شرح جمل الزجّاجى - ج ١

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »

شرح جمل الزجّاجى - ج ١

المؤلف:

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-2263-0
ISBN الدورة:
2-7451-2263-0

الصفحات: ٥٨٤

وللغلبة : وهي الألف واللام الداخلة على الاسم النكرة للتعريف ثم تغلب بعد ذلك عليه ، نحو : «النّجم» ، للثريّا. وهذه الألف واللام تلزم فلا يجوز أن تقول : «نجم» ، وأنت تعني الثّريّا.

وتكون أيضا زائدة : وهي الألف واللام الداخلة على الاسم العلم الذي ليس بصفة في الأصل ، ولا يوجد إلّا في ضرورة الشعر ، نحو قوله [من الطويل] :

١٥ ـ أما ودماء لا تزال مراقة

على قنّة العزّى وبالنّسر عند ما

فأدخل الألف واللام على «نسر» وهو علم.

وهذه الأضرب الأربعة لا توجد إلا في الأسماء خاصة.

وبمعنى الذي : وهي الألف واللام الداخلة على اسم الفاعل واسم المفعول ، نحو :

______________________

١٥ ـ التخريج : البيت الأول لعمرو بن عبد الجنّ في خزانة الأدب ٧ / ٢١٤ ، ٢١٧ ؛ ولسان العرب ١١ / ٦ (أبل) ؛ وله أو لرجل جاهليّ في المقاصد ١ / ٥٠٠ ؛ ولعبد الحق (؟) في لسان العرب ٥ / ٢٠٦ (نسر) ؛ وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص ٣٦٧ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ١ / ٣٦٠ ؛ ولسان العرب ٥ / ٣٧٨ (غرز) ، ١٢ / ٤٣٠ (عندم) ، ١٣ / ٣٤٩ (قنن) ، ١٥ / ٢٦٨ (لوى) ؛ والمنصف ٣ / ١٣٤.

اللغة : القنة : أعلى الجبل. العزى : صنم جاهلي ، وكذلك نسر. العندم : صبغ أحمر كالدم.

المعنى : يقسم بدماء القرابين التي تمور وقد غطّت رؤوس الأصنام وكأنها صبغ العندم.

الإعراب : «أما» : حرف استفتاح. «ودماء» : «الواو» : واو القسم حرف جر ، «دماء» : اسم مجرور بالكسرة. «لا تزال» : فعل مضارع ناقص مرفوع ، واسم «لا تزال» : ضمير مستتر تقديره : هي. «مراقة» : خبر «لا تزال» منصوب بالفتحة. «على قنة» : جار ومجرور متعلّقان بـ «مراقة». «العزى» : مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدّرة على الألف. «وبالنسر» : «الواو» : للعطف ، «بالنسر» ؛ جار ومجرور متعلقان بـ «مراقة».

«عند ما» : تمييز منصوب بالفتحة.

وجملة : «أقسم ودماء» ابتدائية لا محل لها. وجملة «لا تزال مراقة» : في محلّ جرّ صفة.

والشاهد فيه قوله : «بالنسر» حيث أضاف «ال» إلى العلم «نسر» وهذا نادر ، والدليل على أن الاسم الأصلي بدون «ال» هو ذكرها في القرآن الكريم مع أسماء أصنام قوم نوح بدونها ، قال تعالى : (وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً) [سورة نوح : ٢٣].

٤١

«الضارب» و «المضروب» ، وقد تدخل على الفعل في ضرورة الشعر ، نحو قوله [من البسيط] :

١٦ ـ ما أنت بالحكم الترضى حكومته

ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل

يريد : الذي ترضى حكومته.

وقد تدخل أيضا على الجملة الاسمية في ضرورة الشعر نحو قوله [من الوافر] :

١٧ ـ من القوم الرسول الله منهم

لهم دانت رقاب بني معدّ

يريد : الذين رسول الله منهم.

______________________

١٦ ـ التخريج : البيت للفرزدق في الإنصاف ٢ / ٥٢١ ؛ وجواهر الأدب ص ٣١٩ ؛ وخزانة الأدب ١ / ٣٢ ؛ والدرر ١ / ٢٧٤ ؛ وشرح التصريح ١ / ٣٨ ، ١٤٢ ؛ ولسان العرب ٦ / ٩ (أمس) ، ١٢ / ٥٦٥ (لوم) ؛ والمقاصد النحويّة ١ / ١١١ ؛ وليس في ديوانه ؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك ١ / ٢٠ ؛ وتخليص الشواهد ص ١٥٤ ؛ والجنى الداني ص ٢٠٢ ؛ ورصف المباني ص ٧٥ ، ١٤٨ ؛ وشرح الأشموني ١ / ٧١ ؛ وشرح ابن عقيل ص ٨٥ ؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٩٩ ؛ والمقرب ١ / ٦٠ ؛ وهمع الهوامع ١ / ٨٥.

اللغة والمعنى : الحكم : الذي يفصل بين المتخاصمين. الترضى : أي الذي ترضى. حكومته : أي حكمه. الأصيل : شريف الحسب والنسب. الجدل : مغالبة الخصم ومقارعته. يهجو الشاعر ذلك الرجل الذي فضّل جريرا عليه وعلى الأخطل في حضرة الخليفة عبد الملك بن مروان ، وينعته بأنّه ليس أهلا لأن يحكّمه الناس فيما بينهم ، لأنه لا أصل له ، ولا فصل ، وليس له رأي راجح وحجّة مقنعة.

الإعراب : ما : حرف نفي أو من أخوات «ليس» ... أنت : ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ ، أو اسم «ما». بالحكم : الباء حرف جرّ زائد. الحكم : اسم مجرور لفظا مرفوع محلّا على أنّه خبر المبتدأ ، أو اسم مجرور لفظا منصوب محلّا على أنّه خبر «ما». الترضى : «أل» : اسم موصول بمعنى «الذي» في محلّ نعت «الحكم» ، ترضى : فعل مضارع للمجهول مرفوع بالضمّة المقدّرة. حكومته : نائب فاعل مرفوع ، وهو مضاف ، والهاء : في محلّ جرّ بالإضافة. ولا : الواو حرف عطف ، لا : حرف لتأكيد النفي. الأصيل : اسم معطوف على «الحكم». ولا : الواو حرف عطف ، لا : حرف لتأكيد النفي. ذي : اسم معطوف على «الحكم» مجرور بالياء ، وهو مضاف. الرأي : مضاف إليه مجرور. والجدل : الواو : حرف عطف ، الجدل : معطوف على الرأي مجرور.

وجملة (ما أنت ...) اسميّة لا محلّ لها من الإعراب لأنّها ابتدائيّة. و (ترضى حكومته) فعليّة لا محلّ لها من الإعراب لأنها صلة الموصول.

والشاهد فيه قوله : «الترضى» حيث أدخل الموصول الاسميّ «أل» على الفعل المضارع ، وهذا ضرورة.

١٧ ـ التخريج : البيت بلا نسبة في الجنى الداني ص ٢٠١ ؛ وجواهر الأدب ص ٣١٩ ؛ والدرر ١ / ٢٧٦ ؛ ورصف المباني ص ٧٥ ؛ وشرح الأشموني ١ / ٧٦ ؛ وشرح شواهد المغني ١ / ١٦١ ؛ واللامات ـ

٤٢

وانفردت الأسماء بالنعت لأنّه خبر في المعنى ، والفعل لا يكون مخبرا عنه ، فلا يكون منعوتا. وانفردت بالتصغير لأنّه نعت في المعنى ، ألا ترى أنّ قولك : «رجيل» ، يغني عن وصفه بالحقارة والصغر ، فكأنّك إذا قلت : «رجيل». قلت : رجل حقير. واعلم أنّ التصغير لا يكون في فعل من الأفعال إلا في فعل التعجب لشبهه بالاسم شبهين : شبه عامّ وشبه خاصّ. فالشبه العام أنّه لا مصدر له ، وأنّه لا يتصرف فتختلف صيغته لاختلاف الأزمنة كما أنّ الاسم كذلك.

