شرح جمل الزجّاجى - ج ١

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »

شرح جمل الزجّاجى - ج ١

المؤلف:

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-2263-0
ISBN الدورة:
2-7451-2263-0

الصفحات: ٥٨٤

[٤ ـ اجتماع التوابع] :

وإذا اجتمعت التوابع بدأت بالنعت ، ثمّ بالتوكيد ، ثمّ بالبدل ، ثمّ بالعطف ، وسبب تقدّم النعت على التوكيد أنّك لا تؤكّد الشيء إلّا بعد معرفته واستقراره ، ولذلك لم تؤكّد النكرة كما تقدم.

وسبب تقدّم التأكيد على البدل أنّك لو قدّمت البدل ، لكنت من حيث أبدلت قد نويت بالأول الطرح من جهة المعنى ومن حيث أكّدت بعد ذلك يكون بمنزلة المعتمد عليه الذي لم تنو به طرحا ، وذلك تناقض. وقدّم البدل على العطف لأنّ البدل على كل حال مبيّن للأول ، وكأنه من كماله ، ولا يعطف على الاسم إلّا بعد كماله ، والعطف ليس بمبيّن له ، فلم يجر لذلك مجرى المكمّل له.

فإن لم تأت ببعض هذه التوابع أتيت بما بقي على الترتيب المذكور.

وينبغي أن يعلم أنّ التأكيد بكلّ وأجمع لا فرق بينهما في المعنى ، فإذا قلت : «قام القوم كلّهم» ، أو «قام القوم أجمعون» ، فالمعنى واحد.

وذهب بعض النحويين إلى التفريق بينهما ، فقال : إذا قلت : «قام القوم كلّهم» ، احتمل أن يكون القوم في وقت القيام مجتمعين أو متفرقين ، فإذا قلت : «قام القوم أجمعون» ، أفاد ذلك أنّ القوم مجتمعون في وقت القيام. والصحيح أنّه لا فرق بينهما بدليل قوله تعالى : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (١) ، ومعلوم أنّهم ليسوا مجتمعين في جهنّم بل منهم من هو في الدرك الأسفل منها ، ومنهم من هو بخلاف ذلك ، فدلّ ذلك على فساد مذهبه.

[٥ ـ ألفاظ التوكيد الممنوعة من الصرف] :

وما كان من ألفاظ التأكيد على وزن «أفعل» كأجمع ، أو «فعلاء» كجمعاء ، أو «فعل» كجمع فإنه لا ينصرف.

______________________

(١) السجدة : ١٣.

٢٤١

أمّا أفعل فإنه امتنع من الصرف لوزن الفعل والتعريف ، فإن قيل : فبم تعرّف أجمع وأكتع؟ فالجواب : إنّ في ذلك خلافا : منهم من جعل تعريفهما بالعلميّة كأنّه علّق على معنى الإحاطة لما يتبعه. ومنهم من جعل تعريفهما بنيّة الإضافة لأنّك إذا قلت : «قبض المال أجمع» ، فمعناه : أجمعه. فإن قيل : فكيف امتنع من الصرف على هذا والتعريف المانع للصرف إنّما هو تعريف العلميّة؟ فالجواب : إنّ هذا التعريف قد يمنع لشبهه بتعريف العلميّة من حيث لم تكن له أداة يتعرّف بها في اللفظ كما أنّ «سحر» ، إذا أردته ليوم بعينه امتنع من الصرف للعدل ، وشبّه تعريفه بتعريف العلميّة من حيث كان تعريفه بغير أداة في اللفظ ، وإن كان تعريفه في رتبة تعريف ما فيه الألف واللام.

وأما «جمعاء» و «كتعاء» فامتنعا من الصرف لأجل الهمزة ، وهي تمنع الصرف وحدها من غير علّة تضاف إليها.

وأما «جمع» فامتنع من الصرف للعدل والتعريف المشبه لتعريف العلميّة ، لأنّ «جمع» لا يتصور أن يكون علما لأنّه جمع ، والجموع لا تكون أعلاما ، فلم يبق إلّا أن يكون معرّفا بنيّة الإضافة ، وكذلك «كتع» ألا ترى أنّ قولك : «مررت بالهندات جمع كتع» معناه : جمعهنّ كتعهنّ.

فإن قيل : فعن أيّ شيء عدل؟ فالجواب : إنّ فيه خلافا ، فمنهم من قال : هو معدول عن «فعالى» ، وذلك أنّ «جمعاء» اسم كصحراء ، بدليل أنّ التوكيد قد يكون بالجوامد كالنفس والعين ، فليس حكمه حكم النعت ، فإذا كان بمنزلة «صحراء» كان القياس أن يقال في جمعه : جماعى كصحارى ، فعدل عن ذلك إلى «جمع».

ومنهم من قال : إنّه معدول عن «جمع» الساكن العين إلى «جمع» ، وجعل «جمعاء» بمنزلة «حمراء» لشبهها بها في أنّها تابعة ، وفي أنها مشتقة ، وفي أن مذكّرها على وزن «أفعل» ، فإذا كانوا قد جمعوا «أحوص» الذي هو علم على «حوص» وأجروه في ذلك مجرى الصفة ، فالأحرى أن يفعل ذلك في هذا. وهذا عندي أولى ، لأنّه قد ثبت العدل في كلامهم من «فعل» الساكن العين إلى «فعل» ، قالوا : «ثلاث درع» ، وهو جمع «درعاء» (١) ، وكان

______________________

(١) الأدرع من الخيل وغيره : ما اسودّ رأسه وابيضّ سائره.

٢٤٢

القياس «درع» ، ولم يثبت العدل عن «فعالى» إلى «فعل» في موضع من المواضع.

[٦ ـ ما يجري مجرى «كل»] :

وقد تجري العرب ـ مجرى «كلّ» في التأكيد ـ اليد ، والرجل ، والذراع ، والضرع ، والظهر ، والبطن ، والسهل ، والجبل ، والصغير ، والكبير ، والقويّ ، والضعيف ، فتقول : «ضرب زيد الظهر والبطن» ، و «ضرب عمرو اليد والرجل» ، وكذلك : «ضربت القوم كبيرهم وصغيرهم وقويّهم وضعيفهم» ، و «مطرنا السهل والجبل». والدليل على أنّ مجيئها الأول على معنى التأكيد كونك قد أخرجتها عن معناها إلى العموم ، ألا ترى أنّها لو لم تخرج عن أصلها وتلحق بباب التأكيد ، لم تعط العموم.

