شرح جمل الزجّاجى - ج ١

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »

شرح جمل الزجّاجى - ج ١

المؤلف:

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-2263-0
ISBN الدورة:
2-7451-2263-0

الصفحات: ٥٨٤

ولو كان للترتيب لقدّم «الكلكل» وهو الصدر ، ثم «الجوز» وهو الوسط ، ثم «الأعجاز» وهي المؤخّرة. ومما يدل على ذلك أيضا قوله تعالى : (وَاسْجُدِي وَارْكَعِي) (١) ولو كانت الواو مرتبة لقدم الركوع على السجود. فقد ثبت إذن ما ادعيناه أنّها لغير الترتيب.

[٤ ـ حتى] :

وحتى بمنزلة الواو في أنّها للجمع من غير ترتيب ولا مهلة ، فإذا قلت : «قام القوم حتّى زيد» ، احتمل أن يكون القائم أولا زيدا ، وأن يكون القائم أولا القوم ، بمهلة أو غير مهلة ، وأن يكونوا قاموا في وقت واحد ؛ إلّا أنّها تفارق الواو في أنّ ما بعدها لا يكون أبدا إلا جزءا مما قبلها ، فلو قلت : «قام زيد حتّى عمر» ، لم يجز ، لأنّ «عمرا» ليس بعض زيد. وأن يكون ما بعدها إمّا حقيرا أو عظيما ، فلا تقول : «قام القوم حتى زيد» إلّا وزيد عظيم أو حقير. فمثال العظيم : «خرج الناس حتّى الأمير» ، ومثال الحقير «استنت الفصال حتى القرعى» (٢). والقرعى هي التي أصابها القرع وهو جدريّ الفصال. وقولهم : كلّ شيء يحبّ ولده حتى الحبارى لأنّ الحبارى توصف بالحمق.

______________________

ـ ضمير مستتر تقديره (هو). بجوزه : جار ومجرور متعلّقان بـ (تمطّى) ، و «الهاء» : ضمير متصل في محلّ جرّ مضاف إليه. وأردف : «الواو» : للعطف ، «أردف» : فعل ماض مبني على الفتح ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). أعجازا : مفعول به منصوب بالفتحة. وناء : «الواو» : للعطف ، «ناء» : فعل ماض مبني على الفتح ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). بكلكل : جار ومجرور متعلّقان بـ (ناء).

وجملة «فقلت له» : بحسب الفاء. وجملة «تمطى» : في محلّ جرّ بالإضافة. وجملة «أردف» : معطوفة على جملة «تمطّى» في محلّ جرّ مثلها ؛ وكذلك جملة «ناء». وجملة مقول القول آتية في البيت التالي من معلّقته.

والشاهد فيه قوله : «بجوزه وأردف أعجازا وناء بكلكل» حيث جاءت (الواو) لتفيد معنى العطف دون ترتيب ، فلو كانت للترتيب لجاء بالكلكل ثم الجوز ثم الأعجاز.

(١) آل عمران : ٤٣.

(٢) هذا القول من أمثال العرب ، وقد ورد في جمهرة الأمثال ١ / ١٠٨ ، ٢ / ٦٣ ؛ جمهرة اللغة ص ٧٦٩ ، ٨٩١ ؛ وزهر الأكم ٣ / ١٨٠ ؛ وفصل المقال ص ٤٠٢ ؛ وكتاب الأمثال ص ٢٨٦ ؛ ولسان العرب ٨ / ٢٦٣ (قرع) ، ١٣ / ٢٢٨ (سنن) ؛ والمستقصى ١ / ١٥٨ ؛ ومجمع الأمثال ١ / ٣٣٣ ، ٢ / ٣٩. يضرب لمن تعدّى طوره وادّعى ما ليس له.

١٨١

[٥ ـ الفاء] :

وأما الفاء ففيها خلاف. فمذهب البصريين أنّها للترتيب في كل موضع ، والفراء موافق لهم في أنّها للترتيب إلّا في الفعلين الذين أحدهما سبب الآخر ويؤولان لمعنى واحد ، فإنها لا تكون عنده إذ ذاك مرتبة. وذلك نحو قولك : «أعطيتني فأحسنت إليّ» ، و «أحسنت إليّ فأعطيتني» ، يجوز أن يتقدم عنده الإحسان على الإعطاء وإن كان الإحسان إنّما وقع بعد الإعطاء ، لأن الإعطاء سبب الإحسان ، وهو إحسان في المعنى.

وذهب الجرميّ أنّها للترتيب إلّا في الأماكن والمطر ، فإنه زعم أنّك تقول : «عفا موضع كذا فموضع كذا فكذا» ، وإن كانت هذه الأماكن إنما عفت في وقت واحد ؛ و «نزل المطر مكان كذا فمكان كذا» ، وإن كان المطر إنما نزل في هذه الأماكن في وقت واحد. وذهبت طائفة من الكوفيين إلى أن الفاء لا ترتّب بمنزلة الواو.

والصحيح من ذلك كلّه القول الأول على ما نبيّن.

واستدل الفراء على صحة مذهبه بقوله تعالى : (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) (١). وبقوله جلّ ذكره : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا) (٢). فقدم «الإهلاك» على مجيء البأس ، وقدم القراءة على الاستعاذة ، ومعلوم أنّهما مؤخران في المعنى لما كان مجيء البأس من سبب الإهلاك ، وهو الهلاك في المعنى والاستعاذة من سبب القراءة شرعا وهي قراءة في المعنى.

ولا حجة له في ذلك لأنه يحتمل أن يتخرج على أن يكون «قرأت» بمعنى : أردت أن تقرأ لأن العرب قد تقول : فعل فلان ، بمعنى : قارب أن يفعل ، أو أراد أن يفعل ، فمن ذلك قولهم : «قد قامت الصلاة» ، أي : قد قرب قيامها ، أو : أريد قيامها. ومنه قول الفرزدق [من الطويل] :

١٢٦ ـ إلى ملك كاد النجوم لفقده

يقعن وزال الراسيات من الصخر

______________________

(١) النحل : ٩٨.

(٢) الأعراف : ٤.

١٢٦ ـ التخريج : البيت للربيع بن ضبع الفزاري في شرح أبيات المغني ٨ / ٩٠ ، ٩١ ؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ٢٩٣ ؛ وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٦٤.

اللغة : الفقد : الموت. الراسيات : الجبال. ـ

١٨٢

يريد : وأرادت الراسيات من الصخر أن تزول ، أو قاربت أن تزول. فيكون التقدير : فإذا أردت أن تقرأ القرآن فاستعذ بالله ، وتكون الفاء إذ ذاك باقية على بابها من الترتيب.

وأما قوله تعالى : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا) (١). فيحتمل أمرين : أحدهما أن تكون كما تقدّم ، كأنه قال : أردنا إهلاكها فجاءها بأسنا.

والآخر : أن يريد بقوله تعالى : «أهلكناها» ، أنه أهلكها هلاكا من غير استئصال ، فجاءها بأسنا فهلكت هلاك استئصال. وعلى مثل هذا يتخرج ما جاء في هذا النوع. واستدل الجرمي على أنها ترتب في الأماكن بقول النابغة [من الطويل] :

١٢٧ ـ عفا ذو حسى من فرتنى فالفوارع

فجنبا أريك فالتّلاع الدّوافع

______________________

ـ المعنى : إلى ملك عظيم القدر والمجد إذا مات تزلزلت الأرض حزنا.

الإعراب : إلى ملك : جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. كاد : فعل ماض ناقص مبني على الفتحة الظاهرة. النجوم : اسم «كاد» مرفوع بالضمة الظاهرة. لفقده : جار ومجرور متعلقان بالفعل «يقعن» و «فقد» : مضاف ، و «الهاء» : ضمير متصل في محل جر بالإضافة. «يقعن» : فعل مضارع مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة ، و «النون» : ضمير متصل مبني ، في محل رفع فاعل. وزال : «الواو» : استئنافية ، «زال» : فعل ماض مبني على الفتحة الظاهرة. الراسيات : فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة. من الصخر : جار ومجرور متعلقان بصفة من (الراسيات) لأن (أل) جنسية.

وجملة «كاد النجوم لفقده يقعن» : في محل جر صفة. وجملة «يقعن» : في محل نصب خبر «كاد». وجملة «زال الراسيات» استئنافية لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «وزال الراسيات» والمقصود (تكاد تزول الراسيات) فهي لم تزل بعد فعبر عن الفعل بمشارفة وقوعه.

