون ، ولا حتى استراق السمع لمعرفة تلك المقدّرات.

(وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ)

وهذه الآية تنسف زعم الجاهلين بأنّ الشياطين قوى خارقة وعالمة بأقدار الله لأنّها تخترق السماوات وتصل إلى الأعلى ، الأمر الذي جعل البعض يشرك بهم ، ويتبعون الكهنة باعتبارهم وسائط بين الشياطين وبين الآدميين ، فإنّ النجوم ليس كما يتصوّرون بل هي زينة ومصابيح ورجوم ، وإنّ الشياطين ليسوا كذلك لأنّهم يرجمون.

ولعلّ هذه الآية تؤكّد متانة النظام الكوني وهيمنة الله من زاويتين :

الأولى : أنّ ما نراه من الشهب والنيازك ليست مجرّد قطع تنفصل عن مدار بعض النجوم والشموس في الفضاء نتيجة عوامل وقوانين فيزيائية بحتة ومن دون هدف ، إنّما تنفلت من مواقعها بإرادة الله ولأهداف محدّدة من بينها رجم الشياطين.

١٤٧

الثانية : أنّ النظام الكوني نظام متقن ، وهو بالرغم من وجود العوامل المضادة التي تحاول خرقه كالشياطين فإنّها لا تؤثّر في مسيرته ونظمه ، وأنّ مصير كلّ محاولة لخرقه هو الفشل. وهذه الحقيقة تعطي الإنسان الاطمئنان والأمن حيث يشعر أنّه يعيش في كون منظّم ومحروس.

ويؤكّد ربّنا في خاتمة الآية بأنّ ما هو أعظم من جزاء الرجم الدنيوي للشياطين هو ذلك العذاب المعدّ لهم في الآخرة.

(وَأَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ)

ويدلّ هذا المقطع على أنّ الشياطين مخلوقات مكلّفة ومختارة ومسئولة حيث تجري عليهم سنّة الجزاء.

[٦] وبعد أن انتهى الفصل الأوّل الذي استهدف زرع الخشية من الله بالغيب من خلال معرفته بالشهود ومن خلال تعريفه نفسه بالآيات ، يبدأ السياق القرآني فصلا آخر لا ينفكّ عن الأوّل ، بل يلتقي معه في ذات الهدف ، حيث تذّكرنا الآيات التالية بعذاب جهنّم وجزاء الله للكافرين.

(وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ)

إنّ الكفر بالله من قبل الإنسان هو الآخر كعمل الشياطين خرق لنظم الله ممّا يستوجب العذاب. ولهذه الآية صلة متينة بالآية الثانية في السورة التي بيّنت بأنّ حكمة الخلق استظهار معدن الإنسان بالابتلاء ، والكفر والعذاب صورة لفشل الإنسان في القيام بدوره وواجبه الذي خلق من أجله ، فيتردّى في الجحيم.

(وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)

١٤٨

والمصير من الصيرورة أي ما يصيّر الإنسان نفسه إليه.

ويلاحظ في هذه السورة تأكيد الله على اسم الرحمن أربع مرّات (في الآية الثالثة ، والتاسعة عشر ، والعشرين ، والتاسعة والعشرين) ، وكأنّه تعالى يريد أن يؤكّد بأنّه إنّما خلقنا ليرحمنا لا ليعذّبنا ولكنّنا نحن الذين نختار العذاب لأنفسنا بإرادتنا حينما نكفر به ، فانّ ما يصير إليه الإنسان من العقاب نتيجة كفره لا لأنّ الله سبحانه يريد له بئس المصير .. وبماذا يكفر ويمارس الكفر؟ إنّه يكفر بخالقه ورازقه وواهبه الحياة وكلّ ما يملك ، ويمارس عناده له بنعمه .. بنعمة المال والقوة والصحة والسمع والبصر و.. و..! ولعلّ هذا ما توحي به كلمة «بربّهم» أي به وبوسيلة نعمه.

