شرح جمل الزجّاجى - ج ١

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »

شرح جمل الزجّاجى - ج ١

المؤلف:

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-2263-0
ISBN الدورة:
2-7451-2263-0

الصفحات: ٥٨٤

فيجيء حرف واحد يعطي في حين واحد أزيد من معنى واحد. وحرف واحد لا يدلّ في حين واحد على أزيد من معنى واحد.

فإن أردت أن تعطف في هذه المسألة فلا بدّ من ذكر الباء ، فتقول : «مرّ زيد بعمرو وببكر خالد» ، حتى لا تنوب الواو إلّا مناب عامل واحد.

وأبو الحسن الأخفش يجيز ذلك ويقول : لمّا ناب حرف العطف مناب عامل واحد ، فكذلك ينوب مناب أزيد ، إلّا أنه إذا اجتمع له في العطف مخفوض وغير مخفوض قدّم المخفوض على غيره ، ولا يجيز غير ذلك ، وذلك نحو : «مرّ زيد بعمرو وبكر خالد» ، ولا يجيز : وخالد بكر ، لئلا يكون كأنّك قد فصلت بين الخافض والمخفوض ، ألا ترى أن بكرا كأنّه مخفوض بالواو. ويستدل على ذلك بقول الفرزدق [من الطويل] :

١٦٠ ـ وباشر راعيها الصّلى بلبانه

وجنبيه حرّ النّار ما يتحرّف

فعطف «وجنبيه» على «لبانه» ، وعطف «حر النار» على «الصلى» ، ونابت الواو مناب باشر ومناب الباء.

______________________

١٦٠ ـ التخريج : البيت للفرزدق في ديوانه ٢ / ٢٨.

اللغة : الصلى والصلاء (بفتح الصاد وكسرها) : مقاساة حرّ النار. اللبان : الصدر. يتحرّف : يبتعد وينحرف.

المعنى : كاد الراعي يلامس النار بصدره وكفّيه ، بسبب شدّة البرد ، لا يحيد عنها ولا يبتعد.

الإعراب : وباشر : «الواو» : حرف عطف ، «باشر» : فعل ماض مبني على الفتح. راعيها : فاعل مرفوع بضمّة مقدّرة على الياء ، و «ها» : ضمير متّصل في محلّ جرّ بالإضافة. الصلى : مفعول به منصوب بالفتحة. بلبانه : جار ومجرور متعلّقان بـ (باشر) ، و «الهاء» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. وجنبيه : «الواو» : للعطف ، «جنبيه» : اسم معطوف على (لبانه) مجرور بالياء لأنه مثنى ، و «الهاء» : ضمير متصل في محلّ جرّ مضاف إليه. حرّ : اسم معطوف على (الصلى) منصوب بالفتحة ، أو بدل من (الصلى). النار : مضاف إليه مجرور بالكسرة. ما يتحرف : حرف نفي ، فعل مضارع مرفوع بالضمّة ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره «هو».

وجملة «باشر» : معطوفة على جملة «وراحت» في البيت السابق لا محلّ لها. وجملة «ما يتحرف» : في محلّ نصب حال.

والشاهد فيه قوله : «الصلى بلبانه وجنبيه حرّ النار» حيث عطف (جنبيه) على (لبانه) دون تكرار الخافض ، وعطف (حرّ النار) على (الصلى) بدون حرف عطف.

٢٢١

وكذلك استدل بقوله تعالى : (إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ) (١). ثم قال بعد ذلك : (وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ) (٢). في قراءة من قرأ بخفض «آيات» ، فنابت الواو من «تصريف» مناب «في» ومناب «إنّ» كأنه قال : وإنّ في تصريف الرياح آيات. والجواب : إنّ الآية تتخرّج على أن تكون «آيات» توكيدا لآيات المتقدمة لا معطوفة عليها. فلم يعطف إذن إلّا «تصريف الرياح» على «السماوات» ، فنابت الواو مناب «في» خاصة ، وأما البيت فيتخرّج على أن يكون الأصل : وبجنبيه حرّ النار ، فنابت الواو مناب «باشر» خاصة ، فحذفت الباء ، ولم ينب منابها حرف العطف ، فيكون من باب :

رسم دار وقفت في طلله (٣)

يريد : ربّ رسم دار ، فحذف «ربّ» من غير أن ينيب شيئا منابها ، وأبقى عملها. ومن قبيل قولهم : «خير عافاك الله» ، يريد : بخير عافاك الله ، فحذف الباء من «بخير» من غير أن يعوّض عنها شيئا ، وأبقى عملها ، ولذلك قلّ وجود مثل هذا ولم يجىء إلّا نادرا في الشعر ، وعلى ذلك ينبغي أن يحمل قول الآخر [من المتقارب] :

١٦١ ـ أكلّ امرىء تحسبين امرأ

ونار توقّد بالليل نارا

______________________

(١) الجاثية : ٣.

(٢) الجاثية : ٥.

(٣) تقدم بالرقم ١٢٠.

١٦١ ـ التخريج : البيت لأبي دؤاد في ديوانه ص ٣٥٣ ؛ والأصمعيات ص ١٩١ ؛ وأمالي ابن الحاجب ١ / ١٣٤ ، ٢٩٧ ؛ وخزانة الأدب ٩ / ٥٩٢ ، ١٠ / ٤٨١ ؛ والدرر ٥ / ٣٩ ؛ وشرح التصريح ٢ / ٥٦ ؛ وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٩٩ ؛ وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٠٠ ؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٥٠٠ ؛ وشرح المفصل ٣ / ٢٦ ؛ والكتاب ١ / ٦٦ ؛ والمقاصد النحوية ٣ / ٤٤٥ ؛ ولعدي بن زيد في ملحق ديوانه ص ١٩٩ ؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٨ / ٤٩ ؛ والإنصاف ٢ / ٤٧٣ ؛ وخزانة الأدب ٤ / ٤١٧ ، ٧ / ١٨٠ ؛ ورصف المباني ص ٣٤٨ ؛ وشرح الأشموني ٢ / ٣٢٥ ؛ وشرح ابن عقيل ص ٣٩٩ ؛ وشرح المفصل ٣ / ٧٩ ، ١٤٢ ، ٨ / ٥٢ ، ٩ / ١٠٥ ؛ والمحتسب ١ / ٢٨١ ؛ ومغني اللبيب ١ / ٢٩٠ ؛ والمقرب ١ / ٢٣٧ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ٥٢.

شرح المفردات : تحسبين : تظنّين. توقد : أي تتوقّد ، أي تشتعل.

المعنى : يقول : لا تحسبي أنّ كل من كان على هيئة رجل هو رجل ، ولا كلّ نار هي نار ، وإنما الرجل هو من تحلّى بالصفات الحقيقيّة للرجل ، والنار هي التي توقد للقرى.

الإعراب : «أكلّ» : الهمزة : للاستفهام ، «كلّ» : مفعول به مقدّم ، وهو مضاف. «امرىء» : مضاف إليه. «تحسبين» : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون ، والياء في محلّ رفع فاعل. «امرأ» : مفعول به منصوب. «ونار» : الواو حرف عطف ، «نار» : معطوف على «امرىء» مجرور. «توقد» : فعل مضارع مرفوع ، وفاعله ـ

٢٢٢

فعطف «نارا» على قوله : «توقّد بالليل نارا» ، لا على أنه عطف قوله : «ونار» على «امرىء» و «نارا» على قوله «امرأ» لما في ذلك من العطف على عاملين.

فإن قلت : إنما يثبت امتناع العطف على عاملين فصاعدا من طريق أنّه يؤدّي إلى أن يكون للحرف في حين واحد أزيد من معنى واحد. وقد وجدنا الحرف الواحد يعطي خمسة معان في حين واحد ، ألا ترى أنّ الواو في قولك : «الزيدون» ، تعطي الجمع والسلامة والإعراب والعقل والتذكير. فالجواب : إنّ الواو إنّما أعطت الجمع خاصّة بدليل أنّها لو زالت لبطل معنى الجمع ؛ وأمّا الإعراب فقد تبيّن أنه بالتغيير والانقلاب ، وأما السلامة والتذكير والعقل فلا تعطي شيئا من ذلك الواو ، بدليل أنّها لو زالت من الجمع لبقي الاسم لمذكر عاقل سالم ، فهذه الواو مصاحبة لهذه الخمسة الأشياء ، فلا تعطي منها إلا معنى واحدا وهو الجمع.