(١) الأعراف : ٤.

١٢٧ ـ التخريج : البيت للنابغة الذبياني في ديوانه ص ٣٠ ؛ وجمهرة اللغة ص ٤٨٠ ؛ والجنى الداني ص ٦٣ ؛ وخزانة الأدب ٢ / ٤٥١ ؛ ولسان العرب ٨ / ٣٧ (تلع) ، ١٠ / ٣٩٠ (أرك) ، ١٢ / ١٣٥ (حسم) ، ١٣ / ٣٢٢ (فرتن) ؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب ٨ / ٤٥١ ؛ ورصف المباني ص ٣٧٧ ، ٤٣٥ ؛ والمقرب ١ / ٢٣٠.

اللغة : عفا : درس وامحى أثره. ذو حسى والفوارع وأريك : مواضع. فرتنى : اسم امرأة ، أو المرأة الزانية. التلاع : جمع تلعة وهي مجرى الماء من أعلى الوادي. الدوافع : أسافل الأرض السهلة حيث تدفع فيه التلاع.

المعنى : لم يبق من آثار (فرتنى) وقومها شيء في هذه المواضع : ذو حسى ، الفوارع ، جنبا أريك ، ومجاري الماء السائلة إلى أسفل الوادي.

الإعراب : عفا : فعل ماض مبني على الفتح المقدّر على الألف. ذو : فاعل مرفوع بالواو لأنه من ـ

١٨٣

ومعلوم أنّ هذه الأماكن لم تعف على ترتيب ، إذ الوقوف على مثل هذه صعب متعذر ، أعني أن يكون الثاني من الأماكن قد عفا عند انقضاء عفاء الأول من غير مهلة بينهما. وبما ذكرناه أولا من قول العرب : «نزل المطر مكان كذا فمكان كذ فمكان كذا» ، وإن كان المطر قد نزل بهذه الأماكن في حين واحد.

والصحيح أنّ الفاء قد استقرّ لها الترتيب ، فمهما أمكن إبقاؤها على ما استقرّ لها كان أولى ، وقد أمكن ذلك بأن تجعل الترتيب بالنظر إلى الذكر ، وذلك أنّ قولهم : «عفا موضع كذا فموضع كذا فموضع كذا» ، قد لا تحضره أسماء الأماكن في حين الإخبار دفعة واحدة ، فهو في حين الإخبار متذكر لها متتبّعا ، فما سبق إلى ذكره أتى به أوّلا وما تأخّر في ذكره أتى به بالفاء ، وتجعل الفاء منبئة عن هذا المعنى لأنها قد تقرر فيها أنها تجعل الثاني بعد الأول بلا مهلة ، فمهما أمكن إبقاؤها على ذلك بوجه ما كان أولى.

واستدلّ من ذهب إلى أنّها لا ترتّب في جميع الأماكن بما استدلّ به الفراء والجرميّ ، إلا أنّهم حملوا سائر الأماكن على ذلك.

والذي يدل على فساد مذهب هؤلاء أنّ العرب تقول : «اختصم زيد وعمرو» ، ولا تقول : «اختصم زيد فعمرو». فلو كانت الفاء بمنزلة الواو في جميع المواضع لوجب أن يجوز في مثل هذا العطف بالفاء.

[٦ ـ ثمّ] :

وأما «ثم» فللجمع والترتيب والمهلة ، فإذا قلت : «قام زيد ثمّ عمرو» ، فالقائم أوّلا «زيد» ، و «عمرو» بعده بمهلة. وزعم بعضهم أنّها بمنزلة الواو لا ترتب ، واستدل على ذلك

______________________

ـ الأسماء الستّة. حسى : مضاف إليه مجرور بكسرة مقدّرة على الألف المحذوفة لفظا لا رسما. من فرتنى : جار ومجرور بكسرة مقدّرة على الألف ، متعلّقان بـ (عفا). فالفوارع : «الفاء» : حرف عطف ، «الفوارع» : معطوف على (ذو) مرفوع بالضمّة. فجنبا : «الفاء» : للعطف ، «جنبا» : معطوف على (الفوارع) مرفوع بالألف لأنه مثنى. أريك : مضاف إليه مجرور بالكسرة. فالتلاع : «الفاء» : للعطف ، «التلاع» : معطوف على (جنبا) مرفوع بالضمّة. الدوافع : صفة (التلاع) مرفوعة بالضمّة.

وجملة «عفا» : ابتدائية لا محلّ لها.

والشاهد فيه قوله : «عفا ذو حسى فالفوارع فجنبا أريك ...» حيث جاءت «الفاء» لترتيب الأماكن كما يرى الجرمي.

١٨٤

بقوله تعالى : (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها) (١) ومعلوم أنّ جعل زوج آدم منه إنّما كان قبل خلقنا ؛ وبقوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) (٢). ومعلوم أنّ أمر الملائكة بالسجود لآدم إنّما كان قبل خلقنا وتصويرنا ، فدلّ ذلك على أنّ «ثمّ» بمنزلة الواو. ولا حجة في شيء من ذلك. أما قوله تعالى : (ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها) (٣) ، فالفعل الذي هو «جعل» معطوف على ما في «واحدة» من معنى الفعل ، كأنه قال : من نفس وحّدت ، أي : أفردت ، ثمّ جعل منها زوجها. ومعلوم أنّ «جعل زوجها منها» إنّما كان بعد إفرادها. وأما قوله تعالى : (ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) (٤). فمعطوف على «خلقناكم» ، إلّا أنّ الكلام محمول على حذف مضاف لفهم المعنى ، كأنه قال : ولقد خلقناكم ثمّ صوّرنا أباكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم. ومعلوم أنّ أمر الملائكة بالسجود إنّما كان بعد خلقه وتصويره. ومما يدلّ على فساد مذهبهم أنّ «ثمّ» لو كانت بمنزلة الواو ، لجاز : «اختصم زيد ثمّ عمرو» ، كما يجوز : «اختصم زيد وعمرو» ، بالواو. فامتناع ذلك دليل على أنّها ليست بمنزلة الواو.

[٧ ـ إمّا] :

وأمّا «إمّا» فلها ثلاثة معان : الشك ، وذلك نحو قولك : «قام إمّا زيد وإمّا عمرو» ، إذا كنت لا تعلم القائم منهما.

والإبهام : نحو قولك : «قام إمّا زيد وإمّا عمرو» ، إذا كنت قد علمت القائم منهما إلا أنّك قصدت الإبهام على المخاطب.

والتخيير : نحو قولك : «خذ من مالي إمّا دينارا وإمّا درهما».

والأفصح فيها كسر همزتها. وقد حكي فتحها قليلا ، وأنشدوا في ذلك [من الطويل] :

١٢٨ ـ تنفّحها أمّا شمال عريّة

وأمّا صبا جنح الظّلام هبوب

______________________

(١) الزمر : ٦.

(٢) الأعراف : ١١.

(٣) الزمر : ٦.

(٤) الأعراف : ١١.

١٢٨ ـ التخريج : البيت لأبي القمقام الأسدي في خزانة الأدب ١١ / ٨٧ ؛ والدرر ٦ / ١٢٠ ؛ وبلا نسبة في رصف المباني ص ١٠١ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ١٣٥. ـ

١٨٥

بفتح الهمزة ، لكنّ ذلك قليل جدّا.

وكذلك أيضا الأفصح فيها أن تستعمل مكرّرة وقد تستعمل بخلاف ذلك ، وذلك إذا كان في الكلام ما يغني عن تكرارها نحو «أو» و «إلا» ، فمن ذلك قول المثقّب [من الوافر] :

١٢٩ ـ فإمّا أن تكون أخي بحقّ

فأعرف منك غثّي من سميني

وإلّا فاطّرحني واتّخذني

عدوّا أتّقيك وتتّقيني

فلم يكرّر «إمّا» استغناء عنها بـ «إلّا».

______________________

ـ اللغة : تنفحها : تدفع بها. العريّة : الريح الباردة. الصّبا : ريح تهب من مطلع الثريّا إلى بنات نعش (نجمان سماويّان). جنح الظلام : طائفة منه.

المعنى : تدفع (بهذه الرائحة) إمّا ريح شماليّة باردة ، وإما ريح الصبا عند ما تهبّ في ظلام الليل.

