شرح جمل الزجّاجى - ج ١

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »

شرح جمل الزجّاجى - ج ١

المؤلف:

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-2263-0
ISBN الدورة:
2-7451-2263-0

الصفحات: ٥٨٤

لم يكن ما بعدها جزءا ممّا قبلها لم يجز فيه إلّا الخفض خاصة ، نحو قولك : «سرت حتّى الليل». ولا يتوجه السير على «الليل» كما ذكرنا في باب حروف الخفض ، فإن كان ما بعدها جزءا مما قبلها فلا يخلو أن تقترن به قرينة تدلّ على أنّه غير داخل فيما قبلها أو لا تقترن. فإن اقترنت به قرينة تدلّ على أنّ ما بعدها غير داخل فيما قبلها لم يجز في الاسم إلّا الخفض نحو : قولك : «صمت الأيّام حتى يوم الفطر» ، على معنى : إلى يوم الفطر ولا يجوز النصب على العطف فتقول : «حتى يوم الفطر» ، لأنّها في العطف بمنزلة الواو تشرك ما بعدها فيما قبلها في المعنى ، فكان يلزم من ذلك أن يكون «يوم الفطر» مصوما ، ومعلوم أنّ يوم الفطر ليس مما يصام.

وإن لم تقترن به قرينة تدل على ذلك جاز في الاسم وجهان : الخفض على أن تجعل «حتى» بمنزلة «إلى» ، والعطف فيكون الاسم على حسب إعراب الأول ، وذلك نحو قولك : «صمت الأيّام حتى يوم الخميس» ، فالخفض على أن تكون «حتى» بمنزلة «إلى» والنصب على العطف ، ويكون يوم الخميس مصوما في الوجهين.

فإذا أتيت بعد ذلك الاسم بفعل يمكن أن يقع خبرا له جاز في الاسم أربعة أوجه : أحدها : الرفع بالابتداء ، والآخر : الحمل على إضمار فعل ، فتكون المسألة من باب الاشتغال ، والآخر : العطف على ما تقدّم ، والآخر : أن يكون مخفوضا بـ «حتى» ، وذلك نحو قولك : «قام القوم حتى زيد قام» ، بالرفع والخفض. فالخفض على أن تكون «حتى» خافضة للاسم الذي بعدها وتكون الجملة تأكيدا لا موضع لها من الإعراب ، والرفع على ثلاثة أوجه :

أحدها : الرفع على الابتداء والجملة في موضع الخبر كأنّك قلت : «حتى زيد قائم».

والثاني : أن يكون الاسم مرفوعا بإضمار فعل فتكون المسألة من الاشتغال كأنّك قلت : «حتى قام زيد قام».

والثالث : أن يكون زيد معطوفا على ما قبل وتكون الجملة الواقعة بعده تأكيدا لا موضع لها من الإعراب. وذلك : «ضربت القوم حتى زيدا ضربته» ، يجوز في «زيد» ثلاثة أوجه : الرفع والنصب والخفض ، فالخفض على أن تكون خافضة وتكون الجملة الواقعة بعد «زيد» تأكيدا لا موضع لها من الإعراب.

٥٤١

والرفع على الابتداء والجملة في موضع الخبر ، كأنّك قلت : حتى زيد مضروب. والنصب من وجهين : أحدهما : النصب بإضمار فعل فتكون المسألة من الاشتغال ، كأنّك قلت : حتى ضربت زيدا ضربته ، والآخر : أن يكون الاسم معطوفا على ما قبله وتكون الجملة الواقعة بعده تأكيدا لا موضع لها من الإعراب. والأحسن في جميع ذلك الحمل على الاشتغال ، لعطف جملة الاشتغال على جملة فعلية قبلها ، ثم الرفع على الابتداء ، وأما الخفض والعطف فضعيفان لتقدير الجملة تأكيدا لا موضع لها من الإعراب. والعطف أقلّ لأنّ العطف يجيء أقل من الخفض بها.

وزعم بعض نحاة الأندلس أنّه لا يجوز الخفض بها ولا العطف حتى يكون الفعل الواقع بعد «حتى» عاملا في ضمير الاسم الذي قبلها ، نحو قولك : «ضربت القوم حتى زيد ضربتهم» ، كأنّك قلت : ضربت القوم ضربتهم حتى زيد. وحجته إن لم يكن كذلك لم يسغ أن يجعل تأكيدا للفعل الذي تقدم ، ألا ترى أنّك إذا قلت : «ضربت القوم حتى زيد ضربته» ، لا يسوغ جعل ضربته تأكيدا لـ «ضربتهم» ويزعم أنّ الخفض في قول الشاعر [من الكامل] :

٣٧١ ـ ألقى الصحيفة كي يخفّف رحله

والزاد حتّى نعله ألقاها

______________________

٣٧١ ـ التخريج : البيت للمتلمس في ملحق ديوانه ص ٣٢٧ ؛ وشرح شواهد المغني ١ / ٣٧٠ ؛ ولأبي (أو لابن) مروان النحويّ في خزانة الأدب ٣ / ٢١ ، ٢٤ ؛ والدرر ٤ / ١١٣ ؛ وشرح التصريح ٢ / ١٤١ ؛ والكتاب ١ / ٩٧ ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ١٣٤ ؛ ولمروان بن سعيد في معجم الأدباء ١٩ / ١٤٦ ؛ وبلا نسبة في أسرار العربية ص ٢٦٩ ؛ وأوضح المسالك ٣ / ٣٦٥ ؛ والجنى الداني ص ٥٤٧ ، ٥٥٣ ؛ وخزانة الأدب ٩ / ٤٧٢ ؛ والدرر ٦ / ١٤٠ ؛ وشرح أبيات سيبويه ١ / ٤١١ ؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٦١٤ ؛ ورصف المباني ص ١٨٢ ؛ وشرح الأشموني ٢ / ٢٨٩ ؛ وشرح المفصّل ٨ / ١٩ ؛ ومغني اللبيب ١ / ٢٤ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ٢٤ ، ٣٦.

اللغة : هذا البيت في قصّة المتلمّس الذي غضب عليه عمرو بن هند فسيّره هو وطرفة إلى عامله في البحرين مزوّدين بكتابين فيهما الأمر بقتلهما ... ولمّا استقرأ المتلمّس كتابه وعلم ما فيه رمى به في نهر الحيرة. والمعنى أنّه ألقى الكتاب والزاد وحتى النعل.

الإعراب : ألقى : فعل ماض مبنيّ على الفتحة المقدّرة على الألف للتعذّر ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره «هو». الصحيفة : مفعول به منصوب بالفتحة. كي : حرف نصب ومصدر. يخفّف : فعل مضارع منصوب بالفتحة ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره : «هو». رحله : مفعول به منصوب بالفتحة ، وهو مضاف ، والهاء ضمير متّصل مبنيّ في محلّ جرّ بالإضافة. والزاد : الواو حرف عطف ، «الزاد» : معطوف على «الصحيفة» منصوب بالفتحة. حتّى : حرف جر. نعله : اسم مجرور بالكسرة ، وهو مضاف والهاء ضمير متّصل مبني في محلّ جرّ بالإضافة. ألقاها : فعل ماض مبنيّ على الفتحة المقدّرة على الألف للتعذّر ، ـ

٥٤٢

إنّما جاز الخفض هنا لأنّ الضمير عائد على «الصحيفة» ولو كان عائدا على النعل لم يجز الخفض عنده.

والصحيح أنّه لا يشترط أن يكون الضمير عائدا على ما قبل «حتى» ، بل قد يجوز أن يكون عائدا على الاسم الذي بعد «حتى» ، لأنّك إذا قلت : «ضربت القوم حتى زيد» ، وخفضت ، كان زيد داخلا مع القوم في الضرب ، لأنّ ما بعد «حتى» داخل فيما قبلها ، فكأنّك قلت : «ضربت القوم وزيدا» ، فإذا قلت بعد ذلك : ضربته ، كان تأكيدا من طريق المعنى.

______________________

ـ و «ها» : ضمير متّصل مبنيّ في محلّ نصب مفعول به. وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره «هو».

