شرح جمل الزجّاجى - ج ١

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »

شرح جمل الزجّاجى - ج ١

المؤلف:

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-2263-0
ISBN الدورة:
2-7451-2263-0

الصفحات: ٥٨٤

ومثال بدل الظاهر من الظاهر في بدل الاشتمال : «عجبت من الجارية حسنها».

ومثال بدل الظاهر من المضمر فيه : «الجارية عجبت منها حسنها».

ومثال بدل المضمر من المضمر فيه : «حسن الجارية عجبت منها منه».

ومثال بدل المضمر من الظاهر فيه : «حسن الجارية عجبت من الجارية منه» ، فتتكلّف أيضا تكرار «الجارية» في الوجهين الأخيرين.

وهذه المسائل التي تؤدّي إلى تكلف تكرار الظاهر فيها خلاف بين النحاة ، فمنهم من منع ، ومنهم من أجاز.

فالذي منعها حمله على ذلك خلوّ الجملة الواقعة خبرا من ضمير يعود على المخبر عنه ، ألا ترى أنك إذا قلت : «ثلث الرغيف أكلت الرغيف إياه» ، لم يكن في الجملة التي هي : «أكلت الرغيف» ، الواقعة خبرا لـ «الثلث» ضمير عائد على «الثلث». فإن قلت : فإنّ «إياه» المبدل من «الرغيف» عائد على «الثلث» ، فلا يحتاج معه إلى عائد. فالجواب : إنّ البدل على تقدير تكرار العامل والاستئناف ، فكأنّك قلت : «إياه أكلت» ، فخلت الجملة الخبرية من ضمير.

وكذلك مسألة : «ثلث الرغيف أكلته إياه» ، ألا ترى أنّ «أكلته» في موضع خبر الرغيف والضمير في «أكلته» عائد عليه ، والجملة من المبتدأ والخبر في موضع خبر «الثلث» ولا ضمير فيها. ولا يعتدّ بـ «إيّاه» ، لأنّه على نيّة الاستئناف ، والذي يجيز هذه المسائل يجعل البدل كأنه من تمام الجملة المتقدمة. والصحيح المنع لأنّ النية بالبدل كما تقدم الاستئناف ، بدليل تكرار العامل.

[٥ ـ البدل من المضمر] :

وفي البدل من المضمر خلاف بين النحاة ، فمنهم من أجاز الإبدال من المضمر لغائب كان أو لمتكلم أو لمخاطب في جميع أقسام البدل ، وهو مذهب الأخفش. ومنهم من أجازه في ضمير الغائب خاصة في جميع أقسام البدل ، فأما ضمير المتكلم أو المخاطب فلا يبدل

٢٦١

منهما إبدال شيء من شيء ؛ وأما غيره من أقسام البدل فجائز كقوله [من الوافر] :

١٩٠ ـ ذريني إنّ أمرك لن يطاعا

وما ألفيتني حلمي مضاعا

فأبدل «حلمي» من الياء في «ألفيتني».

وإنّما لم يجز أن يبدل من ضمير المتكلم أو المخاطب بدل شيء من شيء لأن المقصود ببدل الشيء من الشيء تبيين الأول ، وضمير المتكلم والمخاطب لا يدخلهما لبس ، فلم يجز فيهما إذ لا فائدة فيه.

والأخفش يستدلّ على جوازه بالسماع والقياس ، فأما القياس فإنه قد جاز أن يبدل من ضمير الغائب بدل شيء من شيء بلا خلاف ، نحو قوله [من الطويل] :

١٩١ ـ على حالة لو أنّ في القوم حاتما

على جوده لضنّ بالماء حاتم

______________________

١٩٠ ـ التخريج : البيت لعديّ بن زيد في ديوانه ص ٣٥ ؛ وخزانة الأدب ٥ / ١٩١ ، ١٩٢ ، ١٩٣ ، ٢٠٤ ؛ والدرر ٦ / ٦٥ ؛ وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٢٣ ؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٥٨٧ ؛ ولرجل من بجيلة أو خثعم في الكتاب ١ / ١٥٦ ؛ ولعدي أو لرجل من بجيلة أو خثعم في المقاصد النحوية ٤ / ١٩٢ ؛ وبلا نسبة في شرح ابن عقيل ص ٥٠٩ ؛ وشرح المفصل ٣ / ٦٥ ، ٧٠ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ١٢٧.

اللغة والمعنى : ذريني : دعيني. ألفيتني : وجدتني. حلمي : عقلي ، أو تعقّلي.

يقول : دعيني وشأني فإني لن أطيعك ، ولن أخضع لأوامرك ، لأنّ عقلي لم يفقد بعد.

الإعراب : ذريني : فعل أمر مبنيّ على حذف النون لاتصاله بياء المخاطبة ، والياء : فاعل ، والنون : للوقاية. والياء الثانية : في محلّ نصب مفعول به. إنّ : حرف مشبّه بالفعل. أمرك : اسم «إنّ» منصوب ، وهو مضاف ، والكاف : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. لن : حرف نفي ونصب. يطاعا : فعل مضارع للمجهول منصوب ، والألف للإطلاق ، ونائب الفاعل : هو. وما : الواو : حرف عطف ، ما : حرف نفي. ألفيتني : فعل ماض ، والتاء : فاعل ، والنون : للوقاية ، والياء : في محلّ نصب مفعول به. حلمي : بدل من «ياء» المتكلّم في «ألفيتني» ، وهو مضاف ، والياء : في محلّ جرّ بالإضافة. مضاعا : مفعول به ثان لـ «ألفيتني».

وجملة (ذريني ...) الفعليّة لا محلّ لها من الإعراب لأنّها ابتدائيّة. وجملة (إنّ أمرك ...) الاسميّة لا محلّ لها من الإعراب لأنّها استئنافيّة. وجملة (لن يطاعا) الفعليّة في محلّ رفع خبر «إنّ». وجملة (ما ألفيتني ...) الفعليّة معطوفة على جملة لا محلّ لها من الإعراب.

والشاهد فيه قوله : «وما ألفيتني حلمي مضاعا» حيث أبدل الاسم الظاهر «حلمي» من الضمير ، وهو الياء في «ألفيتني» بدل اشتمال.

١٩١ ـ التخريج : البيت للفرزدق في ديوانه ٢ / ٢٩٧ ؛ ولسان العرب ١٢ / ١١٥ (حتم) ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ١٨٦ ؛ وبلا نسبة في شرح المفصل ٣ / ٦٩ ؛ واللمع ص ١٧٤ ، ٢٦٦.

اللغة والمعنى : حاتم : هو حاتم الطائي المشهور بجوده وكرمه. ضن : بخل. ـ

٢٦٢

فـ «حاتم» بدل من الضمير في «وجوده» ، فكما جاز ذلك ثمّ يجوز هنا ، لأن ضمير الغائب أيضا لا يدخله لبس ، ولهذا منعوا من نعته ، فلو كان القصد بالبدل إزالة اللبس لامتنع من ضمير الغيبة كما امتنع نعته ، فإذا ثبت جوازه حيث لا لبس لم ينكر مجيئه في ضمير المتكلم والمخاطب.

وهذا فاسد ، لأنّ نعت ضمير الغيبة لم يمتنع من حيث لم يدخله لبس بل امتنع من حيث ناب مناب ما لا ينعت وهو الظاهر المعاد ، ألا ترى أنّ قولك : «لقيت رجلا فضربته» ، الهاء نائبة مناب قولك : «فضربت الرجل» ، وأنت لو قلت : «فضربت الرجل العاقل» ، لم يجز ، فكذلك لم ينعت ما ناب منابه ، وقد تقدم في باب النعت. وإنما الذي امتنع نعته من المضمرات لأنّه لا يدخله لبس ضمير المتكلم أو المخاطب ، فإذن تبيّن أنّ ضمير الغيبة قد يدخله اللبس ويكون في ذلك على حسب ما يعود عليه ، فإن عاد على ملبس كان مثله وإن عاد على غير ملبس كان مثله. وإذا امتنع نعته لما ذكرنا جاز الإبدال منه ، إذ لا مانع منه. وتبيّن أنّ ضمير المتكلم والمخاطب يمتنع الإبدال منهما كما يمتنع نعتهما.