الإعراب : تنفّحها : فعل مضارع مرفوع بالضمّة ، و «ها» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به.

أمّا : حرف تفصيل. شمال : فاعل مرفوع بالضمّة. عرية : صفة (شمال) مرفوعة بالضمّة. وأما : «الواو» : للعطف ، «أما» : تفصيل. صبا : معطوف على (شمال) مرفوع بضمّة مقدّرة على الألف. جنح : مضاف إليه مجرور بالكسرة. الظلام : مضاف إليه مجرور بالكسرة. هبوب : صفة (صبا) مرفوعة بالضمّة.

وجملة «تنفحها» : بحسب ما قبلها.

والشاهد فيه قوله : «أما شمال ... وأما صبا» حيث جاءت (أمّا) مفتوحة الهمزة ، وهذا قليل والأكثر كسر الهمزة.

١٢٩ ـ التخريج : البيتان للمثقّب العبدي في ديوانه ص ٢١١ ـ ٢١٢ ؛ والأزهية ص ١٤٠ ـ ١٤١ ؛ وخزانة الأدب ٧ / ٤٨٩ ، ١١ / ٨٠ ؛ والدرر ٦ / ١٢٩ ؛ وشرح اختيارات المفضل ص ١٢٦٦ ـ ١٢٦٧ ؛ وشرح شواهد المغني ١ / ١٩٠ ، ١٩١ ؛ وله أو لسحيم بن وثيل في المقاصد النحوية ١ / ١٩٢ ، ٤ / ١٤٩ ؛ وبلا نسبة في الجنى الداني ص ٥٣٢ ؛ وجواهر الأدب ص ٤١٥ ؛ وشرح الأشموني ٢ / ٤٢٦ ؛ والمقرب ١ / ٢٣٢ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ١٣٥.

اللغة : الغث : الرديء من كلّ شيء ؛ والسمين ضده. اطرحني : أبعدني. واتركني. أتّقيك : أتجنّبك وأحذرك.

المعنى : يبين المثقّب لنا معنى الأصدقاء الحقيقيين ، فإمّا أن تكون صديقي الحقيقي الذي يعرّفني مساوئي وعيوبي فأتركها ، ومحاسني ومكارمي فأزيد منها ، وإما دعني وشأني ، بل كن عدوّي الذي أحذره ويحذرني.

الإعراب : فإما : «الفاء» : استئنافية ، «إما» : حرف تفصيل. أن : حرف مصدريّة ونصب. تكون : فعل مضارع ناقص منصوب بالفتحة ، و «اسمها» : ضمير مستتر تقديره (أنت). والمصدر المؤول من (أن) والفعل (تكون) خبر لمبتدأ محذوف تقديره إما شأنك كونك أخا بحق ، وإما كونك عدوا ، ويجوز أن يكون المصدر ـ

١٨٦

وقد تستعمل غير مكررة وإن لم يكن في الكلام ما يغني عن تكرارها ، وذلك قليل جدّا. فمن ذلك قوله [من الطويل]

١٣٠ ـ تهاض بدار قد تقادم عهدها

وإمّا بأموات ألمّ خيالها

______________________

ـ مفعولا به لفعل محذوف والتقدير : اختر إمّا كونك أخا ، وإمّا كونك عدوا. أخي : خبر (تكون) منصوب بفتحة مقدّرة على ما قبل الياء ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ جرّ مضاف إليه. بحقّ : جار ومجرور متعلّقان بـ (تكون). فأعرف : «الفاء» : للعطف ، «أعرف» : فعل مضارع منصوب بالفتحة ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (أنا). منك : جار ومجرور متعلّقان بـ (أعرف). غثي : مفعول به منصوب بفتحة مقدّرة على ما قبل الياء ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. من سميني : جار ومجرور بكسرة مقدرة على ما قبل الياء ، متعلّقان بمحذوف حال ، بتقدير (غثي واضحا من سميني). وإلا : «الواو» : استئنافية ، «إلا» : «إن» : حرف شرط ، و «لا» : نافية لا عمل لها ، وفعل الشرط محذوف بتقدير (وإن لا تفعل فاطرحني). فاطرحني : «الفاء» : رابطة لجواب الشرط ، «اطرح» : فعل أمر مبني على السكون ، و «النون» : للوقاية ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (أنت). واتخذني : «الواو» : للعطف ، «اتخذني» : نفس إعراب (اطرحني). عدوّا : مفعول به ثان منصوب بالفتحة. أتقيك : فعل مضارع مرفوع بضمّة مقدّرة على الياء ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (أنا) ، و «الكاف» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به. وتتقيني : «الواو» : للعطف ، «تتقي» : فعل مضارع مرفوع بضمّة مقدّرة على الياء ، و «النون» : للوقاية ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (أنت).

وجملة «اختر إما كونك أخا» بحسب ما قبلها. وجملة «فإما أن تكون» : استئنافية لا محل لها. وجملة «تكون» : صلة الموصول الحرفي لا محل لها. وجملة «فأعرف» : معطوفة على جملة (تكون). وجملة «فاطرحني» : في محلّ جزم جواب الشرط. وجملة «واتخذني» : معطوفة على جملة (فاطرحني) في محلّ جزم مثلها. وجملة «أتقيك» : حالية محلها النصب. وجملة «وتتقيني» : معطوفة عليها في محلّ نصب كذلك. وجملة «تفعل» المقدرة لا محل لها لأنها جملة الشرط غير الظرفي. وجملة «إلا تفعل فاطرحني» : استئنافية لا محل لها.

والشاهد فيهما قوله : «فإما ... وإلا» حيث استغنى عن تكرار (إمّا) وذكر ما يغني عنها وهو (إلا).

١٣٠ ـ التخريج : البيت لذي الرمة في ملحق ديوانه ص ١٩٠٢ ؛ وشرح شواهد المغني ١ / ١٩٣ ؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٦٤٢ ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ١٥٠ ؛ وللفرزدق في ديوانه ٢ / ٧١ ؛ وشرح المفصل ٨ / ١٠٢ ؛ والمنصف ٣ / ١١٥ ؛ ولذي الرمّة أو للفرزدق في خزانة الأدب ١١ / ٧٦ ، ٧٨ ؛ والدرر ٦ / ١٢٤ ؛ وبلا نسبة في الأزهية ص ١٤٢ ؛ والجنى الداني ص ٥٣٣ ؛ ورصف المباني ص ١٠٢ ؛ وشرح الأشموني ٢ / ٤٢٦ ؛ والمقرب ١ / ١٣٢ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ١٣٥.

اللغة : تهاض : يعاودها الحزن. تقادم عهدها : بعد زمن معرفتها أو بنائها. ألم خيالها : طاف.

المعنى : فإما أن ينزل خيالي بدار الأحبة التي هجرت منذ زمن بعيد ، وإما أن يستعرض أشخاصا أحبهم قد ماتوا ، فتبقى روحي حزينة منكسرة. ـ

١٨٧

يريد : تهاض إمّا بدار وإمّا بأموات. وقال الآخر [من المتقارب] :

١٣١ ـ سقته الرواعد من صيّف

وإن من خريف فلن يعدما

فحذف «إمّا» من الأول ثم حذف «ما» من الثانية لأنّ «إمّا» مركّبة من «إن» و «ما» ، ثم أدغمت النون من «إن» في الميم من «ما».

______________________

ـ الإعراب : تهاض : فعل مضارع للمجهول مرفوع بالضمّة ، و «نائب الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هي) يعود إلى نفس الشاعر التي ذكرها قبلا. بدار : جار ومجرور متعلّقان بـ (تهاض). قد تقادم : «قد» : حرف تحقيق ، «تقادم» : فعل ماض مبني على الفتح. عهدها : فاعل مرفوع بالضمّة ، و «ها» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. وإما : «الواو» : للعطف ، «إما» : حرف تفصيل. بأموات : جار ومجرور متعلّقان بالفعل (تهاض) المحذوف. ألمّ : فعل ماض مبني على الفتح. خيالها : فاعل مرفوع بالضمة ، و «ها» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة.

وجملة «تهاض بدار» : في محل جرّ صفة لـ (نفس) في البيت السابق. وجملة «تقادم» : في محل جرّ صفة لـ (دار). وجملة «ألمّ» : في محلّ جرّ صفة لـ (أموات).

