شرح جمل الزجّاجى - ج ١

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »

شرح جمل الزجّاجى - ج ١

المؤلف:

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-2263-0
ISBN الدورة:
2-7451-2263-0

الصفحات: ٥٨٤

وإن اتفق المعنى واختلف اللفظ نحو ما تقدّم من : «ذهب زيد وانطلق عمرو» ، فمذهب سيبويه والمبرد ومن أخذ بمذهبهما الإتباع والقطع في أماكن القطع. ومذهب أبي بكر القطع ليس إلّا لما نبيّن بعد.

وإن اتفق اللفظ والمعنى نحو ما تقدم من : «قام زيد وقام عمرو» ، فمذهب كافة النحاة الإتباع والقطع في أماكن القطع ، إلّا أبا بكر فإنّه يقطع ولا يجيز الإتباع إلا بشرط أن يقدر الاسم الثاني الذي يقطع بعده معطوفا على الاسم الأول ، ويكون العامل الثاني تأكيدا للأول غير عامل في الاسم الثاني ، فحينئذ يجوز الإتباع والقطع ، لأن العامل واحد ، نحو : «قام زيد قام عمرو» ، إذا جعلت «قام» الثاني تأكيدا للأول.

فأما امتناع تفريق النعوت وجمع المنعوتين في أسماء الإشارة ، فسبب ذلك أن كل نعت لا بد له من ضمير يعود على الموصوف لربطه به ، إلّا أسماء الإشارة فإنها لا توصف إلّا بالجوامد ، نحو : «مررت بهذا الرجل» ، وإن وصفت بالمشتق فعلى أن يكون قائما مقام الجامد ، نحو : «مررت بهذا العاقل» ، تريد بهذا الرجل العاقل ، فحذفت الموصوف وأقمت الصفة مقامه ، ولذلك يقل مجيئه بالمشتق في صفة المشار إليه. فإذا تقرر أنها توصف بالجوامد والجوامد لا تحتمل الضمير ، جعلوا نائبا عن الضمير في الربط كونه موافقا لموصوفه في الإفراد والتثنية والجمع ، فلذلك لم يجز أن تقول : مررت بهذين الطويل والقصير ، لأنك لو فعلت ذلك لزالت المشاكلة التي هي الرابط بين الصفة والموصوف في أسماء الإشارة كما تقدم.

وأما امتناع الإتباع إذا اختلف الإعراب فلأن أحد المنعوتين يطلب النعت مرفوعا والآخر يطلبه منصوبا أو مخفوضا ، ولا يتصور أن يكون اسم واحد في حين واحد مرفوعا وغير مرفوع.

وأما امتناع الإتباع إذا كان بعض المنعوتين مستفهما عنه وبعضهم غير مستفهم عنه فمن قبل أنّ النعت داخل فيما يدخل فيه المنعوت في المعنى ، فإذا قلت : من أخوك العاقل؟ فالعاقل مستفهم عنه كالأخ ، حتى كأنك قلت : «من العاقل»؟ والمستفهم عنه مجهول. وإذا قلت : «هذا زيد العاقل» ، فالعاقل خبر هذا كزيد ، حتى كأنك قلت ، «هذا العاقل» ، فالعاقل معلوم ، فلو قلت : «هذا زيد ومن أخوك العاقلان» ، على النعت لزيد والأخ ، لوجب أن يكون «العاقلان» معلوما مجهولا في حالة واحدة ، فلذلك عدل إلى القطع.

وأما امتناع الإتباع إذا اختلف جنس العامل فسببه أن النعت داخل في معنى المنعوت ، كما تقدم ، فإذا قلت : «قام زيد العاقل» ، فالعاقل فاعل في المعنى ، كأنك قلت : قام العاقل.