والشبه الخاص أنّه لا يبنى إلّا ممّا يبنى منه أفعل التفضيل ، وأنّه للمبالغة كما أنّ «أفعل» كذلك ، لأنّ التعجّب مبالغة في وصف المتعجّب منه. والتفضيل مبالغة في صفة الفاضل. ومن ذلك قول الشاعر [من البسيط] :

١٨ ـ يا ما أميلح غزلانا شدنّ لنا

من هؤليّائكنّ الضّال والسّمر

______________________

ـ ص ٥٤ ؛ ومغني اللبيب ١ / ٤٩ ؛ والمقاصد النحوية ١ / ١٥ ، ٤٧٧ ؛ وهمع الهوامع ١ / ٨٥.

اللغة : دانت : خضعت ، ذلّت.

الإعراب : «من القوم» : جار ومجرور متعلّقان بما سبق. «الرسول» : «أل» بمعنى «الذين» اسم موصول في محلّ جرّ نعت «القوم» ، «رسول» : مبتدأ مرفوع بالضمّة ، وهو مضاف. «الله» : لفظ الجلالة ، مضاف إليه مجرور. «منهم» : جار ومجرور متعلّقان بمحذوف خبر المبتدأ. «لهم» : جار ومجرور متعلّقان بـ «دانت». «دانت» : فعل ماض ، والتاء للتأنيث. «رقاب» : فاعل مرفوع بالضمّة ، وهو مضاف. «بني» : مضاف إليه مجرور بالياء لأنّه ملحق بجمع المذكر السالم ، وهو مضاف. «معدّ» : مضاف إليه مجرور.

وجملة : «رسول الله ...» صلة الموصول لا محلّ لها من الإعراب. وجملة : «دانت لهم رقاب ...» استئنافيّة لا محلّ لها من الإعراب.

الشاهد فيه قوله : «الرسول الله منهم» حيث وصل «أل» بالجملة الاسميّة ، وهذا ضرورة.

١٨ ـ التخريج : البيت للمجنون في ديوانه ص ١٣٠ ؛ وله أو للعرجي أو لبدويّ اسمه كامل الثقفي أو لذي الرمة أو للحسين بن عبد الله في خزانة الأدب ١ / ٩٣ ، ٩٦ ، ٩٧ ؛ والدرر ١ / ٢٣٤ ؛ ولكامل الثقفي أو للعرجي في شرح شواهد المغني ٢ / ٩٦٢ ؛ وللعرجي في المقاصد النحوية ١ / ٤١٦ ، ٣ / ٦٤٣ ؛ وصدره لعليّ بن أحمد العريني في لسان العرب ١٣ / ٢٣٥ (شدن) ؛ ولعلي بن محمد العريني في خزانة الأدب ١ / ٩٨ ؛ ولعلي بن محمد المغربي في خزانة الأدب ٩ / ٣٦٣ ؛ وبلا نسبة في أسرار العربية ص ١١٥ ؛ وخزانة الأدب ١ / ٢٣٧ ، ٥ / ٢٣٣ ؛ وشرح الأشموني ٢ / ٣٦٦ ؛ وشرح شافية ابن الحاجب ١ / ١٩٠ ؛ وشرح المفصل ٥ / ١٣٥ ؛ ومغني اللبيب ٢ / ٦٨٢ ؛ وهمع الهوامع ١ / ٧٦ ، ٢ / ١٩١.

اللغة : أميلح : تصغير تحبّب ، وملح : حسن. شدنّ : قوين وترعرعن ، واستغنين عن أمهاتهنّ. هؤلياء : تصغير هؤلاء. الضال والسمر : نوعان من النبات. ـ

٤٣

وانفردت بالنداء ، لأنّ المنادى مفعول بإضمار فعل ، والفعل لا يكون مفعولا فلا يكون منادى ، وإن وجد حرف النداء قد دخل على ما لا يصحّ نداؤه كالفعل والحرف فللنحويين في ذلك قولان :

منهم من ذهب إلى أنّ المنادى محذوف ، ومنهم من ذهب إلى أنّ الحرف للتنبيه لا للنداء ، وهو الأحسن ، لأنّه لو حمل على حذف المنادى لأدّى ذلك إلى إخلال كثير ، لأنّ المنادى قد كان حذف العامل فيه ، فلو حذف لكانت الجملة قد حذفت ولم يبق منها سوى حرف النداء. فمثال دخوله على الفعل قول الشاعر [من الطويل] :

١٩ ـ ألا يا اسقياني قبل غارة سنجال

[وقبل منايا عاديات وآجال]

______________________

ـ المعنى : يتعجب من حسن النسوة الصغار مشبّها إيّاهنّ بالغزلان الصغار وقد استغنت عن أمّهاتها بأكل الضال والسمر.

الإعراب : «يا» : حرف تنبيه. «ما» : نكرة تامة بمعنى شيء مبنية في محلّ رفع مبتدأ. «أميلح» : فعل ماض جامد لإنشاء التعجب مبني على الفتح ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هنّ). «غزلانا» : مفعول به منصوب بالفتحة. «شدنّ» : فعل ماض مبني على السكون الظاهر على النون الأولى ، و «النون» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. «لنا» : «اللام» : حرف جر ، «نا» : ضمير متصل في محلّ جرّ بحرف الجر ، متعلّقان بـ «شدنّ». «من هؤليائكنّ» : جار ومجرور متعلّقان بمحذوف صفة لـ «غزلانا» ، و «كن» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. «الضال» : صفة مجرور بالكسرة. «والسمر» : «الواو» : حرف عطف ، «السمر» : اسم معطوف على مجرور ، مجرور مثله بالكسرة.

وجملة «يا ما أميلح» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «شدنّ» : في محلّ نصب صفة لـ «غزلانا».

والشاهد فيه قوله : «أميلح» : حيث صغر «أملح» وهو فعل التعجب وصغّر (هؤلاء) فقال (هؤليّاء).

١٩ ـ التخريج : البيت للشماخ في ملحق ديوانه ص ٤٥٦ ؛ وتذكرة النحاة ص ٦٨٧ ؛ وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٢٨ ؛ وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٩٦ ؛ وشرح المفصل ٨ / ١١٥ ؛ والكتاب ٤ / ٢٢٤ ؛ ومعجم ما استعجم ص ٧٦٠ ؛ وتاج العروس (سيخل) ، وبلا نسبة في الجنى الداني ص ٣٥٦ ؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٢٥٦.

اللغة : الغارة : اسم للإغارة وهي الهجوم على العدو. سنجال : قرية من قرى ارمينية. منايا : ج منية وهي الموت. العاديات : مؤنث العادي وهو الباغي والمتجاوز الحد. آجال : جمع أجل ، وهو انقضاء مدة العمر.

المعنى : يخاطب الشاعر صديقيه ، ويقول : اسقياني قبل هذه الوقعة وقبل هذه المنايا المقدرة ، فرضا منه أنه ربما قتل فيها هو أو أحد أقربائه.

الإعراب : ألا يا : «ألا» : حرف استفتاح ، «يا» : حرف نداء تقوم مقام الفعل أدعو ، والمنادى محذوف ـ

٤٤

ومثال دخوله على الحرف قوله [من مجزوء الكامل] :

٢٠ ـ يا ليت زوجك قد غدا

متقلّدا سيفا ورمحا

[٤ ـ اختصاص الأفعال بالجزم والتصرف] :

قوله : وتنفرد الأفعال بالجزم والتصرف بيّن. التصرف في الأفعال اختلاف أبنيتها لاختلاف أزمنتها ، نحو : ضرب يضرب اضرب.