وكذلك أيضا تجري العرب مجرى التأكيد كلّ أسماء العدد من الثلاثة إلى العشرة ، فتقول : «مررت بالقوم ثلاثتهم وأربعتهم إلى العشرة». فأما ما جاوز العشرة ففيه خلاف. فمنهم من أجاز ذلك ، ومنهم من لم يجزه ، والصحيح إجازته ، وقد فعل ذلك الأخفش. وفيه ـ إذا كان العدد مفسرا بواحد منصوب ـ ثلاثة أوجه :

منهم من يضيف العدد إلى ضمير الاسم المؤكّد ، فيقول : «أحد عشرهم وعشروهم» ، وهذا أضعف الأوجه لخروج العدد بذلك عمّا استقر فيه من نصب تمييزه. ومنهم من يبقي التمييز ظاهرا. ومنهم من يحذف التمييز لفهم المعنى ، فيقول : «مررت بالقوم أحد عشر رجلا وأحد عشر» ، و «مررت بالقوم عشرين رجلا وعشرين» ، فإن قال قائل : ما الدليل على أنّك إذا قلت : «مررت بالقوم ثلاثتهم» ، على جهة التأكيد ولعلّه بدل؟ فالجواب : إنّ الذي يدلّ على ذلك أنّك لا تقول : «مررت بالقوم ثلاثتهم» إلّا إذا كانوا ثلاثة ، فلو لا أنه قد أخرج عن معناه إلى معنى التأكيد لما جاز ذلك ، لما يلزم من إضافة الشيء إلى نفسه ، لأنّ الثلاثة هم القوم من غير زيادة ولا نقصان ، فلمّا لحظ فيه معنى كلّهم جازت الإضافة كما يجوز في «كلّ» ، وإن كان ما بعد «كلّ» هو كلّ في المعنى. وجاز ذلك في «كلّ» حملا على نقيضها وهو «بعض» ، وأيضا فإنّ كلّ الشيء هو جميع أبعاضه ، فكما تقول : «استوفيت أبعاض القوم بالضرب» ، فتضيف «الأبعاض» إلى «القوم» ، فكذلك تفعل في «كلّ».

٢٤٣

[٧ ـ «كلا» و «كلتا»] :

وفي «كلا» و «كلتا» خلاف بين الكوفيين والبصريين ، فمذهب أهل البصرة أنّهما مفردان في اللفظ مثنيان في المعنى كـ «زوج» الذي لفظه لفظ المفرد ويقع على اثنين ، ومذهب أهل الكوفة أنّهما مثنيان لفظا ومعنى كرجلين (١).

واستدلّ أهل الكوفة على أنّهما مثنيان لفظا ومعنى باستعمال العرب لهما في حال إضافتهما إلى المضمر بالألف في الرفع وبالياء في النصب والخفض ، فتقول : «جاءني الرجلان كلاهما» ، و «رأيت الرجلين كليهما» ، و «مررت بالرجلين كليهما».

واستدل أهل البصرة على أنّهما مفردان في اللفظ بأربعة أدلّة :

أحدها : أنّهما إذا كانا مثنيين في اللفظ وجب أن يجعلا من باب المثنّى الذي لا واحد له نحو اثنين ، ألا ترى أنهم لا يقولون : «إثن» ، وكذلك لا يقولون : «كل» ولا «كلت» في الواحد. وذلك قليل بل باب التثنية أن يكون مبنيّا على واحد ملفوظ به كرجلين. فأما ما زعم البغداديون من أنّ واحد «كلتا» : «كلت» واستدلّوا على ذلك بقوله [من الرجز]

١٧٦ ـ في كلت رجليها سلامى واحده

كلتاهما قد قرنت بزائده

ففاسد ، لأنّ «كلت» في البيت محذوفة من «كلتا» وليست بمفرد لها ، ألا ترى أنّ المعنى : في كلتا رجليها. ولو كانت مفردة كلتا ، لكان المعنى : إحدى رجليها ، وذلك غير

______________________

(١) انظر المسألة الثانية والستين في الإنصاف في مسائل الخلاف ص ٤٣٩ ـ ٤٥٠.

١٧٦ ـ التخريج : الرجز بلا نسبة في أسرار العربية ص ٢٨٨ ؛ وخزانة الأدب ١ / ١٢٩ ، ١٣٣ ؛ والدرر ١ / ١٢٠ ؛ وشرح الأشموني ١ / ٣٢ ؛ ولسان العرب ١٥ / ٢٢٩ (كلا) ؛ واللمع في العربية ص ١٧٢ ؛ والمقاصد النحوية ١ / ١٥٩ ؛ وهمع الهوامع ١ / ٤١.

اللغة : سلامى : واحدة السلاميات ، وهي العظام التي تكون بين كل مفصلين من مفاصل الأصابع في اليد أو الرجل.

الإعراب : «في» : حرف جر. «كلت» : اسم مبني على الفتح في محل جر بـ (في) وهو مضاف ، والجار والمجرور متعلقان بالخبر المحذوف. «رجليها» : مضاف إليه مجرور بالياء لأنه مثنى ، وهو مضاف ، و «ها» ضمير متصل في محل جر مضاف إليه. «سلامى» : مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة المقدّرة على الألف للتعذر. «واحدة» : صفة لـ «سلامى» مرفوعة. «كلتاهما» : «كلتا» مبتدأ مرفوع بالألف لأنه ملحق بالمثنى ، وهو مضاف ، «هما» : ضمير متصل في محل جر مضاف إليه. «قد» : حرف تحقيق. «قرنت» : فعل ماض للمجهول مبني على الفتح والتاء للتأنيث. ونائب الفاعل : ضمير مستتر تقديره (هي). «بزائدة» : جار ومجرور متعلقان بـ «قرنت». ـ

٢٤٤

متصوّر في البيت بدليل قوله بعد : «كلتاهما قد قرنت بزائدة».

والدليل الثاني : أنّهما لو كانا مثنيين لم تجز إضافتهما إلى اثنين فتقول : «كلا الرجلين» ، لئلا تكون قد أضفت الشيء إلى نفسه من غير مسوّغ ، وإنّما سوّغ ذلك عندنا كون «كلا» و «كلتا» مفردين في اللفظ وما بعدهما مثنى ، فلما خالفا ما بعدهما بهذا القدر من المخالفة ساغت الإضافة ، ألا ترى أنّه لا يجوز : «اثنا رجلين» في ضرورة ولا في فصيح كلام ، وقد جاء في الشعر مثل قوله [من الرجز] :

* ظرف عجوز فيه ثنتا حنظل (١) *

لما لم يكن «حنظل» مثنّى اللفظ وإن كان إنّما يغني عن حنظلتين.

والدليل الثالث : كون العرب تجعلهما في حال إضافتهما إلى الظاهر بالألف في جميع الأحوال من رفع ونصب وخفض ، ولو كانا مثنيين لكانا بالألف في الرفع وبالياء في النصب والخفض.

فإن قيل : فلعل ذلك على لغة من يقول : الزيدان ، بالألف في الأحوال كلها فالجواب : إنّ ذلك إنما هي لغة لبعض العرب وأكثر ما يوجد ذلك في خثعم وهي فخذ من طيّىء وجميع العرب تستعمل «كلا» و «كلتا» بالألف في كل حال إذا أضيف إلى الظاهر ولم تستعمل بالياء في النصب والخفض في حال من الأحوال ، فدلّ ذلك على أنهما ليسا بمثنيين.

والدليل الرابع : كون العرب تخبر عنهما إخبار المفرد ، قال الله تعالى : (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها) (٢). ولم يقل «آتتا» ، ولو كانا مشيين لم يخبر عنهما بالمفرد ، ألا ترى أنّك لا تقول : «الهندان قامت والزيدان قام».

فإن قيل : لا حجّة في ذلك لأنّ العرب قد تخبر عن الاثنين إخبار المفرد ، قال

______________________

ـ والجملة الفعلية «قد قرنت» في محل رفع خبر لـ «كلتاهما».

والشاهد فيه قوله : «في كلت» حيث وردت مفردة ، فدلّ على أن «كلتا» تثنية كما يرى الكوفيون.

