شرح جمل الزجّاجى - ج ١

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »

شرح جمل الزجّاجى - ج ١

المؤلف:

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-2263-0
ISBN الدورة:
2-7451-2263-0

الصفحات: ٥٨٤

زيد» ، ومثال دخول اللام عليه : «علمت لزيد قائم» ، ومثال دخول «ما» النافية عليه : «علمت ما زيد قائم» ، و «ظننت ما عمرو منطلق» ، ومثال دخول «إنّ» وفي خبرها اللام : «علمت إنّ زيدا لقائم» ، فجميع هذا لا سبيل إلى إعمال الفعل معه.

ومثال كونه مستفهما عنه في المعنى : «عرفت زيدا أبو من هو» ، ألا ترى أنّ زيدا لم تدخل عليه همزة الاستفهام ، ولا أضيف إلى اسم استفهام ولا هو اسم استفهام ، لكنه في المعنى مستفهم عنه ، لأنك إذا قلت : «عرفت زيدا أبو من هو» ، فمعناه : أزيد أبو عمرو أم أبو غيره؟ فلذلك جاز أن تقول : «عرفت زيدا أبو من هو» ، برفع «زيد» ونصبه ، نظرا إلى لفظه تارة وإلى معناه أخرى.

ولا يعلق من غير أفعال القلوب إلّا «سل» ، نحو : سل زيدا أبو من هو ، وذلك أنّه سبب لفعل القلب ، ألا ترى أنّ السؤال سبب من أسباب العلم ، فأجرى السّبب مجرى المسبّب.

وزعم المازني أنه يجوز أن تعلّق «رأيت» بمعنى «أبصرت» ، وإن لم تكن من أفعال القلوب ، فتكون في ذلك بمنزلة «سل» ، لأنها سبب من أسباب العلم ، واستدلّ بقول العرب : «أما ترى أيّ برق هاهنا»؟

وهذا لا حجة فيه لاحتمال أن يكون «ترى» بمعنى «تعلم» ، كأنه قال : «أما تعلم أي برق هاهنا»؟ وإذا أمكن فيه حملها على العلمية كان أولى ، لأنّ التعليق بابه أن يكون في أفعال القلوب.

وإذا علق الفعل فلا يخلو أن يكون من باب ما يتعدى إلى واحد بحرف جر ، نحو : «فكرت» ، أو من باب ما يتعدى إلى واحد بنفسه ، نحو : «عرفت» ، أو من باب ما يتعدّى إلى اثنين أصلهما المبتدأ والخبر ، نحو : «علمت».

فإن كان من باب ما يتعدى إلى واحد بحرف جر ، كانت الجملة في موضع نصب بالفعل بعد إسقاط حرف الجر ، نحو : «فكرت أيّهم زيد» ، كأنه في الأصل : فكرت في أيّهم زيد ، إلّا أنهم استقبحوا تعليق الخافض لضعفه ، فحذفوه ، وأوصلوا الفعل إليه بنفسه وموضعه نصب ، لأنّ ما يصل إليه الفعل بحرف جر إذا حذف معه حرف الجر وصل بنفسه ،

٣٠١

نحو : «أمرتك بالخير» ، و «أمرتك الخير» ، وإن كان من باب ما يتعدى إلى واحد بنفسه كانت الجملة في موضع مفعوله ، نحو : «عرفت أيّهم زيد».

وإن كان من باب ما يتعدى إلى مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر ، سدّت الجملة مسدّ المفعولين ، نحو : «علمت أيّهم زيد».

فإن كان الاسم مما يجوز تعليق الفعل عنه وإعماله فيه ، ثم أعملت الفعل فيه فنصبته ، فإنّ ذلك الفعل العامل فيه لا يخلو من أن يكون متعدّيا إلى واحد بنفسه ، أو إلى اثنين أصلهما المبتدأ والخبر ، ولا يتصور أن يكون العامل فيه ما يصل بحرف جر ، فلا تقول : «فكرت زيدا أبو من هو» ، لأنّ «فكّرت» لا يصل بنفسه إلى مفعول وليس حذف حرف الجرّ قياسا كما تقدّم.

فإن كان الفعل من باب ما يتعدى إلى مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر ، نحو : «علمت زيدا أبو من هو» ، كان الاسم المنصوب المفعول الأول وسدّت الجملة مسدّ المفعول الثاني.

وإن كان من باب ما يتعدى إلى واحد بنفسه ، نحو : «عرفت زيدا أبو من هو» ، كان الاسم مفعولا بـ «عرفت» باتفاق ، وأما الجملة ففيها خلاف.

فمنهم من ذهب إلى أنها في موضع الحال ، وذلك فاسد ، لأنّ جملة المبتدأ والخبر إذا كانت في موضع الحال جاز دخول الواو عليها ، ولا يتغيّر المعنى الذي كانت الجملة تعطيه قبل دخول الواو ، نحو : «جاء زيد يده على رأسه» ، وإن شئت قلت : «ويده على رأسه» ، والمعنى واحد ، وأنت لو قلت : «عرفت زيدا وأبو من هو» ، لم يكن معناه كمعنى : «عرفت زيدا أبو من هو» ، ألا ترى أن المعنى في عدم الواو : عرفت أبو من زيد ، ومع الواو : عرفت زيدا وعرفت أبو من هو ، فدلّ ذلك على أنّ الجملة ليست في موضع الحال.

ومنهم من ذهب إلى أنها في موضع مفعول ثان ، وأنّ «عرفت» ضمّنت معنى «علمت» ، فتعدّت إلى مفعولين ، كما ضمّنت «نبّأت» و «أنبأت» ، و «أخبرت» معنى ، «أعلمت» ، فتعدّت تعديها. وذلك فاسد لأنّ التضمين ليس بقياس ، فلا يقال به ما وجد عنه مندوحة.

ومنهم من ذهب إلى أنّ هذه الجملة بدل من «زيد» كأنّك قلت : «عرفت زيدا عرفت أبو من هو».

٣٠٢

فإن قيل : من أي أقسام البدل هذا؟ فالجواب : إنّه من باب بدل الشيء من الشيء ، فإن قيل : فـ «زيد» ليس بالجملة التي هي «أبو من هو» ، فالجواب : إنّ ذلك على مضاف محذوف تقديره : عرفت قصة زيد أبو من هو ، والقصة هي الجملة.

[٩ ـ ما يجوز في الاسم المستفهم عنه] :

ويجوز في الاسم المستفهم عنه الرفع على التعليق والنصب على الإعمال ، كما تقدّم إلّا مع «أريتك» ، من قول العرب : «أريتك زيدا أبو من هو» ، فإنّ العرب التزمت في الاسم النصب ، وذلك أنّ «رأيت» وإن كانت بمعنى «علمت» فإنّ العرب أدخلتها معنى «أخبرني» ، ألا ترى أنّ المعنى : أخبرني أبو من زيد ، فلما دخلها معنى «أخبرني» ، و «أخبرني» لا تعلق لأنّه ليس من أفعال القلوب [لم تعلق هي].

وانفردت أيضا أفعال القلوب بجواز تضمّنها معنى القسم ، فإذا فعل بها تلقيت بما يتلقى به القسم ، فتقول : «علمت ليقومنّ زيد» ، و «ظننت لقد قام عمرو» ، كما تقول : «والله ليقومنّ زيد» ، و «والله لقد قام عمرو».