وجملة : «ألقى الصحيفة» ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. والمصدر المؤول من «كي» وما بعدها محلّ جرّ بحرف الجرّ المقدر.

الشاهد فيه قوله : «حتى نعله ألقاها» (على رواية الخفض) حيث جاز الخفض هنا لأن الضمير «ها» في الفعل «ألقاها» عائد على «الصحيفة». وعلى هذا فإن جملة «ألقاها» توكيد لفظي لا محل لها.

٥٤٣

باب القسم

يحتاج في هذا الباب إلى معرفة خمسة أشياء ، القسم ، والمقسم به ، والمقسم عليه ، وحروف القسم ، والحروف التي تعلّق المقسم به بالمقسم عليه.

[١ ـ القسم] :

فأما القسم فهو جملة يؤكّد بها جملة أخرى كلتاهما خبرية.

فقولنا : القسم جملة ، يعني في اللفظ أو في التقدير : فأمّا في اللفظ فقولهم : «أقسم بالله» ، وأما في التقدير فقولك : «بالله» ، «والله» ، لأنّ هذا المجرور متعلق بفعل مضمر للدلالة عليه ، كأنّه قال : أقسم بالله.

وقولنا : يؤكّد بها جملة أخرى ، لأنّ المقسم عليه يكون جملة أبدا ، نحو قولك : «بالله لأفعلنّ» ، و «بالله لزيد فاعل».

وزعم أبو الحسن أنّ جواب القسم قد يكون لام «كي» مع الفعل ، نحو قولك : «بالله ليقوم زيد» ، فعلى هذا يكون الجواب من قبيل المفردات ، لأنّ لام «كي» إنّما تنصب بإضمار «أن» و «أن» وما بعدها بتأويل المصدر ، كأنّك قلت : بالله القيام ، إلا أنّ العرب أجرت ذلك مجرى الجملة لجريان الجملة بالذكر بعد لام «كي» ، فوضعت لذلك «ليفعل» موضع «ليفعلنّ» ، واستدلّ على ذلك بقول الشاعر [من الطويل] :

إذا قلت قدني قال : بالله حلفة

لتغني عنّي ذا إنائك أجمعا

______________________

٣٧٢ ـ التخريج : البيت لحريث بن عناب في خزانة الأدب ١١ / ٤٣٤ ، ٤٣٥ ، ٤٣٩ ، ٤٤١ ، ٤٤٣ ؛ ـ

٥٤٤

فوضع «لتغني» موضع «لتغنينّ عني ذا إنائك».

وهذا لا حجة فيه ، لاحتمال أن يكون الجواب محذوفا فيكون التقدير : قال : بالله حلفة لتشربنّ لتغني عني ذا إنائك أجمعا ، ويكون «لتغني» متعلّقا بالفعل المضمر الذي هو : لتشربنّ. فكأنّه قال : لتشربنّ لتكفيني باقي إنائك وكذلك أيضا استدلّ بقوله تعالى : (وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) (١). جعل «لتصغى» جوابا لقسم محذوف كأنه قال : والله لتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون ، أي : لتصغينّ.

والذي دعاه إلى ذلك أنّه ليس معه ما يعطف عليه قوله : ولتصغى ، لأنّه متصل بقوله تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِ) (٢). الآية. وليس في ذلك

______________________

ـ والدرر ٤ / ٢١٧ ؛ ومجالس ثعلب ص ٦٠٦ ؛ والمقاصد النحوية ١ / ٣٥٤ ؛ وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص ١٠٧ ؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٥٥٩ ؛ وشرح شواهد المغني ٢ / ٥٥٩ ، ٨٣٠ ؛ وشرح المفصل ٣ / ٨ ؛ والمقرب ٢ / ٧٧ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ٤١.

اللغة : قدني : اسم بمعنى حسبي ، أو اسم فعل مضارع بمعنى يكفيني. حلفة : المرّة من الحلف أي القسم واليمين. تغني عني : تصرف وتكفّ. ذا إنائك : صاحب وعائك ، وهو الشراب أو اللبن.

المعنى : إذا قلت لمضيفي : يكفيني ما شربت ، حلف عليّ بالله مرّة : لا بدّ أن تصرف عني كلّ ما في وعائك ، أي أن تشربه جميعا.

الإعراب : إذا : ظرف لما يستقبل من الزمان ، متضمّن معنى الشرط يتعلق بالجواب (قال). قلت : فعل ماض مبني على السكون ، و «التاء» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. قدني : «قد» : اسم فعل مضارع بمعنى يكفيني ، و «النون» : للوقاية ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به ، و «فاعله» : ضمير مستتر تقديره (هو). قال : فعل ماض مبني على الفتح ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). بالله : جار ومجرور متعلّقان بفعل القسم المحذوف ، ويمكن تعليقهما بـ (قال) على تضمينه معنى (حلف) ، وتكون (حلفة) نائب مفعول مطلق. حلفة : مفعول مطلق منصوب بالفتحة ، بتقدير : (أحلف بالله حلفة). لتغني : «اللام» : حرف جرّ وتعليل ، «تغني» : فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام ، والمصدر المؤول من (أن) والفعل (تغني) مجرور باللام والجار والمجرور متعلقان بفعل (تشرب) المقدر ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (أنت). عني : جار ومجرور متعلقان بـ (تغني). ذا : مفعول به منصوب بالألف لأنه من الأسماء الستة. إنائك : مضاف إليه مجرور بالكسرة ، و «الكاف» : ضمير متصل في محلّ جرّ مضاف إليه. أجمعا : توكيد (ذا) منصوب بالفتحة ، و «الألف» : للإطلاق.

وجملة «إذا قلت قال» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «قدني» : في محلّ نصب مفعول به (مقول القول). وجملة «قال» : جواب (إذا) لا محلّ لها. وجملة «أحلف بالله» : في محلّ نصب مفعول به (مقول القول). وجملة «تغني» : صلة الموصول الحرفي لا محل لها. وجملة «قلت» : مضاف إليها محلها الجر.

والشاهد فيه قوله : «بالله ... لتغني» حيث زعم الأخفش أن لام التعليل الجارة ، وقعت في جواب القسم ، فجاءت «لتغني» في موضع «لتغنينّ».

(١) الأنعام : ١١٣.

(٢) الأنعام : ١١٢.

جمل الزجاجي / ج ١ / م ٣٥

٥٤٥

فعل يمكن أن يكون «ولتصغى» معطوفا عليه ، فحمله لذلك على أنّه جواب لقسم محذوف.

ولا حجة له في ذلك ، لأنّه يمكن أن يكون «لتصغى» متعلّقا بفعل مضمر يدلّ عليه ما قبله ، كأنّه قال : فعلنا ذلك لتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة.

وقولنا : كلتاهما خبرية ، يعني أنّ جملة القسم والجواب إذا اجتمعتا كان منهما كلام محتمل للصدق والكذب ، نحو : «والله ليقومنّ زيد» ، ألا ترى أنّه يحتمل أن يكون هذا الكلام صادقا وأن يكون كاذبا ، فإن جاء ما صورته كصورة القسم وهو غير محتمل للصدق والكذب حمل على أنّه ليس بقسم ، نحو قول الشاعر [من الكامل] :

٣٧٣ ـ بالله ربّك إن دخلت فقل له

هذا ابن هرمة واقفا بالباب

ألا ترى أنّه لا يحسن هنا أن يقال : صدق ولا كذب. وقول الآخر [من الوافر] :

٣٧٤ ـ بدينك هل ضممت إليك ليلى

وهل قبّلت قبل الصّبح فاها

______________________

٣٧٣ ـ التخريج : البيت لابن هرمة في ديوانه ص ٧٠ ؛ وشرح المفصل ٩ / ١٠١ ؛ وكتاب الصناعتين ص ٦٨ ؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب ١٠ / ٤٨ ، ٥٥ ؛ ورصف المباني ص ١٤٦.

المعنى : يقسم الشاعر على صديقه ويرجوه أن يبلغ مقصوده أنه واقف بالباب.