فإذا نفيت في هذا الباب فمذهب المازني ، رحمه‌الله ، أن الكلام يكون بعد دخول حرف النفي عليه على حسب ما كان قبل دخوله. فنقول في نفي : «قام زيد فعمرو» : «ما قام زيد فعمرو» ، وفي نفي : «مررت بزيد وعمرو» : «ما مررت بزيد وعمرو».

وفي نفي : «قام زيد ثمّ عمرو» : «ما قام زيد ثمّ عمر». وسيبويه يوافقه في ذلك كلّه إلّا في الواو إذا قلت : «مررت بزيد وعمرو» ، فإنّه يفصل ، فيقول : لا يخلو أن يكون الكلام على فعلين أعني أن يكون مررت بزيد على حدته ومررت بعمرو على حدته ، أو يكون على فعل واحد أعني أن يكون مررت بزيد وعمرو على مرور واحد. فتقول في النفي إذا عنيت مرورين : ما مررت بزيد وما مررت بعمرو ، فتكرر الفعل ، وتقول في النفي إذا عنيت مرورا واحدا : «ما مررت بزيد وعمرو».

______________________

ـ ضمير مستتر تقديره : «هي». «بالليل» : جار ومجرور متعلّقان بـ «توقّد». «نارا» : مفعول به منصوب.

وجملة : «تحسبين» ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة : «توقّد» في محل جرّ نعت «نار».

الشاهد فيه قوله : «ونار» حيث حذف المضاف «كلّ» وأبقى المضاف إليه مجرورا كما كان قبل الحذف ، وذلك لأنّ المضاف المحذوف معطوف على مماثل له ، وهو : «كلّ امرىء». وانظر ما قاله المؤلف في المتن.

٢٢٣

وإنما لم يكن في الأول بدّ من تكرير العامل لحذف اللبس ، لأنّك لو قلت : «ما مررت بزيد وعمرو» ، لاحتمل أن تريد أنّك لم تمر بهما ولا بواحد منهما ، وإنّك لم تمرّ بهما معا بل مررت بأحدهما. فلما كان النفي من غير إعادة العامل ملبسا ، لذلك لم يكن بدّ من إعادة النفي.

وحجّة المازني أن حرف النفي لا يغيّر ما بعده على ما كان عليه قبل دخوله ، نحو : «ما قام زيد» ، ألا ترى أنّه قبل دخول «ما» : «قام زيد».

والصحيح ما ذهب إليه سيبويه لأنّه قد وجد النفي مغيّرا لما دخل عليه عن حالة قبل ذلك. ألا ترى أنّك تقول في نفي «سيفعل» : «لن يفعل» ، وفي نفي «قد فعل» : «لمّا يفعل» ، وفي نفي «فعل» : «لم يفعل» ، ولا تقول : لن سيفعل ، ولا لمّا قد فعل ، ولا لم فعل ، فإذا كانوا يغيرون ما بعد حرف النفي عمّا كان عليه مع أنّه لم تدع إليه ضرورة ، فالأحرى أن يجوز ذلك إذا دعت إليه ضرورة ، وهو خوف اللبس.

[١٩ ـ الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه] :

ويجوز الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بما ليس بأجنبي ، فتقول : «قام زيد وعمرو» ، فتفصل بين «زيد» و «عمرو» بالظرف ، لأنّه ليس بأجنبي من الكلام ، ومن ذلك قوله [من الرمل] :

فصلقنا في مراد صلقة

وصداء ألحقتهم بالثلل (١)

ففصل بين «مراد» و «صداء» بالمصدر وهو «صلقة» لأنّه ليس بأجنبي.

وأقبح ما يكون ذلك بالجمل ، نحو قوله تعالى : (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ) (٢). ففصل بين «أرجلكم» وبين المعطوف عليه وهو : «وجوهكم» بالجملة ، وهي : «وامسحوا برؤوسكم» ، لأنه ملتبس بالكلام ، لأن المقصود بالجمع تعليم الوضوء ، ولأجل واو العطف أيضا الداخلة على «امسحوا» ، ألا ترى

______________________

(١) تقدم بالرقم ١١٩.

(٢) المائدة : ٦.

٢٢٤

أنها تربط ما بعدها بما قبلها. وحروف العطف كلّها مشرّكة في العامل.

وكل موضع لا يتصوّر فيه الاستقلال بما قبل حرف العطف في حال من الأحوال ، فإنّ العطف لا يتصوّر فيه إلّا بالواو خاصة ، فتقول : «المال بين زيد وعمرو». ولا يجوز أن تعطف هنا بغير الواو ، لأنّك لو قلت : «المال بين زيد» ، لم يستقل الكلام ، وكذلك «اختصم زيد وعمرو» ، لا يجوز العطف فيه إلّا بالواو ، لأنّك لو قلت : «اختصم زيد» ، لم يستقل الكلام. فإن قلت : «المال بين الزيدين فالعمرين» ، جاز العطف بالفاء ، لأنّك لو قلت : «المال بين الزيدين» ، لكان الكلام مستقلّا ، فأما قوله [من الطويل] :

١٦٢ ـ [قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

بسقط اللّوى] بين الدّخول فحومل

______________________

١٦٢ ـ التخريج : البيت لامرىء القيس في ديوانه ص ٨ ؛ والأزهية ص ٢٤٤ ، ٢٤٥ ؛ وجمهرة اللغة ص ٥٦٧ ؛ والجنى الداني ص ٦٣ ، ٦٤ ؛ وخزانة الأدب ١ / ٣٣٢ ، ٣ / ٢٢٤ ؛ والدرر ٦ / ٧١ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ٢ / ٥٠١ ؛ وشرح شواهد الشافية ص ٢٤٢ ؛ وشرح شواهد المغني ١ / ٤٦٣ ؛ والكتاب ٤ / ٢٠٥ ؛ ولسان العرب ١٥ / ٢٠٩ (قوا) ، ٤٢٨ (آ) ؛ ومجالس ثعلب ص ١٢٧ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ١٢٩ ؛ وبلا نسبة في الإنصاف ٢ / ٦٥٦ ؛ وأوضح المسالك ٣ / ٣٥٩ ؛ وجمهرة اللغة ص ٥٨٠ ؛ وخزانة الأدب ١١ / ٦ ؛ والدرر ٦ / ٨٢ ؛ ورصف المباني ص ٣٥٣ ؛ وشرح الأشموني ٢ / ٤١٧ ؛ وشرح شافية ابن الحاجب ٢ / ٣١٦ ؛ والصاحبي في فقه اللغة ص ١١٠ ؛ ومغني اللبيب ١ / ١٦١ ، ٢٦٦ ؛ والمنصف ١ / ٢٢٤ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ١٣١.

اللغة وشرح المفردات : المنزل : المكان الذي ينزل فيه الأحباب. السقط : منقطع الرمل. اللوى : ما التوى من الرمل واسترقّ منه. الدخول وحومل : مكانان.

المعنى : يخاطب الشاعر صاحبيه على عادة الجاهليين بأن يقفا ليساعداه على البكاء عند منزل حبيبته حيث كان يلقاها بين الدخول وحومل.