[٧ ـ ٩] ويفصّل القرآن القول في موضوع العذاب مبيّنا بعض صفات جهنّم وأحوال أصحابها حينما يلقون فيها ، لعلّنا نتحسس ذلك الغيب ، ونخشى سطوة الله .. فما هي صفات جهنم؟

أوّل صفة لها أنّها ـ كما الحفرة أو الوادي ـ ذات قعر سحيق ، وقد يكون أوّل عذاب يواجهه أهل جهنم فيها هو الإلقاء من الأعلى إلى الأسفل ، فعن الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ عن الرسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ عن جبرئيل قال :

«وإنّ جهنّم إذا دخلوها هووا فيها مسيرة سبعين عاما» (١) ويعلم الله كم هم يقاسون في هويهم من ألوان العذاب؟!

(إِذا أُلْقُوا فِيها)

وبناء الفعل هنا للمجهول يدلّ على أنّهم يلقون مكرهين في النار ، وفي

__________________

(١) نور الثقلين / ج ٣ ـ ص ٤٧٧.

١٤٩

النصوص إشارة إلى ذلك ، قال الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ : «والذي نفسي بيده إنّهم يستكرهون في النار كما يستكره الوتد في الحائط» (١).

(سَمِعُوا لَها شَهِيقاً)

ومن أنواع العذاب ما يسمعه الكافرون حين هو يهم في جهنم من عظم شهيقها. والشهيق هو أخذ الهواء إلى داخل الرئة ، وكأنّ النار يومئذ تعطى قدرة هائلة على الجذب فتسحبهم إلى جوفها بشهيق ذي صوت مرعب أعظم بملايين المرّات من الرعد القاصف.

وصفة ثالثة لجهنم أنّها تفور.

(وَهِيَ تَفُورُ)

وللفوران معنيان : أحدهما : الغليان بارتفاع ما في الإناء لشدّة الحرارة ، وفي المنجد : (فارت القدر : غلت وارتفع ما فيها) (٢) وجهنم يومئذ تتداخل ألسنتها وتتموّج بما يشبه فوران الماء في القدر لشدّة حرارتها ، والثاني : الغضب ، ويقال : فار فائره أي ثار ثائره وهاج غضبه (٣) وكلا المعنيين مجتمعان في هذه الكلمة القرآنية ، فإنّ النار يومئذ تفور كالقدر غضبا.

(تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ)

إنّها أعظم من ملايين القنابل النووية التي تنفجر مرّة واحدة ، حتى تكاد

__________________

(١) نور الثقلين / ج ٤ ـ ص ٨ نقلا عن مجمع البيان.

(٢) المنجد مادة فور.

(٣) المصدر.

١٥٠

تنفجر ويمتاز بعضها عن بعض لو لا مشيئة الله! والغيظ الذي يكاد يفجّرها هو انعكاس لغضب الله على الكافرين في واقع جهنم ، والآية توحي بأنّ النار لها شعور يوم القيامة ، وليس من شيء يدعوها للغيظ أعظم من عصيان أصحابها لربّهم عزّ وجل!

ويأبى الله سبحانه إلّا أن يظهر عدالته حتى لأولئك الذين تسير بهم الأقدار إلى قعر جهنم فإذا بملائكته يسألونهم عن سبب وصولهم إلى هذا المصير البئيس ، لكي لا يدخل النار أحد وفي قلبه ذرّة من شك بأنّه سبحانه قد ظلمه ، ولكي يصير أهل النار إلى العذاب وهم في أعظم ما تكون الملامة لأنفسهم على ما فرّطوا في جنب الله وفي الإعداد لتلك الدار الاخر.

(كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ)

يحذّركم من معصية الله ومن هذه النار.

(قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ)

فالحجة إذن بالغة عليهم ، وأسباب الهداية إلى الحق والوقاية من العذاب وأهمّها المنذر والإنذار كانت متوافرة. فعن الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ أنّه سأله رجل : لأيّ شيء بعث الله الأنبياء والرسل إلى الناس؟ فقال : «(لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) ، ولئلّا يقولوا ما جاءنا من بشير ونذير ، وليكونوا حجة الله عليهم. ألا تسمع الله عزّ وجلّ يقول حكاية عن خزنة جهنم ، واحتجاجهم على أهل النار بالأنبياء والرسل : الآيتين» (١).

وحيث انتفى التقصير عن الله المعذب ثبت على الطرف الآخر وهم الكافرون

__________________

(١) نور الثقلين ج ٥ ـ ص ٣٨١.

