شرح جمل الزجّاجى - ج ١

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »

شرح جمل الزجّاجى - ج ١

المؤلف:

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-2263-0
ISBN الدورة:
2-7451-2263-0

الصفحات: ٥٨٤

«زيد» و «عمرو» إذ لا يتصوّر أن يكون «كالأخوين» خبرا لـ «زيد» وحده.

فإن عطفت على الاسم بعد الخبر ، فلا يخلو أن تعطف على اسم «إنّ» و «لكنّ» أو على اسم غيرهما من أخواتهما ، فإن عطفت على اسم «إنّ» و «لكنّ» فإنّه يجوز في العطف عند أهل الكوفة وطائفة من أهل البصرة وجهان : النصب عطفا على اللفظ ، والرفع عطفا على الموضع ، فتقول : «إن زيدا قائم وعمرا» على لفظ «زيد» ، و «عمرو» ، على موضع «زيد» ، لأنّ «إنّ زيدا قائم» ، في معنى : زيد قائم ، فكما تقول : «زيد قائم وعمرو» ، فكذلك يجوز : «إن زيدا قائم وعمرو» ، فيكون ذلك عندهم نظير : «ليس زيد بقائم ولا قاعدا» ، عطفا على موضع «قائم» ، فكأنّك قلت : «ليس زيد قائما ولا قاعدا».

وقد يجوز أن ترفع على أن يكون الاسم مبتدأ ، والخبر محذوف لدلالة ما قبله عليه ، كأنّه من الأصل : «زيد قائم وعمرو قائم» ، فحذف «قائم» من الثاني لدلالة «قائم» الأول عليه.

وقد يجوز أيضا الرفع عطفا على الضمير الذي في الخبر إن كان الخبر مما يتحمل الضمير ولا بد من تأكيد الضمير أو طول يقوم مقامه ، فتقول إذ ذاك : «إن زيدا قائم هو وعمرو» ، و «إنّ زيدا قائم في الدار وعمرو» ، ولا يجوز العطف من غير تأكيد ولا طول ، إلا في الضرائر.

وأما المحقّقون من أهل البصرة ، فأنّهم يجيزون جميع ذلك إلا العطف على الموضع ، فإنّه لا ينقاس عندهم إلا حيث يكون له مجوّز ، وذلك نحو : «ليس زيد بقائم ولا قاعدا» ، ألا ترى أن قوله : «بقائم» في موضع نصب كأنه قال : «ليس زيد قائما» ، فالذي يطلب النصب باق وهو «ليس» ؛ وأما إذا قلت : «إنّ زيدا قائم» ، فإنّ الرافع لزيد ، وهو التعرّي ، قد زال ولم يبق للرفع مجوّز ، فلذلك لم يجز العطف عندهم على الموضع هنا بقياس ، بل بابه أن يجيء في الشعر ، وإن جاء في الكلام فنادر بحيث لا يقاس عليه.

فممّا جاء من العطف على الموضع من غير مجوّز في الشعر قوله [من البسيط] :

٣١٦ ـ إن تركبوا فركوب الخيل عادتنا

أو تنزلون فإنّا معشر نزل

______________________

٣١٦ ـ التخريج : البيت للأعشى في ديوانه ص ١١٣ ؛ وخزانة الأدب ٨ / ٣٩٤ ، ٥٥٢ ، ٥٥٣ ؛ والدرر ٥ / ٨٠ ؛ وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٦٥ ؛ والصاحبي في فقه اللغة ص ٢٧٦ ؛ والكتاب ٣ / ٥١ ؛ والمحتسب ـ

٤٦١

فحمل على المعنى ، كأنّه قال : «أتركبون أو تنزلون» ، ولو لا ذلك لم يجز أن تعطف مرفوعا على مجزوم ، فعطف على المعنى ، وإن لم يكن في اللفظ ما يجوز الرفع ويطلبه. ومما جاء من ذلك في الكلام نادرا قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ) (١) ، ثم قال بعد : (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ) (٢). كأنّه قال : أرأيت كالذي حاج إبراهيم أو كالذي مرّ على قرية؟ ولو لا ذلك لم يسغ عطف «كالذي» على الذي ، لأن المعنى إذ ذاك يختلّ ، ألا ترى أن المعطوف شريك المعطوف عليه ، ولو جعلت «كالذي» معطوفا على «الذي» لكان التقدير : ألم تر كالذي مرّ على قرية. فيكون في ذلك إثبات لمثل الذي مرّ على قرية وليس المعنى على ذلك ، بل المراد إنكار وجود مثله ، فلذلك وجب أن يعتقد فيه أنّه محمول على المعنى. فلما كان هذا النوع من العطف غير منقاس لذلك لم يجز عندنا : «إنّ زيدا قائم وعمرو» ، على أن يكون محمولا على معنى : «زيد قائم» ، بل يكون رفع «عمرو» ـ عندنا ـ إمّا على الابتداء والخبر محذوف ، وإمّا على العطف على الضمير إذا كان هناك توكيد أو طول كما تقدّم.

فإنّ كان العطف على سائر أخوات «إنّ» و «لكنّ» فإنّه لا يجوز إلّا النصب على اللفظ ،

______________________

ـ ١ / ١٩٥ ؛ وبلا نسبة في همع الهوامع ٢ / ٦٠.

المعنى : نحن قوم شجعان محاربون نتقن فنون القتال جميعا من طعان على ظهور الخيل إلى ضراب بالسيوف للمشاة.

الإعراب : إن : حرف شرط جازم. تركبوا : فعل مضارع مجزوم بحذف النون لأنه من الأفعال الخمسة و «الواو» : ضمير متصل في محل رفع فاعل و «الألف» : فارقة. فركوب : «الفاء» : رابطة لجواب الشرط ، «ركوب» : مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة وهو مضاف. الخيل : مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة. عادتنا : خبر مرفوع بالضمة الظاهرة وهو مضاف و «نا» : ضمير متصل في محل جر بالإضافة. أو تنزلون : «أو» : حرف عطف ، «تنزلون» : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة و «الواو» : ضمير متصل في محل رفع فاعل. فإنا : «الفاء» : رابطة لجواب شرط مقدر ، «إنا» : حرف مشبه بالفعل و «نا» : ضمير متصل في محل نصب اسمها. معشر : خبرها مرفوع بالضمة الظاهرة. نزل : صفة معشر ، مرفوعة بالضمة الظاهرة.

وجملة «تركبوا» : فعل الشرط لا محل لها. وجملة «ركوب الخيل عادتنا» : في محل جزم جواب شرط. وجملة «تنزلون» : في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف تقديره أنتم. وجملة «تنزلون» مع المبتدأ المحذوف : معطوفة على جملة «إن تركبوا» لا محل لها. وجملة «إنا معشر نزل» : في محل جزم جواب الشرط.

والشاهد فيه قوله : «أو تنزلون» حيث عطف الفعل المضارع المرفوع «تنزلون» على المضارع المجزوم «تركبوا» ، وهذا العطف عطف على المحل ، والتقدير : أتركبون أو تنزلون.

(١) البقرة : ٢٥٨.

(٢) البقرة : ٢٥٩.

٤٦٢

ولا يجوز الرفع على الموضع ولا على الابتداء والخبر محذوف ، باتفاق من أهل البصرة والكوفة.

أما امتناع الرفع على الموضع قبل دخول الحرف فلأنّ ما بقي من الحروف قد غيّر المعنى أو الحكم. ألا ترى أن «كأن زيدا قائم» ، و «ليت زيدا قائم» ، و «لعلّ زيدا قائم» ، ليس شيء من ذلك في معنى : «زيد قائم» ، فإذا لم يكن شيء من ذلك في معنى المبتدأ والخبر ، فكيف يسوغ أن يعامل معاملة ما ليس في معناه. وكذلك قوله : «يعجبني أن زيدا قائم» ، بتقدير اسم مفرد ، كأنّك قلت : يعجبني قيام زيد ، فبطل حكم الابتداء والخبر جملة.