الإعراب : قفا : فعل أمر مبنيّ على حذف النون ، والألف : ضمير متّصل مبنيّ في محلّ رفع فاعل. نبك : فعل مضارع مجزوم لأنّه جواب الأمر وعلامة جزمه حذف حرف العلّة ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره «نحن». من : حرف جرّ. ذكرى : اسم مجرور بالكسرة المقدّرة على الألف للتعذّر ، والجار والمجرور متعلّقان بالفعل «نبك» ، وهو مضاف. حبيب : مضاف إليه مجرور بالكسرة. ومنزل : الواو : حرف عطف. منزل : معطوف على «حبيب» مجرور بالكسرة. بسقط : الباء : حرف جرّ ، «سقط» : اسم مجرور بالكسرة ، والجار والمجرور متعلّقان بالفعل «قفا» ، وهو مضاف. اللّوى : مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدّرة على الألف للتعذّر. بين : ظرف مكان منصوب متعلّق بمحذوف حال من «سقط اللّوى» ، وهو مضاف. الدخول : مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة. فحومل : الفاء : حرف عطف ، «حومل» : معطوف على «الدخول» مجرور بالكسرة الظاهرة.

وجملة «قفا نبك ...» فعليّة ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «نبك» الفعليّة لا محلّ لها من الإعراب لأنّها جواب طلب أو شرط مقدّر. وجملة الشرط استئنافية لا محل لها من الإعراب. ـ

٢٢٥

فإنّما جاز العطف هنا بالفاء لأنّ الكلام على حذف مضاف ، كأنّه قال : بين نواحي الدخول. ونظير ذلك قوله [من الخفيف] :

١٦٣ ـ ربّما ضربة بسيف صقيل

بين بصرى وطعنة نجلاء

يريد بين نواحي بصرى ، وقد يجوز ألا تحتاج إلى هذا التقدير لأن الفاء قد تكون مرتّبة بالنظر إلى الذكر ، فتكون إذ ذاك بمنزلة الواو ، وممّا يؤكد أنّ الفاء هنا بمنزلة الواو رواية الأصمعي : «بين الدخول وحومل» بالواو.

[٢٠ ـ الاشتراك بحروف العطف]

وجميع حروف العطف يشترك ما بعدها مع ما قبلها في العامل إذا عطفت مفردا على مفرد ، ألا ترى أنّك إذا قلت : «قام زيد فعمرو» ، أنّ التقدير : فقام عمرو ، وكذلك في سائر مسائل العطف إلّا بالواو فإنّها تنقسم قسمين : جامعة غير مشرّكة وجامعة مشرّكة ، فمثال المشرّكة : «قام زيد وعمرو» ، ألا ترى أنك لو قلت : «قام زيد وقام عمرو» لساغ ، وغير المشرّكة في مثل : «اختصم زيد وعمرو».

ألا ترى أنك لو قلت : «اختصم زيد واختصم عمرو» ، لم يجز ، لأن «اختصم» لا يستقل بفاعل واحد. وكذلك أيضا : «هذان زيد وعمرو» ، الواو غير مشركة. ألا ترى أنّك لو

______________________

ـ الشاهد فيه قوله : «بين الدخول فحومل» حيث جاز العطف هنا بالفاء لأن الكلام يجري على حذف مضاف ، والتقدير : بين نواحي الدخول.

١٦٣ ـ التخريج : البيت لعدي بن الرعلاء في الأزهية ص ٨٢ ، ٩٤ ؛ والاشتقاق ص ٤٨٦ ؛ والأصمعيات ص ١٥٢ ؛ والحماسة الشجرية ١ / ١٩٤ ؛ وخزانة الأدب ٩ / ٥٨٢ ، ٥٨٥ ؛ والدرر ٤ / ٢٠٥ ؛ وشرح التصريح ٢ / ٢١ ؛ وشرح شواهد المغني ص ٧٢٥ ؛ ومعجم الشعراء ص ٢٥٢ ؛ والمقاصد النحوية ٣ / ٣٤٢ ؛ وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٤٩٢ ؛ وجواهر الأدب ص ٣٦٩ ؛ والجنى الداني ص ٤٥٦ ؛ ورصف المباني ص ١٩٤ ، ٣١٦ ؛ وشرح الأشموني ٢ / ٢٩٩ ؛ ومغني اللبيب ص ١٣٧ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ٣٨.

شرح المفردات : الصقيل : المجلوّ. بصرى : اسم مدينة من أعمال الشام. النجلاء : الواسعة.

الإعراب : «ربّما» : «ربّ» : حرف جرّ شبيه بالزائد ، «ما» : زائدة. «ضربة» : اسم مجرور لفظا مرفوع محلّا على أنّه مبتدأ. «بسيف» : جار ومجرور متعلّقان بـ «ضربة» ، أو بمحذوف نعت «ضربة». «صقيل» : نعت «سيف» «بين» : ظرف مكان منصوب متعلّق بمحذوف نعت «ضربة» وهو مضاف. «بصرى» : مضاف ـ

٢٢٦

قلت : «هذان زيد وهذان عمرو». لم يجز ، لأنك لا تخبر عن اثنين بواحد. فلو قلت : «هذان ضاحكان وقائمان» ، كانت مشرّكة لأنّك لو قلت : «هذان ضاحكان وهذان قائمان» لساغ.

[٢١ ـ العامل في المعطوف] :

والعامل في المعطوف هو العامل في المعطوف عليه بواسطة حرف العطف ، فإذا قلت «قام زيد وعمرو» ، فالعامل في «عمرو» : «قام» بواسطة الواو ، وكذلك تفعل مع سائر حروف العطف.

فإن قال قائل : فهلّا كان العامل حرف العطف نفسه ، فالجواب : إنّه لا يعمل الحرف حتى يختص ـ في مذهبنا ـ وحروف العطف ليست بمختصة لأنّها تدخل على الأسماء والأفعال.

فإن قال قائل : فلعلّ العامل مضمر بعد حرف العطف ، فإذا قلت : «قام زيد وعمرو» ، فالعامل في «عمرو» : «قام» مضمرة ، كأنّه قال : «وقام عمرو» ، فالجواب إنّه قد تبين أنّه لا يسوغ تكرير العامل في مثل : «اختصم زيد وعمرو». فإذا تبيّن في هذه المسألة أنّه لا يصلح أن يكون العامل فيه حرف العطف لعدم اختصاصه ولا عامل مضمر بعد الواو لأن ذلك يفسد المعنى تبيّن أنّ العامل إنّما هو العامل في المعطوف عليه ، وهو «اختصم» ، بواسطة حرف العطف ، ويحمل على هذا سائر مسائل العطف.

______________________

ـ إليه. «وطعنة» : معطوفة على «ضربة». «نجلاء» : نعت «طعنة» مجرور.

الشاهد فيه قوله : «بين بصرى» حيث يريد الشاعر «بين نواحي بصرى» فالكلام يجري هنا على حذف مضاف.

٢٢٧

باب التوكيد

[١ ـ تعريف التوكيد وقسماه] :

التوكيد لفظ يراد به تثبيت المعنى في النفس وإزالة اللبس عن الحديث أو المحدّث عنه ، وذلك أنّ التوكيد ينقسم قسمين : توكيد لفظي وتوكيد معنويّ. فالتوكيد اللفظيّ يكون بإعادة اللفظ على حسب ما تقدم ، ويكون في المفرد والجملة.

فمثاله في المفرد قوله تعالى : (دَكًّا دَكًّا) (١) ، (صَفًّا صَفًّا) (٢) ، ومنه قوله [من الوافر] :

١٦٤ ـ أبوك أبوك زيد غير شكّ

أحلّك في المخازي حيث حلّا

______________________

(١) الفجر : ٢١.

(٢) الفجر : ٢٢.

١٦٤ ـ التخريج : البيت لجميل بثينة في ديوانه ص ١٤٩ ؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ١ / ٣١٤ ؛ وبلا نسبة في الخصائص ٣ / ١٠٢.

اللغة : المخازي : الفضائح والبلايا التي يستحى منها.

المعنى : لقد أنزلك أبوك ـ من دون ريب ـ في ذات الدرجة التي نزلها من الخزي والعار والفضائح.