الإعراب : بالله : «الباء» : حرف جر للقسم ، «الله» : لفظ الجلالة في محل جر بحرف الجر ، والجار والمجرور متعلقان بفعل محذوف تقديره أسأل. ربك : «رب» : بدل مجرور ، و «الكاف» : ضمير متصل في محلّ جر بالإضافة. إن : حرف شرط جازم. دخلت : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بتاء الفاعل ، و «التاء» : ضمير متصل في محل رفع فاعل ، و «الفعل» في محل جزم لأنه فعل الشرط. فقل : «الفاء» : رابطة لجواب الشرط ، «قل» : فعل أمر مبني على السكون و «الفاعل» : ضمير مستتر وجوبا تقديره (أنت). له : جار ومجرور متعلقان بالفعل قل. هذا : «الهاء» : للتنبيه ، «ذا» : اسم إشارة في محل رفع مبتدأ. ابن : خبر المبتدأ مرفوع. هرمة : مضاف إليه مجرور بالفتحة عوضا عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث. واقفا : حال منصوبة بالفتحة. بالباب : جار ومجرور متعلقان باسم الفاعل واقف.

وجملة «أسألك بالله» : ابتدائية لا محل لها. وجملة «دخلت» : جملة الشرط غير الظرفي لا محل لها. وجملة «قل له» : جواب شرط مقترن بالفاء محلها الجزم. وجملة «إن دخلت فقل» : مفعول به للفعل (أسأل) المحذوف. وجملة «هذا ابن» : في محل نصب مقول القول.

والشاهد فيه قوله : «بالله ربك إن دخلت فقل له» حيث جاء على صورة القسم وهو غير محتمل للصدق والكذب ، لذا حمل على أنه ليس بقسم.

٣٧٤ ـ التخريج : البيت للمجنون في ديوانه ص ٢٢٢ ؛ والأغاني ٢ / ٣٢ ؛ وخزانة الأدب ١٠ / ٤٧ ، ٤٨ ، ٥٢ ، ٥٣ ، ٥٤ ؛ وشرح شواهد المغني ٢ / ٩١٣ ؛ وبلا نسبة في شرح المفصل ٩ / ١٠٢.

اللغة : فاها : فمها. ـ

٥٤٦

لا يحسن أيضا أن يقال هنا : صدق ولا كذب. فلا يمكن لذلك أن يكون قسما لأنّ القسم لا يتصوّر إلّا حيث يتصوّر الصدق والحنث ، والصدق والحنث لا يتصوّر إلّا فيما يتصوّر الصدق والكذب.

ومما يبيّن أنّ هذا وأمثاله ليس بقسم أنّه لا يتصور أن يكون الفعل المتعلق به المجرور «أقسم» ، ألا ترى أنّه لا يتصور أن يقال : أقسم بالله ربّك إذا دخلت فقل له ، ولا : أقسم بدينك هل ضممت إليك ليلى. بل الفعل الذي يتعلق به المجرور : أسأل ، كأنك قلت : أسألك بالله إن دخلت فقل له ، وأسألك بدينك.

فإن قيل : مما يدلّ على أنّ هذا وأمثاله قسم قول الشاعر [من الطويل] :

٣٧٥ ـ أحارث يا خير البريّة كلّها

أبا لله هل لي في يميني من عقد

______________________

ـ المعنى : أسألك بدينك هل نلت من ليلى ما يتمناه العاشق من معشوقه؟!!

الإعراب : بدينك : جار ومجرور متعلقان بفعل محذوف تقديره : أسألك ، و «دين» : مضاف ، و «الكاف» : ضمير متصل في محل جر بالإضافة. هل ضممت : «هل» : حرف استفهام ، «ضممت» : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بالتاء المتحركة ، و «التاء» : ضمير متصل في محل رفع فاعل. إليك : جار ومجرور متعلقان بالفعل ضممت. ليلى : مفعول به منصوب بالفتحة المقدرة على الألف للتعذر. وهل : «الواو» : حرف عطف ، «هل» : حرف استفهام. قبّلت : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بالتاء ، و «التاء» : ضمير متصل ، في محل رفع فاعل. قبل : مفعول فيه ظرف زمان منصوب متعلق بالفعل «قبّلت». الصبح : مضاف إليه مجرور بالكسرة. فاها : مفعول به منصوب بالألف لأنه من الأسماء الستة ، و «ها» : ضمير متصل ، في محل جر بالإضافة.

وجملة «أسألك بدينك» : ابتدائية لا محل لها. وجملة «هل ضممت إليك ليلى» : سدّت مسدّ مفعولي «أسأل». وجملة «هل قبّلت فاها» معطوفة على سابقتها فهي مثلها.

والشاهد فيه قوله : «بدينك هل ضممت إليك ليلى» حيث جاء على صورة القسم ، وهو غير محتمل للصدق والكذب لذا حمل على أنه ليس بقسم.

٣٧٥ ـ التخريج : لم أقع عليه فيما عدت إليه من مصادر.

المعنى : يسأل الشاعر : أبالله هل انعقدت قسمي على أنك أفضل الناس جميعا.

الإعراب : أحارث : «الهمزة» : حرف نداء ، «حارث» : منادى مرخم ، مفرد علم مبني على الضم الظاهر ، في محل نصب على النداء على لغة من لا ينتظر. يا خير : «يا» : حرف نداء ، «خير» : منادى مضاف منصوب على النداء. البرية : مضاف إليه مجرور. كلها : «كل» : توكيد مجرور بالكسرة ، و «ها» : ضمير متصل في محل جرّ بالإضافة. أبالله : «الهمزة» : للاستفهام ، «الباء» : حرف جر وقسم ، «الله» : لفظ الجلالة في محل جر بحرف الجر ، والجار والمجرور متعلقان بفعل محذوف تقديره (أسأل). هل : حرف استفهام. لي : جار ومجرور متعلقان بمحذوف مرفوع خبر تقديره «كائن». في يميني : جار ومجرور متعلقان ـ

٥٤٧

مراده قسمي قولي : بالله هل لي في يميني من عقد.

وإنّما مراده : أبالله هل لي في يميني من عقد إن حلفت على أنّه خير البرية.

[٢ ـ المقسم به] :

والمقسم به هو كل اسم لله أو لما يعظّم من مخلوقاته ، نحو : «بالله ليقومنّ زيد» ، «والنّبيّ لأكرمنّ عمرا» ، «وأبيك لتفعلنّ كذا» ، ومنه : قد أفلح وأبيه إن صدق ، لأنّ أبا المقسم له معظّم عنده ، هذا إذا كان المقسم يريد تحقيق ما أقسم عليه وتبيينه ، فإن كان مقصوده الحنث فيما أقسم عليه ، فإنّه لا يقسم إلا بغير معظّم ، وذلك نحو قوله [من الكامل] :

٣٧٦ ـ وحياة هجرك غير معتمد

إلّا ابتغاء الحنث في الحلف

ما أنت أحسن من رأيت ولا

كلفي بحبّك منتهى كلّفي

______________________

ـ بالمحذوف الخبر ، و «الياء» : ضمير متصل في محل جر بالإضافة. من عقد : «من» : زائدة ، «عقد» : اسم مجرور لفظا مرفوع محلّا على أنه مبتدأ مرفوع مؤخر.

وجملة «أحارث ...» : ابتدائية لا محل لها. وجملة «أسأل بالله» : استئنافية لا محلّ لها. وجملة «هل لي عقد» : مفعول به للفعل (أسأل) محلها النصب.

والشاهد فيه قوله : «أبالله هل لي» حيث جاءت الصورة على شكل قسم وليس بقسم لأنه لا يتصور أن يكون التعليق بفعل أقسم.

٣٧٦ ـ التخريج : لم أقع عليه فيما عدت إليه من مصادر.

المعنى : إن الشاعر يتعمد القسم بحياة هجر محبوبته وهو ينوي أن يرجع عن قسمه لأن المحبوبة ليست كما يشتهي وليست هي ضالّته المنشودة ، لذلك لا يرى ضيرا في الحنث بالقسم.