وأما امتناع الرفع على الابتداء والخبر محذوف ، فلأنّك إذا قلت : «كأن زيدا قائم وعمرو» ، وقدرت «عمرا» مبتدأ وخبره محذوف تقديره : وعمرو قائم ، وكانت الجملة من قولك : «وعمرو قائم» ، معطوفة على قولك : «كأن زيدا قائم» ، فلا تكون داخلة مع الكلام الأول في التشبيه ، فتكون قد حذفت الخبر وجعلت الدليل عليه ما ليس في معناه.

وكذلك : «ليت زيدا قائم وعمرو» ، و «لعلّ زيدا قائم وعمرو» ، وجميع ذلك لا يتصوّر حذف الخبر فيه ، لأن الخبر المثبت ليس في معنى المحذوف ، فلذلك لم يجز الرفع في شيء من ذلك على الابتداء ، كما لا يجوز : «تبّا له وويح» ، على أن يكون «ويح» مبتدأ ، والخبر محذوف تقديره : وويح له ، وحذف لدلالة الأول عليه ، لمّا كان المحذوف والمثبت تبيينا ، فلم يوافق المثبت المحذوف ، فلم يجز لذلك أن يجعل دليلا عليه.

فإن رفعت على أن يكون الاسم معطوفا على الضمير الذي يتحمله الخبر ـ إن كان الخبر مما يتحمل الضمير ـ جاز ذلك بشرط التأكيد أو الطول القائم مقامه كما تقدم.

فإن أتبعت اسم «إنّ» وأخواتها بتابع من التوابع غير عطف النسق ، فلا يخلو من أن تتبعه بعد الخبر أو قبله ، وكيفما فعلت فالإتباع عند المحققين من أهل البصرة على اللفظ ، نحو : «إنّ زيدا القائم منطلق» ، و «إن زيدا منطلق القائم» ، ولا يجوز غيره إلّا أن يسمع من ذلك شيء فيحفظ ولا يقاس عليه.

وأما أهل الكوفة وبعض البصريين فإنّ الإتباع عندهم فيما عدا «إنّ» و «لكنّ» على اللفظ ليس إلّا ، لأنّها حروف غيّرت معنى الابتداء والخبر وحكمه ، وأما «إنّ» و «لكنّ» فلا يخلو أن يتبع اسمها قبل الخبر أو بعده. فإن أتبعته بعد الخبر ، جاز عندهم النصب على

٤٦٣

اللفظ والرفع على المعنى ، وإن أتبعته قبل الخبر ، فعلى مذهب الكسائي ، يجوز النصب على اللفظ والرفع على الموضع قياسا على ما سمع من قولهم : «إنّهم أجمعون ذاهبون» ، بالرفع على موضع «إنّ» قبل دخولها. وعلى مذهب الفراء إن كان الاسم مبنيّا جاز النصب على اللفظ والرفع على الموضع نحو : «إن هذا نفسه ذاهب» ، وإن كان معربا فالنصب على اللفظ ليس إلّا ، فقاس على قولهم : «إنّهم أجمعون» ، ما هو مثله في البناء.

والصحيح أنه لا يجوز الحمل على الموضع بعد الخبر ولا قبله ، لما ذكرنا من أنّه لا يقاس الحمل على الموضع إلّا حيث يكون له مجوّز.

٤٦٤

باب الفرق بين «إنّ» و «أنّ»

اعلم أنّ النحويين تارة ضبطوا ذلك بحصر أماكن كسرها وتبيّن بذلك أماكن فتحها ، وتارة ضبطوا ذلك بأن جعلوا لكل واحد من الموضعين قانونا يفصله من غيره. والذين ضبطوا ذلك بقانون منهم من قال : كلّ موضع يتعاقب عليه الاسم والفعل فـ «إنّ» فيه مكسورة ، وكلّ موضع ينفرد بأحدهما فـ «إنّ» فيه مفتوحة. فمثال وقوعها في موضع يتعاقب عليه الاسم والفعل : «إن زيدا قائم» ، ألا ترى أن «إنّ» وقعت هنا صدرا ، وصدر الكلام يقع فيه الاسم تارة والفعل أخرى ، فتقول : «زيد قائم» ، و «يقوم زيد».

ومثال وقوعها في موضع ينفرد بالاسم : «بلغني أنّ زيدا قائم» ، ألا ترى أنّ «أنّ» مع اسمها وخبرها في موضع الفاعل وتتقدر بالاسم ، فتقول : «بلغني قيام زيد». ومثال وقوعها في موضع ينفرد بالفعل : لو أنّ زيدا قائم قام عمرو. ألا ترى أن لو لا يقع بعدها إلا الفعل ظاهرا أو مضمرا ، فوقعت أن بعدها موقع الفعل ، ولذلك فتحت. وهذا القانون غير صحيح ، لأن إذا التي للمفاجأة لا يليها إلا الاسم ، وإن إذا وقعت بعدها تكون مكسورة ، فينبغي على هذا أن تقول : وكلّ موضع ينفرد بأحدهما فإن فيه مفتوحة إلّا بعد «إذا» التي للمفاجأة ، وحينئذ يسلم هذا القانون من الكسر.

ومنهم من قال : كلّ موضع هو للجملة فـ «إنّ» فيه مكسورة ، وكل موضع هو للمفرد فـ «إنّ» فيه مفتوحة. وهذا ينكسر بقولهم : لو أنّ زيدا قائم قام عمرو. ألا ترى أنّ «أنّ» واسمها وخبرها وقعت في موضع الجملة الفعلية التي كان ينبغي لها أن تلي «لو» على مذهب سيبويه ، فإنّه يجعل «أنّ» مباشرة لـ «لو» لفظا وتقديرا ، ويجعلها مع معمولها بتقدير اسم

جمل الزجاجي / ج ١ / م ٣٠

٤٦٥

مبتدأ وسدّ الطول مسدّ الخبر. وأمّا غير سيبويه فـ «أنّ» عنده لم تباشر لو في التقدير بل الذي باشرها في التقدير الفعل ، وأنّ ما بعدها في موضع فاعل ، فيكون على هذا في موضع المفرد فلا يكون في ذلك كسر للقانون.

إلّا أنّ الصحيح مذهب سيبويه ، وذلك أنّك أيّ المذهبين ارتكبت كان فيه خروج لـ «لو» عمّا استقرّ فيها في غير هذا الموضع ، ألا ترى أنّها أبدا لا يليها إلا الفعل ظاهرا ولا يليها مضمرا إلّا في ضرورة شعر. فإذا جعلت «أن» مع معمولها في موضع مبتدأ ولي «لو» الاسم لفظا وتقديرا ، وليس ذلك بجائز فيها في غير هذا الموضع. وإذا جعلت «أنّ» وما بعدها في موضع فاعل بفعل مضمر كان في ذلك أيضا خروج عما استقر فيها لأنّها يضمر بعدها الفعل في فصيح الكلام وقد تقدم أنّ ذلك لا يجوز إلّا في الضرورة.

وإذا كان كل واحد من المذهبين يؤدّي إلى الخروج عن الظاهر فلا فائدة في تكلّف الإضمار.

وضبط ذلك مفصّلا أن تقول : إن لها ثلاثة مواضع : موضع لا تكون فيه إلّا مكسورة ، وموضع لا تكون فيه إلّا مفتوحة ، وموضع يجوز فيه فتحها وكسرها.