ولا يخلو أن يكون الفعل المضمّن معنى القسم متعدّيا أو غير متعدّ فإن كان غير متعدّ فلا موضع لجملة الجواب من الإعراب ، نحو قولك : «بدا لي ليقومنّ زيد». قال الله تعالى : (ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ) (١) ، فقولك : «ليقومنّ زيد» لا موضع له من الإعراب ، لأنّ «بدا» لا يتعدّى.

وإن كان متعدّيا ، نحو : «علمت ليقومنّ زيد» ، و «عرفت ليخرجنّ عمرو» ، ففي ذلك خلاف بين النحويين. منهم من يجعل الجملة نائبة مناب معمول الفعل. فإن كان الفعل يتعدّى إلى مفعولين ، نحو : «علمت» ، كانت الجملة في موضع المفعولين ، وإن كان يتعدى إلى واحد ، نحو : «عرفت» ، كانت الجملة في موضع ذلك المفعول.

ومنهم من يجعل الجملة لا موضع لها من الإعراب ، لأنّ الفعل وإن كان متعدّيا قد ضمّن معنى ما لا يتعدّى ، فلذلك لم يتعدّ ، كما أنّ «أنبأت» وإن كانت في الأصل لا تتعدّى لما ضمّنت معنى ما يتعدّى إلى ثلاثة مفعولين تعدّت تعدّيه ، وهذا هو الصحيح عندي.

______________________

(١) يوسف : ٣٥.

٣٠٣

باب ما تتعدى إليه الأفعال المتعدية وغير المتعدية

[١ ـ الأسماء التي تتعدّى إليها الأفعال] :

جميع ما تتعدى إليه الأفعال المتعدّية وغير المتعدّية ثمانية أشياء : المصدر ، وظرف الزمان ، وظرف المكان ، والحال ، والتمييز ، والاستثناء ، والمفعول معه ، والمفعول من أجله ، إلّا أنّ الذي يذكر منه في هذا الباب أربعة ، وهي المصدر ، وظرف الزمان ، وظرف المكان ، والحال ، وما عدا ذلك يفرد له مكان يذكر فيه خلاف هذا.

وإنما لم يذكر في هذا الباب إلّا هذه الأربعة لأنّ الفعل يتعدّى إليها على اللزوم ، والأربعة الأخرى لا تلزم ، ألا ترى أنّ كلّ فعل مشتق من المصدر ففيه دلالة عليه ، وأنه لا بدّ له من زمان ومكان يكون فيهما. وكذلك أيضا لا بدّ للفاعل والمفعول من حال يكونان عليها. وأمّا التمييز فقد لا يكون في الكلام شيء مبهم فيحتاج إلى تمييز.

وكذلك الاستثناء قد لا يكون في الكلام ما يستثنى منه. وكذلك أيضا المفعول معه قد يكون للفاعل ما يصاحبه في فعله وللمفعول ما يصاحبه في كونه مفعولا فيحتاج الفعل إلى مفعول معه ، وقد لا يكون فلا يحتاج إذ ذاك إلى مفعول معه.

وقد يكون فاعل الفعل ساهيا أو مجنونا فلا يقع فعله لسبب ، فلا يكون للفعل إذ ذاك مفعول من أجله.

فقد تبيّن أنّ اللازم من هذه الثمانية الأربعة المتقدمة.

٣٠٤

[٢ ـ المصدر] :

فأما المصدر فهو اسم الفعل ، نحو : «ضرب» ، و «قيام» ، أو الاسم القائم مقامه ، نحو : «سرت قليلا» ، و «ضربت سوطا» ، الأصل : «سرت سيرا قليلا» ، فحذف المصدر وأقيمت الصفة مقامه ، و «ضربت ضربة سوط» ، فحذف المضاف وهو «ضربة» وأقيم المضاف إليه مقامه ، فأعرب بإعرابه.

أو عدده ، نحو : «ضربت عشرين ضربة» ، فـ «عشرين» مصدر لأنّه عدد لمصدر. أو ما أضيف إليه إذا كان المضاف هو المضاف إليه في المعنى ، نحو : «ضربت كلّ الضرب» ، فـ «كلّ» مضاف إلى الضرب ، وهو والضرب في المعنى شيء واحد.

أو بعضه ، نحو : «ضربت بعض الضرب» ، فـ «بعض» مضاف إلى «الضرب» ، وهو في المعنى جزء من الضرب ، بشرط أن يكون منصوبا بعد فعله الذي أخذ منه ، نحو : «ضربت ضربا» ، أو بعد معنى الفعل الذي أخذ منه ، نحو : «أتيت مشيا» ، فـ «مشيا» منصوب بعد «أتيت» ، و «أتيت» في معنى «مشيت».

أو اسم جار مجرى الفعل الذي أخذ منه.

[٣ ـ ظرف الزمان] :

وظرف الزمان : وهو اسم الزمان نحو : «اليوم» و «الليلة» ، أو ما قام مقامه ، نحو : «سرت قليلا» ، تريد : زمنا قليلا ، فحذفت الموصوف ، وهو «زمان» ، وأقمت صفته مقامه ، وهو قليل ، ونحو : «أتيت قدوم الحاج» ، فحذفت اسم الزمان وهو «وقت» ، وأقيم المضاف إليه مقامه وهو «قدوم» ؛ أو عدده ، نحو : «سرت عشرين يوما» ، أو ما أضيف إليه إذا كان المضاف هو المضاف إليه في المعنى ، نحو : «سرت جميع الشهر» ، فـ «جميع» مضاف إلى «الشهر» ، وهو والشهر في المعنى شيء واحد

أو بعضه ، نحو : «سرت بعض الشهر» ، فـ «بعض» مضاف إلى «الشهر» ، وهو في المعنى جزء من الشهر ، بشرط أن يكون في جواب من سأل : بـ «كم» نحو : «سرت عشرين يوما» ، ألا ترى أنّ ذلك يصلح في جواب من قال : كم سرت؟ أو في جواب من سأل :

جمل الزجاجي / ج ١ / م ٢٠

٣٠٥

بـ «متى» ، نحو : «سرت يوم الجمعة» ، ألا ترى أنّ ذلك يصلح في جواب من قال : «متى سرت»؟

[٤ ـ ظرف المكان] :

وظرف المكان : هو اسم المكان ، نحو : «جلست خلفك وأمامك» ، أو ما قام مقامه ، نحو : «جلست مكانا قريبا منك» ، أصله جلست مكانا قريبا منك ، ثمّ حذف الموصوف وهو «مكان» ، وأقيمت صفته مقامه ، وهو قريب ، ولا يتصوّر إلّا في الصفة خاصة ؛ أو عدده ، نحو : «سرت عشرين ميلا» ، فـ «عشرين» ظرف مكان لأنّه عدد للميل وهو مكان ؛ أو ما أضيف إليه إذا كان المضاف هو المضاف إليه في المعنى ، نحو : «سرت جميع الميل» ، فـ «جميع» مضاف إلى «الميل» ، وهو الميل في المعنى ؛ أو بعضه ، نحو : «سرت بعض الميل» ، فـ «بعض» مضاف إلى الميل ، وهو في المعنى جزء منه بشرط أن يكون في جواب «كم» ، نحو : «سرت عشرين ميلا» ، ألا ترى أنّ ذلك يصلح في جواب : كم سرت؟ أو في جواب «أين» ، نحو : «جلست خلفك» ، ألا ترى أنّ ذلك يصلح في جواب من قال : أين جلست؟