جمل الزجاجي / ج ١ / م ١١

١٦١

فإذا قلت : «هذا زيد وقام عمرو العاقلان» ، على الإتباع ، لكان «العاقلان» خبرا من حيث هو نعت للخبر ، ومخبرا عنه من حيث انه نعت الفاعل والفاعل مخبر عنه ، واسم واحد لا يكون خبرا ومخبرا عنه في حال واحدة. وكذلك حرفا الجر المختلفا المعنى بمنزلة العامل المختلف الجنس ، وذلك أنك إذا قلت : «مررت بزيد العاقل» ، فالعاقل ممرور به حتى كأنك قلت : «مررت بالعاقل». وإذا قلت : دخلت إلى أخيك الكريم ، فالكريم مدخول إليه كأنك قلت : «دخلت إلى الكريم» ، فلو قلت : «مررت بزيد ودخلت إلى أخيك العاقلين» ، لكان «العاقلين» وهو اسم مفرد مجرور على الإلصاق وعلى انتهاء الغاية ، واسم واحد لا ينجر على معنيين مختلفين.

وتوهّم الجرميّ أن منع ذلك إنما هو من طريق أنّ عاملين لا يعملان في معمول واحد ، وتقرر عنده أن العامل في النعت إنّما هو التبع كما نذهب نحن إليه ، فأجاز الإتباع وإنّما الامتناع عندنا لما ذكرت.

وأما امتناع الإتباع عند المبرد إذا اختلفت العوامل في اللفظ والمعنى ، نحو : «أقبل زيد وأدبر عمرو». أو في المعنى لا في اللفظ ، نحو : «وجد الضالة زيد ووجد على بكر عمرو» ، فمن طريق أنك إذا قلت : «أقبل زيد العاقل» ، فالعاقل في المعنى مقبل ، فكأنك إذا قلت : «أدبر زيد العاقل» ، فالمعنى أيضا : أدبر العاقل. فلو قلت : «أقبل زيد وأدبر عمرو العاقلان» ، على الإتباع لزيد وعمرو لكان «العاقلان» فاعلين ، على أن يكون أحدهما قد فعل خلاف فعل الآخر ، وذلك غير جائز عنده إذ لم يحضره لذلك نظير في كلامهم ، وهو عندنا جائز بدليل قولهم : اختلف الزيدان ، فالزيدان فاعل وقد فعل أحدهما خلاف ما فعل الآخر.

فإن قال : فقد اتفقا في جنس الاختلاف ، قيل له : وكذلك في مسألتنا قد اتفق زيد وعمرو في جنس الفعل.

وأما امتناع الإتباع إذا اتفق معنى العاملين واختلف لفظهما ، أو اتفق اللفظ والمعنى عند أبي بكر في نحو : «ذهب زيد وانطلق بكر وقام زيد وقام عمرو» ، فلأنّ العامل عنده في النعت العامل في المنعوت ، فيؤدي الإتباع عنده في ذلك إلى إعمال عاملين في معمول واحد ، فلذلك بطل الإتباع للمنعوتين إذا لم يعمل فيهم عامل واحد ؛ ولم يجز «قام زيد وقام عمرو العاقلان» ، على الإتباع إلّا بشرط تقدير «قام» الثاني تأكيدا على أنّ هذا التقدير يبعد لأن التأكيد حكمه أن يكون يلي المؤكّد ، فكان ينبغي أن يكون : «قام زيد وعمرو» ، ولمّا كان العامل عندنا في النعت إنّما هو الإتباع أجزنا الإتباع في هذه المسائل.

١٦٢

والذي يدل على أنّ العامل في النعت إنما هو التبع للمنعوت لا العامل في المنعوت ، أنّا قد وجدنا في النعوت ما لا يصحّ دخول العامل عليه ، نحو : «مررت بهم الجمّاء الغفير» ، ولا يجوز في «الغفير» إلّا أن يكون نعتا للجمّاء.

وكذلك أيضا وجدناهم يقولون : «ما زيد بأخيك العاقل» ، بالنصب على موضع الخبر ، ولا يتصور أن يكون العامل هو العامل في المنعوت ، وهو الباء ، لأن الباء إذا عملت في شيء جرته ، فدلّ ذلك على أنّ العامل فيه إنّما هو التبع له في اللفظ أو على المعنى.