الإعراب : أبوك : مبتدأ مرفوع بالواو لأنه من الأسماء الستّة ، و «الكاف» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. أبوك : توكيد لفظي لسابقتها. زيد : خبر (أبو) مرفوع بالضمّة الظاهرة. غير : اسم منصوب بنزع الخافض. شك : مضاف إليه مجرور بالكسرة. أحلك : فعل ماض مبني على الفتح ، و «الكاف» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). في المخازي : جار ومجرور بكسرة مقدّرة على الياء ، متعلّقان بـ (أحلك). حيث : ظرف مكان مبني على الضمّ في محلّ نصب مفعول فيه ظرف مكان بدل من قوله (في المخازي). حلا : فعل ماض مبني على الفتح ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو) ، و «الألف» : للإطلاق.

٢٢٨

وقول الآخر من [الطويل] :

١٦٥ ـ أخاك أخاك إنّ من لا أخا له

كساع إلى الهيجا بغير سلاح

و «قام قام زيد» ، إلّا أنّه لا يؤكّد الحرف إلا بإعادة ما دخل عليه أو ضميره ، نحو قولك : «مررت بزيد بزيد» ، أو «مررت بزيد به» ، قال الله تعالى : (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها) (١) ، فـ «فيها» تأكيد لقوله : «في الجنّة» ، ولا يجوز تأكيد الحرف من غير

______________________

ـ وجملة «أبوك زيد» : ابتدائيّة لا محلّ لها. وجملة «أحلك» : خبر ثان للمبتدأ (أبوك) محلها الرفع. وجملة «حلا» : في محلّ جرّ بالإضافة.

والشاهد فيه قوله : «أبوك أبوك» حيث أكد كلمة (أبوك) بتكرارها ثانية.

١٦٥ ـ التخريج : البيت لمسكين الدارمي في ديوانه ص ٢٩ ؛ والأغاني ٢٠ / ١٧١ ، ١٧٣ ؛ وخزانة الأدب ٣ / ٦٥ ، ٦٧ ؛ والدرر ٣ / ١١ ؛ وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٢٧ ؛ وشرح التصريح ٢ / ١٩٥ ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ٣٠٥ ؛ ولمسكين أو لابن هرمة في فصل المقال ص ٢٦٩ ؛ ولقيس بن عاصم في حماسة البحتري ص ٢٤٥ ؛ ولقيس بن عاصم أو لمسكين الدارمي في الحماسة البصرية ٢ / ٦٠ ؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك ٤ / ٧٩ ؛ وتخليص الشواهد ص ٦٢ ؛ والخصائص ٢ / ٤٨٠ ؛ والدرر ٦ / ٤٤ ؛ وشرح قطر الندى ص ١٣٤ ؛ والكتاب ١ / ٢٥٦.

اللغة والمعنى : ساع : قاصد. الهيجا : الحرب.

يقول : يجب على الإنسان أن يلزم أخاه في جميع الأمور ، لأنّ المرء الذي يتخلّى عن أخيه يكون كالإنسان الذي يذهب إلى الحرب بغير سلاح.

الإعراب : أخاك : مفعول به منصوب على الإغراء تقديره : «الزم أخاك» ، وهو مضاف ، والكاف : ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. أخاك : توكيد للأولى. إنّ : حرف مشبّه بالفعل. من : اسم موصول في محل نصب اسم «إنّ». لا : نافية للجنس. أخا : اسم «لا» منصوب بالألف لأنه من الأسماء الستّة. له : اللام : حرف مقحم بين المضاف والمضاف إليه ، والهاء : ضمير متصل مبني في محلّ جرّ بالإضافة. والتقدير : إنّ الذي لا أخاه موجود. كساع : جار ومجرور متعلّقان بمحذوف خبر «لا». إلى الهيجا : جار ومجرور متعلّقان بـ «ساع». بغير : جار ومجرور متعلّقان بـ «ساع». وهو مضاف. سلاح : مضاف إليه.

وجملة (... أخاك أخاك) الفعليّة لا محلّ لها من الإعراب لأنّها ابتدائيّة. وجملة (إنّ من لا أخا له) الاسميّة لا محلّ لها من الإعراب لأنّها تعليليّة ، أو استئنافيّة. وجملة (لا أخا له) الاسميّة لا محلّ لها من الإعراب لأنّها صلة الموصول الاسميّ.

والشاهد فيه قوله : «أخاك أخاك» حيث أكّد كلمة (أخاك) بتكرارها ثانية.

(١) هود : ١٠٨.

٢٢٩

إعادة ما دخل عليه إلّا في الضّرورة ، نحو قوله [من الوافر] :

١٦٦ ـ فلا والله لا يلفى لما بي

ولا للما بهم أبدا دواء

فأدخل لام الجر عليها من غير إعادة المجرور.

ومثاله في الجملة قوله : «الله أكبر الله أكبر» ، ومنه قول الشاعر [من الرجز] :

١٦٧ ـ بئس مقام الشيخ أمرس أمرس

إما على قعو وإمّا اقعنسس

______________________

١٦٧ ـ التخريج : البيت لمسلم بن معبد الوالبي في خزانة الأدب ٢ / ٣٠٨ ، ٣١٢ ، ٥ / ١٥٧ ، ٩ / ٥٢٨ ، ٥٣٤ ، ١٠ / ١٩١ ، ١١ / ٢٦٧ ، ٢٨٧ ، ٣٣٠ ؛ والدرر ٥ / ١٤٧ ، ٦ / ٥٣ ، ٢٥٦ ؛ وشرح شواهد المغني ص ٧٧٣ ؛ وبلا نسبة في الإنصاف ص ٥٧١ ؛ والجنى الداني ص ٨٠ ، ٣٤٥ ؛ والخصائص ٢ / ٢٨٢ ؛ ورصف المباني ص ٢٠٢ ، ٢٤٨ ، ٢٥٥ ، ٢٥٩ ؛ وسر صناعة الإعراب ص ٢٨٢ ، ٣٣٢ ؛ وشرح الأشموني ٢ / ٤١٠ ؛ وشرح التصريح ٢ / ١٣٠ ، ٢٣٠ ؛ والصاحبي في فقه اللغة ص ٥٦ ؛ والمحتسب ٢ / ٢٥٦ ؛ ومغني اللبيب ص ١٨١ ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ١٠٢ ؛ والمقرب ١ / ٣٣٨ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ١٢٥ ، ١٥٨.

شرح المفردات : ألفي : وجد. لما بي : أي للذي عندي من الحقد عليهم. لما بهم : أي للذي عندهم من الحقد أيضا. دواء : علاج.

المعنى : يقول : ليس هناك من علاج لما ملأ قلبي وقلوبهم من حقد وضغينة.

الإعراب : «فلا» : الفاء بحسب ما قبلها ، «لا» : حرف نفي. «والله» : جار ومجرور متعلّقان بفعل القسم المحذوف. «لا» : حرف نفي. «يلفى» : فعل مضارع للمجهول. «لما» : جار ومجرور متعلّقان بـ «يلفى». «بي» : جار ومجرور متعلّقان بمحذوف صلة الموصول المقدر بـ «استقر». «ولا» : الواو حرف عطف ، «لا» : حرف نفي. «للما» : اللام الأولى حرف جرّ ، واللام الثانية توكيد لفظي للأولى. «ما» : اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ بحرف الجرّ. «بهم» : جار ومجرور متعلّقان بمحذوف صلة الموصول المقدر بـ «استقر». «أبدا» : ظرف زمان منصوب ، متعلّق بـ «يلفى». «دواء» : نائب فاعل مرفوع.

وجملة : «والله» ابتدائية لا محل لها. وجملة : «لا يلفى» جواب القسم لا محل لها. وجملة «استقر بي» المحذوفة صلة الموصول لا محل لها. وجملة : «استقربهم» مثلها لا محل لها.

الشاهد فيه قوله : «للما بهم» حيث أكّد الشاعر اللام الجارّة ، وهي حرف جوابي ، توكيدا لفظيا ، فأعادها بنفس لفظها الأول من غير إعادة المجرور. والتوكيد على هذا الشكل شاذّ.