وأما السماع فقوله تعالى : (كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) (١) ، فـ «الذين» عنده بدل من الضمير المنصوب في

______________________

ـ يقول : لو كان حاتم بين القوم في تلك الساعة لامتنع عن عطاء الماء لشدّة حاجته إليه.

الإعراب : على حالة : جار ومجرور متعلّقان بمحذوف حال من فاعل «آثرته» في بيت سابق. لو : حرف امتناع لامتناع. أنّ : حرف مشبّه بالفعل. في القوم : جار ومجرور متعلّقان بخبر مقدّم محذوف. حاتما : اسم «أن» منصوب. على جوده : جار ومجرور متعلّقان بمحذوف حال ، وهو مضاف. والهاء : ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. لضنّ : اللام : واقعة في جواب «لو» ، ضنّ : فعل ماض. بالماء : جار ومجرور متعلّقان بـ «ضنّ». حاتم : فاعل مرفوع.

والمصدر المؤول من «أنّ» وما بعدها في محلّ رفع فاعل لفعل محذوف تقديره : «لو ثبت كون حاتم موجودا». وجملة «ضنّ بالماء حاتم» الفعليّة لا محلّ لها من الإعراب لأنّها جواب شرط غير جازم.

والشاهد فيه قوله : «على جوده لضنّ بالماء حاتم» حيث يرى الأخفش جواز مجيء «حاتم» بدلا من الضمير في «جوده» بدل شيء من شيء.

(١) الأنعام : ١٢.

٢٦٣

«ليجمعنكم». وقول حميد [من الوافر] :

١٩٢ ـ أنا سيف العشيرة فاعرفوني

حميدا قد تذرّيت السّناما

فـ «حميد» بدل من الياء في «فاعرفوني» ، ولا حجة فيه لاحتمال أن يكون «الذين» محمولا على الاستئناف وأن يكون «حميدا» منصوبا بإضمار فعل على الاختصاص ، كأنه قال : أعني حميدا ، فيكون نحو قول الآخر [من الطويل] :

١٩٣ ـ أناسا بثغر لا تزال رماحهم

[شوارع من غير العشيرة في الدّم]

______________________

١٩٢ ـ التخريج : البيت لحميد بن ثور في ديوانه ص ١٣٣ ؛ وأساس البلاغة (ذرى) ؛ وشرح شواهد الشافية ص ٢٢٣ ؛ ولسان العرب ١٣ / ٣٧ (أنن) ؛ ولحميد بن بحدل في خزانة الأدب ٥ / ٢٤٢ ؛ وبلا نسبة في رصف المباني ص ١٤ ، ٤٠٣ ؛ وشرح شافية ابن الحاجب ٢ / ٢٩٥ ؛ وشرح المفصل ٣ / ٩٣ ، ٩ / ٨٤ ؛ والمقرب ١ / ٢٤٦ ؛ والمنصف ١ / ١٠.

اللغة : تذريّت : صعدت إلى الذروة وهي الرأس من كلّ شيء. السنام : حدبة الجمل أو الناقة ، ويضرب مثلا للشيء المرتفع.

المعنى : يفخر بنفسه قائلا لقومه : اعرفوا قدري فأنا البطل المدافع عن العشيرة ، وأنا من صعد إلى ذروة المجد.

الإعراب : أنا : ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ. سيف : خبر مرفوع بالضمّة. العشيرة : مضاف إليه مجرور بالكسرة. فاعرفوني : «الفاء» : استئنافية ، «اعرفوا» : فعل أمر مبني على حذف لاتصاله بواو الجماعة ، و «الواو» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل ، و «النون» : للوقاية ، و «الياء» : ضمير متصل في محل نصب مفعول به. حميدا : بدل من (الياء) في (اعرفوني). قد : حرف تحقيق. تذريت : فعل ماض مبني على السكون ، و «التاء» : ضمير متصل في محل رفع فاعل. السناما : مفعول به منصوب بالفتحة ، و «الألف» : للإطلاق.

وجملة «أنا سيف العشيرة» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «فاعرفوني» : استئنافية لا محلّ لها. وجملة «قد تذريت السناما» : خبر ثان لـ (أنا) محلها الرفع.

والشاهد فيه قوله : «حميدا» حيث جاء بدلا من (الياء) في الفعل الذي سبقه ؛ ويحتمل ، كما قال الشارح ، أن يكون «حميدا» منصوبا بإضمار فعل على الاختصاص ، كأنه قال : «أعني حميدا».

١٩٣ ـ التخريج : البيت للفرزدق في ديوانه ٢ / ٢٧١ ؛ وشرح أبيات سيبويه ١ / ٥٠٦ ؛ والكتاب ٢ / ١٥١.

اللغة : الثغر : مكان الخوف من هجوم الأعداء. الشوارع : المسدّدة والمصوّبة. ـ

٢٦٤

[٦ ـ البدل من اسم الاستفهام] :

وإذا أبدلت من اسم الاستفهام لم يكن بدّ من ذكر أداة الاستفهام معه حتى يوافق البدل المبدل منه في المعنى ، كقولك : «كم مالك أعشرون أم ثلاثون»؟ و «متى تخرج أيوم الخميس أم يوم الجمعة»؟ و «من ضربت أزيدا أم عمرا»؟

[٧ ـ البدل من عدد أو جمع] :

وإذا أتيت بعد عدد أو جمع بأسماء تريد إبدالها منها ، فلا يخلو أن يكون ما ذكرته بعد العدد يفي بالعدد ، أو ما ذكرته بعد الجمع يمكن أن يصدق عليه اسم الجمع أو لا. فإن كان جاز فيه وجهان : الإبدال مما تقدّم والرفع على القطع ، وذلك قولك : «لقيت من القوم ثلاثة ، زيدا وعمرا وخالدا» ، على البدل. ولك أن ترفع ، كأنك قلت : أحدهم زيد ، والآخر عمرو ، والآخر خالد. ونحو قولك : «لقيت رجالا ، زيدا وعمرا وخالدا» ، على البدل. ولك أن ترفع كأنك قلت : أحدهم زيد ، والآخر عمرو ، والآخر خالد.

فإن لم يف بالعدد فالقطع ليس إلّا ، كقولك : «لقيت من القوم ثلاثة : زيد وعمرو» ، ولا يجوز الإبدال لأنّ «زيدا» و «عمرا» لا تقع عليهما ثلاثة.

وإن لم يكن ما بعد الجمع يقع عليه الجمع ، فالرفع أيضا على الاستئناف ، نحو : «لقيت رجالا زيد وعمرو» ، ولا يجوز البدل ، لأنّ «زيدا» و «عمرا» لا يقع عليهما «رجال»

______________________

ـ المعنى : إنهم ما يزالون على الحدود المتاخمة للأعداء يسدّدون رماحهم إلى صدور الأعادي تدخل في دمائهم.

الإعراب : أناسا : مفعول به لفعل محذوف ، تقديره : أعني. بثغر : جار ومجرور متعلّقان بصفة (أناس) المحذوفة. لا تزال : «لا» : حرف نفي ، «تزال» : فعل مضارع ناقص مرفوع بالضمة. رماحهم : اسم (تزال) مرفوع بالضمّة ، و «هم» : ضمير متصل في محلّ جرّ مضاف إليه. شوارع : خبر (تزال) منصوب بالفتحة. من غير : جار ومجرور متعلّقان بـ (شوارع). العشيرة : مضاف إليه مجرور بالكسرة. في الدم : جار ومجرور متعلقان بـ (شوارع).

وجملة «أعني أناسا» : ابتدائية لا محل لها. وجملة «لا تزال ...» في محلّ رفع خبر (أناس).

