شرح جمل الزجّاجى - ج ١

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »

شرح جمل الزجّاجى - ج ١

المؤلف:

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-2263-0
ISBN الدورة:
2-7451-2263-0

الصفحات: ٥٨٤

يتحمّل ضميرا جاز تقديمه وتوسيطه عندهم ، نحو : «كان أخاك زيد» ، و «أخاك كان زيد» ، إذا أردت أخوّة النسب لا أخوّة الصداقة.

[١٠ ـ دخول «إلّا» على الخبر] :

واعلم أنّ أفعال هذا الباب ما عدا «ما زال» ، و «ما انفك» ، و «ما فتىء» ، و «ما برح» ، إذا كان معناها النفي كـ «ليس» أو دخل عليها أداة نفي ، نحو : ما كان ، وما أمسى ، وأمثال ذلك ، فإنّه يجوز دخول «إلّا» في خبرها إلا أن يكون الخبر لا يجوز استعماله إلّا منفيّا ، فإنه لا يجوز دخول إلّا عليه ، لأنّ «إلّا» توجب الخبر ، فتكون قد استعملت موجبا ما لا يستعمل إلّا منفيّا. فلا يجوز أن تقول : «ما كان زيد إلا زائلا ضاحكا» ، و «ما أصبح عبد الله إلّا منفكا منطلقا» ، و «ما أضحى زيد إلّا بارحا قائما» ، لأنّ «بارحا» ، و «زائلا» و «منفكا» لا تستعمل في الإيجاب ، وكذلك : «ما كان زيد إلا أحدا» ، لا يجوز لأنّ «أحدا» من الألفاظ التي لا تستعمل إلّا في النفي ، ولو قلت : «ما كان زيد زائلا ضاحكا» ، جاز لأنّ «ما» إذا دخلت على هذه الأفعال ، نفت أخبارها ، فكأنّك قلت : «ما زال زيد ضاحكا» ، ولو قلت : «ما أضحى زيد رجلا زائلا ضاحكا» ، لم يجز أيضا ، لأنّ حرف النفي لا ينفي صفة الموصوف إذا دخل عليه ، ألا ترى أنّك لو قلت : «ما زيد العاقل قائما» لم يكن نافيا للعقل عن «زيد» ، فإذا قلت : «ما أضحى زيد رجلا زائلا ضاحكا» ، كان الزوال غير منفيّ ، وذلك غير جائز.

ويبقى الخبر بعد دخول «إلّا» عليه منصوبا كما كان قبل ذلك ، ولا يجوز رفعه إلّا مع «ليس» فإنّه قد يرتفع إجراء لها مجرى «ما» ، فكما أنّ «ما» يبطل عملها في الخبر إذا أوجبت ، فكذلك «ليس» ، وحكي من كلامهم : «ليس الطيب إلا المسك».

وزعم الفارسيّ أنّ ذلك لا حجة فيه لاحتمال أن يتخرّج على أوجه : أحدها أن يكون اسم «ليس» ضمير الأمر والشأن ، ويكون «الطيب» مبتدأ و «المسك» خبره ، ودخلت إلّا في غير موضعها لأنه كان ينبغي أن تدخل على الجملة التي هي : «الطيب المسك» ، فتقول : «ليس إلّا الطيب المسك». ونظير ذلك ـ أعني في دخول «إلّا» في غير موضعها ـ قوله تعالى :

٣٨١

(إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا) (١). وقول الشاعر [من المتقارب] :

٢٥٣ ـ أحلّ به الشيب أثقاله

وما اغترّه الشيب إلّا اغترارا

ألا ترى أنّه إذا حمل على ظاهره كان فاسدا ، لأنّه معلوم أنّه لا يظنّ غير الظن ، ولا يغترّ الشيب إلّا اغترارا.

وهذا عندي قد يتصوّر أن تكون «إلّا» فيه في موضعها ، ويكون ممّا حذفت فيه الصفة لفهم المعنى ، كأنّه قال : إنّ نظنّ إلّا ظنّا ضعيفا ، وكأنه قال : وما اغترّه الشيب إلّا اغترارا بيّنا ، وهذا أولى لأنه قد ثبت حذف الصفة لفهم المعنى ، ولم يثبت وضع «إلّا» في غير موضعها.

والوجه الآخر : أن يكون «الطيب» اسم «ليس» ، والخبر محذوف و «إلّا المسك» بدل منه ، كأنّه قال : «ليس الطيب في الوجود إلّا المسك» ، أو يكون «إلّا المسك» نعتا ، والخبر محذوف ، كأنّه قال : ليس الطيب الذي هو غير المسك طيبا في الوجود حقيقة ، وحذف

______________________

(١) الجاثية : ٣٢.

٢٥٣ ـ التخريج : البيت للأعشى في ديوانه ص ٩٥ ؛ وخزانة الأدب ٣ / ٣٧٤ ؛ وبلا نسبة في الجنى الداني ص ٤٩٧ ؛ وشرح شواهد المغني ص ٧٠٤ ؛ وشرح المفصّل ٧ / ١٠٧.

اللغة : أحلّ : أنزل. أثقاله : متاعبه ، اغتره : خدعه.

المعنى : لقد فاجأته الشيخوخة بأعبائها وهمومها ، كما داهمه الشيب على حين غرة منه ولم يكن قد فكر فيه من قبل.

الإعراب : أحل : فعل ماض مبني على الفتحة. به : جار ومجرور متعلقان بالفعل (أحل). الشيب : فاعل مرفوع بالضمة. أثقاله : مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة وهو مضاف و «الهاء» : ضمير متصل في محلّ جر بالإضافة. وما اغتره : «الواو» : عاطفة ، و «ما» : نافية ، و «اغتر» فعل ماض مبني على الفتحة الظاهرة ، و «الهاء» : ضمير متصل في محل نصب مفعول به. الشيب : فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة. إلا اغترارا : «إلا» : حرف حصر ، و «اغترارا» : مفعول مطلق منصوب بالفتحة.

وجملة «أحل الشيب» ابتدائية لا محل لها. وجملة «وما اغتره الشيب» معطوفة على ابتدائية لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «ما اغتره الشيب إلا اغترارا» فقد أخر «إلا» إلى ما بعد الفاعل وقبل المفعول المطلق وكان يجدر به أن يقول : «وما اغتره اغترارا إلا الشيب».

٣٨٢

خبر «ليس» لفهم المعنى قد يجيء قليلا ، نحو قوله [من الكامل] :

لهفي عليك للهفة من خائف

يبغي جوارك حين ليس مجير (١)

يريد : ليس في الدنيا مجير.

قال : فإذا احتملت هذه الحكاية أن تتخرّج على ما ذكر ، لم يقس عليها ، وهذا الذي قاله باطل ، لأن أبا عمرو قد نقل أنّه ليس في الدنيا حجازيّ إلّا وهو ينصب ، فيقول : «ليس زيد إلّا قائما» ، ولا تميمي إلّا وهو يرفع ، فيقال : «ليس عمرو إلّا ضاحك» ، فإذا كان كذلك ، فلا ينبغي أن يتأوّل.

فإن كان الفعل «ما زال» وأخواتها ، فإنّه لا يجوز دخول «إلّا» في خبرها ، فلا تقول : «ما زال زيد إلّا قائما» ، و «ما انفكّ زيد إلّا ضاحكا» ، والسبب في ذلك أنّ «إلّا» لإبطال النفي ، فكأنّك قلت : «زال زيد قائما» ، و «انفكّ زيد ضاحكا» ، وهذه الأفعال لا تستعمل إلّا في النفي ، فأما قوله [من الطويل] :

٢٥٤ ـ حراجيج ما تنفكّ إلّا مناخة

على الخسف أو نرمي بها بلدا قفرا

______________________

(١) تقدم بالرقم ١٢٢.

٢٥٤ ـ التخريج : البيت لذي الرمة في ديوانه ص ١٤١٩ ؛ وتخليص الشواهد ص ٢٧٠ ؛ وخزانة الأدب ٩ / ٢٤٧ ، ٢٤٨ ، ٢٥٠ ، ٢٥١ ، ٢٥٥ ؛ وشرح شواهد المغني ١ / ٢١٩ ؛ والكتاب ٣ / ٤٨ ؛ ولسان العرب ١٠ / ٤٧٧ (فكك) ؛ والمحتسب ١ / ٣٢٩ ؛ وهمع الهوامع ١ / ١٢٠ ؛ وبلا نسبة في أسرار العربية ص ١٤٢ ؛ والأشباه والنظائر ٥ / ١٧٣ ؛ والجنى الداني ص ٥٢١ ؛ وشرح الأشموني ١ / ١٢١ ؛ ومغني اللبيب ١ / ٧٣ ؛ وهمع الهوامع ١ / ٢٣٠.