والشاهد فيه قوله : «تهاض بدار ... وإمّا تهاض» حيث حذف (إمّا) الأولى ، لدلالة الثانية عليها ، والتقدير (إمّا تهاض بدار ، وإمّا تهاض بأموات).

١٣١ ـ التخريج : البيت للنمر بن تولب في ديوانه ص ٣٨١ ؛ والأزهيّة ص ٥٦ ؛ وخزانة الأدب ١١ / ٩٣ ـ ٩٥ ، ١٠١ ، ١١٠ ، ١١٢ ؛ وشرح شواهد المغني ص ١٨٠ ؛ والكتاب ١ / ٢٦٧ ؛ والمعاني الكبير ص ١٠٥٤ ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ١٥١ ؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ١ / ٢٢٧ ، ٢٣٦ ؛ والجنى الداني ص ٢١٢ ، ٥٣٤ ؛ وخزانة الأدب ٩ / ٢٥ ؛ والخصائص ٢ / ٤٤١ ؛ والدرر ٦ / ١٢٨ ؛ وشرح المفصل ٨ / ١٠٢ ؛ والكتاب ٣ / ١٤١ ؛ والمنصف ٣ / ١١٥.

اللغة : الرواعد : السحب التي تكون مصحوبة بالرعد. الصيّف : مطر يهطل صيفا.

المعنى : يتحدّث عن وعل ذكره في أبيات سابقة ، فقد هطلت الأمطار في الصيف فشرب منها وارتوى ، ولن يعدم الماء في فصل الخريف كذلك.

الإعراب : سقته : فعل ماض مبني على الفتح المقدّر على الألف المحذوفة ، و «التاء» : للتأنيث ، و «الهاء» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به. الرواعد : فاعل مرفوع بالضمّة. من صيف : جار ومجرور متعلّقان بـ (سقته). وإن : «الواو» : للعطف ، «إن» : حرف تفصيل ، أصلها (إمّا). من خريف : جار ومجرور متعلّقان بـ (سقته). فلن : «الفاء» : للاستئناف ، «لن» : حرف نصب ونفي. يعدما : فعل مضارع منصوب بالفتحة ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو) ، و «الألف» : للإطلاق.

وجملة «سقته» : استئنافية لا محلّ لها. وجملة «يعدما» : استئنافية أيضا ، أو تعليلية لا محلّ لها.

والشاهد فيه قوله : «إن من» حيث حذف (ما) في الشطر الثاني ، وكان قد حذف (إما) من الشطر الأول ، و (إما) تتكرّر ، والحذف ضرورة. والصواب قوله «سقته الرواعد إمّا من صيّف وإما من خريف».

١٨٨

[٨ ـ أو] :

أما «أو» فلها خمسة معان :

الشك ، نحو قولك : «قام زيد أو عمرو» ، إذا كنت لا تعلم القائم منهما ، إلا أنّ الفرق بين «أو» في الشكّ وبين «إمّا» أنّك بنيت كلامك على الشك في «إمّا ابتداء» وأنّك في «أو» بنيت كلامك على اليقين ، فقلت : «قام زيد» ، ثم أدركك الشك ، فقلت : أو عمرو.

والإبهام : نحو قولك : «قام زيد أو عمرو» ، وأنت تعلم القائم منهما إلّا أنّك أبهمت على المخاطب.

والتخيير ، نحو قولك : «خذ من مالي دينارا أو حبّة».

والإباحة نحو قولك : «جالس الحسن أو ابن سيرين».

والفرق بين الإباحة في أو والتخيير أنّك لا يجوز لك الجمع بين الشيئين في التخيير ، فلا يجوز للمخيّر الجمع بين أخذ الحبّة والدينار معا ، ويجوز له مجالسة الحسن وابن سيرين معا ، لأنّه إنّما أراد جالس هذا الصنف من الناس ، أي : جالس الفضلاء. وكذلك لو قال : «جالس الفقهاء أو النحويين» ، لجاز له أن يجالسهما معا ، لأنّه إنّما أراد أن يقول له : جالس هذا الصنف من الناس ، أي : جالس العلماء.

فإن قيل : هل بين «أو» للإباحة وبين الواو فرق ، أو يجوز الجمع بين الشيئين كما يجوز مع الواو؟ قلت : الفرق بينهما أنّه لو قال له : جالس الحسن وابن سيرين ، لم يجز له مجالسة أحدهما دون الآخر ، وإذا قال له : «جالس الحسن أو ابن سيرين» ، جاز له أن يجالسهما معا أو أحدهما أو أن يجالسهما وغيرهما ممن هو مثلهما في الفضل.

والتفصيل : نحو قوله تعالى : (وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى) (١). ألا ترى أنّ «أو» هنا لا يتصور فيها التخيير ولا الإباحة ولا الشكّ ، لأنّه ليس من الأمم من يخيّر بين اليهوديّة والنصرانية ولا من أباحهما معا ولا من شكّ فيهما بل اليهود يقولون : «كونوا هودا» ، والنصارى يقولون : «كونوا نصارى».

وكذلك أيضا الإبهام غير متصوّر هنا وقصد كل طائفة من الملّتين الحضّ على اتّباع

______________________

(١) البقرة : ١٣٥.

١٨٩

ملّتها ، وتعلم أن ذلك هو الحق في زعمها ، فلم يبق إلّا تكون «أو» للتفصيل.

وذلك أنّ الله تعالى أخبر عن اليهود والنصارى بأنّهم قالوا ، ثمّ فصّل ما قالت اليهود مما قالت النصارى.

فهذه جملة معاني «أو» وزاد الكوفيون في معانيها معنيين :

أحدها : أن تكون للجمع بمنزلة الواو ، واستدلوا على ذلك بقول الشاعر [من الوافر] :

١٣٢ ـ فلو كان البكاء يردّ شيئا

بكيت على بجير أو عفاق

على المرأين إذ هلكا جميعا

لشأنهما بشجو واشتياق

قالوا : بكيت على بجير وعفاق. بدليل قوله بعد ذلك : على المرأين ، ألا ترى أنّ المرأين بدل من بجير وعفاق ، كأنّه قال : بكيت على المرأين. قلت : يحتمل أن تكون «أو»

______________________

١٣٢ ـ التخريج : البيتان لمتمّم بن نويرة في ديوانه ص ١٢٤ ؛ والأزهيّة ص ١١٦ ؛ وخزانة الأدب ٧ / ١٣١ ؛ ولسان العرب ١٠ / ٢٥٤ (عفق) ؛ وبلا نسبة في أمالي المرتضى ٢ / ٥٨.

اللغة : بجير وعفاق : أخوان قتلهما بسطام بن قيس في إغارته على بني يربوع ؛ ويقال : إنّ عفاقا رجل أكلته قبيلة باهلة في قحط أصابهم (اللسان ١٠ / ٢٥٤ (عفق)). الشجو : الحزن والانشغال.

المعنى : لو ردّ البكاء شيئا راح ، لبكيت على بجير وعفاق اللذين ماتا وراحا لشأنهما ، بكاء حزينا مشتاقا.

الإعراب : فلو : «الفاء» : بحسب ما قبلها ، «لو» : حرف شرط غير جازم (حرف امتناع لامتناع). كان : فعل ماض ناقص مبني على الفتح. البكاء : اسم (كان) مرفوع بالضمّة. يردّ : فعل مضارع مرفوع بالضمّة ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). شيئا : مفعول به منصوب بالفتحة. بكيت : فعل ماض مبني على السكون ، و «التاء» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. على بجير : جار ومجرور متعلّقان بـ (بكيت). أو عفاق : «أو» : حرف عطف ، «عفاق» : معطوف على (بجير) مجرور بالكسرة. على المرأين : جار ومجرور بالياء لأنّه مثنى بدل من (على بجير أو عفاق). إذ : ظرفية في محلّ نصب مفعول فيه (بمعنى حين) متعلقة بـ (بكيت). هلكا : فعل ماض مبني على الفتح ، و «الألف» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. جميعا : حال منصوبة بالفتحة. لشأنهما : جار ومجرور متعلّقان بـ (بكيت) ، و «هما» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. بشجو : جار ومجرور متعلّقان بمصدر محذوف بتقدير (بكيت بكاء بجشو). واشتياق : اسم معطوف على (شجو) بواو العطف ، مجرور بالكسرة.

