شرح جمل الزجّاجى - ج ١

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »

شرح جمل الزجّاجى - ج ١

المؤلف:

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-2263-0
ISBN الدورة:
2-7451-2263-0

الصفحات: ٥٨٤

باب ما لم يسمّ فاعله

حكم ما لم يسمّ فاعله أن يبنى الفعل للمفعول ، ويحذف الفاعل ، ويقام المفعول مقامه ، فيحتاج في هذا الباب إلى معرفة ستة أشياء ، وهي : السبب الذي لأجله حذف الفاعل ، والأفعال التي يجوز بناؤها للمفعول وكيفية بنائها للمفعول ، والمفعولات التي يجوز إقامتها مقام الفاعل والأولى منها بالإقامة اذا اجتمعت ، وهل فعل المفعول بناء برأسه أو مغيّر من فعل الفاعل.

فأمّا السبب الذي لأجله حذف الفاعل فهو إمّا للعلم به ، نحو قولك : «أنزل المطر» ، لأنّه علم أنّ منزله الله تعالى. وإما للجهل به ، نحو : «ضرب زيد» ، إذا كنت لا تعلم الضارب ، وإمّا للتعظيم ، نحو قولك : «ضرب اللصّ» ، تريد ضرب القاضي اللصّ ، إلّا أنّك لم تذكر القاضي إجلالا له عن أن يذكر مع اللص في كلام واحد. وإمّا للتحقير ، نحو :

«طعن عمر» ، ولا تذكر العلج الطاعن له إجلالا لعمر رضي‌الله‌عنه عن أن يكون اسمه مع اسم العلج في كلام واحد ، أو للإبهام ، نحو : «ضرب زيد» وأنت عالم بالضارب إلّا أنّك قصدت الإبهام على السامع. وإمّا للخوف منه أو عليه ، نحو : «قتل الأمير» ، ولا تذكر قاتله خوفا من أن يقتصّ منه ، وإمّا لإقامة الوزن أو اتفاق القوافي ، نحو قوله [من البسيط] :

٣٨٥ ـ وأدرك المتبقّي من ثميلته

ومن ثمائلها واستنشىء الغرب

______________________

٣٨٥ ـ التخريج : البيت لذي الرمة في ديوانه ص ٥٥ ؛ ولسان العرب ١ / ٦٤٣ (غرب) ، ١١ / ٩٢ (ثمل) ، ١٥ / ٣٢٦ (نشا) ؛ وتهذيب اللغة ٨ / ١١٣ ، ١٥ / ٩٣ ؛ وديوان الأدب ٤ / ١٢٩ ؛ ومقاييس اللغة ٤ / ٤٢٠ ؛ وجمهرة أشعار العرب ص ٩٤٩ ؛ وتاج العروس ٣ / ٤٦٦ (غرب) ، (ثمل) ، (نشا). ـ

٥٦١

ألا ترى أنه لو ظهر لانكسر البيت ولنصب «الغرب» فتختلف القوافي. وإما لتقارب الأسجاع (١) ، نحو قوله : «ونبذت الصنائع وجهل قدر المعروف» ، ألا ترى أنّه لو ظهر الفاعل فقال : ونبذ الناس الصنائع ، لطال السجع فلم تكن مقاربة للسجع ، والذي بعده مثلها إذا ظهر الفاعل.

[١ ـ أقسام الأفعال بالنسبة لبنائها للمجهول] :

وأما الأفعال فإنّها تنقسم بالنظر إلى بنائها ثلاثة أقسام. قسم اتفق النحويون على أنّه لا يجوز بناؤه للمفعول ، وهو كل فعل لا يتصرف ، نحو : «نعم» ، و «بئس» ، و «عسى» ، وفعل التعجب ، و «ليس» ، و «حبّذا».

وقسم فيه خلاف وهو «كان» وأخواتها. وقسم اتفق النحويون على جواز بنائه للمفعول وهو ما بقي من الأفعال المتصرفة.

وأما الأفعال التي لا تتصرف فلم يجز بنائها للمفعول ، لأنّ في ذلك ضربا من التصرف ، والعرب قد امتنعت من تصرفها فلم يجز لذلك بناؤها لها.

وأما «كان» وأخواتها فمذهب الفراء أنه يجوز بناؤها لما لم يسمّ فاعله وتحذف

______________________

ـ اللغة : الثميلة : بقية الماء في الحفرة التي في الجبل. استنشىء : شمّ. الغرب : الماء يسيل من الحوض.

المعنى : في وصف حمار وحشي في الصيف حيث يشتد العطش.

الإعراب : وأدرك : «الواو» : حسب ما قبلها ، «أدرك» : فعل ماض مبني على الفتح الظاهر ، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره (هو) يعود لحمار الوحش. المتبقي : مفعول به منصوب بالفتحة المقدرة على الياء للضرورة. من ثميلته : جار ومجرور متعلقان بالفعل أدرك ، و «الهاء» : ضمير متصل في محل جر بالإضافة. ومن ثمائلها : «الواو» : حرف عطف ، «من» : حرف جر ، «ثمائل» : اسم مجرور بالكسرة و «ها» : ضمير متصل في محل جر بالإضافة ، والجار والمجرور معطوفان على «من ثميلته». واستنشىء : «الواو» : عاطفة ، «استنشىء» : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح الظاهر. الغرب : نائب فاعل مرفوع.

وجملة «أدرك المتبقي» : حسب ما قبلها. وجملة «استنشىء الغرب» : معطوفة على ما قبلها.

والشاهد فيه قوله : «واستنشىء الغرب» حيث لم يسم فاعل الفعل خوفا من انكسار الوزن والقافية.

(١) يريد بالسجع هنا المزاوجة كما سيتّضح من المثل التالي.

٥٦٢

المرفوع الذي يشبه الفاعل وتقيم المنصوب مقامه ، لأنه يشبه المفعول كما يقام المفعول مقام الفاعل كذلك ما أشبهه.

وهذا الذي ذهب إليه فاسد لأنّه يؤدّي إلى بقاء الخبر دون مخبر عنه لا في اللفظ ولا في التقدير.

ومذهب السيرافي أنّه يحذف الاسم فيحذف بحذفه الخبر إذ لا يجوز بقاء الخبر دون مخبر عنه ، ويقام ضمير المصدر مقام المحذوف.

وهذا الذي ذهب إليه فاسد لأنّ «كان» الناقصة وأخواتها لا مصدر لها.