اللغة : حراجيج : جمع حرجوج وهي الناقة السمينة الطويلة. مناخة : جعلوها تبرك على الأرض. الخسف : الجوع. القفر : الخالي.

المعنى : تبقى هذه النوق السّمان باركة على الجوع والإهانة ، حتى نركبها لنجتاز بلادا خالية من أثر الحياة.

الإعراب : «حراجيج» : خبر لمبتدأ محذوف تقديره : (هي) مرفوع بالضمة. «ما تنفك» : «ما» نافية ، «تنفكّ» : فعل مضارع ناقص ، و «اسمها» : ضمير مستتر تقديره (هي) يعود على الحراجيج. «إلا» : حرف زائد لا يدلّ على معنى. «مناخة» : خبر (ما تنفك) منصوب بالفتحة. «على الخسف» : جار ومجرور متعلّقان بـ «مناخة». «أو» : حرف عطف ينصب الفعل المضارع بـ «أن» مضمرة. «نرمي» : فعل مضارع منصوب بالفتحة المقدّرة على الياء ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (نحن). «بها» : جار ومجرور متعلّقان بـ «نرمي». «بلدا» : مفعول به منصوب بالفتحة. «قفرا» : صفة منصوبة بالفتحة. ـ

٣٨٣

فـ «مناخة» ليس بخبر بل هو منصوب على الحال ، و «تنفك» تامة ، فيكون المعنى : ما تنفكّ ، أي : ما يزال بعضها عن بعض لأنّها متّصلة إما للتباري في السير ، أو لأنّها مقطّرة مربوطة بعضها ببعض ، فإذا أنيخت زالت عن الاتصال فلا تنفك إلّا في حال إناختها على الخسف وهو حبسها على غير علف ، يريد أنّها تناخ بعد السير عليها فلا ترسل من أجل ذلك في المرعى ، و «أو» بمعنى «إلى أن» ، كأنّه قال : هي في حال الإناخة إلى أن نرمي بها بلدا قفرا ، وسكّن الياء ضرورة.

ويحتمل أن يريد : ما تنفكّ عن تعب السير إلّا في حال إناختها إلى أن نرمي بها بلدا قفرا ، فحذف الصفة لفهم المعنى.

[١١ ـ اجتماع اسمين بعدها] :

وإذا اجتمع في هذا الباب اسمان ، فإمّا أن يكونا معرفتين أو نكرتين ، أو معرفة ونكرة ، فإن كان معرفتين جعلت الذي تقدّر أنّ المخاطب يعلمه الاسم ، والذي تقدّر أنّ المخاطب يجهله الخبر ، فتقول : «كان زيد أخا عمرو» ، إذا قدّرت أن مخاطبك يعلم زيدا ولا يعلم أنّه أخو عمرو ، فإن قدّرته يعلم أخا عمرو ولا يعلم أن اسمه «زيد» ، قلت : «كان أخو عمرو زيدا».

وزعم ابن الطراوة أنّ الذي تريد إثباته تجعله الخبر والذي لا تريد إثباته تجعله الاسم ، فعلى هذا تقول : «كانت عقوبتك عزلتك» ، إذا كنت قد عزلت ولم تعاقب ، و «كانت عزلتك عقوبتك» ، إذا كنت قد عوقبت ولم تعزل.

ومن ذلك قوله [من الطويل] :

٢٥٥ ـ وكان مضلّي من هديت برشده

فلله غاو عاد بالرّشد آمرا

______________________

ـ وجملة «هي حراجيج» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «ما تنفك» : في محلّ رفع صفة لـ (حراجيج). وجملة «نرمي بها» : صلة الموصول الحرفي.

والشاهد فيه قوله : «ما تنفكّ إلا مناخة» حيث دخلت «إلا» على خبر (ما تنفكّ) ، وهذا غير جائز ، وفي تخريج الشاهد آراء عدة أورد المؤلف بعضها بالإضافة إلى الوجه الذي جعلناها فيه زائدة.

٢٥٥ ـ التخريج : البيت لسواد بن قارب في الدرر ٢ / ٥٠ ، ٧٢ ؛ وبلا نسبة في همع الهوامع ١ / ١١٢ ، ١١٩.

٣٨٤

فأثبت الهداية لنفسه. ولو قال : فكان هاديّ من أضللت به ، لكان قد أثبت الإضلال. قال : وقد غلط في هذا جلّة الشعراء ، فمن ذلك قوله [من الطويل] :

٢٥٦ ـ ثياب كريم لا يصون حسانها

إذا نشرت كان الهبات صوانها

______________________

ـ اللغة : الغاوي : ضد الراشد المهتدي. الرشد : التقوى والصّلاح.

المعنى : لقد أرشدني إلى الصواب والهدى ، من حاول إعادتي إلى الضلال والغوى ، فيا له من ضال صار آمرا بالتقوى والصلاح.

الإعراب : وكان : «الواو» : بحسب ما قبلها ، «كان» : فعل ماض ناقص. مضلي : اسم (كان) مرفوع بضمّة مقدّرة على ما قبل ياء المتكلم ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. من : اسم موصول في محلّ نصب خبر (كان). هديت : فعل ماض مبني للمجهول مبني على السكون ، و «التاء» : ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل. برشده : جار ومجرور متعلقان بـ (هديت) ، و «الهاء» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. فلله : «الفاء» : استئنافية ، «لله» : جار ومجرور متعلّقان بخبر محذوف. غاو : مبتدأ مرفوع بضمّة مقدّرة على الياء المحذوفة. عاد : فعل ماض ناقص مبني على الفتح ، واسمه : ضمير مستتر تقديره (هو). بالرشد : جار ومجرور متعلّقان بـ (آمرا). آمرا : خبر (عاد) منصوب.

وجملة «كان مضلي ...» : حسب ما قبلها. وجملة «هديت» : صلة الموصول لا محلّ لها. وجملة «فلله غاو» : استئنافية. وجملة «عاد بالرشد آمرا» : صفة لـ (غاو) محلها الرفع.

والشاهد في قوله : «وكان مضلي من هديت» حيث أثبت الهداية لنفسه لأنه جاء بها بالخبر.

٢٥٦ ـ التخريج : البيت للمتنبي في ديوانه ٤ / ٣٠٣.

اللغة : حسان الثياب : أجودها. الهبات : الأعطيات. الصوان : صندوق يحفظ الثياب ويصونها.

المعنى : أتتني ثياب كريم لا يحفظ أجود الثياب عنده ، بل يبعثرها للمحتاجين يصونونها على أجسادهم.

الإعراب : ثياب : خبر لمبتدأ محذوف مرفوع بالضمّة. كريم : مضاف إليه مجرور بالكسرة. لا يصون : «لا» : نافية ، «يصون» : فعل مضارع مرفوع بالضمّة ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). حسانها : مفعول به منصوب بالفتحة ، و «ها» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. إذا : ظرف لما يستقبل من الزمان ، يتضمّن معنى الشرط متعلق بالفعل (كان). نشرت : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح ، و «التاء» : للتأنيث ، و «نائب الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هي). كان : فعل ماض ناقص. الهبات : اسم (كان) مرفوع بالضمّة. صوانها : خبر (كان) منصوب بالفتحة ، و «ها» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة.

وجملة «... ثياب كريم» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «لا يصون» : صفة لـ (كريم) محلها الجر. وجملة «نشرت» : في محلّ جرّ بالإضافة. وجملة «كان الهبات صوانها» : جواب شرط غير جازم لا محلّ لها. وجملة «إذا نشرت كان ...» صفة لـ (ثياب) محلها الرفع.

والتمثيل به قوله : «كان الهبات صوانها» حيث جاء بالصون خبرا للهبات فأثبت الصون ، ونفى الهبات ؛ ومثّل به على غلط المتنبي في إثبات الخبر.

جمل الزجاجي / ج ١ / م ٢٥

٣٨٥

قال : فذمّه وهو يرى أنّه مدحه ، ألا ترى أنّه قد أثبت الصون ونفى عنه الهبات ، كأنّه قال : الذي يقوم لها مقام الهبات أن تصان ، ولو قال : «كان الهبات صوانها» ، فكان يهب ولا يصون ، كأنّه قال : كان الذي يقوم لها مقام الصوان أن توهب.

وهذا الذي قاله لا يتصور إلا حيث يكون الخبر عين المبتدأ ، بل منزّل منزلته وقائم مقامه ، وذلك نحو : «كان زيد زهيرا» ، إذا أردت تشبيه زيد بزهير فيما مضى ، فإن أردت عكس هذا قلت : «كان زهير زيدا».