(١) تقدم بالرقم ٤٣.

(٢) الكهف : ٣٣.

٢٤٥

الفرزدق [من الوافر] :

١٧٧ ـ ولو رضيت يداي به وضنّت

لكان عليّ للقدر اختيار

ولم يقل : «وضنّتا». وقال الآخر [من الهزج] :

١٧٨ ـ لمن زحلوفة زلّ

بها العينان تنهلّ

______________________

١٧٧ ـ التخريج : البيت للفرزدق في ديوانه ١ / ٢٩٤ (وفيه «الخيار» مكان «اختيار») ؛ والخصائص ١ / ٢٥٨ ؛ والمحتسب ٢ / ١٨١ ؛ والمقرب ١ / ٢٥٢.

اللغة : ضنت به : بخلت لكرمه عليها.

المعنى : ولو رضيت بي نوار ، وفضّلتني على غيري ، لكنت أختار من القدر أياما سعيدة.

الإعراب : ولو : «الواو» : بحسب ما قبلها ، «لو» : حرف شرط غير جازم. رضيت : فعل ماض مبني على الفتح ، و «التاء» : للتأنيث. يداي : فاعل مرفوع بالألف لأنه مثنّى ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. به : جار ومجرور متعلّقان بـ (رضيت). وضنّت : «الواو» : للعطف ، «ضنت» : فعل ماض مبني على الفتح ، و «التاء» : للتأنيث ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هي). لكان : «اللام» : رابطة لجواب الشرط ، «كان» : فعل ماض ناقص. عليّ : جار ومجرور متعلّقان بخبر (كان) المحذوف. للقدر : جار ومجرور متعلّقان بـ (اختيار). اختيار : اسم (كان) مؤخّر مرفوع بالضمة.

وجملة «ولو رضيت ... لكان لي اختيار» : بحسب الواو. وجملة «رضيت» : فعل الشرط لا محل لها ، وعطف عليها جملة (ضنّت). وجملة «كان .. اختيار» : جواب شرط غير جازم لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «رضيت يداي وضنت» حيث أفرد الفعل المتأخر عن فاعله المثنّى.

١٧٨ ـ التخريج : البيت لامرىء القيس في ملحق ديوانه ص ٤٧٢ ؛ وجمهرة اللغة ص ٥٩ ؛ وخزانة الأدب ٧ / ٥٥٦ ؛ والدرر ١ / ١٥٠ ؛ ولسان العرب ١١ / ٢٦ (ألل) ؛ وهمع الهوامع ١ / ٥٠ ؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب ٥ / ١٩٧ ، ٧ / ٥٥٢ ؛ ولسان العرب ١١ / ٣٠٦ (زلل) ؛ والمحتسب ٢ / ١٨٠.

اللغة : الزحلوفة : مكان منحدر مملّس. مقام زل : يزلّ فيه ويزلق. تنهل العينان : تدمعان ، وانهل المطر : اشتدّ انصبابه.

المعنى : يتساءل امرؤ القيس لمن هذا المكان المنحدر المملس الذي ينزلق فيه ، حتى تدمع العينان به وتنسكب عليه الدموع.

الإعراب : لمن : «اللام» : حرف جر ، «من» : اسم استفهام في محلّ جرّ بحرف الجرّ ، والجار والمجرور متعلّقان بالخبر. زحلوفة : مبتدأ مؤخر مرفوع. زل : صفة (زحلوفة) مرفوعة بالضمّة. بها : جار ومجرور متعلّقان بـ (تنهلّ). العينان : مبتدأ مرفوع بالألف لأنّه مثنى ، و «النون» : عوض عن التنوين في الاسم المفرد. تنهل : فعل مضارع مرفوع بالضمّة ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هي).

وجملة «لمن زحلوفة» : ابتدائيّة لا محلّ لها. وجملة «تنهلّ» : في محلّ رفع خبر (العينان).

٢٤٦

ولم يقل : «تنهلّان» ، وقال الآخر [من الكامل] :

١٧٩ ـ فكأنّ في العينين حبّ قرنفل

أو سنبلا كحلت به فانهلّت

ولم يقل : «كحلتا» ولا «فانهلّتا».

فالجواب : إنّ الإخبار عن «كلا» و «كلتا» إخبار المفرد كثير ، وما أنشدناه قليل بابه الشعر ، وهو مع ذلك لا يجوز إلا في الشيئين المتلازمين كالعينين واليدين ، وليس كذلك أمر «كلا» و «كلتا».

فإن قيل : فالذي يدلّ على أنّهما مثنيان إخبار العرب عنهما إخبار المثنّى ، قال : [من الرجز] :

١٨٠ ـ * كلاهما لا يطلقان*

فالجواب : إنّ ذلك قليل ووجهه الحمل على المعنى ، لأنّ «كلا» و «كلتا» وإن كانا مفردي اللفظ ، فهما مثنيان في المعنى ، ومثل ذلك قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ

______________________

ـ والشاهد فيه قوله : «العينان تنهل» حيث أفرد الضمير في الفعل المتأخر عن فاعله ، فلم يقل : العينان تنهلّان.

١٧٩ ـ التخريج : البيت لسلميّ بن ربيعة في خزانة الأدب ٧ / ٥٥٣ ، ٥٥٥ ؛ وسمط اللآلي ص ١٧٣ ، ٢٦٧ ؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٥٤٧ ؛ ونوادر أبي زيد ص ١٢١ ؛ ولعلباء بن أرقم في الأصمعيات ص ١٦١ ؛ وبلا نسبة في تذكرة النحاة ص ٣٥٨ ؛ وخزانة الأدب ٥ / ١٩٧ ، ١١ / ٣٤٦ ؛ والصاحبي في فقه اللغة ص ٢٥٣ ؛ ولسان العرب ١١ / ٧٠٢ (هلل).

اللغة : القرنفل : زهر معروف. السنبل : نبات طيّب الرائحة. انهلّت : انسكبت.

المعنى : فكأنّ أحدهم قد ذرّ في العينين حبّ القرنفل فانهلّتا دامعتين ، أو كحلهما بنبات السنبل فانسكبت دموعهما.

الإعراب : فكأن : «الفاء» : بحسب ما قبلها ، «كأن» : حرف مشبّه بالفعل. في العينين : جار ومجرور متعلّقان بخبر مقدّم محذوف لـ (كأن). حبّ : اسم (كأن) منصوب بالفتحة. قرنفل : مضاف إليه مجرور بالكسرة. أو سنبلا : «أو» : حرف عطف ، «سنبلا» : معطوف على (حبّ) منصوب بالفتحة. كحلت : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح ، و «التاء» : للتأنيث ، و «نائب الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هي).

به : جار ومجرور متعلّقان بـ (كحلت). فانهلّت : «الفاء» : حرف عطف ، «انهلت» : فعل ماض مبني على الفتح ، و «التاء» : للتأنيث ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هي).

وجملة «كأنّ في العينين حبّ قرنفل» : بحسب ما قبلها. وجملة «كحلت» : في محلّ نصب حال من (العينين). وجملة «فانهلت» : معطوفة على جملة (كحلت) في محل نصب.

والشاهد في قوله : «كحلت به فانهلّت» حيث جاء ضميرا الفعلين مفردين مع أنهما تأخّرا عن فاعليهما (فاعلهما).