١٦٧ ـ التخريج : الرجز بلا نسبة في إصلاح المنطق ص ٨٢ ، ١٩٧ ؛ والدرر ٥ / ٢١٩ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ١ / ٣٨٩ ؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٧٩٦ ؛ ومجالس ثعلب ١ / ٢٥٦ ؛ والمنصف ٣ / ١٤ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ٨٧.

اللغة : مقامه : موضع إقامته. أمرس حبلك : أعده إلى مجراه ؛ ويقال : مرس الحبل إذا وقع في أحد جانبي البكرة على محورها. القعو : البكرة من خشب ، أو المحور من حديد. اقعنسس : تأخّر ، وارجع إلى الخلف.

٢٣٠

وهذا هو التوكيد الذي يراد به تمكين المعنى في النفس. وذلك أنّ القائل : «قام زيد» ، قد يقول ذلك عن غير تحقيق منه ، وقد يقول ذلك ويذهل عن سماعه المخاطب ، فإذا أكّد فقال : «قام زيد قام زيد» ، كان في ذلك محافظة على الكلام في حق المخاطب وتحقيق لذلك الكلام ، وأنّه لم يكن عن ظن.

[٢ ـ قسما التوكيد المعنويّ] :

والتوكيد المعنوي ينقسم قسمين ، قسم يراد به إزالة الشك عن الحديث وقسم يراد به إزالة الشك عن المحدّث عنه.

فالذي يراد به إزالة الشك عن الحديث هو التوكيد بالمصدر ، نحو قولك : «مات زيد موتا» ، و «قتلت عمرا قتلا» ، وذلك أنّ الإنسان قد يقول : «مات فلان» ، مجازا وإن كان لم يمت ، أي : كاد يموت. وكذلك «قتلت زيدا» ، قد يقوله ولم يقتله ، أي : بلغت به القتل ، فإذا قال : «مات عمرو موتا» ، و «قتلت زيدا قتلا» ، كان الموت والقتل حقيقيين.

فإن قال قائل : فكيف قال الشاعر [من الطويل] :

١٦٨ ـ بكى الخزّ من روح وأنكر جلده

وعجّت عجيجا من جذام المطارف

______________________

ـ المعنى : يذم الشيخ الفاني الذي يحاول ما لا يقدر عليه ، فيزجره بقوله : أعد حبلك إلى مجراه ، أو عد إلى الخلف فأنت لا تحسن استخراج الدلو.

الإعراب : «بئس» : فعل ماض جامد لإنشاء الذم. «مقام» : فاعل مرفوع بالضمّة. «الشيخ» : مضاف إليه مجرور بالكسرة. «أمرس» : فعل أمر مبني على السكون ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره «أنت». «أمرس» : توكيد لفظي. «إمّا» : حرف للتفصيل. «على قعو» : جار ومجرور متعلقان بالفعل «أمرس». «وإما» : «الواو» : حرف عطف ، «إما» : حرف للتفصيل. «اقعنسس» : فعل أمر مبني على السكون ، وحرّك بالكسر للضرورة ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (أنت).

وجملة «بئس مقام الشيخ» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «أمرس» : في محلّ نصب مفعول به (أو نائب فاعل) لاسم فاعل محذوف والتقدير : (بئس مقام الشيخ مقولا فيه أمرس). وجملة «اقعنسس» : معطوفة على جملة «أمرس».

والشاهد فيه قوله : «أمرس» حيث أكّد الجملة «أمرس» بتكرارها ثانية.

١٦٨ ـ التخريج : البيت لحميدة بنت النعمان في سمط اللآلي ص ١٨٠ ؛ ومعجم الأدباء ١١ / ٢٠ ؛ ـ

٢٣١

فأكّد «عجّت» بـ «عجيج» وإن لم يكن أراد به الحقيقة.

فالجواب : إنّ هذا من مرشّح المجاز وإلحاقه بالحقيقة ، فكأنه قال : عجّت حقا لا تجوّزا مبالغة في المجاز. وكذلك ينبغي أن يحمل قوله [من الطويل] :

١٦٩ ـ نعم صادقا والقائل الفاعل الّذي

إذا قال قولا أنبط الماء في الثّرى

______________________

ـ وبلا نسبة في الكتاب ٣ / ٢٤٨ ؛ وما ينصرف وما لا ينصرف ص ٥٧ ؛ والمقتضب ٣ / ٣٦٤.

اللغة : الخزّ : نوع من الثياب تنسج من صوف وإبريسم. روح : هو روح بن زنباع ، أمير فلسطين في عهد عبد الملك بن مروان. عجّت : رفعت صوتها. جذام : قبيلة روح. المطارف : الثياب التي ميّزت أطرافها ، والأغلب أن تكون من الخزّ.

المعنى : لقد كره الثوب الصوفي جلد روح بن زنباع وبكى لكثرة ملازمته جسده ، وصاحت ثياب بني قومه صياحا منكرا بسبب رائحته.

الإعراب : بكى : فعل ماض مبني على الفتح المقدّر على الألف. الخز : فاعل مرفوع بالضمة. من روح : جار ومجرور متعلّقان بـ (بكى). وأنكر : «الواو» : للعطف ، «أنكر» : فعل ماض مبني على الفتح ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). جلده : مفعول به منصوب بالفتحة ، و «الهاء» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. وعجّت : «الواو» : للعطف ، «عجت» : فعل ماض مبني على الفتح ، و «التاء» للتأنيث. عجيجا : مفعول مطلق منصوب بالفتحة. من جذام : جار ومجرور متعلّقان بـ (عجت). المطارف : فاعل (عجت) مرفوع بالضمّة.

وجملة «بكى» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «أنكر» : معطوفة عليها لا محلّ لها ؛ وكذلك جملة «عجّت».

والشاهد فيه قوله : «عجّت عجيجا» حيث أكّد الفعل بالمفعول المطلق رغم عدم حصول العجيج على الحقيقة ، بل على المجاز.

١٦٩ ـ التخريج : البيت لسويد المراثد الحارثي في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٨٤٠ ؛ ولأعرابي في الكامل ص ١٣٩٦.

اللغة : أنبط الماء : أظهره بعد ما كان مختفيا. الثرى : الأرض.

المعنى : نعم ، أقول قولا صادقا ، فهو يقول ما يفعل ، ويفعل ما يقول ، حتى لو قال سأخرج الماء من الأرض لأخرجها فعلا.

الإعراب : نعم : حرف جواب مبني على السكون في محلّ نصب مقول القول لفعل القول المحذوف (أقول صادقا : نعم). صادقا : حال منصوبة بالفتحة وصاحب الحال فاعل عامله المحذوف ، والتقدير : قلت صادقا. والقائل : «الواو» : حرف استئناف ، «القائل» : خبر لمبتدأ محذوف مرفوع بالضمّة ، بتقدير (وهو القائل). الفاعل : صفة (القائل) مرفوعة بالضمّة. الذي : اسم موصول في محلّ رفع صفة ثانية لـ (القائل). إذا : ظرف لما يستقبل من الزمان ، متضمّن معنى الشرط مبني على السكون في محل نصب ، متعلق بالفعل (أنبط). قال : فعل ماض مبني على الفتح ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). قولا : مفعول مطلق ـ

٢٣٢

على غير التوكيد ، فيكون قولا مصدرا مبينا محذوف الصفة ، كأنّه قال : إذا قال قولا ما أيّ الأقوال كان حقيقة أو مجازا أنبط الماء في الثرى ، ولا يكون من باب التوكيد لدفع المجاز ، لضعف المعنى. ألا ترى أنّ المراد : إن قوله وإشارته وجميع ما يرد منه يقوم مقام القول الذي ينبط الماء في الثرى ، لا أنّ الذي ينبط الماء إنما هو قوله الحقيقي.