______________________

ـ تقديره : يا هذان. اسقياني : فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة و «الألف» : ضمير متصل في محل رفع فاعل. و «النون» : للوقاية ، و «الياء» : ضمير متصل في محل نصب مفعول به. قبل : ظرف زمان متعلق بالفعل اسقياني. غارة : مضاف إليه مجرور بالكسرة. سنجال : مضاف إليه مجرور. وقبل : «الواو» : حرف عطف ، «قبل» : ظرف زمان في محل جر معطوف على سابقه. منايا : مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة المقدرة. عاديات : صفة للمنايا مجرورة مثلها. وآجال : «الواو» : حرف عطف ، «آجال» : اسم معطوف على منايا مجرور مثله.

وجملة النداء : ابتدائية لا محل لها. وجملة «اسقياني ...» : استئنافية لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «ألا يا اسقياني» حيث دخل النداء على الفعل ، وقد اختلف في «يا» فقيل هي حرف تنبيه ، وقيل هي للنداء ، والمنادى محذوف ويؤيده أن «ألا» حرف تنبيه واستفتاح و «يا» حرف تنبيه ومن القواعد المقررة ؛ أنه لا يأتي حرفان بمعنى واحد لغير التوكيد.

(٢٠) ـ التخريج : البيت بلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ١٠٨ ، ٦ / ٢٣٨ ؛ وأمالي المرتضى ١ / ٥٤ ؛ وخزانة الأدب ٢ / ٢٣١ ، ٣ / ١٤٢ ، ٩ / ١٤٢ ؛ والخصائص ٢ / ٤٣١ ؛ وشرح شواهد الإيضاح ص ١٨٢ ؛ وشرح المفصل ٢ / ٥٠ ؛ ولسان العرب ١ / ٤٢٢ (رغب) ، ٢ / ٢٨٧ (زجج) ، ٥٩٣ (مسح) ، ٣ / ٣٦٧ (قلد) ، ٨ / ٤٢ (جدع) ، ٥٧ (جمع) ، ١٥ / ٣٥٩ (هدى) ؛ والمقتضب ٢ / ٥١.

المعنى : يا ليت زوجك قد غدا في الحرب حاملا رمحه ، ومعدّا سيفه.

الإعراب : «يا ليت» : «يا» : حرف تنبيه ، «ليت» : حرف مشبه بالفعل. «زوجك» : اسم ليت منصوب بالفتحة ، والكاف : ضمير متصل في محل جرّ بالإضافة. «قد» : حرف تحقيق ، «غدا» : فعل ماض ناقص مبني على الفتح ، واسمه ضمير مستتر : هو. «متقلدا» : خبر «غدا» منصوب بالفتحة. «سيفا» : مفعول به لاسم الفاعل «متقلدا» منصوب بالفتحة. «ورمحا» : «الواو» : عاطفة بين مفردات أو جمل ، «رمحا» : اسم معطوف منصوب بالفتحة ، أو مفعول به لمحذوف.

وجملة «يا ليت زوجك في الوغى» : ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «قد غدا ...» في محل رفع خبر «ليت».

والشاهد فيه قوله : «يا ليت» حيث دخل النداء على الحرف.

٤٥

قوله : وإنّما لم تجزم الأسماء ....

يعني التي لا تنصرف ، وقد كان ينبغي أن تجزم حملا للخفض فيها على الجزم لشبهها بالمضارع ، لأنّها متمكنة في الأصل يلزمها حركة وتنوين ، لأنّ الحركة تدلّ على المعاني من الفاعلية والمفعولية والإضافة وغير ذلك من المعاني ، والتنوين يدلّ على أنّ الاسم أصل في نفسه باق على أصالته ، فلو جزمت لذهب منها الحركة للجزم ، وقد كان ذهب منها التنوين للشبه ، فكانت تختل بحذف التنوين والحركة.

وكذلك المنصرفة لو جزمت ، لذهب عنها حركة وتنوين من جهة واحدة.

وقوله : «لا تملك شيئا ولا تستحقه». الهاء من «تستحقه» عائدة على «شيء» ، والمعنى : لا تملك شيئا كما يملكه الاسم في : «غلام زيد» ، ولا تستحق شيئا كما تستحقه الأسماء أيضا في نحو : «حصير المسجد».

٤٦

باب معرفة علامات الإعراب

قصد أبي القاسم في هذا الباب أن يبيّن علامات الإعراب وعددها وعدّتها ومواقعها من الأسماء والأفعال.

[١ ـ علامات الرفع] :

قوله : للرفع أربع علامات : الضمة ، والواو ، والألف ، والنون.

اعلم أنّ هذه العلامات تنقسم ثلاثة أقسام : قسم تنفرد به الأسماء ، وقسم تنفرد به الأفعال ، وقسم تشترك فيه الأسماء والأفعال. فالقسم الذي تنفرد به الأسماء الألف والواو ، فالألف تكون علامة للرفع في تثنية الأسماء خاصة ، نحو : «جاءني رجلان وغلامان». والواو تكون للرفع في الأسماء الستة ، وهي : أبوك ، وأخوك ، وحموك ، وفوك ، وذو مال ، وهنوها ، وفي جمع المذكر السالم ، نحو : «جاءني الزيدون والعمرون». والسالم هو ما سلم فيه بناء الواحد من زيادة أو نقصان أو تغيير حركة.

والقسم الذي تنفرد به الأفعال هو النون. والنون تكون علامة للرفع في كلّ فعل مضارع اتصل به ضمير الاثنين أو علامتهما وهو الألف ، أو ضمير جماعة المذكرين العاقلين أو علامتهم وهو الواو وما جرى مجرى «هم» ، نحو قوله تعالى : (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (١). أو ضمير الواحدة المخاطبة في المؤنّث وهو التاء ، نحو : «أنت تقومين يا امرأة».

______________________

(١) يس : ٤٠.

٤٧

فضمير الاثنين ، نحو : «الزيدان يقومان» ، وعلامتهما ، نحو : «يقومان الزيدان» ، وضمير جماعة المذكرين ، نحو : «الزيدون يقومون» ، وعلامتهم ، نحو : «يقومون الزيدون» (١).

والقسم الذي تشترك فيه الأسماء والأفعال هو الضمة. والضمة تكون علامة للرفع فيما بقي من الأسماء والأفعال المعربة. فترفع الاسم إذا كان فاعلا ، أو مفعولا لم يسمّ فاعله ، ومبتدأ ، أو خبر مبتدأ ، أو اسم «كان» وأخواتها ، أو اسم «ما» وأختيها : لا ولات ، أو خبر «إنّ» وأخواتها ، أو تابعا لمرفوع نعتا أو عطفا أو تأكيدا أو بدلا.

وترفع الفعل إذا لم يدخله ناصب ولا جازم.

وفي الألف والواو خلاف ، وسنبين ذلك إن شاء الله تعالى.

[٢ ـ علامات النصب] :

قوله : وللنصب خمس علامات : الفتحة ، والألف ، والياء ، والكسرة ، وحذف النون.

اعلم أنّ هذه العلامات أيضا تنقسم ثلاثة أقسام : قسم تنفرد به الأسماء ، وقسم تنفرد به الأفعال ، وقسم تشترك فيه الأسماء والأفعال.

فالقسم الذي تنفرد به الأسماء هو الألف والياء والكسرة. فالألف تكون علامة للنصب في الأسماء الستة ، وهي : «رأيت أخاك وأباك وحماك وفاك وذا مال وهناها».

والياء تكون علامة للنصب في التثنية وجمع المذكر السالم ، نحو : «رأيت الزيدين والزيدين» ، والكسرة تكون علامة للنصب في جمع المؤنّث السالم. ونعني بالسالم أيضا ما سلم فيه بناء الواحدة ، نحو : «رأيت الهندات» ، و «أكرمت الزينبات» ، والقسم الذي تنفرد به الأفعال هو حذف النون. وحذف النون يكون علامة النصب في الأفعال التي رفعها بثبات النون ، نحو : «لن تفعلا» ، و «لن تفعلي» و «لن تفعلوا».