[٥ ـ الحال] :

والحال : وهو كلّ اسم منصوب على معنى «في» مفسّر لما أبهم من الهيئات ، نحو : «جاء زيد ضاحكا» ، ألا ترى أنّك لو لم تذكر «ضاحكا» ، لكانت هيئة زيد في وقت المجيء مبهمة. ومثال المؤكّدة : «قام زيد قائما» ، ألا ترى أنّ المعنى : قام زيد في حال أنّه قائم. ومعلوم من قولك : «قام زيد» بأنه قائم ، إلّا أنّك أتيت بـ «قائم» تأكيدا ، ومن ذلك قوله تعالى : (وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً) (١) ، ألا ترى أنّ المعنى : أرسلناك في حال أنّك رسول. ومعلوم من قوله تعالى : (أَرْسَلْناكَ) أنّه كان رسولا ، لكنه أكّد بذكر الرسول.

______________________

(١) النساء : ٧٩.

٣٠٦

[٦ ـ أقسام المصدر] :

والمصدر ينقسم ثلاثة أقسام : مبهم ، ومختص ، ومعدود.

فالمبهم ما يقع على القليل والكثير من جنسه ، نحو : «قيام» ، و «ضرب» ، ألا ترى أنّ قياما يقع على ما قلّ وكثر ، وكذلك «ضرب». والمختص : ما كان اسما لنوع ، نحو : «القهقرى» ، فإنه اسم لنوع من الرجوع. والقرفصاء فإنّه اسم لنوع من القعود ، والصمّاء اسم لنوع من الاشتمال ؛ أو ما تخصص بإضافة نحو : «ضربت ضرب شرطيّ» ، أو بالألف واللام ، نحو : «الضّرب» ، أو بالنعت ، نحو قولك : «ضربت ضربا كثيرا ، أو شديدا». والمعدود : ما تدخل عليه تاء التأنيث الدالة على الإفراد ، نحو : «ضربة وضربتين» ، أو كان اسم عدد ، نحو : «عشرين ضربة».

[٧ ـ أقسام ظرف الزمان] :

وظرف الزمان ينقسم ثلاثة أقسام : مبهم ، ومختص ، ومعدود. فالمبهم ما يقع على قدر من الزمان غير معيّن ، نحو : في وقت وزمان وأمثال ذلك. والمختص : أسماء الشهور كالمحرم وصفر ، والأيام كالسبت والأحد ، أو مختص بالإضافة ، نحو : يوم الجمل أو يوم حليمة (١) ويوم قيام زيد وأمثال ذلك ؛ أو بالألف واللام ، نحو : اليوم والليلة أو بالنعت ، نحو : «جلست معك يوما اجتمعنا فيه بزيد» ، وأمثال ذلك. والمعدود ما له مقدار معلوم من الزمان ، نحو : سنة وشهر ويوم الجمعة.

[٨ ـ أقسام ظرف المكان] :

وظرف المكان ينقسم ثلاثة أقسام أيضا : مبهم ، ومختص ، ومعدود. فالمبهم ما ليس له أقطار تحصره ولا نهايات تحيط به ، نحو : خلفك وقدّامه وأمثال ذلك. والمختص عكسه وهو ما له أقطار تحصره ونهايات تحيط به. نحو : الدار والمسجد. والمعدود : ما له مقدار

______________________

(١) يوم الجمل معركة حدثت بين علي بن أبي طالب وعائشة أمّ المؤمنين ، ويوم حليمة إحدى وقائع العرب في الجاهليّة بين غسّان والضجاعم.

٣٠٧

معلوم من المسافة ، نحو : ميل ، وفرسخ ، وبريد.

[٩ ـ أقسام الحال] :

والحال تنقسم قسمين : مؤكّدة ومبيّنة ، فالمبيّنة هي التي تفيد من المعنى ما لا يفيده الكلام الذي تكون فيه ، نحو : «جاء زيد ضاحكا» ، ألا ترى أنّه لو لم تجىء بـ «ضاحك» لم يكن قولك : «جاء زيد» ، مفيدا معناه.

والمؤكّدة : هي التي يعطي معناها الكلام الذي تكون فيه ، نحو قوله تعالى : (وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً) (١) ، ألا ترى أنّه لو لم يذكر «رسولا» لكان قوله تعالى : (وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ) يعطي معناه.

واعلم أنّ الأفعال كلّها تتعدّى إلى جميع المصادر والظروف من مبهم ومختص ومعدود وإلى ضربي الحال المؤكّدة والمبيّنة بنفسها ، إلّا ظروف المكان المختصّة ، فإنّ الفعل لا يصل إليها إلّا بواسطة ، نحو : «قمت في الدار» و «قعدت في المسجد» ، لا يقال : «قمت الدار ولا قعدت المسجد» ، وكذلك حكم كل ظرف مكان مختص ، إلا أنّ العرب شذّت من ذلك في نحو : «ذهبت» مع الشام ، و «دخلت» مع كلّ ظرف مكان مختص.

وزعم أبو الحسن أنّ «دخلت» متعدّية إلى مفعول به ، وأنّ الدار وأشباهها منصوب بعدها على أنّه مفعول ، والذي حمل على ذلك اطراد وصول «دخلت» إلى ما بعدها بنفسها ، نحو : «دخلت المسجد» ، و «دخلت الحمّام» ، فجعلها من قبيل ما يتعدّى بنفسه ، لذلك فـ «البيت» بعد دخلت ـ عنده ـ منصوب على حدّ انتصابه بعد «هدمت» ، ولم يجعل : «دخلت البيت» ، من قبيل : «ذهبت الشام» ، لقلّته.

وهذا الذي ذهب إليه فاسد من غير جهة.

وذلك أنّ «دخلت» نقيض «خرجت» ، و «خرجت» غير متعدّ ، فكذلك نقيضه ، لأنّ النقيض يجري كثيرا مجرى ما يناقضه ، ألا ترى أن زيادة الألف والنون تدلّ على الامتلاء

______________________

(١) النساء : ٧٩.

٣٠٨

والتعظيم ، نحو : «ريّان» ، و «رجل جمّاني» للعظيم الجمّة (١) و «رقباني» عظيم الرقبة. ثم قالوا : «عطشان» ، فزادوا الألف والنون فيه وإن لم يكن بابه ذلك ، حملا على نقيضه وهو «ريّان». ومنها أنّ نظيرها «عبرت» ، وهي غير متعدّية فكذلك «دخلت» ، لأنّ النظير أيضا كثيرا ما يجري مجرى نظيره.

ومنها أنّ مصدر «دخلت» الدخول ، والفعول في الغالب مصدر ما لا يتعدّى ، نحو : «القعود» و «الجلوس» ، ولا يجيء في المتعدّي إلّا قليلا ، نحو : «اللزوم» ، و «النهوك» ، والحمل على الأكثر أولى.