فأما إذا كان الثاني هو الأول ، فإنّ المعنى على كل حال واحد ، نحو : «كان أخو عمرو زيدا» ، فأما قوله :

فكان مضلّي من هديت برشده

البيت (١).

فإنّ المعنى واحد جعلت الخبر «مضلّي» أو «من هديت» إذا أردت أنّ الهداية والإضلال وقعا فيما مضى. ألا ترى أنّك إذا قلت : كان مضلّي فيما مضى من وقعت الهداية منه إليّ ، وكان من وقعت الهداية منه إليّ مضلّي فيما مضى ، كان المعنى واحدا. وإنّما كان يختلف المعنى لو كان زمن الخبر في الحال وزمن المخبر عنه فيما مضى ، ألا ترى أنّك إذا قلت : كان مضلّي فيما مضى من هديت به الآن ، كان عكس قولك : كان من هديت به فيما مضى مضلّي الآن.

وأما قوله :

ثياب كريم لا يصون حسانها

إذا نشرت كان الهبات صوانها (٢)

فإنّك إذا جعلت «الهبات» خلاف «الصوان» ، فإنّه يبطل المعنى المراد من المدح بجعل الصوان خبرا ، ولو جعلت «الهبات» هي نفس «الصوان» لكان المعنى واحدا ، نصبت «الصوان» أو رفعته ، فكأنّك قلت : «كان الهبات صوانا لها» ، و «كان الصوان هبة لها».

هذا إن قدّرنا أنّ المخاطب يعلم إحدى المعرفتين ويجهل الأخرى ، فإن قدّرنا أنّ المخاطب يعلم المعرفتين إلّا أنّه يجهل نسبة إحداهما إلى الأخرى ، وذلك نحو : «كان زيد أخا عمرو» ، إذا قدّرنا أنّ المخاطب يعلم زيدا بقلبه كعلمنا الآن مالكا والشافعيّ وأمثالهما

______________________

(١) تقدم بالرقم ٢٥٥.

(٢) تقدم بالرقم ٢٥٦.

٣٨٦

ممن لم نعاصره ، ويعلم أخا عمرو ولم يكن يعلم أنّ اسمه زيد ، فعرّفته أنّ زيدا الذي كان يعلمه بقلبه هو أخو عمرو الذي كان يعلمه بعينه ، أفلا تراه هنا إنّما جهل نسبة أخي عمرو إلى زيد.

فإذا كان الاسمان كذلك ، فلا يخلو أن يستويا في التعريف أو يكون أحدهما أعرف من الآخر ، فإن كان أحدهما أعرف من الآخر ، فإنّك تجعل الذي هو أعرف الاسم والذي هو أدون تعريفا الخبر ، هذا هو المختار. وقد يجوز عكس ذلك ، نحو : «كان زيد القائم» ، و «كان القائم زيدا» ، دونه في الجودة.

وقد تقدّم ذكر مراتب التعريف ، إلّا المشار فإنّه يجعل المخبر عنه ، ويجعل غيره من المعارف الخبر ، فنقول : «هذا زيد» ، و «هذا القائم» ، و «هذا أخوك» ، وذلك أنّ العرب اعتنت به لمكان التنبيه الذي فيه بالإشارة ، فقدّمته.

ولا يجوز عكس هذا إلّا مع المضمرات فإنّها لشبهها بها قد يتقدّم بعضها على بعض ، فتقول : ها أناذا ، فتقدّم المضمر. قال الشاعر [من الوافر] :

٢٥٧ ـ [أحولي تنقض استك مذرويها]

لتقتلني فها أنا ذا عمارا

وهو الأفصح لأنّه أعرف منه.

______________________

٢٥٧ ـ التخريج : البيت لعنترة بن شداد في ديوانه ص ٢٣٤ ؛ ولسان العرب ٤ / ٦٠٨ (عمر) ، ١٤ / ٢٨٥ (ذرا) ؛ وكتاب العين ٨ / ١٨٦ ؛ وتاج العروس (ذرا) ؛ وبلا نسبة في تهذيب اللغة ١٥ / ٧ ؛ وجمهرة اللغة ص ٦٩٥ ؛ والمخصص ٢ / ٤٥ ، ١٥ / ١١٤.

اللغة : الاست : العجز ، أو حلقة الدبر. المذروان : طرفا الألية ، ولا واحد لهما ؛ ويقال : جاء ينفض مذرويه : جاء متهدّدا باغيا. عمارا : ترخيم لاسم عمارة.

المعنى : لقد جئت ـ يا عمارة بن زياد العبسي ـ مهددا بقتلي ، فها أنا منتظر منك فعلا.

الإعراب : أحولي : «الهمزة» : حرف استفهام ، «حول» : مفعول فيه ظرف مكان منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم ، ومتعلق بالفعل (تنفض) ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. تنفض : فعل مضارع مرفوع بالضمّة. استك : فاعل مرفوع بالضمّة ، و «الكاف» : ضمير متصل في محلّ جرّ مضاف إليه. مذرويها : مفعول به منصوب بالياء لأنه مثنّى ، و «ها» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. لتقتلني : «اللام» : حرف جر ونصب ، «تقتل» : فعل مضارع منصوب بالفتحة ، و «النون» : للوقاية ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (أنت). فها : «الفاء» : للاستئناف ، «ها» : حرف تنبيه. أنا : ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ. ذا : اسم إشارة في محل رفع خبر. عمارا : منادى مفرد علم مبني على الضمّ المقدّر على التاء المحذوفة للترخيم في محلّ نصب مفعول به لفعل النداء المحذوف ، ـ

٣٨٧

وقد يقدّم المشار ، ومنه حكى أبو الخطاب عن العرب الموثوق بهم : «هذا أنا» ، قال سيبويه : وحكى يونس تصديقا لذلك أنّ العرب تقول : «هذا أنت» ، وهو دون الأول في الاستعمال.

فإن تساوت المعرفتان في التعريف كنت بالخيار في جعل أيّهما شئت الاسم والآخر الخبر ، وذلك نحو : «كان زيد أخا عمرو» ، و «كان أخو عمرو زيدا» ، إلّا أنه قد تقدّم أنّ المضاف إلى العلم في رتبة العلم.

وينبغي أن يعلم أنّ «أن» و «لن» المصدريتين إذا تقدّرتا بالمصدر المعرفة عاملتهما العرب معاملة المضمر ، فنقول : «كان الانتصار من زيد أن سببته أو أنّني سببته» ، لأنّ «أن سببته» و «أنّي سببته» يتقدّر بالمصدر المعرفة ، فكأنّك قلت : «كان انتصاري من زيد سبّي إيّاه» ، ولو قلت : «كان الانتصار من زيد أن سببته او أنّي سببته» ، كان ضعيفا كما كان يضعف أن تجعل الضمير خبرا لما هو دونه في التعريف.

وإنّما حكمت لهما العرب بحكم المضمر من المعارف لشبههما به في أنّهما لا ينعتان كما أنّ المضمر كذلك. ومن ذلك قوله تعالى : (وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا) (١) و (ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا) (٢). الأفصح في «جواب قومه» وفي «حجتهم» النصب.

فإن كانا نكرتين ، جعلت أيّهما شئت الاسم والآخر الخبر إن كان لكلّ واحد منهما مسوّغ للإخبار عنه ، نحو : «أكان رجل قائما» ، و «كان قائم رجلا» ، فإن كان الذي له مسوّغ أحدهما جعلته المخبر عنه ، وذلك نحو : «كان كلّ أحد قائما» ، ولا يجوز : «كان قائم كلّ أحد».

______________________

ـ والمصدر المؤول من (أن) المقدرة ، والفعل (تقتل) مجرور باللام ، والجار والمجرور متعلقان بالفعل (تنفض).

وجملة «تنفض استك» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «تقتلني» : صلة الموصول لا محل لها. وجملة «فها أنا ذا» : استئنافية لا محلّ لها. وجملة «أنادي عمارة» : استئنافية لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «ها أنا ذا» حيث تقدّم الضمير المنفصل (أنا) وأخبر عنه باسم الإشارة (ذا) وهذا جائز فصيح.

(١) الأعراف : ٨٢.

(٢) الجاثية : ٢٥.

٣٨٨

فإن كان أحدهما معرفة والآخر نكرة ، جعلت الاسم المعرفة والنكرة الخبر ، نحو : «كان زيد قائما» ، ولا يجوز عكس ذلك إلّا في الشعر.