فإن قيل : فلأيّ شيء لم ينعت المضمر ولم ينعت به؟

فالجواب : إنّه إنّما امتنع أن ينعت لأنّ المضمر ينقسم ثلاثة أقسام كما تقدّم. ضمير متكلم وضمير مخاطب وضمير غائب.

فأما ضمير الغائب فلا ينعت لأنه نائب مناب تكرير الاسم ، فكما أنّ الاسم إذا كرّر فلا ينعت ، فكذلك المضمر النائب منابه ، ألا ترى أنّك إذا قلت : «رأيت رجلا فضربت الرجل» ، لا يجوز أن تقول : «فضربت الرجل العاقل» ، لئلا يوهم من حيث وصفته بما لم تصف به الأول أنه غيره. وإذا قلت : «رأيت رجلا عاقلا فضربت الرجل العاقل» ، لم تزد في التكرار على ما ذكرت أولا ، وضمير الغيبة نائب مناب الاسم المكرر فينبغي أن لا يزاد كما لا يزاد على الاسم المكرر ، فإنّه كذلك لا يجوز أن تقول : ضربته العاقل.

فإن قيل : وأنت قد تقول : «لقيت رجلا فضربت الرجل المذكور» ، فتصفه بالمذكور.

فالجواب : إنكّ قصدت بنعته بالمذكور أن تذكر أنّك تعني الرجل المتقدّم الذكر لا غيره ، وإذا قلت : «زيد ضربته» ، فقد علم أنّه لا يمكن أن يراد بالضمير إلّا المتقدم الذكر فلذلك لم تحتج إلى نعته بالمذكور.

وأمّا ضمير المتكلم والمخاطب فلم ينعتا لأنّهما لم يدخلهما لبس.

فإن قيل : فهلّا نعتا على جهة المدح أو الذم أو الترحم ، إذ كونهما لا يدخلهما لبس إنّما يوجب أن لا ينعتا بنعت يكون القصد به رفع الاشتراك.

فالجواب : إنّ نعت المدح أو الذم أو الترحم بابه أن يكون مقطوعا ، لأنّ الموضع

١٦٣

موضع تعظيم ، فالأولى به أن تكثر فيه الجمل ؛ وإنما جاز الإتباع فيهما تشبيها بالنعت الذي هو لرفع الاشتراك من حيث هو نعت كما أنّه نعت ، فلما لم يجز أن تنعت ضمير المتكلم والمخاطب بنعت على طريقة إزالة الاشتراك لم يجز أن ينعتا بما أشبهه ، إذ من المحال وجود المشبّه دون المشبّه به ، فلهذا لم ينعت المضمر.

وامتنع أن ينعت به لأمرين : أحدهما أنّه ليس بمشتق ولا في حكمه. والآخر : أنه أعرف المعارف كما تقدّم فمن المحال أن ينعت به غيره من المعارف ، لأنّ النعت إنما يكون مساويا للمنعوت في التعريف ، أو أقل منه تعريفا.

[١٣ ـ الأسماء التي لا تنعت] :

واعلم أنه لم تنعت أسماء الشرط وأسماء الاستفهام وكم الخبرية وكل اسم متوغل في البناء ، نحو : الآن وأين ومن ومتى ، لأنّها وضعت على الإبهام ، فلو وصفت لكان الوصف لها تخصيصا ، فيخرجها عما وضعت له من الإبهام. ولم ينعت بها لأنها ليست بمشتقة ولا في حكمها.

وأما العلم فلم ينعت به لأنه ليس بمشتق ولا في حكمه ، لأنّ العلمية تذهب منه معنى الاشتقاق وإن كان لفظه لفظا مشتقا ، ونعت لأجل أنه قد يدخله اللبس. وكذلك سائر أسماء الجوامد لم ينعت بها لأنها ليست بمشتقة ولا في حكمها ، ونعتت لأجل اللبس الذي يدخلها.