ومما يدلّ دلالة قطعية على فساد مذهبه أنّ «دخلت» تطلب اسم المكان بعد طلب الظرف ، ألا ترى أنّ الفرق بين الظرف وبين المفعول به أنّ المفعول به محل للفعل خاصة ، نحو : «ضربت زيدا» ، فـ «زيدا» محلّ للضرب ، والظرف محلّ للفعل والفاعل ، نحو : «قمت خلفك» ، فـ «الخلف» محلّ للقائم وقيامه ، فكذلك «دخلت» يتعدّى إلى ما بعده على أنّه ظرف ، لأنّك إذا دخلت البيت فالبيت محلّ للدخول والداخل ، وكذلك أيضا يدل على بطلان مذهبه أنّهم يقولون : «دخلت في الأمر» ، ولا يوصل إلى الأمر وأشباهه من المعاني إلّا بـ «في» ، فلو كانت «دخلت» متعدّية بنفسها لما عدّوها إلى الأمر بـ «في» ، فدلّ ذلك على أنّها غير متعدّية بنفسها.

فإن قيل : فلأيّ شيء لم يقولوا : «دخلت الأمر» ، كما قالوا : «دخلت الدار»؟ فالجواب : إنّ قولك : «دخلت في الأمر» ، مجاز من جهة المعنى ، لأنّ الدخول حقيقة إنّما يتصوّر في الأجسام وحذف حرف الجرّ مجاز ، فكرهوا التجوّز بعد التجوّز.

وما عدا «دخلت» مع كلّ ظرف مكان مختص ، و «ذهبت» مع الشام لا يصل إلّا بواسطة ، ولا يصل بنفسه أصلا إلّا في ضرورة شعر ، نحو قوله [من الخفيف] :

٢١٨ ـ قلن عسفان ثمّ رحن سراعا

يتطلّعن من نقاب الثّغور

______________________

(١) الجمّة : مجتمع شعر الرأس أو ما سقط منه على المنكبين.

٢١٨ ـ التخريج : لم أقع عليه فيما عدت إليه من مصادر.

اللغة : قلن : نمن في القائلة (وقت الظهر واشتداد الحرّ). عسفان : موضع. النقاب : جمع النّقب وهو الثقب.

المعنى : نمن وقت اشتداد الحرّ في عسفان ، ثم مضين مسرعات ناظرات من فتحات في ستورهن. ـ

٣٠٩

فأوصل الفعل إلى «عسفان» بنفسه وهو ظرف مكان مختص. ونحو قول الآخر [من الطويل] :

٢١٩ ـ جزى الله بالإحسان ما فعلا بكم

رفيقين قالا خيمتي أمّ معبد

______________________

ـ الإعراب : قلن : فعل ماض مبني على السكون ، و «نون النسوة» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. عسفان : اسم منصوب بنزع الخافض. ثم : حرف عطف. رحن : فعل ماض مبني على السكون ، و «نون النسوة» : ضمير متصل في محل رفع فاعل. سراعا : حال منصوبة بالفتحة. يتطلعن : فعل مضارع مبني على السكون ، و «نون النسوة» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. من نقاب : جار ومجرور متعلّقان بـ (يتطلعن). الثغور : مضاف إليه مجرور بالكسرة.

وجملة «قلن» : بحسب ما قبلها. وجملة «رحن» : معطوفة عليها. وجملة «يتطلعن» : في محلّ نصب حال.

والشاهد فيه قوله : «قلن عسفان» حيث حذف حرف الجر (في) وأوصل الفعل إلى (عسفان) بدونه.

٢١٩ ـ التخريج : الأبيات لرجل من الجنّ في الدرر ٣ / ٨٧ ؛ وبلا نسبة في لسان العرب ١١ / ٥٧٨ (قيل) ؛ والمقرب ١ / ١٤٧ ؛ وهمع الهوامع ١ / ٢٠٠.

اللغة والمعنى : جزى : أثاب. الرفيقان : هما الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) وأبو بكر الصديق في الهجرة من مكّة إلى المدينة. قالا : نزلا في وقت القيلولة ، أي عند الظهر. أم معبد : هي عاتكة بنت خالد الخزاعيّة.

يقول : أثاب الله الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) وأبا بكر (رض) اللذين نزلا خيمة أم معبد ليستريحا في وقت الظهيرة في أثناء هجرتهما من مكّة إلى المدينة.

الإعراب : جزى : فعل ماض. الله : اسم الجلالة فاعل مرفوع. بالإحسان : جار ومجرور متعلقان بـ (جزى). «ما» : اسم موصول مبني في محل نصب مفعول به ثان لـ «جزى». فعلا : فعل ماض مبني على الفتح. والألف : ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل. بكم : جار ومجرور متعلقان بـ «فعلا». رفيقين : مفعول به أوّل لـ «جزى» منصوب بالياء لأنّه مثنّى. قالا : فعل ماض ، والألف : فاعل. خيمتي : ظرف منصوب بالياء لأنّه مثنى ، وهو مضاف. أمّ : مضاف إليه مجرور ، وهو مضاف. معبد : مضاف إليه.

وجملة (جزى الله ...) الفعليّة لا محلّ لها من الإعراب لأنّها ابتدائيّة. وجملة «فعلا بكم» لا محل لها من الإعراب لأنها صلة الموصول. وجملة (قالا خيمتي ...) الفعليّة في محلّ نصب نعت لـ «رفيقين».

والشاهد فيه قوله : «قالا خيمتي» حيث أسقط الشاعر حرف الجرّ «في» ، والتقدير : قالا في خيمتي ، وهذا الإسقاط اضطراريّ بخلاف قولهم : «دخلت الدار».

٣١٠

فأوصل «قال» بـ «خيمتي» وهو ظرف مكان مختص بنفسه ، ونحو قول الآخر [من الكامل] :

٢٢٠ ـ لدن بهزّ الكفّ يعسل متنه

فيه كما عسل الطريق الثعلب

يريد : في الطريق ، فأوصل الفعل إلى «الطريق» بنفسه وهو مختصّ ، ولا يجوز شيء من ذلك في الكلام.

وزعم بعض النحويين أنّ قول العرب : «ذهبت الشام» ، على معنى : في الشام وليس بشاذّ ، واستدلّوا على ذلك بأنّ الشام في معنى شأمة فكأنّك إذا قلت : «ذهبت الشام» قد قلت : «ذهبت شأمة» ، و «ذهبت» ينبغي أن يصل إلى شأمة بنفسه لإبهامه ، فكذلك الشام ، وأجاز : «ذهبت اليمن» ، قياسا على : «ذهبت الشام» ، لأنّ اليمن فيه أيضا معنى يمنة ، وأنت لو قلت : «ذهبت يمنة» ، لوصل الفعل إليه بنفسه لإبهامه ، فكذلك اليمن.

______________________

٢٢٠ ـ التخريج : البيت لساعدة بن جؤية الهذلي في تخليص الشواهد ص ٥٠٣ ؛ وخزانة الأدب ٣ / ٨٣ ، ٨٦ ؛ والدرر ٣ / ٨٦ ؛ وشرح أشعار الهذليين ص ١١٢٠ ؛ وشرح التصريح ١ / ٣١٢ ؛ وشرح شواهد الإيضاح ص ١٥٥ ؛ وشرح شواهد المغني ص ٨٨٥ ؛ والكتاب ١ / ٣٦ ، ٢١٤ ؛ ولسان العرب ٧ / ٤٢٨ (وسط) ، ١١ / ٤٤٦ (عسل) ؛ والمقاصد النحوية ٢ / ٥٤٤ ؛ ونوادر أبي زيد ص ١٥ ؛ وبلا نسبة في أسرار العربية ص ١٨٠ ؛ وجمهرة اللغة ص ٨٤٢ ؛ والخصائص ٣ / ٣١٩ ؛ وشرح الأشموني ١ / ١٩٧ ؛ ومغني اللبيب ص ١١ ؛ وهمع الهوامع ١ / ٢٠٠.