الإعراب : وحياة : «الواو» : واو جر وقسم ، «حياة» : مقسم به مجرور ، والجار والمجرور متعلقان بفعل محذوف تقديره (أقسم). هجرك : مضاف إليه مجرور ، و «الكاف» : ضمير متصل في محل جرّ بالإضافة. غير : حال منصوبة بالفتحة. معتمد : مضاف إليه مجرور بالكسرة. إلا : حرف حصر. ابتغاء : مفعول به لاسم الفاعل (معتمد) منصوب بالفتحة. الحنث : مضاف إليه مجرور بالكسرة. في الحلف : جار ومجرور متعلقان بـ (الحنث). ما أنت : «ما» : حرف ناف مهمل ، «أنت» ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ. أحسن : خبر مرفوع بالضمة. من : اسم موصول في محل جر بالإضافة. رأيت : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بتاء الفاعل ، و «التاء» : ضمير متصل في محل رفع فاعل. ولا : «الواو» : عاطفة ، «لا» : نافية لا عمل لها. كلفي : مبتدأ مرفوع بالضمة المقدرة على ما قبل الياء و «الياء» : ضمير متصل في محل جر ـ

٥٤٨

فأقسم بـ «حياة هجرها» وهو غير معظّم عنده رغبة في أنّ يحنث فيموت هجرها. إلا أنّ القسم على هذه الطريق يقلّ فلا يلتفت إليه.

[٣ ـ المقسم عليه] :

والمقسم عليه : هو كلّ جملة حلف عليها بإيجاب أو نفي ، نحو : «والله ما قام زيد» ، و «والله ليقومنّ زيد» ، وقد تبيّن أنّ المفرد لا يقسم عليه.

[٤ ـ حروف القسم] :

وحروف القسم الجارة بأنفسها هي : الباء ، والتاء ، والواو ، واللام ، ومن ، والميم المكسورة والمضمومة.

فأما الباء فتدخل على كل محلوف به من ظاهر أو مضمر ، نحو : بالله لأفعلنّ ، وبك لأفعلنّ. ومن دخول الباء على المضمر قوله [من الوافر] :

٣٧٧ ـ رأى برقا فأوضع فوق بكر

فلا بك ما أسال ولا أغاما

______________________

ـ بالإضافة. بحبك : جار ومجرور متعلقان بالمصدر (كلفي) ، و «الكاف» : ضمير متصل في محل جرّ بالإضافة. منتهى : خبر مرفوع بالضمة المقدرة. كلفي : مضاف إليه مجرور بالكسرة و «الياء» : ضمير متصل في محل جرّ بالإضافة.

وجملة «وحياة هجرك» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «ما أنت أحسن» : جواب قسم لا محل لها. وجملة «كلفي بحبك منتهى» : معطوفة على جملة «ما أنت أحسن». وجملة «رأيت» : صلة الموصول لا محلّ لها.

والشاهد فيه قوله : «وحياة هجرك» فقد أقسم بغير معظم لأن في نيته الحنث بهذا القسم.

٣٧٧ ـ التخريج : البيت لعمرو بن يربوع في جمهرة اللغة ص ٩٦٣ ؛ وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٢٥ ؛ ونوادر أبي زيد ص ١٤٦ ؛ وبلا نسبة في الحيوان ١ / ١٨٦ ، ٦ / ١٩٧ ؛ وخزانة الأدب ٢ / ١٨ ؛ والخصائص ٢ / ١٩ ؛ ورصف المباني ص ١٤٦ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ١ / ١٠٤ ، ١٤٤ ؛ وشرح المفصل ٨ / ٣٤ ، ٩ / ١٠١ ؛ ولسان العرب ١١ / ٣١ (أهل).

اللغة : أوضع : أسرع في السير. البكر : الفتيّ من الإبل.

٥٤٩

أي : فلا وحقّك لا أسأل ولا أغام. وقول الآخر [من الوافر] :

٣٧٨ ـ ألا نادت أميمة باحتمال

لتحزنني فلا بك ما أبالي

أي : فلا وحقك ما أبالي.

______________________

ـ المعنى : يدعو النساء لديار أهل محبوبته بأن تسلم من أذى البرق والسيل ، ويقسم بحياتها أنه لن يكون مع هذا البرق غيم ولا سيل يؤذيان شيئا.

الإعراب : رأى : فعل ماض مبني على الفتح المقدر ، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو. برقا : مفعول به منصوب بالفتحة. فأوضع : «الفاء» : عاطفة ، «أوضع» : فعل ماض مبني على الفتح ، و «الفاعل» : ضمير مستتر جوازا تقديره (هو). فوق : مفعول فيه ظرف مكان منصوب ، متعلق بالفعل أوضع. بكر : مضاف إليه مجرور بالكسرة. فلا : «الفاء» : استئنافية ، «لا» : نافية لا عمل لها. بك : «الباء» : حرف جر وقسم ، و «الكاف» : ضمير متصل في محل جر بحرف الجر ، والجار والمجرور متعلقان بفعل محذوف (أقسم). ما : نافية لا عمل لها. أسال : فعل ماض مبني على الفتح الظاهر ، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره (هو). ولا أغاما : «الواو» : حرف عطف ، «لا» : نافية لا عمل لها ، «أغاما» : فعل ماض مبني على الفتح و «الألف» : للإطلاق ، و «الفاعل» : ضمير مستتر جوازا تقديره (هو).

وجملة «رأى برقا» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «أوضع ..» : معطوفة على سابقتها. وجملة «فلا وحقك» : استئنافية لا محل لها. وجملة «أسال» : جواب قسم لا محل لها ، وعطف عليها جملة (أغام).

والشاهد فيه قوله : «فلا بك» حيث دخلت «الباء» على مضمر.

٣٧٨ ـ التخريج : البيت لغويّة بن سلمى في لسان العرب ١٥ / ٤٤٣ (با) ؛ وبلا نسبة في جواهر الأدب ص ٢٥٣ ؛ والخصائص ٢ / ١٩ ؛ ورصف المباني ص ١٤٦ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ١ / ١٠٤ ، ١٤٤ ؛ وشرح المفصل ٨ / ٣٤ ، ٩ / ١٠١ ؛ والصاحبي في فقه اللغة ص ١٠٧ ؛ ولسان العرب ١١ / ٣١ (أهل) ؛ واللمع ص ٥٨ ، ٢٥٦.

اللغة : الاحتمال : الرحيل.

المعنى : إن المحبوبة أميمة قد أعلنت أنها سترحل وتتركني ، وقد أعلنت ذلك لتحزنني ، ولكني أقسم إنني لا أبالي ولا أكترث لما أعلنت.

الإعراب : ألا : حرف لوم وإنكار. نادت : فعل ماض مبني على الفتح ، و «التاء» : تاء التأنيث الساكنة. أميمة : فاعل مرفوع بالضمة. باحتمال : جار ومجرور متعلقان بالفعل نادت. لتحزنني : «اللام» : لام التعليل ، «تحزنني» : فعل مضارع منصوب بأن المضمرة بعد لام التعليل ، و «النون» : للوقاية ، و «الياء» : ضمير متصل في محل نصب مفعول به ، و «الفاعل» : ضمير مستتر جوازا تقديره هي ، والمصدر المؤول من (أن) والفعل (تحزن) مجرور باللام والجار والمجرور متعلقان بالفعل (نادت). فلا : «الفاء» : استئنافية ، «لا» : نافية لا عمل لها. بك : «الباء» : حرف جر وقسم ، و «الكاف» : ضمير متصل في محل جر بحرف الجر ، والجار والمجرور متعلقان بقسم مقدر. ما : نافية لا عمل لها. أبالي : فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة ، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره (أنا).

وجملة «نادت أميمة» : ابتدائية لا محل لها. وجملة «تحزنني» : صلة الموصول الحرفي لا محل لها.

٥٥٠

وأما الواو فتدخل على كل محلوف به ظاهر ، فتقول : «وزيد لأقومنّ» ، و «والله لأكرمنّ».

وأما التاء فتدخل على اسم الله تعالى ، نحو : «تالله لأفعلنّ». وحكى الأخفش دخولها على الربّ ، حكى من كلامهم : «تربّ الكعبة لأفعلنّ كذا».

وأما اللام فتدخل على اسم الله تعالى بشرط أن يكون في الكلام معنى التعجب ، نحو : «لله لا يبقى أحد» ، يقسم على فناء الخلق متعجبا من ذلك.