وأما سائر الأسماء المشتقة وما في حكم المشتق ، فنعتت لأن اللبس أيضا يدخلها. ونعت بها لأجل الاشتقاق أو حكمه.

وإذا اجتمع في هذا الباب صفة هي اسم مع صفة هي في تقدير اسم ، قدّمت ما هو اسم على ما هو في تقديره ، وذلك نحو قولك : «مررت برجل قائم في الدار» ، إذا جعلت المجرور في موضع الصفة لرجل ولا يجوز أن تقول : «مررت برجل في الدار قائم» إلا في

١٦٤

ضرورة شعر أو في نادر كلام : قال امرؤ القيس [من الطويل] :

١١٠ ـ وفرع يغشّي المتن أسود فاحم

[أثيت كقنو النّخلة المتعثكل]

فقدّم يغشّي على أسود.

[١٤ ـ تقدّم الصفة على الموصوف] :

ولا يجوز تقدّم الصفة على الموصوف إلا حيث سمع ، وذلك قليل. قال الأستاذ (١):

وللعرب فيما وجد منه وجهان : أحدهما أن تقدّم الصفة وتبقيها على ما كانت عليه نحو قوله [من الرجز] :

١١١ ـ وبالطّويل العمر عمرا حيدرا

______________________

١١٠ ـ التخريج : البيت لامرىء القيس في ديوانه ص ١٦ ؛ ولسان العرب ٢ / ١١٠ (أثث) ، ١١ / ٤٢٥ (عثكل) ؛ وتهذيب اللغة ٣ / ٤١٥ ؛ وكتاب العين ٢ / ٣٠٨ ، ٨ / ٢٥٣ ؛ وتاج العروس ٥ / ١٥٣ (أثت) ، ٢١ / ٤٨٠ (فرع).

اللغة : الفرع : الشعر التام. يغشّي : يغطّي. المتن : الظهر. الفاحم : الشديد السواد. أثيث : كثير ، كثيف. قنو النخلة : عنقودها. المتعثكل : المتداخل بعضه في بعضه لكثرته ، المتراكب.

المعنى : وشعر حلوقي شديد السواد يغطّي ظهرها ، كثيف كأنه عنقود نخلة متراكب التمر.

الإعراب : وفرع : «الواو» : للعطف ، «فرع» : اسم معطوف على (جيد) في البيت السابق له ، مجرور بالكسرة. يغشي : فعل مضارع مرفوع بضمّة مقدّرة على الياء ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو) ؛ وفي رواية (يزين). المتن : مفعول به منصوب بالفتحة. أسود : صفة (فرع) مجرورة بالفتحة عوضا عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف. فاحم : صفة (أسود) مجرورة بالكسرة. أثيث : صفة (فرع) مجرورة بالكسرة. كقنو : جار ومجرور متعلّقان بصفة أخرى لـ (فرع). النخلة : مضاف إليه مجرور بالكسرة. المتعثكل : صفة (قنو) مجرورة بالكسرة.

وجملة «يغشي» : في محلّ جرّ صفة لـ (فرع).

والشاهد فيه قوله : «وفرع يغشي المتن أسود» حيث قدّم الجملة «يغشّي» الوصفية على الصفة الاسم. «أسود» ، وهذا من ضرورات الشعر ، أو من نادر الكلام.

(١) يريد شيخه الشلوبين.

١١١ ـ التخريج : الرجز بلا نسبة في المقرب ص ٦٧.

اللغة : الحيدر والحادر والحيدرة : الأسد ، والغلام السمين ، أو الحسن الجميل. ـ

١٦٥

فقدّم ، وقول الآخر [من البسيط] :

١١٢ ـ والمؤمن العائذات الطّير [تمسحها

ركبان مكّة بين الغيل والسّند]

فقدم. وفي إعراب مثل هذا وجهان ، أحدهما : أن تعرب. «العائذات» نعتا للطير مقدما ، والثاني : أن تجعل «الطير» مجرورا بالبدل ، و «العائذات» مجرورا بإضافة «المؤمن» إليه وتجعل ما بعدها «بدلا» منها.