ولما رأى الفارسيّ أنّ بناءها يؤدي إلى ما ذكره الفراء وإلى ما ذكره السيرافي ، وكلاهما فاسد ، منع من بنائها للمفعول. والصحيح أنه يجوز بناؤها للمفعول ، وهو مذهب سيبويه ، لكن لا بد من أن يكون في الكلام ظرف أو مجرور يقام مقام المحذوف فتقول : «كين في الدار» ، فالأصل مثلا : كان زيد قائما في الدار ، على أن يكون في الدار متعلقا بـ «كان» حذف المرفوع لشبهه بالفاعل وحذف بحذفه الخبر إذ لا يجوز بقاء الخبر دون مخبر عنه ، ثم أقيم المجرور مقام المحذوف.

[٢ ـ المفعولات التي تقوم مقام الفاعل] :

وأما المفعولات التي يجوز إقامتها مقام الفاعل فهي المفعول المطلق ، والظرف من الزمان ، والظرف من المكان ، والمفعول به ، والمجرور.

ويشترط في الظرف أن يكون تاما متصرفا ، وأعني بذلك أن يجوز استعماله في موضع الرفع فتقول : «قيم يوم الجمعة» ، ولو قلت : «قيم سحر» لم يجز لأنّ «سحر» لا يتصرف.

ويشترط في المصدر أن يكون متصرّفا ، فلا يجوز إقامة «معاذ الله» و «ريحانه» و «عمرك الله» وأمثال ذلك مقام الفاعل ، لأنّ العرب التزمت فيها النصب على المصدر. ويشترط فيه أيضا أن يكون مختصّا في اللفظ أو في التقدير ، نحو قولهم : «قيم قيام حسن» ، و «قيم قيام» ، إذا أردت قياما ما ، فحذفت الصفة وأقمت الموصوف مقامه. ولو قلت : «قيم قيام» ، ولم تصفه لا في اللفظ ولا في التقدير لم يجز لأنّه لا فائدة فيه ، ألا ترى أنه معلوم أنه لا يقام إلا قيام.

٥٦٣

وإذا اجتمعت هذه المفعولات للفعل لم يقم منها إلا المفعول به المسرّح ويترك ما عداه. فإن قيل : قد قرىء : (وليجزي قوما بما كانوا يكسبون) (١) بنصب «قوم» ، وظاهر هذا أنه أقام المجرور وهو بما كانوا ، وترك المسرّح وهو «قوم». فالجواب : أنّ قوما ليس بمعمول لـ «يجزى» بل لفعل مضمر يدلّ عليه يجزى ، كأنه قال : جزى الله قوما. ويكون مفعول «يجزى» ضمير المصدر المفهوم منه كأنّه قال : ليجزى هو أو ليجزى الجزاء ، ونظير ذلك قوله [من الطويل] :

٣٨٦ ـ ليبك يزيد ضارع لخصومة

ومختبط مما تطيح الطوائح

______________________

(١) الجاثية : ١٤.

٣٨٦ ـ التخريج : البيت للحارث بن نهيك في خزانة الأدب ١ / ٣٠٣ ؛ وشرح شواهد الإيضاح ص ٩٤ ؛ وشرح المفصل ١ / ٨٠ ؛ والكتاب ١ / ٢٨٨ ؛ وللبيد بن ربيعة في ملحق ديوانه ص ٣٦٢ ؛ ولنهشل بن حريّ في خزانة الأدب ١ / ٣٠٣ ؛ ولضرار بن نهشل في الدرر ٢ / ٢٨٦ ؛ ومعاهد التنصيص ١ / ٢٠٢ ؛ وللحارث بن ضرار في شرح أبيات سيبويه ١ / ١١٠ ؛ ولنهشل ، أو للحارث ، أو لضرار ، أو لمزرد بن ضرار ، أو للمهلهل في المقاصد النحوية ٢ / ٤٥٤ ؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ٣٤٥ ، ٧ / ٢٤ ؛ وأمالي ابن الحاجب ص ٤٤٧ ، ٧٨٩ ؛ وتخليص الشواهد ص ٤٧٨ ؛ وخزانة الأدب ٨ / ١٣٩ ؛ والخصائص ٢ / ٣٥٣ ، ٤٢٤ ؛ وشرح الأشموني ١ / ١٧١ ؛ وشرح المفصل ١ / ٨٠ ؛ والشعر والشعراء ص ١٠٥ ، ١٠٦ ؛ والكتاب ١ / ٣٦٦ ، ٣٩٨ ؛ ولسان العرب ٢ / ٥٣٦ (طوح) ؛ والمحتسب ١ / ٢٣٠ ؛ ومغني اللبيب ص ٦٢٠ ؛ والمقتضب ٣ / ٢٨٢ ؛ وهمع الهوامع ١ / ١٦٠.

شرح المفردات : الضارع : الخاضع والمستكين. المختبط : السائل بلا وسيلة ، أو قرابة ، أو معرفة. تطيح : تهلك. الطوائح : المصائب.

المعنى : يقول : فليبك يزيد بن نهشل ، لأنّ البكاء هو أقلّ شيء يجب عمله ، فقد بكاه الذليل الخاضع كما بكاه العافي الذي أنهكته حوادث الأيام فراح يستعطي أهل السخاء.

الإعراب : «ليبك» : اللام للأمر ، «يبك» : فعل مضارع للمجهول مجزوم بحذف حرف العلة. «يزيد» : نائب فاعل مرفوع. «ضارع» : فاعل لفعل محذوف تقديره : «يبكيه ضارع». «لخصومة» : جار ومجرور متعلّقان بـ «ضارع». «ومختبط» : الواو حرف عطف ، «مختبط» : معطوف على «ضارع». «ممّا» : جار ومجرور متعلّقان بـ «مختبط». «تطيح» : فعل مضارع مرفوع. «الطوائح» : فاعل مرفوع.

وجملة : «ليبك ...» ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «يبكيه ضارع» المحذوفة بدل من جملة «ليبك يزيد». وجملة : «تطيح ...» صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.

الشاهد فيه قوله : حذف عامل الفاعل لقرينة ، والتقدير : يبكيك ضارع. و «ضارع» فاعل فعل محذوف دلّ عليه مدخول الاستفهام المقدّر ، كأنّه قيل : من يبكيه؟ فقيل : ضارع ، أي يبكيه ضارع ، ثمّ حذف الفعل ، و «يزيد» نائب فاعل «يبك» المجزوم بلام الأمر.

٥٦٤

تقديره : يبكيه ضارع. وكذلك قول الشاعر [من الوافر] :

٣٨٧ ـ ولو ولدت قفيرة جرو كلب

لسبّ بذلك الجرو الكلابا

ظاهره أنّه أقيم المجرور وهو «بذلك» ، وترك المفعول المسرّح ، وهو الكلاب ، لكنّه يتخرّج على أن يكون ضرورة فلا يلتفت إليها ، أو على أن يكون «الكلاب» منصوبا بـ «ولدت» فلا يكون لـ «سبّ» ما يقوم مقام الفاعل إلا المجرور ، ويكون «جرو كلب» منادى محذوفا منه حرف النداء ، كأنّه قال : ولو ولدت قفيرة الكلاب يا جرو كلب لسبّ بذلك الجرو.