وأما من فلا تدخل إلا على الربّ ، نحو : «من ربّي لأفعلنّ كذا» ، وزعم بعض النحويين أن «من» بقية «ايمن» ، فهي على هذا اسم. وذلك باطل لأمرين : أحدهما : أنّها لا تضاف إلا إلى الله ، فيقال : «ايمن الله» ، و «من» لا تدخل إلّا على «الرب». والآخر : أن «ايمنا» معرب والاسم المعرب إذا نقص منه شيء بقي ما بقي منه معربا ، فلو كانت «من» بقية «ايمن» لكانت معربة. فبناؤها على السكون دليل على أنّها حرف.

وأما الميم المكسورة والمضمومة ، نحو : «م الله لأفعلنّ» ، «م الله لأفعلنّ» ، فلا تدخل إلّا على الله. وزعم بعض النحويين أنّها أيضا بقية «ايمن». وذلك باطل لأنّ الاسم المعرب لا يحذف حتى يبقى منه حرف واحد. وأيضا لو كانت بقية «ايمن» لكانت معربة والاسم المقسم به المعرب إذا لم يدخل عليه حرف خفض لا يكون إلّا مرفوعا أو منصوبا ، فاستعمالها مكسورة دليل على أنها مبنية وأنّها ليست بقية «ايمن».

[٥ ـ الأصل في حروف القسم] :

والأصل في حروف القسم الباء ، ذلك أنّ فعل القسم إنّما هو «أقسم» أو «أحلف» وهما لا يصلان إلّا بالباء ، فدلّ ذلك على أنّ الباء هي الأصل ، ولذلك تصرّفت في هذا الباب أكثر من تصرف غيرها ، فجرّت الظاهر والمضمر. والواو بدل من الباء وإنّما أبدلت منها لأمرين :

______________________

ـ وجملة «فلا وحقك» : استئنافية لا محل لها. وجملة «أبالي» : جواب قسم لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «فلا بك» حيث دخلت «الباء» على مضمر والتقدير «فلا وحقك ما أبالي».

٥٥١

أحدهما : أنّ معنى الباء قريب من معنى الواو ، لأنّ الواو للجمع والباء للإلصاق ، والإلصاق جمع في المعنى.

والآخر : أنها من حروف مقدم الفم.

ولما كانت الواو بدلا من الباء لم تتصرف تصرّف الباء ، لأنّ الفرع لا يتصرّف تصرّف الأصل ، فجرّت الظاهر خاصة ولم تجر المضمر ، لأنّ المضمر يرد الأشياء إلى أصولها ، وقد تقدم ذلك.

والأصل هو الباء ، والتاء بدل من الواو ، وذلك أنّها لا يخلو من أن تكون بدلا من الواو أو من الباء ، فلا ينبغي أن تجعل بدلا من الباء لأنّ التاء لم يثبت إبدالها من الباء في موضع وقد ثبت إبدالها من الواو في مثل : «تراث» ، و «تخمة» ، و «تكأة» فينبغي أن تجعل في هذا الباب بدلا من الواو ولم تتصرّف تصرّفها ، فلذلك لم تجرّ إلا اسم الله تعالى أو الربّ.

وأما اللام فإنها أيضا ليست أصلا في هذا الباب ، لما تقدّم من أنّ فعل القسم وهو «أقسم» و «أحلف» لا يصل باللام وإنّما يصل بالباء ، لكن لما أريد معنى التعجب ، والتعجب يصل باللام ضمّن فعل القسم معنى «عجبت» ، فيتعدّى بتعديته ، فقلت : «لله لا يبقى أحد» ، فكأنّك قلت : عجبت لله الذي لا يبقي أحدا.

ولما لم تكن اللام أصلا في هذا الباب لم تتصرّف فلم تدخل إلّا على اسم الله تعالى.

وأما «من» والميم المكسورة والمضمومة ، فإنّها لم تتصرّف في الخفض فإنّها لا يخفض بها إلّا في القسم خاصة ، لذلك لم يدخلوا «من» إلّا على «الربّ» ، والميم المكسورة والمضمومة إلّا على «الله».

ولما كان ما عدا الباء من حروف القسم ليس مستعملا بحق الأصالة في باب القسم لم يظهروا معه فعل القسم وأظهروه مع الباء ، فقالوا : «أقسم بالله» ، و «أحلف بالله».

وأجاز ابن كيسان ظهور الفعل مع الواو ، فأجاز أن يقال : «أقسم والله لأفعلنّ كذا». وهذا لا ينبغي أن يجوز كما لم يجز مع سائر حروف القسم التي ليس استعمالها بحق الأصالة ، ولا يحفظه أحد من البصريين ، فإن جاء شيء من ذلك فينبغي أن يتأوّل على أن يكون «أقسم» كلاما تاما ثم أتى بعد ذلك بالقسم ولا يجعل «والله» متعلقا بـ «أقسم».

٥٥٢

[٦ ـ الحروف التي تعلق المقسم به بالمقسم عليه] :

والحروف التي تعلق المقسم به بالمقسم عليه حرفان في النفي وحرفان في الإيجاب. ففي الإيجاب : «إنّ» واللام ، وفي النفي : «ما» و «لا». وذلك أنّ الجملة لا يخلو أن تكون اسمية أو فعلية. فإن كانت اسمية فلا يخلو من أن تكون موجبة أو منفية. فإن كانت منفية نفيت بها ، نحو : «والله ما زيد قائما». وإن كانت موجبة جاز لك فيها ثلاثة أوجه :

أن تدخل «إنّ» على المبتدأ واللام على الخبر ، فتقول : «والله إنّ زيدا لقائم» ، أو تأتي بـ «إنّ» وحدها أو باللام وحدها ، فتقول : «بالله إنّ زيدا قائم» ، و «والله لزيد قائم» ، ولا يجوز حذفهما.

وإن كانت الجملة فعلية ، فلا يخلو أن يكون الفعل ماضيا أو حالا أو مستقبلا فإن كان ماضيا ، فلا يخلو أن يكون موجبا أو منفيّا. فإن كان منفيّا نفي بـ «ما» فقلت : «والله ما قام زيد» ، وإن كان موجبا فلا يخلو أن يكون قريبا من زمن الحال أو بعيدا منه. فإن كان قريبا من زمن الحال أدخلت عليه اللام و «قد» ، فقلت : «والله لقد قام زيد» ، فإنّ «قد» تقرّب من زمن الحال ، وإن كان بعيدا من زمن الحال أتيت باللام وحدها ، فقلت : «والله لقام زيد». قال الشاعر [من الطويل] :

٣٧٩ ـ حلفت لها بالله حلفة فاجر

لناموا فما إن من حديث ولا صالي

فأدخل اللام على جواب «حلفت» ، وهو «ناموا» ، من غير «قد».

______________________

٣٧٩ ـ التخريج : البيت لامرىء القيس في ديوانه ص ٣٢ ؛ والأزهية ص ٥٢ ؛ والجنى الداني ص ١٣٥ ؛ وخزانة الأدب ١٠ / ٧١ ، ٧٣ ، ٧٤ ، ٧٧ ، ٧٩ ؛ والدرر ٢ / ١٠٦ ، ٤ / ٢٣١ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ١ / ٣٧٤ ، ٣٩٣ ، ٤٠٢ ؛ وشرح شواهد المغني ١ / ٣٤١ ، ٤٩٤ ؛ وشرح المفصل ٩ / ٢٠ ، ٩٧ ؛ ولسان العرب ٩ / ٥٣ (حلف) ؛ وبلا نسبة في جواهر الأدب ص ٧٧ ؛ ورصف المباني ص ١١٠ ؛ وهمع الهوامع ١ / ١٢٤ ، ٢ / ٤٢.

اللغة : الفاجر : الذي يأتي بالفاحشة والشرّ. الصالي : الذي يتدفّأ.

المعنى : لقد أقسمت لها أنهم ناموا ، فلم يبق من يستمع لحديث ، أو من يتدفأ بنار.