والوجه الثاني من الوجهين المتقدمين : أن تضيف الصفة إلى الموصوف إذا قدمتها

______________________

ـ المعنى : يدعو له بالعمر الطويل ، والعمر الحسن.

الإعراب : وبالطويل : «الواو» : بحسب ما قبلها ، «بالطويل» : جار ومجرور متعلّقان بما قبلهما.

العمر : بدل من (الطويل). عمرا : مفعول به منصوب بالفتحة لفعل محذوف تقديره (أعني عمرا). حيدرا : صفة (عمرا) منصوبة بالفتحة.

والشاهد فيه قوله : «وبالطويل العمر» حيث قدّم الصفة (الطويل) على الموصوف (العمر) وأبقاها كما هي ، فالمقصود (وبالعمر الطويل).

١١٢ ـ التخريج : البيت للنابغة الذبياني في ديوانه ص ٢٥ وفيه «والسعد» مكان «والسند» ؛ وخزانة الأدب ٥ / ٧١ ، ٧٣ ، ١٨٣ ، ٨ / ٤٥٠ ، ٤٥١ ؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب ٩ / ٣٨٦ ؛ وشرح المفصل ٣ / ١١.

اللغة : المؤمن : اسم من أسماء الله ـ جلّ وعلا. العائذات : اللاجئات ، المستجيرات. الركبان : راكبو الإبل ، جماعة المسافرين. الغيل والسند : موضعان قرب مكّة.

المعنى : يقسم بالله ـ جل وعلا ـ الذي يجعل الطير المستجيرات به آمنات من اصطياد المسافرين إلى مكّة بين الغيل وبين السند.

الإعراب : والمؤمن : «الواو» : عاطفة ، «المؤمن» : مجرور لأنه معطوف على مضاف إليه ذكر فيما تقدم ، والجار والمجرور متعلّقان بفعل القسم المحذوف. العائذات : صفة مقدّمة لـ (الطير) منصوبة بالكسرة عوضا عن الفتحة لأنه جمع مؤنث سالم ، أو هو مضاف إلى (المؤمن) مجرور بالكسرة. الطير : مفعول به لاسم الفاعل (المؤمن) منصوب بالفتحة ، أو بدل من (العائذات). تمسحها : فعل مضارع مرفوع بالضمّة ، و «ها» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به. ركبان : فاعل مرفوع بالضمّة. مكة : مضاف إليه مجرور بالفتحة عوضا عن الكسرة لأنّه ممنوع من الصرف. بين : مفعول فيه ظرف مكان منصوب بالفتحة متعلق بالفعل (تمسحها). الغيل : مضاف إليه مجرور بالكسرة. والسند : «الواو» : للعطف ، «السند» : معطوف على (الغيل) مجرور بالكسرة.

وجملة «تمسحها» : في محلّ نصب حال.

والشاهد فيه قوله : «العائذات الطير» حيث قدّم الصفة (العائذات) على موصوفها (الطير) ، فأعربت بحسب موقعها ، وأعرب الموصوف بدلا منها.

١٦٦

عليه ، كقراءة من قرأ :(وأنه تعالى جد ربنا) (١) بضمّ الجيم ، أصله : ربّنا الجدّ ، أي : العظيم ، فقدّمت الصفة وحذفت منها الألف واللام وأضيفت إلى الموصوف ، ومثل ذلك قوله [من الكامل] :

يا قرّ إنّ أباك حيّ خويلد

قد كنت خائفه على الأحماق (٢)

يريد : خويلد الحيّ ، فقدّم وأضاف ، وتكون الصفة إذ ذاك معمولة للعامل الذي قبلها ، وتخرج عن كونها صفة.