فالموضع الذي تكسر فيه : إذا وقعت مبتدأ ، نحو : «إن زيدا قائم». وإذا كان في خبرها اللام ، نحو : «علمت إنّ زيدا لقائم» ، وبعد واو الحال ، نحو : «جاء زيد وإنّ يده على رأسه» وبعد «حتى» ، نحو : «مرض حتى إن الطير لترحمه». وبعد «ألا» التي للاستفتاح ، نحو : «ألا إن زيدا لقائم». وبعد القول المجرد من معنى الظن.

واختلف فيها إذا وقعت بعد القسم ، نحو : «والله أنّ زيدا قائم» ، فمنهم من لم يجز إلا الفتح ، ومنهم من أجاز الفتح والكسر ، واختار الفتح ، ومنهم من أجازهما واختار الكسر. ومنهم من لم يجز إلا الكسر ، وهو الصحيح ، لأن جواب القسم إنّما هو جملة ، وتتعاقب فيه الجملة الفعلية والاسمية ، فينبغي أن تكون «إنّ» فيه مكسورة كما تكون إذا وقعت صدر الكلام ، وعلى ذلك هو السماع ، قال الله تعالى : (يس* وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ* إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) (١).

والذي فتحها توهم أن كونها جوابا يخرجها عن الصدرية ، وذلك فاسد لما ذكرنا من

______________________

(١) يس : ١ ـ ٣.

٤٦٦

أن الجواب بمنزلة الجملة المستأنفة ولو لا ذلك لما ساغ دخول لام الابتداء في الجواب ، نحو قولهم : «والله لزيد قائم».

والموضع الذي تكسر فيه وتفتح بعد «إذا» التي للمفاجأة ، نحو قولك : «خرجت فإذا أن زيدا قائم» ، إن شئت كسرت فيه «إنّ» وإن شئت فتحتها. فإن كسرتها لم تقدر «إذا» في موضع خبر فيكون الواقع بعدها جملة مستأنفة ، فتكسر «إنّ» لذلك. وإن فتحتها كانت «إذا» في موضع الخبر ، وتكون «أن» ومعمولاها تتقدّر بمصدر مبتدأ ، فكأنك قلت : «خرجت فإذا قيام زيد» ، وقد روي قوله [من الطويل] :

٣١٧ ـ وكنت أرى زيدا كما قيل سيّدا

إذا أنّه عبد القفا واللهارم

بكسر «إنّ» وفتحها.

وبعد «أما» ، نحو قولك. «أما إنّ زيدا قائم». إن شئت فتحت فيه «إنّ» ، وإن شئت كسرتها ، وذلك أيضا على تقديرين مختلفين. فإن جعلت «أما» استفتاح كلام كـ «ألا» كسرت «إنّ» بعدها ، كما تكسرها بعد «ألا» ، فتقول : «أما إنّ زيدا قائم» ، وإن جعلتها بمعنى «أحقا»

______________________

٣١٧ ـ التخريج : البيت بلا نسبة في أوضح المسالك ١ / ٣٣٨ ؛ وتخليص الشواهد ص ٣٤٨ ؛ والجنى الداني ص ٣٧٨ ، ٤١١ ؛ وجواهر الأدب ص ٣٥٢ ؛ وخزانة الأدب ١٠ / ٢٦٥ ؛ والخصائص ٢ / ٣٩٩ ؛ والدرر ٢ / ١٨٠ ؛ وشرح الأشموني ١ / ١٣٨ ؛ وشرح التصريح ١ / ٢١٨ ؛ وشرح ابن عقيل ص ١٨١ ؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٨٢٨ ؛ وشرح المفصل ٤ / ٩٧ ، ٨ / ٦١ ؛ والكتاب ٣ / ١٤٤ ؛ والمقاصد النحوية ٢ / ٢٢٤ ؛ والمقتضب ٢ / ٣٥١ ؛ وهمع الهوامع ١ / ١٣٨.

اللغة والمعنى : القفا : المؤخّرة. اللهازم : ج اللهزمة ، وهي العظم الناتىء في اللحي تحت الأذن. وعبد القفا واللهازم : كناية عن الخسّة والحقارة.

الإعراب : وكنت : الواو : حسب ما قبلها ، كنت : فعل ماض ناقص ، والتاء : ضمير في محلّ رفع اسم «كان». أرى : فعل مضارع مرفوع. والفاعل : أنا. زيدا : مفعول به أوّل لـ «أرى» القلبيّة منصوب. كما : الكاف : حرف جرّ ، ما : اسم موصول في محلّ جرّ بحرف الجرّ. قيل : فعل ماض للمجهول ، ونائب الفاعل : هو. سيّدا : مفعول به ثان لـ «أرى». إذا : الفجائيّة. أنّه : حرف مشبّه بالفعل ، والهاء : في محل نصب اسم «أنّ». عبد : خبر «أنّ» مرفوع ، وهو مضاف. القفا : مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدّرة على الألف للتعذّر. واللهازم : الواو : حرف عطف. اللهازم : معطوف على «القفا» مجرور.

وجملة (كنت أرى ...) الفعليّة بحسب الواو. وجملة (أرى) الفعليّة في محلّ نصب خبر «كنت». وجملة (قيل) الفعليّة لا محلّ لها من الإعراب لأنّها صلة الموصول.

والشاهد فيه جواز فتح همزة «إنّ» وكسرها بعد «إذا» الفجائية.

٤٦٧

فتحت «إنّ» بعدها ، فتقول : «أما أنّك منطلق» ، كما تقول : «أحقّا أنّك منطلق»؟ لأن «إنّ» إذ ذاك مع معموليها في موضع اسم مبتدأ والخبر في قولك : «أحقّا» ، وفي قوله : «أما» الذي هو بمعنى حقّا ، ويكون انتصابهما على الظرفية ، كأنّه قال : أفي حقّ أنّك منطلق ، أي : ممّا أحقّقه انطلاقك. والموضع الذي تفتح فيه ما بقي.

فإن قيل : فمتى يكون القول بمنزلة الظن ومتى لا يكون كذلك؟

فالجواب أن تقول : إنّ القول يجريه بنو سليم مجرى الظن من غير شرط ، وأما غير بني سليم فلا يجرونه مجرى الظنّ إلّا بأربعة شروط :

أحدها : أن يكون الفعل مضارعا.

والآخر : أن يكون لمخاطب.

والآخر : أن يكون قد تقدّمته أداة استفهام.

والرابع : أن لا يفصل بينه وبين أداة الاستفهام إلّا بالظرف والمجرور ، فإنّه لا يعتدّ بهما ، فكأنّه لم يقع فصل ، نحو : «أتقول أنّ زيدا منطلق» ، فتفتح «إنّ» كما تفتح بعد الظن ، ومن ذلك قوله [من الكامل] :

٣١٨ ـ أمّا الرحيل فدون بعد غد

فمتى تقول الدار تجمعنا

______________________

٣١٨ ـ التخريج : البيت لعمر بن أبي ربيعة في ديوانه ص ٤٠٢ ؛ وخزانة الأدب ٢ / ٤٣٩ ، ٩ / ١٨٥ ؛ وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٧٩ ؛ وشرح المفصل ٧ / ٧٨ ، ٨٠ ؛ والكتاب ١ / ١٢٤ ؛ ولسان العرب ١١ / ٥٧٥ (قول) ؛ والمقاصد النحويّة ٢ / ٤٣٤ ؛ وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص ٤٥٧ ؛ ورصف المباني ص ٨٩ ؛ وشرح التصريح ١ / ٢٦٢ ؛ ولسان العرب ١١ / ٢٧٩ (رحل) ، ١٢ / ٢٦٦ (زعم) ؛ والمقتضب ٢ / ٣٤٩.