الإعراب : حلفت : فعل ماض مبني على السكون ، و «التاء» : في محلّ رفع فاعل. لها : جار ومجرور متعلقان بـ (حلفت). بالله : جار ومجرور متعلّقان بـ (حلفت). حلفة : مفعول مطلق منصوب بالفتحة. فاجر : مضاف إليه مجرور بالكسرة. لناموا : «اللام» : رابطة لجواب القسم ، «ناموا» : فعل ماض مبني على الضم ، و «الواو» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل ، و «الألف» : للتفريق. فما : «الفاء» : استئنافيّة ، «ما» : ـ

٥٥٣

ومن الناس من زعم أنّه لا بدّ من «قد» ظاهرة أو مقدّرة ، فإنّه قاس ذلك على اللام الداخلة على خبر «إنّ» ، فكما لا تدخل تلك اللام على الماضي فكذلك هذه اللام عنده. وذلك باطل ، لأنّ لام «إنّ» إنّما لم يجز دخولها على الماضي لأنّ قياسها أن لا تدخل على الخبر إلّا إذا كان المبتدأ في المعنى ، نحو : «إنّ زيدا لقائم». أو مشبّها بما هو مبتدأ في المعنى ، نحو : «إنّ زيدا ليقوم» ، فـ «يقوم» يشبه «قائم» لأنّ هذه اللام هي لام الابتداء ، فلما تعذّر دخولها على المبتدأ دخلت على ما هو المبتدأ ، وليست كذلك اللام التي في جواب القسم. وأيضا فإنّ «قد» تقرب من زمن الحال ، فإذا أردنا القسم على الماضي البعيد من زمن الحال لم يجز الإتيان بها.

فإن كان الفعل مستقبلا ، فلا يخلو من أن يكون موجبا أو منفيّا. فإن كان منفيا نفيته بـ «لا» ، فقلت : «والله لا يقوم زيد» ، وإن شئت حذفت «لا» لأنّه لا يلبس بالإيجاب. وإن كان موجبا أتيت باللام والنون الشديدة أو الخفيفة ، فقلت : «والله ليقومنّ زيد». ولا يجوز حذف النون وإبقاء اللام ولا حذف اللام وإبقاء النون إلّا في الضرورة ، على ما يبيّن بعد.

وإن كان حالا فمن الناس من قال إنّه لا يجوز أن يقسم عليه ، لأنّ مشاهدته أغنت عن أن يقسم عليه. وهذا باطل ، لأنّه قد يعوق عن المشاهدة عائق فيحتاج إذ ذاك إلى القسم ، نحو قولك : «والله إنّ زيدا في حال قيام» ، لمن لا يدرك قيام زيد. والصحيح أنّه يجوز أن يقسم عليه ، إلا أنّه لا يخلو أن يكون موجبا أو منفيّا ، فإن كان منفيّا نفي بـ «ما» خاصة ، نحو : «والله ما يقوم زيد» ، ولا يجوز حذفها.

وإن كان موجبا ، فإنك تبني من الفعل اسم فاعل وتصيّره خبرا لمبتدأ ثمّ تقسم على الجملة الاسمية ، فتقول : «والله إنّ زيدا لقائم» ، و «والله إنّ زيدا قائم» ، و «والله لزيد قائم».

______________________

ـ نافية. إن : زائدة لا محلّ لها. من حديث : «من» : حرف جرّ زائد ، «حديث» : مجرور لفظا ، مرفوع محلّا على أنه مبتدأ خبره محذوف ، بتقدير (فما حديث موجود). ولا : «الواو» : للعطف ، «لا» : نافية. صالي : معطوف على (حديث) مجرور لفظا ، مرفوع محلا ، بحركة مقدّرة ، والياء : للإطلاق.

وجملة «حلفت» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «لناموا» : لا محلّ لها (جواب القسم). وجملة «فما إن من حديث» : استئنافية لا محلّ لها.

والشاهد فيه قوله : «حلفت لها ... لناموا» حيث جاء بـ (اللام) دون (قد) في جواب القسم (ناموا) ، وذلك لبعده من زمن الحال.

٥٥٤

وإنّما لم يجز أن تبقي الفعل على لفظه وتدخل اللام لأنّك لو قلت : «والله ليقوم زيد» ، لأدّى ذلك إلى الالتباس في بعض المواضع ، وذلك إذا قلت : «إنّ زيدا والله ليقوم» ، لم تدر هل «يقوم» خبر «إنّ» أو جواب للقسم ، ولا يجوز إدخال النون فارقة فتقول : «إنّ زيدا والله ليقومنّ» ، لأنّ النون تخلّص للاستقبال.

وقد تدخل عليه اللام وحدها ولا يلتفت إلى اللبس ، إلّا أنّ ذلك قليل جدا بابه الشعر. قال الشاعر [من الطويل] :

٣٨٠ ـ تألّى ابن أوس حلفة ليردّني

إلى نسوة كأنّهنّ مفائد

إلا أن يكون جواب القسم «لو» وجوابها ، فإنّ الحرف الذي يربط المقسم به بالمقسم عليه إذ ذاك إنّما هو «أن» ، نحو : «والله أن لو قام زيد قام عمرو» ، ولا يجوز الإتيان باللام كراهة من الجمع بين لام القسم ولام «لو» ، فلا يجوز «والله لو قام زيد لقام عمرو».

______________________

٣٨٠ ـ التخريج : البيت لزيد الفوارس في خزانة الأدب ١٠ / ٦٥ ، ٧١ ؛ والدرر ٤ / ٢٢٤ ؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٥٥٧ ؛ وبلا نسبة في رصف المباني ص ٢٤٠ ؛ والمقرب ١ / ٢٠٦.

اللغة : تألّى : أقسم ، حلف. ليردّني : يروى بكسر اللّام على أنّها للتعليل تنصب بـ «أن» مضمرة. ويروى بفتح اللام على أنّها لام جواب القسم. وفي هذه الحال يجب اقتران الفعل المضارع بنون التوكيد ، ولكن ترك توكيده إمّا لكونه حالا ، وإمّا جريا على مذهب سيبويه في تجويز مجيئه غير مؤكّد. المفائد : ج المفأد ، وهو الخشبة التي تحرّك بها النار ، وقد شبّه بها النساء في السواد واليباس لما هنّ عليه من الهزال.

المعنى : يقول : لقد أقسم ابن أوس أن يردّني إلى نساء شبيهات بالمفائد ، أي سود قبيحات وهزيلات.

الإعراب : تألّى : فعل ماض مبنيّ على الفتحة المقدّرة على الألف للتعذّر. ابن : فاعل مرفوع بالضمّة الظاهرة ، وهو مضاف. أوس : مضاف إليه مجرور بالكسرة. حلفة : مفعول مطلق منصوب بالفتحة. ليردّني : اللام واقعة جوابا للقسم. «يردّني» : فعل مضارع مرفوع بالضمّة الظاهرة ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره «هو» ، والنون للوقاية ، والياء ضمير متّصل مبنيّ في محلّ نصب مفعول به. إلى : حرف جرّ. نسوة : اسم مجرور بالكسرة الظاهرة ، والجار والمجرور متعلّقان بالفعل «يردّ». كأنهنّ : حرف مشبّه بالفعل ، «هن» : ضمير متّصل مبنيّ في محلّ نصب اسم «كأن». مفائد : خبر «كأنّ» مرفوع بالضمّة الظاهرة.

وجملة : «كأنّهنّ مفائد» في محلّ جرّ نعت «نسوة».

الشاهد فيه قوله : «ليردّني» حيث دخلت اللام وحدها على جواب القسم وهو فعل مضارع مثبت ، وهذا من القليل.

٥٥٥

[٧ ـ اجتماع القسم والشرط] :

وإذا اجتمع في هذا الباب القسم مع الشرط فيبنى الجواب على الأول منهما وحذف جواب الثاني لدلالة الأول عليه ، فتقول : «والله إن قام زيد ليقومنّ عمرو» ، فتجعل «ليقومنّ» جوابا للقسم وتحذف جواب الشرط ويكون فعل الشرط إذ ذاك ماضيا ، لأنّه لا يجوز حذف جواب الشرط إلّا إذا كان الفعل ماضيا لعلّة تذكر في الشرط.