وجملة «كان البكاء» : فعل شرط غير جازم لا محلّ لها. وجملة «يردّ» : في محلّ نصب خبر (كان). وجملة «بكيت» : جواب شرط غير جازم لا محلّ لها. وجملة «هلكا» : في محل جرّ مضاف إليه. وجملة «لو كان ... بكيت» : بحسب الفاء.

والشاهد فيه قوله : «بجير أو عفاق» حيث جاءت (أو) بمعنى الواو للعطف ، بدليل قوله : (على المرأين).

١٩٠

هنا للتفصيل ، كأنه قال : بكيت على بجير تارة وعلى عفاق أخرى ، ثم فصل بـ «أو» بكاءه على بجير من بكائه على عفاق.

والمعنى الثاني : أن تكون بمنزلة «بل» ، واستدلوا بقوله [من الطويل] :

١٣٣ ـ بدت مثل قرن الشمس في رونق الضحى

وصورتها أو أنت في العين أملح

قالوا : معناه : بل أنت في العين أملح ، ولا مدخل للشك هنا ولا لغير ذلك من المعاني ، قلت : والصحيح أنّ «أو» هنا للشك ، ويكون المعنى أبدع ، كأنه قال : لإفراط شبهها بقرن الشمس : لا أدري هل هي مثلها أو أملح ، وإذا خرج التشبيه مخرج الشك كان فيه الدلالة على إفراط الشبه ، فيكون إذ ذاك مثل قول ذي الرمة [من الطويل] :

١٣٤ ـ فيا ظبية الوعساء بين جلاجل

وبين النقا آأنت أم أمّ سالم

ألا ترى أنّ قوله : «أأنت أم أمّ سالم» ، أبلغ من أن يقول : هي كأنّها أمّ سالم ، لأن الشك يقتضي إفراط الشبه حتى يلتبس أحد الشيئين بالآخر.

______________________

١٣٣ ـ التخريج : البيت لذي الرمة في ملحق ديوانه ص ١٨٥٧ ؛ والأزهيّة ص ١٢١ ؛ وخزانة الأدب ١١ / ٦٥ ـ ٦٧ ؛ والخصائص ٢ / ٤٥٨ ؛ ولسان العرب ١٤ / ٥٤ (أوا) ؛ وبلا نسبة في جواهر الأدب ص ٢١٥.

اللغة : بدت : ظهرت. قرن الشمس : أولها عند طلوعها ، وقيل : هو أول شعاعها ، وقيل : ناحيتها. رونق الضحى : أوله.

المعنى : لقد ظهرت بجمال أخّاذ وكأنها شعاع شمس تشرق في أول الضحى ، وهي أجمل في العين وأبهى من ذلك.

الإعراب : «بدت» : فعل ماض مبني على الفتحة المقدرة على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين ، والتاء تاء التأنيث الساكنة ، والفاعل ضمير مستتر تقديره «هي». «مثل» : مفعول مطلق نائب عن المصدر منصوب بالفتحة الظاهرة. «قرن» : مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة. «الشمس» : مضاف إليه مجرور بالكسرة. «في رونق» : جار ومجرور متعلقان بحال محذوفة من «الشمس». «الضحى» : مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدرة على الألف للتعذر. «وصورتها» : الواو عاطفة ، «صورتها» : اسم معطوف على (قرن) مجرور بالكسرة و «ها» : مضاف إليه. «أو» : حرف استئناف وإضراب بمعنى «بل». «أنت» : ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ. «في العين» : جار ومجرور متعلقان بالخبر (أملح). «أملح» : خبر مرفوع بالضمة الظاهرة.

وجملة «بدت» : ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة «أنت أملح» : استئنافية لا محل لها من الإعراب.

والشاهد فيه قوله : «أو أنت أملح» حيث جاءت «أو» بمعنى «بل».

١٣٤ ـ التخريج : البيت لذي الرمة في ديوانه ص ٧٦٧ ؛ وأدب الكاتب ص ٢٢٤ ؛ والأزهيّة ص ٣٦ ؛ والأغاني ١٧ / ٣٠٩ ؛ والخصائص ٢ / ٤٥٨ ؛ والدرر ٣ / ١٧ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ٢ / ٧٢٣ ؛ وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٥٧ ؛ وشرح شواهد الشافية ص ٣٤٧ ؛ وشرح المفصل ١ / ٩٤ ، ٩ / ١١٩ ؛ والكتاب ٣ / ٥٥١ ؛

١٩١

وكذلك أيضا استدلّوا بقوله تعالى. (وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) (١). قالوا معناه : بل يزيدون ، ولا يتصوّر هنا الشك لأن الشك من الله تبارك وتعالى مستحيل.

قلت : والجواب عن هذا أنّ الشك قد يرد من الله تعالى بالنظر إلى المخاطبين ، كأنه قال : وأرسلناه إلى مائة ألف ، جمع تشكّون في مبلغه ، فيكون نظير قوله تعالى : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) (٢) ، والله تعالى قد علم أنّه لا يتذكر ولا يخشى ، كأنّه قال له ـ وهو أعلم ـ لعلّه يتذكر أو يخشى على رجائكما وطمعكما.

ويحتمل أن تكون «أو» من قوله : «أو يزيدون» ، للإبهام.

______________________

ـ ولسان العرب ١١ / ١٢٣ (جلل) ، ١٥ / ٤٣٠ (أ) ، ٤٩١ (يا) ؛ واللمع ص ١٩٣ ، ٢٧٧ ؛ ومعجم ما استعجم ص ٣٨٨ ؛ والمقتضب ١ / ١٦٢ ؛ وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ١ / ٤٥٧ ، ٢ / ٦٧٧ ؛ وجمهرة اللغة ص ١٢١٠ ؛ والجنى الداني ص ١٧٨ ، ٤١٩ ؛ وخزانة الأدب ٥ / ٢٤٧ ، ١١ / ٦٧ ؛ ورصف المباني ص ٢٦ ، ١٣٦ ؛ وشرح شافية ابن الحاجب ٣ / ٦٤ ؛ وهمع الهوامع ١ / ١٧٢.

اللغة : الوعساء : رملة. جلاجل : جبل بالدهناء.

المعنى : أيهما أجمل أهذه الظبية المتنقلة بين رمال جبال الدهناء أم أم سالم تلك المرأة الحسناء.

الإعراب : «فيا» : «الفاء» بحسب ما قبلها ، «يا» : حرف نداء. «ظبية» : منادى مضاف منصوب بالفتحة الظاهرة في محل نصب. «الوعساء» : مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة. «بين» : مفعول فيه ظرف مكان منصوب بالفتحة الظاهرة متعلق بحال محذوفة من «ظبية». «جلاجل» : مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة. «وبين» : الواو عاطفة ، «بين» : مفعول فيه ظرف مكان منصوب معطوف على الظرف السابق. «النقا» : مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدرة على الألف للتعذر. «آأنت» : حرف المد : حرف استفهام ، «أنت» : ضمير منفصل مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ. «أم» : حرف عطف. «أمّ» : اسم معطوف على (أنت) مرفوع بالضمة. «سالم» : مضاف إليه مجرور بالكسرة.

وجملة «يا ظبية الوعساء» : بحسب ما قبلها. وجملة «آأنت ...» مع الخبر المحذوف : استئنافية لا محل لها من الإعراب.

والشاهد فيه قوله : «أأنت أم أمّ سالم» : أخرج الكلام مخرج الشك وإن لم يكن هناك شك ؛ ليدل على قوة الشبه. ويسمى ذلك «تجاهل العارف». فالشاعر يعرف أن أم سالم أجمل ، لكنه تجاهل ليأخذ الإقرار بأنها أجمل.

(١) الصافات : ١٤٧.

(٢) طه : ٤٤.

١٩٢

[٩ ـ أم] :

وأما «أم» فتكون متّصلة ومنفصلة ، فالمنفصلة يتقدمها الاستفهام والخبر ، ولا يقع بعدها إلا الجملة ، وتقدّر وحدها بـ «بل» والهمزة وجوابها «نعم» أو «لا» ، ومثال ذلك : «أقام زيد أم عمرو قائم»؟ و «قام زيد أم عمرو منطلق»؟

فـ «أم» في المسألة الأولى قد تقدّمها الاستفهام وفي الثانية الخبر ، ووقع بعدها في المسألتين جملة ، وتقدّر فيهما بـ «بل» والهمزة ، كأنّك قلت : بل أعمرو قائم ، أو بل أعمرو منطلق ، وجوابها «نعم» ، أو «لا» ، ألا ترى أنّ القائل : «أعمرو قائم»؟ و «أعمرو منطلق»؟ أنّ جوابه «نعم» أو «لا»؟.