المعنى : يقول : إن الرحيل محتّم اليوم أو غدا ، فمتى يا ترى تجمعنا دار واحدة؟

الإعراب : «أمّا» : حرف شرط وتأكيد. «الرحيل» : مبتدأ مرفوع. «فدون» : الفاء رابطة جواب «أما» ، «دون» : ظرف متعلّق بمحذوف خبر المبتدأ. «بعد» : مفعول فيه ظرف زمان مبني على الفتح في محل جر مضاف إليه ، وهو مضاف. «غد» : مضاف إليه مجرور. «فمتى» : الفاء حرف استئناف ، «متى» : اسم استفهام مبني في محلّ نصب على الظرفية ، متعلّق بـ «تجمع». «تقول» : فعل مضارع مرفوع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره : «أنت». «الدار» : مفعول به أول منصوب. «تجمعنا» : فعل مضارع مرفوع ، و «نا» ضمير في محلّ نصب مفعول به ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره «هي». ـ

٤٦٨

فنصب «الدار» بـ «تقول» لأنّه أجراها مجرى الظن ، وعلى اللغة السليمية جاء قول امرىء القيس [من الطويل] :

٣١٩ ـ إذا ما جرى شأوين وابتلّ عطفه

تقول هزيز الريح مرّت بأثأب

في رواية من رواه بنصب «هزيز». وعلى هذه اللغة أيضا قوله [من الطويل] :

٣٢٠ ـ إذا قلت أنّي آيب أهل بلدة

نزعت بها عنه الوليّة بالهجر

______________________

ـ وجملة : «أما الرحيل فدون ...» ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة : «متى تقول ...» استئنافيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «تقول» في محلّ جرّ بالإضافة. وجملة «تجمعنا» في محلّ نصب مفعول به ثان لـ «تقول».

الشاهد فيه قوله : «تقول الدار تجمعنا» حيث استعمل الفعل «تقول» بمعنى «تظنّ» ، ونصب به مفعولين : أولهما قوله : «الدار» ، وثانيهما جملة «تجمعنا» ، ولم يقصد به الحكاية ، ولو لا ذلك لرفع «الدار» بالابتداء ، وكانت جملة «تجمعنا» في محلّ رفع خبر ، وكانت جملة المبتدأ وخبره في محل نصب مقول القول.

٣١٩ ـ التخريج : البيت لامرىء القيس في ديوانه ص ٤٩ ؛ وشرح التصريح ١ / ٢٦٢ ؛ ولسان العرب ٥ / ٤٢٤ (هزز) ؛ والمقاصد النحوية ٢ / ٤٣١ ؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٥ / ٢٢٠.

شرح المفردات : الشأو : الجري دفعة واحدة. العطف : الجانب. هزيز الريح : صوتها. الأثأب : نوع من الشجر.

المعنى : يقول : إذا جرى هذا الفرس شوطين وتبلّل جانبه بالعرق ، سمعت له صوتا شبيها بمرور الريح بين الأشجار.

الإعراب : «إذا» : ظرف زمان يتضمّن معنى الشرط متعلّق بجوابه. «ما» : زائدة. «جرى» : فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره «هو». «شأوين» : مفعول مطلق نائب عن المصدر منصوب بالياء لأنّه مثنّى. «وابتل» : الواو حرف عطف ، «ابتل» : فعل ماض. «عطفه» : فاعل مرفوع ، وهو مضاف ، والهاء ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. «تقول» : فعل مضارع مرفوع ، وفاعله ... وجوبا «أنت». «هزيز» :

مفعول به أوّل ، وهو مضاف. «الريح» : مضاف إليه مجرور. «مرّت» : فعل ماض ، والتاء للتأنيث ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره : «هي». «بأثأب» : جار ومجرور متعلقان بـ «مرّت».

وجملة : «إذا ما جرى ...» الشرطية ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «جرى» في محلّ جرّ بالإضافة. وجملة «وابتلّ عطفه» معطوفة على جملة «جرى». وجملة : «تقول» جواب شرط غير جازم لا محل لها من الإعراب. وجملة «مرّت» في محلّ نصب مفعول به ثان.

الشاهد فيه قوله : «تقول» حيث استخدمه بمعنى «تظنّ» ، ونصب مفعولين : أولهما : «هزيز» ، وثانيهما جملة «مرّت» ، والذين يجرون هذا المجرى بغير قيد هم بنو سليم من بين العرب كافة ، أمّا غيرهم فيتقيّدون بشروط فصّلها النحاة.

٣٢٠ ـ التخريج : البيت للحطيئة في ديوانه ص ٢٢٥ ؛ وتخليص الشواهد ص ٤٥٩ ؛ وخزانة الأدب ٢ / ٤٤٠ ؛ وشرح التصريح ١ / ٢٦٢ ؛ والمقاصد النحوية ٢ / ٤٣٢ ؛ وبلا نسبة في شرح الأشموني ١ / ١٦٥. ـ

٤٦٩

بفتح أن.

فإن قيل : فلأيّ شيء لم يجز أن يجري مجرى الظن غير بني سليم إلّا بالشروط الأربعة المتقدمة؟ فالجواب : إنّ الذي حمل على ذلك أنّ هذه الأشياء يقوى فيها معنى الظن لمناسبته لها ، ألا ترى أنّ المستقبل لكونه لم يقع لا يكون في الغالب إلّا مظنونا وليس كذلك الماضي. وكذلك الاستفهام يناسب الظن ، لأنّ المستفهم أبدا إنّما يستفهم عما لا يتحقّق.

وإذا فصل بين أداة الاستفهام والفعل بغير الظرف ولا المجرور صار الفعل كأنّه لم يتقدّمه استفهام ، فيضعف فيه معنى الظن لذلك ، وأما الظرف والمجرور فلا يعتد بهما في كلام العرب ، فكأنه لم يقع بين أداة الاستفهام والمستفهم عنه فصل.

واشترط في الفعل المضارع أن يكون للمخاطب لأنّ المخاطب قد يستفهم عن ظنّه ، ولا يكاد أن يستفهم الإنسان عن ظنّ غيره ، لأنّه لا يتوصّل إلى حقيقة ذلك ، فتقول للمخاطب : أتظن كذا. ولا يقال : أيظن زيد كذا؟ فلما كانت هذه الأشياء مقوّية للظن لذلك لم تستعمل العرب القول استعمال الظن إلا مع الشروط المتقدمة المذكورة إلا بنو سليم فإنّهم يستعملون القول كلّه استعمال الظنّ من غير مقوّ ، لأنّ الإنسان قد يكون قوله عن علم وقد يكون عن ظنّ ، فأجري لذلك مجرى الظن.

______________________

ـ شرح المفردات : الآيب : الآئب ، القاصد. عنه : أي عن البعير. الوليّة : البرذعة أو نحوها. الهجر : شدّة الحرّ.

المعنى : يقول : إنّه لشدّة سرعة بعيره يصل إلى البلدة بنصف ما تقتضيه المسافة من الوقت ، أي يصل عند الظهر وفي ظنّه أنّه سيصل عند الغروب.

