شرح جمل الزجّاجى - ج ١

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »

شرح جمل الزجّاجى - ج ١

المؤلف:

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-2263-0
ISBN الدورة:
2-7451-2263-0

الصفحات: ٥٨٤

باب النعت

[١ ـ تعريف النعت] :

النعت عند النحويين عبارة عن اسم أو ما هو في تقدير اسم ، يتبع ما قبله لتخصيص نكرة ، أو لإزالة اشتراك عارض في معرفة أو مدح أو ذمّ أو ترحم أو تأكيد ، مما يدلّ على حليته أو نسبه أو فعله أو خاصّة من خواصّه.

فقولنا : «عبارة عن اسم أو ما هو في تقديره» : أما الاسم فقد تقدّم حدّه. وأما ما هو في تقديره فالظروف والمجرورات والجمل ، وذلك : «مررت برجل عندك» ، أو «برجل في الدار» ، أو «برجل قام أبوه».

ويشترط في الظروف والمجرورات أن تكون تامة ، أي : في وصف الموصوف بها فائدة وإلّا فلا يجوز الوصف بها ، نحو : «مررت برجل اليوم وبرجل لك» ، ألا ترى أن ذلك غير مفيد.

ويشترط في الجمل أن تكون محتملة للصدق والكذب. فأمّا قوله [من الرجز] :

٩٨ ـ ما زلت أسعى بينهم وأختبط

حتّى إذا جنّ الظلام واختلط

جاؤوا بمذق هل رأيت الذئب قط

______________________

٩٨ ـ التخريج : الرجز للعجّاج في ملحق ديوانه ٢ / ٣٠٤ ؛ وخزانة الأدب ٢ / ١٠٩ ؛ والدرر ٦ / ١٠ ؛ وشرح التصريح ٢ / ١١٢ ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ٦١ ؛ وبلا نسبة في الإنصاف ١ / ١١٥ ؛ وخزانة الأدب ـ

١٤١

فوصف «المذق» بما لا يحتمل الصدق والكذب ، كأنه قال : «بمذق أغبر». والمذق : اللبن الذي مذق بالماء ، أي : مزج بالماء ، فإنّه يتخرّج على إضمار القول ، كأنّه قال : بمذق تقول فيه إذا رأيته : هل رأيت الذئب قطّ؟ والقول كثيرا ما يحذف.

ويشترط كونه في الجمل أيضا أن يكون فيها ضمير يعود على الموصوف ، وحكمه في الحذف والإثبات كحكم الضمير العائد على الموصول إلّا أن يكون مرفوعا فإنه لا يجوز حذفه أصلا ، مبتدأ كان أو خبرا.

واعلم أنه لا يوصف بما هو في تقدير الاسم إلّا النكرة ، فإن أردت أن تصف به المعرفة ، فلا بدّ من جعله في صلة موصول ، وحينئذ يسوغ لك ذلك نحو قولهم : «مررت بزيد الذي قام أبوه وبزيد الذي في الدار وبزيد الذي عندك».

وقولنا : «لتخصيص نكرة» ، مثاله : «مررت برجل عاقل» ، ألا ترى أنه كان يحتمل جميع الرجال ، فلما وصفته بـ «عاقل» صار لا يقع إلّا لمن هذه صفته.

وقولي : «ولإزالة اشتراك عارض في معرفة» ، مثاله : «مررت بزيد الخيّاط» ، إذا كان بينك وبين مخاطبك عهد في زيدين أحدهما خياط والآخر ليس كذلك.

______________________

ـ ٣ / ٣٠ ، ٥ / ٢٤ ، ٤٦٨ ، ٦ / ١٣٨ ؛ وشرح الأشموني ٢ / ٤٩٩ ؛ وشرح ابن عقيل ص ٤٧٧ ؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٥٤١ ؛ وشرح المفصل ٣ / ٥٢ ، ٥٣ ؛ ولسان العرب ٤ / ٢٤٨ (خضر) ، ١٠ / ٣٤٠ (مذق) ؛ والمحتسب ٢ / ١٦٥ ؛ ومغني اللبيب ١ / ٢٤٦ ، ٢ / ٥٨٥ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ١١٧.

شرح المفردات : جنّ الظلام : اشتدّ سواده. اختلط : اعتكر. المذق : اللبن المخلوط بالماء.

المعنى : يقول هاجيا قوما بخلاء : لمّا حلّ الظلام قدّموا لنا لبنا ممزوجا بالماء فصار شبيها بلون الذئب في كدرته.

الإعراب : ... «حتى» : حرف ابتداء وغاية. «إذا» : ظرف زمان يتضمن معنى الشرط ، متعلّق بجوابه.

«جنّ» : فعل ماض. «الظلام» : فاعل مرفوع. «واختلط» : الواو حرف عطف ، «اختلط» : فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : «هو». «جاؤوا» : فعل ماض ، والواو ضمير في محلّ رفع فاعل. «بمذق» : جار ومجرور متعلّقان بـ «جاؤوا». «هل» : حرف استفهام. «رأيت» : فعل ماض ، والتاء ضمير في محلّ رفع فاعل. «الذئب» : مفعول به منصوب. «قط» : ظرف زمان مبني في محلّ نصب ، متعلّق بـ «رأيت».

وجملة «إذا جن ... جاؤوا» الشرطية استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة : «جن الظلام» في محلّ جرّ بالإضافة. وجملة : «اختلط» معطوفة على جملة «جنّ». وجملة : «جاؤوا ...» لا محلّ لها من الإعراب لأنّها جواب شرط غير جازم. وجملة «هل رأيت» في محل نصب مفعول به لفعل القول المحذوف الذي هو نعت لـ «مذق» تقديره : «بمذق مقول فيه هل رأيت ...».

الشاهد فيه قوله : «بمذق هل رأيت الذئب» حيث جاء ظاهر الجملة الاستفهاميّة وكأنّه نعت للنكرة «مذق» ، والحقيقة هي مقول قول محذوف تقديره : «جاؤوا بمذق مقول فيه : هل رأيت الذئب قط».

١٤٢

وإنما قلنا إنّ الاشتراك في مثل هذا عارض ، لأن المعرفة إنّما وضعت على أن تخصّ مسماها ، والنكرة بعكس ذلك.

وقولنا : «أو مدح» ، مثاله : «بسم الله الرحمن الرحيم» ، فالرحيم نعت لله على جهة المدح.

وقولنا : «أو ذم» ، مثاله : «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم». فالرجيم نعت للشيطان على جهة الذم ، لأنّ الشيطان لا يعرض فيه الاشتراك لكون هذا الاسم مختصا به.

وقولنا : «أو ترحّم» ، مثاله : «مررت بزيد المسكين» ، إذا كان زيد معلوما عند المخاطب ، فالنعت إذ ذاك على جهة الترحّم والتحنّن عليه.

واعلم أنّه لا يجوز أن يكون النعت للمدح ولا للذم ولا للترحم إلا إذا كان المنعوت معلوما ، نحو ما ذكر ، أو منزلا منزلة المعلوم ، نحو : «مررت برجل عاقل» ، إذا قدّرت في نفسك أنّه لعظم شأنه لا يحتاج إلى النعت بل هو معلوم وإن أتى باسم نكرة. أو كان الوصف الذي هو للمدح أو للذم أو الترحّم قد تقدمه وصف آخر في معناه ، فيكون الأول إذ ذاك للتخصيص ، والثاني على جهة المدح أو الذم أو الترحم ، نحو : «مررت برجل شجاع وبطل» ، فـ «شجاع» إذ ذاك نعت أوّل على جهة التخصيص ، و «بطل» ثناء ومدح له.