فإن كان للفعل من المفعول بهم السرّاح أزيد من واحد ، فإنك تقيم المسرّح في اللفظ والتقدير ، وتترك المسرّح في اللفظ المقيّد في التقدير. وذلك نحو قولك : «أمرت زيدا الخير» ، و «اخترت الرجال زيدا» ، وتقول : «أمر زيد الخير» ، و «اختير زيد الرجال». ولا يجوز إقامة الخير ولا إقامة الرجال لأنّهما مقيّدان في التقدير. قال الشاعر [من الطويل] :

٣٨٨ ـ منّا الذي اختير الرّجال سماحة

وجودا إذا هبّ الرّياح الزعازع

______________________

٣٨٧ ـ التخريج : البيت لجرير في خزانة الأدب ١ / ٣٣٧ ؛ والدرر ٢ / ٢٩٢ ؛ ولم أقع عليه في ديوانه ؛ وبلا نسبة في الخصائص ١ / ٣٩٧ ؛ وشرح المفصل ٧ / ٧٥ ؛ وهمع الهوامع ١ / ١٦٢.

اللغة : قفيرة : أم الفرزدق. الجرو : ولد السباع ومنها الكلب.

المعنى : يهجو جرير الشاعر الفرزدق فيقول : إن أم الفرزدق لو ولدت كلبا لكان ذلك الجرو عارا على الكلاب لأنه أقل منها.

الإعراب : ولو : «الواو» : حسب ما قبلها ، «لو» : حرف امتناع لامتناع متضمن معنى الشرط. ولدت : فعل ماض مبني على الفتح ، و «التاء» : تاء التأنيث الساكنة. قفيرة : فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة. جرو : مفعول به منصوب بالفتحة. كلب : مضاف إليه مجرور بالكسرة. لسب : «اللام» : رابطة لجواب الشرط ، «سب» : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح ، ونائب الفاعل محذوف تقديره (هو). بذلك : «الباء» : حرف جر ، «ذا» : اسم إشارة في محل جر بحرف الجر ، و «اللام» : للبعد و «الكاف» للخطاب ، والجار والمجرور متعلقان بالفعل (سب) ، أو أن الجار والمجرور نائب فاعل للفعل (سب). الجرو : بدل من اسم الإشارة مجرور بالكسرة. الكلابا : مفعول به لفعل محذوف.

وجملة «ولدت قفيرة» : جملة الشرط غير الظرفي لا محل لها. وجملة «لو ولدت لسب» : حسب ما قبلها. وجملة «لسب» : جواب شرط غير جازم لا محلّ لها.

والشاهد فيه قوله : «لسبّ بذلك» حيث حذف نائب الفاعل للفعل «سبّ» وترك المفعول به المسرح «الكلابا». وهذا الشاهد ضرورة لا يلتفت إليها.

٣٨٨ ـ التخريج : البيت للفرزدق في ديوانه ١ / ٤١٨ ؛ والأشباه والنظائر ٢ / ٣٣١ ؛ وخزانة الأدب ـ

٥٦٥

فأقام الضمير لأنّه مسرّح لفظا وتقديرا ، وترك الرجال لأنّه مجرور في الأصل ، ألا ترى أنّ المعنى : اختير من الرجال.

فإن كانت كلّها مسرّحة في اللفظ والتقدير فإنّ المسألة لا تخلو أن تكون باب من «ظننت» ، أو من باب «كسوت» ، أو من باب «أعلمت».

فإن كانت من باب «ظننت» أو من باب «كسوت» جاز إقامة الأول إقامة الثاني والاختيار إقامة الأول ، فتقول : «كسي زيد ثوبا» ، و «ظنّ زيد قائما» ، و «ظنّ قائم زيدا». والأول من باب «ظننت» هو المبتدأ في الأصل والأول من باب «كسوت» هو الفاعل في المعنى ، فإذا قلت : «كسوت زيدا ثوبا» ، كان «زيد» هو المفعول الأول لأنه في المعنى فاعل ، ألا ترى أنّه لابس الثوب وآخذ له.

وإن كان من باب «أعلمت» لم يجز إقامة الأول خاصة ، نحو : «أعلمت زيدا عمرا منطلقا» ، فتقول : «أعلم زيد عمرا منطلقا» ، ولا يجوز خلاف ذلك. وذلك أنّ الأول من باب «أعلمت» مفعول صريح والاثنان الباقيان ليسا كذلك ، بل أصلهما المبتدأ والخبر ، فلمّا

______________________

ـ ٩ / ١١٣ ، ٥ / ١١٥ ، ١٢٣ ، ١٢٤ ؛ والدرر ٢ / ٢٩١ ؛ وشرح أبيات سيبويه ١ / ٤٢٤ ؛ وشرح شواهد المغني ١ / ١٢ ؛ والكتاب ١ / ٣٩ ؛ ولسان العرب ٤ / ٢٦٥ (خير) ؛ وبلا نسبة في شرح المفصل ٨ / ٥١ ؛ والمقتضب ٤ / ٣٣٠ ؛ وهمع الهوامع ١ / ١٦٢.

اللغة : الزعازع : الشديدة واحدتها زعزع.

المعنى : إذا اختار الرجال أفضلهم سماحة وجودا عند الأزمات والنوائب فإنهم سيختارون رجلا منا بالتأكيد لأننا قوم كرام نعدّ للنائبات.

الإعراب : منا : جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم مرفوع. الذي : اسم موصول في محل رفع مبتدأ مؤخر. اختير : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح ، ونائب الفاعل مستتر تقديره (هو). الرجال : منصوب بنزع الخافض والتقدير من الرجال. سماحة : مفعول لأجله. وجودا : «الواو» : حرف عطف ، «جودا» : اسم معطوف على منصوب ، منصوب مثله. إذا : ظرفية زمانية غير متضمنة معنى الشرط متعلقة بالفعل (اختير). هب : فعل ماض مبني على الفتح. الرياح : فاعل مرفوع بالضمة. الزعازع : صفة للرياح مرفوعة مثلها.

وجملة «منا الذي» : ابتدائية لا محل لها. وجملة «اختير الرجال» : صلة الموصول لا محل لها. وجملة «هب الرياح» : في محل جرّ بالإضافة.

والشاهد فيه قوله : «اختير الرجال» حيث جاءت «الرجال» منصوبة بنزع الخافض ، وجعل الضمير نائب فاعل.