الإعراب : «إذا» : ظرف يتضمّن معنى الشرط متعلّق بجوابه. «قلت» : فعل ماض ، والتاء ... فاعل. «أنّي» : حرف مشبّه بالفعل ، والياء ضمير في محلّ نصب اسم «أن». «آيب» : خبر «أنّ» مرفوع. «أهل» : مفعول به لاسم الفاعل «آيب» منصوب ، وهو مضاف. «بلدة» : مضاف إليه مجرور بالكسرة. «نزعت» : فعل ماض ، والتاء ... فاعل. «بها» : جار ومجرور متعلّقان بـ «نزعت». «عنه» : جار ومجرور متعلّقان بـ «نزعت». «الولية» : مفعول به منصوب. «بالهجر» : جار ومجرور متعلّقان بـ «نزعت».

وجملة «إذا قلت نزعت» الشرطية ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة : «قلت» في محلّ جرّ بالإضافة. وجملة «نزعت ...» لا محلّ لها من الإعراب لأنّها جواب شرط غير جازم.

الشاهد فيه قوله : «أنّي آيب» حيث فتح همزة «أنّ» لأن «قلت» بمعنى «ظننت» ، وهي لغة «سليم» ، فإنّهم يجرون القول مجرى الظنّ مطلقا ، وعلى هذه اللغة تفتح همزة «إنّ» بعد القول.

٤٧٠

فإن قيل : فالقول إذا استعمل استعمال الظنّ فهل هو بمنزلة الظنّ في العمل خاصة أو في العمل والمعنى؟

فالجواب : إنّ في ذلك خلافا بين النحويين فمنهم من ذهب إلى أنّه إنما يجري مجرى الظن في العمل خاصة ولم يتغيّر المعنى عما كان عليه. وإلى هذا ذهب ابن خروف. ومنهم من ذهب إلى أنّه يجري مجرى الظن عملا ومعنى وإلى هذا ذهب ابن جني. والصحيح عندي أنّه يجري مجرى الظن في المعنى والعمل. ولو لا ذلك لم يشترط العرب فيه ـ غير بني سليم ـ الأشياء الأربعة المقوّية لمعنى الظن كما تقدّم ، وأيضا فإنه إذا استقريت الأماكن التي استعمل فيها القول استعمال الظن وجدت على معنى الظن نحو قوله [من الكامل] :

أمّا الرحيل فدون بعد غد

فمتى تقول الدار تجمعنا (١)

ألا ترى أنّه لا يريد متى تتكلم بهذا اللفظ ، وإنّما يريد : متى تجمعنا الدار فيما تظنّ وتقدّر؟ وكذلك قول الآخر [من الرجز] :

٣٢١ ـ متى تقول القلص الرواسما

يدنين أمّ قاسم وقاسما

______________________

(١) تقدم بالرقم ٣١٨.

٣٢١ ـ التخريج : الرجز لهدبة بن خشرم في ديوانه ص ١٣٠ ؛ وتخليص الشواهد ص ٤٥٦ ؛ وخزانة الأدب ٩ / ٣٣٦ ؛ والدرر ٢ / ٢٧٣ ؛ والشعر والشعراء ٢ / ٦٩٥ ؛ ولسان العرب ١١ / ٥٧٥ (قول) ، ١٢ / ٤٥٦ (فغم) ؛ والمقاصد النحويّة ٢ / ٤٢٧ ؛ وبلا نسبة في شرح الأشموني ١ / ١٦٤ ؛ وشرح ابن عقيل ص ٢٢٧ ؛ وهمع الهوامع ١ / ١٥٧.

اللغة والمعنى : القلص : ج القلوص ، وهي الفتيّة من الإبل. الرواسم : التي تسير سيرا شديدا. أم قاسم : كنية أخت زيادة بن زيد العذريّ.

يقول : متى تظنّ القلص التي تسير سيرا شديدا ، تحمل أمّ قاسم وابنها؟

الإعراب : متى : اسم استفهام مبني على السكون ، في محل نصب ظرف زمان ، متعلّق بـ «تقول». تقول : فعل مضارع مرفوع ، والفاعل : أنت. القلص : مفعول به أوّل. الرواسما : نعت «القلص» ، والألف : للإطلاق. يدنين : فعل مضارع مبنيّ على السكون لاتّصاله بنون النسوة. والنون : فاعل. أمّ : مفعول به منصوب ، وهو مضاف. قاسم : مضاف إليه مجرور. وقاسما : الواو : حرف عطف ، قاسما : معطوف على «أم» منصوب.

وجملة (تقول القلص ...) الفعليّة في محلّ جرّ بالإضافة. وجملة (يدنين ...) الفعليّة في محلّ نصب مفعول به ثان لـ «تقول».

والشاهد فيه قوله : «تقول القلص يدنين» حيث ورد الفعل «تقول» بمعنى «تظنّ» ، فنصب مفعولين ، هما «القلص» وجملة «يدنين».

٤٧١

لم يرد : متى تنطق بهذا؟ وإنّما يريد : متى تدني القلص الرواسم أمّ قاسم وقاسما فيما تظنّ أو تقدّر؟ فثبت أن المعنى إذن على الظن.

ويكون القول مجردا من معنى الظن عند جميع العرب من غير شرط. فممّا أجري القول فيه مجرى الظن ففتحت فيه «أنّ» قوله :

إذا قلت أنّي آيب أهل بلدة

البيت(١)

ومما لم يجر فيه القول مجرى الظن فكسرت فيه «إنّ» قوله تعالى : (وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ) (٢).

وتقول : «أولّ ما أقول : إني أحمد الله» ، بفتح إنّ وكسرها. فإذا فتحت كانت «ما» مصدرية كأنك قلت : أوّل قولي حمد الله. والقول هو الحمد في المعنى ، كأنه قال : كلّ قول أقوله فأوّله حمد الله تعالى. فإذا أراد المتكلم هذا المعنى أعني أنّ كلّ قول يقوله فلا بدّ أن يتقدّمه حمد الله ، فإنّه يفتح ولا يتصوّر أن تكون «ما» في هذا الوجه بمنزلة «الذي» ، وتكون واقعة على اللفظ المقول كأنه قال : أوّل الألفاظ التي أقولها حمد الله ، لأنّ حمد الله ليس من قبيل الألفاظ فكيف يتصوّر أن يكون الخبر ليس المخبر عنه في المعنى ولا هو منزّل منزلته وهو مفرد؟

فإن كسرت فإنّه لا يخلو أن تجعلها مع اسمها في موضع خبر المبتدأ الذي هو أول ، أو تجعلها في موضع مفعول القول. فإن جعلتها في موضع الخبر كانت «ما» بمنزلة الذي وتكون واقعة على اللفظ المقول ، فكأنّه قال : أوّل الألفاظ التي أتكلّم بها إنّي أحمد الله ، فيكون المتكلم على هذا قد زعم أن كل كلام يتكلم به فإنّ أوله هذا اللفظ الذي هو إنّي أحمد الله. وكأنّ هذا المعنى بعيد لأنّه ليس من عادة الناس في مخاطبتهم أن يبدأوا بهذا اللفظ ، فيقولوا : إنّي أحمد الله ، ثم يأتوا بعد ذلك من الكلام بالذي يريدونه ، ولا يبطل هذا الوجه بأن يقال : يلزم فيه فتح «إنّ» لأنّها في موضع خبر المبتدأ ، لأنّ خبر المبتدأ في الأصل إنّما ينبغي أن يكون مفردا ، لأنّا إنّما نعني بأنّها تفتح إذا وقعت في موضع المفرد ، أن تكون في موضع تتقدّر فيه بالمصدر ، وهي هنا لا تتقدّر به ، فلذلك كسرت.

______________________

(١) تقدم بالرقم ٣٢٠.

(٢) آل عمران : ٤٢.