شرح المفردات : اللدن : اللين. يعسل : يتحرّك. المتن : الظهر.

المعنى : يقول واصفا رمحه بأنّه يهتزّ بيده للينه كما يهتزّ ظهر الثعلب السائر على الطريق.

الإعراب : «لدن» : خبر لمبتدأ محذوف تقديره : «هو». «بهزّ» : جار ومجرور متعلقان بـ «لدن» ، وهو مضاف. «الكف» : مضاف إليه مجرور. «يعسل» : فعل مضارع مرفوع. «متنه» : فاعل مرفوع ، وهو مضاف ، والهاء ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. «فيه» : جار ومجرور متعلّقان بـ «يعسل». «كما» : الكاف اسم بمعنى «مثل» في محل نصب مفعول مطلق نائب عن المصدر ، و «ما» : مصدريّة. «عسل» : فعل ماض. «الطريق» : اسم منصوب بنزع الخافض تقديره : «في الطريق» ، وقيل : مفعول به. «الثعلب» : فاعل مرفوع. والمصدر المؤول من «ما» وما بعدها في محل جر بالإضافة.

وجملة : «هو لدن» ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «يعسل متنه» في محلّ نصب حال.

الشاهد فيه قوله : «عسل الطريق» حيث حذف حرف الجرّ «في» المقدّر ، ثم نصب الاسم الذي كان مجرورا به «الطريق» ، والأصل : «كما عسل في الطريق».

٣١١

وممّا قوّى عنده مذهبه هذا ـ أعني أنّ اليمن فيه بمعنى يمنة ـ قوله [من الطويل] :

٢٢١ ـ [أغرّكما منّي قميص لبسته

جديد] وبردا يمنة عطران

يريد : بردين يمانيّين.

وهذا الذي ذهب إليه فاسد ، لأنّ «يمنة» و «شأمة» أنفسهما لو سمّي بهما لخرجا من إبهامهما إلى التخصيص ، ولوجب وصول الفعل إليهما بواسطة «في» ، فالأحرى أن يكون كذلك في الشام واليمن ، وليس قول الشاعر في «اليمن» : «يمنة» دليل على أنّهما في معنى واحد ، وذلك من التحريف الجائز في الشعر ، ونحو قول الآخر [من الكامل] :

٢٢٢ ـ [ودعا بمحكمة أمين نسجها]

من نسج داود أبي سلّام

______________________

٢٢١ ـ التخريج : البيت لعروة بن حزام في ديوانه ص ٣٥ (وفيه «زهوان» مكان. «عطران» ؛ وتزيين الأسواق ١ / ١٩٨ ؛ وخزانة الأدب ٣ / ٣٧٧.

اللغة : أغركما : هل خدعكما؟! البرد : الثوب. يمنة : يريد يمنّي أو يماني. عطران : مثنى عطر وهو المطيّب.

المعنى : هل خدعكما القميص الجديد الذي ألبسه ، والثوبان العطران اليمنيان؟!

الإعراب : أغركما : «الهمزة» : حرف استفهام ، «غرّ» : فعل ماض مبني على الفتح ، و «كما» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به. مني : جار ومجرور متعلّقان بحال من (قميص). قميص : فاعل مرفوع بالضمّة. لبسته : فعل ماض مبني على السكون ، و «التاء» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل ، و «الهاء» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به. جديد : صفة (قميص) مرفوعة بالضمة. وبردا : «الواو» : حرف عطف ، «بردا» : اسم معطوف على (قميص) مرفوع بالألف لأنه مثنى ، وحذفت النون بسبب الإضافة. يمنة : مضاف إليه مجرور بالكسرة. عطران : صفة (بردا) مرفوعة بالألف والنون لأنّه مثنى.

وجملة «أغركما قميص» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «لبسته» : في محلّ رفع صفة لـ (قميص).

والشاهد فيه قوله : «بردا يمنة» حيث استبدل موضع (اليمن) بمعناه (يمنة).

٢٢٢ ـ التخريج : البيت للأسود بن يعفر في ديوانه ص ٦١ ؛ ولسان العرب ١٢ / ٣٠٠ (سلم) ؛ وتاج العروس (سلم) ؛ وبلا نسبة في تاج العروس ٤ / ٨١ (قنب) ؛ وجمهرة اللغة ص ١٣٢٧ ؛ ولسان العرب ١ / ٦٩١ (قنب).

اللغة : المحكمة : المانعة ، ويريد بها الدرع. سلّام : هو سليمان بن داود.

المعنى : فأمر أن يأتوه بدرع نسجت نسجا ممتازا محكما ، بحيث يأمن لابسها الضربات ، وكأنها من صنع داود أبي سليمان. ـ

٣١٢

يريد : سليمان عليه‌السلام.

وزعم الفراء أنّ «ذهبت» تصل بنفسها إلى أسماء الأماكن ، نحو : «عمان» ، و «خراسان» ، و «العراق» وأمثال ذلك ، فتقول : «ذهبت عمان» ، و «ذهبت العراق» ، وحكى ذلك عن العرب.

وأهل البصرة لا يحفظون ذلك ، لكنه عندي يحتمل أن يكون قد سمع ذلك في المنظوم ، فقاس عليه النثر ، لأنّ الكوفيين كثيرا ما يفعلون هذا ، أعني أنهم يجيزون في الكلام ما لا يحفظ إلّا في الشعر. فإذا تبيّن أنّ هذا مذهبه ، لم يصرّح هل سمع ذلك في الكلام أو في الشعر ، لم يكن في ذلك حجة ، لا سيما والذي حكى أهل البصرة في عمان ونجران والعراق وأمثالها وصول الفعل إليها بواسطة «في» إذا أردت بها معنى الظرفية.

فإن عدّيت الفعل إلى ضمير المصدر أوصلت الفعل إليه بنفسه فقلت : «ضربته زيدا» ، تريد : ضربت الضرب زيدا.

وأما الحال فلا تضمر لأنّها لا تكون إلّا نكرة مشتقة ، والضمير ليس كذلك ، وأمّا ظرف الزمان وظرف المكان فلا يصل الفعل إلى ضميرهما إلّا بواسطة «في». وذلك أنّ الأصل في الظروف كلّها أن يصل الفعل إليها بواسطة «في» ، لأنّ الفعل لا يطلبها إلّا على معنى الوعاء ، وحرف الوعاء هو «في» ، والضمائر تردّ الأشياء إلى أصولها ، وسنبيّن ذلك في غير موضع إن شاء الله تعالى ، فلذلك لم يصل الفعل إلى ضميرها إلا بـ «في». فإن قيل :

______________________

ـ الإعراب : ودعا : «الواو» : حسب ما قبلها ، «دعا» : فعل ماض مبني على الفتح المقدّر على الألف ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). بمحكمة : جار ومجرور متعلقان بـ (دعا). أمين : صفة لـ (محكمة) مجرورة بالكسرة. نسجها : نائب فاعل لـ (أمين) لأنه بمعنى (مأمون) ، و «ها» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. من نسج : جار ومجرور متعلقان بصفة لـ (محكمة). داود : مضاف إليه مجرور بالكسرة للضرورة. أبي : صفة (داود) مجرورة بالياء لأنه من الأسماء الستّة. سلام : مضاف إليه مجرور بالكسرة.