٥٦٦

اجتمع المفعول الصريح مع غيره لم يقم إلّا المفعول الصريح. وأما في باب «كسوت» فكلا المفعولين فيه مفعول صريح ، وفي باب «ظننت» كلاهما غير صريح ، لأن أصلهما المبتدأ والخبر. ولذلك تكافأ المفعولان في البابين ، أعني في باب «كسوت» وفي باب «ظننت» بخلاف باب «أعلمت».

ومن الناس من أجاز إقامة كل واحد من المفعولات الثلاث. والذي ورد به السماع ويقتضيه القياس ، إنّما هو ما ذكرناه من إقامة الأول. وكانت إقامة الأول في البابين أولى ، لأن مرتبة الأول أن يلي الفاعل ، فكان أولى أن يقام مقام الفاعل ما مرتبته أن يكون بعده.

فإن اجتمع للفعل المصدر ، وظرف الزمان والمكان ، والمجرور ، ولم يكن له مفعول به مسرّح ، كنت بالخيار في إقامة أيّها شئت ، إلا أن إقامة المصدر إذا كان مختصا في اللفظ أولى من إقامة الظرف والمجرور ، قال الله تعالى : (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ) (١) ، فأقام المصدر وهو «نفخة» ، ولو جاء على إقامة المجرور لجاز ، فكنت تنصب النفخة.

والسبب في ذلك أنّ المصدر يصل إليه الفعل بنفسه ، والمجرور يصل إليه الفعل بواسطة حرف الجر ، وكذلك الظرف يصل إليه الفعل بتقدير «في» ، فلمّا كان تعدّي الفعل إلى المصدر أقوى كانت إقامته أولى ، وإنّما ضعفت إقامته إذا لم يكن مختصّا في اللفظ لأنّه لا بدّ من تقدير حذف الصفة وحذف الصفة يقلّ.

وأما فعل المفعول هل هو مغيّر من فعل الفاعل أو بناء برأسه ففيه خلاف بين النحويين ، فمنهم من ذهب إلى أنّه مغيّر. ومنهم من ذهب إلى أنّه بناء برأسه غير مغيّر من شيء ، واستدلّ على ذلك بأنّه قد يوجد فعل مفعول لم يبن في موضع الفاعل ، نحو : «جنّ» و «غمّ» ، ولا يقال : «جنّ الله زيدا» ، ولا «غمّ الله الهلال» ، فثبت بذلك عنده أنّه غير مغيّر من شيء ، إذ لم يسمع من كلامهم ما يمكن أن يكون «غمّ» و «جنّ» مغيّرا منه.

وهذا الذي استدل به لا حجّة فيه لأنه إذا قام الدليل على أنه مغيّر من فعل الفاعل على ما يبيّن بعد ، وجب أن يقدر «غمّ» و «جنّ» وأشباههما من فعل فاعل لم ينطق به ، والعرب كثيرا ما تستعمل الفرع وتهمل الأصول ، نحو : «كاد زيد يقوم» ، ألا ترى أنّ «يقوم» في

______________________

(١) الحاقة : ١٣.

٥٦٧

موضع «قائم» ، إلّا أنّ العرب لم تأت بالاسم إلا في الضرورة ، نحو قوله [من الطويل] :

فأبت إلى فهم وما كدت آيبا

وكم مثلها فارقتها وهي تصفر (١)

لو لا الضرورة لكان : وما كدت أؤوب.

والذي ذهب إلى أنّه مغيّر من فعل الفاعل هو الصحيح الرأي بدليلين ، أحدهما : أنّه قد تقرر من كلامهم أنّه متى اجتمع واو وياء وسبقت إحداهما بالسكون قلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء ، نحو : «طويت طيّا» ، و «لويت ليّا» ، والأصل : طويا ولويا ، وهم مع ذلك يقولون : «سوير» و «بويع» ، فلا يدغمون الواو في الياء ، فدلّ ذلك على أنهما مغيّران من «ساير» و «بايع» ، وأنّ اجتماع الواو والياء عارض ، ولذلك لم يدغموا ، إذ لو كانا غير مغيّرين لكان اجتماعهما لازما ، فكان يجب الإدغام.

والآخر : إنّه قد تقرّر من كلامهم أنّه أدّى قياس إلى أن يجتمع في أول كلمة واوان ، همزت الأولى منهما على اللزوم ، فتقول في جمع «واصل» : «أواصل» ، وفي تصغيره : «أويصل» ، والأصل : وواصل ووويصل ، لكنه أبدل من الواو الأولى همزة على اللزوم هروبا من ثقل الواوين ، وهم مع ذلك يقولون : «ووري» ، فلا يلتزمون الهمزة ، فدلّ ذلك على أنّ «ووري» ، مغيّر من «وارى» ، وأنّ اجتماع الواوين عارض ، إذ لو كان بناء أصلا غير مغيّر من شيء لكان اجتماع الواوين لازما فكان يلزم الهمز.

[٣ ـ بناء الفعل للمجهول] :

وأما كيفية بناء الفعل للمفعول ، فإنّ الفعل لا يخلو أن يكون على ثلاثة أحرف أو على أزيد ، فإن كان على ثلاثة أحرف فلا يخلو أن تكون حروفه كلها صحاحا ، أو يكون معتلّ الفاء ، أو معتلّ العين ، أو معتلّ اللام ، أو معتلّ الفاء واللام ، أو معتلّ العين واللام ، ولا يوجد في كلامهم أكثر من ذلك.

فإن كانت حروفه كلّها صحاحا ضممت أوله وكسرت ما قبل آخره في الماضي ، وفتحت ما قبل آخره في المضارع ، نحو : «ضرب» و «يضرب» ، إلّا أن يكون مضعفا ، نحو :

______________________

(١) تقدم بالرقم ٢٧.

٥٦٨

«رددت» ، فإنّك تفعل به ما تفعل بالصحيح. وقد يجوز نقل الكسرة من العين إلى الفاء قبلها ، فتقول : «ردّ» ، بكسر الراء وقد قرىء : (هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا) (١). ومن العرب من يشمّ الضم (٢) في الفاء إشعارا بأنّها قد كانت مضمومة.

وإن كان معتلّ الفاء فإمّا أن تكون فاؤه واوا أو ياء ، فإن كانت فاؤه واوا كان حكمه حكم الصحيح ، إلا أنّك إذا شئت أبدلت من الواو همزة في الماضي فتقول : «أعد يوعد». وإن كانت فاؤه ياء كان حكمه حكم الصحيح ، إلا أنّك تبدل من الواو ياء في المضارع فتقول : يسر يوسر.

فإن كان معتل العين فإنّ فيه ثلاثة أوجه في الماضي : أحدها أن تضمّ أوله وتكسر ثانيه ثم تستثقل الكسرة في حرف العلة فتحذف ، فتقول : «قول» و «بوع» ، والأصل : قول ، فحذفت له الكسرة من الواو ، وبيع ، فحذفت له الكسرة فجاءت الياء ساكنة بعد ضمة فقلبت واوا.