والتوكيد الذي يراد به إزالة الشكّ عن المحدّث عنه التأكيد بالألفاظ التي وضعتها العرب لذلك وهي للواحد المذكر : نفسه ، عينه ، كلّه ، أجمع ، أكتع. وزاد أهل الكوفة : أبصع ، وأهل بغداد أبتع. وللاثنين : أنفسهما ، أعينهما ، كلاهما خاصة ، وأجاز أهل الكوفة وبغداد تثنية ما بقي قياسا.

وللجماعة من المذكّرين : أنفسهم ، أعينهم ، كلّهم ، أجمعون ، أكتعون. ومن زاد : أبتع وأبصع ، في حالة الإفراد أجازهما في حال الجمع.

وللواحدة المؤنثة : نفسها ، عينها ، كلّها ، جمعاء ، بصعاء ، بتعاء عند من يقول في المذكّر : أبتع وأبصع.

وجماعة ما لا يعقل تعامل تارة معاملة جماعة المؤنث ، وتارة معاملة الواحدة المؤنثة ، فتقول : «انكسرت الجذوع كلّهنّ وكلّها» ، وللاثنين : أنفسهما أعينهما كلتاهما خاصّة.

وأهل الكوفة وبغداد يثنّون ما بقي من الألفاظ قياسا. والصحيح أنّه لا يجوز ذلك لا في المذكر ولا في المؤنث لاستغناء العرب عنه بكلا وكلتا ، كما تقول : «زيد كعمرو» ، ولا يجوز : «زيد كه» ، لاستغناء العرب بمثله ولا يجوز أيضا في : «سرت حتّى الصباح» : «حتّاه» ، لاستغنائهم عنه بـ «إليه». ويجيزون أيضا : «كلاهما» في المؤنّثتين ويستدلون على ذلك أيضا

______________________

ـ منصوب بالفتحة. أنبط : فعل ماض مبني على الفتح ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). الماء : مفعول به منصوب بالفتحة. في الثرى : جار ومجرور متعلّقان بـ (أنبط).

وجملة «أقول صادقا» : ابتدائيّة لا محلّ لها. وجملة «إذا قال .. أنبط» : لا محلّ لها (صلة الموصول).

وجملة «قال» : في محلّ جرّ بالإضافة. وجملة «أنبط» : لا محلّ لها (جواب شرط غير جازم).

والشاهد فيه قوله : «إذا قال قولا أنبط الماء» حيث أكّد (قال) بـ (قولا) رغم عدم إرادة القول ، فهو أراد العمل لا القول.

٢٣٣

بقول الشاعر [من الطويل] :

١٧٠ ـ كلا عقبيها قد تشعّب رأسها

من الرّكض في جنبي ثفال مباشر

وبقول الآخر [من الطويل] :

١٧١ ـ يمتّ بقربى الزينبين كليهما

إليك وقربى خالد وحبيب

وذلك قليل جدا لم يجىء إلّا في الشعر ، وينبغي أن يحمل على التذكير على المعنى ، كأنّه لحظ في «الزينبين» معنى الشخص.

ولجمع المؤنثات : أنفسهنّ ، أعينهنّ ، كلّهنّ ، جمع ، كتع. ومن زاد بتعاء وبصعاء في

______________________

١٧٠ ـ التخريج : لم أقع عليه فيما عدت إليه من مصادر.

اللغة : تشعب : تفرّق. الثفال : البطيء الثقيل الذي لا ينبعث إلا كرها.

المعنى : لقد تفرّق كلا طرفيها لكثرة الضرب بها على جنبي بعير بطيء الحركة.

الإعراب : كلا : مبتدأ مرفوع بالضمّة المقدّرة على الألف. عقبيها : مضاف إليه مجرور بالياء لأنّه مثنى ، و «ها» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. قد : حرف تحقيق. تشعّب : فعل ماض مبني على الفتح. رأسها : فاعل مرفوع بالضمة ، و «ها» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. من الركض : جار ومجرور متعلّقان بـ (تشعّب). في جنبي : جار ومجرور متعلّقان بالمصدر (الركض). ثفال : مضاف إليه مجرور بالكسرة. مباشر : صفة (ثفال) مجرورة بالكسرة.

وجملة «كلا عقبيها ...» : ابتدائيّة لا محلّ لها. وجملة «تشعّب» : في محل رفع خبر (كلا).

والشاهد فيه قوله : «كلا عقبيها» حيث جاءت (كلا) محلّ (كلتا).

١٧١ ـ التخريج : البيت لهشام بن معاوية في المقاصد النحوية ٤ / ١٠٦ ؛ وبلا نسبة في شرح عمدة الحافظ ص ٥٥٩ ؛ والمقرب ١ / ٢٣٩.

اللغة : يمتّ : يتقرّب ، يتوسّل. الزينبين : مثنى «زينب» اسم امرأة.

الإعراب : يمت : فعل مضارع مرفوع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره : «هو». بقربى : جار ومجرور متعلقان بـ «يمت» ، وهو مضاف. الزينبين : مضاف إليه مجرور بالياء لأنّه مثنّى. كليهما : توكيد لـ «الزينبين» مجرور بالياء لأنّه ملحق بالمثنى ، وهو مضاف ، و «هما» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. إليك : جار ومجرور متعلقان بـ «يمتّ». وقربى : «الواو» : حرف عطف ، و «قربى» : معطوف على «قربى» الأولى مجرور ، وهو مضاف. خالد : مضاف إليه مجرور. وحبيب : «الواو» : حرف عطف ، و «حبيب» : معطوف على «خالد» مجرور بالكسرة.

وجملة «يمت ...» : ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب.

الشاهد : قوله : «الزينبين كليهما» حيث أكّد المثنّى المؤنث «الزينبين» بمثنى مذكّر ، وذلك لأنّ المعنى مفهوم ، أو التقدير أنّ «الزينبين» شخصان أو نحوهما ممّا هو مذكّر.

٢٣٤

حال الإفراد قال في الجمع : بتع ، بصع.

وهذه الألفاظ تنقسم قسمين ، قسم يراد به العموم والإحاطة ، وقسم لا يراد به ذلك.

فالذي يراد به الإحاطة والعموم : «كلّ» وما في معناها ، والذي لا يراد به الإحاطة والعموم : النفس والعين وتثنيتهما وجمعهما.

فالذي يراد به العموم لا يؤكّد به إلّا ما يتبعض بذاته كالدراهم ، لأنّها تتبعّض مع كلّ عامل ، أو بحسب عامله ، نحو : «رأيت زيدا» ، ألا ترى أنّ «زيدا» يتبعّض مع «رأيت» ولا يتبعض مع تكلّم. فتبعّض «زيد» إذن بحسب العامل الداخل عليه ، فتقول : «قبضت الدراهم كلّها» ، و «رأيت زيدا كلّه».

والذي لا يراد به العموم يؤكّد به ما يتبعض وما لا يتبعّض ، تقول : «تكلّم زيد نفسه» ، و «قبضت المال نفسه».

فائدة التأكيد بالنفس رفع ما يحتمله المخبر عنه من أن لا يكون صاحب حقيقة ، ألا ترى أنّك تقول : «ضربت زيدا» ، فيحتمل أن يكون المضروب زيدا نفسه أو من هو بسببه. فإذا قلت : «ضربت زيدا نفسه» ، كان المضروب «زيدا» لا غيره. وفائدة التوكيد بـ «كلّ» وما في معناها رفع ما كان يحتمله اللفظ من إرادة البعضيّة به.

ألا ترى أنّك إذا قلت : قبضت المال ، احتمل أن يكون المقبوض بعضه وأن يكون جميعه ، فإذا قلت : «قبضت المال كلّه» ، ارتفع ذلك الاحتمال ، وثبت أنّ المراد الجميع.