وقولنا : «أو تأكيد» ، مثاله قوله تعالى : (نَفْخَةٌ واحِدَةٌ) (١). فواحدة نعت على جهة التأكيد لأنه قد علم أن النفخة واحدة. ومثاله أيضا قول الشاعر [من الكامل] :

٩٩ ـ [خبلت غزالة قلبه بفوارس]

تركت منازلهم كأمس الدّابر

______________________

(١) الحاقة : ١٣.

٩٩ ـ التخريج : البيت لعمران بن حطان في الأغاني ١٨ / ١٢٢ ؛ وبلا نسبة في الخصائص ٢ / ٢٦٧.

اللغة : خبلته : جعلته مجنونا ، خبله وخبّله واختبله : أفسد عقله وعضوه. الدابر : الماضي.

المعنى : لقد أفسدت هذه الغزالة قلبه ، فصار يخشى فوارسا تجعل ديارهم كما لو أنها لم تكن ، كيوم أمس مضى وكأنّه لم يكن.

الإعراب : خبلت : فعل ماض مبني على الفتح ، و «التاء» : للتأنيث. غزالة : فاعل مرفوع بالضمّة.

قلبه : مفعول به منصوب بالفتحة ، و «الهاء» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. بفوارس : جار ومجرور متعلّقان بـ (خبلت). تركت : فعل ماض مبني على الفتح ، و «التاء» : للتأنيث ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هي). منازلهم : مفعول به منصوب بالفتحة ، و «هم» : ضمير متصل في محلّ جرّ مضاف إليه. ـ

١٤٣

أي : الماضي ، ومعلوم أنّ «أمس» ماض ، لكنه جاء على طريق التأكيد.

وقولنا : «مما يدلّ على حليته» ، الحلية : الصفة الثابتة كالزرق والكحل والطول والقصر والسواد والبياض.

وقولنا : «أو نسبه» ، النسب قد يكون إلى بلد ، نحو : «رجل بغدادي» ، وإلى قبيلة ، نحو : «قرشي» ، وإلى صنعة ، وأكثر ما يكون هذا على وزن «فعّال» ، نحو : «خيّاط» ، و «نجّار».

وقولنا : «أو فعله» ، نحو : «قائم» و «قاعد».

وقولنا : «أو خاصّة من خواصّه» ، مثاله : «مررت برجل ذي مال» ، أو «برجل قائم أبوه» ، لأن ماله وقيام أبيه من خواصه.

[٢ ـ النعت المشتق وغير المشتق] :

واعلم أن النعت لا يخلو من أن يرفع ضمير المنعوت أو ظاهرا من سبب المنعوت. فإن رفع المنعوت فلا يخلو من أن يكون مشتقّا أو في حكم المشتق. والمشتق ما أخذ من المصدر ، نحو : «قائم» ، من القيام ، و «قاعد» من القعود ، والذي في حكم المشتق ما هو في معنى ما أخذ من المصدر ، نحو : «رجل أسد» ، أي : شجاع ، فشجاع مأخوذ من الشجاعة ورجل ذي مال ، أي : صاحب مال ، وصاحب مشتق من الصحبة.

فإن كان مشتقّا فلا يخلو أن يكون جاريا على فعله أو غير جار ، ومعنى «الجاري» أن يكون مجيئه مشتقّا من فعله على قياس مطّرد في بابه نحو : «فاعل» من «فعل» ، كضارب من «ضرب» ، و «فعيل» من «فعل» ، كظريف من «ظرف» ، وشبه ذلك.

وغير الجاري ما لا يكون مجيئه في بابه مطردا ، نحو : «مفعال» من «فعل» ، كمضراب

______________________

ـ كأمس : «الكاف» : اسم بمعنى (مثل) مبنى على الفتح في محل نصب مفعول به ثان للفعل (تركت) ، «أمس» : مضاف إليه مبني على الكسر في محل جر. الدابر : صفة (أمس) مجرورة بالكسرة.

وجملة «خبلت» : ابتدائيّة لا محلّ لها. وجملة «تركت» : في محلّ جرّ صفة لـ (فوارس).

والشاهد فيه قوله : «كأمس الدابر» حيث وصف (أمس) بأنه (الدابر) من باب التوكيد.

١٤٤

من «ضرب». فإن كان جاريا فإنّه يتبع النعت في أربعة من عشرة ، وهي : الرفع والنصب والجر ، والتعريف والتنكير ، والإفراد والتثنية والجمع ، والتذكير والتأنيث ، نحو قولهم : «مررت برجل قائم وبرجلين قائمين وبامرأة قائمة وبامرأتين قائمتين وبنساء قائمات».

وإن كان غير جار ، نحو : «فعول» بمعنى «فاعل» ، كضروب بمعنى : ضارب ، و «فعيل» بمعنى «مفعول» كجريح بمعنى مجروح ، أو «مفعال» أو «مفعيل» ، نحو : «رجل مضراب» ، و «ناقة مخطير» (١) ، فإنّه إذ ذاك يتبعه في ثلاثة من ثمانية ، وهي الرفع والنصب والخفض ، والتعريف والتنكير ، والإفراد والتثنية والجمع ، لأنه يكون للمذكر والمؤنث بغير تاء ، نحو : «مررت برجل صبور ، وبامرأة صبور ، وبرجلين صبورين ، وبامرأتين صبورين وبرجال صبر وبنساء صبر». ما عدا «أفعل» التي للمفاضلة ، فإنّها لا تخلو من أن تكون مع «من» أو مضافة أو معرفة بالألف واللام. فإن كانت معرّفة بالألف واللام ، تبعت ما قبلها في أربعة من تسعة ، لأنّها إنما تكون معرفة في كل حال ؛ فأمّا مع «من» فإنّها تتبع الموصوف في اثنين من خمسة ، وهي : الرفع والنصب والخفض ، والتعريف والتنكير ، وتكون للمفرد والمثنى والمجموع والمذكّر والمؤنّث بلفظ واحد.

وأما إذا كانت مضافة فأنّه يجوز فيها أن تتبع ما قبلها في أربعة من العشرة المذكورة ، وأن تكون بمنزلتها مع «من» فلا تتبع إلا في اثنين من خمسة : «مررت برجل أفضل القوم وبرجلين أفضل القوم وبرجال أفضل القوم وبامرأة أفضل القوم وبامرأتين أفضل القوم وبنساء أفضل القوم».

فإن أتبعتها في أربعة من عشرة قلت : «مررت برجل أفضل القوم وبرجلين أفضلي القوم وبرجال أفاضل القوم وبامرأة فضلى القوم وبامرأتين فضليي القوم وبنساء فضليات القوم».

وإن كان في حكم المشتق ، فلا يخلو أن يكون منسوبا أو غير منسوب ، فإن كان منسوبا جرى مجرى المشتق الجاري على فعله ، فيتبع ما قبله في أربعة من عشرة ؛ وإن كان غير منسوب فلا يتبع ما قبله إلا في اثنين من خمسة ، فتقول : «مررت بامرأة حجر الرأس» ،

______________________

(١) الناقة المخطير : التي ترفع ذنبها مرّة بعد مرّة ، وتضرب به ما ظهر من فخذيها (لسان العرب (خطر)).

جمل الزجاجي / ج ١ / م ١٠

١٤٥

وكذلك : «مررت بامرأة أسد» ، ولا تقول : «حجرة الرأس» ، قال الشاعر [من الرجز] :

١٠٠ ـ ئبرة العرقوب إشفى المرفق

فقال : «إشفى» ولم يقل : إشفاة ، وهو من صفات المؤنث. ما عدا «أيّا» فإنّها تفرد وتذكر على كل حال ، ولا تثنى ولا تجمع ولا يلزم تأنيثها ، فتتبع في اثنين من خمسة ، واحد من وجوه الإعراب والتنكير.

