شرح جمل الزجّاجى - ج ١

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »

شرح جمل الزجّاجى - ج ١

المؤلف:

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-2263-0
ISBN الدورة:
2-7451-2263-0

الصفحات: ٥٨٤

١
٢

القسم الأوّل

ترجمة الزجّاجي وابن منصور

٣
٤

بسم الله الرحمن الرحيم

١ ـ ترجمة الزجّاجي (صاحب الجمل):

هو عبد الرحمن بن إسحاق ، أبو القاسم النهاونديّ ، من أهالي الصيمرة ، وهي بلدة في خوزستان. انتقل إلى بغداد ، ولزم أبا إسحاق الزجاج ، وقرأ عليه النحو ، فلقّب بالزجّاجيّ. ثمّ انتقل إلى الشام ، فأقام مدّة في حلب ، ثمّ أقام بدمشق ، وصنّف بها ، وأملى وحدّث عن الزجّاج ونفطويه وابن دريد وأبي بكر بن الأنباري والأخفش الصغير وغيرهم. وخرج مع ابن الحارث عامل الضياع الإخشيديّة ، فمات بطبريّة في شهر رمضان سنة ٣٣٧ ه‍ ، وقيل في رجب سنة ٣٣٩ ه‍ ، وقيل في رمضان سنة ٣٤٠ ه‍ بدمشق. كان إماما في النحو. روى عنه أحمد بن شرام النحويّ وغيره.

٢ ـ مؤلّفات الزجّاجيّ :

ـ الإبدال والمعاقبة والنظائر (١).

ـ الإيضاح في علل النحو (٢).

ـ الجزولية (٣)، وهي حواش على كتاب «الجمل» التالي.

ـ الجمل (٤).

ـ الزاهر (٥) في اللغة.

______________________

(١) الأعلام ٣ / ٢٩٩.

(٢) الوافي بالوفيات ١٨ / ١١٣ ؛ وبغية الوعاة ٢ / ٧٧ ؛ والأعلام ٣ / ٢٩٩.

(٣) الوافي بالوفيات ١٨ / ١١٢.

(٤) الوافي بالوفيات ١٨ / ١١٢ ؛ ووفيات الأعيان ٣ / ١٣٦ ؛ وإنباه الرواة ٢ / ١٦٠ ؛ وبغية الوعاة ٢ / ٧٧ ؛ والأعلام ٣ / ٢٩٩.

(٥) الأعلام ٣ / ٢٩٩.

٥

ـ شرح خطبة أدب الكاتب (١).

ـ شرح كتاب الألف واللام للمازني في النحو (٢).

ـ الكافي في النحو (٣).

ـ اللامات (٤).

ـ مجالس العلماء (٥).

ـ المخترع في القوافي (٦).

وله أمال حسنة جامعة لفنون الأدب من النحو واللغة والأشعار والأخبار (٧).

ومؤلف في النحو أوّله : «باب اشتغال الفعل عن المفعول بضميره» كتب سنة ٤٣٢ ه‍ بخطّ أندلسيّ ، وعليه قراءة سنة ٤٩٠ ه‍ ، وهو في ١٩٢ ص في خزانة الحسين بن محمد الإصريفيّ ببلدته إصريف في السوس» (٨).

٣ ـ مصادر ترجمة الزجاجيّ ومراجعها (٩) :

ـ الأعلام ٣ / ٢٩٩.

ـ إنباه الرواة ٢ / ١٦٠ ـ ١٦١.

ـ البداية والنهاية ١١ / ٢٣٩.

ـ بغية الوعاة ٢ / ٧٧.

ـ روضات الجنات ص ٤٢٠.

ـ شذرات الذهب ٢ / ٣٥٧

ـ كشف الظنون ص ٤٨ ، ٢١٠ ، ٦٠٣ ، ٩٤٧ ، ١٣٩٦ ، ١٣٩٧ ، ١٤٢٢ ، ١٥٣٥ ، ٢/١٠٥.

ـ المختصر في أخبار البشر ٢ / ١٠٥.

ـ مرآة الجنان ٢ / ٣٣٢.

ـ معجم المؤلفين ٥ / ١٢٤.

ـ المعجم المفصل في النحو ١ / ٣٧٤.

ـ الوافي بالوفيات ١٨ / ١١٢ ـ ١١٣.

ـ وفيات الأعيان ٣ / ١٣٦.

______________________

(١) الوافي بالوفيات ١٨ / ١١٣ ؛ وإنباه الرواة ٢ / ١٦٠ ؛ وبغية الوعاة ٢ / ٧٧ ؛ والأعلام ٣ / ٢٩٩.

(٢) الوافي بالوفيات ١٨ / ١١٣ ؛ وبغية الوعاة ٢ / ٧٧ ؛ والأعلام ٣ / ٢٩٩.

(٣) الوافي بالوفيات ١٨ / ١١٣ ؛ وبغية الوعاة ٢ / ٧٧.

(٤) الوافي بالوفيات ١٨ / ١١٣ ؛ وبغية الوعاة ٢ / ٧٧.

(٥) الأعلام ٣ / ٢٩٩. (٦) الوافي بالوفيات ١٨ / ١١٣ ؛ وبغية الوعاة ٢ / ٧٧ ؛ والأعلام ٣ / ٢٩٩.