وسمّيت «أم» هذه المنفصلة لأنّ ما بعدها كلام مستأنف منقطع ممّا قبلها ، وليست بعاطفة ، لأنّ ما بعدها ليس مع ما قبلها كلاما واحدا بل كلام مستأنف منقطع ، وحروف العطف ما بعدها مع ما قبلها كلام واحد.

والمتّصلة لا يتقدمها إلّا الهمزة ولا يقع بعدها إلّا المفرد أو ما هو في تقديره وتقدّر مع الهمزة بـ «أي». وجوابها أحد الشيئين أو الأشياء. ومثالها : «أقام زيد أم عمرو» ، فـ «أم» هذه قد تقدّمتها الهمزة ووقع بعدها «عمرو» وهو مفرد ، وتقدر مع الهمزة بـ «أيّ» ، كأنّه قال : «أيّهما قام زيد أم عمرو»؟ وجوابها أحد الشيئين ، وهو زيد أو عمرو ، أو الأشياء إن قلت : «أقام زيد أم عمرو أم جعفر أم خالد»؟

ومثال ما هو في تقدير المفرد بعدها : «أقام زيد أم قعد»؟ تريد أيّهما فعل القيام أم القعود؟ فوقع «أم قعد» موضع القعود في المعنى ، وهذه هي العاطفة لأنّ ما بعدها مع ما قبلها كلام واحد ولم ترد الاستئناف كما أردت في الأول. فإن قال قائل : فكيف قال ذو الرمة [من الطويل] :

١٣٥ ـ تقول عجوز مدرجي متروّحا

على بابها من عند أهلي وغاديا

أذو زوجة في المصر أم ذو خصومة

أراك لها بالبصرة العام ثاويا

فقلت لها : لا إنّ أهلي جيرة

لأكثبة الدهنا جميعا وماليا

[وما كنت مذ أبصرتني في خصومة

أراجع فيها يا ابنة الخير قاض]

______________________

١٣٥ ـ التخريج : الأبيات لذي الرمة في ديوانه ص ١٣١١ ـ ١٣١٣ ؛ والأوّل منها مع نسبته في ـ

١٩٣

.....

______________________

ـ المحتسب ٢ / ٢٦٦ ؛ وأمالي الزجاجي ص ٨٩. والثاني منهما مع نسبته في المزهر ٢ / ٣٧٦ ؛ وشرح شواهد المغني ١ / ١٣٩ ؛ وبلا نسبة في رصف المباني ص ٩٤.

اللغة : مدرجي : مصدر درج الرجل بمعنى مشى. متروحا : من يروح في أوّل العشيّ. الغادي : المبكّر ، السائر في أوّل الصباح. ذو زوجة : متزوّج. الثاوي : المقيم. الأكثبة : جمع كثيب وهو تلّة الرمل. البصرة والدهناء : موضعان.

المعنى : تسألني امرأة عجوز ـ تراني أمرّ على بابها صباحا ومساء ، في طريقي إلى أهلي ـ هل لديك زوجة ، أو أنك متنازع مع أحدهم. فتذهب إلى البصرة للإقامة من أجلها؟ فأجبتها لا هذا ولا ذاك ، فأهلي بدو مقيمون في جوار رمال الدهنا (الصحراء) ، ومعاشي وأموالي كذلك ، وليس لدي نزاع مع أحد ، فأراجع القاضي من أجلها ، يا ابنة الأخيار.

الإعراب : تقول : فعل مضارع مرفوع بالضمّة. عجوز : فاعل مرفوع بالضمّة. مدرجي : مبتدأ مرفوع بضمّة مقدّرة على ما قبل الياء ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. متروحا : حال منصوبة بالفتحة سدت مسدّ خبر المبتدأ (مدرجي). على بابها : جار ومجرور متعلّقان بـ (مدرجي) ، و «ها» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. من عند : جار ومجرور متعلّقان بـ (مدرجي) ، أو بـ (متروّحا). أهلي : مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدّرة على ما قبل الياء ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ جرّ مضاف إليه. وغاديا : «الواو» : للعطف ، «غاديا» : معطوف على (متروحا) منصوب مثله بالفتحة.

وجملة «تقول عجوز» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «مدرجي ...» : في محلّ رفع صفة لـ (عجوز).

أذو : «الهمزة» : حرف استفهام ، «ذو» : خبر مرفوع بالواو لأنه من الأسماء الستة ، والمبتدأ محذوف بتقدير (أأنت ذو زوجة). زوجة : مضاف إليه مجرور بالكسرة. في المصر : جار ومجرور متعلّقان بمحذوف صفة للزوجة (أذو زوجة مقيمة في المصر). أم : حرف عطف. ذو : خبر لمبتدأ محذوف مرفوع بالواو لأنه من الأسماء الستّة. خصومة : مضاف إليه مجرور بالكسرة. أراك : فعل مضارع مرفوع بالضمّة المقدّرة على الألف ، و «الكاف» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (أنا). لها : جار ومجرور متعلّقان بـ (ثاويا). بالبصرة : جار ومجرور متعلّقان بـ (أراك). العام : مفعول فيه ظرف زمان منصوب بالفتحة. ثاويا : حال منصوبة بالفتحة.

وجملة «أأنت ذو زوجة» : في محل نصب مقول القول. وجملة «أنت ذو خصومة» : معطوفة عليها في محل نصب. وجملة «أراك» : في محلّ جرّ صفة لـ (خصومة).

فقلت : «الفاء» : استئنافية ، «قلت» : فعل ماض مبني على السكون ، و «التاء» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. لها : جار ومجرور متعلقان بـ (فقلت). لا : حرف جواب لا محل له. إنّ : حرف مشبّه بالفعل. أهلي : اسم (إنّ) منصوب بفتحة مقدّرة على ما قبل ياء المتكلّم ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. جيرة : خبر (إنّ) مرفوع بالضمّة. لأكثبة : جار ومجرور متعلّقان بـ (جيرة). الدهنا : مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدّرة على الهمزة المحذوفة. جميعا : حال منصوبة بالفتحة. وماليا : «الواو» : للعطف ، «ماليا» : معطوف على (أهلي) منصوب مثله بالفتحة المقدّرة على ما قبل الياء ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة ، و «الألف» : للإطلاق.

وجملة «فقلت» : استئنافية لا محلّ لها. وجملة «إن أهلي» : في محلّ نصب مفعول به (مقول القول). ـ

١٩٤

فأجاب «أم» من قوله : «أذو زوجة أم ذو خصومة» ، وهي المتصّلة بقوله : لا ، وهي متصلة ، ألا ترى أنّها قد تقدمها همزة الاستفهام وما بعدها مفرد؟

فالجواب : إنّ قوله : «لا» ، جواب لاعتقادها ، وذلك أنها لم تسأل بـ «أم» المتصلة إلّا بعد ما قطعت في ظنّها أنّه إما ذو زوجة وإما ذو خصومة ، فأجابها عن ذلك بـ «لا» ، كأنّه قال : «لست ذا زوجة ولا ذا خصومة». ولو كان سؤالها بـ «أم» سؤالا صحيحا ، لم يكن الجواب إلّا بأن يقول : «ذو زوجة أو ذو خصومة».

فإن قال قائل : فلعل «أم» هذه منفصلة ، ويكون «ذو خصومة» خبر ابتداء مضمر ، كأنه قال : أم أنت ذو خصومة ، فيكون ما بعدها جملة ولذلك أجاب بـ «لا». فالجواب : أنّ أم المنفصلة إنّما يجاب ما بعدها خاصة لأنّ ما قبلها مضرب عنه ، فلا يحتاج إلى جواب ، وهو هنا قد أجاب عن قولها : أذو زوجة؟ وعن قولها : أم ذو خصومة؟ فنفى أن يكون «ذا زوجة» بالمصر بقوله : إنّ أهلي جيرة لأكثبة الدهنا ، ونفى أن يكون «ذا خصومة» بقوله [من الطويل] :

وما كنت مذ أبصرتني في خصومة

[أراجع فيها يا ابنة الخير قاضيا]

فلم يبق إلا أن يكون محمولا على ما ذكرنا.