١٨٠ ـ التخريج : لم أقع لا على قائله ولا على تتمته فيما عدت إليه من مصادر.

٢٤٧

إِلَيْكَ) (١). فحمل على المعنى ، وقال في موضع آخر : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) (٢). فحمل على اللفظ. وقد جمع الأسود بن يعفر الحمل على اللفظ والحمل على المعنى في بيت واحد فقال [من الكامل] :

١٨١ ـ إن المنيّة والحتوف كلاهما

يوفي المنيّة يرقبان سوادي

فقال : «يوفي» حملا على اللفظ و «يرقبان» حملا على المعنى.

فإن قيل : فلأيّ شيء كانا بالألف في الرفع ، والياء في النصب والخفض مع إضافتهما إلى المضمر؟ فالجواب : إنّ العرب قد تقلب الألف ياء مع المضمر في نحو : «عليه» ، و «إليه» و «لديه» ، وإنّما تفعل ذلك إذا كان اللفظ الذي في آخره ألف شديد الاتصال بالمضمر ، ألا ترى أنّ «لدى» و «إلى» و «على» لا تستعمل واحدة منها مفردة فهي شديدة الافتقار إلى ما بعدها. والمضمر أيضا لاتصاله شديد الافتقار لما قبله. فغيّروا آخر هذه الألفاظ بقلب آخرها ، كما غيّروا آخر الفعل لضمير الفاعل كـ «ضربت» ، ولم يفعلوا ذلك مع المفعول ، فكذلك أيضا قلبوا الألف من «كلا» ياء مع المضمر ، كما فعلوا ذلك في «لديه» و «عليه»

______________________

(١) يونس : ٤٢.

(٢) الأنعام : ٢٥.

١٨١ ـ التخريج : البيت للأسود بن يعفر في ديوانه ص ٢٦ ؛ وخزانة الأدب ٧ / ٥٧٥ ؛ وشرح شواهد المغني ٢ / ٥٥٣ ؛ والصاحبي ص ٢١٤.

اللغة : المنية والحتف : الموت. السواد : الشخص.

المعنى : تعدّدت الأسباب والموت واحد ، فأن تموت في فراشك ، أو تموت ميتة أخرى ، كلاهما معادل للموت ، هذه الميتات تترقب شخصي بلا انقطاع.

الإعراب : إنّ : حرف مشبّه بالفعل. المنية : اسم (إن) منصوب بالفتحة. والحتوف : «الواو» : للعطف ، «الحتوف» : معطوف على (المنية) منصوب بالفتحة. كلاهما : مبتدأ مرفوع بالألف لأنه ملحق بالمثنى ، و «هما» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. يوفي : فعل مضارع مرفوع بضمّة مقدّرة على الياء ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). المنية : مفعول به منصوب بالفتحة. يرقبان : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة ، و «الألف» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. سوادي : مفعول به منصوب بفتحة مقدّرة على ما قبل الياء ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ جرّ مضاف إليه.

وجملة «إنّ المنية ...» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «كلاهما يوفي» : في محلّ رفع خبر (إن). وجملة «يوفي» : في محلّ رفع خبر أول لـ (كلا). وجملة «يرقبان» : في محلّ رفع خبر ثان لـ (كلا).

والشاهد فيه قوله : «كلاهما يوفي المنية ، يرقبان» حيث أفرد الضمير في (يوفي) على اللفظ وثناه في (يرقبان) على المعنى.

٢٤٨

لشدّة افتقار المضمر لما قبله ، ولأنّ «كلا» أيضا لا تستعمل إلّا مضافة.

فإن قال قائل : فلو كان الأمر على ما ذكرتهم ، لقلبوا مع المضمر في حالة الرفع ، فقالوا : «جاءني الرجلان كليهما» ، فالجواب : إنّ «كلا» و «كلتا» في الباب مشبّهان بـ «على» و «لدى» لأنّهما أشدّ اتصالا بما بعدهما من «كلا» و «كلتا» ، فلذلك لم تقلب إلا في النصب والخفض ، ولأنّ «لدى» منصوبة ، وقد تكون مخفوضة في مثل : «من لديه» ، ولا تكون مرفوعة ، فلذلك لم تقلب إلّا في الموضع الذي حملتها عليه.

٢٤٩

باب البدل

[١ ـ تعريف البدل] :

البدل إعلام السامع بمجموع الاسمين أو الفعلين على جهة البيان أو التأكيد على أن ينوى بالأول منهما الطرح من جهة المعنى لا من جهة اللفظ.

فقولنا : إعلام السامع بمجموع الاسمين ، مثال ذلك : «قام زيد أخوك» ، ألا ترى أنّ السامع أعلمته بالقائم بمجموع زيد وأخيك.

وقولنا : «أو فعلين» ، مثال ذلك قول الشاعر [من الطويل] :

١٨٢ ـ متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا

تجد حطبا جزلا ونارا تأججا

______________________

١٨٢ ـ التخريج : البيت لعبيد الله بن الحر في خزانة الأدب ٩ / ٩٠ ـ ٩٩ ؛ والدرر ٦ / ٦٩ ؛ وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٦٦ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ص ٦٧٨ ؛ وشرح المفصل ٧ / ٥٣ ؛ وبلا نسبة في رصف المباني ص ٣٢ ، ٣٣٥ ؛ وشرح الأشموني ص ٤٤٠ ؛ وشرح المفصل ١٠ / ٢٠ ؛ والكتاب ٣ / ٨٦ ؛ ولسان العرب ٥ / ٢٤٢ (نور) ؛ والمقتضب ٢ / ٦٣ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ١٢٨.

الإعراب : «متى» : اسم شرط جازم مبني على السكون في محل نصب مفعول فيه متعلق بـ «تجد».

«تأتنا» : فعل مضارع مجزوم بحذف حرف العلة ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره : أنت ، و «نا» : ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به. «تلمم» : بدل من «تأتنا مجزوم بالسكون ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره : أنت. «بنا» : جار ومجرور متعلقان بـ «تلمم». «في ديارنا» : جار ومجرور متعلقان بـ «تأتنا» ، و «نا» : ضمير متصل مبني في محل جرّ مضاف إليه. «تجد» : فعل مضارع مجزوم لأنه جواب الشرط ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. «حطبا» : مفعول به منصوب بالفتحة. «جزلا» : نعت منصوب بالفتحة. «ونارا» : «الواو» : حرف عطف ، و «نارا» : اسم معطوف ـ

٢٥٠

ألا ترى أنّ السامع أعلمته الشرط بمجموع «تأتنا» و «تلم».