(٧) الوافي بالوفيات ١٨ / ١١٣ ؛ وبغية الوعاة ٢ / ٧٧ ؛ والأعلام ٣ / ٢٩٩.

(٨) الأعلام ٣ / ٢٩٩. (٩) وقد رتبناها ترتيبا ألفبائيا.

٦

٤ ـ ترجمة ابن عصفور :

هو أبو الحسن عليّ بن مؤمن بن محمد بن علي بن أحمد بن محمد بن أحمد بن عمر بن عبد الله بن منظور الحضرميّ الإشبيليّ. ولد في إشبيلية سنة ٥٩٧ ه‍ ، وقيل سنة ٥٧٧ ه‍.

تلقّى علوم العربيّة على أشهر علماء عصره ، وعلى رأسهم أبو علي الشلوبين الذي لازمه ابن عصفور عشر سنين إلى أن ختم عليه كتاب سيبويه. وكان أصبر الناس على المطالعة. ثمّ كان بينه وبين شيخه أبي علي الشلوبين منافرة ومقاطعة ، فجال بالأندلس ، فأقرأ بإشبيلية وشريش ومالقة ولورقة ومارسية حاملا لواء العربيّة.

وبالرغم من علوّ قدر ابن عصفور ومكانته في العلم ، لم يكن ذي ورع ، وذكر أنّه جلس في مجلس شراب ، فلم يزل يرجم بالنارنج حتى مات. واختلف الرواة في تحديد سنة وفاته ، فقيل سنة ٦٦٣ ه‍ ، وأغلب المصادر على أنه توفي سنة ٦٦٩ ه‍ وقد رثاه القاضي ناصر الدين بن المنيّر بقوله [من الرمل] :

أسند النحو إلينا الدّؤلي

عن أمير المؤمنين البطل

بدأ النحو عليّ وكذا

قل بحقّ ختم النحو علي(١)

ومن شعره [من البسيط] :

لمّا تدنّست بالتفريط في كبري

وصرت مغرى بشرب الراح واللعس

رأيت أنّ خضاب الشّيب أستر لي

إنّ البياض قليل الحمل للدّنس (٢)

٥ ـ مؤلّفات ابن عصفور :

لابن عصفور كتب كثيرة في اللغة والنحو والصرف والعروض ، وهي بحسب ترتيبها الألفبائيّ :

ـ الأزهار (٣).

ـ إنارة الدياجي (٤).

ـ إيضاح المشكل ، وهو شرح كتاب «المغرب» للمطرزي (٥).

______________________

(١) بغية الوعاة ٢ / ٢١٠.

(٢) الوافي بالوفيات ٢٢ / ٢٦٧ ؛ وفوات الوفيات ٣ / ١١٠ ؛ وبغية الوعاة ٢ / ٢١٠.

(٣) فوات الوفيات ٣ / ٢١٠ ؛ والوافي بالوفيات ٢٢ / ٢٦٦ ؛ وهدية العارفين ص ٧١٢.

(٤) فوات الوفيات ٣ / ٢١٠ ؛ والوافي بالوفيات ٢٢ / ٢٦٦ ؛ وهدية العارفين ص ٧١٢.

(٥) تاريخ الأدب العربي ٥ / ٣٦٦.

٧

ـ البديع ، وهو شرح للجزوليّة(١)

ـ السالف والعذار ، أو مفاخرة السالف والعذار (٢).

ـ سرقات الشعراء (٣).

ـ السلك والعنوان ومرام اللؤلؤ والعقيان (٤)

ـ شرح أبيات الإيضاح (٥)

ـ شرح الأشعار الستّة (٦)، ولم يكمله.

ـ شرح الإيضاح (٧).

ـ شرح مقدمة الجزولية (٨).

ـ شرح الجمل (٩).

ـ شرح الحماسة (١٠)، ولم يكمله.

ـ شرح كتاب سيبويه (١١).

ـ شرح المتنبّي (١٢).

ـ شرح المقرب (١٣)، ولم يتمّه.

ـ الضرائر (١٤).

ـ مختصر الغرّة (١٥).

______________________

(١) فوات الوفيات ٣ / ١١٠ ؛ والوافي بالوفيات ٢٢ / ٢٦٧ ؛ وشذرات الذهب ٥ / ٣٣١ ؛ وهدية العارفين ص ٧١٢.

(٢) فوات الوفيات ٣ / ١١٠ ؛ والوافي بالوفيات ٢٢ / ٢٦٦ ؛ وهدية العارفين ص ٧١٢.

(٣) فوات الوفيات ٣ / ١١٠ ؛ والوافي بالوفيات ٢٢ / ٢٦٧.

(٤) تاريخ الأدب العربي ٥ / ٣٦٦.

(٥) عنوان الدراية ص ١٨٩.

(٦) بغية الوعاة ٢ / ٢١٠ ؛ وفوات الوفيات ٣ / ١١٠ ؛ والوافي بالوفيات ٢٢ / ٢٦٧ ؛ وشذرات الذهب ٥ / ٣٣١ ؛ وهدية العارفين ص ٧١٢.

(٧) عنوان الدراية ص ١٨٩.

(٨) بغية الوعاة ٢ / ٢١٠ ؛ وهدية العارفين ص ٧١٢.

(٩) وقيل : له ثلاثة شروح عليه. انظر : بغية الوعاة ٢ / ٢١٠ ؛ وهدية العارفين ص ٧١٢.