وما عدا «مثلا» ، فإنها تذكر على كلّ حال ، فتكون كـ «أيّ» ، وقد تفرد على كل حال. وقد يجوز جمعها وتثنيتها ، وأما إذا كانت غير مضافة فيلزم تثنيتها وجمعها ، نحو : «مررت برجلين مثلين وبرجال أمثال».

والوصف بالمصدر ـ عندنا ـ من قبيل ما هو في حكم المشتق ، وله في الوصف طريقان : أحدهما : أن تريد المبالغة ، والثاني : أن لا تريدها.

فإن لم ترد المبالغة فهو ـ عندنا ـ على حذف مضاف ، نحو : «مررت برجل عدل» ، تريد : ذي عدل.

فإن أردت المبالغة فعلى جعل الموصوف هو المصدر مجازا لكثرة وقوعه منه ، نحو : «مررت برجل ضرب» ، تريد أنّ الرجل نفسه هو الضرب لكثرة وقوعه منه ، ونظير هذا قوله تعالى : (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ) (١). فجعل الإنسان من العجل لكثرة وقوعه منه ، خلافا لأهل الكوفة ، فإنّهم يزعمون أنّ المصدر وقع موقع الصفة ، فيجعلون «ضربا» و «عدلا»

______________________

١٠٠ ـ التخريج : الرجز بلا نسبة في الخصائص ٢ / ٢٢١ ، ٣ / ١٩٥ ؛ والممتع في التصريف ١ / ٧٤.

اللغة : المئبرة : موضع الإبر ، وما رقّ من الرّمل. العرقوب : عصب غليظ فوق عقب الإنسان. المرفق : موصل الذراع في العضد. الإشفى : المثقب.

المعنى : إنها امرأة عجفاء ، ضئيلة الحجم ، رفيعة العرقوب والمرفق حتى لكأن عرقوبها إبرة ، ومرفقها مثقب.

الإعراب : مئبرة : خبر لمبتدأ محذوف تقديره هي (أو سابق) مرفوع بالضمّة. العرقوب : مضاف إليه مجرور بالكسرة. إشفى : خبر لمبتدأ محذوف ، تقديره (هي) مرفوع بضمّة مقدّرة على الألف. المرفق : مضاف إليه مجرور بالكسرة.

والشاهد فيه قوله : «إشفى المرفق» حيث ذكّر الصفة (إشفى) ، ولم يؤنّثها ، والوصف لامرأة.

(١) الأنبياء : ٣٧.

١٤٦

واقعين موقع «ضارب» و «عادل» ، وذلك إخراج للمصدر عن أصله ، ومهما أمكن إبقاؤه على أصله كان أولى.

ومما يبيّن أنّه باق على أصليته أنه لا يثنّى ولا يجمع ولا يؤنث كما كان قبل أن تصف به إلّا ما حكي شاذّا ، فقد حكي : «فرس طوعة القياد» ، بتأنيث «طوع» ، وإن كان في الأصل مصدرا. وأنشدوا أيضا [من البسيط] :

١٠١ ـ والحيّة الحتفة الرّقشاء أخرجها

من جحرها آمنات الله والكلم

وقد حكي أيضا : أضياف وضيوف وضيفان في ضيف ، وهو في الأصل مصدر أضافه يضيفه ضيفا. ومثل هذا موقوف على السماع.

وإن رفع النعت ظاهرا من سبب المنعوت ، نحو : «مررت برجل قائم أبوه» ، يتبع المنعوت في اثنين من خمسة ، وهي : الرفع والنصب والخفض ، والتعريف والتنكير. وأما الخمسة الباقية فيتبع فيها في السبب في لغة من قال : «أكلوني البراغيث» ، وفي اللغة

______________________

١٠١ ـ التخريج : البيت لأميّة بن أبي الصلت في ديوانه ص ٥٧ (وفيه «والقسم» مكان «والكلم») ؛ والأشباه والنظائر ٢ / ٣٨٩ ؛ ولسان العرب ٩ / ٣٨ (حتف) ، ١١ / ٤٣١ (عدل) ؛ وبلا نسبة في الخصائص ١ / ١٥٤ ، ٢ / ٢٠٥.

اللغة : الحتفة : المهلكة ، مؤنّث الحتف. الرّقشاء : المنقّطة بسواد وبياض. والحجر : ما تحتفره منزلا لها (الحيّة والضبّ ...). آمنات الله : كلمات يقولها الحاوي ليخرج الأفاعي من جحورها. الكلم : جمع كلمة.

المعنى : لقد أخرج الحيّة المهلكة المنقّطة كلام الحاوي وقوله : أنت في أمان الله.

الإعراب : والحية : «الواو» : بحسب ما قبلها ، «الحية» : مبتدأ مرفوع بالضمة. الحتفة : صفة (الحية) مرفوعة بالضمّة. الرقشاء : صفة (الحية) مرفوعة بالضمّة. أخرجها : فعل ماض مبني على الفتح ، و «ها» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به. من جحرها : جار ومجرور متعلقان بـ (أخرج) ، و «ها» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. آمنات : فاعل (أخرجها) مرفوع بالضمّة. الله : لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور بالكسرة. والكلم : «الواو» : للعطف ، «الكلم» : اسم معطوف على (آمنات) مرفوع بالضمّة.

وجملة «الحية أخرجها» : ابتدائية لا محلّ لها (أو بحسب ما قبلها). وجملة «أخرجها» : في محلّ رفع خبر (الحيّة).

والشاهد فيه قوله : «الحية الحتفة» حيث أنّث المصدر (الحتف) وهو الهلاك فجعله صفة لـ (الحية) ، وهذا شاذّ أو نادر.

١٤٧

الفصيحة يكون مفردا على كل حال ، ويتبع في التذكير والتأنيث.

[٣ ـ إعراب النعت] :

والنعت يكون إعرابه أبدا على حسب إعراب المنعوت في اللفظ إلّا فيما كان له من المنعوتين لفظ وموضع ، فإنه يجوز أن يتبع المنعوت على لفظه فيتفق إعرابهما ، وأن يتبعه على الموضع فيختلف إعرابهما ، وسنبيّن ما له لفظ وموضع في باب العطف إن شاء الله تعالى.

[٤ ـ مراتب المعارف] :

واعلم أن النعت لا يكون إلّا مشتقّا أو في معناه ، وقد تقدم ، ومساويا للمنعوت في التعريف وأقلّ منه تعريفا ، فلا بد من ذكر المعارف ومراتبها في التعريف. فالمعارف خمسة أشياء : المضمرات ، وأسماء الإشارة ، والأعلام ، وما عرّف بالألف واللام ، وما أضيف إلى معرفة إضافة محضة.

[٥ ـ الموصولات] :

فأما الموصولات فمن قبيل ما عرّف بالألف واللام ، وفي الذي تعرفت به خلاف ، هل هو الألف واللام الملفوظ بها في مثل «الذي» أو المرادة معنى في مثل «من» و «ما» ، وسنبيّن ذلك في بابه إن شاء الله تعالى.

وأما الموصولات فقد تقدّم ذكرها في باب «نوع منه آخر».

[٦ ـ الضمائر] :

وأما المضمرات فتنقسم ثلاثة أقسام : ضمير متكلّم ، وضمير مخاطب ، وضمير غائب. وضمير الغائب ينقسم ثلاثة أقسام : مرفوع ومنصوب ومخفوض. والمرفوع ينقسم قسمين : متصل ومنفصل ، فالمنفصل : هو ، هي ، هما ، هم ، هنّ ، والمتصل : «هو» المستتر في مثل «فعل» ، و «هي» المستترة في مثل «فعلت» ، والألف في مثل «فعلا» و «فعلتا» ، والواو في مثل «فعلوا» ، والنون في مثل «فعلن».