١٥١

المعذبون ، فما هو خطؤهم الفظيع الذي أدّى بهم إلى بئس المصير؟ إنّه التكذيب بالنذر.

(فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ)

وفي الآية بيان لثلاثة ذنوب كبيرة أقدم عليها الكفّار :

الأول : تكذيبهم الحق في داخل أنفسهم وعدم استجابتهم له.

الثاني : أنّهم بادروا للهجوم المضاد ضد القيم الرسالية التي جاء بها المرسلون وأئمة الحق محاولين سحب الشرعية (أنّها من عند الله) عنها ، بتصنيفها في خانة القيم البشرية للتحلّل من مسئولية الالتزام بها ، وذلك أنّ الملزم للإنسان هو الحق الذي يتصل بالله فقط.

الثالث : اتهام النذر المصلحين بألوان التهم في محاولة لإسقاط شخصيتهم وضرب قيادتهم في المجتمع ، ومن أبرزها اتهامهم بالضلالة من خلال قيمهم الفاسدة وثقافتهم الخاطئة.

وكلمة «قلنا» تدل على أنّهم يحاربون الرسالات والقيادات الرسالية بالإعلام المضلل الذي يحكي ثقافتهم ومواقفهم الجاهلية ، والإنسان قادر على القول للآخرين والتعبير عمّا يريد بوسائل شتى ، كاللسان والفن و..

[١٠ ـ ١١] وغاب عن الكفّار أنّهم هم الضالون ، وأنّ ورائهم يوما تنتصر فيه الحقيقة وتظهر رغم أنف أعدائها ، يوما يفصل فيه القول ، ويخسر هنالك المبطلون ، يوما يشهد فيه الإنسان على نفسه ويعترف بذنبه.

(وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ)

١٥٢

فالإنسان إذن يحدّد موقفه ومصيره في الدنيا ، فهو الذي يختار الحق أو الباطل ، وينتمي إلى حزب الله أو حزب الشيطان ، وبالتالي يسلك طريق الجنة أو النار ، وهذه الحقيقة تكون في أجلى صورها يوم القيامة إذ يلاقي كلّ واحد مصيره الذي هو نتيجة مباشرة لاختياره وعمله في الدنيا ، وكفى بهذا البيان الإلهي داعيا للناس إلى التفكر في مستقبلهم الأبدي.

وفي هذه الآية إشارة لطيفة تتصل بمعارف الإنسان ، فهو إمّا يكون تابعا لعاقل فيسمع منه ، وإمّا أن يكون بنفسه قادرا على الاهتداء إلى الحق والاجتهاد في المعرفة فيعقل ، وإمّا أن يكون ضالا كهؤلاء الكفّار الذين ما كانوا يسمعون ولا يعقلون ، بعلمهم بهذه الحقيقة في الدنيا وباعترافهم بها في الآخرة. وإشارة أخرى تهدينا إلى أنّهم كانوا شيئيين يقيّمون الأمور بالمظاهر المادية ، فكأنّهم يعيشون في الدنيا بأبصارهم فقط وبطونهم و.. أمّا الأسماع والعقول فإنّها معطّلة ، والحال أنّ قيمة الإنسان بعقله .. ولو أنّهم كانوا يستفيدون من عقولهم لما ضلّوا ، لأنّ العقل يوافق الحق (١٠٠ خ) قال الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ : «من كان عاقلا كان له دين ، ومن كان له دين دخل الجنة» (١) وقال ـ عليه السلام ـ : «العقل ما عبد به الرحمن ، واكتسب به الجنان» (٢) وقال الإمام علي ـ عليه السلام ـ : «هبط جبرئيل على آدم ـ عليه السلام ـ فقال : يا آدم إنّي أمرت أن أخيرك واحدة من ثلاث فاخترها ودع اثنتين ، فقال له آدم : يا جبرئيل وما الثلاث؟ فقال : العقل والحياء والدين ، فقال آدم ـ عليه السلام ـ : إني قد اخترت العقل ، فقال جبرئيل للحياء وللدين : انصرفا ودعاه ، فقالا : يا جبرئيل إنّا أمرنا أن نكون مع العقل حيث كان ، قال : فشأنكما ، وعرج» (٣) وقال رسول الله

__________________

(١) نور الثقلين / ج ٥ ـ ص ٣٨٢.