والشاهد فيه قوله : «أناسا» حيث نصبه بفعل محذوف.

٢٦٥

إلّا أن يسمع ذلك من العرب فيتوقّف عنده ، ولا تتعداه ، فيكون إذ ذاك ممّا وقع فيه لفظ الجمع على الاثنين ، وإن لم يكن من باب ما الشيئان فيه من شيئين ، نحو : «قطعت رؤوس الكبشين» ، لأن وقوع لفظ الجمع على الاثنين في هذا الباب مقيس ، بل يكون إذ ذاك نظير قولهم : «رجل عظيم المناكب» ، وإن لم يكن له إلّا منكبان ، وعليه يحمل قول النابغة [من الطويل]

١٩٤ ـ توهمت آيات لها فعرفتها

لستّة أعوام وذا العام سابع

رماد ككحل العين لأيا أبينه

ونؤي كجذم الحوض أثلم خاشع

فإنّه روي برفع «رماد» و «نؤي» ونصبهما.

واعلم أنّ كلّ شيء يبدل منه فلا يخلو أن يكون له لفظ وموضع أو لا ، وقد تقدم ما له ـ من الأسماء ـ موضع خلاف لفظه في باب العطف. فإن لم يكن له موضع خلاف لفظه فالإتباع ليس إلّا ، نحو : «قام زيد أخوك» ، و «رأيت زيدا أخاك» ، وإن كان له موضع خلاف لفظه جاز البدل على اللفظ والموضع ، نحو : «يعجبني ضرب زيد أخوك عمرا» ، على الموضع ، و «أخيك» على اللفظ ، إلّا في موضعين فإنّه لا يجوز البدل منهما إلّا على الموضع خاصة.

______________________

١٩٤ ـ التخريج : البيتان للنابغة الذبياني في ديوانه ص ٣١ ؛ وخزانة الأدب ٢ / ٤٥٣ ؛ وشرح أبيات سيبويه ١ / ٤٤٧ ؛ والصاحبي في فقه اللغة ص ١١٣ ؛ والكتاب ٢ / ٨٦ ؛ ولسان العرب ٤ / ٥٦٩ (عشر) ؛ والمقاصد النحوية ٣ / ٤٠٦ ، ٤ / ٤٨٢ ؛ وبلا نسبة في شرح التصريح ٢ / ٢٧٦ ؛ وشرح شواهد الشافية ص ١٠٨ ؛ والمقتضب ٤ / ٣٢٢ ؛ والمقرب ١ / ١٤٧.

شرح المفردات : الآيات : ج الآية ، وهي العلامة. توهّمت : تصوّرت ، تخيّلت.

المعنى : يقول : إنني تخيّلت معالم الدار فعرفتها بعد غياب دام سبع سنوات تقريبا.

الإعراب : «توهّمت» : فعل ماض ، والتاء ضمير في محلّ رفع فاعل. «آيات» : مفعول به منصوب بالكسرة لأنّه جمع مؤنث سالم. «لها» : جار ومجرور متعلّقان بمحذوف نعت لـ «آيات». «فعرفتها» : الفاء حرف عطف ، «عرفتها» : فعل ماض ، والتاء ضمير في محلّ رفع فاعل ، و «ها» : في محلّ نصب مفعول به. «لستة» : جار ومجرور متعلّقان بـ «توهمت» ، وهو مضاف. «أعوام» : مضاف إليه مجرور. «وذا» : الواو حرف استئناف ، «ذا» اسم إشارة مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ. «العام» : بدل من «ذا» مرفوع. «سابع» : خبر المبتدأ مرفوع ...

وجملة : «توهّمت ...» ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «عرفتها» معطوفة على جملة «توهمت» فهي مثلها لا محلّ لها من الإعراب. وجملة : «ذا العام سابع» استئنافية لا محل لها من الإعراب.

والشاهد فيه قوله : «رماد ... ونؤي» حيث روي البيت بنصبهما على البدل من «آيات» وبرفعهما على الخبريّة لمبتدأ محذوف.

٢٦٦

أحدهما : أنّ تبدل الاسم الواقع بعد «إلّا» من اسم مخفوض بحرف جر زائد لا يزاد إلّا في النفي ، وذلك نحو : «ما جاءني من أحد إلّا زيد» ، بالرفع لأنّك لو خفضت «زيدا» بالحمل على لفظ «أحد» للزم من ذلك زيادة «من» في الواجب ، لأنّ البدل على تقدير تكرير العامل ، فيكون التقدير إذ ذاك : إلّا من زيد ، وزيادتها في الواجب لا تجوز. ومن ذلك : «ليس القائم بأحد إلّا زيدا» ، على الموضع ، ولا يجوز «إلّا زيد» على اللفظ ، لأنّ ذلك يؤدّي إلى زيادة الباء في خبر «ليس» في الواجب ، ومن ذلك قوله [من الكامل] :

١٩٥ ـ يا ابني سليمى لستما بيد

إلا يدا ليست لها عضد

فنصب «يدا» بعد «إلّا» على موضع «يد».

والآخر : أن تبدل الاسم المعرفة الواقع بعد «إلّا» من الاسم المبنيّ مع «لا» ، نحو : «لا رجل في الدار إلّا عمرو» على البدل من موضع «لا رجل» ، ولا يجوز النصب لأنّ البدل على تقدير تكرار العامل و «لا» لا تعمل في المعارف ؛ فأما قولهم : «لا رجل في الدار إلا عمرا» ، فعلى الاستثناء.

______________________

١٩٥ ـ التخريج : البيت لأوس بن حجر في ديوانه ص ٢١ ؛ وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٦٨ ؛ ولطرفة بن العبد في ديوانه ص ٤٥ ؛ وشرح المفصل ٢ / ٩٠ ؛ وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ص ٤٤١ ؛ والكتاب ٢ / ٣١٧ ؛ والمقتضب ٤ / ٤٢١.

اللغة : ابنا سليمى : لعلّهما ابنا امرأة بعينها ، وفي الديوان (ابني لبينى) ؛ وبنو لبينى قوم من بني أسد بن وائلة. العضد (بكسر الضاد وضمّها) : ما بين المرفق والكتف ، والمعين الناصر.

المعنى : أنتم لستم يدا يعتمد عليها ، بل يدا مشلولة لا عضد لها ، أي لا ناصر لكم ولا معين.

الإعراب : يا ابني : «يا» : حرف نداء ، «ابني» : منادى مضاف منصوب بالياء لأنّه مثنى. سليمى : مضاف إليه مجرور بفتحة مقدّرة على الألف. لستما : «ليس» : فعل ماض ناقص ، و «تما» : ضمير متصل في محلّ رفع اسم (ليس). بيد : «الباء» : حرف جرّ زائد ، «يد» : اسم مجرور لفظا منصوب محلّا على أنّه خبر (ليس). إلا يدا : «إلا» : حرف استثناء ، «يدا» : بدل من (يد) على المحلّ ، منصوب بالفتحة. ليست : فعل ماض ناقص ، و «التاء» : للتأنيث. لها : جار ومجرور متعلّقان بخبر (ليس) المحذوف. عضد : اسم (ليس) مؤخّر مرفوع بالضمّة.

وجملة النداء : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «لستما بيد» : استئنافية لا محل لها. وجملة «ليست لها عضد» : في محلّ نصب صفة لـ (يدا).

والشاهد فيه قوله : «يدا» حيث أبدل على محلّ «يد» المجرورة لفظا.

٢٦٧

باب عطف البيان

[١ ـ التعريف بعطف البيان] :

عطف البيان هو جريان اسم جامد معرفة في الأكثر على اسم دونه في الشهرة يبيّنه كما يبينه النعت ، نحو : «جاءني أبو حفص عمر».

فقولي : «جريان اسم جامد على اسم دونه في الشهرة» تحرّز من النعت ، لأن النعت لا يكون إلا بالمشتق أو ما في حكمه ، وعطف البيان لا يكون إلّا بالجوامد.