(١٠) فوات الوفيات ٣ / ١١٠ ؛ والوافي بالوفيات ٢٢ / ٢٦٧.

(١١) الذيل والتكملة ص ٤١٣.

(١٢) فوات الوفيات ٣ / ١١٠ ؛ والوفي بالوفيات ٢٢ / ٢٦٧ ؛ وهدية العارفين ص ٧١٢.

(١٣) بغية الوعاة ٢ / ٢١٠ ؛ وفوات الوفيات ٣ / ١١٠ ؛ والوافي بالوفيات ٢٢ / ٢٦٧ ؛ وشذرات الذهب ٥ / ٣٣١.

(١٤) صدر بتحقيق إبراهيم محمد عن دار الأندلس ببيروت.

(١٥) فوات الوفيات ٣ / ١١٠ ؛ والوافي بالوفيات ٢٢ / ٢٦٦.

٨

ـ مختصر المحتسب (١)

ـ المفتاح (٢).

ـ مقدّمة في النحو وشرحها (٣).

ـ المقرب (٤).

ـ المقنع (٥).

ـ الممتع في التصريف (٦).

ـ منظومة في النحو (٧).

ـ الهلال (٨).

٦ ـ مصادر ترجمة ابن عصفور ومراجعها (٩) :

ـ الأعلام ٥ / ٢٧.

ـ إيضاح المكنون ١ / ٥٢٧.

ـ البداية والنهاية ١١ / ٢٣٩.

ـ بغية الوعاة ٢ / ٢١٠.

ـ تاريخ الأدب العربي ٥ / ٣٦٦ ـ ٣٦٧.

ـ روضات الجنات ص ٤٩٣

ـ شذرات الذهب ٥ / ٣٣٠ ـ ٣٣١.

ـ عنوان الدراية ص ١٨٨ ـ ١٩٠.

ـ فوات الوفيات ٣ / ١٠٩ ـ ١١٠.

ـ كشف الظنون ص ٥٢٧ ، ٦٠٣ ، ١٠٤١ ، ١٦١٢ ، ١٨٠١ ، ١٨٠٥ ، ١٨٢٢.

ـ معجم المؤلفين ٧ / ٢٥١

ـ المعجم المفصل في اللغويين العرب ١ / ٤٧٣.

______________________

(١) بغية الوعاة ٢ / ٢١٠ ؛ وفوات الوفيات ٣ / ١١٠ ؛ والوافي بالوفيات ٢٢ / ٢٦٦.

(٢) فوات الوفيات ٣ / ٢١٠ ؛ والوافي بالوفيات ٢٢ / ٢٦٦ ؛ وهدية العارفين ص ٧١٢.

(٣) هدية العارفين ص ٧١٢.

(٤) صدر في بغداد سنة ١٩٧١ م بتحقيق أحمد عبد الستار الجواري وعبد الله الجبوري.

(٥) تاريخ الأدب العربي ٥ / ٣٦٦.

(٦) صدر بتحقيق فخر الدين قباوة سنة ١٩٧٠ م عن دار الآفاق الجديدة ببيروت.

(٧) تاريخ الأدب العربي ٥ / ٣٦٧.

(٨) فوات الوفيات ٣ / ٢١٠ ؛ والوافي بالوفيات ٢٢ / ٢٦٦ ؛ وهدية العارفين ص ٧١٢.

(٩) وقد رتبناها ترتيبا ألفبائيّا.

٩

ـ مفتاح السعادة ١ / ١١٨.

ـ الوافي بالوفيات ٢٢ / ٢٦٥ ـ ٢٦٧.

ـ هدية العارفين ص ٧١٢.

٧ ـ كتاب الجمل :

حظي كتاب الجمل بشهرة قلّما حظي بها كتاب نحويّ آخر ، إذ أقبل عليه طلّاب النحو في مختلف الأقطار العربيّة حتّى صار كتابا للمصريين وأهل المغرب وأهل الحجاز واليمن والشام (١). وأقبل عليه العلماء يضعون عليه الشروحات والتعليقات ، أو يشرحون شواهده ، حتى وضع له في المغرب مئة وعشرون شرحا (٢).

ويعود سبب اهتمام العلماء به إلى كونه كتابا مختصرا يشمل أبواب النحو والصرف كافّة خاليا من التعليلات الفلسفيّة ، ومرتّب الأبواب. كذلك قيل عنه : إنّه كتاب مبارك فيه ، لم يشتعل به أحد إلّا انتفع به ، فقد كتبه الزجاجيّ عند ما كان مجاورا بمكة ، وكان إذا فرغ من باب طاف أسبوعا ، ودعا الله أن يغفر له وأن ينفع به قارئه (٣).

ومن الذين شرحوه (٤):

ـ أبو محمد عبد الله بن السيد البطليوسي (٥٢١ ه‍) سمّاه «إصلاح الخلل الواقع في الجمل».

ـ طاهر بن أحمد المعروف بابن بابشاذ النحوي (٤٥٤ ه‍) وعلى هذا الشرح ردّ لابن الخشاب عبد الله بن أحمد البغدادي (٥٦٧ ه‍).

ـ أبو علي الحسين بن عبد العزيز الفهري البلنسي (٦٧٩ ه‍).