ولا يخلو حينئذ أن يكون للنكرة مسوّغ للإخبار عنها أو لا يكون ، فإن لم يكن لها مسوّغ فالمسألة مقلوبة ، نحو : «كان قائم زيدا» ، فـ «زيد» وإن كان منصوبا هو المخبر عنه و «قائم» وإن كان مرفوعا هو الخبر. فإن كان للنكرة مسوّغ للإخبار عنها ، فإنك إن بنيت المعنى على الإخبار عن المعرفة بالنكرة كان مقلوبا ، وإن بنيت على الإخبار بالمعرفة عن النكرة كان غير مقلوب ، وذلك نحو : «أكان قائم زيدا» ، إن قدّرت أنّ المعنى : «أكان زيد قائما» ، كان مقلوبا ، وإن قدّرت المعنى : «أكان قائم من القائمين يسمّى زيدا» ، كان غير مقلوب. والقلب للضرورة جائز باتفاق ، وإنّما الخلاف في جوازه في الكلام ، وسنبيّن صحّة ذلك في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.

ومما جاء من القلب في هذا الباب قوله [من الكامل] :

كانت فريضة ما تقول كما

كان الزناء فريضة الرجم (١)

أي : كما كان الرجم فريضة الزنا.

وينبغي أن تعلم أنّ ضمير النكرة يعامل في باب الإخبار معاملة النكرة ، وذلك أنّ تعريفه إنّما هو لفظي ، ألا ترى أنّك إذا قلت : «لقيت رجلا فضربته» ، علم أنّك تعني بالضمير الرجل المتقدّم المذكور ، وأنّ الملقيّ هو المضروب. وأما أن تعلم من هو في نفسه فلا ، فلمّا علم من تعني به كان معرفة من هذا الطريق.

وأيضا فإنّه ينوب مناب تكرار الظاهر ، والظاهر إذا كرّر كان بالألف واللام ، فلمّا ناب مناب معرفة بالألف واللام كان هو معرفة ، فإذا ثبت أنّ تعريفه لفظيّ والإخبار عن النكرة كما تقدّم في باب الابتداء إنّما امتنع من طريق معناها لا من طريق لفظها ، جرى ضمير النكرة مجرى النكرة. فإن جاء شيء من الإخبار بالمعرفة عن ضمير النكرة فبابه الشعر ، ومن ذلك قوله [من الطويل] :

٢٥٨ ـ أسكران كان ابن المراغة إذ هجا

تميما بجوف الشام أم متساكر

______________________

(١) تقدم بالرقم ٢٣٦.

٢٥٨ ـ التخريج : البيت للفرزدق في خزانة الأدب ٩ / ٢٨٨ ، ٢٨٩ ، ٢٩٠ ، ٢٩١ ؛ والكتاب ١ / ٤٩ ؛ ـ

٣٨٩

فأخبر بـ «ابن المراغة» عن ضمير «السكران» وهو من المقلوب ، ألا ترى أن المعنى على الإخبار عن ابن المراغة بالسكران ، كأنّه قال : أكان ابن المراغة سكران ، ولم يرد : أكان سكران من السكارى يعرف بابن المراغة ، ومثله قوله [من الوافر] :

٢٥٩ ـ وإنّك لا تبالي بعد حول

أظبي كان أمّك أم حمار

______________________

ـ ولسان العرب ٤ / ٣٧٣ (سكر) ؛ والمقتضب ٤ / ٩٣ ؛ وبلا نسبة في الخصائص ٢ / ٣٧٥ ؛ وشرح شواهد المغني ٢ / ٨٧٤.

اللغة : المراغة : الممرغة بالوحل. بجوف الشام : أرض الشام.

المعنى : هل كان ثملا عند ما هجا تميما في ديار الشام ، أم كان يدعي السكر ، فلينظر لأمه الممرغة بالوحل الحطيطة القدر إذا.

الإعراب : أسكران : «الهمزة» : حرف استفهام ، «سكران» : مبتدأ مرفوع. كان : فعل ماض ناقص ، واسم «كان» ضمير مستتر تقديره : هو. ابن المراغة : «ابن» : خبر «كان» منصوب ، وهو مضاف ، «المراغة» : مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة. إذ : ظرف لما مضى من الزمان مبني على السكون في محل نصب ، متعلق بـ «كان». هجا : فعل ماض مبني على الفتحة المقدرة على الألف للتعذر ، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو. تميما : مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة. بجوف الشام : «بجوف» : جار ومجرور متعلقان بالفعل هجا ، و «جوف» : مضاف ، «الشام» : مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة. أم : حرف عطف. متساكر : اسم معطوف على سكران مرفوع مثله بالضمة الظاهرة.

وجملة «أسكران كان ابن المراغة» : ابتدائية لا محل لها. وجملة «كان ابن المراغة» : في محل رفع خبر المبتدأ. وجملة «هجا» : في محل جرّ بالإضافة.

والشاهد فيه قوله : «كان ابن المراغة» حيث أخبر بالمعرفة «ابن المراغة» عن الضمير «هو» العائد على النكرة «سكران».

٢٥٩ ـ التخريج : البيت لخداش بن زهير في تخليص الشواهد ص ٢٧٢ ؛ وشرح شواهد المغني ٢ / ٩١٨ ؛ والكتاب ١ / ٤٨ ؛ والمقتضب ٤ / ٩٤ ؛ ولثروان بن فزارة في حماسة البحتري ص ٢١٠ ؛ وخزانة الأدب ٧ / ١٩٢ ، ١٩٤ ؛ وشرح أبيات سيبويه ١ / ٢٢٧ ؛ ولثروان أو لخداش في خزانة الأدب ٩ / ٢٨٣ ، ٢٨٩ ، ٢٩١ ـ ٢٩٤ ؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب ١٠ / ٤٧٢ ، ١١ / ١٦٠ ؛ وشرح المفصل ٧ / ٩٤.

اللغة : الظبي : الغزال. الحول : العام.

المعنى : لا تبالي بعد قيامك بنفسك ، واستغنائك عن أبويك بمن انتسبت إليه من شريف أو وضيع.

الإعراب : وإنك : «الواو» : حسب ما قبلها ، «إن» : حرف مشبه بالفعل ، و «الكاف» : ضمير متصل في محل نصب اسمها. لا تبالي : «لا» : نافية ، و «تبالي» : فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل ، و «الفاعل» : ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت. بعد حول : «بعد» : ظرف زمان منصوب بالفتحة الظاهرة ، متعلق بالفعل (تبالي) ، وهو مضاف ، و «حول» : مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة. أظبي : «أ» : حرف استفهام ، «ظبي» : مبتدأ مرفوع. كان : فعل ماض ناقص مبني على الفتحة الظاهرة واسمها : ضمير مستتر جوازا تقديره هو. أمك : خبرها منصوب بالفتحة وهو مضاف ، و «الكاف» : ضمير متصل في محل جر ـ

٣٩٠

فأخبر عن ضمير «الظبي» وهو نكرة بـ «أمّك» وهو معرفة.

وينبغي أن يعلم أن النكرة المختصة تتنزّل من النكرة غير المختصة منزلة المعرفة من النكرة ، فلا يجوز : «كان رجلا من إخوتك غلام» ، كما لا يجوز : «كان زيدا غلام» ، ولذلك جعل سيبويه [من الطويل] :

٢٦٠ ـ وإنّ شفاء عبرة مهراقة

وهل عند رسم دارس من معوّل

ضرورة ، فأخبر عن «شفاء» وهو نكرة غير مختصة بـ «عبرة» وهي مختصة بالوصف.

______________________

ـ بالإضافة. أم : حرف عطف. حمار : اسم معطوف على ظبي مرفوع مثله بالضمة الظاهرة.

وجملة «وإنك لا تبالي» : بحسب الفاء. وجملة «لا تبالي» : في محل رفع خبر. وجملة «أظبي كان» : في محل نصب مفعول به. وجملة «كان أمك» : في محل رفع خبر المبتدأ «ظبي».

الشاهد فيه قوله : «أظبي كان أمك» فقد جعل ضمير النكرة «ظبي» اسم «كان» وأخبر عنها بالمعرفة «أمك».

٢٦٠ ـ التخريج : البيت لامرىء القيس في ديوانه ص ٩ ؛ وخزانة الأدب ٣ / ٤٤٨ ، ٥ / ٢٧٧ ، ٢٨٠ ، ١١ / ٢٩٢ ؛ والدرر ٥ / ١٣٩ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ١ / ٢٥٧ ، ٢٦٠ ؛ وشرح أبيات سيبويه ١ / ٤٤٩ ؛ وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٧٢ ؛ والكتاب ٢ / ١٤٢ ؛ ولسان العرب ١١ / ٤٨٥ (عول) ، ٧٠٩ (هلل) ؛ والمنصف ٣ / ٤٠ ؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب ٩ / ٢٧٤ ، ١١ / ٢٩ ؛ والدرر ٦ / ١٥٤ ؛ وشرح الأشموني ٢ / ٤٣٤ ؛ وشرح شواهد المغني ٢ / ٨٧٢ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ٧٧ ، ١٤٠.