والنعت أيضا يكون مساويا للمنعوت في التعريف أو أقل منه تعريفا ، وعطف البيان لا يكون إلّا أعرف من المعطوف عليه.

وإنّما قلت : «في الأكثر» ، لأن عطف البيان قد يكون في النكرات.

وقد أجاز الفارسي في «زيتونة» من قوله تعالى : (مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ) (١). أن يكون عطف بيان على «الشجرة».

وقولي : «يبيّنه كما يبيّنه النعت» تحرّز من البدل ، فإنّ البدل يبينه بيانا مع أنّك تنوي بالأول الطرح ، وليس عطف البيان كذلك. فهذا فرق ما بينهما. والفرق بينهما أيضا أنّ عطف البيان لا يكون إلا بالمعارف ، والبدل يكون بالمعارف والنكرات على حد سواء.

______________________

(١) النور : ٣٥.

٢٦٨

[٢ ـ الفرق بينه وبين التوكيد] :

والفرق بينه وبين التوكيد الذي هو من أقسام التوابع بين جدّا ، إذ التأكيد قد وضعت له العرب ألفاظا مختصة به لا يجوز أن يكون بغيرها.

[٣ ـ الفرق بينه وبين البدل] :

ومما يتبيّن به الفرق بين عطف البيان والبدل والنعت أنّ نعت المعرفة قصدك به إزالة الاشتراك العارض في المعرفة بصفة معهودة بينك وبين مخاطبك ، فإذا قلت : «قام زيد العاقل» ، فكأنّك قلت : قام زيد الذي بيني وبينك العهد في أنّه عاقل ، وكذلك إذا وقع النعت بغير ما فيه الألف واللام يكون على معنى ما فيه الألف واللام. وإذا قلت : «قام زيد صديق عمرو» ، فكأنك قلت : قام زيد الذي بيني وبينك العهد في صداقته لعمرو.

وعطف البيان إنما يقصد به إزالة الاشتراك العارض في الاسم بما هو أشهر من الأول من غير أن يكون بينك وبين المخاطب عهد في ذلك. فإذا قلت : «قام أبو حفص عمر» ، فكأنه لما وقع الاشتراك في «أبي حفص» أزلته عنه بعطف «عمر» الذي هو أشهر منه في حق المخبر عنه إلّا أنّه لم يكن بينك وبين المخاطب عهد في أنه يسمّى «عمر» بل اخترت لشهرة عمر أن تعلم منه من تعني بأبي حفص.

وأما البدل فإنّ القصد بذكره لما وقع الاشتراك في المبدل منه أن تعتمد عليه في البيان وتجعل الأول كأنك لم تذكره.

ومما يظهر به الفرق بين عطف البيان والبدل في اللفظ اسم الفاعل المعرّف بالألف واللام المضاف إلى ما فيه الألف واللام إذا أتبع ما أضيف إليه اسما ليس فيه الألف واللام ، نحو قولك : «هذا الضارب الرجل زيد» ، فإنه قد يجوز ذلك على عطف البيان ولا يجوز على البدل ، وذلك أنّ البدل في نية أن يباشر العامل ، فلو جعلته بدلا للزم أن يكون على تقدير :

هذا الضارب زيد ، ولا يجوز إضافة اسم الفاعل إلى ما ليس فيه الألف واللام ، ولا يؤدي إلى ذلك في عطف البيان ، ومن ذلك قوله [من الوافر] :

١٩٦ ـ أنا ابن التارك البكريّ بشر

عليه الطّير ترقبه وقوعا

______________________

١٩٦ ـ التخريج : البيت للمرار الأسدي في ديوانه ص ٤٦٥ ؛ وخزانة الأدب ٤ / ٢٨٤ ، ٥ / ١٨٣ ، ـ

٢٦٩

فـ «بشر» عطف بيان على «البكري» لا بدل ، لما ذكرناه.

وكذلك أيضا يتبيّن الفرق بينهما في باب النداء في مثل قول العرب : «يا زيد زيدا» ، إن جعلت «زيدا» بدلا لم ينون ، لأنّه في نية تكرار حرف النداء ، وأنت لو أوليته حرف النداء لم يكن إلّا غير منون ، وإن جعلته عطف بيان كان منونا لأنه ليس في نية تكرار الحرف معه فيلزم منه حذف التنوين. ومن ذلك قوله [من الرجز] :

١٩٧ ـ إني وأسطار سطرن سطرا

لقائل يا نصر نصرا نصرا

______________________

ـ ٢٢٥ ؛ والدرر ٦ / ٢٧ ؛ وشرح أبيات سيبويه ١ / ٦ ، وشرح التصريح ٢ / ١٣٣ ؛ وشرح المفصّل ٣ / ٧٢ ، ٧٣ ؛ والكتاب ١ / ١٨٢ ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ١٢١ ؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ٤٤١ ؛ وأوضح المسالك ٣ / ٣٥١ ؛ وشرح الأشموني ٢ / ٤١٤ ؛ وشرح ابن عقيل ص ٤٩١ ؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٥٥٤ ، ٥٩٧ ؛ وشرح قطر الندى ص ٢٩٩ ؛ والمقرب ١ / ٢٤٨ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ١٢٢.

اللغة والمعنى : بشر : هو بشر بن عمرو بن مرثد. البكري : نسبة إلى بكر بن وائل. ترقبه : تنتظر خروج الروح لتقع عليه ، لأنّ الطيور لا تقع إلّا على الموتى.

يقول : أنا ابن ذلك الفارس المغوار الذي ترك بشرا جريحا ترقبه الطيور ليلفظ أنفاسه كي تقع عليه وتنهشه.

الإعراب : أنا : ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ. ابن : خبر المبتدأ مرفوع ، وهو مضاف. التارك : مضاف إليه مجرور ، وهو مضاف. البكريّ : مضاف إليه مجرور. بشر : عطف بيان على «البكريّ» مجرور. عليه : جار ومجرور متعلّقان بمحذوف خبر المبتدأ «الطير». الطير : مبتدأ مؤخّر مرفوع. ترقبه : فعل مضارع مرفوع. والفاعل : هي ، والهاء : ضمير في محلّ نصب مفعول به. وقوعا : حال منصوبة.

وجملة (أنا ابن ...) الاسميّة لا محلّ لها من الإعراب لأنّها ابتدائيّة. وجملة (عليه الطير) الاسميّة في محلّ نصب حال. وجملة (ترقبه وقوعا) الفعليّة في محلّ نصب حال.

والشاهد فيه قوله : «التارك البكري بشر» ، فإنّ قوله : «بشر» عطف بيان على قوله : «البكريّ» ، ولا يجوز أن يكون بدلا ، لأنّ البدل على نيّة تكرار العامل ، فكان ينبغي لكي يصحّ أن يكون بدلا أن يحذف المبدل منه ويوضع البدل مكانه ، فتقول : «التارك بشر» ، ويلزم على هذا إضافة اسم مقترن بـ «أل» إلى اسم خال منها ، وذلك غير جائز.

١٩٧ ـ التخريج : الرجز لرؤبة في ديوانه ص ١٧٤ ؛ وخزانة الأدب ٢ / ٢١٩ ؛ والخصائص ١ / ٣٤٠ ؛ والدرر ٤ / ٢٢ ؛ وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٤٣ ؛ وشرح المفصّل ٢ / ٣ ؛ والكتاب ٢ / ١٨٥ ، ١٨٦ ؛ ولسان العرب ٥ / ٢١١ (نصر) ؛ وبلا نسبة في أسرار العربية ص ٢٩٧ ؛ والأشباه والنظائر ٤ / ٨٦ ؛ والدرر ٦ / ٢٦ ؛ ولسان العرب ٤ / ٣٦٣ (سطر) ؛ ومغني اللبيب ٢ / ٣٨٨ ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ٢٠٩ ؛ والمقتضب ٤ / ٢٠٩ ؛ وهمع الهوامع ١ / ٢٤٧ ، ٢ / ١٢١.