والثاني : أن تستثقل الكسرة في الياء فتنقل ، فتقول : «قيل» و «بيع» ، والأصل : قول وبيع ، فنقلت الكسرة إلى الفاء ، فجاءت الواو ساكنة بعد كسرة ، فقلبت ياء.

والثالث : أن تفعل مثل ما فعلت في هذا الوجه ، إلا أنّك تشير إلى الضم الذي كان في الفاء في الأصل ، ولا يضبط ذلك إلّا بالمشافهة.

فأما المضارع فيفعل به ما يفعل بالصحيح ، ثم تنقل الفتحة من حرف العلة إلى الساكن قبله ، ويقلب حرف العلة ألفا ، فتقول : «يقال» و «يباع» ، والأصل : يبيع ويقول ، فنقلت الفتحة من الياء والواو إلى ما قبلها ، فصارا : يقول ويبيع ، ثم انقلبت الياء والواو لتحرك ما قبلهما في اللفظ وتحركهما في الأصل.

فإن كان معتل اللام فإنّه إن كان من ذوات الياء ، فإنّك تفعل به في الماضي ما تفعل بالصحيح ، فتقول : رمي ، وكذلك المضارع ، إلا أنك تقلب حرف العلة ألفا لتحركه وانفتاح ما قبله ، فتقول : «يرمى» ، والأصل : يرمي ، فتحرّكت الياء وما قبلها مفتوح فانقلبت ألفا.

______________________

(١) يوسف : ٦٥.

(٢) الإشمام هو النطق بحركة صوتيّة تجمع بين الضمّة والكسرة على التوالي السريع بغير مزج بينهما ، فينطق المتكلّم أوّلا بجزء قليل من الضمّة يعقبه جزء كبير من الكسرة.

٥٦٩

وإن كان من ذوات الواو فإنّك في الماضي تفعل به ما تفعل بالصحيح ، إلّا أنّك تقلب الواو ياء لتطرّفها وانكسار ما قبلها ، فتقول : «غزي» ، والأصل غزو ، فقلبت الواو ياء. وفي المضارع تفعل به ما تفعل بالصحيح ، إلّا أنّك تقلب الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها.

والمعتل العين واللام كـ «طويت» و «لويت» بمنزلة المعتل اللام وحدها ، والمعتل الفاء واللام كـ «يديت» ١ ، و «وفيت» يجري فيه حكم المعتل اللام والمعتل الفاء معا. فإن كان على أزيد من ثلاثة أحرف ، فلا يخلو أن تكون حروفه كلها صحاحا أو لا تكون. فإن كانت كلها صحاحا فإنّك تضمّ أوله وتفتح ما قبل آخره في المضارع ، نحو : «يستخرج» و «يدحرج» ؛ وأما في الماضي فلا يخلو أن يكون في أوله همزة وصل أو تاء زائدة أو لا يكون. فإن كان في أوله همزة وصل ضممت أوله وثالثه وكسرت ما قبل آخره في الماضي ، فتقول : «استخرج» و «انطلق».

فإن كان في أوله تاء زائدة ضممت أوله وثانيه وكسرت ما قبل آخره ، نحو : «تدحرج» ، و «تقرطس» ، فإن لم يكن في أوله همزة وصل ولا تاء زائدة ، ضممت أوله وكسرت ما قبل آخره في الماضي ، فتقول : «دحرج» و «قرطس».

وإن لم تكن حروفه كلها صحاحا ، فإنّك تفعل به ما تفعل بالصحيح ، إلّا أن يؤديّ ذلك إلى وقوع ألف أو ياء ساكنة بعد ضمة ، فإنّك تقلبها واوا ، فتقول في «ضارب» ، و «بيطر» : «ضورب» و «بوطر» ، أو إلى وقوع حرف علّة متحرّك عينا بعد ساكن صحيح ، فإنّك تنقل الحركة من حرف العلة إلى الساكن ، وتصيّره على حسب الحركة المنقولة ، وذلك نحو : «استقيم» ، أصله : استقوم ، فنقلت الكسرة من الواو إلى القاف الساكنة ، ثم قلبت الواو ياء ، ونحو : «استبين» أصله ، استبين ، فنقلت الكسرة من الياء إلى الساكن قبلها ، ونحو : «يستقام» و «يستبان» ، أصله : يستقوم ويستبين. فنقلت الفتحة من الواو والياء إلى الساكن قبلهما ثم قلبتا ألفا.

فإن كان الساكن حرف علّة ، فإنّك لا تنقل الحركة إليه ، نحو : بويع ، لا يجوز نقل الكسرة من الياء إلى الواو قبلها.

______________________

(١) يدي : شك يده ، ويديت الرجل : ضربت يده. ويديت إليه : اتخذت عنده يدا ، أي : نعمة.

٥٧٠

أو إلى وقوع حرف العلّة متحركا بعد فتحة ، فإنّك تقلب الياء ألفا ، وذلك نحو : «يستغزى» و «يستدنى» ، أصله : يستغزي ويستدني ، فقلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها.

وإذا كان للفعل في هذا الباب مفعولان صريحان فصاعدا فأقمت الواحد منهما وتركت ما عداه منصوبا ، فإنّ في نصبه خلافا.

فمنهم من ذهب إلى أنّ الناصب له هو ما كان ينصبه قبل بناء الفعل للمفعول وذلك نحو قولك : «أعطي زيد درهما» ، فـ «درهم» عند صاحب هذا المذهب باق على النصب الذي كان فيه قبل بنائك «أعطى» للمفعول ، لأنّ الأصل : أعطى عمرو زيدا درهما ، فلمّا قلت : أعطي ، رفعت «زيدا» لإقامتك له مقام الفاعل ، ويبقى الدرهم على نصبه.

وهذا المذهب فاسد لأنّ العامل إذا ذهب لفظا وتقديرا لم يجز إبقاء عمله وفعل الفاعل قد زال في اللفظ والتقدير ، ألا ترى أنّ المعنى ليس إلّا على إسناد الفعل للمفعول.

ومنهم من ذهب إلى أنّه انتصب على أنّه خبر ما لم يسمّ فاعله ، وهو مذهب أبي القاسم. وحجة صاحب هذا المذهب أنّه رأى النحويين يسمّون المنصوب إذا وقع بعد مرفوع ليس بفاعل خبرا ، نحو : «ما زيد قائما» ، فـ «قائما» منصوب بعد مرفوع ليس بفاعل وهو زيد ، فكذلك «أعطي زيد درهما» ، فـ «درهم» منصوب بعد مرفوع ليس بفاعل ، فسمّاه لذلك خبرا وسمّى المرفوع قبله اسم ما لم يسّم فاعله.