اللغة : عبرة : دمعة. مهراقة : مصبوبة مثل مراقة. رسم : آثار الديار أو الأطلال. دارس : اسم فاعل من درس ودرس الرسم إذا عفا وانمحى. معول : بكاء أو عويل.

المعنى : إن دمعي هو ملجئي الوحيد عند ما أرى آثار الديار وأتذكر الأهل والأحبة ، وأتذكر أنه لا فائدة من البكاء لأنه لا يرد حبيبا ولا يشفي قلب المحب.

الإعراب : وإن : «الواو» : حرف استئناف ، «إن» : حرف مشبه بالفعل. شفاء : اسم إن منصوب وعلامة نصبه الفتحة. عبرة : خبر إن مرفوع. مهراقة : صفة لعبرة مرفوعة مثلها. وهل : «الواو» : عاطفة ، و «هل» : حرف استفهام. عند : مفعول فيه ظرف مكان متعلق بمحذوف في محل رفع خبر مقدم. رسم : مضاف إليه مجرور. دارس : صفة للرسم مجرورة. من : حرف جر زائد. معول : اسم مجرور لفظا بحرف الجر الزائد ، مرفوع محلا على أنه مبتدأ مؤخر.

وجملة «إن شفاء عبرة» استئنافية لا محل لها. وجملة «هل عند ... معول» : معطوفة على جملة لا محل لها. ـ

٣٩١

ومن هذا القبيل قوله [من الوافر] :

٢٦١ ـ كأنّ سبيئة من بيت رأس

يكون مزاجها عسل وماء

فجعل «عسل» و «ماء» اسمين لـ «يكون» وهما نكرتان غير مختصّتين ، وجعل «مزاجها» خبرا وهو مضاف إلى ضمير «سبيئة» ، والسبيئة نكرة مختصّة.

وقد تبيّن أنّ ضمير النكرة يتنزّل منزلة النكرة ، فـ «مزاجها» أخصّ من «عسل» و «ماء» ، وقد جعل خبرا للضرورة.

وهذا حكم النكرة مع المعرفة إذا اجتمعا في هذا الباب ما لم يكن للنكرة مسوّغ للإخبار عنها ، وذلك أن تكون النكرة اسم استفهام فإنّها يجوز الإخبار عنها بالمعرفة لأنّ اسم الاستفهام عموم ألا ترى أنّه يسأل به عن الواحد فصاعدا ، والعموم من مسوّغات الإخبار عن

______________________

ـ والشاهد فيه قوله : «إن شفاء عبرة مهراقة» حيث أخبر عن «شفاء» وهو نكرة غير مختصة بـ «عبرة» وهي نكرة مختصة بالوصف ، وهذا غير جائز إلا في الضرورة.

٢٦١ ـ التخريج : البيت لحسان بن ثابت في ديوانه ص ٧١ ؛ والأشباه والنظائر ٢ / ٢٩٦ ؛ وخزانة الأدب ٩ / ٢٢٤ ، ٢٣١ ، ٢٨١ ، ٢٨٣ ، ٢٨٥ ، ٢٨٧ ، ٢٨٩ ، ٢٩٣ ؛ والدرر ٢ / ٧٣ ؛ شرح أبيات سيبويه ١ / ٥٠ ؛ وشرح شواهد المغني ص ٨٤٩ ؛ وشرح المفصل ٧ / ٩٣ ؛ والكتاب ١ / ٤٩ ؛ ولسان العرب ١ / ٩٣ (سبأ) ، ٦ / ٩٤ (رأس) ، ١٤ / ١٥٥ (جني) ؛ والمحتسب ١ / ٢٧٩ ؛ والمقتضب ٤ / ٩٢ ؛ وبلا نسبة في همع الهوامع ١ / ١١٩.

اللغة : السبيئة : الخمر المعتقة. المزاج : والممازجة الخلط.

المعنى : كأن على أنيابها خمرا مختلطة بالماء والعسل شربت خصيصا لذلك.

الإعراب : كأن : حرف مشبه بالفعل. سبيئة : اسمها منصوب بالفتحة الظاهرة. من بيت رأس : «من» : حرف جر ، «بيت» : اسم مجرور وهو مضاف والجار والمجرور متعلقان بصفة محذوفة. «رأس» مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة. يكون : فعل مضارع ناقص مرفوع بالضمة الظاهرة على آخره. مزاجها : خبر «يكون» مقدم منصوب بالفتحة وهو مضاف و «ها» : ضمير متصل في محل جر بالإضافة. عسل : اسم «يكون» مرفوع بالضمة الظاهرة. وماء : «الواو» : عاطفة ، «ماء» : اسم معطوف على عسل مرفوع مثله بالضمة الظاهرة.

وجملة «يكون مزاجها عسل» : في محل رفع خبر «كأن». وجملة «كأن سبيئة» : في محل نصب حال لاسم «شيئا» في البيت السابق.

والشاهد فيه قوله : (يكون مزاجها عسل) حيث أخبر عن «عسل» وهو نكرة غير مختصة بـ «مزاجها» الذي هو أخصّ من «عسل» وما ذلك إلّا للضرورة.

٣٩٢

النكرة ، وكذلك الاستفهام ، ولذلك أجاز سيبويه أن تكون «أرضك» خبرا لـ «كم» في قولهم : «كم جريبا أرضك»؟

ومما جاء من ذلك في هذا الباب : «من كان أخاك»؟ و «ما جاءت حاجتك»؟ حكاهما سيبويه بنصب «الأخ» و «الحاجة» ، وهما معرفتان قد أخبر بهما عن ضمير «من» و «ما» الاستفهاميّتين ، واسم الاستفهام نكرة وضمير النكرة كما تقدّم من الإخبار بمنزلة النكرة.

وإذا كان الخبر في هذا الباب ضميرا ، فالأفصح أن يجيء منفصلا ، فنقول : «كان زيد إيّاك» ، و «كنت إيّاك» ، ومنه قوله [من مجزوء الرمل] :

٢٦٢ ـ ليس إيّاي وإيّا

ك ولا نخشى رقيبا

ولم يقل : «ليسني». وكذلك قول عمر بن أبي ربيعة [من الطويل] :

٢٦٣ ـ لئن كان إيّاه لقد حال بعدنا

عن العهد والإنسان قد يتغيّر

______________________

٢٦٢ ـ التخريج : البيت لعمر بن أبي ربيعة في ديوانه ص ٤٨٥ ؛ وخزانة الأدب ٥ / ٣٢٢ ؛ والدرر (برقم ١٦٥ ، وقد سقط منه) ؛ وبلا نسبة في شرح المفصل ٣ / ٧٥ ، ١٠٧ ؛ والكتاب ٢ / ٣٥٨ ؛ ولسان العرب ٦ / ٢١٢ (ليس) ؛ والمقتضب ٣ / ٩٨ ؛ والمنصف ٣ / ٦٢.

المعنى : يدعو ان لا يوجد سواهما ، وأن يأمنا شرّ المراقب.

الإعراب : ليس : فعل ماض ناقص ، و «اسمها» : ضمير مستتر. إياي : ضمير منفصل في محلّ نصب خبر (ليس) ، و «الياء» : حرف للمتكلم. وإياك : «الواو» : حرف عطف ، «إيا» : ضمير منفصل معطوف على سابقه ، و «الكاف» : حرف للخطاب. ولا : «الواو» : حرف عطف ، و «لا» : نافية. نخشى : فعل مضارع مرفوع بضمّة مقدّرة على الألف ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (نحن). رقيبا : مفعول به منصوب بالفتحة.

وجملة «ليس غريب إلا إياي وإياك» : استئنافية لا محلّ لها. وجملة «ولا نخشى» : معطوفة على جملة «لا نرى» : في محل رفع.

والشاهد فيه قوله : «ليس إياي وإياك» حيث جاء بالخبر ضميرا منفصلا ، وليست هكذا رواية ديوان عمر ، فهي (ليس إلاني وإياها).

٢٦٣ ـ التخريج : البيت لعمر بن أبي ربيعة في ديوانه ص ٩٤ ؛ وتخليص الشواهد ص ٩٣ ؛ وخزانة الأدب ٥ / ٣١٢ ، ٣١٣ ؛ وشرح التصريح ١ / ١٠٨ ؛ وشرح المفصل ٣ / ١٠٧ ؛ والمقاصد النحويّة ١ / ٣١٤ ؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك ١ / ١٠٢ ؛ وشرح الأشموني ١ / ٥٣ ؛ والمقرب ١ / ٩٥.