والقسم الذي تشترك فيه الأسماء والأفعال هو الفتحة. والفتحة تكون علامة النصب فيما بقي من الأسماء والأفعال المعربة. فتنصب الاسم إذا كان مفعولا به ، أو مفعولا فيه ، أو مفعولا معه ، أو من أجله ، أو مفعولا مطلقا ، أو تمييزا ، أو حالا ، أو استثناء ، أو خبر «كان»

______________________

(١) وذلك على لغة «أكلوني البراغيث».

٤٨

وأخواتها ، أو خبر «ما» وأختيها ، أو اسم إنّ وأخواتها ، أو منادى ، أو تابعا لمنصوب : نعتا أو عطفا أو تأكيدا أو بدلا.

وتنصب الفعل إذا دخل عليه ناصب ، أو عطف على منصوب ، أو كان بدلا من منصوب ، وقد اجتمع ذلك في قول الشاعر [من الخفيف] :

٢١ ـ إنّ عليّ الله أن تبايعا

تؤخذ كرها أو تجيء طائعا

وفي الألف والياء خلاف ، وسنبيّن ذلك إن شاء الله تعالى.

[٣ ـ علامات الخفض] :

قوله : وللخفض ثلاث علامات : الفتحة والياء والكسرة.

هذه العلامات تنفرد بها الأسماء. فالفتحة تكون علامة الخفض في كلّ اسم وجدت فيه علتان فرعيتان من علل تسع أو علّة تقوم مقام علّتين. والعلل التسع : العدل ، والتعريف ، والصفة ، والتأنيث ، والعجمة ، والتركيب ، والجمع الذي لا نظير له في الآحاد ، ووزن الفعل ، وزيادة الألف والنون.

______________________

٢١ ـ التخريج : الرجز بلا نسبة في خزانة الأدب ٥ / ٢٠٣ ، ٢٠٤ ؛ وشرح أبيات سيبويه ١ / ٤٠٢ ؛ وشرح الأشموني ٢ / ٤٤٠ ؛ وشرح التصريح ١ / ١٦١ ؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٥٩١ ؛ والكتاب ١ / ١٥٦ ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ١٩٩ ؛ والمقتضب ٢ / ٦٣.

اللغة : عليّ الله : أي عليّ والله فحذف واو القسم ونصب «لله» بنزع الخافض. تبايع : من البيعة.

الإعراب : «إنّ» : حرف مشبّه بالفعل. «عليّ» : جار ومجرور في محلّ رفع خبر «إنّ». «الله» : لفظ الجلالة ، اسم منصوب بنزع الخافض. «أن» : حرف نصب ومصدرية. «تبايعا» : فعل مضارع منصوب.

والألف للإطلاق ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : «أنت». المصدر المؤول من «أن» وما بعدها في محل نصب اسم «إنّ». «تؤخذ» : فعل مضارع للمجهول ، منصوب لأنّه بدل من «تبايع» ، ونائب فاعله ضمير مستتر تقديره : «أنت». «كرها» : حال أو ، مفعول مطلق لفعل محذوف ، أو نعت لمفعول مطلق محذوف. «أو» : حرف عطف. «تجيء» : فعل مضارع منصوب ، لأنّه معطوف على «تؤخذ» ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : «أنت». «طائعا» : حال منصوبة.

وجملة : «إن علي ...» ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة : «تبايع» صلة الموصول الحرفي لا محل لها من الإعراب. وجملة «تؤخذ» بدل من «تبايع». وجملة «تجيء» معطوفة على سابقتها.

الشاهد : قوله : «أن تبايعا تؤخذ ... أو تجيء» حيث في البيت فعل مضارع منصوب بحرف نصب وبدل من المنصوب ومعطوف عليه.

٤٩

والعلة التي تقوم مقام علّتين : التأنيث اللازم ، وهو التأنيث بالهمزة في «حمراء» ، وبالألف نحو : «حبلى» ، والجمع الذي لا نظير له في الآحاد وهو ما كان على وزن «مفاعل» أو «مفاعيل» ، نحو : «دراهم» و «دنانير».

والياء تكون علامة للخفض في الأسماء الستة ، نحو : «أخيك وأبيك وحميك وفيك وذي مال وهنيها». وفي التثنية وجمع المذكر السالم ، نحو : «الزيدين والزيدين».

والكسرة تكون علامة للخفض فيما بقي من معربات الأسماء ، فتخفض الاسم إذا دخل عليه خافض أو أضيف إليه اسم ، أو كان تابعا لمخفوض نعتا أو عطفا أو تأكيدا أو بدلا. وفي الياء خلاف ، وسنبين ذلك إن شاء الله تعالى. قوله : وللجزم علامتان : السكون والحذف.

هاتان العلامتان تنفرد بهما الأفعال. فالحذف يكون علامة للجزم فيما آخره حرف علة : ياء أو واو أو ألف ، نحو : «يقضي ويغزو ويخشى» ، تقول : «لم يقض ولم يغز ولم يخش»، وفيما رفع بالنون، نحو:«لم يقوما ولم يقوموا ولم تقومي».

[٤ ـ علامة الجزم] :

والسكون : علامة للجزم فيما رفع بالضمة الظاهرة ، نحو : «يقوم ويقعد» ، تقول : «لم يقم ولم يقعد» ، فتجزم الفعل إذا دخل عليه جازم ، أو عطف على مجزوم ، أو كان مبدلا من مجزوم ، وقد اجتمع ذلك في قوله تعالى : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً) (١).

فجميع علامات الإعراب بالنظر إلى المتكرر منها أربع عشرة علامة ، وتسع دون تكرار ، وتكرر منها علامات النصب كلها ، فالألف استعملت في الرفع والنصب ، وحذف النون في النصب والجزم ، وفيما بقي استعمل في النصب والخفض.

______________________

(١) الفرقان : ٦٨ ـ ٦٩.

٥٠

[٥ ـ المعرب بالحروف] :

والخلاف الذي في حروف العلة هو : هل هي من علامات الإعراب أم لا؟ ومواقع هذه الحروف إنما هي في الأسماء الستة والتثنية وجمع المذكر السالم. فأول ما أذكر الأسماء الستة.

اعلم أنّ الناس فيها على ستة مذاهب ، منهم من ذهب إلى أنّها معربة بالحروف (١) ، ومنهم من ذهب إلى أنّها معربة بالحركات التي قبل الحروف والحروف إشباع (٢) ، ومنهم من ذهب إلى أنّها معربة بالحركات التي قبل الحروف والحركات منقولة من الحروف (٣) ، ومنهم من ذهب إلى أنّها معربة بالحركات والحروف معا (٤) ، ومنهم من ذهب إلى أنّها معربة بالحركات المقدّرة في الحروف (٥). ومنهم من ذهب إلى أنّها معربة بالتغيير والانقلاب (٦).

فأما من ذهب إلى أنّها معربة بالحروف فمذهبه فاسد ، لأن الإعراب زائد على الكلمة ، ومن جملة هذه الأسماء : فوك وذو مال ، فيؤدي ذلك إلى بقائهما على حرف واحد ، واسم معرب على حرف واحد لا يوجد في كلام العرب. وأيضا فإن في ذلك خروجا عن النظائر ، لأنّ نظائرها من الأسماء المفردة إنما تعرب بالحركات.