١٤٨

والمنصوب أيضا ينقسم قسمين : متصل ومنفصل ، فالمنفصل : إيّاه ، إيّاها ، إيّاهما ، إيّاهم ، إيّاهن. والمتصل ما بعد الفعل في مثل : ضربه ، ضربها ، ضربهما ، ضربهم ، ضربهنّ.

والمجرور كله متصل وهو ما بعد الخافض في مثل : به ، بها ، بهم ، بهنّ.

وضمير المخاطب ينقسم ثلاثة أقسام : مرفوع ومنصوب ومخفوض.

فالمرفوع ينقسم قسمين : متصل ومنفصل. فالمنفصل : أنت ، أنت ، أنتما ، أنتم ، أنتنّ والمتصل ما بعد الفعل في مثل : فعلت ، فعلتما ، فعلتم ، فعلتنّ.

والمنصوب أيضا ينقسم قسمين : متصل ومنفصل ، فالمنفصل : إيّاك ، إيّاك ، إيّاكم ، إياكنّ. والمتصل : ما بعد الفعل في مثل : ضربك ، ضربك ، ضربكما ، ضربكنّ.

والمخفوض كله متصل وهو ما بعد الخافض في مثل : بك ، بكما ، بكم ، بكنّ.

وضمير المتكلم ينقسم ثلاثة أقسام : مرفوع ومنصوب ومخفوض.

فالمرفوع ينقسم قسمين : متّصل ومنفصل ، فالمنفصل : أنا ، نحن ، والمتصل ما بعد «فعل» في مثل : فعلت ، فعلنا. والمنصوب أيضا ينقسم قسمين : متصل ومنفصل.

فالمنفصل : إيّاي ، إيّانا. والمتصل ما بعد الفعل في مثل ضربني ، ضربنا.

والمخفوض كله متّصل ، وهو ما بعد الخافض في مثل «بي» ، «بنا».

واختلف في الياء من «تفعلين» هل هي ضمير أو علامة تأنيث. والصحيح أنّها ضمير على ما نبيّن في بابه إن شاء الله تعالى. فجملة المضمرات على هذا أحد وستون مضمرا.

[٧ ـ أسماء الإشارة] :

وأما أسماء الإشارة : فتنقسم أيضا ثلاثة أقسام ، قسم للبعيد ، وقسم للمتوسط ، وقسم للقريب.

والذي هو للقريب ينقسم قسمين : مذكّر ومؤنث. والمذكّر ينقسم ثلاثة أقسام :

مفرد ومثنى ومجموع ، وكذلك المؤنث.

فللواحد المذكّر : ذا وهذا ، وللاثنين : ذان وهذان ، وللجماعة : أولاء وهؤلاء.

١٤٩

وللواحدة المؤنثة : ذي وتي وتا وهذي وهاتي وهاتا وهذه في الوصل ، وذه وهذه بسكون الهاء في الوقف. وللاثنتين : تان وهاتان. والجمع كالجمع.

والذي هو منها للمتوسط ينقسم أيضا قسمين : مذكّر ومؤنث. وكلاهما ينقسم ثلاثة أقسام ، فالمذكر مفرد ومثنى ومجموع وكذلك المؤنث ، فللواحد المذكر : ذاك ، وللاثنين :

ذانك ، وللجمع : أولاك وأولّاك ، بتشديد اللام وتخفيفها ، وعليه قوله [من الرجز] :

١٠٢ ـ من بين أولّاك إلى أولالكا

وأولئك ، وقد قيل : إنّ أولئك للبعيد. وللواحدة المؤنثة : تيك. وللاثنتين : تانك ، والجمع كالجمع.

والذي هو منها للبعيد ينقسم أيضا قسمين : مذكر ومؤنث. والمذكر مفرد ومثنى ومجموع. وكذلك المؤنث. فللواحد المذكر : ذلك. وللاثنين : ذانّك بتشديد النون وذانيك ، بإبدال ياء من إحدى النونين. وقد قرىء (فذانيك برهانان من ربك) (١). بإبدال إحدى النونين ياء. وفي الجمع : أولالك ، وعليه قوله [من الطويل] :

١٠٣ ـ أولئك قومي لم يكونوا أشابة

وهل يعظ الضلّيل إلا أولالكا

______________________

١٠٢ ـ التخريج : البيت بلا نسبة في الدرر ١ / ٥٠.

الإعراب : «من» : حرف جرّ. «بين» : اسم مجرور بالكسرة ، والجار والمجرور متعلقان بما قبلهما. أولاك : اسم إشارة مبني في محلّ جرّ بالإضافة. إلى : حرف جرّ. أولالكا : اسم إشارة مبني في محل جرّ بحرف الجرّ ، والألف للإطلاق ، والجار والمجرور متعلقان بما يتعلق به (من بين).

والشاهد فيه قوله : مجيء اللام في «أولاك» مشدّدة مرّة ، ومخفّفة مرّة أخرى.

(١) القصص : ٣٢.

١٠٣ ـ التخريج : البيت للأعشى في شرح المفصل ١٠ / ٦ ؛ ولأخي الكلحبة في خزانة الأدب ١ / ٣٩٤ ؛ ونوادر أبي زيد ص ١٥٤ ؛ وبلا نسبة في إصلاح المنطق ص ٣٨٢ ؛ والدرر ١ / ٢٣٥ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ١ / ٣٢٢ ؛ وشرح التصريح ١ / ١٢٩ ؛ والصاحبي في فقه اللغة ص ٤٨ ؛ واللامات ص ١٣٢ ؛ ولسان العرب ١٥ / ٤٣٧ (ألى وألاء) ؛ والمنصف ١ / ١٦٦ ، ٣ / ٢٦ ؛ وهمع الهوامع ١ / ٧٦.

اللغة : الأشابة : الأخلاط من الناس. الضليل : الكثير الضلال.

المعنى : هؤلاء قومي الأصفياء الأنقياء ، وهم ليسوا أخلاطا كغيرهم ، وهل يقوّم الفاسق غير قومي ليردّوه إلى جادّة الصواب.

١٥٠

وللواحدة المؤنثة : تلك وتلك ، بفتح التاء وكسرها ، وتلك ، وعليه قوله [من الوافر] :

١٠٤ ـ إلى الجوديّ حتّى عاد صخرا

وحان لتالك الغمر انحسار

وللاثنتين «تانّك» بتشديد النون ، و «تانيك» بإبدال إحدى النونين ياء ، والجمع ، كالجمع. فهذه جميع المشارات.

______________________

ـ الإعراب : أولئك : اسم إشارة مبني على الكسرة في محلّ رفع مبتدأ ، و «الكاف» : حرف خطاب. قومي : خبر مرفوع بضمّة مقدّرة على ما قبل ياء المتكلّم ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. لم يكونوا : «لم» : حرف جزم وقلب ونفي ، «يكونوا» : فعل مضارع ناقص مجزوم بحذف النون من آخره لأنّه من الأفعال الخمسة ، و «الواو» : ضمير متصل في محلّ رفع اسم (يكون) ، والألف فارقة. أشابة : خبر (يكون) منصوب بالفتحة. وهل : «الواو» : للاستئناف ، «هل» : حرف استفهام. يعظ : فعل مضارع مرفوع بالضمّة. الضليل : مفعول به منصوب بالفتحة. إلا : حرف استثناء مهمل. أولالكا : اسم إشارة في محلّ رفع فاعل ، و «الكاف» : حرف خطاب ، والألف للإطلاق.