اللغة والمعنى : الأسطار : ج السطر. نصر : هو نصر بن سيّار. ـ

٢٧٠

فالثاني عطف بيان على الأوّل ، والثالث منصوب على الإغراء ، كأنه قال : عليك نصرا ، فإن قيل : فكيف يبيّن الشيء بنفسه ، ألا ترى أنّ «نصرا» الثاني لا يفهم منه إلّا ما يفهم من الأول ، فالجواب : إنّ البيان هنا يقع بتكرار اسم المنادى وأنت تخاطبه وتقبل عليه مرتين ، ولو لا ذلك لأمكن أن يقع اللبس ، فلا يعلم من المخاطب إذا كان بحضرتك مسميّان بـ «نصر» فصاعدا.

وباب عطف البيان أكثر استعماله في أسماء الأعلام إذا جرت على الكنى في الإعراب ، أو في الألقاب إذا جرت على الكنى أيضا ، أو على الأسماء الأعلام. فمثال الأول : «قام أبو حفص عمر» ، ومثال الثاني : «قام أبو حفص قفّة» ، أو «قام عبد الله قفة» ، إذا كان «قفة» لقبا لأبي حفص وعبد الله.

وأمّا اللقب المفرد إذا اجتمع مع الاسم المفرد ، فإنّ العرب تضيف الاسم إلى اللقب ،

______________________

ـ يقول : أقسم بأسطار سطرن سطرا بأنّه سينادي نصرا ليعطيه ويساعده.

الإعراب : إنّي : حرف مشبّه بالفعل ، والياء : ضمير في محلّ نصب اسم «إنّ». وأسطار : الواو : للقسم حرف جرّ ، أسطار : اسم مجرور بالكسرة ، والجار والمجرور متعلقان بفعل القسم المحذوف تقديره : «أقسم». سطرن : فعل ماض للمجهول ، والنون : نائب فاعل. سطرا : مفعول مطلق منصوب. لقائل : اللام : المزحلقة ، قائل : خبر «إنّ» مرفوع. يا : حرف نداء. نصر : منادى مبنيّ على الضمّ في محل نصب على النداء. نصرا : عطف بيان على «نصر» منصوب باعتبار المحلّ. نصرا : عطف بيان على «نصر» باعتبار المحلّ ، أو منصوب على الإغراء.

وجملة (إنّي وأسطار ...) الاسميّة لا محلّ لها من الإعراب لأنها ابتدائيّة. وجملة (... أسطار) الفعليّة لا محلّ لها من الإعراب لأنّها اعتراضيّة. وجملة (سطرن سطرا) الفعليّة في محلّ جرّ نعت لـ «أسطار». وجملة (يا نصر ...) الفعليّة في محلّ نصب مفعول به.

والشاهد فيه قوله : «يا نصرا نصرا» ، فإنّ قوله : «نصر» الأوّل منادى ، وقوله : «نصرا» الثاني عطف بيان عليه باعتبار محله ، وقوله : «نصرا» الثالث عطف بيان عليه باعتبار محلّه ، أو منصوب على الإغراء. ولا يجوز في الثاني أو الثالث أن يجعل بدلا من المنادى ، وذلك لأنّ البدل على نيّة تكرار العامل ، فلو أدخلت حرف النداء على واحد من هذين لما جاز رفع الأوّل ونصب الثاني ، إذ كلّ واحد منهما علم مفرد ، والعلم المفرد إذا دخل عليه حرف النداء وجب بناؤه على الضمّ ، لكنّ عطف البيان ليس كذلك ، بل يجوز فيه الإتباع على اللفظ فيرفع ، والإتباع على المحل فينصب.

٢٧١

ولا تجري أحدها على الآخر ، فتقول : «هذا قيس قفّة وهذا سعيد كرز» ، ولا يجوز : قيس قفة ولا سعيد كرز.

وسبب ذلك أنّ العرب قد تضع للمسمّى الواحد اسمين مضافين ، نحو : «عبد الله وأبي محمد» ، أو اسمين : أحدهما مفرد والآخر مضاف ، نحو : «محمد وأبي بكر» ، ولم يضعوا قط لمسمى واحد اسمين مفردين ، فلذلك إذا اجتمع اللقب والاسم العلم المفرد ، أضافوا أحدهما إلى الآخر ، وكان المضاف الاسم لأنّ اللقب أشهر ، وباب الإضافة أن يضاف فيه الاسم الأعمّ إلى الأخصّ ، نحو : «غلام زيد».

وقد يجوز استعمال عطف البيان في سائر المعارف ، ولذلك أجاز النحويون في مثل : «مررت بهذا الرجل» ، أن يكون الرجل نعتا وعطف بيان.

فمن حمله على عطف البيان فسبب ذلك جموده ، ومن جعله نعتا لحظ فيه معنى الاشتقاق وجعل قوله : «الرجل» ، بعد «هذا» بمنزلة الحاضر المشار إليه. فإن قيل : فقد زعمت أنّ عطف البيان أخصّ من النعت ، وقد أجزت في «الرجل» وهو معرّف بالألف واللام أن يكون عطف بيان على «هذا» ، والمشار أعرف مما فيه الألف واللام ، فالجواب : إنّ الألف واللام لمّا كانت للحضور ساوى المعرّف بها المشار في التعريف وزاد عليه بأن المشار لا يعطي جنس المشار إليه والرجل يعطي فيه الألف واللام الحضور ، ويعطي أنّ الحاضر من جنس الرجال ، فصار المشار إليه إذن أعرف من «هذا».

فإن قيل : فإذا قدّرته أعرف من «هذا» ، فكيف أجزت أن يكون نعته ، والنعت لا يكون أعرف من المنعوت؟ فالجواب : إنّك إذا قدّرته نعتا ، فلا بد أن تكون الألف واللام للعهد كما تقدّم في بيان معنى النعت ، وكأنّك قلت : «مررت بهذا الرجل» ، وهو الرجل الذي بيني وبينك فيه العهد ، ولا تجعل الألف واللام على ذلك إذا قدّرته عطف بيان بل تجعلها للحضور ، وهذا الذي ذكرته هو معنى كلام سيبويه.

٢٧٢

باب أقسام الأفعال في التعدي

[١ ـ الفعل المتعدّي وغير المتعدّي] :

التعدّي في اللغة : التجاوز ، يقال : عدا فلان طوره ، أي : جاوزه. ومنه قوله عليه‌السلام : «من طلب القوت لم يتعدّ». معناه لم يتجاوز ما يجب له. وهو في اصطلاح النحويين : تجاوز الفعل الفاعل إلى مفعول به.

فإن تجاوز الفعل الفاعل إلى غير مفعول به من مصدر أو ظرف أو غير ذلك ولم يتجاوزه إلى مفعول به لا يسمونه متعديا.

فالأفعال على هذا تنقسم قسمين : قسم يتعدّى ، وقسم لا يتعدى.

فالذي لا يتعدّى هو الذي لا يبنى منه اسم مفعول ، ولا يصحّ السؤال عنه بأي شيء وقع ، نحو : «جلس» و «قام» ، لا يبنى منهما اسم مفعول فيقال : «مجلوس» ، أو «مقوم» ، ولا يقال : بأيّ شيء وقع قيام زيد ، ولا : بأي شيء وقع جلوس بكر. والمتعدّي عكسه ، وهو الذي يبنى منه اسم مفعول ، ويصحّ السؤال عنه بأي شيء وقع ، نحو : «ضرب زيد عمرا» ، ألا ترى أنّه يصح أن تبني منه اسم مفعول ، فيقال : «مضروب» ، ويقال : بأي شيء وقع ضرب زيد؟

[٢ ـ أقسام الفعل المتعدّي] :

والمتعدّى ثلاثة أقسام : قسم يتعدّى إلى واحد بنفسه ، وقسم يتعدّى إلى واحد بحرف

جمل الزجاجي / ج ١ / م ١٨

٢٧٣

الجرّ ، وقسم يتعدى إلى واحد تارة بنفسه وتارة بحرف جر. فالذي يتعدّى إلى واحد بنفسه هو الذي يطلب مفعولا به واحدا ، ويكون ذلك المفعول يحلّ به الفعل ، نحو : «ضربت زيدا» ألا ترى أنّ «ضربت» تطلب مضروبا : زيدا أو غيره ، ويكون ذلك المضروب قد حلّ به الضرب. فإن قيل : فإنك تقول : «ذكرت زيدا» ، وتوصل «ذكرت» إلى «زيد» بنفسه ، والذكر لا يحلّ بزيد. فالجواب : إنّ الأشخاص لا تذكر فإذا قلت : «ذكرت زيدا» ، فإنما هو على حذف مضاف تقديره : ذكرت أمر زيد أو شأنه أو قصته ، والذكر يحل بشأن زيد وقصته أي يتسلّط عليهما.