والأحسن في «أم» المتصلة أن توسط ما لا تسأل عنه وتؤخّر أحد المسؤولين عنهما ، وتقدم الآخر ، فتقول : «أزيد قام أم عمرو»؟ فتوسط «قام» لأنّك لا تسأل عنه. وقد يجوز

______________________

ـ وما : «الواو» : للعطف ، «ما» : نافية لا عمل لها. كنت : فعل ماض ناقص مبني على السكون ، و «التاء» : ضمير متصل في محلّ رفع اسمها. مذ : ظرف زمان في محلّ نصب مفعول فيه متعلق بالفعل (كنت). أبصرتني : فعل ماض مبني على السكون ، و «التاء» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل ، و «النون» : للوقاية ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به. في خصومة : جار ومجرور متعلّقان بخبر (كنت). أراجع : فعل مضارع مرفوع بالضمّة ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (أنا). فيها : جار ومجرور متعلّقان بـ (أراجع). يا ابنة : «يا» : حرف نداء ، «ابنة» : منادى مضاف منصوب بالفتحة. الخير : مضاف إليه مجرور بالكسرة. قاضيا : مفعول به منصوب بالفتحة.

وجملة «كنت» : معطوفة على جملة «إن أهلي» في محلّ نصب. وجملة «أبصرتني» : في محلّ جرّ بالإضافة. وجملة «أراجع» : في محلّ جرّ صفة لـ (خصومة).

والشاهد في الأبيات قوله : «أذو زوجة ، أم ذو خصومة ... لا» حيث يكون الجواب على (أم) بالإيجاب ، لا بـ (نعم) ، ولا بـ (لا) ، و (لا) هنا هي جواب لاعتقاد المرأة.

١٩٥

تقديم لا تسأل عنه وتأخيره ، فتقول : «أزيد أم عمرو قائم» ، أو «أقائم زيد أم عمرو»؟ إلا أن الأفصح ما ذكرناه أوّلا.

وكذلك تقول : «أقام زيد أم قعد»؟ فتوسّط «زيدا» ، لأنّك لا تسأل عنه ، وقد يجوز تقديمه وتأخيره ، فتقول : «أقام أم قعد زيد»؟ و «أزيد قام أم قعد»؟ وقد يجوز حذف الهمزة مع «أم» المتّصلة لفهم المعنى ، وذلك قليل فتقول : «قام زيد أم عمرو»؟ تريد : أقام زيد أم عمرو؟ ومن ذلك قوله [من الطويل] :

١٣٦ ـ لعمرك ما أدري وإن كنت داريا

بسبع رمين الجمر أم بثمان

يريد : أبسبع رمين الجمر؟

[١٠ ـ «بل» و «لا بل»] :

وأما «بل» و «لا بل» : فلا يخلو أن يقع بعدهما جملة أو مفرد ، فإن كان الواقع جملة

______________________

١٣٦ ـ التخريج : البيت لعمر بن أبي ربيعة في ديوانه ص ٢٦٦ ؛ والأزهية ص ١٢٧ ؛ وخزانة الأدب ١١ / ١٢٢ ، ١٢٤ ، ١٢٧ ، ١٣٢ ؛ والدرر ٦ / ١٠٠ ؛ وشرح أبيات سيبويه ٢ / ١٥١ ؛ وشرح شواهد المغني ١ / ٣١ ؛ وشرح المفصل ٨ / ١٥٤ ؛ والكتاب ٣ / ١٧٥ ؛ ومغني اللبيب ١ / ١٤ ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ١٤٢ ؛ وبلا نسبة في جواهر الأدب ص ٣٥ ؛ والجنى الداني ص ٣٥ ؛ ورصف المباني ص ٤٥ ؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٦٢٠ ؛ والصاحبي في فقه اللغة ص ١٨٤ ؛ والمحتسب ١ / ٥٠ ؛ والمقتضب ٣ / ٢٩٤ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ١٣٢.

المعنى : يقول من شدّة ذهوله إنّه لم يعرف عدد الجمار التي رمين بها أسبع أم ثمان.

الإعراب : «لعمرك» : اللام حرف ابتداء وقسم ، «عمرك» : مبتدأ مرفوع ، وهو مضاف ، والكاف ضمير في محلّ جرّ بالإضافة ، وخبره محذوف تقديره : «قسم». «ما» : نافية. «أدري» : فعل مضارع مرفوع ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : «أنا». «وإن» : الواو حاليّة ، «إن» : زائدة. «كنت» : فعل ماض ناقص ، والتاء ضمير في محلّ رفع اسم «كان». «داريا» : خبر «كان» منصوب. «بسبع» : جار ومجرور متعلقان بـ «رمين». «رمين» : فعل ماض ، والنون ضمير في محلّ رفع فاعل. «الجمر» : مفعول به منصوب. «أم» : حرف عطف. «بثمان» : جار ومجرور متعلّقان بـ «رمين».

وجملة القسم «عمرك ...» ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة : «أدري» جواب القسم لا محل لها من الإعراب. وجملة : «وإن كنت داريا» في محلّ نصب حال. وجملة : «رمين» سدت مسدّ مفعولي «أدري».

الشاهد فيه قوله : «بسبع ... أم بثمان» حيث حذف الهمزة لوجود قرينة دالة على معناها ، وتقدير الكلام : «أبسبع».

١٩٦

كانا حرفي ابتداء ، وكان معناهما الإضراب عن الأول وإثبات القصة التي بعدهما ، فتقول : «قام زيد بل قعد عمرو ولا بل قعد عمرو» ، و «ما قام زيد بل خرج بكر» ، وإن كان الواقع مفردا كانا حرفي عطف.

ولا يخلو أن يقعا بعد إيجاب أو نفي ، فإن وقعا بعد إيجاب كانا للإضراب في حق الأول والإثبات في حق الآخر ، نحو قولك : «قام زيد بل عمرو» ، فأضربت عن القيام في حقّ «زيد» وأثبتّه في حق «عمرو».

وإن وقعا بعد نفي فالمعنى عند سيبويه على الإضراب في حقّ الأول والإيجاب في حق الثاني ، كما كان ذلك بعد الإيجاب ، نحو قولك : «ما قام زيد بل عمرو»؟ ومعناه عنده : بل قام عمرو. والمعنى عند المبرد الإضراب في حق الأول وإيجاب ما أضربت عنه في حق الثاني ، فإذا قلت : «ما قام زيد بل عمرو» ، فالمعنى عنده : بل ما قام عمرو ، فأوجبت في حق الثاني نفي القيام الذي أضربت عنه في حقّ الأول ، ويجوز عنده ما ذهب إليه سيبويه.

والصحيح أنّ الذي ذهب إليه سيبويه قد اتفقا معا على جوازه وعلى أنّه كلام العرب وما انفرد به لا يحفظ له ما يدلّ عليه.

[١١ ـ لا] :

وأما «لا» : فلإخراج الثاني مما دخل فيه الأول ، ولا يعطف بها إلّا بعد إيجاب ، وذلك نحو قولك : «يقوم زيد لا عمرو». فـ «لا» أخرجت «عمرا» من القيام الذي دخل فيه زيد.

واتفق النحويون على العطف بها فيما عدا الماضي ، واختلفوا في العطف بها بعد الماضي في نحو قولك : «قام زيد لا عمرو» ، فمنهم من أجاز ذلك ، وهم جلّ النحويين ، ومنهم من منع ذلك ، وإليه ذهب أبو القاسم الزجّاجي في «معاني الحروف» ، واستدل على ذلك بأنّ «لا» لا ينفى الماضي بها ، وإذا عطفت بها بعده كانت نافية له في المعنى ، فلذلك لم يجز العطف بها بعد الماضي ، لأنك إذا قلت : «قام زيد لا عمرو» ، فكأنك قلت : لا قام عمرو ، و «لا قام عمرو» لا يجوز ، فكذلك ما في معناه.

والذي يدل على فساد مذهبه أنّه قد ينفى بها الماضي قليلا ، نحو قول تعالى : (فَلا

١٩٧

صَدَّقَ وَلا صَلَّى) (١) ، يريد : فلم يصدّق ولم يصلّ ، فإذا جاز أن تنفي بها الماضي في اللفظ ، فالأحرى أن تكون نافية له في المعنى.