وإذا اجتمعت هذه الألفاظ في التوكيد بدأت بالنفس ثمّ بالعين ثم بكل ثم بأجمع ثمّ بأكتع. وأما «أبصع» و «أبتع» عند من يزيدهما فلا تبال أيّهما قدّمت على الآخر. فإن لم تأت بالنفس أتيت بما بقي على الترتيب المتقدم. فإن لم تأت بالعين ولا بالنفس أتيت بما بقي على الترتيب المتقدّم. فإن لم تأت بكلّ أتيت بـ «أجمع» وما بقي ، فإن لم تأت بـ «أجمع» لم تأت بما بعده ، وسبب ذلك أن «أكتع» تابع لـ «أجمع» فلا يؤتى به إلّا بعده ، إذ لا يجوز أن يؤتّى بالتابع المرفوع على التبعية دون المتبوع.

ف «أكتع» بمنزلة «بسن» من قولك : «زيد حسن بسن» (١) ، فكما لا يؤتى بـ «بسن» إلا بعد

______________________

(١) «بسن» كلمة لا معنى لها ، وإنّما أتي بها في هذا القول للإتباع.

٢٣٥

«حسن» فكذلك لا يؤتى بـ «أكتع» إلّا بعد «أجمع». فأما قوله [من الطويل] :

١٧٢ ـ ترى الثّور فيها مدخل الظّلّ رأسه

وسائره باد إلى الشّمس أكتع

فاستعمل «أكتع» غير تابع لـ «أجمع» ، ووجهه أنّه محمول على البدل لا على التأكيد.

[٣ ـ الأسماء المؤكدة] :

ويجوز تأكيد الأسماء كلّها إلّا النكرة ، فإنّها لا تؤكّد على كلّ حال خلافا لأهل الكوفة ، فأنّهم يجيزون تأكيد النكرة بشرط أن تكون متبعّضة ويكون التوكيد بـ «كلّ» وما في معناها ، نحو قولك : «أكلت رغيفا كلّه». ولا يجوز أن تقول : «أكلت رغيفا نفسه». وسبب ذلك أنّ التوكيد بالنفس والعين لا فائدة فيه في النكرة ، ألا ترى أنّك إذا قلت : «ضربت زيدا نفسه» ، أفدت بالتأكيد بالنفس أنّ المضروب زيد لا من هو منه بسبب. فإذا قلت : «أهنت زيدا» ، احتمل أن تريد أنّك أهنت أباه فتجوّزت ، فجعلت إهانتك لأبيه إهانة له.

وإذا قلت : «رأيت رجلا نفسه» ، لم يكن في تأكيد الرجل بالنفس فائدة إذ المفهوم من : «رأيت رجلا» ، ومن : «رأيت رجلا نفسه» ، واحد وهو رجل غير معيّن ، وفي توكيد النكرة المتبعّضة بـ «كلّ» وما في معناها فائدة ، ألا ترى أنّك إذا قلت : «أكلت رغيفا» ،

______________________

١٧٢ ـ التخريج : البيت بلا نسبة في أمالي المرتضى ١ / ٢١٦ ؛ وخزانة الأدب ٤ / ٢٣٥ ؛ والدرر ٦ / ٣٧ ؛ والكتاب ١ / ١٨١ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ١٢٣. ويروى «أجمع».

المعنى : في وقت الهاجرة ، وقت اشتداد الحر ، ترى الثور قد أدخل رأسه في الظل ، وبقي جسمه كلّه ظاهرا تحت الشمس المحرقة.

الإعراب : ترى : فعل مضارع مرفوع بضمّة مقدّرة على الألف ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (أنت). الثور : مفعول به منصوب بالفتحة. فيها : جار ومجرور متعلّقان بـ (ترى). مدخل : حال منصوبة بالفتحة. الظلّ : اسم منصوب بنزع الخافض. رأسه : مفعول به لاسم الفاعل (مدخل) منصوب بالفتحة ، و «الهاء» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. وسائره : «الواو» : حاليّة ، «سائر» : مبتدأ مرفوع بالضمة ، و «الهاء» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. باد : خبر مرفوع بضمّة مقدّرة على الياء المحذوفة. إلى الشمس : جار ومجرور متعلّقان بـ «(باد). أكتع : توكيد (سائر) مرفوع بالضمّة ، أو بدل منه.

وجملة «ترى الثور» : ابتدائيّة لا محلّ لها. وجملة «سائره باد» : في محلّ نصب حال.

والشاهد فيه قوله : «وسائره .. أكتع» حيث أكّد بـ (أكتع) دون أن تكون تالية لـ (أجمع) ، وخرّج أنّه محمول على البدل لا على التوكيد.

٢٣٦

أمكن أن تريد أنّك أكلت جميعه وأنّك أكلت بعضه. فإذا قلت : كلّه ، أفاد ذلك العموم والإحاطة. واستدلّوا على جواز ذلك من طريق السماع بقوله [من الرجز] :

١٧٣ ـ * قد صرّت البكرة يوما أجمعا*

فأكد «يوما» وهو نكرة بأجمع. وبقول الآخر [من الرجز] :

١٧٤ ـ أرمي عليها وهي فرع أجمع

وهي ثلاث أذرع وإصبع

______________________

١٧٣ ـ التخريج : الرجز بلا نسبة في أسرار العربيّة ص ٢٩١ ؛ والإنصاف ٢ / ٤٥٥ ؛ وخزانة الأدب ١ / ١٨١ ، ٥ / ١٦٩ ؛ والدرر ٦ / ٣٩ ؛ وشرح الأشموني ٢ / ٤٠٧ ؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٥٦٥ ؛ وشرح المفصل ٣ / ٤٤ ، ٤٥ ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ٩٥ ؛ والمقرب ١ / ٢٤٠ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ١٢٤.

اللغة : صرّت : صوّتت. البكرة : ما يستقى عليها من البئر.

الإعراب : «قد» : حرف تحقيق. «صرّت» : فعل ماض ، والتاء للتأنيث. «البكرة» : فاعل مرفوع.

«يوما» : ظرف زمان متعلّق بـ «صرّ». «أجمعا» : توكيد معنوي لـ «يوما» ، والألف للإطلاق.

الشاهد فيه قوله : «يوما أجمعا» حيث أكّد النكرة «يوما» بـ «أجمع».

١٧٤ ـ التخريج : الرجز لحميد الأرقط في شرح شواهد الإيضاح ص ٣٤١ ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ٥٠٤ ؛ وبلا نسبة في إصلاح المنطق ص ٣١٠ ؛ وجمهرة اللغة ص ١٣١٤ ؛ وخزانة الأدب ١ / ٢١٤ ؛ والخصائص ٢ / ٣٠٧ ؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٥٧٦ ؛ ولسان العرب ٨ / ٩٣ (ذرع) ، ٨ / ٢٤٧ (فرع) ، ١٤ / ٣٣٥ (رمى).

شرح المفردات : الفرع : القوس عملت من طرف القضيب ، أو من رأسه ، والمقصود أنّها من خير القسيّ. ثلاث أذرع وإصبع : أي كاملة ووافية.

المعنى : يقول : إنّه يرمي على قوس جيّدة يبلغ طولها ثلاث أذرع وإصبع.

الإعراب : «أرمي» : فعل مضارع مرفوع ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : «أنا». «عليها» : جار ومجرور متعلّقان بـ «أرمي». «وهي» : الواو حاليّة ، «هي» ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ. «فرع» : خبر المبتدأ مرفوع. «أجمع» : توكيد لـ «فرع» مرفوع. «وهي» : الواو حرف عطف ، «هي» : ضمير منفصل مبنيّ في محل رفع مبتدأ. «ثلاث» : خبر المبتدأ مرفوع ، وهو مضاف. «أذرع» : مضاف إليه مجرور. «وإصبع» : الواو حرف عطف ، «إصبع» معطوف على «ثلاث» مرفوع.

وجملة : «أرمي عليها» ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة : «وهي فرع» في محلّ نصب حال. وجملة : «هي ثلاث أذرع» معطوفة على «هي فرع».

الشاهد فيه قوله : «فرع أجمع» حيث جاء بـ «أجمع» توكيدا للنكرة «فرع».