والذي يتعدّي إلى واحد بحرف جر هو كل فعل يطلب مفعولا به واحدا إلا أنه لا يكون محلّا للفعل ، نحو : «مررت بزيد» ، و «جئت إلى عمرو» ، و «عجبت من بكر». ألا ترى أنّ المرور لا يحلّ بزيد ، والمجيء لا يحل بعمرو ، والتعجب لا يحلّ ببكر.

والقسم الذي يتعدّي إلى واحد تارة بنفسه وتارة بحرف جر لا سبيل إلى معرفته إلا بالسماع ، نحو : «نصحت زيدا ونصحت له» ، وأمثاله.

وإنّما جعل هذا قسما برأسه ولم يجعل من القسمين ، لأنه قد وجد الفعل يصل تارة بنفسه وتارة بحرف جرّ ، ولم يستعمل أحدهما أكثر من الآخر ، أعني أنه لم يقل : «نصحت زيدا» أكثر من : «نصحت لزيد» ، فتجعل وصوله بنفسه أصلا وحرف الجر زائدا ، ولا «نصحت لزيد» أكثر من : «نصحت زيدا» ، فيجعل الأصل ، ثم حذف حرف الجر. فلما تساويا في الاستعمال كان كل واحد منهما أصلا بنفسه.

وزعم بعض النحويين أنه لا يتصور أن يوجد فعل تارة يتعدّى بنفسه وتارة بحرف الجر ، لأنّه محال أن يكون الفعل قويا ضعيفا في حال واحدة ، ولا المفعول محلّا للفعل وغير محل للفعل في حين واحد ، وهو الصحيح.

فينبغي على هذا أن يجعل : «نصحت زيدا» ، وأمثاله الأصل فيه : «نصحت لزيد» ، ثم حذف حرف الجر منه في الاستعمال ، وكثر فيه الأصل والفرع ، لأنّ النصح لا يحلّ بزيد. فإن كان الفعل يحلّ بنفي المفعول ، ويوجد تارة متعدّ بنفسه وتارة بحرف جر ، جعلنا الأصل وصوله بنفسه وحرف الجر زائدا ، نحو : «مسحت رأسي ومسحت برأسي» ، و «خشّنت بصدره وصدره» ، لأنّ التخشين يحلّ بالصدر والمسح يحل بالرأس.

٢٧٤

وزعم ابن درستويه أنّ «نصحت لزيد» من باب ما يتعدّى إلى مفعولين : أحدهما بنفسه والآخر بحرف الجرّ ، وأنّ الأصل : «نصحت لزيد رأيه» ، واستدلّ على ذلك بأنه منقول من قولك : «نصحت لزيد ثوبه» ، بمعنى : خطته ، فشبّه إصلاح الرأي لزيد بخياطة الثوب ، لأنّ الخياطة إصلاح للثوب في المعنى ، فكما أنّ نصحت من قولك : «نصحت لزيد ثوبه» ، بمعنى : خطته من باب ما يتعدّي إلى مفعولين : أحدهما بنفسه والآخر بحرف جرّ ، فكذلك ما نقل منه ، ثم حذف المفعول الذي يصل إليه بنفسه لفهم المعنى ، ألا ترى أنك إذا قلت : «نصحت لزيد» ، معناه : نصحت لزيد رأيه.

وهذا فاسد لأنّه دعوى لا دليل عليها ، ولو كان كما ذهب إليه لسمع في موضع من المواضع : «نصحت لزيد رأيه» ، فتوصل «نصحت» إلى منصوب بعد المجرور ، فإذ لم يسمع ذلك دليل على فساده.

[٣ ـ أقسام الفعل المتعدّي إلى اثنين] :

والذي يتعدّى إلى اثنين ينقسم إلى قسمين : قسم يتعدّى إلى مفعولين بنفسه ، وقسم يتعدى إلى مفعولين : أحدهما بنفسه والآخر بحرف جر ، فالذي يتعدى إلى اثنين بنفسه ينقسم قسمين : قسم يجوز فيه الاقتصار على أحد المفعولين ، وقسم لا يجوز فيه ذلك ، فالذي لا يجوز فيه الاقتصار على أحد المفعولين هو «ظننت» ، إن لم تكن بمعنى «اتهمت» ، و «علمت» إذا لم تكن بمعنى «عرفت» ، و «حسبت» ، و «زعمت» ، و «خلت» ، و «رأيت» ، إذا كان بمعنى «ظننت» أو بمعنى «علمت» ، و «وجدت» بمعنى «علمت» ، و «أعلمت» ، و «أريت» ، و «أنبأت» ، و «نبأت» ، و «أخبرت» ، و «خبّرت» ، و «حدّثت» إذا كانت بمعنى «أعلمت».

وزاد بعض النحويين في هذه الأفعال : «هب» بمعنى «ظنّ» ، و «ألفى» بمعنى «وجد» ، و «عدّ» بمعنى «حسب» ، نحو : «هب زيدا شجاعا» ، و «ألفيت زيدا ضاحكا» ، و «عددت زيدا عالما» ، ولا حجة في شيء من ذلك لأن «شجاعا» و «ضاحكا» و «عالما» أحوال ، والدليل على ذلك التزام التنكير فيها ، لا تقول : «هب زيدا الشجاع» ، ولا «ألفيت زيدا

٢٧٥

الضحّاك» ، ولا «عددت زيدا العالم» ، فأما قوله [من الطويل] :

١٩٨ ـ تعدّون عقر النّيب أفضل مجدكم

بني ضوطرى لو لا الكميّ المقنّعا

فـ «أفضل مجدكم» نعت لـ «عقر النيب» ، و «عدّ» بمعنى «حسب» ، كأنه قال : «تحسبون عقر النيب الذي هو أفضل مجدكم ، ممّا تفخرون به».

وأما «سمعت» فلا يخلو أن يكون الواقع بعدها مما يسمع أو من قبيل ما لا يسمع ، فإن كان من قبيل المسموعات تعدّت إلى واحد باتفاق ، نحو : «سمعت كلام زيد» ، و «سمعت قراءة بكر» ، وإن كان من قبيل ما لا يسمع ، نحو : «سمعت زيدا يتكلّم» ، ففي ذلك خلاف بين النحويين.