ـ أبو بكر محمد بن عبد الله العبقريّ القرطبي (٥٦٧ ه‍).

ـ أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله السهيلي (٥٨١ ه‍).

ـ أبو القاسم الحسين بن الوليد المعروف بابن العريف (٣٩٠ ه‍).

ـ أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد الغافقي (٧١٠ ه‍).

ـ أبو الحجاج يوسف بن سليمان المعروف بالأعلم الشنتمري (٤٧٦ ه‍) ، وله شرح أبياته أيضا.

______________________

(١) إنباه الرواة ٢ / ١٦١.

(٢) شذرات الذهب ٢ / ٣٥٧.

(٣) كشف الظنون ص ٦٠٣ ؛ والوافي بالوفيات ١٨ / ١١٢ ؛ ووفيات الأعيان ٣ / ١٣٦.

(٤) كشف الظنون ص ٦٠٣ ـ ٦٠٤.

١٠

ـ أبو الفتوح ثابت بن محمد الجرجاني الأندلسي (٤٣١ ه‍).

ـ محمد بن علي الشامي الغرناطي (٧١٥ ه‍).

ـ علي بن قاسم بن الدقاق الإشبيلي (٦٠٥ ه‍).

ـ أبو الحسن علي بن أحمد بن باذش الغرناطي (٥٢٨ ه‍).

ـ علي بن محمد بن الضائع الكناني (٦٨٠ ه‍).

ـ قاسم بن محمد الواسطيّ.

ـ أبو عبد الله محمد بن علي بن حميدة الحلبي (٥٥٠ ه‍).

ـ خلف بن فتح القيسي (٤٣٤ ه‍) ، وهو شرح مشكله.

ـ علي بن عبد الله الوهراني (٦١٥ ه‍).

ـ أبو العلاء أحمد بن عبد الله المعرّي (٤٤٩ ه‍) ، وقد شرح شواهده ، وسمّاه «عون الجمل».

ـ أبو العبّاس أحمد بن عبد الجليل التدمري (٥٥٥ ه‍) ، وقد شرح أبياته.

ـ جمال الدين عبد الله بن يوسف بن هشام النحوي (٧٦٢ ه‍) ، وقد شرح شواهده.

ومن الحواشي عليه تعليقة أبي موسى عيسى بن عبد العزيز الجزولي (٦٧٧ ه‍).

٨ ـ كتاب «شرح الجمل» :

يعتبر هذا الكتاب من أشهر كتب شروح الجمل إن لم نقل أشهرها ، وهو في الوقت نفسه من أشهر كتب ابن عصفور إن لم يكن أشهرها أيضا.

سار ابن عصفور في شرحه وفق المنهج الذي اختطّه الزجّاجي لنفسه في كتابه «الجمل». وهذا أمر بديهيّ بالنسبة لكتاب وضع شرحا لكتاب آخر. وقد قسّم الزجّاجي كتابه إلى مجاميع أو طوائف نحويّة وصرفيّة ولغويّة ، مبتدئا بالأبواب النحويّة التي يتّضح فيها دور العامل ومنتهيا بمسائل تدور حول الإدغام والحروف المهموسة والمجهورة ونحوها.

وليس هناك بين «الجمل» و «شرحه» لابن عصفور أيّ اختلاف من ناحية التقديم والتأخير ؛ وكلّ ما نلحظه من فروقات بين الكتابين يعود إلى أنّ ابن عصفور زاد بعض المسائل ، وحذف بعضها الآخر ، ووحّد بعض الأبواب.

فمن حيث الزيادة زاد ابن عصفور باب عطف البيان ، وباب الاخبار. أمّا من ناحية الحذف ، فقد أهمل أبواب أبنية المصادر ، واشتقاق اسم المصدر ، واسم المكان ، وأبنية الأسماء ، وأبنية الأفعال ، والتصريف ، والإدغام ، والحروف المهموسة ، والحروف

١١

المجهورة. وقد أفرد لهذه الأبواب كتابا خاصّا سمّاه «الممتع في التصريف».

وقد وحّد ابن عصفور أبواب جمع التكسير تحت عنوان واحد ، وهي في كتاب الزجاجي ثمانية أبواب ، وتناول موضوع الموصولات جملة واحدة في حين أنّ الزجّاجي عرض لها في موضعين من كتابه.

وكذلك قسّم ابن عصفور أبواب «الجمل» إلى فصول أو أقسام كلّما رأى ضرورة في ذلك ، فقد قسّم التثنية ثلاثة أقسام : تثنية في اللفظ والمعنى ، وتثنية في اللفظ لا في المعنى ، وتثنية في المعنى لا في اللفظ ، كذلك قسّم المثنّى إلى قسمين : منقوص وغير منقوص ، والجمع إلى أربعة أقسام : جمع سلامة ، وجمع تكسير ، واسم جنس ، واسم جمع. وكان ابن عصفور ذا قدرة كبيرة في التقسيم والتبويب والعرض والاستنتاج ، وقد شهد له النقّاد بهذه القدرة التنظيميّة(١).