وأما من ذهب إلى أنّها معربة بالحركات التي قبل الحروف والحروف إشباع ، فمذهبه فاسد ، لأنّ الإشباع زائد على الكلمة فيؤدّي ذلك إلى بقاء : فيك وذي مال ، على حرف واحد ، وأيضا فإنّ الإشباع لا يجوز إلّا في ضرورة الشعر ، فإشباع الواو [من البسيط] :

٢٢ ـ الله يعلم أنّا في تلفّتنا

يوم الفراق إلى أحبابنا صور

وأنني حيثما يثني الهوى بصري

من حيثما سلكوا أدنو فأنظور

______________________

(١) هذا رأي قطرب والفرّاء والزياديّ. انظر : أسرار العربية ص ٥٢.

(٢) هذا رأي المازني. انظر المسألة الثانية من مسائل الإنصاف في مسائل الخلاف. ص ١٧.

(٣) ذهب إلى ذلك الربعيّ في الرفع والجر ، وقال : إن الحركة في النصب أصلية ليست منقولة. انظر المسألة الثانية من مسائل الإنصاف في مسائل الخلاف.

(٤) هذا رأي الكوفيين. انظر : الإنصاف في مسائل الخلاف ، المسألة الثانية. ص ١٧.

(٥) ذهب إلى ذلك أبو الحسن الأخفش في أحد قوليه. انظر المسألة الثانية من مسائل الإنصاف في مسائل الخلاف. ص ١٧.

(٦) هذا رأي أبو عمر الجرميّ. انظر : أسرار العربية ص ٥٢.

٢٢ ـ التخريج : البيتان أو الأول منهما لابن هرمة في ملحق ديوانه ص ٢٣٩ ؛ وبلا نسبة في أسرار العربيّة ص ٤٥ ؛ والأشباه والنظائر ٢ / ٢٩ ؛ والجنى الداني ص ١٧٣ ؛ وخزانة الأدب ١ / ١٢١ ، ٧ / ٧ ، ٨ / ٢٢٠ ، ٣٧٣ ؛ والدرر ٦ / ٢٠٤ ؛ ورصف المباني ١٣ / ٤٣٥ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ١ / ٢٦ ، ٣٢٨ ، ٢ / ٦٣٠ ؛ وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٨٥ ؛ والصاحبي في فقه اللغة ص ٥٠ ؛ ولسان العرب ١٤ / ٤٣٠ ـ

٥١

وقال في إشباع الألف [من الرجز] :

٢٣ ـ أعوذ بالله من العقراب

الشائلات عقد الأذناب

______________________

ـ (شري) ، ١٥ / ٤٢٩ (الألف) ، ١٥ / ٤٨٨ (وا) ؛ والمحتسب ١ / ٢٥٩ ؛ ومغني اللبيب ٢ / ٣٦٨ ؛ والممتع في التصريف ١ / ١٥٦ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ١٥٦.

اللغة : صور : جمع أصور وهو المائل العنق. أنظور : أنظر.

المعنى : يشهد الله على أنه دائم الالتفات إلى أحبّته.

الإعراب : «الله» : «لفظ الجلالة» مبتدأ مرفوع. «يعلم» : فعل مضارع مرفوع ، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (يعود على «الله»). «أنّا» : «أن» : حرف مشبّه بالفعل ، و «نا» ضمير متصل في محل نصب اسم «أن». «في تلفّتنا» : جار ومجرور متعلّقان بحال محذوفة من الضمير «نا» في «تلفتنا» ، و «نا» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. «يوم» : مفعول فيه ظرف زمان منصوب بالفتحة ، متعلق بالمصدر «تلفّتنا». «الفراق» : مضاف إليه مجرور بالكسرة. «إلى أحبابنا» : جار ومجرور متعلّقان بالخبر «صور». «صور» : خبر «أنّ» مرفوع بالضمة. والمصدر المؤوّل من «أن» وما بعدها سدّ مفعولي «يعلم» «وأنني» : الواو : للعطف ، «أنّ» : حرف مشبّه بالفعل ، و «الياء» : ضمير متصل في محل نصب اسم «أنّ». «حيثما» : مفعول فيه ظرف مكان مبني على السكون في محل نصب على الظرفية ، متعلق بالفعل «أدنو». «يثني» : فعل مضارع مرفوع بالضمّة المقدّرة على الياء. «الهوى» : فاعل مرفوع بالضمّة المقدّرة على الألف. «بصري» : مفعول به منصوب بالفتحة المقدّرة على ما قبل ياء المتكلم ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. «من» : حرف جر. «حيثما» : ظرف مكان مبني على الضمّ في محل جرّ بحرف الجر. والجار والمجرور متعلقان بالفعل «أدنو» «سلكوا» : فعل ماض مبني على الضم ، و «الواو» : ضمير متصل في محل رفع فاعل ، و «الألف» : للتفريق. «أدنو» : فعل مضارع مرفوع بالضمّة المقدّرة على الواو ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره «أنا». والمصدر المؤول من «أن» وما بعدها «أنني أدنو» معطوف على المصدر المؤول السابق ، فهو مثله في محل نصب. «فأنظور» : «الفاء» : عاطفة ، «أنظور» : فعل مضارع مرفوع بالضمة ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره «أنا». وجملة «الله يعلم» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «يعلم» في محل رفع خبر للفظ الجلالة المبتدأ. وجملة «يثني الهوى» : في محل جر بالإضافة. وجملة : «سلكوا» : في محل جر بالإضافة. وجملة «أدنو» : في محل رفع خبر «أنّ». وجملة «أنظر» : معطوفة على الجملة السابقة فهي مثلها في محل رفع.

الشاهد فيه قوله : «أنظور» الأصل : «أنظر» ، فأشبع ضمّة «الظاء» لضرورة القافية ، فنشأت «الواو».

٢٣ ـ التخريج : الرجز بلا نسبة في رصف المباني ص ١٢ ؛ وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٩٥ ؛ ولسان العرب ١ / ٤٦٠ (سبسب).

اللغة : أعوذ : أستجير وأستغيث. العقراب : يريد العقرب ، وهي من الزواحف ذات السموم يطلق على الذكر والأنثى. الشائلات : الرافعات.

المعنى : أستجير وأستغيث بالله من شرّ الحيوان المسمى عقربا الحامل في ذنبه عقدا مملوءة سما.

الإعراب : أعوذ : فعل مضارع مرفوع ، و «الفاعل» : ضمير مستتر وجوبا تقديره : أنا. بالله : «الباء» : حرف جر ، «الله» : لفظ الجلالة ، اسم مجرور ، والجار والمجرور متعلقان بالفعل «أعوذ». من العقراب : جار ـ

٥٢

وفي إشباع الياء [من الطويل] :

٢٤ ـ يحبّك قلبي ما حييت فإن أمت

يحبّك عظم في التّراب تريب

وإنّما يقال : عظم ترب ، أي : لاصق بالتراب.

وأما من ذهب إلى أنها معربة بالحركات التي قبل الحروف ، والحركات منقولة من الحروف فمذهبه فاسد ، لأنّ النقل لا يكون إلّا إلى ساكن في الوقف ، كقول الشاعر [من الرجز] :

٢٥ ـ أنا ابن ماوية إذ جدّ النقر

[وجاءت الخيل أثافيّ زمر]

______________________

ـ ومجرور متعلقان بالفعل «أعوذ». الشائلات : صفة للعقراب مجرورة مثلها بالكسرة. عقد : مفعول به منصوب لاسم الفاعل «شائل». الأذناب : مضاف إليه مجرور بالكسرة.

وجملة «أعوذ بالله ...» : ابتدائية لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «العقراب» حيث وصلت فيه ألف الإشباع الناتجة عن مد فتحة الراء قبلها ، وذلك للضرورة.

٢٤ ـ التخريج : البيت بلا نسبة في رصف المباني ص ١٣ ، ٤٤٦.

اللغة : التريب والتّراب واحد ؛ وترب : لزق بالتراب.

المعنى : إني أحبك حبّا أبديا ، وإن متّ فإن عظامي اللاصقة بالتراب سوف تظلّ تحبّك.