شرح المفردات : حال : تغيّر. عن العهد : عمّا كنّا عليه سابقا. ـ

٣٩٣

ولم يقل : «لئن كأنه» ، وإنّما كان الأفصح انفصاله لأنّه في الأصل خبر المبتدأ ، فكما أنّ خبر المبتدأ منفصل فكذلك هو في هذا الباب

وقد يشبه الخبر في هذا الباب المفعول ، فيتّصل كما يتّصل ضمير المفعول ، وعليه قوله [من الطويل] :

٢٦٤ ـ [دع الخمر يشربها الغواة فإنّني

رأيت أخاها مغنيا بمكانها]

فإن لا يكنها أو تكنه فإنّه

أخوها غذته أمّه بلبانها

وقد حكي من كلامهم : «عليه رجلا ليسني».

وزعم ابن الطراوة أنّ اتصاله هو الأفصح ، وهو مخالف لما حكاه سيبويه عن العرب.

______________________

ـ المعنى : يقول : لئن كان هو الشخص الذي كنّا نعرفه؟! لقد تغيّر ، والدهر قد يغيّر الإنسان ، ويبدّل أحواله.

الإعراب : «لئن» : اللام الموطئة للقسم ، و «إن» : حرف شرط جازم. «كان» : فعل ماض ناقص ، وهو فعل الشرط. واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره «هو». «إيّاه» : ضمير منفصل مبنيّ في محلّ نصب خبر «كان». «لقد» : اللام رابطة لجواب القسم ، و «قد» : حرف تحقيق. «حال» : فعل ماض وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره : «هو». «بعدنا» : ظرف زمان منصوب متعلّق بـ «حال». و «نا» : في محلّ جرّ بالإضافة. «عن العهد» : جار ومجرور متعلّقان بـ «حال». «والإنسان» : الواو حالية ، و «الإنسان» مبتدأ مرفوع. «قد» : حرف تقليل. «يتغيّر» : فعل مضارع مرفوع بالضمة وفاعله ... «هو».

وجملة «أقسم» المحذوفة ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة : «حال ...» الفعلية لا محلّ لها من الإعراب لأنّها جواب القسم. والجملة الشرطية «إن كان ...» مع الجواب المحذوف اعتراضية بين القسم وجوابه ، لا محل لها من الإعراب. وجواب الشرط محذوف دلّ عليه جواب القسم. وجملة : «الإنسان قد يتغيّر» الاسميّة في محلّ نصب حال. وجملة «يتغيّر» الفعليّة في محلّ رفع خبر المبتدأ.

الشاهد فيه قوله : «لئن كان إياه» حيث جاء خبر «كان» ضميرا منفصلا ، والأكثر أن يكون كذلك.

٢٦٤ ـ التخريج : البيتان لأبي الأسود الدؤلي في ديوانه ص ١٦٢ ، ٣٠٦ ؛ والبيت الثاني مع نسبته في أدب الكاتب ص ٤٠٧ ؛ وإصلاح المنطق ص ٢٩٧ ؛ وتخليص الشواهد ص ٩٢ ؛ وخزانة الأدب ٥ / ٣٢٧ ، ٣٣١ ؛ والرد على النحاة ص ١٠٠ ؛ وشرح المفصل ٣ / ١٠٧ ؛ والكتاب ١ / ٤٦ ؛ ولسان العرب ١٣ / ٣٧١ (كنن) ، ٣٧٤ (لبن) ؛ والمقاصد النحوية ١ / ٣١٠ ؛ وبلا نسبة في شرح الأشموني ١ / ٥٣ ؛ والمقتضب ٣ / ٩٨ ؛ والمقرب ١ / ٩٦.

اللغة : فإن لا يكنها : أي فإلا يكن أخو الخمر هو الخمر. أو تكنه : أي أو تكن الخمر هي أخاها.

فاسم «يكن» الأولى ضمير مستتر يعود على الأخ ، والضمير البارز المنصوب العائد إلى الأخ هو خبرها.

المعنى : دعك من هذا الإثم يرتكبه السفهاء من الناس ؛ فإني وجدت أخا الخمر ، أي العنب أو ـ

٣٩٤

[١٢ ـ عملها] :

وهذه الأفعال إذا دخلت على المبتدأ والخبر ، فإنّ الخبر إذا كان جملة أو ظرفا أو مجرورا ، فإنه في موضع نصب ، وإن كان مفردا انتصب ، نحو : «كان زيد قائما» ، ولا يجوز رفعه على أنّه خبر ابتداء مضمر ، وتكون الجملة موضع خبر للفعل ، لأنّه إضمار لا فائدة في تكلّفه ، فلا تقول : «كنت قائم» ، على تقدير : كنت أنا قائم. وقد نصّ الخليل على أنّ ذلك

______________________

ـ الزبيب ، مغنيا وعنها صالحا لأن تحلّ محلها ، فإن لم يكونا شيئا واحدا فهما أخوان رضعا من ثدي أمّ واحدة.

الإعراب : «دع» : فعل أمر مبني على السكون وحرّك بالكسر منعا من التقاء الساكنين ، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت. «الخمر» : مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة. «يشربها» : فعل مضارع مجزوم لأنه جواب الطلب وعلامة جزمه السكون ، و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به. «الغواة» : فاعل مؤخر مرفوع بالضمة الظاهرة. «فإنني» : «الفاء» : استئنافية ، «إن» : حرف مشبه بالفعل ، والياء : ضمير متصل في محل نصب اسمها. «رأيت» : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بالتاء المتحركة والتاء في محل رفع فاعل. «أخاها» : مفعول به أول منصوب بالألف لأنه من الأسماء الستة ، والهاء : ضمير متصل في محل جر بالإضافة. «مغنيا» : مفعول به ثان منصوب بالفتحة. «بمكانها» : جار ومجرور متعلقان باسم الفاعل «مغنيا».

وجملة «دع» : ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة «يشربها» : جواب شرط جازم غير مقترن بالفاء لا محل لها ، والتقدير : «دع الخمر إن تدعها يشربها». وجملة «إنني رأيت» : استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة «رأيت» : في محل رفع خبر إن.

«فإن» : الفاء استئنافية ، «إن» : حرف شرط جازم. «لا يكنها» : «لا» : نافية لا عمل لها ، «يكنها» : فعل مضارع ناقص مجزوم لأنه فعل الشرط وعلامة جزمه السكون الظاهرة و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب خبر كان واسمها ضمير مستتر يعود على (الأخ). «أو» : حرف عطف. «تكنه» : فعل مضارع ناقص معطوف مجزوم وعلامة جزمه السكون ، والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب خبر كان واسمها ضمير مستتر تقديره : «هي» يعود إلى (الخمر). «فإنه» : «الفاء» : رابطة لجواب الشرط ، «إن» : حرف مشبه بالفعل والهاء ضمير متصل في محل نصب اسمها. «أخوها» : خبر إن مرفوع بالواو لأنه من الأسماء الستة ، و «ها» مضاف إليه. «غذته» : فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين والتاء تاء التأنيث الساكنة والهاء ضمير متصل في محل نصب مفعول به. «أمه» : فاعل مرفوع بالضمة. «بلبانها» : جار ومجرور متعلقان بالفعل (غذته).

وجملة «إن لا يكنها فإنه أخوها» : استئنافية لا محل لها. وجملة «يكنها» : فعل الشرط غير الظرفي لا محل لها من الإعراب. وجملة «تكنه» : معطوفة على جملة لا محل لها من الإعراب. وجملة «فإنه أخوها» : في محل جزم جواب شرط مقترن بالفاء. وجملة «غذته أمه» : في محل نصب حال.

والشاهد فيه قوله : «يكنها أو تكنه» حيث اتصل الخبر وهو الضمير «ها» و «الهاء» ، بفعل الكون عند أشبه المفعول. وأصل القياس أن يكون الخبر ضميرا منفصلا.

٣٩٥

لا يجوز ؛ فأما قول زياد الأعجم [من المتقارب] :

٢٦٥ ـ أمتها لك الخير أو أحيها

كمن ليس غاد ولا رائح

فرفع «غاديا» و «رائحا» ، فلا حجة في كلامه عند أكثر العلماء لأنّه نزل بإصطخر (١) من بلاد فارس ففسد لسانه ، فلذلك لقّب بالأعجم ، وكثيرا ما يوجد اللحن في شعره.

هذا ما لم يكن الموضع موضع تفصيل ، فأمّا في التفصيل فيجوز ذلك ، وذلك مثل أن تقول : «كان الزيدان قائم وقاعد» ، تريد : أحدهما قائم والآخر قاعد ، أو منهما قاعد ومنهما قائم. فإنّما جاز ذلك لأنّ موضع التفصيل تقوى فيه الدلالة على الإضمار ، لأنّ معنى التفصيل يدل على أنّ المراد : أحدهما كذا والآخر كذا أو ما أشبه ذلك. وقد نصّ سيبويه على جواز ذلك ، ومما جاء من ذلك قوله [من الطويل] :

٢٦٦ ـ فأصبح من حيث التقينا شريدهم

طليق ومكتوف اليدين ومزعف

٢٦٥ ـ التخريج : البيت لزياد الأعجم في ديوانه ص ١١ ورواية الصدر فيه :

* إذا قلت : قد أقبلت أدبرت*

______________________

والشعر والشعراء ص ٤٣٧.