ولا بدّ من الإشارة أخيرا إلى أنّ ابن عصفور لم يحرص في شرحه ، كما هي عادة شرّاح المتون ، على إيراد المتن (متن الجمل) ثمّ يعرض له بالشرح ، بل إنه ـ فيما عدا الأبواب الثلاثة الأولى ـ أهمل نصّ الزجّاجيّ إهمالا يكاد أن يكون تاما ، فلا يورد من عبارته شيئا إلّا في معرض مخالفته له في رأي أو مسألة ، حتى يكاد القارىء يحسب أنه لا يقرأ شرحا لكتاب الجمل ، بل مصنّفا مبتكرا من مصنّفات النحو ، وخاصة أنّ ابن عصفور خالف الزجّاجيّ في الكثير من الآراء النحويّة والصرفيّة واللغويّة (٢).

______________________

(١) عنوان الدراية ص ١٩٠.

(٢) انظر : منهج ابن عصفور الإشبيلي في النحو والتصريف. ص ٩٣ ـ ٩٥.

١٢

القسم الثاني

كتاب شرح الجمل

١٣
١٤

بسم الله الرحمن الرحيم

[باب أقسام الكلام]

اللهم يسر يا كريم

[١ ـ أقسام الكلام] :

قول أبي القاسم(١) : أقسام الكلام ثلاثة ...

مضاف ومضاف إليه ، ولا يعلم المضاف من حيث هو مضاف حتى يعلم ما أضيف إليه ، فكان ينبغي أن يبيّن ما أراد بالكلام ، وحينئذ يأخذ بعد ذلك في تبيين أقسامه ، لأنّ الكلام ، بالنظر إلى اللغة ، لفظ مشترك بين معان كثيرة ، منها المعاني التي في النفس ، دليل ذلك قول الأخطل [من الكامل] :

١ ـ إنّ الكلام لفي الفؤاد وإنّما

جعل اللسان على الفؤاد دليلا

______________________

(١) هو الزجاجي نفسه.

١ ـ التخريج : البيت للأخطل في شرح شذور الذهب ص ٣٥ ؛ ولم أقع عليه في ديوانه ؛ وبلا نسبة في شرح المفصل ١ / ٢١.

اللغة : الفؤاد : القلب ، وقيل : وسطه ، وقيل : غشاؤه.

المعنى : الكلام الحقيقي هو الكلام الصادر عن القلب فعلا ، وما اللسان إلّا رسول للناس بما يصدر عن القلب.

الإعراب : إن : حرف مشبه بالفعل. الكلام : اسم (إنّ) منصوب بالفتحة. لفي : «اللام» : هي اللام المزحلقة ، وحذف الخبر بعدها ، «في» : حرف جر. الفؤاد : اسم مجرور بفي ، والجار والمجرور متعلقان بالخبر المحذوف ، بتقدير (إن الكلام لموجود في الفؤاد). وإنما : «الواو» : استئنافية ، «إنما» : كافّة ومكفوفة. جعل : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح. اللسان : نائب فاعل مرفوع بالضمة. على الفؤاد : جار ومجرور متعلقان بـ (دليلا). دليلا : مفعول به ثان منصوب بالفتحة.

وجملة «إن الكلام ...» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «جعل» : استئنافية لا محلّ لها.

وقد ذكر البيت هنا للاستشهاد على معاني النفس ، أو على أن الكلام قد لا يكون ظاهرا مسموعا.

١٥

ومنها ما يفهم من حال الشيء ، ودليله قوله [من الرجز] :

٢ ـ يا ليتني أوتيت علم الحكل

علم سليمان كلام النّمل

لأنّه يقال : إنّ سليمان عليه‌السلام كان يفهم من دبيب النمل ما يفهم المخاطب من الكلام. ومن الدليل على ذلك أيضا قول زهير [من الطويل] :

٣ ـ أمن أمّ أوفى دمنة لم تكلّم

[بحومانة الدّرّاج فالمتثلّم]

______________________

٢ ـ التخريج : الرجز لرؤبة بن العجاج في ديوانه ص ١٣١ ؛ ولسان العرب ١١ / ١٦٢ (حكل) ، ٥٢٧ (فطحل) ؛ وتهذيب اللغة ٤ / ١٠١ ؛ وجمهرة اللغة ص ٥٦٢ ؛ ومجمل اللغة ٢ / ٩٤ ؛ وتاج العروس (حكل) ، (فطحل) ؛ وبلا نسبة في المخصص ٢ / ١٢٢ ؛ وديوان الأدب ١ / ١٥٨ ؛ ومقاييس اللغة ٢ / ٩١.

اللغة : الحكل : كلّ ما لا يظهر صوتا مفهوما ، والحكلة كالعجمة : ما لا تفهمه من الأصوات. سليمان : هو النبي سليمان الحكيم.

المعنى : يتمنّى لو أنه تعلّم كيف يفهم أصوات الطيور والحيوانات ، كما كان النبي سليمان يفهم من الطير والنمل وغيرها.

الإعراب : يا ليتني : «يا» : حرف نداء وتنبيه ، «ليت» : من أخوات (إنّ) ، «النون» : للوقاية ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ نصب اسم (ليت). أوتيت : فعل ماض مبني للمجهول مبني على السكون ، و «التاء» : ضمير متصل في محلّ رفع نائب فاعل. علم : مفعول به ثان منصوب بالفتحة. الحكل : مضاف إليه مجرور بالكسرة. علم : بدل من (علم) منصوب بالفتحة. سليمان : مضاف إليه مجرور بالفتحة لأنه ممنوع من الصرف. كلام : مفعول به منصوب للمصدر (علم). النمل : مضاف إليه مجرور بالكسرة والبيت كلّه جملة ابتدائية لا محلّ لها وجملة «أوتيت» في محل رفع خبر (ليت).