وقولنا : «على جهة البيان» ، تحرّز من العطف ، ألا ترى أنّك إذا قلت : «قام زيد وعمرو» أعلمته بالقيام بمجموع «زيد» و «عمرو» ، إلّا أنّ الثاني وهو «عمرو» ليس فيه بيان لزيد كما في قولك : «قام زيد أخوك» ، بيان لزيد بالأخ. وقولنا : على أن ينوى بالأول منهما الطرح ، تحرز من النعت والتأكيد ، ألا ترى أنّك إذا قلت : «قام زيد العاقل» أو «قام زيد نفسه» ، فقد أعلمت السامع بمجموع زيد والعاقل ، وكذلك أعلمته بزيد ونفسه على جهة تبيين الأول وهو زيد بالثاني وهو نفسه. لكنه لم ينو بزيد في النعت والتأكيد الطرح كما نوبته في البدل لأنّك إذا قلت : «قام زيد أخوك» ، فإنما اعتمدت في الفائدة على الأخ لما دخل اللبس في زيد. فكأنك قلت : «قام أخوك» ، فأضربت عن قولك أولا : زيد. فإن قال قائل : وما الدليل على ذلك؟

فالجواب أن تقول : الذي يدل على ذلك تكرير العامل مع البدل في نحو : «مررت بزيد بأخيك» ، قال الله تعالى : (قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ) (١) فأعاد لام الجر مع «من» وهو بدل من «الذي» ، فلو لا أنّ النية في الأول الطرح لما جاز ذلك ، إذ لو كان البدل من كمال الأول كما هو النعت لما ساغ إدخال العامل عليه لئلا يؤدّي إلى إدخال العامل بين شيئين قد جعلا كالكلمة الواحدة ، ومن أجل ذلك لم يدخل العامل على النعت لأنّه مع المنعوت كالشيء الواحد ، فهو من كمال المنعوت كما أنّ الصلة من كمال الموصول.

______________________

ـ منصوب. «تأججا» : فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر يعود إلى النار ، و «الألف» : للإطلاق ، ويجوز أن يكون هذا الفعل مضارعا ، وأصله : تتأججن ، فحذفت إحدى التاءين ، وقلبت النون ألفا.

وجملة «متى تأتنا ... تجد» : استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة «تأتنا» : في محل جرّ بالإضافة. وجملة «تجد» لا محل لها من الإعراب لأنها جواب شرط جازم غير مقترن بالفاء أو إذا. وجملة «تأججا» : في محل نصب نعت «نارا».

والشاهد فيه قوله : «متى تأتنا تلمم» حيث أبدل الفعل «تلمم» من الفعل «تأتنا».

مقدم محذوف. حوّة : مبتدأ مؤخّر مرفوع. لعس : بدل من «حوّة» مرفوع. وفي اللثاث : «الواو» حرف عطف ، و «في اللثاث» : جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر. وفي أنيابها : جار ومجرور معطوفان على «في اللثاث» وهو مضاف ، و «ها» : ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. شنب : مبتدأ مؤخر مرفوع.

(١) الأعراف : ٧٥.

٢٥١

وقولنا : «من جهة المعنى لا من جهة اللفظ» ، لأنّه لو نوى بالأول الطرح لفظا ولم يعتدّ به أصلا لما جاز مثل : «ضربت زيدا يده» ، إذ لو لم يعتد بزيد لم يكن للضمير في «يده» ما يعود عليه.

[٢ ـ أقسام البدل] :

والبدل ينقسم ستة أقسام : ثلاثة اتفق النحويون على جوازها وورد بها السماع ، واثنان جائزان في القياس ولم يرد بهما سماع ، وواحد ورد به السماع إلا أن النحويين اختلفوا فيه ، هل هو من هذا الباب أم من باب العطف.

فالثلاثة التي ورد بها السماع هي بدل الشيء من الشيء ، وهو أن تبدل اللفظ من اللفظ بشرط أن يكون اللفظان واقعين على معنى واحد ، ومنه قوله تعالى : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) (١). والصراط الثاني هو الأول.

وبدل البعض من الكلّ ، وهو أن تبدل لفظا من لفظ بشرط أن يكون الثاني واقعا على بعض ما يقع عليه الأول ، نحو قولك : «ضربت زيدا يده» ، ومنه قوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (٢). فـ «من» بدل من «الناس» وهو واقع على بعض ما يقع عليه الناس ، لأنّ الناس منهم المستطيع وغير المستطيع.

وبدل الاشتمال وفيه خلاف بين النحويين ، فمنهم من رأى أنّ بدل الاشتمال هو أن تبدل اسما من اسم بشرط أن يكون الثاني صفة من صفات الأول وهو مذهب الزجاج ، نحو قولك : «أعجبني عبد الله علمه» ، ألا ترى أنّه قصد الاشتمال على بدل المصدر من الاسم.

وذلك فاسد ، لأنّهم يقولون : «سرق عبد الله ثوبه» ، والثوب ليس بمصدر. ومنهم من رأى أنّ بدل الاشتمال هو أن تبدل اسما من اسم بشرط أن يكون الثاني مشتملا على الأول

______________________

(١) الفاتحة : ٦ ـ ٧.

(٢) آل عمران : ٩٧.

٢٥٢

ومحيطا به ، فيدخل في هذا الحد : «سرق عبد الله ثوبه» ، لأنّ الثوب مشتمل على عبد الله. وهو فاسد ، وذلك لأنه يجوز أن تقول : «سرق عبد الله فرسه» ، والفرس ليس مشتملا على عبد الله.

والصحيح أنّ بدل الاشتمال هو أن تبدل اسما من اسم بشرط أن يكون الأول مشتملا على الثاني ، وأعني بذلك أن يذكر الأول فيجوز الاكتفاء به عن الثاني ، وذلك نحو : «سرق عبد الله ثوبه أو فرسه» ، لأنه قد يجوز أن تقول : «سرق عبد الله» ، وأنت تعني الثوب أو الفرس.

ومن هذا القبيل قوله تعالى : (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ* النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ) (١). فالنار بدل الأخدود لأنه يجوز أن تقول : «قتل أصحاب الأخدود» ، وأنت تعني النار ، ولأنّه قد علم إنّما كان ذلك من أجل النار التي اتخذوها في الأخدود لإحراق المؤمنين والمؤمنات ، لا الأخدود نفسه.

وعلى هذا يجوز : «أعجبني عبد الله حسنه» ، لأنّه قد يجوز أن تقول : «أعجبني عبد الله» ، وأنت تعني الحسن ، ولا يجوز أن تقول : «أعجبني عبد الله غلامه» ، لأنه لا يجوز أن تقول : «أعجبني عبد الله» وأنت تعني الغلام لأنّه لا يفهم من الأول.

وليس القول في معرفة بدل الاشتمال بأن يكون الثاني مفهوما من الأول ، بل لا بد من أن يجوز استعمال الأول وحده على حدة. ويكون الثاني مفهوما منه ، فلا تقول : «أسرجت القوم دابّتهم» ، وإن كان معلوما من قولك : «أسرجت القوم» ، أنّك إنّما تقصد الدابّة ، لأنه لا يجوز : «أسرجت القوم» ، وأنت تعني الدابة وتقول : «سرق عبد الله ثوبه» ، لأنك قد تقول : «سرق عبد الله» ، وأنت تعني الثوب.

والاثنان الجائزان قياسا ولم يرد بهما السماع : بدل الغلط ، وهو أن تبدل لفظا من لفظ بشرط أن يكون ذكرك للأول على جهة الغلط.

______________________

(١) البروج : ٥ ـ ٦.

٢٥٣

وبدل النسيان : أن تبدل لفظا من لفظ بشرط أن يكون ذكر الأول على جهة النسيان ، ومثال ذلك أن تقول : «مررت بزيد حمار» ، وذلك أن تكون قد توهمت أنّ الممرور به زيد ، ثم تذكرت بعد أنّ الممرور به حمار وأتيت به على جهة البدل.