فالذي يقول من العرب : «أنت ظالم إن فعلت» ، لا يقول : «أنت ظالم إن تفعل» ، فإن قدّمت الشرط ، فقلت : «إن قام زيد والله يقم عمرو» ، بنيت الجواب على الشرط وحذفت جواب القسم لدلالة جواب الشرط عليه المتقدّم في الرتبة ، وإنّما لم تبن الجواب على المتأخر منهما لأنّك لو فعلت ذلك لكنت قد حذفت جواب الأول لدلالة الثاني عليه والباب في المحذوفات التي يفسرها اللفظ أن لا يحذف شيء منها إلّا لتقدّم الدليل عليه. فأما قوله [من الطويل] :

٣٨١ ـ حلفت لها إن يدلج الليل لا يزل

أمامي بيت من بيوتك سائر

______________________

٣٨١ ـ التخريج : البيت بلا نسبة في خزانة الأدب ١١ / ٣٢٨ ، ٣٣١ ، ٣٤١ ؛ والمقرب ١ / ٢٠٨.

اللغة : أدلج : سار من أول الليل.

الإعراب : حلفت : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بتاء الفاعل ، و «التاء» : ضمير متصل في محل رفع فاعل. لها : جار ومجرور متعلقان بالفعل حلفت. إن : حرف شرط جازم يجزم فعلين مضارعين. يدلج : فعل مضارع مجزوم لأنه فعل الشرط وحرك بالكسر منعا لالتقاء الساكنين ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). الليل : مفعول فيه ظرف زمان منصوب بالفتحة. لا يزل : «لا» : نافية ، «يزل» : فعل مضارع ناقص مجزوم ، لأنه جواب الشرط وعلامة جزمه السكون. أمامي : مفعول فيه ظرف مكان متعلق بخبر (لا يزال) المحذوف ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ جر بالإضافة. بيت : اسم (يزال) مؤخر مرفوع بالضمة. من بيوتك : جار ومجرور متعلقان بصفة لـ (بيت) ، و «الكاف» : ضمير متصل في محل جر بالإضافة. سائر : صفة لبيت مرفوع مثله.

وجملة «حلفت» : ابتدائية لا محل لها. وجملة «إن يدلج لا يزل» : استئنافية لا محل لها. وجملة «يدلج» : جملة الشرط غير الظرفي لا محل لها. وجملة «لا يزل أمامي بيت» : جواب شرط جازم غير مقترن بالفاء لا محلّ لها.

والشاهد فيه قوله : «حلفت لها إن يدلج ...» حيث جعل فعل «حلفت» غير متضمن معنى القسم بل جعله خبرا محضا فسّره بما بعده.

٥٥٦

فإنّما بني على الشرط لأنه جعل «حلفت» غير مضمّن معنى القسم بل هو خبر محض ، ولو ضمنّه القسم لبني «لا يزال» عليه ، لتقدّمه ، فكأنّه قال : «حلفت» ، وتمّ الكلام ، ثم أراد أن يبيّن بعد ذلك ما الذي حلف عليه.

فإن تقدّم على القسم ما يطلب خبرا أو ما يطلب صلة ، فإنّه يجوز أن يبنى الجواب على القسم ، وقد يجوز أن يبنى على المبتدأ والموصول ، فتقول : «زيد والله يقوم» ، وإن شئت قلت : «زيد والله ليقومنّ» ، و «يعجبني الذي والله يقوم» ، وإن شئت : «يعجبني الذي والله ليقومنّ».

فإن بنيت على الأول حذفت جواب القسم لدلالة ما تقدم عليه ، وإن بنيت على القسم كان القسم وجوابه في موضع خبر المبتدأ أو صلة الموصول ، ولذلك جاز في هذين الموضعين البناء على الثاني لأنّه يؤدّي ذلك إلى حذف مع تأخير الدليل.

[٨ ـ حذف جواب القسم وحذف القسم] :

ولا يجوز حذف جواب القسم إلّا إذا توسّط بين شيئين متلازمين كما تقدّم ، أو جاء عقيب كلام يدلّ على الجواب ، نحو : «زيد قائم والله» ، فحذف جواب «والله» لدلالة «زيد قائم» عليه. ولذلك جعل سيبويه «ذا» من قول العرب «لا ها الله ذا» ، خبر ابتداء مضمر ، كأنه قال : لا ها الله الحقّ ذا ، والجملة هي : «الحقّ ذا» ، جواب القسم ، لم يجعل «ذا» صلة لله تعالى كما ذهب إليه الأخفش ، كأنّه قال : لا ها الله الحاضر ، فإنّ ذلك يؤدي إلى حذف جواب القسم غير متوسط ولا عقب كلام يدل على الجواب.

وأما القسم فلا يجوز حذفه إلّا إذا كان في الكلام ما يدلّ عليه ، وذلك في موضعين : مع اللام ومع «إنّ» ، لأنّهما لا يكونان إلّا على نيّة القسم ، وذلك قولك : «ليقومنّ زيد» ، و «لقد قام زيد» ، و «إنّ زيدا لقائم» ، جميع ذلك على نيّة قسم محذوف ، وما عدا ذلك لا يجوز حذف القسم منه لأنّه ليس عليه دليل.

وإذا جاء في كلام مثل : «وزيد وعمرو وخالد لأقومنّ» ، فينبغي أن تجعل الواو الأولى حرف قسم وما بعدها حرف عطف. فيكون القسم واحدا فيحتاج إلى جواب واحد ، فيكون «لأقومنّ الجواب. ولو جعلت كلّ واو حرف قسم ولم تقدرها للعطف لكان

٥٥٧

«لأقومنّ» جوابا لقسم واحد عنها ، وبقي سائرها بلا جواب فتحتاج أن تقدّر لكل واحد من الأقسام التالية جوابا محذوفا. فإذا أمكن أن تحمل الكلام على أن لا يكون فيه حذف كان أولى ، ومثل ذلك قوله تعالى : (وَالشَّمْسِ وَضُحاها وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها) (١).

[٩ ـ تضمين أفعال القلوب معنى القسم] :

وقد تضمّن العرب أفعال القلوب كلّها معنى القسم ، نحو : «علمت» و «ظننت» ، قال الله تعالى : (وَظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) (٢). وقال الشاعر [من الكامل] :

ولقد علمت لتأتينّ منيّتي

إنّ المنايا لا تطيش سهامها (٣)

وغير ذلك من الجمل. إلا أنّه في غير أفعال القلوب موقوف على السماع ، والذي جاء من ذلك : «عليّ عهد الله لأقومنّ» ، و «في ذمتي كذا لأفعلنّ». قال [من الطويل] :

٣٨٢ ـ تساور سوّارا إلى المجد والعلا

وفي ذمّتي لئن فعلت ليفعلا

______________________

(١) الشمس : ١ ـ ٢.

(٢) فصلت : ٤٨.

(٣) تقدم بالرقم ٥٧.

٣٨٢ ـ التخريج : البيت لليلى الأخيلية في ديوانها ص ١٠١ ؛ وتخليص الشواهد ص ٢٠٧ ؛ وخزانة الأدب ٦ / ٢٤٣ ؛ وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣١٥ ؛ والشعر والشعراء ص ٤٥٦ ؛ والكتاب ٣ / ٥١٢ ؛ والمقاصد النحوية ١ / ٥٦٩ ؛ وبلا نسبة في المقتضب ٣ / ١١.

اللغة : سوار : هو ابن أوفى القشيري زوج ليلى. تساور : تغالب.

المعنى : تقول الشاعرة : إنك مهما حاولت أن تبلغ مكانة سوار في مآثره ومكارمه ، فلن تبلغ ذلك ، لأنه سيكون قد سبقك إلى خير منه.

الإعراب : تساور : فعل مضارع مرفوع بالضمة ، والفاعل : ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت. سوارا : مفعول به منصوب بالفتحة. إلى المجد : جار ومجرور متعلقان بالفعل تساور. والعلا : «الواو» : حرف عطف ، «العلا» : اسم معطوف على مجرور ، مجرور مثله بالكسرة المقدرة على الألف. وفي ذمتي : «الواو» : حرف استئناف ، «في» : حرف جر ، «ذمتي» : اسم مجرور ، و «الياء» : ضمير متصل في محل جر بالإضافة ، والجار والمجرور متعلقان بخبر محذوف لمبتدأ محذوف والتقدير : في ذمتي قسم. لئن : «اللام» : موطئة للقسم ، «إن» : حرف شرط جازم. فعلت : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بتاء الفاعل ، في محل جزم لأنه فعل الشرط ، و «التاء» : ضمير متصل في محل رفع فاعل. ليفعلا : «اللام» : واقعة في جواب القسم ، «يفعلا» : فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة في محل جزم جواب الشرط ، وأبدلت نون التوكيد الخفيفة بألف الإطلاق.