وجاء بالبيت شاهدا على أن الكلام قد يفهم من حال الشيء ، لا من صوته.

٣ ـ التخريج : البيت لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص ٤ ؛ ولسان العرب ٢ / ٢٧٠ (درج) ، ١٢ / ٧٩ (ثلم) ، ١٣ / ١٢٨ (حمن) ؛ وتهذيب اللغة ٥ / ١٢١ ، ٢٧٨ ؛ وجمهرة اللغة ص ٤٤٧ ، ١٣١٣ ؛ وتاج العروس ٥ / ٥٥٥ (درج) ، (ثلم) ، (حمن).

اللغة : أمّ أوفى : كنية امرأة الشاعر. الدمنة : ما اسودّ من بعر ورماد. الحومانة : الأرض الغليظة ، أو القطعة من الرمل. حومانة الدراج : اسم مكان ، وكذلك المتثلّم.

المعنى : أتراها تتكلّم آثار منازل حلوتي أمّ أوفى في موضعي حومانة الدراج والمتثلّم؟! وقد امّحت هذه الآثار فلم تعد تحدّث بشيء.

الإعراب : أمن : «الهمزة» : حرف استفهام ، «من» : حرف جر. أمّ : اسم مجرور بمن ، والجار والمجرور متعلّقان بخبر محذوف ، بتقدير (أموجودة من أمّ أو فى دمنة). أوفى : مضاف إليه مجرور بكسرة مقدّرة على الألف. دمنة : مبتدأ مرفوع بالضمّة. لم تكلم : «لم» : حرف جزم وقلب ونفي ، «تكلم» : فعل مضارع مجزوم ، وحرّك بالكسر لضرورة القافية ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هي). بحومانة : جار ـ

١٦

أي : ليس لها أثر يستبان لقدم عهدها بالنزول ، ولو كان لها أثر يستبان لكان ما تبيّن من أثرها كلاما لها.

ومما يدلّ على أنّ المعنى القائم في النفس وما يفهم من حال الشيء يسمى كلاما ، تسميتهم إيّاهما قولا. قال الله تعالى : (وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْ لا يُعَذِّبُنَا اللهُ) (١). فجعل المعاني التي في النفس قولا. وقال النابغة [من البسيط] :

٤ ـ قالت له النّفس إنّي لا أرى طمعا

[وإنّ مولاك لم يسلم ولم يصد]

فأضاف القول إلى النفس. وقال تعالى : (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ

______________________

ـ ومجرور متعلّقان بصفة ثانية لـ (دمنة) أو بحال من فاعل (تكلم). الدراج : مضاف إليه مجرور بالكسرة. فالمتثلم : «الفاء» : للعطف ، «المتثلم» : اسم معطوف على (الدراج) مجرور بالكسرة.

وجملة «أموجودة دمنة» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «لم تكلّم» : في محل رفع صفة لـ (دمنة).

وجاء بالبيت شاهدا على ما يفهم من حال الشيء ، فزهير بن أبي سلمى أوضح أنّ الآثار قد زالت فلم يبق منها ما «يتكلّم».

(١) المجادلة : ٨.

٤ ـ التخريج : البيت للنابغة الذبياني في ديوانه ص ٢٠ ؛ وخزانة الأدب ٣ / ١٨٧ ؛ وبلا نسبة في الخصائص ٢ / ٤٧٦.

المعنى : همس في نفسه لا أرى لك مطمعا فيما تقاتل من أجله ، وصاحبك لم يقدر على الصيد ، ولم يسلم ، فالفرار أولى لك. يتحدّث زياد بن عمرو (النابغة الذبياني) عن قتال الكلاب مع الثور.

الإعراب : قالت : فعل ماض مبني على الفتح ، و «التاء» : للتأنيث. له : جار ومجرور متعلقان بـ (قالت). النفس : فاعل مرفوع بالضمة. إني : «إن» : حرف مشبّه بالفعل ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ نصب اسم «إنّ». لا أرى : «لا» : حرف نفي ، «أرى» : فعل مضارع مبني على الفتح ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (أنا). طمعا : مفعول به منصوب بالفتحة. وإنّ : «الواو» : للعطف ، «إن» : حرف مشبّه بالفعل.

مولاك : اسم «إن» : منصوب بفتحة مقدّرة على الألف ، و «الكاف» : ضمير متصل في محلّ جرّ مضاف إليه. لم يسلم : «لم» : حرف جزم وقلب ونفي ، «يسلم» : فعل مضارع مجزوم بالسكون ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). ولم يصد : «الواو» : للعطف ، «لم» : حرف جزم ونفي وقلب ، «يصد» : فعل مضارع مجزوم ، وحرّك بالكسرة لضرورة القافية.

وجملة «قالت له النفس» : جواب شرط غير جازم ، لا محلّ لها. (فعل الشرط في البيت السابق). وجملة «إني لا أرى» : في محلّ نصب مفعول به (مقول القول). وجملة «لا أرى» : في محلّ رفع خبر (إنّ). وجملة «وإن مولاك ...» : معطوفة على جملة «إني لا أرى» في محلّ نصب. وجملة «لم يسلم» : في محلّ رفع خبر «إن». وجملة «لم يصد» : معطوفة على سابقتها في محلّ رفع.