وجملة «أولئك قومي» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «لم يكونوا» : خبر ثان للمبتدأ (أولئك) محلها الرفع. وجملة «وهل يعظ» : استئنافية لا محلّ لها.

والشاهد فيه قوله : «أولئك» و «أولالكا» حيث جاء باسمي الإشارة للدلالة على الجمع البعيد.

١٠٤ ـ التخريج : البيت للقطامي في ديوانه ص ١٤٤ ؛ ولسان العرب ٥ / ٣٠ (غمر) ، ١٥ / ٤٤٧ (تا) ؛ والتنبيه والإيضاح ٢ / ١٧٩ ؛ وتاج العروس ١٣ / ٢٦١ (غمر) ، (تا).

اللغة : الجودي : جبل بالجزيرة استوت عليه سفينة نوح عليه‌السلام. الغمر : جمع غمرة وهي من كلّ شيء شدّته. الانحسار : التقلّص ، والانكشاف.

المعنى : لقد فاضت الشدائد حتى صارت كجبل الجوديّ ، وآن لهذه الشدائد أن تنجلي وتنكشف ، كما يتقلّص الماء بعد الطوفان.

الإعراب : إلى الجودي : جار ومجرور متعلّقان بـ (عامت) في بيت سابق. حتى : حرف غاية وابتداء. عاد : فعل ماض ناقص مبني على الفتح ، و «اسمها» : ضمير مستتر تقديره (هو). صخرا : خبر (عاد) منصوب بالفتحة. وحان : «الواو» : للعطف ، «حان» : فعل ماض مبني على الفتح. لتالك : «اللام» : حرف جر ، «تالك» : اسم إشارة في محلّ جرّ بحرف الجر ، والجار والمجرور متعلّقان بحال من (انحسار) ، و «الكاف» : للخطاب. الغمر : بدل من اسم الإشارة مجرور بالكسرة. انحسار : فاعل (حان) مرفوع بالضمة.

وجملة «عاد صخرا» : استئنافية لا محل لها. وجملة «حان» : معطوفة على جملة (عاد) في محلّ جرّ.

والشاهد فيه مجيء «تالك» اسم إشارة للواحدة المؤنثة البعيدة.

١٥١

[٨ ـ العلم] :

وأما العلم فهو ما علق في أول أحواله على مسمّى بعينه في جميع الأحوال من غيبة وتكلم وخطاب.

فقولي : «ما علّق في أوّل أحواله على مسمى» ، يحترز من المعرّف بالألف واللام أو بالإضافة ، فإنه كان نكرة قبل ذلك.

وقولي : «في جميع الأحوال من غيبة وتكلم وخطاب» تحرز من المشار إليه الذي لا يقع على المسمّى إلّا في حال الإشارة ومن المضمر لأنّه لا يقع أيضا على المسمى إلّا في حال الغيبة إن كان ضمير غائب ، أو التكلّم إن كان ضمير متكلم أو الخطاب إن كان ضمير مخاطب.

[٩ ـ المعرف بالألف واللام والمعرّف بالإضافة] :

وأما المعرف بالألف واللام : فهو كل اسم يكون معرفة وفيه الألف واللام ، فإذا زالت عنه صار نكرة. وهذا تحرّز من مثل : الحارث والعباس فإنّ كلّ واحد منهما معرفة زالت عنه الألف واللام أو لم تزل ، فهو إذن من قبيل الأعلام.

وأما المعرّف بالإضافة : فهو كل ما أضيف إليه معرفة من هذه المعارف إضافة محضة. والإضافة كلّها محضة إلّا في أماكن محصورة ، وهي : إضافة اسم الفاعل واسم المفعول بمعنى الحال والاستقبال ، والصفة المشبهة باسم الفاعل ، والأمثلة التي تعمل عمل اسم الفاعل ، وإضافة غيرك ، وشبهك ، ومثلك ، وخدنك ، وتربك ، وهدّك ، وكفيك بفتح الكاف وكسرها ، وكفيك بضم الكاف والفاء ، وكفائك ، وشرعك ، وحسبك ، وناهيك من رجل ، وواحد أمّه ، وعبد بطنه ، وعبر الهواجر ، وقيد الأوابد. وهذه كلّها لا خلاف في أنّ إضافتها غير محضة. والذي في إضافته خلاف وهو «أفعل» التي للمفاضلة إذا أضيفت إلى معرفة إلى ما فيه الألف واللام ، نحو : «أفضل القوم» ، والصفة المضافة للموصوف ، نحو قراءة من قرأ : (وأنه تعالى جد ربنا) (١). بضم الجيم ، أصله : ربّنا الجدّ أي العظيم ،

______________________

(١) الجن : ٣.

١٥٢

فقدّمت الصفة على الموصوف. وكذلك قول الشاعر [من الكامل] :

١٠٥ ـ يا قرّ إنّ أباك حيّ خويلد

قد كنت خائفه على الأحماق

أراد : خويلدا الحيّ ، فقدّم الصفة وأضافها إلى الموصوف. والموصوف المضاف إلى صفته ، نحو قوله تعالى : (وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ) (١) ، وقولهم : صلاة الأولى ومسجد الجامع ، المعنى : الدار الآخرة ، والصلاة الأولى ، والمسجد الجامع.

والصحيح أنّ إضافة ذلك كله غير محضة لما يذكر في موضعه إن شاء الله تعالى.

وأعرف هذه المعارف المضمرات ، ثم الأعلام ، ثم المشار ، ما عرّف بالألف واللام. وقد تقدّم أن الموصول في التعريف بمنزلة ما عرف بالألف واللام. وما أضيف إلى معرفة من هذه المعارف فهو بمنزلة ما أضيف إليه إلّا المضاف إلى المضمر فإنه في رتبة العلم. هذا مذهب سيبويه وهو الصحيح (٢).

وخولف سيبويه في ذلك في المشار والمضاف إلى معرفة ؛ فأمّا المشار فزعم الفراء أنه

______________________

١٠٥ ـ التخريج : البيت لجبار بن سلمى في خزانة الأدب ٤ / ٣٣٤ ؛ وذيل سمط اللآلي ص ٥٤ ؛ ونوادر أبي زيد ص ١٦١ ؛ وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ١ / ٤٤٣ ؛ والخصائص ٣ / ٢٨ ؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٤٥٣ ؛ وشرح المفصل ٣ / ١٣ ؛ والمقرب ١ / ٢١٣.

اللغة : قرّ : مرخّم قرّة وهي الضفدع. الأحماق : جمع حمق وهو الخفيف اللحية.

المعنى : أيتها الضفدع ، ها هو أبوك خويلد حيّ يرزق ، كنت أخاف منه على الصغار الذين لم تنبت لحاهم بعد.

الإعراب : يا قرّ : «يا» : حرف نداء ، «قر» : منادى مرخم مبني على الضمّ المقدّر على التاء المحذوفة للترخيم ، في محلّ نصب مفعول به لفعل النداء المحذوف. إن أباك : «إن» : حرف مشبّه بالفعل ، «أبا» : اسمها منصوب بالألف لأنه من الأسماء الستة ، و «الكاف» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. حي : خبر (إنّ) مرفوع بالضمّة. خويلد : مضاف إليه مجرور بالكسرة. قد كنت : «قد» : حرف تحقيق ، «كنت» : فعل ماض ناقص مبني على السكون ، و «التاء» : ضمير متصل في محلّ رفع اسم (كان). خائفة : خبر (كان) منصوب بالفتحة ، و «الهاء» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به لاسم الفاعل (خائف) أو مضاف إليه على اللفظ. على الأحماق : جار ومجرور متعلّقان بـ (خائف).