٥٥٨

وإذا فعلت ذلك في أفعال القلوب أو في غيرها من الجمل كان الحكم فيها كالحكم في القسم المختص في جميع ما ذكر.

وإذا حذفت حرف القسم فلا يخلو أن تعوّض منه شيء أو لا تعوّض ، فإن عوّض منه شيء لم يجز إلّا الخفض لأنّ العوض يجري مجرى المعوّض منه. والعوض ها التنبيه وهمزة الاستفهام وقطع ألف الوصل. إلّا أنّ العرب لم تجعل العوض إلّا في اسم الله تعالى ، نحو : «ها الله لأقومنّ» ، و «أفألله ليقومنّ زيد» ، و «ألله ليخرجنّ عمرو». فإن لم تعوّض لم يجز الخفض إلّا في اسم الله تعالى ، فإنّهم استجازوا ذلك فيه لكثرة استعماله في القسم ، فتقول : «الله لأقومنّ». حكى ذلك الأخفش إلا أنّه لا يقاس عليه ، لأنّ إضمار الخافض وإبقاء عمله لا يجوز إلا حيث سمع. فإن لم يعوّض جاز في الاسم وجهان : الرفع على الابتداء والنصب على إضمار فعل ، والاختيار النصب على إضمار فعل ، لأنّ القسم إذ ذاك يكون جملة فعلية كما كان قبل الحذف ، فتقول : «يمين الله لأخرجنّ». فمن الرفع قوله [من الوافر] :

٣٨٣ ـ إذا ما الخبز تأدمه بلحم

فذاك أمانة الله الثّريد

______________________

ـ وجملة «تساور سوارا» : ابتدائية لا محل لها. وجملة «في ذمتي قسم» : استئنافية لا محل لها. وجملة «إن فعلت» : اعتراضية لا محل لها. وجملة «فعلت» جملة الشرط غير الظرفي لا محل لها. وجملة «ليفعلا» : جواب القسم لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «وفي ذمتي» حيث أضمر القسم في الجملة وجاء بجملة مفسرة له بعده.

٣٨٣ ـ التخريج : البيت بلا نسبة في شرح المفصل ٩ / ٩٢ ، ١٠٢ ، ١٠٤ ؛ والكتاب ٣ / ٦١ ؛ ولسان العرب ١٢ / ٩ (أدم).

اللغة : تأدمه : تخلطه. الثريد : نوع من الطعام.

الإعراب : إذا : ظرفية شرطية غير جازمة متعلقة بالجواب. ما : زائدة لا عمل لها. الخبز : مبتدأ مرفوع بالضمة. تأدمه : فعل مضارع مرفوع بالضمة ، و «الهاء» : ضمير متصل في محل نصب مفعول به ، و «الفاعل» : ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت. بلحم : جار ومجرور متعلقان بالفعل تأدمه. فذاك : «الفاء» : رابطة لجواب الشرط ، «ذا» : اسم إشارة في محل رفع مبتدأ ، و «الكاف» : حرف خطاب لا محل لها. أمانة : مبتدأ مرفوع بالضمة ، وذلك لحذف القسم ، وخبره محذوف تقديره «أمانة الله قسمي». الله : لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور. الثريد : خبر ذاك مرفوع بالضمة.

وجملة «تأدمه» : في محل رفع خبر المبتدأ. وجملة «الخبز تأدمه» ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «أمانة الله قسمي» : اعتراضية لا محلّ لها. وجملة «ذاك الثريد» : جواب شرط غير جازم لا محلّ لها.

والشاهد فيه قوله : «فذاك أمانة الله» حيث رفع «أمانة» على الابتداء لأنه حذف القسم.

٥٥٩

برفع «أمانة» ، الأصل فيه : وأمانة الله ، فلمّا حذف رفع ، ومن النصب قوله [من الطويل] :

٣٨٤ ـ فقلت يمين الله أبرح قاعدا

[ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي]

فإنّه روي برفع «يمين» ونصبه ، فرفعه على تقدير : قسمي يمين الله ، ونصبه على تقدير : ألزم نفسي يمين الله. إلّا أسماء شذّت فيها العرب فالتزموا فيها الرفع أو النصب ، والذي التزم فيها الرفع : «ايمن الله» ، و «لعمرك». والذي التزم فيها النصب «أجدّك» ، وإنما التزم في هذه الأسماء وجه واحد ، لأنها لا تتصرّف في القسم لكونها لا يظهر معها حرف القسم.

وأما «عوض» و «جير» فمبنيّان يجوز أن يحكم على موضعهما بالرفع والنصب.

______________________

٣٨٤ ـ التخريج : البيت لامرىء القيس في ديوانه ص ٣٢ ؛ وخزانة الأدب ٩ / ٢٣٨ ، ٢٣٩ ، ١٠ / ٤٣ ، ٤٤ ، ٤٥ ؛ والخصائص ٢ / ٢٨٤ ؛ والدرر ٤ / ٢١٢ ؛ وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٢٠ ؛ وشرح التصريح ١ / ١٨٥ ؛ وشرح شواهد المغني ١ / ٣٤١ ؛ وشرح المفصّل ٧ / ١١٠ ، ٨ / ٣٧ ، ٩ / ١٠٤ ؛ والكتاب ٣ / ٥٠٤ ؛ ولسان العرب ١٣ / ٤٦٣ (يمن) ؛ واللمع ص ٢٥٩ ؛ والمقاصد النحوية ٢ / ١٣ ؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب ١٠ / ٩٣ ، ٩٤ ؛ وشرح الأشموني ١ / ١١٠ ؛ ومغني اللبيب ٢ / ٦٣٧ ؛ والمقتضب ٢ / ٣٦٢ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ٣٨.

شرح المفردات : أبرح قاعدا : أي لا أبرح ، أي يبقى قاعدا. الأوصال : ج الوصل ، وهو كلّ عضو يفصل من الآخر.

المعنى : يقسم الشاعر لمحبوبته بأنّه سيبقى عندها لا يفارقها ولو أدّى ذلك إلى هلاكه.

الإعراب : «فقلت» : الفاء بحسب ما قبلها ، و «قلت» : فعل ماض مبنيّ على السكون ، والتاء ضمير في محلّ رفع فاعل. «يمين» : مفعول به منصوب ، لفعل محذوف ، بتقدير : «ألزم نفسي يمين الله». ويروى بالرفع ، فيكون مبتدأ مرفوع خبره محذوف تقديره : «يمين الله قسمي» وهو مضاف. «الله» : اسم الجلالة مضاف إليه مجرور بالكسرة. «أبرح» : فعل مضارع ناقص ، واسمه ضمير مستتر تقديره : «أنا». «قاعدا» : خبر «أبرح» منصوب. «ولو» : الواو حالية ، «لو» : وصلية زائدة. «قطعوا» : فعل ماض مبنيّ على الضمّ ، والواو : فاعل ، والألف فارقة. «رأسي» : مفعول به منصوب ، وهو مضاف ، والياء ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. «لديك» : ظرف مكان متعلّق بـ «قطعوا» ، وهو مضاف ، والكاف ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. «وأوصالي» : الواو حرف عطف ، و «أوصالي» : معطوف على «رأسي» منصوب ، وهو مضاف ، والياء ضمير متّصل في محلّ جرّ بالإضافة.

وجملة : «فقلت ...» بحسب ما قبلها. وجملة «يمين الله ...» في محلّ نصب مفعول به. وجملة «أبرح» جواب قسم لا محل لها من الإعراب. وجملة : «لو قطعوا» في محل نصب حال.

الشاهد فيه قوله : «يمين الله» حيث روي بالنصب على أنه مفعول به ، وروي بالرفع على أنه مبتدأ.

٥٦٠