وجاء بالبيت شاهدا على أن نجوى النفس وهي لا تسمع تدعى قولا.

١٧

مَزِيدٍ) (١). فأضاف القول إلى جهنّم مجازا. وقال الشاعر [من الرجز] :

٥ ـ امتلأ الحوض وقال : قطني

[مهلا رويدا قد ملأت بطني]

فأضاف القول إلى الحوض.

ومنها الإشارة ، وعليه قوله [من الطويل] :

٦ ـ إذا كلّمتني بالعيون الفواتر

رددت عليها بالدّموع البوادر

______________________

(١) ق : ٣٠.

٥ ـ التخريج : الرجز بلا نسبة في إصلاح المنطق ص ٥٧ ، ٣٤ ؛ وأمالي المرتضى ٢ / ٣٠٩ ؛ وتخليص الشواهد ص ١١١ ؛ وجواهر الأدب ص ١٥١ ؛ والخصائص ١ / ٢٣ ؛ ورصف المباني ص ٣٦٢ ؛ وسمط اللآلي ص ٤٧٥ ؛ وشرح الأشموني ١ / ٥٧ ؛ وشرح المفصل ١ / ٨٢ ، ٢ / ١٣١ ، ٣ / ١٢٥ ؛ وكتاب اللامات ص ١٤٠ ؛ ولسان العرب ٧ / ٣٨٢ (قطط) ، ١٣ / ٣٤٤ (قطن) ؛ ومجالس ثعلب ص ١٨٩ ؛ والمقاصد النحوية ١ / ٣٦١.

اللغة : قطني : اسم فعل بمعنى يكفي ، أو اسم بمعنى حسبي. رويدا : مهلا.

المعنى : امتلأ الحوض تماما حتى كأنه تكلم فقال : كفاني ما صببت في جوفي ، فتمهل فقد ملأت بطني.

الإعراب : «امتلأ» : فعل ماض مبني على الفتح. «الحوض» : فاعل مرفوع بالضمّة. «وقال» : «الواو» : حرف عطف ، «قال» : فعل ماض مبني على الفتح ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). «قطني» : اسم فعل مضارع مبني على السكون ، و «النون» : للوقاية ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). «مهلا» : مفعول مطلق لفعل محذوف تقديره (تمهّل). «رويدا» : مفعول مطلق لفعل محذوف تقديره (أرود). «قد» : حرف تحقيق. «ملأت» : فعل ماض مبني على السكون ، و «التاء» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. «بطني» : مفعول به منصوب بالفتحة المقدّرة على ما قبل ياء المتكلّم ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة.

وجملة «امتلأ الحوض» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة : «قال» : معطوفة عليها لا محلّ لها. وجملة «قطني» : في محلّ نصب مفعول به (مقول القول). وجملة : «تمهل مهلا» استئنافية لا محل لها. وجملة : «أرود رويدا» : كالسابقة. وجملة «قد ملأت» : استئنافية لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «وقال : قطني» حيث أضاف القول إلى «الحوض» مجازا.

٦ ـ التخريج : لم أقع عليه فيما عدت إليه من مصادر.

اللغة : العين الفاترة : ضعيفة الجفن ، أو غير الحادّة النظر. البوادر : جمع بادرة وهي المسرعة ، يقال : بادر مبادرة وبدر إليه : عاجله.

المعنى : إذا أشارت إلىّ بعيونها الناعسة ، فهمت أنها مسافرة ، فأجبتها بدموعي المنحدرة بسرعة. ـ

١٨

فجعل الإشارة بالعين كلاما.

ومنه الخطّ ، ودليله تسمية المكتوب بين دفّتي المصحف كلام الله تعالى. وتقول : «رأيت كلاما» ، وإن كنت إنّما رأيت خطا منبئا عن كلام.

ومنها اللفظ المركب غير المفيد ، يقال : «تكلّم» ، وإن لم يفد ، ومنها اللفظ المركب المفيد بغير الوضع ، يقال : «تكلّم ساهيا ونائما» ، ومعلوم أنّ الساهي والنائم لم يضعا لفظهما للإفادة ولا قصداها.

ومنها اللفظ المركّب المفيد بالوضع ، وهذا الأخير هو الذي أراد أبو القاسم بالكلام ، لأنّ هذا هو الذي اصطلح النحويون على تسميته كلاما. ألا ترى أنّ النحويّين إنما يتكلمون في أحكام هذا القسم الأخير ولا يتكلمون في أحكام الإشارة ، ولا غير ذلك مما يسمّى كلاما والعذر له ، في أن لم يبيّن ما أراد بالكلام الإحالة على العرف بالكلام ، إذ الكلام عرفا ، إنّما هو هذا القسم الأخير وأراد بالأقسام الأجزاء أو المواد التي يأتلف منها الكلام ، وذلك تسامح منه ، لأنّ الأقسام إنّما تطلق على ما يصدق عليه اسم المقسوم ، واسم المقسوم هنا وهو الكلام ، لا يصدق على الاسم ولا على الفعل ولا على الحرف.

ويترتب على قوله : أقسام الكلام ثلاثة أسئلة :

الأول : ما الدليل على أنّ هذه الثلاثة خاصة؟ بل لعلّها أزيد.