٢٣٧

فأكدّ «فرعا» وهو نكرة بأجمع ، وبقول الآخر [من الرجز] :

١٧٥ ـ يا ليتني كنت صبيّا مرضعا

تحملني الذلفاء حولا أجمعا

فأكد «حولا» وهو نكرة بأجمع.

والصحيح أنّه لا يجوز توكيد النكرة أصلا لا بالنفس ولا بالعين لما ذكرنا. ولا بـ «كلّ» ولا ما في معناها ، لأن أسماء التأكيد كلّها معارف إمّا بالإضافة ، نحو : نفسه وعينه وكله ، وإمّا بالعلميّة ، نحو : أجمع وأكتع ، أو بنيّة الإضافة تريد أجمعه وأكتعه. وسنبيّن الصحيح من ذلك إن شاء الله تعالى.

والتأكيد يشبه النعت في أنّه تابع من غير واسطة حرف ومن غير أن ينوى بالأول الطرح ، وكما أنّ النكرة لا تنعت بالمعرفة فكذلك لا تؤكّد بشيء من هذه الأسماء. فأمّا ما أنشدوا من قوله : «حولا أكتعا» ، و «يوما أجمعا» ، و «فرع أجمع» ، فشاذ وينبغي أن يحمل على البدل لا على التأكيد لما ذكرنا من امتناع تأكيد النكرة بهذه الأسماء. فإذا خرجت إلى

______________________

١٧٥ ـ التخريج : الرجز بلا نسبة في الدرر ٦ / ٣٥ ، ٤١ ؛ وخزانة الأدب ٥ / ١٦٩ ؛ وشرح الأشموني ٢ / ٤٠٦ ؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٥٦٢ ، ٥٦٥ ؛ ولسان العرب ٨ / ٣٠٥ (كتع) ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ٩٣ ؛ والمقرب ١ / ٢٤٠ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ١٢٣ ، ١٢٤.

اللغة : الذلفاء : اسم امرأة. الحول : العام.

الإعراب : «يا» : حرف نداء ، والمنادى محذوف. «ليتني» : حرف مشبّه بالفعل ، والنون للوقاية ، والياء ضمير في محلّ نصب اسم «ليت». «كنت» : فعل ماض ناقص ، والتاء ضمير في محلّ رفع اسم «كان». «صبيّا» : خبر «كان» منصوب. «مرضعا» : نعت «صبيا» منصوب. «تحملني» : فعل مضارع مرفوع ، والنون للوقاية ، والياء ضمير في محلّ نصب مفعول به. «الذلفاء» : فاعل مرفوع. «حولا» : ظرف زمان متعلّق بـ «تحمل». «أجمعا» : توكيد معنوي لـ «حولا».

وجملة : «كنت صبيا ...» في محلّ رفع خبر «ليت». وجملة : «تحملني ...» في محلّ نصب نعت «صبيا».

الشاهد فيه قوله : «حولا أجمعا» حيث أكّد النكرة المحدودة بـ «أجمعا» على المذهب الكوفيّ. والبصريّون لا يجيزون تأكيد النكرة محدودة كانت أو غير محدودة.

٢٣٨

البدل ساغ إبدال المعرفة من النكرة. ويكون الشذوذ إذ ذاك في استعمال «أجمع» و «أكتع» في غير باب التوكيد ، ولا يقاس على شيء من ذلك. فإذا تبيّن أنّ «أجمع» و «أكتع» قد يستعملان في غير التأكيد ساغ لنا إذ ذاك أن نجعل «أجمع» من قوله : «باد إلى الشمس أجمع» (١) بدلا من الضمير في «باد» ، لا تأكيدا.

وما بقي من الأسماء المعارف فإنّه يجوز تأكيده من غير شرط إلا ضمير الرفع المتّصل فإنّه لا يؤكد بالنفس والعين إلّا بعد تأكيده بضمير رفع منفصل ، نحو قولك : «قمت أنت نفسك» ، و «قمتم أنتم أنفسكم» ، و «زيد قام هو نفسه» ، ولا يجوز أن تقول : «قمتم أنفسكم» ، ولا «قمت نفسك» ، ولا «زيد قام نفسه».

فإن أكّدت بـ «كلّ» وما في معناها ، لم تحتج إلى التأكيد بضمير الرفع المنفصل فقلت : «قمتم كلّكم أجمعون» ، و «قمتما كلاكما». والسبب في ذلك أنّ النفس والعين يستعملان يليان العامل ، فلو لم تأكّد إذا أردت التأكيد بهما ـ بضمير الرفع المنفصل لأدّى ذلك إلى التباس في بعض المواضع ، ألا ترى أنّك إذا قلت : «زيد قبض نفسه» ، و «هند ذهبت نفسها» ، احتمل أن يكون «النفس» تأكيدا للضمير في «قبض» وفي «ذهبت» ، وأن يكون مرفوعا بهما ، فإذا أكّدت بالضمير المنفصل ، قلت : «قبض هو نفسه» ، و «ذهبت هي نفسها» ارتفع اللبس ، ثم حمل ما ليس فيه لبس في نحو : «قمت أنت نفسك» ، على ما فيه لبس.

وأمّا «أجمع» فلا تستعمل أبدا تلي العامل ، فإذا قلت : «المال قبض أجمع» ، و «الدار انهدمت جمعاء» ، علم أنّ «أجمع» و «جمعاء» تأكيدان لا مرفوعان بـ «قبض» و «انهدمت».

وأما «كلّ» فلم تحتج معها إلى أنّ تؤكد بالضمير المنفصل لأنّ ولايتها للعامل ضعيفة ولأنها بمنزلة «أجمع» في العموم ، فلمّا كانت في معناها حملت عليها.

______________________

(١) تقدم بالشاهد رقم ١٧٢ ، والرواية فيه : «وسائره باد إلى الشمس أكتع».

٢٣٩

ولا يجوز تأكيد الاسم إذا كان معنى الكلام يغني عن التأكيد ، فتقول : «قام الزيدان كلاهما» ، لأنّه قد يجوز أن تقول : «قام الزيدان» ، وإنّما قام أحدهما. قال الله تعالى : (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) (١) ، وإنّما يخرج من أحدهما. وقال تعالى : (نَسِيا حُوتَهُما) (٢). وإنّما الناسي الفتى ، بدليل قوله : (فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ) (٣). فإذا قلت : «قام الزيدان كلاهما» أفاد التأكيد العموم والإحاطة ، ولا تقول : «اختصم الزيدان كلاهما» ، إذ لا يتصوّر أن يختصم الزيدان وأنت تعني أحدهما ، لأنّ الاختصام لا يتصور من واحد.

وأبو الحسن يجيز ذلك ويجعله بمنزلة التأكيد بعد التأكيد ، وذلك فاسد لأنّك إذا قلت : «قام الزيدون كلّهم» ، جاز أن تعني بذلك البعض وأكّدت بـ «كلّ» مبالغة ، فإذا قلت : «أجمعون» ، أزال ذلك الاحتمال.

وكذلك ما بقي من ألفاظ التأكيد قد يتطرق الاحتمال إليه تطرّقا ضعيفا ، فإذا استوفيت ألفاظ التأكيد حينئذ ، زال ذلك الاحتمال ، وعلم أنّ المقصود العموم. وإذا قلت : «اختصم الزيدان كلاهما» ، لم يتطرق الاحتمال أصلا إلى أنّ المراد أحدهما فهذا فرق ما بينهما.

ولا يجوز تأكيد ما ليس بمقصود للمخبر من الكلام ، نحو قولك : «ضربت عبد الزيدين كليهما». لا يجوز ذلك لأنّك لم تقصد الإخبار عن الزيدين فلو أكدتهما لكنت كالمتناقض ، لأنّك من حيث أكدت ينبغي أن تكون قاصدا نحوهما ، ومن حيث لم تنو الإخبار عنهما لم يكونا مقصودين ، فلذلك لم يجز تأكيده.

______________________

(١) الرحمن : ٢٢.

(٢) الكهف : ٦١.

(٣) الكهف : ٦٣.

٢٤٠