الإعراب : أمتها : فعل أمر مبني على السكون ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (أنت) ، و «ها» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به. لك : جار ومجرور متعلّقان بخبر مقدّم محذوف ، بتقدير (موجود لك الخير). الخير : مبتدأ مرفوع بالضمّة. أو أحيها : «أو» : حرف عطف ، «أحيها» : فعل أمر مبني على حذف حرف العلّة (الياء) ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (أنت) ، و «ها» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به. كمن : جار ومجرور متعلّقان بحال من مفعول (أحيها). ليس : فعل ماض ناقص ، واسم «ليس» : ضمير مستتر تقديره : (هو). غاد : مبتدأ خبره محذوف. ولا : «الواو» : للعطف ، «لا» : حرف نفي. رائح : معطوف على (غاد) مرفوع بالضمّة.

وجملة «أمتها» : ابتدائيّة لا محلّ لها. وجملة «أحيها» : معطوفة عليها لا محلّ لها. وجملة «ليس غاد» : صلة الموصول لا محلّ لها ، وجملة «غاد مع خبره المحذوف» : خبر (ليس) محلها النصب ، وجملة «لك الخير» : اعتراضية.

والشاهد فيه قوله : «ليس غاد ولا رائح» حيث جاء بـ (غاد) و (رائح) مرفوعين على أن (غاد) خبر لمبتدأ محذوف ، يكون معه جملة في محلّ نصب خبر (ليس). والصواب : ليس غاديا ولا رائحا.

(١) إصطخر : مدينة بفارس (معجم البلدان ١ / ٢١١).

٢٦٦ ـ التخريج : البيت للفرزدق في ديوانه ٢ / ٢٩ ؛ وجمهرة أشعار العرب ص ٨٨٨ ؛ وخزانة الأدب ٥ / ٣٦ ، ٣٨ ؛ والكتاب ٢ / ١٠. ـ

٣٩٦

يريد : منهم طليق ، ومنهم مكتوف اليدين ، ومنهم مزعف.

[١٣ ـ أقسام «كان»] :

وينبغي أن تعلم أنّ «كان» تنقسم ثلاثة أقسام : تامة ، وناقصة ، وزائدة. فالزائدة تزاد بين الشيئين المتلازمين كالعامل ، والمعمول ، والصلة ، والموصول ، ولا تزاد أولا ولا آخرا ، فمن ذلك قوله [من الوافر] :

٢٦٧ ـ سراة بني أبي بكر تساموا

على كان المسوّمة العراب

______________________

ـ اللغة : الشريد : المطرود. المزعف : المقتول مكانه ؛ زعفه : قتله مكانه.

المعنى : فجعلناهم شريدا وأسيرا وقتيلا في مكانه.

الإعراب : فأصبح : «الفاء» : بحسب ما قبلها ، «أصبح» : فعل ماض ناقص ، و «اسمها» : ضمير محذوف. من : حرف جر. حيث : ظرف مكان في محلّ جرّ بحرف الجر ، والجار والمجرور متعلّقان بـ (أصبح). التقينا : فعل ماض مبني على السكون ، و «نا» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. شريدهم : اسم (أصبح) ، و «هم» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. طليق : خبر مرفوع لمبتدأ محذوف. ومكتوف : «الواو» : حرف عطف ، «مكتوف» : معطوف على (طليق) مرفوع بالضمّة. اليدين : مضاف إليه مجرور بالياء لأنه مثنى. ومزعف : «الواو» : حرف عطف ، «مزعف» : معطوف على (مكتوف) مرفوع بالضمّة.

وجملة «أصبح ...» : بحسب الفاء. وجملة «التقينا» : في محلّ جرّ مضاف إليه. وجملة «طليق مع المبتدأ المحذوف» خبر (أصبح) محلها النصب.

والشاهد فيه قوله : «فأصبح ... شريدهم طليق» حيث جاء بـ (شريدهم) مرفوعا على أنه مبتدأ ، والجملة «من المبتدأ والخبر» في محلّ نصب خبر (أصبح).

٢٦٧ ـ التخريج : البيت بلا نسبة في الأزهية ص ١٨٧ ؛ وأسرار العربية ص ١٣٦ ؛ والأشباه والنظائر ٣ / ٣٠٣ ؛ وتخليص الشواهد ص ٢٥٢ ؛ وخزانة الأدب ٩ / ٢٠٧ ـ ٢١٠ ، ١٠ / ١٨٧ ؛ والدرر ٢ / ٧٩ ؛ ورصف المباني ص ١٤٠ ، ١٤١ ، ٢١٧ ، ٢٥٥ ؛ وشرح الأشموني ١ / ١١٨ ؛ وشرح التصريح ١ / ١٩٢ ؛ وشرح ابن عقيل ص ١٤٧ ؛ وشرح المفصل ٧ / ٩٨ ؛ ولسان العرب ١٣ / ٣٧٠ (كون) ؛ واللمع في العربية ص ١٢٢ ؛ والمقاصد النحويّة ٢ / ٤١ ؛ وهمع الهوامع ١ / ١٢٠.

شرح المفردات : السراة : ج السريّ ، وهو صاحب المروءة ، أو السيّد والشريف. المسوّمة : من الخيل التي جعلت لها علامة تعرف بها. العراب : الكريمة ، السالمة من الهجنة ويريد بـ «المسوّمة العراب» هنا : كلّ أصيل شريف.

المعنى : يقول : إن أسياد بني بكر وأشرافهم أسمى من كلّ سام وأشرف من كلّ شريف. ـ

٣٩٧

فزاد «كان» بين حرف الجر والمجرور. وحكي من كلامهم : «ولدت فاطمة بنت الخرشب الكملة من بني عبس لم يوجد كان أفضل منهم».

وفي «كان» هذه خلاف بين السيرافي والفارسيّ. فمذهب الفارسيّ أنّ فاعلها مضمر فيها وهو ضمير المصدر الدالّ عليه الفعل الذي هو «كان» ، كأنّك قلت : كان هو ، أي : كان الكون ، ويعني بالكون كون الجملة التي تزاد فيها.

ومذهب السيرافي أنّها لا فاعل لها ، وحجته أنّ الفعل إذا استعمل استعمال ما لا يحتاج إلى فاعل استغنى عن الفاعل ، دليل ذلك أنّ «قلّما» فعل ، لكن لما استعملته العرب للنفي ، فقالت : «قلّما يقوم زيد» ، في معنى : ما يقوم زيد ، لم تحتج إلى فاعل ، كما أن «ما» لا تحتاج إلى فاعل ، بل صارت بمنزلة الحروف التي تصحب الأفعال ، فتقول : «قلّما يقوم زيد» ، فكذلك «كان» ، لمّا زيدت للدلالة على الزمان الماضي صارت بمنزلة «أمس» ، فكما أنّ «أمس» لا يحتاج إلى فاعل فكذلك ما استعمل استعماله. فإن قيل : فقد حمل الخليل قوله [من الوافر] :

٢٦٨ ـ فكيف إذا مررت بدار قوم

وجيران لنا كانوا كرام

______________________

ـ الإعراب : «سراة» : مبتدأ مرفوع بالضمّة ، وهو مضاف. «بني» : مضاف إليه مجرور بالياء لأنّه ملحق بجمع المذكر السالم ، وهو مضاف. «أبي» : مضاف إليه مجرور بالياء لأنّه من الأسماء الستّة ، وهو مضاف. «بكر» : مضاف إليه مجرور بالكسرة. «تساموا» : فعل ماض مبني على الضم على الألف المحذوفة ، والواو : ضمير متصل في محل رفع فاعل ، والألف : للتفريق. «على» : حرف جرّ. «كان» : زائدة. «المسوّمة» : اسم مجرور ، والجار والمجرور متعلّقان بـ «تساموا». «العراب» : نعت «المسوّمة» مجرور بالكسرة.

وجملة : «سراة بني أبي بكر تساموا» ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة : «تساموا» في محلّ رفع خبر المبتدأ.

الشاهد فيه قوله : «على كان المسوّمة» حيث زاد «كان» بين الجار والمجرور.