(٢) المصدر.

(٣) المصدر.

١٥٣

ـ صلّى الله عليه وآله ـ : «إنّما يرتفع العباد غدا في الدرجات وينالون الزلفى من ربّهم على قدر عقولهم» (١) وما كان الكفار يعقلون فهم لا ينالون شيئا ، بل يتسافلون في دركات العذاب. وإنّ إغفال الإنسان لدور العقل لهو أعظم الذنوب ، لأنّه الذي تتفرّع عنه كل معصية وخطيئة ، وهذا ما يكتشفه أهل النار يوم القيامة.

(فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ)

وكيف لا يعترف البشر لله بذنبه وله الحجّة البالغة عليه ، وكلّ شيء يشهد عليه حتى جوارحه؟! وربما نهتدي من كلمة «فاعترفوا» ـ بإضافة إيحاءات السياق ـ أنّ الكفّار يرفضون الحق وهم يعلمون في قرارة أنفسهم أنّهم يختارون الباطل إلّا أنّهم لا يعترفون بذلك في الدنيا.

(فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ)

أي ليكن جزاؤهم أن يسحقوا بالعذاب وبالأقدام ، والسحق : هو دق الشيء أشدّ الدق (٢) حتى يصير جزئيات صغيرة في مثل الرمل والطحين أو أنعم من ذلك ، وقيل : هو الإبعاد عن رحمة الله (٣) والمعنيان متحدان لأنّ السحق في الآخرة بالمعنى الأوّل نتيجة لطرد الله الكافر من رحمته.

[١٢ ـ ١٤] ويصل السياق إلى محور السورة حيث التأكيد على خشية الله بالغيب ، فإنّ الآيات التي عرّفتنا على جانب من عظمة ربنا في مطلع السورة ، وهكذا التي حدثتنا عن عذاب الكافرين وبعض أحوالهم يوم القيامة ، وكذلك بقية الآيات حتى خاتمة سورة الملك والتي تنسف أفكار الشرك بالله ومزاعم المشركين ..

__________________

(١) المصدر.

(٢) المنجد / مادة سحق.

(٣) المصدر.

١٥٤

إنّها كلّها تهدف رفعنا إلى مستوى خشية ربنا بالغيب.

(إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ)

لما سبقت منهم من سيئات وخطيئات.

(وَأَجْرٌ كَبِيرٌ)

وذلك لأنّ خشية الله بالغيب من الحسنات الكبيرة التي تذهب السيئات وتضاعف الصالحات. فما هو معنى الخشية بالغيب؟

الجواب إنّها خوف الله بالمعرفة الإيمانية ، وليس نتيجة العوامل المادية التي يعانيها الإنسان ، ويلمس آثارها في الدنيا .. فتارة يلتزم الواحد منّا بأحكام الله ويطبّق رسالته لأنّ الحكم بيد أوليائه الذين يجرون حدوده وأحكامه ، فهو لا يقدم على السرقة ولا الزنى لأنّ الحاكم سوف يقطع يده ويجلده أو يرجمه بالحجارة ، وتارة يستجيب لله لمعرفته وإيمانه بالآخرة ، وأنّه تعالى يعذّب العصاة بالنار ، فإذا بذلك العامل الغيبي الذي لا يراه ببصره ولكنّه يعاينه ببصيرته يعكس الخوف من الله في كلّ كيانه.

ومن المعارف التي تبعث في النفس روح الخشية من الله هي معرفة الإنسان برقابته المطلقة تعالى على كلّ شيء وعلمه به ، لا فرق بالنسبة إليه بين السرّ والجهر ، لأنّ هذه المعرفة تجعل من الغيب حاضرا في وعي البشر وسلوكه.

(وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ)

أي مطّلع على النوايا الباطنية التي تنطوي عليها نفوس الناس ، وتصدر عنها الأقوال والأفعال في مرحلة متأخرّة عن تكوّنها. وهذا المستوى من المعرفة إذا سمى

١٥٥

إليه الإنسان فإنّه ليس لا يقترف الذنب في المجتمع ولا بعيدا عن أعين الناس وحسب ، بل لا ينجس صدره بنية سوء أبدا ، لأنّها هي الأخرى يعلمها الله. وهذه أكبر ضمانة للالتزام بالنظام ، وقد أثبتت الإحصاءات أنّ ثمانين بالمائة من حوادث الاجرام التي تقع في العالم ناشئة من اعتقاد المجرم بأنّه قادر على الفلت من الرقابة والجزاء ، لأنّ الحاكم مهما بلغ فهو بشر مثله محدود القدرات اطّلاعا ومجازاة ، ولكن هل يصدق ذلك بالنسبة إلى الله سبحانه؟ كلّا .. والقرآن ينسف أدنى تصوّر بهذا الاتجاه إذ يقول متسائلا :

(أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ)

الذي ينفذ علمه إلى أدقّ الأشياء وأخفاها.

(الْخَبِيرُ)

العالم علما شاملا وكاملا بخلقه ، وإذا كان الخبير من البشر يعلم بدقائق ما يصنعه من الأجهزة فكيف بالخالق المطلق العلم؟! إذن فلا تحاول أيّها الإنسان أن تخادع نفسك ، ولا تسمع لنداء الشيطان الذي يحاول تغريرك والإيحاء لك بأنّك بعيد عن الأنظار فتمارس الخطيئة.

وهناك رواية في معنى «الخبير» مأثورة عن الإمام علي بن موسى الرضا ـ عليه السلام ـ : «وأمّا الخبير فالذي لا يعزب عنه شيء ولا يفوته ، ليس للتجربة وللاعتبار بالأشياء ، فعند التجربة والإعتبار علمان لولاهما ما علم ، لأنّ من كان كذلك كان جاهلا (قبل العلم ومحدود المعرفة) ، والله لم يزل خبيرا بما يخلق ، والخبير من الناس المستخبر عن جهل المتعلّم ، فقد جمعنا الاسم واختلف

١٥٦

المعنى» (١) فنقول : أنّ الله خبير كما نقول أنّ فلانا من الناس خبير ، فالتسمية واحدة ، ولكنّ معنى خبرة الله يختلف عن معنى خبرة الناس.

__________________

(١) نور الثقلين / ج ٥ ـ ص ٣٨٣.

١٥٧

هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (١٥)  أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ (١٦) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (١٧) وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ

___________________

١٥ [ذلولا] : سهلة ، مسخّرة للبناء والزرع ودفن الأموات والسير وإجراء الأنهر والقنوات وغيرها .. من ذلّ بمعنى خضع ولان.

[مناكبها] : أي ظهورها وطرقها ، ومنكب كلّ شيء أعلاه ، وأصله الجانب ، ومنه منكب الرجل والريح النكباء.

[النشور] : الحياة بعد الموت ، وأصله من النشر ضد الطّي.

١٦ [تمور] : تضطرب وتموج.

١٧ [حاصبا] : الحاصب الحجارة التي يرمى بها كالحصاء ، وحصبه بالحصاء إذا رماه بها.

١٥٨

كانَ نَكِيرِ (١٨) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (١٩) أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ إِنِ الْكافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ (٢٠) أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (٢١) أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢٢) قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (٢٣) قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٥) قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢٦)

___________________

١٨ [نكير] : أي إنكاري عليهم حيث عذّبوا بألوان العذاب من غرق وخسف وحصب وغيرها.

٢١ [لجّوا] : استمرّوا في اللجاج والمخالفة.

[عتوّ] : تعدّ عن الحق.

٢٤ [ذرأكم] : أي خلقكم بالتناسل والتوالد.

١٥٩

فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (٢٧) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنا فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٢٨) قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٩) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ (٣٠))

___________________

٢٧ [زلفة] : قريبا.

[تدّعون] : تطلبون وتستعجلون ، من الدعاء ، وقالوا : تدعون وتدّعون بمعنى واحد.

٣٠ [غورا] : غائر في أعماق الأرض لا يتمكّن الإنسان من إخراجه.

[معين] : ظاهر للعيون ، أو بمعنى جار سهل التناول.

١٦٠