وجملة النداء : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «إنّ أباك حيّ» : استئنافيّة لا محلّ لها. وجملة «قد كنت خائفه» : خبر لـ (إنّ) محلها الرفع.

والشاهد فيه قوله : «أباك حيّ خويلد» حيث قدم الصفة (حي) على الموصوف (خويلد) ثم جعل الموصوف مضافا إلى الصفة ، والتقدير (أباك خويلدا الحيّ).

(١) يوسف : ١٠٩.

(٢) انظر المسألة الواحدة بعد المئة في الإنصاف في مسائل الخلاف ص ٧٠٧ ـ ٧٠٩.

١٥٣

أعرف من العلم. وسنبيّن فساد ذلك في باب المعرفة والنكرة. وأما المضاف إلى معرفة فزعم المبرّد أنه أدون ممّا أضيف إليه في التعريف قياسا على المضاف إلى المضمر لأنه دونه في التعريف. والذي يدلّ على فساد مذهبه قوله [من الطويل] :

١٠٦ ـ [فأدرك لم يجهد ولم يثن شأوه

يمرّ] كخذروف الوليد المثقّب

و «المثقب» نعت للخذروف ، وقد تقدم أنّ النعت لا بدّ أن يكون مساويا للمنعوت أو أقلّ منه تعريفا ، فلو كان الأمر على ما ذهب إليه لم يجز ، لأن «المثّقب» على مذهبه هو نعت أعرف من «خذروف» ، وهو المنعوت. وقوله أيضا [من الطويل] :

١٠٧ ـ كتيس الظّباء الأعفر انضرجت له

عقاب تدلّت من شماريخ ثهلان

فوصف المضاف إلى ما فيه الألف واللام بما فيه الألف واللام.

______________________

١٠٧ ـ التخريج : البيت لامرىء القيس في ديوانه ص ٥١.

اللغة والمعنى : أدرك : الضمير في «أدرك» يعود إلى الفرس. يجهد : يتعب. الشأو : الغاية. الخذروف : لعبة تدار بخيط يلعبها الصغار ، فتدور بسرعة حتى لا تكاد ترى من سرعتها.

يقول واصفا فرسه ، بأنّه استطاع اللحاق بطريدته دون مشقّة أو حثّ من فارسه ، لأنّ سرعته شبيهة بسرعة الخذروف.

الإعراب : فأدرك : الفاء : حرف عطف ، أدرك : فعل ماض ، والفاعل : هو. لم : حرف نفي وجزم وقلب. يجهد : فعل مضارع للمجهول مجزوم ، ونائب الفاعل : هو. ولم : الواو : حرف عطف ، لم : حرف نفي وجزم وقلب. يثن : فعل مضارع للمجهول مجزوم بحذف حرف العلّة. شأوه : نائب فاعل مرفوع ، وهو مضاف ، والهاء : ضمير في محلّ جر بالإضافة. يمرّ : فعل مضارع مرفوع ، والفاعل هو. كخذروف : جار ومجرور متعلّقان بمحذوف صفة لموصوف محذوف تقديره : يمرّ مرّا كائنا كخذروف ، وهو مضاف. الوليد : مضاف إليه مجرور. المثقّب : نعت «خذروف» مجرور.

وجملة (أدرك ...) الفعليّة معطوفة على جملة سابقة. وجملة (لم يجهد) الفعليّة في محلّ نصب حال. وجملة (لم يثن شأوه) الفعليّة معطوفة على جملة (لم يجهد). وجملة (يمرّ كخذروف) الفعليّة في محلّ نصب حال.

والشاهد فيه قوله : «كخذروف الوليد المثقّب» حيث اكتسب المضاف «خذروف» التعريف بإضافته إلى ما فيه «أل» ، وهو «الوليد» ، فنعت بالمعرفة ، وهو قوله : «المثقّب».

١٠٧ ـ التخريج : البيت لامرىء القيس في ديوانه ص ٩٢ ؛ ولسان العرب ٢ / ٣١٤ (ضرج) ، ١١ / ٩٤ (ثهل) ؛ وتهذيب اللغة ١٠ / ٥٥٤ ؛ وتاج العروس ٦ / ٧٨ (ضرج) ؛ والمخصص ١٧ / ١٠ ؛ وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٤٦٠. ـ

١٥٤

وهذا كله دليل على صحة ما ذكرنا من أنّ ما أضيف إلى معرفة فهو بمنزلته في التعريف.

[١٠ ـ أقسام الاسم بالنسبة إلى النعت به] :

واعلم أنّ الأسماء تنقسم ثلاثة أقسام ، قسم ينعت لا ينعت به. وقسم لا ينعت ولا ينعت به. وقسم ينعت وينعت به.

فالذي لا ينعت ولا ينعت به خمسة : المضمرات ، وأسماء الشرط ، وأسماء الاستفهام ، و «كم» الخبرية ، وكل اسم متوغل في البناء ، نحو : الآن وأين ومن.

والذي ينعت ولا ينعت به : الأسماء الأعلام ، نحو : زيد وعمرو ومكة وعمان.

والقسم الذي ينعت وينعت به : المشارات وما بقي من الأسماء إذا كان مشتقا أو في حكمه.

والأسماء كلها تنحصر في المعرفة والنكرة ؛ فأما النكرة فلا تنعت إلا بالنكرة وأما المعرفة فمحصورة في الخمسة الأنواع المذكورة.

وأما المضمر فلا ينعت ولا ينعت به كما تقدّم ؛ وأما المضاف فبمنزلة العلم فيوصف بما يوصف به العلم ، والعلم يوصف بما فيه الألف واللام ، وبالمشار وبما أضيف إلى

______________________

ـ اللغة : التيس : الذكر من الظباء والمعز والوعول إذا أتى عليه سنة. الأعفر : ما لونه بين الحمرة والغبرة. انضرجت له : انقضّت عليه. شماريخ الجبل : رؤوسه. ثهلان : اسم جبل لبني نمير. العقاب : طائر جارح كالصقر.

المعنى : يصف فرسه بأنه يشبه ذكر الظباء الأعفر الخائف من العقاب المنقضّة عليه من رؤوس جبل ثهلان ، فهو يجري بأقصى سرعة ممكنة.

الإعراب : كتيس : جار ومجرور متعلّقان بما قبلهما. الظباء : مضاف إليه مجرور بالكسرة. الأعفر : صفة (تيس الظباء) مجرورة بالكسرة. انضرجت : فعل ماض مبني على الفتح ، و «التاء» : للتأنيث. له : جار ومجرور متعلقان بـ (انضرجت). عقاب : فاعل مرفوع بالضمّة. تدلّت : فعل ماض مبني على الفتح ، و «التاء» : للتأنيث ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هي). من شماريخ : جار ومجرور متعلّقان بـ (تدلّت). ثهلان : مضاف إليه مجرور بالكسرة.

وجملة «انضرجت» : في محلّ جرّ صفة لـ (تيس). وجملة «تدلّت» : في محلّ رفع صفة لـ (عقاب).

والشاهد فيه قوله : «كتيس الظباء الأعفر» حيث وصف (تيس) المضاف إلى ما فيه «أل» باسم معرّف بـ (أل) هو (الأعفر).

١٥٥

معرفة ؛ وأما المشار فلا يوصف إلّا بما فيه الألف واللام خاصة. والمضاف إلى المشار ينعت بالمشار وبالألف واللام وبما أضيف إليهما.

أما المعرف بالألف واللام فينعت بما فيه الألف واللام وبما أضيف إلى ما فيه الألف واللام. والمضاف إلى ما فيه الألف واللام ينعت بما ينعت به المعرّف بالألف واللام.