الإعراب : يحبك : فعل مضارع مرفوع بالضمة ، و «الكاف» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به. قلبي : فاعل مرفوع بضمّة مقدّرة على ما قبل الياء ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. ما حييت : «ما» : مصدرية ، ظرفية. «حييت» : فعل ماض مبني على السكون ، و «التاء» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. والمصدر المؤول من (ما) والفعل ، مفعول فيه ظرف زمان متعلق بالفعل (يحبك). فإن : «الفاء» حرف استئناف ، «إن» : حرف شرط جازم. أمت : فعل مضارع مجزوم (فعل الشرط) ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (أنا). يحبك : فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه السكون ، وحرك بالفتح لالتقاء الساكنين ، و «الكاف» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به. عظم : فاعل مرفوع بالضمة. في التراب : جار ومجرور متعلقان بصفة لـ (عظم). تريب : صفة لـ (عظم) مرفوعة بالضمّة.

وجملة «يحبّك قلبي» : لا محلّ لها (ابتدائية). وجملة «ما حييت» : صلة الموصول الحرفي لا محل لها. وجملة «أمت» : فعل الشرط لا محلّ لها. وجملة «يحبّك عظم» : جواب شرط جازم غير مقترن بالفاء ، لا محلّ لها ، وجملة «إن أمت يحبك» استئنافية لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «تريب» حيث أشبع كسرة الراء في (ترب) فنشأت الياء.

٢٥ ـ التخريج : الرجز لعبيد بن ماويّة في لسان العرب ٥ / ٢٣١ ؛ وله أو لبعض السعديّين أو لفدكي بن عبد الله في الدرر ٦ / ٣٠٠ ؛ وله أو لفدكي بن أعبد المنقري أو لبعض السّعديّين في المقاصد النحوية ٤ / ٥٥٩ ؛ ولبعض السّعديّين في شرح شواهد الإيضاح ص ٢٥٩ ؛ والكتاب ٤ / ١٧٣ ؛ وبلا نسبة في أسرار العربيّة ص ٤١٤ ؛ والإنصاف ٢ / ٧٣٢ ؛ وشرح التصريح ٢ / ٣٤١ ؛ ولسان العرب ١٠ / ٦٣ (حلق) ؛ ـ

٥٣

أراد : جدّ النقر ، وهذا بالعكس لأنّه إلى متحرك في الوصل.

وأمّا من ذهب إلى أنّها معربة بالحركات والحروف فمذهب فاسد ، لأنّ العامل لا يحدث علامتي إعراب في معرب واحد ، وأيضا فإنّه يؤدّي إلى بقاء «فيك» و «ذي مال» على حرف واحد ، لأنّ الإعراب زائد على الكلمة كما تقدّم.

وأما من ذهب إلى أنّها معربة بالتغيير والانقلاب فمذهبه فاسد ، لأن هذه الأسماء من جملة المفردات كـ «غلام زيد» و «صاحب عمرو» ، وسائر المفردات إنّما تعرب بالحركات فلو كانت معربة بالتغيير والانقلاب لأدّى ذلك إلى خروجها عن نظائرها من المفردات فلم يبق إلّا أنها معربة بالحركات المقدّرات في الحروف ، وهو الصحيح قياسا على نظائرها من الأسماء المفردة.

فإن قيل : لو كانت هذه الأسماء معربة بالحركات المقدرة ، للزم أن تكون بالألف في حال الرفع والنصب والخفض ، لأنّها معتلّة اللام على وزن «فعل» ، وحرف العلة إذا تحرك وانفتح ما قبله انقلب ألفا ، فالجواب أنّه لو لا ما أتبع فيه ما قبل الآخر تنبيها على أنّ العين قد كانت محلّا للإعراب في حال الانفراد لكان كذلك. ونظير ذلك «ابنمن» ، لأنّهم يقولون : «جاءني ابنمن» و «رأيت ابنمن» ، و «مررت بابنمن» ، فيتبعون حركة النون حركة الميم تنبيها على أنّ النون قد كانت محلّا للإعراب قبل زيادة الميم فيقولون : «جاءني ابن» ، و «رأيت ابنا» ، و «مررت بابن» لأنّ معنى «ابن» و «ابنمن» واحد. فإن قيل : إنّما يطرد الإتباع في

______________________

ـ ومغني اللبيب ٢ / ٤٣٤ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ١٠٧ ، ٢٠٨.

شرح المفردات : النقر : صوت يسكّن به الفرس عند اضطرابه. الأثافي : هنا بمعنى : الجماعات.

زمر : جماعات.

المعنى : يقول : أنا ابن ماويّة الشجاع البطل إذا حمي وطيس الحرب ، وجاءت الخيل جماعات.

الإعراب : «أنا» : ضمير منفصل مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ. «ابن» : خبر المبتدأ مرفوع ، وهو مضاف.

«ماويّة» : مضاف إليه مجرور بالفتحة لأنّه ممنوع من الصرف للعلميّة والتأنيث. «إذ» : ظرف زمان مبنيّ ، متعلّق بمحذوف حال من «ابن ماويّة». «جدّ» : فعل ماض. «النقر» : فاعل مرفوع بالضمّة ، وسكّن للضرورة الشعريّة. «وجاءت» : الواو حرف عطف ، «جاءت» : فعل ماض ، والتاء للتأنيث. «الخيل» : فاعل مرفوع بالضمّة. «أثافي» : حال منصوبة. «زمر» : حال ثانية لـ «الخيل».

وجملة : «أنا ابن ماويّة» ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة : «جدّ النقر» في محلّ جرّ بالإضافة. وجملة : «جاءت» معطوفة على جملة «جدّ النقر».

الشاهد فيه قوله : «النقر» ، والأصل «النقر» فنقل الشاعر حركة الراء إلى القاف في الوقف ، وهذا على لغة بعض العرب.

٥٤

«أخيك» ، و «أبيك» ، و «حميك» و «هنيك» ولا يطّرد في «فيك» ولا في «ذي مال» ، لأنّه لا يجوز إفرادهما ، فالجواب أنّهما حملا على سائر أخواتهما في الإتباع.

ولما أتبعوا في هذه الأسماء ما قبل الآخر قالوا في الرفع : «جاءني أخوك» ، ثم حذفوا الضمة من الواو استثقالا فقالوا : «جاءني أخوك» ، وقالوا في النصب : «رأيت أخوك» ، تحركت الواو وقبلها فتحة فقلبت ألفا ، فقالوا : «رأيت أخاك». وقالوا في الخفض : «مررت بأخوك» ، ثم حذفوا الكسرة من الواو استثقالا ، فبقيت ساكنة وقبلها كسرة ، فقلبت ياء فقالوا : «مررت بأخيك» ، وكذلك التعليل في سائر هذه الأسماء.

[٦ ـ المثنى والجمع] :

وأما التثنية والجمع فالناس فيها على ثلاثة مذاهب :

منهم من ذهب إلى أنّهما معربان بالحروف (١). ومنهم من ذهب إلى أنّهما معربان بالحركات المقدرة في الحروف (٢). ومنهم من ذهب إلى أنّهما معربان بالتغيير والانقلاب في حال النصب والخفض وعدم التغيير في الرفع (٣).

فأما من ذهب إلى أنهما معربان بالحروف ، فمذهبه فاسد من ثلاثة أوجه : الأول : أنّ الإعراب زائد على الكلمة ، وإذا قدّر إسقاطه لم يخلّ بالكلمة ، ولو قدّرنا إسقاط هذه الحروف لا ختلّ معنى التثنية والجمع.

والوجه الآخر : أنّ هذه الحروف تدلّ على التثنية والجمع ، فلو كانت علامات للإعراب لأدّى ذلك إلى أن كلّ واحد منهما على معنيين في حال واحد ، والحرف لا يدلّ في حين واحد على أكثر من معنى واحد.