والأحسن في مثل هذا أن تأتي بـ «بل» فنشعر بالإضراب عن الأول لئلّا يتوهّم في ذلك أنّك قصدت الصفة ، ألا ترى أنّك إذا قلت : «رأيت رجلا حمارا أو ثورا» أمكن أن تتوهّم أنّك رأيت رجلا جاهلا أو بليدا.

ومن النحويين من زعم أنّ ذلك قد ورد في كلامهم ، واستدلّ على ذلك بقول ذي الرمة [من البسيط] :

١٨٣ ـ لمياء في شفتيها حوّة لعس

وفي اللّثاث وفي أنيابها شنب

فقال : الحوّة السواد الخالص ، واللعس سواد يضرب إلى الحمرة ، فإبداله «اللّعس» من «الحوّة» على جهة الغلط.

ولا حجة فيه لاحتمال أن يكون اللعس صفة للحوّة كأنّه قال : حوّة لعساء ، أي : حوّة مشوبة بحمرة ، كما قالوا : «رجل عدل» ، يريدون عادل ، فيكون من باب الوصف بالمصدر.

______________________

١٨٣ ـ التخريج : البيت لذي الرمة في ديوانه ص ٣٢ ؛ والخصائص ٣ / ٢٩١ ؛ والدرر ٦ / ٥٦ ؛ ولسان العرب ١ / ٥٠٧ (شنب) ، ٦ / ٢٠٧ (لعس) ، ١٤ / ٢٠٧ (حوا) ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ٢٠٣ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ١٢٦.

اللغة : اللمياء : التي في شفتيها سمرة. الحوّة : الحمرة المائلة إلى السواد في الشفة. اللعس : السمرة في باطن الشفة. اللثاث : ج اللّثة ، وهي ما حول الأسنان من اللحم. الشنب : صفاء الأسنان.

الإعراب : لمياء : خبر لمبتدأ محذوف تقديره : «هي». في شفتيها : جار ومجرور متعلقان بخبر مقدم محذوف. حوّة : مبتدأ مؤخّر مرفوع. لعس : بدل من «حوّة» مرفوع. وفي اللثاث : «الواو» حرف عطف ، و «في اللثاث» : جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر. وفي أنيابها : جار ومجرور معطوفان على «في اللثاث» وهو مضاف ، و «ها» : ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. شنب : مبتدأ مؤخّر مرفوع.

وجملة «هي لمياء» : ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «في شفتيها حوّة» : في محلّ رفع نعت «لمياء». وجملة «في أنيابها شنب» : معطوفة على سابقتها.

الشاهد فيه قوله : «حوّة لعس» حيث وقعت «لعس» بدل غلط من «حوّة».

٢٥٤

والواحد الذي ورد به السماع واختلف فيه بدل البداء ، وهو أن تبدل اسما من اسم بشرط أن يكون الأول قد بدا لك في ذكره ، وذلك نحو ما ذكره أبو زيد من قولهم : «أكلت لحما سمكا تمرا» ، وذلك أنّه أخبر أولا عن أكله اللحم ، ثم بدا له في ذلك ، فأخبر عن أكله السمك ثم بدا له فأخبر عن أكله التمر ، وقول الشاعر [من الرجز] :

١٨٤ ـ ما لي لا أبكي على علّاتي

صبائحي غبائقي قيلاتي

وذلك أنّه أبدل «الصبائح» من «العلّات» أوّلا ، فكأنه قال : ما لي لا أبكي على صبائحي ، ثم بدا له في ذلك فأبدل الغبائق.

ومن الناس من جعل هذا من باب العطف ، وحذف منه حرف العطف. والصحيح أنّ الوجهين ممكنان.

والذي يستدل به على بدل البداء قوله عليه‌السلام : «إنّ الرجل ليصلّي الصلاة وما كتب له نصفها ثلثها ربعها إلى العشر» إذ معلوم أنه ليس المعنى : وما كتب له النصف مع الثلث وكذلك مع سائر الأجزاء ، لأنّ ذلك لا يوجد لشيء من الأجزاء واحد ، وأيضا فإنه مناقض لمقصود الحديث من أنّ الرجل قد يصلّي الصلاة وما كتب له إلّا بعضها ، وكأنّه لما قال : إنّ الرجل ليصلّي الصلاة وما كتب له نصفها ، أضرب عن ذلك ، وأخبر أنّه قد يصلّي

______________________

١٨٤ ـ التخريج : الرجز بلا نسبة في الخصائص ١ / ٢٩٠ ، / ٢٨٠ ؛ ورصف المباني ص ٤١٤ ؛ ولسان العرب ٢ / ٥٠٣ (صبح) ، ١٠ / ٢٨٢ (غبق) ، ١١ / ٥٧٩ (قيل).

اللغة : علاتي : جمع علّة وهي ما يتعلّل به. الصبائح : جمع الصبوح وهو ما حلب من اللبن صباحا. غبائقي : جمع غبوق وهو ما يشرب بالعشيّ. قيلاتي : جمع قيلة وهي ما يشرب وقت الظهيرة (القائلة).

المعنى : كيف لا أبكي على فقداني ما أسكّن به عطشي في الصباح والظهر والمساء؟!

الإعراب : ما لي : «ما» : اسم استفهام مبني على السكون في محلّ رفع مبتدأ ، و «لي» : جار ومجرور متعلقان بخبر (ما) المحذوف (ما حال لي). لا أبكي : «لا» : حرف نفي ، «أبكي» : فعل مضارع مرفوع بضمّة مقدّرة على الياء ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (أنا). على علاتي : جار ومجرور متعلّقان بـ (أبكي) ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. صبائحي : بدل من (علاتي) وكذلك غبائقي وقيلاتي ؛ أو هي معطوفة عليها ولكن حذفت حروف العطف.

وجملة «ما لي» : ابتدائيّة لا محلّ لها. وجملة «أبكي» : في محلّ نصب حال.

والشاهد فيه قوله : «على علاتي صبائحي غبائقي قيلاتي» حيث جاء ببدل البداء فعدّده.

٢٥٥

وما كتب له ثلثها وكذلك يتنزّل ما بعد ذلك إلى العشر.

[٣ ـ بدل المعرفة من المعرفة ، والنكرة من النكرة ، وبالعكس] :

والبدل لا يتبع المبدل منه في شيء مما كان يتبع فيه النعت المنعوت إلا في الإعراب خاصة ، فيجوز بدل المعرفة من المعرفة ، والنكرة من النكرة ، وبالعكس.

فمثال بدل المعرفة من المعرفة في بدل الشيء من الشيء : «ضربت زيدا أخاك».

ومثال النكرة من النكرة فيه : «ضربت رجلا صالحا».

ومثال بدل النكرة من المعرفة فيه : «ضربت زيدا رجلا صالحا».

ومثال بدل المعرفة من النكرة فيه : «ضربت رجلا زيدا».

ومثال بدل المعرفة من المعرفة في بدل البعض من الكل : «أكلت الرغيف ثلثه».

والنكرة من النكرة فيه : «أكلت رغيفا ثلثا منه» ، وبدل المعرفة من النكرة فيه : «أكلت رغيفا ثلثه» ، وبدل النكرة من المعرفة : «أكلت الرغيف ثلثا منه».