[١١ ـ تعدّد النعت] :

واعلم أن الصفة لا تخلو من أن تتكرر أو لا تتكرر. فإن لم تتكرر فلا يخلو المنعوت من أن يكون معلوما أو مجهولا ، فإن كان مجهولا فالإتباع ليس إلا ، نحو : «مررت برجل كريم وبزيد العاقل» ، إذا لم يكن زيد معلوما عند المخاطب إلا أن تقدّره ، وإن كان مجهولا ، تقدير المعلوم فإنه إذ ذاك يجوز الإتباع والقطع وكأنّ المخاطب يبني على أنّ الصفة يتبين بها الموصوف وإن لم تورد تابعة لأنها لا تتبيّن إلّا به وذلك نحو : «مررت برجل كريم وكريما». وإن كان المنعوت معلوما عند المخاطب فلا تخلو الصفة من أن تكون صفة مدح أو ترحم أو ذم أو غير ذلك. فإن كانت غير ذلك فالإتباع ليس إلّا نحو : «مررت بزيد الطويل وبزيد الأزرق». وإن كانت الصفة صفة مدح أو ذمّ أو ترحّم وكان الموصوف معلوما عند المخاطب جاز الإتباع والقطع ، فإذا قطعت فإنّ القطع إلى الرفع على خبر ابتداء مضمر ، وإلى النصب بإضمار فعل تقديره «أمدح» إن كانت الصفة صفة مدح ، أو «أذمّ» إن كانت الصفة صفة ذم. أو «أرحم» إن كانت الصفة صفة ترحّم.

ومن الناس من لم يجز القطع إلا بشرط تكرار الصفة وذلك فاسد لأنه قد حكي من كلامهم : «الحمد لله أهل الحمد» ، و «الحمد لله الحميد» ، بنصب «الحميد» و «أهل الحمد» ، وحكى ذلك سيبويه.

فإن تكررت النعوت فلا يخلو من أن يكون المنعوت معلوما أو مجهولا ، فإن كان مجهولا فالإتباع ، إلا في موضعين ، فإنه يجوز الإتباع والقطع : أحدهما أن يقدره وإن كان مجهولا تقدير المعلوم تعظيما له وكأنّ المخاطب يبني على أنّ الصفة وإن لم تر تابعة يتبين بها الموصوف لأنها لا تتبين إلا به ، نحو قولك : «مررت برجل كبير الأقدام شريف الآباء».

والآخر أن تكون الصفة المقطوعة قد تقدمها صفة متبعة تقاربها في المعنى وذلك نحو

١٥٦

قولك : «مررت برجل شجاع فارس» ، لأنّ الشجاعة تفهم منها الفروسية ومن ذلك [من المتقارب] :

١٠٨ ـ ويأوي إلى نسوة عطل

وشعثا مراضيع مثل السعالي

فنصب «شعثا» على القطع لأنه لما وصفهنّ بالعطل فهم من ذلك أنّهن شعث. فإن كان المنعوت معلوما فلا يخلو أن تكون الصفة صفة مدح أو ذم أو ترحّم أو لا تكون. فإن لم تكن فالإتباع ليس إلا ، نحو : «مررت بزيد الطويل الأبيض الأشم».

وإن كانت الصفة صفة مدح كالشجاع والكريم ، أو ذم كالفاسق والخبيث ، أو ترحم كالمسكين والفقير ، جاز لك ثلاثة أوجه : إتباع الجميع ، وقطع الجميع ، وإتباع بعض وقطع بعض.

وإذا أتبعت بعضا وقطعت بعضا بدأت بالإتباع قبل القطع ، ولا يجوز القطع ثم الإتباع ، لأنّ ذلك يؤدي إلى الفصل بين النعت والمنعوت بجملة أجنبية ، ألا ترى أنّ الصفة إذا قطعت إلى النصب فإنّ الصفة منصوبة بإضمار فعل فتكون قد فصلت بجملة فعلية أجنبية. وإذا قطعت إلى الرفع كانت على خبر ابتداء مضمر ، فتكون الجملة اسمية أجنبية. فمثال قطع

______________________

١٠٨ ـ التخريج : البيت لأميّة بن أبي عائذ الهذلي في خزانة الأدب ٢ / ٤٢ ، ٤٣٢ ، ٥ / ٤٠ ؛ وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٤٦ ؛ وشرح أشعار الهذليين ٢ / ٥٠٧ ؛ وشرح التصريح ٢ / ٨٧ ؛ والكتاب ١ / ٣٩٩ ، ٢ / ٦٦ ؛ ولأبي أميّة في المقاصد النحوية ٤ / ٦٣ ؛ وللهذلي في شرح المفصّل ٢ / ١٨ ؛ وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ١ / ٣٢٢ ؛ ورصف المباني ص ٤١٦ ؛ وشرح الأشموني ٢ / ٤٠٠ ؛ والمقرب ١ / ٢٢٥.

شرح المفردات : يأوي : ينزل ، يلجأ. العطّل : ج العاطل ، وهي من النساء من لا حلي عليها.

الشعث : ج الأشعث مؤنثها الشعثاء ، وهي المرأة السيئة الحال ، والمتلبّدة الشعر لعدم اعتنائها به. السعالي : ج السعلاة ، وهي أنثى الغول.

المعنى : يقول : إنه يأوي إلى نسوة مهملات ، سيّئات الحال ، متلبّدات الشعر ، يرضعن أطفالا لهنّ ، ويشبهن السعالي لقبح منظرهنّ.

الإعراب : «ويأوي» : الواو بحسب ما قبلها ، «يأوي» : فعل مضارع مرفوع ، وفاعله ضمير مستتر تقديره «هو». «إلى نسوة» : جار ومجرور متعلّقان بـ «يأوي». «عطّل» : نعت «نسوة» مجرور. «وشعثا» : الواو حرف عطف ، «شعثا» : مفعول به لفعل محذوف تقديره : «أعني» مثلا. «مراضيع» : نعت «شعثا» منصوب. «مثل» : نعت ثان لـ «شعثا» منصوب ، وهو مضاف. «السعالي» : مضاف إليه مجرور بالكسرة.

الشاهد قوله : «نسوة عطّل وشعثا» حيث نصب «شعثا» على القطع لأنها قد تقدمها صفة تقاربها في المعنى وهي «عطّل».

١٥٧

الجميع : «مررت بزيد الكريم الشجاع الطويل» ، برفع جميع الصفات أو نصبها أو رفع بعض ونصب بعض.

وأما إتباعها كلها فأن تخفض جميع الصفات في المثال المذكور ، وأما إتباع البعض وقطع البعض فأن تخفض «الكريم» في المثال المذكور وتقطع ما بعده ، ولا يجوز أن تنصب «الكريم» أو ترفعه على القطع ثم تخفض ما بعده على الإتباع لما يؤدي إليه من الفصل بين الصفة والموصوف بالجمل الأجنبية كما تقدم.

ولا يجوز عطف بعض النعوت على بعض ، لأنّ ذلك يؤدي إلى عطف الشيء على نفسه ، إلا أن تختلف معاني النعوت ، نحو قولك : «مررت بزيد الكريم والشجاع والعاقل» ، وسواء كانت متبعة أو مقطوعة.