______________________

١٩٨ ـ التخريج : البيت لجرير في ديوانه ص ٩٠٧ ؛ وتخليص الشواهد ص ٤٣١ ؛ وجواهر الأدب ص ٣٩٤ ؛ وخزانة الأدب ٣ / ٥٥ ، ٥٧ ، ٦٠ ؛ والخصائص ٢ / ٤٥ ؛ والدرر ٢ / ٢٤٠ ؛ وشرح شواهد الإيضاح ص ٧٢ ؛ وشرح شواهد المغني ٢ / ٦٦٩ ؛ وشرح المفصل ٢ / ٣٨ ، ٨ / ١٤٤ ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ٤٧٥ ؛ ولسان العرب ١٥ / ٤٧٠ (إمّا لا) ؛ وللفرزدق في الأزهية ص ١٦٨ ؛ ولسان العرب ٤ / ٤٩٨ (ضطر) ؛ ولجرير أو للأشهب بن رميلة في شرح المفصل ٨ / ١٤٥ ؛ وبلا نسبة في الأزهية ص ١٧٠ ؛ والأشباه والنظائر ١ / ٢٤٠ ؛ والجنى الداني ص ٦٠٦ ؛ وخزانة الأدب ١١ / ٢٤٥ ؛ ورصف المباني ص ٢٩٣ ؛ وشرح الأشموني ٣ / ٦١٠ ؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٣٢١ ؛ وشرح المفصل ٢ / ١٠٢ ؛ والصاحبي في فقه اللغة ص ١٦٤ ، ١٨٢ ؛ ومغني اللبيب ١ / ٢٧٤.

اللغة : العقر : النحر أو الذبح. النيب : ج ناب وهي الناقة المسنّة. ضوطرى : المرأة الحمقاء. الكميّ : الفارس المدجّج بالسلاح.

المعنى : يهجو الشاعر قوم الفرزدق فيقول : إنّ أفضل ما يقومون به هو نحر ناقة مسنّة ، فهل لهم قدرة على التصدّي للفارس المدجّج بالسلاح؟!

الإعراب : «تعدّون» : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون ، والواو ضمير في محلّ رفع فاعل. «عقر» : مفعول به منصوب وهو مضاف. «النيب» : مضاف إليه مجرور. «أفضل» : نعت لـ «عقر» منصوب ، وهو مضاف. «مجدكم» : مضاف إليه مجرور ، وهو مضاف ، و «كم» : ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. «بني» : منادى بحرف نداء محذوف تقديره : «يا بني» منصوب بالياء ، وهو مضاف. «ضوطرى» : مضاف إليه مجرور. «لولا» : حرف تحضيض. «الكميّ» : مفعول به منصوب لفعل محذوف تقديره : «لو لا تعدّون الكمي». «المقنّعا» : نعت «الكمي» منصوب.

وجملة : «تعدون» ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة النداء «يا بني» استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة : «تعدون» المحذوفة استئنافية لا محل لها من الإعراب.

الشاهد فيه قوله : «تعدون عقر النيب أفضل مجدكم» حيث يرى ابن عصفور أن «أفضل مجدكم» نعت لـ «عقر النيب» وليس مفعولا به ثانيا لـ «عدّ».

٢٧٦

فمنهم من جعلها مما يتعدّى إلى اثنين كـ «ظننت» ، وحجته أنّ «سمعت» لما دخلت على ما لا يسمع أتيت لها بمفعول ثان يعطي معنى المسموع ، كما أن «ظننت» لما دخلت على «زيد» ، وهو غير مظنون في المعنى ، أتيت بعد ذلك بمفعول ثان يعطي معنى المظنون ، فقلت : «ظننت زيدا منطلقا».

على هذا يكون «يتكلّم» من قولك : «سمعت زيدا يتكلّم» في موضع مفعول ثان لـ «سمعت». ومنهم من جعلها متعدية إلى مفعول واحد ، فإذا قلت : «سمعت زيدا يتكلّم» ، فإنّ «زيدا» مفعول لـ «سمعت» ، على تقدير حذف مضاف ، كأنّك قلت : «سمعت صوت زيد يتكلّم» ، ويكون في موضع الحال ، أي : سمعت صوت زيد في حال أنّ زيدا يتكلّم ، وتكون هذه الحال مبينة ، لأنّه قد سمع صوته في حال أنّه يصيح أو يقرأ أو غير ذلك ، ويكون حذف المضاف لفهم المعنى إذ معلوم أن زيدا في نفسه لا يسمع ، فيكون نحو قوله تعالى : (هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ) (١). ألا ترى أنّ المعنى ، هل يسمعون دعاءكم؟ فحذف الدعاء لدلالة قوله : «إذ تدعون» عليه. وهذا المذهب أولى ، لأنّ «سمع» من أفعال الحواس ، وهي كلّها متعدّية إلى مفعول واحد ، تقول : «ذقت طعامك» ، و «شممت طيبا» ، و «لمست حريرا» ، و «أبصرت زيدا» ، فينبغي أن تكون «سمعت» مثلها.

وأيضا فإنّها لو كانت مما يتعدّى إلى مفعولين ، لم تخل أن تكون من باب «أعطيت» ، أو من باب «ظننت» ، فباطل أن تكون من باب «أعطيت» لأنّ «يتكلم» فعل والفعل لا يكون في موضع المفعول الثاني من باب «أعطيت» وأمثاله.

وباطل أن يكون من باب «ظننت» ، لأنّ «ظننت» وأخواتها يجوز إلغاؤها ولا يجوز إلغاء «سمعت» ، وأيضا تقول : «سمعت زيدا» ، ولا يجوز ذلك في باب «ظننت» ، فثبت أنّها مما يتعدّى إلى واحد ، فأمّا قوله [من الوافر] :

١٩٩ ـ سمعت الناس ينتجعون غيثا

فقلت لصيدح انتجعي بلالا

______________________

(١) الشعراء : ٧٢.

١٩٩ ـ التخريج : البيت لذي الرّمة في ديوانه ص ١٥٣٥ ؛ وجمهرة اللغة ص ٥٠٣ ؛ وخزانة الأدب ٩ / ١٦٧ ، ١٦٨ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ١ / ٢٣٢ ؛ وشرح التصريح ٢ / ٢٨٢ ؛ ولسان العرب ٢ / ٥٠٩ (صدح) ، ٨ / ٣٤٧ (نجع) ؛ والمقتضب ٤ / ١٠ ؛ ونوادر أبي زيد ص ٣٢ ؛ وبلا نسبة في أسرار العربية ص ٣٩٠ ؛ وخزانة الأدب ٩ / ٢٦٨ ، ٣٩٣.

٢٧٧

فليس بإلغاء وإنّما هو على الحكاية ، ألا ترى أنّ المعنى : سمعت هذا الكلام الذي هو الناس ينتجعون غيثا ، فليس معنى : «سمعت زيد يتكلم» ، على هذا المعنى : «سمعت زيدا يتكلّم» ، لأنّك إذا رفعت ، فالمسموع هذا الكلام الذي هو زيد يتكلّم ، وإذا نصبت فالمسموع ليس هذا اللفظ الذي هو «زيد يتكلم» ، فلو كان إلغاء لكان معناهما واحدا ، كما أنّ قولك : «ظننت زيدا قائما» ، و «زيد ظننت قائم» ، لا فرق بينهما ، وأيضا فإنّ الفعل لا يلغى في أول الكلام.

والذي يجوز فيه الاقتصار على أحد المفعولين كلّ فعل يتعدّى إلى مفعولين ، الأول منهما فاعل في المعنى ، نحو : «كسوت زيدا ثوبا» ، و «أعطيت عمرا درهما» ، ألا ترى أنّ «زيدا» و «عمرا» آخذان في المعنى للثوب والدرهم.

والقسم الذي يتعدّى إلى مفعولين أحدهما بنفسه والآخر بحرف الجر ، ما عدا ذلك من الأفعال الطالبة لمفعولين ، نحو : «أمرتك بالخير».

والذي يتعدّى إلى ثلاثة مفعولين : «أعلم» ، و «أرى» المنقولان من «علم» و «رأى» المتعدّيان إلى مفعولين ، و «أنبأ» ، و «نبّأ» ، و «أخبر» ، و «خبّر» ، و «حدّث» إذا ضمنت معنى «أعلمت».

______________________

ـ اللغة : انتجعه : قصده طلبا للمعروف. الغيث : المطر ، وهنا العطاء. صيدح : اسم ناقة الشاعر. بلال : اسم ممدوح الشاعر.