وجملة «دعا» : بحسب ما قبلها.

والشاهد فيه قوله : «سلام» حيث أراد «سليمان» فحرّفها إلى (سلّام).

٣١٣

فلأيّ شيء حذفت مع الظرف إذا كان ظاهرا؟

فالجواب : إنّ ظرف الزمان لمّا أشبه المصدر ، وصل الفعل إلى جميع ضروبه من مبهم ومختص ومعدود بنفسه كما يصل إلى المصدر. ووجه الشبه بينهما أنّ المصدر يدلّ عليه الفعل بحروفه ، نحو : «ضربت» ، ألا ترى أنّه يدلّ على الضرب بحروفه. وظرف الزمان يدلّ عليه الفعل بصيغته ، ألا ترى أنّ صيغة «قام» تعطي أنّ الزمان ماض ، وصيغة «يقوم» تعطي أنّ الزمان غير ماض. فاجتمعا في أن الفعل يدلّ عليهما بلفظه وأيضا فإن الزمان فعل الفلك ، لأنّ الزمان اللغوي هو الليل والنهار ، وهما موجودان في قرب الشمس وبعدها ، وذلك كائن عن حركة الفلك ، والمصادر حركات الفاعلين ، نحو : القيام والقعود ، فاجتمعا أيضا من هذه الجهة.

وأمّا ظرف المكان ، فلا شبه بينه وبين المصدر من جهة من هاتين الجهتين ، ألا ترى أنّ المكان لا يدل عليه الفعل بلفظه ، ولا هو حركة فاعل. لكنّه أشبه ظرف الزمان من حيث هو ظرف للفعل ، كما أنّ الزمان كذلك ، فوصل الفعل إلى مبهمه ومعدوده بنفسه كذلك.

فإن قيل : فهلّا شبّه مختصّ المكان بمختصّ الزمان ، فيصل الفعل إليه بنفسه؟ فالجواب : إنّ هذا الشبه لمّا لم يكن قويّا لأنّه شبّه بمشبّه لم يؤثّر إلّا فيما تقوى دلالة الفعل عليه من ظروف المكان وهو المبهم ، ألا ترى أنّ الفعل إنّما يطلب مكانا مبهما ، وألحق به المعدود لأنّه قريب من المبهم ، لأنّ فيه إبهاما من حيث يمكن أن يقع على كل مكان ، ألا ترى أنّ «ميلا» يمكن أن يقع على كل موضع إذا كان قدرة للقدر المصطلح على تسميته بـ «ميل» ، فهو وإن كان معلوم القدر غير متبيّن في نفسه.

فأمّا المختصّ ، فلمّا لم تقو دلالة الفعل عليه ولا قريب ممّا تقوى دلالة الفعل عليه ، لم يؤثّر الشبه الضعيف فيه ، فوصل الفعل إليه بحرف الجرّ ، على أصله ، إلّا ما شذّت العرب فيه من ذلك ، وقد تقدّم ذكره ، أو في ضرورة.

٣١٤

[١٠ ـ ما يعمل في المصدر] :

ولا يعمل في المصدر إلّا فعل أو ما جرى مجراه ، ظاهرا أو مضمرا. فمثال عمله فيه ظاهرا : «ضربت زيدا ضربا» ، ومثال عمله فيه مضمرا قولهم : «ما أنت إلّا سيرا» ، تقديره : ما أنت إلّا تسير سيرا ، فأضمر الفعل. ويجوز تقديمه على العامل وتأخيره ما لم يمنع من ذلك مانع.

[١١ ـ ما يعمل في ظرف الزمان وظرف المكان والحال] :

فأمّا ظرف الزمان وظرف المكان والحال فقد يعمل فيها الفعل أو ما جرى مجراه وقد يعمل فيها معنى الفعل ، فمثال عمل الفعل فيها : «قام زيد خلفك يوم الجمعة ضاحكا» ، ألا ترى أن العامل في «خلفك» و «يوم الجمعة» و «ضاحك» : «قام» وهو فعل. ومثال عمل معنى الفعل في الحال قولك : «هذا زيد قائما» ، ألا ترى أنّ العامل في «قائما» ما في «ذا» من معنى الفعل الذي هو أشير أو «ها» من معنى «تنبّه».

ومثال عمله في الظروف قوله [من الرجز] :

٢٢٣ ـ * أنا أبو المنهال بعض الأحيان*

______________________

٢٢٣ ـ التخريج : الرجز لأبي المنهال في لسان العرب ١٣ / ٤٢ (أين) ؛ وبلا نسبة في الخصائص ٣ / ٢٧٠ ؛ والدرر ٥ / ٣١٠ ؛ وشرح شواهد المغني ٣ / ٨٤٣ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ١٠٧.

اللغة : أبو المنهال : لقب لعوف بن محلم الخزاعي.

الإعراب : أنا : ضمير رفع منفصل في محل رفع مبتدأ. أبو : خبر مرفوع بالواو لأنه من الأسماء الستة وهو مضاف. المنهال : مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة. بعض : مفعول فيه ظرف زمان مبني على الفتح في محل نصب متعلق بـ (أبو المنهال) وهو مضاف. الأحيان : مضاف إليه مجرور وسكّن لضرورة الشعر.

وجملة «أنا أبو المنهال» : ابتدائية لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : (بعض الأحيان) فقد تعلق الظرف بما فيه رائحة الحدث ، فقد تعلق بـ (أبو منهال) لأنه بمعنى (المشهور).

٣١٥

وقوله [من الرجز] :

* أنا ابن ماويّة إذ جدّ النّقر*

ألا ترى أنّ العامل في «بعض الأحيان» و «إذ» ما في «المنهال» وفي «ابن ماويّة» من معنى المشهور والمعروف. كأنّه قال : أنّا المشهور بعض الأحيان ، وأنا المعروف إذ جدّ النقر.

فإذا كان العامل فيها فعلا أو ما جرى مجراه جاز تقديمها على العامل ما لم يمنع من ذلك مانع ، نحو قولك : «خلفك قعدت» ، و «يوم الجمعة جئت» و «ضاحكا خرج زيد».

وإن كان العامل فيها معنى الفعل جاز التقديم أيضا ، فتقول : «إذ جدّ النقر أنا ابن ماويّة» ، و «بعض الأحيان أنا أبو المنهال». ومن كلامهم : «أكلّ يوم لك ثوب تلبسه»؟ العامل في «كل يوم» ما في «لك» من معنى الفعل ، كأنه قال : «أكلّ يوم مستقرّ لك ثوب تلبسه»؟ ولا يمكن أن يكون العامل فيه «تلبسه» ، لأنه صفة وتقديم المعمول يؤذن بتقديم العامل ، فيؤدّي ذلك إلى تقديم الصفة على الموصوف ، وذلك غير جائز. فلا يجوز أن يكون العامل في «أكلّ يوم» مضمرا يفسره «تلبسه» لأنّه لا يفسّر إلا ما يعمل ، و «تلبسه» لا يصحّ له العمل ، فلا يصحّ له التفسير.