والوجه الثالث : أنّ الإعراب يحدثه العامل ، وهذه الحروف موجودة قبل دخول العامل ، لأنهم قالوا : «زيدان» و «زيدون» ، كما قالوا : «اثنان وثلاثون» قبل التركيب فدلّ ذلك على أنهما ليسا معربين بالحروف في الرفع ، وإذا ثبت ذلك حمل النصب والخفض عليه

______________________

(١) هذا مذهب قطرب والكوفيين. انظر المسألة الثالثة من مسائل الإنصاف في مسائل الخلاف. ص ٣٣.

(٢) هذا مذهب البصريين. انظر المسألة الثالثة في الإنصاف في مسائل الخلاف. ص ٣٣.

(٣) هذا مذهب أبي عمر الجرميّ. انظر المسألة الثالثة في الإنصاف في مسائل الخلاف. ص ٣٣

٥٥

في أنّ الإعراب ليس بالحروف ، إذ لا يتصور أن يكون الاسم معربا في الرفع بما لا يكون به معربا في حال النصب والخفض.

وأما من ذهب إلى أنهما معربان بالحركات المقدّرة في الحروف فمذهبه فاسد ، لأنه يجب أن يحرك الياء في منصوب جمع المذكر السالم بالفتحة لكونها لا تستثقل فتقول : «رأيت الزيدين». ويجب أن تكون تثنية المنصوب والمخفوض بالألف لتحرك الياء منهما وانفتاح ما قبلها ، فتقول : «رأيت الزيدان» ، و «مررت بالزيدان».

والصحيح أنّهما معربان بالتغيير والانقلاب ، وذلك أنّ الأصل في التثنية قبل دخول العامل أن تكون بالألف والأصل في الجمع أن يكون بالواو ، نحو : «زيدان وزيدون» ، ونظير ذلك «اثنان وثلاثون». وإذا دخل عامل الرفع عليهما لم يحدث فيهما شيئا ، وكان ترك العلامة لهما علامة. وإذا دخل عامل النصب أو الخفض عليهما قلبت الألف والواو ياء وكان ذلك علامة النصب والخفض. وليس في إعراب التثنية وجمع المذكر السالم بالتغيير والانقلاب خروج عن النظير ، لأنّه لم يثبت لهما إعراب بالحركة في موضع من المواضع.

[٧ ـ الأصل في علامات الإعراب] :

واعلم أنّه إنّما ينبغي أن يكون الرفع بالضمة ، فإن تعذّر فبما يجانسها وهو الواو والنصب بالفتحة ، فإن تعذّر فبما يجانسها وهو الألف ، والخفض بالكسرة فإن تعذّر فبما يجانسها وهو الياء والجزم بحذف علامات الإعراب لأنّ الجزم هو القطع. فينبغي إذن أن يسأل لم رفع بالألف والنون وليسا من جنس الضمة؟ ولم نصب بالكسرة والياء وحذف النون وليست من جنس الكسرة؟ وكان يجب على هذا أن يقال في رفع التثنية والجمع : قام الزيدون وفي التثنية : قام الزيدون ، وفي النصب : رأيت الزيدان ، في الجمع ، وفي التثنية : الزيدان ، وفي الخفض : مررت بالزيدين ، في الجمع ، ومررت بالزيدين ، في التثنية ، فيفرق بين تثنية المرفوع وجمع المذكر السالم بضمّ ما قبل الواو وفتح ما بعده في الجمع وبفتح ما قبل الواو وكسر ما بعده في التثنية ، ويفرق بين تثنية المخفوض وجمع المذكر السالم بكسر ما قبل الياء وفتح ما بعدها في الجمع ، وبفتح ما قبل الياء وكسر ما بعدها في التثنية. ويفرق بين تثنية المنصوب وجمع المذكر السالم بفتح ما بعد الألف في الجمع وكسره في التثنية ، لأن الألف لا يكون ما قبلها إلا مفتوحا ، فإذا أضفت أو وقفت وقع الفرق في المنصوب بشيء واحد ، فطرحت الألف التي من أجلها طرأ اللبس وحمل المنصوب على المجرور في التثنية

٥٦

والجمع لشبهه به في الضمير ، لأنك تقول : «رأيته» ، و «مررت به» ، و «رأيتك» ، و «مررت بك» ، ولأنّ الألف أقرب إلى مخرج الياء منها إلى مخرج الواو ، لأنّ الألف من الحلق والياء من وسط اللسان والواو من الشفتين.

ورفع بالألف لأنّ التثنية لو كانت مرفوعة بالواو ، نحو : «جاءني الزيدون» ، لالتبست بجمع المنقوص في مثل مصطفون ، فقلبت لذلك الواو في التثنية ألفا حملا على «يأجل» لأنّ أصله «يوجل».

ونصب جمع المؤنث السالم بالكسرة وليست من جنس الفتحة حملا على نظيره وهو جمع المذكر السالم ، لأن الجمع بالألف والتاء في المؤنّث نظير الجمع بالواو النون في المذكر في أن كل واحد منهما جمع سلامة ، وكما حمل منصوب جمع المذكر السالم على مجروره في الياء حمل منصوب جمع المؤنث السالم على مجروره في الكسرة ، وأيضا فإن المذكر أصل في المؤنّث والمؤنّث فرع عنه ، والفروع كثيرا ما تحمل على الأصول.

ورفعت الأمثلة الخمسة بالنون لمّا تعذّر رفعها بالواو المجانسة للضمة كراهة لاجتماع حرفي علة ، لأن النون تشبه الواو في أنها من حروف طرف الفم وفي أن في الواو لينا وفي النون غنّة ، والغنّة شبيهة باللين الذي في الواو ، ومما يبيّن شبه الواو بالنون إدغامهم لها في : «من وال» ، ولا يدغم إلا المثلان والمتقاربان. ونصبت هذه الأمثلة أيضا بحذف النون وإن لم يكن من جنس الفتحة حملا للنصب فيها على الجزم ، وحمل النصب فيها على الجزم حملا لها على نظائرها من الأسماء ، وذلك أن «يفعلان» و «يفعلون» و «تفعلين» نظير «الزيدان» و «الزيدون» و «الزيدين» في لحاق النون الزائدة وحرف العلة ، والخفض في الأسماء نظير الجزم في الأفعال في أن هذا يختص بالأسماء وهذا يختصّ بالأفعال ، فلمّا حمل منصوب الاسم المثنى والمجموع على مخفوضه في الخفض الذي انفردت به الأسماء فنصب بالياء ، حمل منصوب الفعل في هذه الأمثلة على مجزومه في الجزم الذي انفردت به الأفعال ، فنصب بحذف النون.

وخفضت الأسماء التي لا تنصرف بالفتحة لأنّها لما أشبهت الأفعال وحكم لها بحكمها فلم تنون ولم تخفض كالأفعال ، حمل فيها الخفض على النصب ، كما أنّه لما تعذّر النصب حمل على الخفض للشبه الذي بينهما.

٥٧

باب الأفعال

[١ ـ أقسام الأفعال بالنسبة إلى الزمان] :

تنقسم بانقسام الزمان إلى ماض ومستقبل وحال. فأمّا الماضي والمستقبل فلا خلاف فيهما كما أنّه لا خلاف في زمنهما. فأما الحال ففيه خلاف بين النحويين فمنهم من أنكره ومنهم من أثبته ، والمنكرون له على قسمين : منهم من أنكره وأنكر زمانه ومنهم من أنكره وأثبت زمانه.

فحجّة من أنكر زمانه أن قال : أخبرونا عن زمن الحال أوقع أم لم يقع فإن وقع فهو ماض وإن لم يقع فهو مستقبل ، ولا سبيل إلى قسم ثالث.