الثاني : كيف قال : اسم وفعل وحرف ، فأفرد. وإنّما أقسام الكلام : الأسماء والأفعال والحروف كلّها؟

الثالث : لم خصّ بـ «مجيئه لمعنى» الحرف ، والاسم والفعل قد جاءا لمعنى؟

______________________

ـ الإعراب : إذا : ظرف لما يستقبل من الزمان ، متضمّن معنى الشرط متعلق بالفعل (رددت). كلّمتني : فعل ماض مبني على الفتح ، و «التاء» : للتأنيث ، و «النون» : للوقاية ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هي). بالعيون : جار ومجرور متعلقان بـ (كلمتني). الفواتر : صفة (العيون) مجرورة بالكسرة. رددت : فعل ماض مبني على السكون ، و «التاء» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. عليها : جار ومجرور متعلقان بـ (رددت). بالدموع : جار ومجرور متعلقان بـ (رددت). البوادر : صفة (الدموع) مجرورة بالكسرة.

وجملة «كلمتني» : في محلّ جرّ بالإضافة. وجملة «رددت» : لا محلّ لها (جواب شرط غير جازم). وجملة «إذا كلمتني ... رددت» ابتدائية لا محل لها.

وجاء بالبيت شاهدا على أن الإشارة من أجناس الكلام أيضا.

١٩

والجواب عن الأول أن تقول : اللفظ الذي يكون جزء كلام لا يخلو من أن يدلّ على معنى أو لا يدلّ ، وباطل ألّا يدلّ على معنى أصلا فإنّ ذلك عبث. فإن دلّ ؛ فإما أن يدلّ على معنى في نفسه أو في غيره ، فإن دلّ على معنى في غيره فهو حرف ، وإن دلّ على معنى في نفسه فلا يخلو أن يتعرّض ببنيته لزمان أو لا يتعرّض ، فإن تعرّض فهو الفعل وإن لم يتعرّض فهو الاسم.

والجواب عن الثاني : إنّه أراد بالاسم معقوله ، وبالفعل معقوله ، وكذلك الحرف ، ومعقول كلّ واحد منها أمر مفرد فأوقع عليه لفظا مفردا ، ونظير ذلك قول العرب : «رجل خير من امرأة» ، تريد : هذه الحقيقة خير من هذه الحقيقة ، ولم ترد رجلا واحدا بعينه بل كأنّك قلت : هذا الجنس خير من هذا الجنس ، ولا ينبغي أن يحمل على أنّه من وضع المفرد موضع الجمع ، نحو قوله [من الرجز] :

٧ ـ [لا تنكروا القتل وقد سبينا]

في حلقكم عظم وقد شجينا

______________________

٧ ـ التخريج : الرجز لطفيل في جمهرة اللغة ص ١٠٤١ ؛ والمحتسب ٢ / ٨٧ ؛ وللمسيب بن زيد مناة في شرح أبيات سيبويه ١ / ٢١٢ ؛ ولسان العرب ١٤ / ٤٢٣ (شجا) ؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب ٧ / ٥٥٩ ، ٥٦٢ ؛ وشرح المفصل ٦ / ٣٢ ؛ والكتاب ١ / ٢٠٩ ؛ ولسان العرب ٥ / ٢٣٧ (نهر) ، ٨ / ١٦٤ (سمع) ، ١٢ / ٢٦ (أمم) ، ٤١١ (عظم) ، ١٥ / ٢٧٠ (مأى) ؛ والمقتضب ٢ / ١٧٢.

اللغة : سبينا : أسرنا. في حلقكم : أراد في حلوقكم. شجينا : اعترض العظم في حلوقنا.

المعنى : ها هم قد أسرونا فكيف تنكرون حصول القتال ، إنها غصّة ولا شك في حلوقكم وحلوقنا كالعظم المعترض يجرح مع كلّ حركة.

الإعراب : لا تنكروا : «لا» : ناهية جازمة ، «تنكروا» : فعل مضارع مجزوم بحذف النون لأنه من الأفعال الخمسة ، و «الواو» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل ، و «الألف» : للتفريق. القتل : مفعول به منصوب بالفتحة. وقد : «الواو» : حالية ، «قد» : حرف تحقيق. سبينا : فعل ماض مبني للمجهول مبني على السكون ، و «نا» : ضمير متصل في محلّ رفع نائب فاعل. في حلقكم : جار ومجرور متعلقان بخبر محذوف مقدّم ، بتقدير (موجود في حلوقكم عظم) ، و «كم» : ضمير متصل في محلّ جرّ مضاف إليه. عظم : مبتدأ مؤخّر مرفوع بالضمة. وقد : «الواو» : حالية ، «قد» : حرف تحقيق. شجينا : فعل ماض مبني على السكون ، و «نا» : ضمير متصل في محل رفع فاعل.

وجملة «لا تنكروا» : ابتدائيّة لا محلّ لها. وجملة «سبينا» : في محلّ نصب حال. وجملة «عظم موجود في حلوقكم» : استئنافية لا محلّ لها. وجملة «قد شجينا» : في محل نصب حال.

والشاهد فيه قوله : «في حلقكم» حيث أراد (في حلوقكم) فوضع المفرد موضع الجمع.

٢٠