٤٧٢

وإن جعلتها في موضع معمول القول قدّرت «ما» مصدريّة ، ولا تقدرها بمنزلة «الذي» لأنّها لو كانت كذلك لاحتاجت إلى ضمير يعود عليها من صلته ، وليس في الصلة ضمير لأنّ مفعول القول هو : «إنّي أحمد الله» ، وهو ظاهر ، فلذلك لم يمكن في هذا الوجه إلّا أن تكون حرفا تتقدّر مع ما بعدها بالمصدر ، ويكون التقدير : أوّل قولي إنّي أحمد الله ثابت ، وحذف الخبر والتزم فيه الحذف لأنّ القول قد قام مقامه. ولهذا ذهب أبو علي الفارسي.

وزعم ابن الطراوة أنّ ذلك لا يتصور ، لأنّه ألزمه على هذا المأخذ أن يكون أول قولي إنّي أحمد الله ثابت ، ويكون على هذا آخره ليس بثابت. وذلك باطل ، لأنّه قد قال : إنّي أحمد الله ، فكيف يجعل أول هذا الكلام ثابتا ومعلوم أنّه قد ثبت بجملته ، فلا فائدة في اختصاص الأولية بالثبوت دون غيرها. وأيضا فإنّه عند ما نطق بقوله : «إنّي أحمد الله» ، علم أنّ الأول ثابت فيكون قد أخبر بشيء معلوم ، وذلك لا يجوز لخلوّه من الفائدة.

فردّ ذلك عليه بعض المتأخرين بأن قال : ليس مذهب أبي علي أنّ هذا المبتدأ له خبر محذوف ، بل هو من قبيل المبتدآت التي سد الطول منها مسدّ الخبر وأغنى عنه في اللفظ والمعنى ، وذلك أنّ قوله : «إنّي أحمد الله» ، وإن كان هو معمول القول هو خبر المبتدأ في المعنى فلا يحتاج المبتدأ إلى خبر كما أنّ قول العرب : «أقائم زيد»؟ على أنّ «أقائم» مبتدأ و «زيد» سدّ مسدّ الخبر ، ويغني عنه لا يحتاج إلى تقدير خبر لاجتماع الخبر والمخبر عنه في قولك : «أقائم زيد»؟

قيل له فكيف قال أبو علي : «أول ما أقول» مبتدأ محذوف الخبر تقديره : أول قولي إنّي أحمد الله ثابت أو موجود؟

فانفصل عن ذلك بأن قال : لما كان «أول» مبتدأ والغالب في المبتدأ أن يكون له خبر ملفوظ به ، قدّر له خبرا محذوفا كأنه قال : ثابت أو مستقر.

وهذا الذي ذهب إليه لا يتصور لأنّه كذب محض ، أعني أن يكون «أول قولي» مبتدأ محذوف الخبر وليس له خبر محذوف ، وأن يقول : تقديره ثابت أو موجود ، وليس هناك خبر يتقدر بهذا ولا بغيره.

وقد اعتذر أيضا عن هذا الالتزام الذي ألزمه ابن الطراوة أبا علي بأن قال : الخبر محذوف لكنه ليس ثابتا ولا موجودا ، بل هو خبر لا يمكن تقديره ، فلّما لم يمكن تقديره أتى

٤٧٣

بلفظ «ثابت» أو «موجود» وإن لم يكن المعنى عليهما ليبيّن أن هناك خبرا محذوفا. وهذا أبين فسادا من الأول ، لأنّه أيضا كذب أعني قوله : «تقديره ثابت أو موجود» ، وهو لا يتقدر بشيء من ذلك.

والآخر أنّه ادّعى أن الخبر محذوف ولا يمكن تقديره ، وهذا الذي ذهب إليه خلف لأنّه لا يحذف شيء إلا أنّه مفهوم معلوم حتى كأنه ثابت ، ولو أبرز إلى اللفظ لكان المعنى صحيحا وإن كانت العرب قد التزمت فيه الإضمار لأمر لفظيّ. وأما قوله بأنه محذوف لا يمكن تقديره لأنّه يفسد المعنى ، فشيء لا يتصوّر.

والصحيح عندي أن ما ذهب إليه أبو علي مستقيم لا يتوجّه عليه اعتراض بل يريد أن أول قوله إنّي أحمد الله قد ثبت واستقرّ منه قبل نطقه بهذا الكلام ، كأنه قال : ليس قولي الآن إنّي أحمد الله بأول حمد حمدته بل أول قولي : إنّي أحمد الله قد تقدم قبل هذا ، فليس يريد بقوله : «إنّي أحمد الله» ، هذا اللفظ الذي يلفظ به الآن ، وإنّما يريد جنس قوله الألفاظ التي يحمد بها الله تعالى. وحكي عن سيف الدولة أنّه أجاز أن يكون : «إنّي أحمد الله» ، معمولا لقول مضمر يدلّ عليه ما تقدم ، كأنّه قال : أول ما أقول قولي إنّي أحمد الله ، وأضمر «قولي». وهذا فاسد ، لأن المصدر من قبيل الموصولات ، وإضمار الموصول وإبقاء صلته لا يجوز إلا في الشعر ، نحو قوله [من البسيط] :

٣٢٢ ـ هل تذكرنّ إلى الديرين هجرتكم

ومسحكم صلبكم رحمن قربانا

______________________

٣٢٢ ـ التخريج : البيت لجرير في ديوانه ص ١٦٧ ؛ ولسان العرب ٢ / ٢٣١ (رحم) ، ٢٣٤ (رخم).

اللغة : شرح المفردات : الديران : مثنّى «الدير» ، وهو مسكن الرهبان. الصلب : ج الصليب. القربان : التقرّب.

المعنى : يهجو الشاعر قوم الأخطل بقوله : هل تذكرون يوم لجأتم إلى الديرين تمسحون الصلبان تقرّبا إلى الله ، وتضرعون إلى الرحمن طلبا للرحمة والمعونة.

الإعراب : هل : حرف استفهام. تذكرنّ : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون ، والواو : ضمير متّصل مبنيّ في محلّ رفع فاعل ، والنون (الثانية) : للتوكيد. إلى : حرف جرّ. الديرين : اسم مجرور بالياء لأنّه مثنّى ، والجار والمجرور متعلّقان بالفعل «هجرتكم». هجرتكم : مفعول به منصوب بالفتحة ، وهو مضاف ، «كم» : ضمير متّصل مبنيّ في محلّ جرّ بالإضافة. ومسحكم : الواو حرف عطف ، «مسحكم» معطوف على «هجرتكم» منصوب بالفتحة ، وهو مضاف ، «كم» : ضمير متّصل مبنيّ في محلّ جرّ بالإضافة. صلبكم : مفعول به لـ «مسحكم» منصوب بالفتحة ، وهو مضاف ، «كم» : ضمير متّصل مبني في محلّ جرّ بالإضافة ، ـ

٤٧٤

تقديره : وقولكم : رحمن قربانا ، فأضمر «القول» ، وأبقى معموله ضرورة.

______________________

ـ رحمن : منادى بحرف النداء المحذوف تقديره «يا» مبنيّ على الضمّة في محلّ نصب. قربانا : مفعول لأجله منصوب بالفتحة.

وجملة «يا رحمن» مقول لقول محذوف تقديره «قولكم».

الشاهد فيه قوله : «رحمن» حيث جاء معمولا لمصدر محذوف تقديره «قولكم يا رحمن». وهذا الإعمال خروج على قاعدة إعمال المصدر ، ولذلك جعله النحاة من الضرورة.

٤٧٥

باب حروف الخفض

[١ ـ وسائط الخفض] :

الخفض في الكلام لا يكون إلا بثلاثة أشياء : حروف الجر والإضافة والإتباع. أما الإتباع فقد تقدم حكمه عند ذكر التوابع ، فيبقى حكم الإضافة وحروف الخفض.