[١٢ ـ تعدد النعت والمنعوت] :

وإذا اجتمع نعوت ومنعوتون فلا يخلو أن تفرّقهما أو تجمعهما أو تفرق المنعوتين وتجمع النعوت أو تفرق النعوت وتجمع المنعوتين. فإن جمعتها ، نحو قولك : «قام الزيدون العقلاء» ، أو فرقتها ، نحو قولك : «زيد العاقل وعمرو الكريم وعبد الله الظريف» ، أو جمعت المنعوتين وفرقت النعوت ، نحو قولك : «الزيدون العاقل والكريم والشجاع» ، كان حكمه في ذلك كله حكم المنعوت المفرد في الإتباع والقطع في أماكن القطع ، إلا أنه يجوز جمع المنعوتين وتفريق النعوت في جميع الأسماء ، نحو قوله [من الوافر] :

١٠٩ ـ بكيت وما بكا رجل حزين

على ربعين مسلوب وبال

______________________

١٠٩ ـ التخريج : البيت لابن ميادة في ديوانه ص ٢١٤ ؛ وشرح أبيات سيبويه ١ / ٦٠٣ ؛ وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٧٤ ؛ ولرجل من باهلة في الكتاب ١ / ٤٣١ ؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٣ / ٢١١ ؛ وشرح التصريح ٢ / ١١٤ ؛ ومغني اللبيب ٢ / ٢٥٦ ؛ والمقتضب ٢ / ٢٩١ ؛ والمقرب ١ / ٢٢٥.

شرح المفردات : الربع : المنزل. البالي : الدارس. المسلوب : الذي لم يبق منه شيء.

الإعراب : «بكيت» : فعل ماض ، والتاء ضمير في محلّ رفع فاعل. «وما» : الواو اعتراضيّة أو استئنافية ، «ما» : اسم استفهام في محل خبر مقدم. «بكا» : مبتدأ مؤخّر مرفوع ، وهو مضاف. «رجل» : مضاف إليه مجرور. «حزين» : نعت «رجل» مجرور. «على ربعين» : جار ومجرور متعلّقان بـ «بكيت». ـ

١٥٨

إلا في أسماء الإشارة ، فإنه لا يجوز ذلك فيها. فلا يجوز أن تقول : «مررت بهذين الطويل والقصير» ، لعلة تذكر بعد إن شاء الله تعالى.

فإن فرقت المنعوتين وجمعت النعوت فلا يخلو الإعراب من أن يتفق أو يختلف ، فإن اختلف فالقطع ليس إلّا ، نحو : «ضرب زيد عمرا العاقلان» ، بالرفع على خبر ابتداء مضمر تقديره : هما العاقلان ، والنصب بإضمار فعل تقديره : أعني العاقلين.

هذا مذهب أهل البصرة وأما أهل الكوفة فيفصلون المختلف الإعراب لمتفق في المعنى ومختلف. فما اختلف فالقطع ليس إلا ، نحو ما تقدم من : «ضرب زيد عمرا». وما اتفق أجازوا فيه الإتباع بالنظر إلى المعنى ، والقطع في أماكن القطع وذلك نحو : «ضارب زيد عمرا» ، فإنّ كل واحد من الاسمين ضارب ومضروب في المعنى.

وأجازوا أن يكون العاقلان في المعنى نعت لزيد وعمرو على معنى عمرو ، فيغلب المرفوع خاصة لأنه عمدة وهو مذهب الفراء.

ومنهم من أجاز الرفع والنصب على الإتباع ، فيغلب تارة المرفوع وتارة المنصوب لأن كلّ واحد من الاسمين معناه معنى المرفوع من حيث هو ضارب ومعناه معنى المنصوب من حيث هو مضروب ، وهو مذهب ابن سعدان.

والصحيح أنه لا يجوز إلا القطع ، بدليل أنه لا يجوز : «ضارب زيد هندا العاقلة» ، برفع «العاقلة» ، على أن تكون نعتا لهند على المعنى ، باتفاق من البصريين والكوفيين.

فكما لا يجوز في نعت الاسم إذا أفرد الحمل على المعنى ، كذلك لا يجوز إذا ضممته إلى غيره. فإن اتفق الإعراب فلا تخلو الأسماء من أن تتفق في التعريف والتنكير أو تختلف في التعريف أو التنكير.

______________________

ـ «مسلوب» : نعت «ربعين» مجرور. «وبال» : الواو حرف عطف ، «بال» : معطوف على «مسلوب» مجرور بالكسرة المقدرة على الياء المحذوفة.

وجملة : «بكيت» ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «ما بكا رجل» اعتراضيّة أو استئنافية لا محلّ لها من الإعراب.

الشاهد فيه قوله : «على ربعين مسلوب وبال» حيث نعت المثنّى «ربعين» بنعتين مفردين «مسلوب» و «بال» مع العطف بالواو.

١٥٩

فإن اختلفت فالقطع ليس إلا ، نحو : «قام زيد ورجل الكريمان» ، على أنه خبر ابتداء مضمر ، والكريمين على النصب بإضمار فعل ولا يجوز الإتباع لأنّ المعرفة تطلب نعتا معرّفا والنكرة تطلب نعتها منكرا ، وذلك لا يمكن في اسم واحد في حال واحدة.

فإن اتفق الإعراب أو التعريف أو التنكير ، فلا يخلو أن يكون بعض المنعوتين مستفهما عنه وبعضهم غير مستفهم عنه ، أو يتفقوا في الاستفهام أو في غيره. فإن كان البعض مستفهما عنه وبعضهم غير مستفهم عنه لم يجز إلا القطع ، نحو قولك : «من أخوك وهذا محمد العاقلان» ، على أنه خبر ابتداء مضمر ، و «العاقلين» على النصب بإضمار فعل : «أعني» ولا يجوز أن يكون «العاقلان» نعتا لمحمد وأخوك ، لما نذكر بعد إن شاء الله تعالى.

فإن اتفق المنعوتون في الإعراب أو التعريف أو التنكير أو الاستفهام أو غيره ، فلا يخلو العامل أن يكون واحدا أو أزيد ، فإن كان واحدا فالإتباع والقطع في أماكن القطع ، نحو : «أعلمت زيدا بكرا أخاك العقلاء» ، ونحو قولك : «قام زيد وعمرو وجعفر العقلاء» ، لأن «قام» هو العامل في «زيد» بنفسه وفي «عمرو» و «جعفر» بواسطة حرف العطف ، فإن كان العامل أزيد من واحد فلا يخلو جنس العامل من أن يتفق أو يختلف ، واختلاف العوامل في الجنس أن يكون أحدها من جنس الأسماء والآخر من جنس الأفعال أو الحروف. والحروف المختلفة المعاني أيضا بمنزلة العوامل المختلفة الجنس. فإن اختلفت العوامل في الجنس فالقطع ليس إلا خلافا للجرمي ، فإنه يجيز الإتباع والقطع في أماكن القطع ، وذلك نحو قولك : «قام زيد وهذا محمد العاقلان» ، على أنه خبر ابتداء مضمر ، و «العاقلين» على النصب بإضمار فعل ، لأنّ العامل في زيد «قام».

وكذلك لو قلت : «مررت بزيد ودخلت إلى أخيك العاقلين» لم يجز إلّا القطع كما تقدّم لمخالفة معنى الباء لمعنى «إلى».

فإن اتفقت العوامل في الجنس فلا تخلو أن تتفق في اللفظ والمعنى ، نحو : «قام زيد وقام عمرو» ، أو في اللفظ لا في المعنى ، نحو : «وجد الضالة زيد ووجد زيد على عمرو» ، أي : غضب عليه. أو يتفقا في المعنى لا في اللفظ ، نحو : «ذهب زيد وانطلق بكر» ، أو تختلف في اللفظ والمعنى نحو : «أقبل زيد وأدبر عمرو». فإن اختلفت في اللفظ والمعنى ، أو في المعنى دون اللفظ ، فمذهب سيبويه ومن أخذ بمذهبه القطع والإتباع في أماكن القطع ، ومذهب المبرد وأبي بكر السراج القطع ليس إلّا لما يذكر بعد ، إن شاء الله تعالى.

١٦٠