[١٢ ـ تقديم الحال على العامل] :

وأما الحال فلا يجوز تقديمها على العامل إذا كان معنى ، فلا تقول في قولك : «هذا زيد ضاحكا» : «ضاحكا هذا زيد» ، ولا «ها ضاحكا ذا زيد» ، إن قدّرت العامل ما في «ذا» من معنى «أشير» ، فإن قدّرت العامل ما في «ها» من معنى «تنبّه» ، جاز ذلك لأنّ «ضاحكا» قد وقع بعد العامل وهو «ها».

وكذلك أيضا لا يجوز مثل : «زيد ضاحكا في الدار» ، لأنّ العامل في «ضاحكا» ما في الدار من معنى الفعل ، فكأنّك قلت : «زيد ضاحكا مستقرّ في الدار» ، وإنّما لم يجز ذلك في الحال لأنّ الباب في المعاني ألّا تعمل إلّا في المجرورات والظروف ، لأنّ الظروف

______________________

(١) تقدم بالرقم ٢٥.

٣١٦

مجرورات في التقدير بنيّة «في» ، وأمّا الحال فليست كذلك ، ألا ترى أنه ليس التقدير : «زيد في الدار في ضاحك».

وإنّما أعملت المعاني في الأحوال تشبيها بالظروف من حيث هي فضلة مثلها منتصبة بعد تمام الكلام على معنى «في» لا على تقديرها ، ألا ترى أنّ المعنى : زيد في الدار في حال أنّه ضاحك ، فلّما كانت مشبهة بالظروف والمجرورات ليتصرّفوا فيها بالتقديم على العامل إذا كان معنى كما تصرّفوا في المجرورات والظروف لأنّ المشبه لا يقوى قوّة ما شبّه به.

وأجاز أبو الحسن التقديم في الحال وجعلها في ذلك كالظروف ، واستدلّ على ذلك بقراءة من قرأ : والسماوات مطويات بيمينه (١) ، بنصب «مطويّات» ، وبقول الشاعر [من الكامل] :

٢٢٤ ـ رهط ابن كوز محقبي أدراعهم

فيهم [ورهط ربيعة بن حذار]

ألا ترى أنّه قدّم «مطويّات» وهو منصوب على الحال ، والعامل فيه ما في «بيمينه» من معنى الفعل. وكذلك قوله : «محقبي أدراعهم» ، العامل فيه ما في قوله : فيهم من معنى الفعل وقد تقدّم عليه. وهذا الذي ذهب إليه غير صحيح ، لأنّه لا يحفظ منه إلّا هذا وما لا بال له لقلته ، فلا ينبغي أن يجاوز ذلك قياسا على هذا القليل.

______________________

(١) الزمر : ٦٧.

٢٢٤ ـ التخريج : البيت للنابغة الذبياني في ديوانه ص ٥٥ ؛ وجمهرة اللغة ص ٨٢٥ ؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٤٣٧ ، ٥٥٧ ؛ والمقاصد النحوية ٣ / ١٧٠.

اللغة : رهط الرجل : قومه. كوز : اسم رجل من ضبّة. المحقب : المتاع الذي يوضع خلف الراكب في مؤخّر الرحل. الأدراع : ج الدرع.

الإعراب : رهط : مبتدأ مرفوع بالضمّة ، وهو مضاف. ابن : مضاف إليه مجرور بالكسرة ، وهو مضاف. كوز : مضاف إليه مجرور بالكسرة. محقبي : حال منصوب بالياء لأنّه جمع مذكر سالم ، وهو مضاف. أدراعهم : مضاف إليه مجرور ، وهو مضاف ، و «هم» : ضمير متصل مبنيّ في محلّ جرّ بالإضافة. فيهم : جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ. ورهط : «الواو» : حرف عطف ، و «رهط» : معطوف على «رهط» الأولى مرفوع ، وهو مضاف. ربيعة : مضاف إليه مجرور بالفتحة لأنّه ممنوع من الصرف. بن : نعت «ربيعة» مجرور بالكسرة ، وهو مضاف. حذار : مضاف إليه مجرور بالكسرة.

الشاهد فيه قوله : «محقبي أدراعهم» حيث وردت «محقبي» حالا من الضمير المستكنّ في الجار والمجرور الواقع خبرا ، وهو «فيهم» ، وهذا الضمير فاعل بالجار والمجرور ، لأنّ الجار والمجرور نابا مناب اسم فاعل أو فعل ماض ، ولمّا حذفا وأنيب عنهما الجار والمجرور انتقل الضمير الذي كان مستكنا في أحدهما إلى الجار والمجرور.

٣١٧

وأيضا فإنّه قد يتخرّج على أنّه قد يضمر لـ «محقبي» ول «مطويّات» عامل تقديره : أعني مطويات ، وأعني محقبي ، وتكون الجملة اعتراضا بين المبتدأ والخبر ، لأنّ فيها تشديد الكلام وتبيانه.

[١٣ ـ شروط الحال المبيّنة] :

ويشترط في الحال المبيّنة أن تكون نكرة أو في حكمها ، مشتقة أو في معناها ، منتقلة أو في حكمها ، قد تمّ الكلام دونها ، أو في حكم ذلك من معرفة أو مقاربة للمعرفة إن جاءت بعد ذي الحال ، ويقلّ وجودها من نكرة غير مقاربة للمعرفة وهي بعد ذي الحال ، فإن تقدّمت على ذي الحال كانت من المعرفة والنكرة. والمؤكّدة مثل ذلك إلّا في الانتقال ، فإنّ ذلك لا يشترط فيها.

فمثال مجيئها نكرة : «جاء زيد ضاحكا» ، ومثال مجيئها في حكم النكرة : «أرسلها العراك» ، و «طلبته جهدي» ، و «كلّمته فاه إلى فيّ» ، وأمثال ذلك ممّا يحفظ ولا يقاس عليه.

وإنّما كانت هذه في تقدير النكرة لأنّها ليست بالحال في الحقيقة ، وإنّما هي قائمة مقامها ، ألا ترى أنّ الحال في الأصل إنّما هي العوامل في هذه الأسماء في الحقيقة وهي نكرة ، وأنّ الأصل : «كلّمته جاعلا فاه إلى فيّ» ، و «أرسلها معتركة العراك» ، و «طلبته مجتهدا جهدي» ، و «جاعل» و «معتركة» و «مجتهد» أسماء نكرة ، لكن لمّا حذفناها وأقمنا هذه المعمولات مقامها أعربناها بإعرابهما ، ولذلك لا يجوز ذلك عندنا في الاسم الذي هو حال بنفسه ، فلا تقول : «قام زيد الضاحك» ، خلافا ليونس فإنّه يجيز ذلك قياسا على «أرسلها العراك» وأمثاله ، والفرق بينهما قد تقدّم.

والمشتقّة هي الأسماء التي أخذت من المصادر ، وذلك نحو قولك : «جاء زيد ضاحكا» ، ألا ترى أنّ «ضاحكا» مأخوذ من الضحك.

والتي في حكم المشتقّة هي التي في معنى ما أخذ من المصدر ، ومثال ذلك : «علّمته الحساب بابا بابا» ، ألا ترى أنّ «بابا» ليس بمشتق. لكن المعنى : علّمته الحساب فصلا فصلا ، فـ «فصلا» مشتق من التفصيل.