وهذا المذهب فاسد ، لأنا إذا قلنا في «قائم» من قولك : «ما زيد قائما» ، خبرا فإنما نعني به الخبر الذي عملت فيه «ما» ، وسمّي خبرا لأنه في الأصل خبر المبتدأ ، ولا يتصوّر مثل ذلك في «درهم» من قولك : «أعطي زيد درهما» ، لأنّه لم يكن خبرا قط.

ومنهم من ذهب إلى أنّ «الدرهم» منصوب بفعل المفعول الذي هو بمنزلة الفاعل ، وذلك أنّ المفعول الذي لم يسمّ فاعله قام مقام الفاعل ، فكما أنّ فعل الفاعل نصب المفعول ، فكذلك فعل المفعول الذي هو بمنزلة الفاعل.

وإذا أقمت الثاني من المفعولين في باب «أعطيت» فقلت : «أعطي درهم زيدا» ، فإنّ بين النحويين في ذلك خلافا. فمنهم من ذهب إلى أنّ المعنى على ما كان عليه وقت إقامتك

٥٧١

الأول من أنّ زيدا هو الذي أخذ الدرهم إلّا أنّك أقمت الثاني. ومنهم من ذهب إلى أنّ المعنى ينعكس ، فإذا قلت : «أعطي درهم زيدا» ، فكأنّك قلت : أخذ الدرهم زيدا.

وهذا باطل عندي لأنه لم يدع إلى ذلك داع. والذي حمل صاحب هذا المذهب على ما ذكرته عنه أنّ سيبويه حكى أنّ قول العرب : «أدخل فوه الحجر» على القلب كأنّك قلت : أدخل فوه في الحجر ، وإذا قلت : أدخل الحجر فاه ، كان المعنى : أدخل الحجر في فيه ، وليس في الكلام قلب فلما رأى سيبويه قد ادعى القلب في هذه المسألة عند إقامة الثاني ، وهو الفم حمل كل مسألة يقام فيها الثاني على القلب.

وذلك لا حجة فيه لأن سيبويه حمله على ادعاء القلب في المسألة أمر ضروريّ لأن قولك : «أدخلت فاه الحجر» ، إذا لم يكن مقلوبا كان «الحجر» مفعولا مسرّحا لفظا وتقديرا والفم مسرّح في اللفظ مقيّد في التقدير لأنّ المعنى أدخل الحجر في فيه ، فلا يجوز إذا لم يرد القلب ، إلّا إقامة الحجر الذي هو مسرح في اللفظ والتقدير لأنّه قد تقدّم أنّ المسرّح لفظا وتقديرا أولى من المسرّح لفظا لا تقديرا ، فلما رأى العرب تقيم الفم وتترك الحجر ، فتقول أدخل فوه الحجر ، علم أنّ المسألة مقلوبة وأنّ الأصل : أدخلت فاه الحجر ، تريد : في الحجر ، حتى يكون الذي أقيم المسرّح لفظا وتقديرا وبقي المقيد ، فهذا هو الذي قاده في هذه المسألة إلى ادعاء القلب. وأمّا «أعطى» وأمثاله فلم يحوج إلى ادعاء القلب فيه شيء.

٥٧٢

باب من مسائل ما لم يسمّ فاعله

هذا الباب كله جار على ما قدمناه من القوانين في الباب الأول. فلا فائدة في الاشتغال بشرح لفظه إلا ما ذكره من مسألة : «أعطي المعطى» فإنّه لم يوفّها حقّها من الوجوه الجارية فيها ، فينبغي لذلك أن تبيّن بأكثر مما ذكره.

فمّما يسهّل عليك فهم هذه المسألة أن تعلم أنّ «أعطي» تحتاج إلى مفعولين : أحدهما مرفوع والآخر منصوب. وكذلك «المعطى» لأنّ اسم المفعول يجري مجرى الفعل الذي أخذ منه إذا بني للمفعول ، فيجري المعطى لذلك مجرى «أعطي» ، ويجوز حذف منصوب «أعطي» و «المعطى» اختصارا واقتصارا. وأن تعلم أنّ الألف واللام إذا دخلت على اسم الفاعل واسم المفعول كانت بمعنى «الذي» و «التي» فلا بدّ من ضمير يعود عليها ، ولا يجوز الفصل بين ما دخلت عليه وبين معموله لأنّها من قبيل الموصولات ، ولا يجوز الفصل بين الصلة والموصول بأجنبي ، فعلى هذا إذا قلت : أعطي المعطى دينارين ثلاثين ، فإنّ «أعطي» يحتاج إلى مرفوع ومنصوب ، والمعطى كذلك.

وفي المسألة أربعة أسماء وهي : المعطى ، والضمير الذي فيه ، والديناران ، والثلاثون.

ولا يخلو من أن يسرّح المعطى والضمير الذي فيه ، أو يقيّد ، أو يسرّح أحدهما ، ويقيّد الآخر.

فإن سرحا فلا يخلو من أن يقام لـ «أعطي» والمعطى الأول من المفعولين أو الثاني ، أو يقام الأول للأول والثاني للثاني أو بالعكس.

فإن أقمت الأول لهما ، قلت : «أعطي المعطى دينارين ثلاثين دينارا» ، فيكون المعطى

٥٧٣

مرفوع «أعطي» والضمير الذي فيه مرفوع «المعطى» ، «والديناران» منصوب «المعطى» ، والثلاثين منصوب «أعطي» ، ولا يجوز أن تجعل «الدينارين» منصوب «أعطي» والثلاثين منصوب «المعطى» لأنّك لو فعلت ذلك لفصلت بين المعطى ومعموله وهو «الثلاثون» بالدينارين وهو معمول «أعطي» ، وقد تقدّم أنّه لا يجوز الفصل بين الصلة والموصول بأجنبي.

وإن أقمت لهما الثاني ، قلت : «أعطي المعطى ديناران ثلاثون دينارا» ، فتجعل «المعطى» منصوب «أعطي» ، والضمير منصوب «المعطى» و «الديناران» مرفوع «المعطى» ، و «الثلاثون» مرفوع «أعطي» ، ولا يجوز أن تجعل «الديناران» مرفوع «أعطي» و «الثلاثون» مرفوع «المعطى» ، لما في ذلك من الفصل بين الصلة والموصول كما تقدّم.

فإن أقمت الأول للأول ، والثاني للثاني قلت : «أعطي المعطى ديناران ثلاثين دينارا» ، فتجعل «المعطى» مرفوع «أعطي» ، والضمير منصوب «المعطى» ، و «الديناران» مرفوع «المعطى» ، و «الثلاثون» منصوب «أعطي».