٢٦٨ ـ التخريج : البيت للفرزدق في ديوانه ٢ / ٢٩٠ ؛ والأزهية ص ١٨٨ ؛ وتخليص الشواهد ص ٢٥٢ ؛ وخزانة الأدب ٩ / ٢١٧ ، ٢٢١ ، ٢٢٢ ؛ وشرح الأشموني ١ / ١١٧ ؛ وشرح التصريح ١ / ١٩٢ ؛ وشرح شواهد المغني ٢ / ٦٩٣ ؛ والكتاب ٢ / ١٥٣ ؛ ولسان العرب ١٣ / ٣٧٠ (كنن) ؛ والمقاصد النحويّة ٢ / ٤٢ ؛ والمقتضب ٤ / ١١٦ ؛ وبلا نسبة في أسرار العربيّة ص ١٣٦ ؛ والأشباه والنظائر ١ / ١٦٥ ؛ وأوضح المسالك / ٣٥٨ ؛ وشرح ابن عقيل ص ١٤٦ ؛ والصاحبي في فقه اللغة ص ١٦١ ؛ ولسان العرب ١٣ / ٣٦٧ (كون) ؛ ومغني اللبيب ١ / ٢٨٧.

المعنى : يتساءل الشاعر كيف يستطيع أن يمنع دموعه من الانهمار وقد تذكّر جيرانه الكرام. ـ

٣٩٨

على زيادة «كان» ، و «كان» الزائدة ليس لها فاعل ، وعند من يجعل لها فاعلا فإنّما يكون ضمير المصدر كما تقدّم ، و «كان» هذه قد اتصل بها ضمير «الجيران» ، فكيف يتصوّر فيها أن تكون زائدة؟

فالجواب : إنّه تصوّر ذلك على أن يكون أصل المسألة : وجيران لنا هم كرام ، على أن يكون «لنا» في موضع الصفة لـ «جيران» ، و «هم» فاعل بـ «لنا» ، على حد : «مررت برجل معه صقر صائدا به غدا» ، لأنّ سيبويه قد نصّ على أنّ «صقرا» مرفوع بـ «معه» لأنّه لو قدّر المجرور خبرا لـ «صقر» لكانت النيّة به التأخير ، لأنّ النيّة في الخبر أن يكون بعد المبتدأ ، وإذا كان صفة و «صقر» مرفوع به ، كان في موضع لا ينوى به التأخير ، واللفظ إذا أمكن أن يكون في موضعه لم يجز أن ينوى به الوقوع في غير موضعه ، ثمّ زيدت «كان» بين «لنا» و «هم» ، لأنّها تزاد بين العامل والمعمول ، فصار : «لنا كان هم» ، ثم اتّصل الضمير بـ «كان» وإن كانت غير عاملة فيه. لأنّ الضمير قد يتصل بغير عامله في الضرورة ، نحو قوله [من البسيط] :

٢٦٩ ـ وما علينا إذا ما كنت جارتنا

ألّا يجاورنا إلّاك ديّار

______________________

ـ الإعراب : «فكيف» : الفاء بحسب ما قبلها ، «كيف» : اسم استفهام مبنيّ في محلّ نصب حال من فاعل فعل محذوف ، أو خبر لفعل ناقص محذوف مع اسمه تقديره «كيف أكون». «إذا» : ظرف زمان مبني في محلّ نصب مفعول فيه متعلّق بجوابه. «مررت» : فعل ماض مبنيّ على السكون ، والتاء ضمير في محلّ رفع فاعل. «بدار» : جار ومجرور متعلّقان بـ «مررت» ، وهو مضاف. «قوم» : مضاف إليه مجرور. «وجيران» : الواو حرف عطف ، «جيران» : معطوف مجرور بالكسرة. «لنا» : جار ومجرور متعلّقان بمحذوف نعت لـ «جيران». «كانوا» : زائدة. «كرام» : نعت «جيران» مجرور بالكسرة.

وجملة «مررت» : في محل جر بالإضافة. وجملة «كيف أكون» بحسب ما قبلها.

الشاهد فيه قوله : «وجيران لنا كانوا كرام» حيث فصل بين الموصوف وهو «جيران» والصفة وهي «كرام» بـ «كانوا» الزائدة.

٢٦٩ ـ التخريج : البيت بلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ١٢٩ ؛ وأمالي ابن الحاجب ص ٣٨٥ ؛ وتخليص الشواهد ص ١٠٠ ؛ وخزانة الأدب ٥ / ٢٧٨ ، ٣٢٥ ؛ والخصائص ١ / ٣٠٧ ، ٢ / ١٩٥ ؛ والدرر ١ / ١٧٦ ؛ وشرح الأشموني ١ / ٤٨ ؛ وشرح شواهد المغني ص ٨٤٤ ؛ وشرح ابن عقيل ص ٥٢ ؛ وشرح المفصّل ٣ / ١٠١ ؛ ومغني اللبيب ص ٢ / ٤٤١ ؛ والمقاصد النحويّة ١ / ٢٥٣ ؛ وهمع الهوامع ١ / ٥٧.

شرح المفردات : ما علينا : أي لا يهمّنا ، لا نكترث. ديّار : أحد. ـ

٣٩٩

فالأصل «إلّا إياك» ، ثمّ وصل الضمير بـ «ألّا» اضطرارا وإن كانت غير عاملة فيه ، لأنّ الاستثناء منتصب عن تمام الكلام ، على ما سنبيّن في موضعه إن شاء الله تعالى ، وإذا اتصل الضمير بـ «ألّا» وهو حرف فالأحرى أن يتّصل بالفعل ، لأن الفعل أقوى في اتصال الضمير به من الحرف.

فإن قيل : وما الذي أحوج إلى تكلّف هذا؟ أعني أن يتصل الضمير بغير عامله ، وهلا جعل «لنا» في موضع خبر «كان» مقدّما ، وتكون الجملة في موضع الصفة لـ «جيران»؟ فالجواب : إنّه لو جعل خبر «كان» مقدّما ، لكانت النية به التأخير ، وعلى ما ذكرناه من زيادة «كان» يكون المجرور في موضعه.

فإن قيل : فلعلّ «لنا» في موضع الصفة لـ «جيران» ، و «كانوا» جملة من فعل وفاعل في موضع الصفة لـ «جيران» ، وتكون «لنا» على هذا في موضعها ، ولا تحتاج إلى ما ذكر من التكلف. فالجواب : إنّ «كان» إذا كانت تامة تكون بمعنى : حدث ، فإذا قلت : «كان عبد الله ، فالمعنى على هذا : خلق عبد الله ، وحدث عبد الله ، فيكون معنى : «كانوا على هذا» : خلقوا وحدثوا فيما مضى ، وذلك معلوم ، فتكون هذه الجملة فضلا لا معنى لها ، وإذا كان الإخلال يحتمل أن يكون في جانب اللفظ أو في جانب المعنى قدّر في جانب اللفظ لأنّ

______________________

ـ المعنى : يقول : لا يهمّنا ألّا يجاورنا أحد سواك ، لأنّ جوارك يغنينا عن جميع الناس.

الإعراب : «وما» : الواو بحسب ما قبلها ، و «ما» : حرف نفي. «علينا» : جار ومجرور متعلّقان بمحذوف خبر مقدّم لمبتدأ محذوف تقديره «ما علينا ضرر» أو نحوه. ويجوز أن يتعلّق الجار والمجرور بمحذوف خبر مقدّم والمصدر المؤوّل في «ألا يجاورنا» مبتدأ مؤخر. «إذا» : اسم شرط مبنيّ في محلّ نصب مفعول فيه متعلّق بجوابه. «ما» : زائدة. «كنت» : فعل ماض ناقص ، والتاء ضمير متّصل مبنيّ في محلّ رفع اسم «كان». «جارتنا» : خبر «كان» منصوب وهو مضاف ، و «نا» : ضمير متّصل مبنيّ في محلّ جر بالإضافة. «أن» : حرف نصب. «لا» : حرف نفي. «يجاورنا» : فعل مضارع منصوب بالفتحة ، و «نا» : ضمير متّصل في محل نصب مفعول به. «إلّاك» : إلّا : حرف استثناء ، والكاف ضمير متّصل مبنيّ في محلّ نصب على الاستثناء. «ديار» : فاعل مرفوع بالضمّة. ويجوز أن يكون المصدر المنسبك من «أن» وما بعدها منصوبا بنزع الخافض تقديره : «ما علينا في عدم مجاورة غيرك إيّانا ضرر».

وجملة «ما علينا ...» الاسمية بحسب ما قبلها. وجملة : «ما كنت جارتنا» في محلّ جر بالإضافة. وجملة «يجاورنا إلّاك» صلة الموصول الحرفي لا محل لها من الإعراب.

الشاهد فيه قوله : «إلاك» حيث اتصل الضمير بـ «إلّا» وإن كانت غير عاملة فيه.

٤٠٠