ومثال مجيئها منتقلة : «جاء زيد مسرعا» ، ألا ترى أنّ الإسراع صفة غير لازمة لزيد.

٣١٨

ومثال مجيئها في حكم المنتقلة قولك : «ولد زيد أزرق» ، ألا ترى أنّ «الزرق» غير منتقل ، إلّا أنّه في هذا الموضع يشبه المنتقل ، لأنّه قد كان يجوز أن يولد أزرق وغير ذلك. ولو قلت : «جاء زيد أزرق» ، لم يجز ، لأنّ زيدا أبدا استقرّ له الزرق قبل مجيئه ، فمحال أن يجيء إلّا وهو أزرق ، وإنّما يجوز ورود «أزرق» وأمثاله أحوالا بعد «ولد» أو ما في معناه.

ومن كلام العرب : «خلق الله الزرافة يديها أطول من رجليها» ، فـ «أطول» حال وإن كان صفة غير منتقلة لمجيئه بعد «خلق» ، ومثل ذلك قول الشاعر [من الطويل] :

٢٢٥ ـ فجاءت به سبط العظام كأنّما

عمامته بين الرجال لواء

ألا ترى أنّ معنى «سبط العظام» : طويل ، لكنّه ساغ ذلك لأن معنى «جاءت به» : ولدته كذلك.

ومن الناس من زعم أنّ الحال لا يشترط فيها الانتقال ، واستدلّ على ذلك بمجيء : «دعوت الله سميعا» ، ألا ترى أنّ «سميعا» من صفات الله تعالى. فهي لازمة لا تنتقل وكذلك : (هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً) (١). لأن التصديق للحق لازم. وهذا فاسد ، أما التصديق فغير لازم للحق ، لأنّ الحقّ قد يؤتى به لأنّه حقّ في نفسه لا لأن يصدّق به حق آخر ، وقد يؤتى به لأن يصدّق به حقّ آخر كالمعجزات ، فالتصديق إذن غير لازم للحقّ.

______________________

٢٢٥ ـ التخريج : البيت لبعض بني العنبر في خزانة الأدب ٩ / ٤٨٨ ؛ ولرجل من بني الجناب في المقاصد النحويّة ٣ / ٢١١ ؛ وبلا نسبة في أمالي المرتضى ١ / ٥٧١ ؛ وشرح الأشموني ١ / ٢٤٣ ؛ ولسان العرب ٧ / ٣٠٩ (سبط).

اللغة : سبط العظام : أي حسن الخلق والقامة.

المعنى : يقول : إنّه سويّ الخلق ، طويل القامة.

الإعراب : «فجاءت» : الفاء بحسب ما قبلها ، «جاءت» : فعل ماض ، والتاء للتأنيث ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : «هي». «به» : جار ومجرور متعلّقان بـ «جاء». «سبط» : حال منصوب ، وهو مضاف. «العظام» : مضاف إليه مجرور. «كأنّما» : حرف مشبّه بالفعل بطل عمله لدخول «ما» الكافة عليه. «عمامته» : مبتدأ مرفوع بالضمّة ، وهو مضاف ، والهاء ضمير متّصل مبنيّ في محلّ جرّ بالإضافة. «بين» : ظرف مكان منصوب على أنّه مفعول فيه ، وهو مضاف. «الرجال» : مضاف إليه مجرور. «لواء» : خبر المبتدأ مرفوع.

وجملة : «جاءت» بحسب ما قبلها. وجملة : «كأنما عمامته لواء» في محل نصب حال.

الشاهد فيه قوله : «سبط العظام» حيث ورد الحال وصفا ملازما غير منتقل على خلاف الغالب فيه.

(١) فاطر : ٣١.

٣١٩

وأما «دعوت الله سميعا» ، فـ «سميعا» فيه بمعنى : مجيبا ، لأنّ سمع قد يكون بمعنى أجاب ، ومنه : «سمع الله لمن حمده» ، أي : استجاب الله. فمعنى «دعوت الله سميعا» : دعوته مجيبا ، أي : مقدرا لأن يجيبني ، لأنّ الحال قد يكون بالمستقبل ، فيكون تقديره نحو قولك : «مررت برجل معه صقر صائدا به غدا» ، ألا ترى أنّ «صائدا» في معنى المستقبل.

فلا يتصوّر مجيئه حالا إلا على هذا التقدير ، كأنّك قلت : «معه صقر مقدّرا الآن الصيد به غدا».

ومثال مجيئها بعد تمام الكلام دونها : «جاء زيد راكبا» ، ألا ترى أنّك لو أسقطت «راكبا» من هذا الكلام ، فقلت : «جاء زيد» ، لبقي تامّا.

ومثال مجيئها في حكم ما هو بعد تمام الكلام : «ضربي زيدا قاعدا» ، وبابه ، أعني المصدر المبتدأ السادّ مسدّ خبره الحال.

وهذه الحال وإن كانت لازمة لا يجوز حذفها ، فالأصل فيها أن تكون غير لازمة قبل قيامها مقام الخبر ، ألا ترى أنّ الأصل : ضربي زيدا إذا كان قائما. أي إذا وجد على هذه الحال ، فحذف الخبر وأقيم الحال مقامه والخبر لازم ، فلزمت الحال لقيامها مقام الخبر اللازم.

ومن الناس من جعل الحال لازمة في قوله [من الخفيف] :

٢٢٦ ـ إنّما الميت من يعيش كئيبا

[كاسفا باله قليل الرجاء]

______________________

٢٢٦ ـ التخريج : البيت لعدي بن الرعلاء في تاج العروس ٥ / ١٠١ (موت) ؛ ولسان العرب ٢ / ٩١ (موت) ؛ والأصمعيّات ص ١٥٢ ؛ وخزانة الأدب ٩ / ٥٨٣ ؛ وسمط اللآلى ص ٨ ، ٦٠٣ ؛ وبلا نسبة في تهذيب اللغة ١٤ / ٣٤٣ ؛ وتاج العروس (حيي) ؛ والتنبيه والإيضاح ١ / ١٧٣.

اللغة : شرح المفردات : الميت : الذي فارق الحياة. الميّت : الذي يحتضر. وذهب بعضهم إلى أنّ اللفظتين بمعنى واجد. الكئيب : الحزين. الكاسف البال : المتغيّر الحال. الرجاء : الأمل.

المعنى : يقول ليس الميت من فارق الحياة واستراح من شقائها ، بل الميت هو الذي يعيش في هذه الحياة فاقد الأمل ، ملحّفا باليأس والشقاء.

الإعراب : إنّما : حرف مشبّه بالفعل بطل عمله لاتصاله بـ «ما» الزائدة. الميت : مبتدأ مرفوع بالضمّة الظاهرة. من : اسم موصول مبنيّ في محلّ رفع خبر المبتدأ. يعيش : فعل مضارع مرفوع بالضمّة الظاهرة ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره «هو». كئيبا : حال من الضمير المستتر الذي هو فاعل «يعيش» منصوبة بالفتحة. كاسفا : حال ثانية من الضمير ذاته. باله : فاعل «كاسفا» : مرفوع بالضمّة الظاهرة ، وهو مضاف ، ـ

٣٢٠