ومما ورد من العطف بها بعد الماضي قوله [من الطويل] :

١٣٧ ـ كأنّ دثارا حلّقت بلبونه

عقاب تنوفى لا عقاب القواعل

فعطف بـ «لا» بعد «حلّقت» وهو ماض.

[١٢ ـ لكن] :

وأما «لكن» : فلا تخلو أن يقع بعدها جملة أو مفرد ؛ فإن وقع بعدها جملة ، كانت

______________________

(١) القيامة : ٣١.

١٣٧ ـ التخريج : البيت لامرىء القيس في ديوانه ص ٩٤ ؛ وجمهرة اللغة ص ٩٤٩ ؛ والجنى الداني ص ٢٩٥ ؛ وخزانة الأدب ١١ / ١٧٧ ، ١٧٨ ، ١٨١ ، ١٨٤ ؛ والخصائص ٣ / ١٩١ ؛ وشرح التصريح ٢ / ١٥٠ ؛ وشرح شواهد المغني ١ / ٤٤١ ، ٢ / ٦١٦ ؛ ولسان العرب ٨ / ٣٤٢ (ملع) ؛ ومغني اللبيب ١ / ٢٤٢ ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ١٥٤ ؛ وبلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٤٢٧ ؛ ومجالس ثعلب ص ٤٦٦ ؛ والممتع في التصريف ١ / ١٠٤.

شرح المفردات : دثار : اسم رجل كان يرعى إبل امرىء القيس. اللبونة : ذات اللبن. تنوفى : اسم موضع في جبال طيّىء معروف بارتفاعه. القواعل : اسم موضع قليل الارتفاع.

المعنى : يصف الشاعر إبله التي أغار عليها الأعداء فتفرّقت بقوله : كأنّ عقابا من عقبان تنوفى قد خطفت تلك الإبل وحلّقت بها بعيدا بحيث يصعب الوصول إليها ، وليس عقاب القواعل المعروفة بقلّة ارتفاعها.

الإعراب : «كأن» : حرف مشبّه بالفعل. «دثارا» : اسم «كأنّ» منصوب. «حلّقت» : فعل ماض ، والتاء للتأنيث. «بلبونه» : جار ومجرور متعلّقان بـ «حلقت». «عقاب» : فاعل مرفوع ، وهو مضاف. «تنوفى» : مضاف إليه مجرور. «لا» : حرف عطف. «عقاب» : معطوف على «عقاب» السابقة ، وهو مضاف. «القواعل» : مضاف إليه.

وجملة : «كأنّ دثارا ...» ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «حلّقت عقاب ...» في محلّ رفع خبر «كأنّ».

الشاهد فيه قوله : «عقاب تنوفى على عقاب القواعل» حيث عطفت «لا» قوله : «عقاب القواعل» على «عقاب تنوفى» الواقعة معمولا للفعل الماضي «حلّقت» ، وفيه ردّ على الزجاجي الذي اشترط أن يكون المعطوف عليه بـ «لا» غير معمول للفعل الماضي.

١٩٨

حرف ابتداء ، وخرجت من باب العطف ، ويكون معناها الاستدراك وتكون الجملة التي بعدها مضادّة لما قبلها في المعنى ، نحو قولك : «قام زيد لكن عمرو لم يقم» ، و «ما قعد بكر لكن قعد عمرو». ولا يجوز أن تكون موافقة لها ، لا تقول : «ما قام زيد لكن ما قام عمرو».

واختلف هل يجوز أن تكون غير مضادّة لما قبلها أو لا يجوز ، نحو : «قام زيد لكن خرج عمرو» ، فمنهم من أجاز ومنهم من منع ، وهذا الصحيح ، لأنه لا يحفظ مثله من كلام العرب.

وإن وقع بعدها مفرد ، كانت حرف عطف ، ويكون معناها الاستدراك ولا يعطف بها إلّا بعد نفي ، نحو قولك : «ما قام زيد لكن عمرو» ، فاستدركت القيام الذي نفيته عن زيد لعمرو بـ «لكن» ، ولو قلت : «قام زيد لكن عمرو» ، لم يجز (١).

[١٣ ـ عطف الأسماء بعضها على بعض] :

واعلم أنّه يجوز عطف الأسماء بعضها على بعض من غير شرط ، إلّا ضمير الرفع المتصل وضمير الخفض.

فأما ضمير الرفع المتصل فلا يعطف عليه إلّا بعد تأكيد ، بضمير رفع مثله منفصل ، أو بطول يقوم مقام التأكيد ، فمثال العطف عليه بعد التأكيد قوله تعالى : (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) (٢) ، فـ «أنت» تأكيد للضمير المستتر في «اسكن» ، و «زوجك» معطوف على ذلك الضمير المستتر.

والطول القائم مقام التأكيد هو أن يقع قبل حرف العطف والمعطوف معمول للعامل في الضمير المعطوف عليه ، أو يقع بعد حرف العطف «لا».

فمثال الفصل بمعمول العامل في الضمير المعطوف عليه قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ) (٣) ، فقوله تعالى : (وَمَلائِكَتُهُ ،) معطوف على الضمير الذي في

______________________

(١) وجوّز ذلك الكوفيّون. انظر المسألة الثامنة والستين في الإنصاف في مسائل الخلاف ص ٤٨٤ ـ ٤٨٨.

(٢) البقرة : ٣٥.

(٣) الأحزاب : ٤٣.

١٩٩

«يصلّي» ، فلم تحتج إلى تأكيد لطول الكلام بـ «عليكم» الذي هو معمول لـ «يصلّي» العامل في الضمير المعطوف عليه «الملائكة».

ومثال الفصل قوله تعالى : (ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا) (١). فقوله : (وَلا آباؤُنا ،) معطوف على الضمير في «أشركنا» ، ولم يحتج إلى التأكيد للطول بـ «لا» التي بعد الواو ، وإنّما احتيج إلى التأكيد أو الطول لأنّهم كرهوا أن يكون المعطوف لم يتقدم له في الذكر ما يعطف عليه ، فجعلوا هذا التأكيد أو الطول عوضا من ذكر المعطوف عليه.

فإن قلت : إنّما يتصور هذا إذا كان الضمير مستترا في نحو : «زيد قام» ، فإنّك لو قلت : «زيد قام وعمرو» ، لم يكن في اللفظ ما يعطف عليه «عمرو».

وأما في مثل : «قمت وعمرو» ، فكان ينبغي أن لا يحتاج إلى تأكيد ولا لطول لتقدم المعطوف عليه في الذكر. فالجواب عن هذا شيئان :

أحدهما : أنّ الضمير المتّصل وإن كان بارزا في اللفظ فإنه قد تنزّل من الكلمة منزلة جزء منها ، بدليل أنه سكّن له آخر الفعل في مثل : «ضربت» هروبا من اجتماع أربعة أحرف متوالية التحريك ، وذلك لا يكره إلّا في كلمة واحدة.

والآخر : أنّه لما لزم التأكيد أو الطول في بعض المواضع حمل عليه سائر المواضع ، كما حذفوا الواو من «يعد» وأصله «يوعد» ، لاستثقال الواو بين ياء وكسرة ، ثم حذفوه في «أعد» و «نعد». حملا على الياء.

ولا يجوز العطف على ضمير الرفع المتصل من غير تأكيد ولا طول إلا في ضرورة الشعر (٢) ، نحو قوله [من الخفيف] :

١٣٨ ـ قلت إذ أقبلت وزهر تهادى

كنعاج الملا تعسّفن رملا

______________________

(١) الأنعام : ١٤٨.

(٢) جوّز الكوفيّون ذلك في الاختيار. انظر المسألة السادسة والستين في الإنصاف في مسائل الخلاف ص ٤٧٤ ـ ٤٧٨.

١٣٨ ـ التخريج : البيت لعمر بن أبي ربيعة في ملحق ديوانه ص ٤٩٨ ؛ وشرح أبيات سيبويه ٢ / ١٠١ ؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٦٥٨ ؛ وشرح المفصل ٣ / ٧٦ ؛ واللمع ص ١٨٤ ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ١٦١ ؛ وبلا نسبة في الإنصاف ٢ / ٧٩ ؛ والخصائص ٢ / ٣٨٦ ؛ وشرح الأشموني ٢ / ٤٢٩ ؛ والكتاب ٢ / ٣٧٩.

٢٠٠