ومثال بدل المعرفة من المعرفة في بدل الاشتمال : «أعجبتني الجارية حسنها» ، والنكرة من النكرة فيه : «أعجبتني جارية حسن لها» ، والنكرة من المعرفة فيه : «أعجبتني الجارية حسن لها» ، والمعرفة من النكرة : «أعجبتني جارية حسنها»

ويشترط في بدل البعض من الكل وبدل الاشتمال أن يكون في الاسم الثاني ضمير يعود على المبدل منه ، ولا يأتي دون ضمير إلّا قليلا. فمن ذلك قوله تعالى : (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ) (١) ، ولم يقل ناره ، وأما قوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (٢). فـ «من» بدل من «الناس» وحذف الضمير لفهم المعنى ، كأنه قال : من استطاع إليه سبيلا منهم. وذهب الكسائي إلى أنه يجوز أن تكون «من» شرطا ، والجواب محذوف ، فكأنه قال : فعليهم ذلك ، ورأى أنّ حذف جواب الشرط لفهم المعنى أحسن من حذف الضمير من البدل ، وهذا الذي ذهب إليه حسن جدا.

______________________

(١) البروج : ٤ ـ ٥.

(٢) آل عمران : ٩٧.

٢٥٦

ومن الناس من جعل «من» فاعلة بـ «حجّ» كأنه قال : أن يحجّ البيت من استطاع إليه سبيلا. وذلك فاسد من جهة المعنى ؛ لأنه يجيء على هذا معنى الآية : إنّ الله له على الناس كافة مستطيعهم وغير مستطيعهم أن يحجّ البيت المستطيع. وهذا خلف.

واشترط أهل بغداد في بدل النكرة من غيرها أن تكون من لفظ الأول ، واستدلّوا على ذلك بأنه لم يجىء شيء من بدل النكرة إلا كذلك ، كقوله تعالى : (لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ ناصِيَةٍ) (١) ، وقول الشاعر [من الطويل] :

١٨٥ ـ وكنت كذي رجلين رجل صحيحة

ورجل رمى فيها الزمان فشلّت

واشترطوا أيضا فيها الوصف ، ووافقهم على هذا الشرط أهل الكوفة ، واستدلوا على ذلك بأن النكرة لا تفيد في البدل ، إلا أن تكون موصوفة ، ألا ترى أنك إذا قلت : «مررت بمحمد رجل» ، لم يكن مفيدا إذ معلوم أنّ «محمدا» رجل فإذا وصفته أفاد.

وما ذهبوا إليه فاسد ، بل لا يشترط عندنا إلا أن يكون في البدل فائدة. والدليل على

______________________

(١) العلق : ١٥.

١٨٥ ـ التخريج : البيت لكثير عزّة في ديوانه ص ٩٩ ؛ وأمالي المرتضى ١ / ٤٦ ؛ وخزانة الأدب ٥ / ٢١١ ، ٢١٨ ؛ وشرح أبيات سيبويه ١ / ٥٤٢ ؛ والكتاب ١ / ٤٣٣ ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ٢٠٤ ؛ وبلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٤٣٨ ؛ وشرح المفصل ٣ / ٦٨ ؛ والمقتضب ٤ / ٢٩٠.

المعنى : كنت كصاحب رجلين تمنيت لو شلت إحداهما حتى لا أبتعد عنها وأبقى ملازما لها.

الإعراب : وكنت : «الواو» : حسب ما قبلها ، «كنت» : فعل ماض ناقص مبني على السكون ، و «التاء» : ضمير متصل في محل رفع اسمها. كذي : «الكاف» : حرف جر ، «ذي» : اسم مجرور بالياء لأنه من الأسماء الستة ، والجار والمجرور متعلقان بخبر محذوف. رجلين : مضاف إليه مجرور بالياء لأنه مثنى ، و «النون» : عوض عن التنوين في الاسم المفرد. رجل : بدل مجرور بالكسرة. صحيحة : صفة مجرورة بالكسرة. ورجل : «الواو» : عاطفة ، «رجل» : اسم معطوف على «رجل» مجرور بالكسرة. رمى : فعل ماض مبني على الفتحة المقدرة على الألف. فيها : جار ومجرور متعلقان بالفعل (رمى). الزمان : فاعل مرفوع بالضمة. فشلت : «الفاء» : عاطفة ، «شلت» : فعل ماض مبني للمجهول ، مبني على الفتحة الظاهرة ، و «التاء» للتأنيث ، و «الفاعل» : ضمير مستتر جوازا تقديره هي.

وجملة «كنت ...» : بحسب الواو. وجملة «رمى الزمان» : في محلّ جر صفة (رجل). وجملة «فشلت» : معطوفة في محل جر.

والشاهد فيه قوله : «رجلين رجل صحيحة ورجل رمى ...» حيث جاء البدل النكرة من لفظ المبدل منه.

٢٥٧

فساد ما ذهبوا إليه قول الشاعر [من الوافر] :

١٨٦ ـ فلا وأبيك خير منك إنّي

ليؤذيني التّحمحم والصّهيل

فـ «خير منك» بدل من «أبيك» وليس من لفظ الأول ولا موصوفا ، ولا يتصور أن يكون نعتا لأنه نكرة و «الأب» معرفة. ومنه قول الآخر [من البسيط] :

إ١٨٧ ـ نّا وجدنا بني سلمى بمنزلة

كساعد الضّبّ لا طول ولا قصر

______________________

١٨٦ ـ التخريج : البيت لشمير بن الحارث في خزانة الأدب ٥ / ١٧٩ ؛ ونوادر أبي زيد ص ١٢٤ ؛ ولسان العرب ١٣ / ١٠ (أذن) ؛ وبلا نسبة في شرح عمدة الحافظ ص ٥٨١ ؛ والمقرب ١ / ٢٤٥.

اللغة : التّحمحم : صوت الفرس حين يقصّر في الصهيل ؛ والصهيل : صوت الفرس.

المعنى : أقسم بأبيك الذي هو أفضل منك ، أن صوت الفرس في هياجه وتقصيره يؤذيني ، ويجعلني حزينا.

الإعراب : فلا : «الفاء» : حسب ما قبلها ، «لا» : حرف نفي. وأبيك : «الواو» : حرف جر وقسم ، «أبيك» : اسم مجرور بالواو ، وعلامة جرّه الياء لأنه من الأسماء الستّة ، و «الكاف» : ضمير متصل في محلّ جرّ مضاف إليه ، والجار والمجرور متعلّقان بفعل القسم المحذوف. خير : بدل من «أبيك» مجرور بالكسرة. منك : جار ومجرور متعلّقان بـ (خير). إني : «إنّ» : حرف مشبّه بالفعل ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ نصب اسمها. ليؤذيني : «اللام» : المزحلقة ، «يؤذي» : فعل مضارع مرفوع بضمّة مقدّرة على الياء ، و «النون» : للوقاية ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به. التحمحم : فاعل مرفوع بالضمّة.

والصهيل : «الواو» : حرف عطف ، «الصهيل» : معطوف على (التحمحم) مرفوع بالضمّة. وجملة «أقسم وأبيك» : بحسب الفاء. وجملة «إني ليؤذيني» : جواب القسم لا محلّ لها. وجملة «ليؤذيني» : في محلّ رفع خبر (إنّ).

والشاهد فيه قوله : «وأبيك خير» حيث جاءت كلمة (خير) بدلا من (أبيك) وليس من لفظ الأول ولا موصوفا.