وإن أقمت الأول للثاني والثاني للأول ، قلت : «أعطي المعطى دينارين ثلاثون دينارا» ، فتجعل «المعطى» منصوب «أعطي» ، والضمير المستتر في «المعطى» مرفوع «أعطي» ، و «الدينارين» منصوب «المعطى» ، و «الثلاثين» مرفوع «أعطي» ، و «المعطى» في هذه المسألة قد أخذ جميع الاثنين والثلاثين.

وإن قيّدته قلت : «أعطي بالمعطى به ديناران ثلاثون دينارا» ، فتجعل «الدينارين» مرفوع «المعطى» ، و «الثلاثين» مرفوع «أعطي». ولا يجوز أن تجعل «الدينارين» مرفوع «أعطي» ، و «الثلاثين» مرفوع المعطى لما يؤدي ذلك إليه من الفصل بين الصلة والموصول بأجنبيّ ، ويكون منصوب «المعطى» و «أعطي» محذوفا حذف اقتصار ، أو الباء باء السبب ، كأنك قلت : أعطي ثلاثون دينارا من شاء الله من الناس بسبب المعطى بسببه ديناران من شاء الله من الناس. فأعطي بسبب المعطى في هذه المسألة جميع العدد ولم يأخذ منه شيئا.

ولا يجوز في هذه المسألة إلا رفع «الدينارين» و «الثلاثين» لما تقدّم من أنّه إذا اجتمع سريح ومقيّد لم يقم إلّا السّريح وترك المقيد ، إلا أن يجعل في المعطى ضميرا آخر يعود على الألف واللام ، فإنّك إن فعلت ذلك قلت : «أعطي بالمعطى به دينارين ثلاثون دينارا» ،

٥٧٤

فتقيم لأعطي الثلاثين لأنّه سريح والمعطى مقيّد بالباء وتجعل مرفوع المعطى ضميرا مستترا وتجعل منصوبه الدينارين.

هذا إن أقمت الأول ، فإن أقمت الثاني لأنه سريح قلت : «أعطي بالمعطاه ديناران ثلاثون دينارا» ، فتجعل الضمير منصوب المعطى ، و «الدينارين» مرفوع «المعطى» ، ويكون التقدير إذا جعلت في «المعطى» ضميرا آخر : أعطي ثلاثون دينارا من شاء الله من الناس بسبب المعطى هو دينارين بسبب نفسه لا بسبب غيره.

فيكون في هذه المسألة قد أخذ بسببه ثلاثون ، وأخذ هو بسبب نفسه دينارين. فإن قيّدت المعطى وسرّحت الضمير فقلت : «أعطي بالمعطى دينارين ثلاثون دينارا» ، فتجعل الضمير مرفوع «المعطى» ، و «الدينارين» منصوبه ، و «الثلاثين» مرفوع «أعطي» ، ويكون منصوب «أعطي» محذوفا ويكون التقدير : أعطي ثلاثون دينارا من شاء الله من الناس بسبب المعطى هو دينارين.

وإن أقمت الثاني للمعطى قلت : «أعطي بالمعطاه ديناران ثلاثون دينارا» ، فتجعل الضمير منصوب «المعطى» ، و «الدينارين» مرفوعه ، و «الثلاثين» مرفوع «أعطي» ، ولا يجوز في «الثلاثين» الّا الرفع لأنّه سريح ، وليس لـ «أعطي» غيره إلّا قولك : بالمعطى ، وهو مقيد ، والتقدير أيضا : «أعطي ثلاثون دينارا من شاء الله من الناس المعطاه ديناران» ، ولا يكون «المعطى» في هذه المسألة قد أخذ دينارين وأخذ بسببه ثلاثون دينارا. فإن قيدت الضمير ، وسرّحت المعطى ، قلت : «أعطي المعطى به ديناران ثلاثين دينارا» ، فتجعل «المعطى» مرفوع «أعطي» ، و «الدينارين» مرفوع «المعطى» ، و «الثلاثين» منصوب «أعطي» ، ويكون منصوب المعطى محذوفا ، ويكون التقدير : أعطي ثلاثين دينارا المعطى بسببه ديناران من شاء الله من الناس.

وإن أقمت لـ «أعطي» الثاني قلت : «أعطي المعطى به ديناران ثلاثون دينارا» ، فتجعل «المعطى» منصوب «أعطي» ، و «الدينارين» مرفوع «المعطى» ، و «الثلاثين» مرفوع «أعطي» ، ويكون منصوب «المعطى» محذوفا ويكون التقدير : «أعطي ثلاثون دينارا المعطى بسببه ديناران من شاء الله من الناس ، ويكون المعطى قد أخذ في هذه المسألة ثلاثين دينارا ، وأخذ بسببه ديناران وليس للمعطى ما يقام له إلّا الديناران ، لأنّه سريح والضمير مقيّد ، إلا أن

٥٧٥

يجعل في «المعطى» ضمير آخر ، فإنّك إذ ذاك إن أقمته قلت : «أعطي المعطى به دينارين ثلاثين دينارا» ، فتجعل «المعطى» مرفوع «أعطي» ، والضمير الذي فيه مرفوعه و «الدينارين» منصوب «المعطى» ، و «الثلاثين» منصوب «أعطي». وإن أقمت للمعطى الدينارين قلت : «أعطي المعطاه به ديناران ثلاثين دينارا» ، ويكون المعطى في هذه المسألة قد أخذ الاثنين والثلاثين دينارا.

٥٧٦

فهرس المحتويات

القسم الأول : ترجمة الزجاجي وابن عصفور

١ ـ ترجمة الزجاجيّ (صاحب الجمل)........................................... ٥

٢ ـ مؤلفات الزجاجيّ........................................................ ٥

٣ ـ مصادر ترجمة الزجاجي ومراجعها............................................ ٦

٤ ـ ترجمة ابن عصفور........................................................ ٧

٥ ـ مؤلفات ابن عصفور...................................................... ٧

٦ ـ مصادر ترجمة ابن عصفور ومراجعها......................................... ٩

٧ ـ كتاب الجمل........................................................... ١٠

٨ ـ كتاب «شرح الجمل».................................................... ١١

القسم الثاني : كتاب شرح الجمل........................................... ١٣

١ ـ أقسام الكلام........................................................... ١٥

٢ ـ تعريف الاسم.......................................................... ١٥

٣ ـ تعريف الفعل........................................................... ٢٦

٤ ـ الأصل في الاشتقاق..................................................... ٢٨

باب الإعراب

١ ـ تعريف الإعراب........................................................ ٣١

٢ ـ الأسماء المعربة والأسماء المبنية.............................................. ٣٣

٣ ـ اختصاص الأسماء بالخفض والتنوين ، وأنواع التنوين........................... ٣٦