الإعراب : سمعت : فعل ماض ، و «التاء» : ضمير في محلّ رفع فاعل. الناس : مبتدأ مرفوع. ينتجعون : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون ، و «الواو» : ضمير في محلّ رفع فاعل. غيثا : مفعول به منصوب. فقلت : «الفاء» : عاطفة ، «قلت» : فعل ماض ، و «التاء» : ضمير في محلّ رفع فاعل. لصيدح : جار ومجرور متعلقان بـ «قلت». انتجعي : فعل أمر ، و «الياء» : ضمير في محلّ رفع فاعل. بلالا : مفعول به منصوب.

وجملة «سمعت» : ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «الناس ينتجعون غيثا : في محل نصب مفعول به. وجملة «ينتجعون» : في محلّ رفع خبر المبتدأ. وجملة «قلت» : معطوفة على جملة «سمعت». وجملة «انتجعي» : في محل نصب مقول القول.

الشاهد فيه قوله : «سمعت الناس» حيث جاءت الحكاية ملفوظة ، أي أن القول الذي سمعه هو (الناس ينتجعون غيثا).

٢٧٨

وزاد أبو الحسن في هذه الأفعال ما بقي من أخوات «رأيت» و «علمت» إذا نقلت بالهمزة ، وأجاز «أظننت زيدا عمرا قائما» ، و «أحسبت أخاك بكرا منطلقا» ، و «أخلت عبد الله بشرا مقيما» ، و «أوجدت محمّدا عمرا ضاحكا» ، قياسا على «أعلمت» و «أريت». وذلك غير جائز عندنا ، لأنّه لم يوجد من الأفعال المتعدّية إلى مفعولين ما نقل بالهمزة لا من هذا الباب ، أعني ما لا يجوز فيه الاقتصار عليه ، ولا من غيره إلا «أعلم» و «أرى» ، ولفظان لا ينبغي أن يقاس عليهما.

فصل

[٤ ـ حذف حرف الجرّ من الفعل المتعدي بالحرف] :

وينبغي أن يعلم أنّه ما كان من هذه الأفعال متعدّيا بحرف جرّ لا يجوز حذف حرف الجرّ من مفعوله ووصول الفعل إليه بنفسه إلّا مع «أنّ» و «أن» ، نحو : «عجبت أنّك قائم» ، و «عجبت أن قائم زيد» ، وذلك لطول «أنّ» و «أن» بالصلة ، والطول يستدعي التخفيف ، أو في أفعال مسموعة تحفظ ولا يقاس عليها ، وهي : «اختار» ، و «استغفر» ، و «سمّى» ، و «كنّى» ، بمعنى «سمّى» ، و «أمر». تقول : «أمرتك الخير» ، تريد بالخير ، قال [من البسيط] :

٢٠٠ ـ أمرتك الخير فافعل ما أمرت به

فقد تركتك ذا مال وذا نشب

______________________

٢٠٠ ـ التخريج : البيت لعمرو بن معديكرب في ديوانه ص ٦٣ ؛ وخزانة الأدب ٩ / ١٢٤ ؛ والدرر ٥ / ١٨٦ ؛ وشرح شواهد المغني ص ٧٢٧ ؛ والكتاب ١ / ٣٧ ؛ ومغني اللبيب ص ٣١٥ ؛ ولخفاف بن ندبة في ديوانه ص ١٢٦ ؛ وللعباس بن مرداس في ديوانه ص ١٣١ ؛ ولأعشى طرود في المؤتلف والمختلف ص ١٧ ؛ وهو لأحد الأربعة السابقين أو لزرعة بن السائب في خزانة الأدب ١ / ٣٣٩ ، ٣٤٢ ، ٣٤٣ ؛ ولخفاف بن ندبة أو للعباس بن مرداس في شرح أبيات سيبويه ١ / ٢٥٠ ؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٤ / ١٦ ، ٨ / ٢٥١ ؛ وشرح المفصّل ٨ / ٥٠ ؛ وكتاب اللامات ص ١٣٩ ؛ والمحتسب ١ / ٥١ ، ٢٧٢ ؛ والمقتضب ٢ / ٣٦ ، ٨٦ ، ٣٢١.

اللغة والمعنى : النشب : المال الأصيل من نقود وماشية.

يقول الشاعر لأحد أقربائه : كن كريما ، وافعل ما أمرت به ، لأنني تركت لك الكثير من الأموال والماشية. وأغلب الظنّ أنّ هذا الكلام وجّهه الشاعر إلى بنيه. ـ

٢٧٩

وتقول : «اخترت الرجال زيدا» ، تريد : من الرجال ، قال الله تعالى : (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً) (١) ، معناه : من قومه ، و «سمّيتك زيدا» ، تريد : بزيد ، قال الأخطل [من المتقارب] :

٢٠١ ـ وسمّيت كعبا بشرّ العظام

وكان أبوك يسمّى الجعل

يريد : سمّيت بكعب ويسمّى بجعل.

______________________

ـ الإعراب : أمرتك : فعل ماض ، والتاء : فاعل ، والكاف : في محلّ نصب مفعول به أول. الخير : مفعول به ثان ، أو منصوب بنزع الخافض. فافعل : الفاء : الفصيحة ، افعل : فعل أمر ، والفاعل : أنت. ما : اسم موصول في محلّ نصب مفعول به لـ «افعل». أمرت : فعل ماض للمجهول ، والتاء : نائب فاعل. به : جار ومجرور متعلّقان بـ «أمر». فقد : الفاء : حرف عطف أو تعليل ، قد : حرف تحقيق. تركتك : فعل ماض ، والتاء : فاعل ، والكاف : في محلّ نصب مفعول به أول. ذا : مفعول به ثان منصوب بالألف لأنّه من الأسماء الستّة ، وهو مضاف. مال : مضاف إليه مجرور. وذا : الواو : حرف عطف ، ذا : معطوف على «ذا» السابقة منصوب بالألف مثلها ، وهو مضاف. نشب : مضاف إليه.

وجملة (أمرتك الخير) الفعليّة لا محلّ لها من الإعراب لأنها ابتدائيّة. وجملة (افعل ...) الفعليّة لا محلّ لها من الإعراب لأنّها استئنافيّة. وجملة (أمرت به) الفعليّة لا محلّ لها من الإعراب لأنها صلة الموصول. وجملة (قد تركتك ...) الفعليّة لا محلّ لها من الإعراب لأنّها تعليليّة.

والشاهد فيه قوله : «أمرتك الخير» حيث حذف الجارّ ، والأصل : أمرتك بالخير.

(١) الأعراف : ١٥٥.

٢٠١ ـ التخريج : البيت للأخطل في الأغاني ٨ / ٢٩١ ؛ وليس في ديوانه ؛ ولجرير في العقد الفريد ٣ / ٣٦٠ ؛ وليس في ديوانه.

اللغة : الكعب : العظم الناشز فوق القدم. الجعل : الرجل الأسود الدميم ، ودويبّة سوداء.

المعنى : لقد سمّوك كعبا ، لتفاهة منزلتك ، كما الكعب أسفل العظام ، وكذلك سمّوا أباك جعلا لوضاعته كما الجعل بسواده وحقارته.

الإعراب : وسميت : «الواو» : بحسب ما قبلها ، «سميت» : فعل ماض مبني للمجهول مبني على السكون ، و «التاء» : ضمير متصل في محلّ رفع نائب فاعل. كعبا : مفعول به منصوب بالفتحة. بشرّ : بدل من (كعبا). العظام : مضاف إليه مجرور بالكسرة. وكان : «الواو» : حرف عطف ، «كان» : فعل ماض ناقص. أبوك : اسم (كان) مرفوع بالواو لأنه من الأسماء الستّة ، و «الكاف» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. يسمّى : فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بضمّة مقدّرة على الألف ، ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره (هو). الجعل : مفعول به منصوب بالفتحة ، وسكّن لضرورة القافية.

وجملة «وسميت» : بحسب ما قبلها. وجملة «وكان ...» : معطوفة عليها. وجملة «يسمى» : في محلّ نصب خبر (كان). ـ

٢٨٠