١٨٧ ـ التخريج : البيت بلا نسبة في خزانة الأدب ٥ / ١٨٣ ؛ ولسان العرب ١١ / ١٢١ (جلل) ؛ والحيوان ٦ / ١١٢ (وفيه «عظم» مكان «قصر»).

اللغة : المنزلة : المكانة. الضّب : دويبة زاحفة معروفة ؛ وقال : كساعد الضبّ : لأنّها ذات طول واحد في جميع الضّباب.

المعنى : لقد عرفنا منزلة بني سلمى ، وعرفنا أنهم متساوون جميعا بمقدرتهم وقدراتهم كسواعد الضّباب.

الإعراب : إنا : «إنّ» : حرف مشبّه بالفعل ، و «نا» : ضمير متصل في محلّ نصب اسمها. وجدنا : فعل ماض مبني على السكون ، و «نا» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. بني : مفعول به منصوب بالياء لأنه ملحق بجمع المذكّر السالم. سلمى : مضاف إليه مجرور بفتحة مقدرة على الألف. بمنزلة : جار ومجرور متعلّقان بحال من «بني سلمى» أو بمفعول به ثان لـ (وجد). كساعد : جار ومجرور بدل من قوله (بمنزلة). ـ

٢٥٨

فـ «لا طول ولا قصر» نكرة وهما بدلان من «ساعد الضب» ، ولم ينعتا ولا هما من لفظ الأول ، ولا يجوز أن يكونا نعتين لأن «ساعد الضب» معرفة.

وأيضا فإنّ قولك : «مررت بمحمد رجل» ، مفيد لأنّه قد يمكن أن يكون «محمد» اسم امرأة لأنّ الرجل يسمّى باسم المرأة وكذلك المرأة تسمّى باسم الرجل ، قال الشاعر [من الطويل] :

١٨٨ ـ تجاوزت هندا رغبة عن قتاله

إلى ملك أعشو إلى ضوء ناره

وقال الآخر [من الرجز] :

١٨٩ ـ يا جعفر يا جعفر يا جعفر

إن كنت دحداحا فأنت أقصر

_____________________

ـ الضب : مضاف إليه مجرور. لا طول : «لا» : حرف نفي ، «طول» : بدل من (ساعد) مجرور مثله بالكسرة. ولا قصر : «الواو» : للعطف ، «لا» : للنفي ، «قصر» : معطوف على (طول) مجرور.

وجملة «إنّا وجدنا» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «وجدنا» : في محلّ رفع خبر (إنّ).

والشاهد فيه قوله : «كساعد الضبّ لا طول ولا قصر» حيث جاء بالبدل (لا طول) نكرة غير موصوفة.

١٨٨ ـ التخريج : البيت بلا نسبة في شرح التصريح ٢ / ٣٣٩ ؛ وشرح المفصل ٥ / ٩٣ ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ٥٥٨.

شرح المفردات : رغب عن : مال. عشا النار : رآها ليلا فقصدها. هند : علم رجل.

المعنى : يقول : لقد اجتزت هذا الرجل تحاشيا لقتاله إلى ملك كريم مضياف.

الإعراب : «تجاوزت» : فعل ماض ، والتاء ضمير في محلّ رفع فاعل. «هندا» : مفعول به منصوب. «رغبة» : مفعول لأجله منصوب. «عن قتاله» : جار ومجرور متعلّقان بـ «رغبة» ، وهو مضاف ، والهاء ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. «إلى ملك» : جار ومجرور متعلّقان بـ «تجاوزت». «أعشو» : فعل مضارع مرفوع ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : «أنا». «إلى ضوء» : جار ومجرور متعلّقان بـ «أعشو» ، وهو مضاف. «ناره» : مضاف إليه مجرور ، وهو مضاف ، والهاء ضمير في محلّ جرّ بالإضافة.

وجملة : «تجاوزت» ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «أعشو» في محلّ جرّ نعت «ملك».

الشاهد فيه قوله : «تجاوزت هندا رغبه عن قتاله» حيث جاء الاسم «هند» اسما لرجل.

١٨٩ ـ التخريج : الرجز بلا نسبة في شرح المفصل ٥ / ٩٣.

اللغة : جعفر : علم لامرأة : الدحداح والدّحدح : القصير.

٢٥٩

[٤ ـ أقسام البدل من حيث الإظهار والإضمار] :

وكذلك أيضا ينقسم البدل بالنظر إلى الإظهار والإضمار أربعة أقسام : ظاهر من ظاهر ، ومضمر من مضمر ، ومضمر من ظاهر ، وظاهر من مضمر ، إلّا أنّ في بدل المضمر من غيره أو في بدل البعض من الكل أو بدل الاشتمال تكلّف وهو إعادة الظاهرة على حسب ما تبيّن.

فمثال بدل الظاهر من الظاهر في بدل الشيء من الشيء : «ضربت زيدا أخاك».

ومثال بدل المضمر من المضمر فيه : «زيد ضربته إيّاه».

ومثال بدل المضمر من الظاهر فيه : «ضربت زيدا إيّاه».

ومثال بدل الظاهر من المضمر فيه : «زيد ضربته أخاك».

ومثال بدل الظاهر من الظاهر في بدل البعض في الكل : «أكلت الرغيف ثلثه».

ومثال بدل الظاهر من المضمر فيه : «الرغيف أكلته ثلثه».

ومثال بدل المضمر من المضمر فيه : «ثلث الرغيف أكلته إياه» ، فالضمير في «أكلته» يعود على «الرغيف» ، و «إياه» يعود على «الثلث».

ومثال بدل المضمر من الظاهر فيه : «ثلث الرغيف أكلت الرغيف إياه» ، فتعيد الضمير على الثلث ، ألا ترى أنك قد تكلّفت تكرار «الرغيف» في المسألتين الأخيرتين. ومثال بدل الظاهر من المضمر فيه : «القوم ضربتهن ثلثهم».

______________________

ـ المعنى : لعلّه يخاطب رجلا بعينه اسمه جعفر ، ولعلّه يهجو القبيلة ، قائلا : إن كنت قصيرا فأنت أيتها القبيلة لا تصلي إلى مجدي ورفعتي ؛ أو أنت يا جعفر أقصر مني. وأقلّ شأنا.

الإعراب : يا جعفر : «يا» : حرف نداء ، «جعفر» : منادى مفرد علم مبني على الضمّ ونوّن للضرورة في محلّ نصب مفعول به لفعل النداء المحذوف. يا جعفر : توكيد للأولى ، وكذلك (الثالثة) توكيد للأولى. إن : حرف شرط جازم. كنت : فعل ماض ناقص ، و «التاء» : ضمير متصل في محلّ رفع اسم (كان). دحداحا : خبر (كان) منصوب بالفتحة. فأنت : «الفاء» : رابطة لجواب الشرط ، «أنت» : ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ. أقصر : خبر مرفوع بالضمّة.

وجملة النداء : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «كنت دحداحا» : في محلّ جزم فعل الشرط. وجملة «فأنت أقصر» : في محلّ جزم جواب الشرط. وجملة «إن كنت دحداحا فأنت أقصر» : استئنافية لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «فأنت أقصر» : حيث خاطب جعفر بضمير التأنيث (أنت).

٢٦٠