فالجواب : إنّ زمن الحال لقصره يتعذّر الإخبار عنه لأنّه الزمن المتوهم الفاصل بين الماضي والمستقبل. فالسائل إذا عن الإخبار عن زمن الحال مع تعذّر الإخبار عنه بمنزلة من قال : أخبرونا عن العقل مثلا هل هو طويل أو قصير أو منحن أو مستقيم؟ والعقل لا يتصوّر الإخبار عنه بشيء من ذلك ، لأنه ليس بصفة له. وكذلك زمن الحال لا يتصور الإخبار عنه بالمضيّ ولا بالاستقبال لأنهما ليسا بصفتين له.

فإن قال قائل : فما الدليل على وجود زمن الحال؟ فالجواب أن يقال : إنّ الموجود في حال وجوده لا بدّ له من زمان ، والزمان منحصر في الماضي والمستقبل على ما زعمت وهما معدومان ، وموجود في حال وجوده في زمن معلوم لا يتصوّر ، فثبت بهذا زمن ثالث وهو زمن الحال.

ومن أنكر فعل الحال وأثبت زمانه احتجّ بأن قال : لو كان ثمّ فعل حال لكانت له بنية تخصه كالماضي والمستقبل ، لأنّ كلّ موجود لا بدّ له من بنية تخصه. وهذا غير لازم لأنه قد نجد من الموجودات ما ليس له بنية تخصه كالرائحة لأنها تقع على كلّ رائحة ولا تخصّ

٥٨

رائحة دون رائحة. ولا يرد عليه ما وجد من الألفاظ مشتركا على الإطلاق ، كجون وأمثاله لأنه لم ينكر أن يجعل للشيء لفظ مشترك ، وإنّما أنكر أن لا يكون للشيء ما يعبّر به عنه إلّا ذلك اللفظ المشترك ، نحو : رائحة ، لأنه لا يعبّر عنها بشيء سوى ذلك وليس كذلك الجون لأنّه وإن وقع على الأسود والأبيض فإن الأبيض يخصه أبيض ، والأسود يخصه أسود ، فإن قيل : إن الرائحة تتخصّص ، فيقال : رائحة المسك ورائحة العنبر ، فالجواب إن «يفعل» أيضا المشترك بين الحال والاستقبال يتخصّص ، فيقال : يفعل الآن ويفعل غدا.

واحتج أيضا بأن قال : زمن الحال لقصره يتعذّر الإخبار عنه ، فكذلك يتعذر وجود فعل الحال فيه ، لأنّه بقدر ما يلفظ به عاد الزمان ماضيا.

فالجواب : إنه لم يرد بزمن الحال عند النحويين الزمن الحقيقي الفاصل بين الماضي والمستقبل ، وإنّما المراد به عندهم الزمن الماضي غير المنقطع ، وذلك يتسع للإخبار عن الفعل فيه.

فإن قال قائل : فما الدليل على إثبات فعل الحال؟ فالجواب : أن يقال : إنهم يقولون : يفعل الآن ، ولا يقولون : إفعل الآن ، ولا : فعل الآن ، إلّا قليلا على طريق الاتساع وتقريب الماضي والمستقبل من الحال.

فصلاحية «الآن» مع «يفعل» دليل على أنه ليس بماض ولا مستقبل وأن المراد به فعل ثالث وهو الحال ، ودليل ثان هو أن قول زهير [من الطويل] :

٢٦ ـ وأعلم ما في اليوم والأمس قبله

ولكنّني عن علم ما في غد عم

______________________

٢٦ ـ التخريج : البيت لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص ٢٩ ؛ ولسان العرب ١٥ / ٩٦ (عمى) ؛ وتهذيب اللغة ٣ / ٢٤٥.

المعنى : أعرف علم الماضي والحاضر ، أمّا علم المستقبل فإنني لا أعرف عنه شيئا.

الإعراب : وأعلم : «الواو» : حرف استئناف ، «أعلم» : فعل مضارع مرفوع بالضمة ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (أنا). ما : اسم موصول في محلّ نصب مفعول به. في اليوم : جار ومجرور متعلّقان بفعل جملة الصلة المحذوفة ، والتقدير : «ما استقرّ». والأمس : «الواو» : للعطف ، «الأمس» : اسم معطوف على (اليوم) مجرور بالكسرة. قبله : مفعول فيه ظرف زمان منصوب بالفتحة متعلّق بحال من «الأمس» ، و «الهاء» : ضمير متصل في محلّ جرّ مضاف إليه متعلّق بحال من (الأمس). ولكنني : «الواو» : استئنافية ، «لكنّ» : حرف مشبّه بالفعل ، و «النون» : للوقاية ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ نصب اسم (لكنّ). عن علم : جار ومجرور متعلقان بـ (عمي). ما : اسم موصول في محلّ جرّ مضاف إليه. في غد : جار ومجرور متعلقان بفعل جملة الصلة المحذوفة. عم : خبر (لكنّ) مرفوع بضمّة مقدّرة على الياء المحذوفة.

وجملة «أعلم» : استئنافيّة لا محلّ لها. وجملة «لكنني عم عن علم ...» : استئنافية لا محلّ لها. ـ

٥٩

ووجه الدليل من هذا البيت أنّ «اليوم» و «الأمس» و «غد» لا تخلو أن تؤخذ على حقائقها أو كنايات عن الأزمنة ، فإن أخذت على حقائقها اختلّ معنى البيت ، لأنّه لا يعلم من علم اليوم إلّا ما هو فيه ولا فائدة في اقتصاره على الأمس وغد ، لأنّه يعلم علم ما قبل الأمس ويجهل علم ما بعد غد ، فإذا بطل أن تؤخذ على حقائقها ، ثبت أنّها كنايات عن الأزمنة. فكنّى باليوم عمّا هو فيه ، وكنّى بالأمس عمّا مضى ، وكنّى بغد عمّا يستقبل.

والأفعال كنايات عن الأحداث بالنظر إلى الزمن. فينبغي اذن أن تكون ثلاثة : ماض ومستقبل ومضارع.

فالماضي : ما وقع وانقطع وحسن معه «أمس» ، وكان مبنيّا على الفتح ما لم يمنع من فتحه مانع.

والمستقبل : ما لم يقع وحسن معه «غد» ، وكان مبنيّا على السكون ما لم يمنع من سكونه مانع.

والمضارع : ما احتمل الحال والاستقبال وحسن معه «الآن» و «غد» ، وكانت في أوّله إحدى الزوائد الأربع ، وهي : الهمزة التي تعطي المتكلّم وحده ، نحو : «أقوم أنا» ، والنون التي تعطي المتكلم ومعه غيره ، نحو : «نحن نقوم» ، أو الواحد المعظّم نفسه. قال الله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ)(١) ، والتاء تعطي التأنيث والخطاب ، نحو : «أنت تقوم» ، و «هند تقوم» ، والياء التي تعطي الغيبة ، نحو : «زيد يقوم».

وهو معرب إذا سلم مما يوجب بناءه ، وقد تقدم ، ومرفوع إذا عري من النواصب والجوازم.

واختلف النحويون في الرافع له ، فمذهب أهل البصرة أنه ارتفع لوقوعه موقع الاسم بدليل أنّه مهما ساغ وقوع الاسم موقعه كان مرفوعا ، ولذلك لا يرتفع بعد النواصب والجوازم ، لأنه لا يسوغ وقوع الاسم بعدها. ألا ترى أنك لا تقول في مثل : «لن يقوم

______________________

ـ والشاهد فيه : استخدامه «اليوم» ، و «الأمس» ، و «غد» كنايات عن الأزمنة ، فكنّى بـ «اليوم» عمّا هو فيه ، وكنّى بـ «الأمس» عمّا مضى ، وكنّى بـ «غد» عمّا يستقبل.

(١) الحجر : ٩.

٦٠