باب معرفة علامات الإعراب

١ ـ علامات الرفع.......................................................... ٤٧

٢ ـ علامات النصب........................................................ ٤٨

٥٧٧

٣ ـ علامات الخفض........................................................ ٤٩

٤ ـ علامات الجزم.......................................................... ٥٠

٥ ـ المعرب بالحروف........................................................ ٥١

٦ ـ المثنى والجمع........................................................... ٥٥

٧ ـ الأصل في علامات الإعراب.............................................. ٥٦

باب الأفعال

١ ـ أقسام الأفعال بالنسبة إلى الزمان........................................... ٥٨

٢ ـ أقسام النواصب......................................................... ٦٢

٣ ـ أقسام الجوازم........................................................... ٦٥

باب التثنية والجمع

١ ـ تعريف التثنية.......................................................... ٦٨

٢ ـ أقسام التثنية........................................................... ٧٢

٣ ـ قسما الاسم المثنى....................................................... ٧٤

٤ ـ تعريف الجمع.......................................................... ٨١

٥ ـ أقسام الجمع........................................................... ٨٣

٦ ـ المجموع بالألف والتاء.................................................... ٨٥

٧ ـ المجموع بالواو والنون..................................................... ٨٦

٨ ـ حكم الاسم المجموع بالألف والتاء......................................... ٨٨

٩ ـ اختلاف النحاة في نون المثنى والجمع....................................... ٩٠

باب الفاعل والمفعول به

١ ـ تعريف الفاعل.......................................................... ٩٣

٢ ـ تعريف المفعول به....................................................... ٩٩

٣ ـ رفع الفاعل ونصب المفعول به........................................... ١٠٠

٤ ـ تقدم المفعول به على الفاعل............................................ ١٠١

٥ ـ تقديم المفعول به على عامله وتأخيره عنه.................................. ١٠٢

٦ ـ الرافع للفاعل......................................................... ١٠٣

٧ ـ الناصب للمفعول به................................................... ١٠٣

٨ ـ حكم الفعل إذا تأخر عن الاسم......................................... ١٠٤

٩ ـ الموصولات........................................................... ١٠٦

١٠ ـ لغات الذي والتي.................................................... ١٠٩

١١ ـ ما................................................................. ١١٥

١٢ ـ من................................................................ ١١٧

١٣ ـ أل................................................................ ١٢٢

٥٧٨

١٤ ـ صلة الموصول....................................................... ١٢٣

١٥ ـ الضمير العائد على الموصول........................................... ١٢٦

١٦ ـ أنواع الضمير العائد على الموصول....................................... ١٢٧

١٧ ـ عدم إتباع الموصول بتابع.............................................. ١٣١

١٨ ـ الفصل بن الصلة والموصول............................................ ١٣٢

١٩ ـ حذف صلة الموصول................................................. ١٣٤

باب ما يتبع الاسم في إعرابه.............................................. ١٤٠

باب النعت

١ ـ تعريف النعت......................................................... ١٤١

٢ ـ النعت المشتق وغير المشتق.............................................. ١٤٤

٣ ـ إعراب النعت......................................................... ١٤٨

٤ ـ مراتب المعارف........................................................ ١٤٨

٥ ـ الموصولات........................................................... ١٤٨

٦ ـ الضمائر............................................................. ١٤٨

٧ ـ أسماء الإشارة......................................................... ١٤٩

٨ ـ العلم................................................................ ١٥٢

٩ ـ المعرف بالألف واللام والمعرّف بالإضافة................................... ١٥٢

١٠ ـ أقسام الاسم بالنسبة إلى النعت به...................................... ١٥٥

١١ ـ تعدد النعت......................................................... ١٥٦

١٢ ـ تعدد النعت والمنعوت................................................. ١٥٨

١٣ ـ الأسماء التي لا تنعت................................................. ١٦٤

١٤ ـ تقدّم الصفة على الموصوف............................................ ١٦٥

١٥ ـ حذف المنعوت...................................................... ١٦٧

١٦ ـ الفصل بين النعت ومنعوته............................................ ١٧١

١٧ ـ إضافة المنعوت إلى نعته............................................... ١٧٣

باب العطف

١ ـ تعريف عطف النسق................................................... ١٧٤

٢ ـ حروف العطف....................................................... ١٧٤

٣ ـ الواو................................................................ ١٧٩

٤ ـ حتى................................................................ ١٨١

٥ ـ الفاء................................................................ ١٨٢

٦ ـ ثمّ.................................................................. ١٨٤

٧ ـ إمّا.................................................................. ١٨٥

٨ ـ أو.................................................................. ١٨٩

٥٧٩

٩ ـ أم.................................................................. ١٩٣

١٠ ـ «بل» و «لا بل».................................................... ١٩٦

١١ ـ لا................................................................. ١٩٧

١٢ ـ لكن............................................................... ١٩٨

١٣ ـ عطف الأسماء بعضها على بعض....................................... ١٩٩

١٤ ـ تقديم المعطوف على المعطوف عليه..................................... ٢٠٥

١٥ ـ عطف الاسم على الفعل والعكس...................................... ٢١١

١٦ ـ حذف حرف العطف والمعطوف وحرف العطف والمعطوف عليه............. ٢١٤

١٧ ـ إعراب الاسم المعطوف............................................... ٢١٦

١٨ ـ تعدد العطف........................................................ ٢٢٠

١٩ ـ الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه.................................... ٢٢٤

٢٠ ـ الاشتراك بحروف العطف.............................................. ٢٢٦

٢١ ـ العامل في المعطوف.................................................. ٢٢٧

باب التوكيد

١ ـ تعريف التوكيد........................................................ ٢٢٨

٢ ـ قسما التوكيد المعنويّ................................................... ٢٣١

٣ ـ الأسماء المؤكدة........................................................ ٢٣٦

٤ ـ اجتماع التوابع........................................................ ٢٤١

٥ ـ ألفاظ التوكيد الممنوعة من الصرف....................................... ٢٤١

٦ ـ ما يجري مجرى «كل».................................................. ٢٤٣

٧ ـ «كلا» و «كلتا»..................................................... ٢٤٤

باب البدل

١ ـ تعريف البدل......................................................... ٢٥٠

٢ ـ أقسام البدل.......................................................... ٢٥٢

٣ ـ بدل المعرفة من المعرفة ، والنكرة من النكرة ، وبالعكس...................... ٢٥٦

٤ ـ أقسام البدل من حيث الإظهار والإضمار................................. ٢٦٠

٥ ـ البدل من المضمر...................................................... ٢٦١

٦ ـ البدل من اسم الاستفهام............................................... ٢٦٥

٧ ـ البدل من عدد أو جمع................................................. ٢٦٥

باب عطف البيان

١ ـ التعريف بعطف البيان.................................................. ٢٦٨

٢ ـ الفرق بينه وبين التوكيد................................................. ٢٦٩

٥٨٠