الإضافة على ما تبيّن في بابها لا تكون إلا على معنى اللام ، نحو : «غلام زيد» ، تريد : غلاما لزيد ، وعلى معنى «من» ، نحو : «ثوب خزّ» ، المعنى : ثوب من خزّ ، فحذف حرف الجر وناب الاسم منابه ، فخفض كما كان الحرف يخفض. فالخفض إذن في الأصل إنما هو بحرف الخفض ، فينبغي أن يقدم الكلام على حروف الإضافة.

[٢ ـ حروف الجر] :

وحروف الإضافة هي الباء ، والكاف ، واللام التي للجر ، وواو القسم ، وتاؤه ، وواو رب ، وفاؤها ، وهمزة الاستفهام ، وقطع ألف الوصل في القسم ، والميم المكسورة والمضمومة في القسم ، نحو : «م الله وم الله» ، على خلاف في ذلك هل هي حرف جر بدل من الباء كما أبدلت الواو منها أو بقية «ايمن» ، وسنبين الصحيح من ذلك بعد حصر حروف الإضافة إن شاء الله تعالى.

هذا جملة ما جاء من حروف الجر على حرف واحد. والذي جاء منها على حرفين : من ، وعن ، وفي ، ومذ ، وها التنبيه في القسم ، وبل النائبة مناب ربّ على خلاف فيها ، ومن

٤٧٦

في القسم ، على خلاف أيضا في ذلك ، هل هي حرف جر أو بقية «ايمن» ، وسنبيّن ذلك أيضا عند الفراغ من حصر الحروف.

فهذا جملة ما جاء منها على حرفين.

والذي جاء منها على أزيد من حرفين : على ، وإلى ، وحتّى ، وحاشا ، وخلا ، وعدا ، وربّ ، ومنذ ، ولو لا مع المضمر في مذهب سيبويه. وزاد بعض النحويين فيها لعلّ مكسورة اللام ومفتوحتها. وسنبيّن ما استدلوا به على ذلك إن شاء الله تعالى.

والذي ذهب إلى أن الميم من «م الله» و «م الله» بقية ايمن استدلّ على ذلك أنّ «ايمن» اسم معرب قد غيّرته العرب ضروبا من التغيير ، فقالوا : «أيمن الله» ، و «إيمن الله» ، و «أيم الله» ، و «إيم الله» ، فيمكن أن يكون قولهم : «م الله» و «م الله» من جملة التغييرات. والذي ذهب إلى أنها حرف جر استدلّ على ذلك أنّ «ايمن» اسم معرب والاسم المعرب لا يجوز حذفه حتى يبقى على حرف واحد إلّا شاذّا ، بل لا يحفظ من ذلك إلا ما حكاه ابن مقسم : «شربت ما» ، يريد : ماء ، فبطل أن تكون الميم اسما ، وأيضا فإن الاسم في القسم إذا حذف منه حرف الجر ولم يعوّض منه شيء لم يجز فيه إلا الرفع أو النصب ، نحو : «يمين الله لأفعلنّ» ، برفع «يمين الله» ونصبه ؛ وأما الخفض فلا يجوز لأنّ إضمار الخافض وإبقاء عمله لا يجوز إلا في ضرورة شعر ، أو نادر كلام على ما يبيّن بعد.

فقولهم : «م الله» ، بكسر الميم دليل على أنّه حرف إذ لو كان اسما لكان مرفوعا أو منصوبا. فإن قيل : فلعله مبنيّ على الكسر وهو في موضع رفع أو نصب. فالجواب : إنّ «أيمنا» معرب ، والمعرب إذا حذف بقي معربا ، فلو كانت الميم بقية «ايمن» لكانت معربة ، وإذا ثبت أنّ الميم المكسورة حرف خفض ، فكذلك المضمومة لأنها بمعنى المكسورة.

والذي ذهب إلى أنّ «بل» قد يجعل بدلا من «رب» كالفاء والواو استدل على ذلك بقوله [من الرجز] :

٣٢٣ ـ بل بلد ملء الفجاج قتمه

[لا يشترى كتّانه وجهرمه]

______________________

٣٢٣ ـ التخريج : الرجز لرؤبة في ديوانه ص ١٥٠ ؛ والدرر ١ / ١١٤ ، ٤ / ١٩٤ ؛ وشرح شواهد الإيضاح ص ٣٧٦ ، ٤٣١ ، ٤٤٠ ؛ وشرح شواهد المغني ١ / ٣٤٧ ؛ ولسان العرب ١١ / ٦٥٤ (ندل) ، ١٢ / ١١١ (جهرم) ؛ والمقاصد النحويّة ٣ / ٣٣٥ ؛ وبلا نسبة في الإنصاف ص ٢٢٥ ؛ وجواهر الأدب ـ

٤٧٧

يريد : بل ربّ بلد ملء الفجاج. وهذا لا حجة فيه لاحتمال أن تكون «ربّ» حذفت وأبقي عملها من غير عوض منها ، ويكون مثل قول الآخر [من الخفيف] :

رسم دار وقفت في طلله

كدت أقضي الغداة من جلله (١)

يريد : رب رسم دار ، فحذف «ربّ» ولم يعوّض منها شيئا ، فكذلك يكون «بل بلد» مما حذف منه «ربّ» ، ولم يعوّض منها شيء ، و «بل» لمجرد العطف من غير أن يكون عوضا ، وهذا هو الصحيح ، إذ لو كانت «بل» عوضا من «ربّ» لجاز خفض الاسم بعدها في فصيح الكلام ، وهم لا يقولون : «بل رجل أكرمته» كما يقولون «ورجل أكرمته»

والذي ذهب إلى أنّ «من» بقية «ايمن» استدلّ على ذلك بأنّ «ايمن» قد اتسعوا فيها بالحذف والتغيير ما لم يتّسعوا في غيرها ، فقالوا : «أيمن الله» و «أيم الله» و «إيم الله» ، فيمكن أن تكون بقية من «أيمن» ، وكان ذلك أولى عنده من جعلها حرف خفض لأنّه لم يستقر ذلك فيها في موضع من المواضع.

والذي ذهب إلى أنّها ليست بقية «أيمن» استدل على ذلك بأنها لو كانت بقيتها لم تستعمل إلّا مضافة إلى «الله» كما أنّ «أيمنا» كذلك ، وهم يدخلونها على الربّ فيقولون :

______________________

ـ ص ٥٢٩ ؛ ورصف المباني ص ١٥٦ ؛ وشرح الأشموني ٢ / ٢٩٩ ؛ وشرح ابن عقيل ص ٣٧٣ ؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٢٧٣ ؛ وشرح المفصّل ٨ / ١٠٥ ؛ ومغني اللبيب ١ / ١١٢ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ٣٦.

اللغة والمعنى : الفجاج : ج الفج ، وهو الطريق الواسعة بين جبلين. القتم : الغبار. الجهرم : البساط.

يقول : ربّ بلد يملأ الغبار طرقه ، لا يشترى منه كتّان ولا بسط.

الإعراب : بل : حرف عطف وإضراب. بلد : اسم مجرور لفظا بـ «ربّ» المحذوفة مرفوع محلّا على أنّه مبتدأ. ملء : خبر المبتدأ «قتم» مرفوع. وهو مضاف. الفجاج : مضاف إليه مجرور. قتمه : مبتدأ مؤخّر ثان مرفوع ، وهو مضاف ، والهاء : في محلّ جرّ بالإضافة. لا : حرف نفي. يشترى : فعل مضارع للمجهول. كتانه : نائب فاعل مرفوع ، وهو مضاف ، والهاء : في محلّ جرّ بالإضافة. وجهرمه : الواو : حرف عطف ، جهرمه : معطوف على «كتّانه» مرفوع ، وهو مضاف ، والهاء : في محلّ جرّ بالإضافة.

وجملة (بل بلد ...) الاسميّة معطوفة على جملة سابقة. وجملة (قتمه ملء الفجاج) الاسميّة في محلّ جر أو رفع صفة لـ «بلد». وجملة (لا يشترى ...) الفعليّة في محلّ رفع خبر المبتدأ «بلد».

والشاهد فيه قوله : «بل بلد» حيث جرّ قوله : «بلد» بـ «ربّ» المحذوفة بعد «بل».

(١) تقدم بالرقم ١٢٠.

٤٧٨

«من ربّي لأفعلنّ كذا» ، فدلّ ذلك على أنها ليست تلخيص «أيمن» ، وأيضا فإنها لو كانت بقية «أيمن» لكانت معربة لأنّ الاسم المعرب كما تقدّم إذا حذف منه شيء بقي معربا ، فكون «من» مبنيّة على السكون دليل على أنها حرف خفض وليست بقية «أيمن».

واستدلّ الذي ذهب إلى أنّ «لعلّ» مفتوحة اللام من حروف الخفض بقوله [من الطويل] :

فقلت ادع أخرى وارفع الصّوت دعوة

لعلّ أبي المغوار منك قريب (١)

فإنّه يروى بخفض «أبي المغوار» ، وهذا لا حجة فيه عندي ، لأنه قد استقر في «لعلّ» المفتوحة اللام أن تنصب الاسم وترفع الخبر ، فإن أمكن إبقاؤها على ما استقر فيها كان أولى ، وقد أمكن ذلك بأن يكون اسم «لعلّ» ضمير الأمر والشأن محذوفا ، يريد : لعلّه ، على حد حذفه في قول الآخر [من الخفيف] :

إنّ من لام في بني بنت حسّ

ان ألمه وأعصه في الخطوب (٢)

يريد : إنّه من لام ، ويكون «أبي المغوار» مخفوضا بحرف جر محذوف لفهم المعنى ، تقديره : لعلّ لأبي المغوار ، ونظيره في ذلك قول أبي الأصبع العدواني [من البسيط] :

٣٢٤ ـ لاه ابن عمّك لا أفضلت في حسب

عنّي ولا أنت ديّاني فتخزوني

______________________

(١) تقدم بالرقم ٢٨٤.

(٢) تقدم بالرقم ٢٨٦.

٣٢٤ ـ التخريج : البيت لذي الإصبع العدواني في أدب الكاتب ص ٥١٣ ؛ والأزهيّة ص ٢٧٩ ؛ وإصلاح المنطق ص ٣٧٣ ؛ والأغاني ٣ / ١٠٨ ؛ وأمالي المرتضى ١ / ٢٥٢ ؛ وجمهرة اللغة ص ٥٩٦ ؛ وخزانة الأدب ٧ / ١٧٣ ، ١٧٧ ، ١٨٤ ، ١٨٦ ؛ والدرر ٤ / ١٤٣ ؛ وسمط اللآلي ص ٢٨٩ ؛ وشرح التصريح ٢ / ١٥ ؛ وشرح شواهد المغني ١ / ٤٣٠ ؛ ولسان العرب ١١ / ٥٢٥ (فضل) ، ١٣ / ١٦٧ ، ١٧٠ (دين) ، ٢٩٥ ، ٢٩٦ (عنن) ، ٥٣٩ (لوه) ، ١٤ / ٢٢٦ (خزا) ؛ والمؤتلف والمختلف ص ١١٨ ؛ ومغني اللبيب ١ / ١٤٧ ؛ والمقاصد النحوية ٣ / ٢٨٦ ؛ ولكعب الغنوي في الأزهية ص ٩٧ ؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ١ / ٢٦٣ ، ٢ / ١٢١ ، ٣٠٣ ؛ والإنصاف ١ / ٣٩٤ ؛ والجنى الداني ص ٢٤٦ ؛ وجواهر الأدب ص ٣٢٣ ؛ وخزانة الأدب ١٠ / ١٢٤ ، ٣٤٤ ؛ والخصائص ٢ / ٢٨٨ ؛ ورصف المباني ص ٢٥٤ ، ٣٦٨ ؛ وشرح الأشموني ٢ / ٢١٥ ؛ وشرح ابن عقيل ص ٣٦٤ ؛ وشرح المفصل ٨ / ٥٣ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ٢٩.

شرح المفردات : لاه : أصله «لله» حذفت لام الجرّ ولام التعريف والباقية هي فاء الكلمة وذلك حسب رأي سيبويه. أفضلت : زدت فضلا. الحسب : الشرف الثابت في الآباء. الديّان : صاحب الأمر. تخزوني : تسوسني وتقهرني.

٤٧٩

يريد : لله ابن عمّك ، ويكون «قريب» صفة لموصوف محذوف ، كأنّه قال : جواب قريب ، فيكون التقدير : لعلّه لأبي المغوار منك جواب قريب. وحمله على هذا أولى وإن كان فيه ضرورتان : حذف ضمير الأمر والشأن وحذف حرف الجر وإبقاء عمله. لأن لعلّ لم يستقرّ الجرّ بها.

واستدلّ الذي ذهب إلى أن «لعل» المكسورة اللام حرف جر بقول الآخر [من الوافر] :

لعلّ الله فضّلكم علينا

بشيء أنّ أمّكم شريم (١)

فخفض اسم الله تعالى.

وهذا عندي ينبغي أن يحمل على ظاهره ولا يتعدى ذلك فيه ، لأنّه لم يستقر في هذه المكسورة إلّا نصب الاسم بها ورفع الخبر ، فيكون في جعلها جارة خروج عما استقرّ فيها.

وأما «لو لا» فاستدلّ سيبويه على جرّ المضمر بها بقول العرب : لولاك ولولاه ولولاي.

وذلك أن الكاف والهاء والياء لا تكون ضمائر رفع بل هي مترددة بين أن تكون ضمائر نصب

______________________

ـ المعنى : يقول : لله أمر ابن عمّك ، لا أنت أفضل منّي حسبا ، ولا أشرف منيّ نسبا ، ولا وليّ أمري فتسوسني وتقهرني.

الإعراب : «لاه» : جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدّم. «ابن» : مبتدأ مؤخّر مرفوع ، وهو مضاف. «عمّك» : مضاف إليه مجرور ، وهو مضاف ، والكاف ضمير متّصل مبنيّ في محلّ جرّ بالإضافة. «لا» : حرف نفي. «أفضلت» : فعل ماض ، والتاء ضمير في محلّ رفع فاعل. «في حسب» : جار ومجرور متعلّقان بـ «أفضلت». «عني» : جار ومجرور متعلّقان بـ «أفضلت». «ولا» : الواو حرف استئناف ، «لا» : حرف نفي. «أنت» : ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ. «دياني» : خبر المبتدأ مرفوع ، وهو مضاف ، والياء ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. «فتخزوني» : الفاء : حرف عطف ، أو السببيّة ، «تخزوني» : فعل مضارع مرفوع ، أو منصوب ، والنون للوقاية ، والياء ضمير في محلّ نصب مفعول به ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره : «أنت».

وجملة : «لاه ابن عمك» ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة : «لا أفضلت» استئنافية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة : «لا أنت ديّاني» استئنافية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة : «تخزوني» معطوفة على جملة لا محلّ لها من الإعراب.

الشاهد فيه قوله : «لاه» حيث حذف حرف الجر اللام لفهم المعنى. والأصل : لله.

(١) تقدم بالرقم ٢٨٥.

٤٨٠