[١٥ ـ حذف المنعوت] :

قال رضي‌الله‌عنه : ولا تخلو الصفة من أن تكون اسما أو ما في تقديره ، فإن كانت في تقدير اسم ، فلا يجوز حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه إلا مع «من» ، أو تكون الصفة صفة تمييز لنعم ، نحو قولك : «نعم الرجل يقوم» ، تريد : نعم الرجل رجلا يقوم ، وقولهم : «منّا ظعن ومنّا أقام». يريد منّا إنسان ظعن ومنّا إنسان أقام. قال ، رضي‌الله‌عنه (٣) : وما عدا ذلك لا تقام الصفة فيه مقام الموصوف إلّا في ضرورة شعر ، نحو قوله [من الرجز] :

١١٣ ـ لو قلت ما في قومها لم تيثم

يفضلها في حسب وميسم

______________________

(١) الجن : ٣.

(٢) تقدم بالرقم ١٠٥.

(٣) يريد أستاذه الشلوبين.

١١٣ ـ التخريج : الرجز لحكيم بن معيّة في خزانة الأدب ٥ / ٦٢ ، ٦٣ ؛ وله أو لحميد الأرقط في الدرر ٦ / ١٩ ؛ ولأبي الأسود الحماني في شرح المفصل ٣ / ٥٩ ، ٦١ ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ٧١ ؛ ولأبي الأسود الجمالي (وهذا تصحيف) في شرح التصريح ٢ / ١١٨ ؛ وبلا نسبة في الخصائص ٢ / ٣٧٠ ؛ وشرح الأشموني ٢ / ٤٠٠ ؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٥٤٧ ؛ والكتاب ٢ / ٣٤٥ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ١٢٠.

شرح المفردات : لم تيثم : أي لم تقع في الإثم أي الخطأ والكذب. يفضلها : يزيدها بالفضل. الحسب : الشرف. الميسم : الجمال.

المعنى : يقول : لو قلت إنّها تفوق بنات قومها في الحسن والجمال لم تخطىء ، فهي في الحقيقة تفوقهنّ حسبا وجمالا.

الإعراب : «لو» : حرف شرط غير جازم. «قلت» : فعل ماض ، والتاء ضمير في محلّ رفع فاعل. «ما» : حرف نفي. «في قومها» : جار ومجرور متعلّقان بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف تقديره : «ما في قومها أحد ...» ، وهو مضاف ، و «ها» ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. «لم» : حرف جزم. «تيثم» : فعل مضارع مجزوم بالسكون وحرّك بالكسر للضرورة الشعريّة. «يفضلها» : فعل مضارع مرفوع بالضمّة ، و «ها» ضمير في محلّ نصب مفعول به ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره «هو». «في حسب» : جار ومجرور متعلّقان ـ

١٦٧

يريد : أحد يفضلها ، على لغة من قال : أنا أعلم وأنت تعلم. ومثله قول النابغة [من الوافر] :

١١٤ ـ كأنّك من جمال بني أقيش

[يقعقع خلف رجليه بشنّ]

وقول الآخر [من الرجز]٠ :

١١٥ ـ والله ما ليلي بنام صاحبه

ولا مخالط اللّيان جانبه

______________________

ـ بـ «يفضلها». «وميسم» : الواو حرف عطف ، «ميسم» : معطوف على «حسب» مجرور بالكسرة.

وجملة : «لو قلت ...» الشرطية ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة : «ما في قومها» في محلّ نصب مقول القول. وجملة : «يفضلها» في محل رفع نعت المبتدأ المحذوف. وجملة «لم تيثم» جواب شرط غير جازم لا محلّ لها من الإعراب.

الشاهد : قوله : «ما في قومها يفضلها» حيث حذف المنعوت ، وأبقى النعت وهو جملة «يفضلها» ، وأصل الكلام : «لو قلت ما في قومها أحد يفضلها».

١١٤ ـ التخريج : البيت للنابغة الذبياني في ديوانه ص ١٢٦ ؛ وخزانة الأدب ٥ / ٦٧ ، ٦٩ ؛ وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٥٨ ؛ وشرح المفصل ٣ / ٥٩ ؛ والكتاب ٢ / ٣٤٥ ؛ ولسان العرب ٦ / ٣٧٣ (وقش) ، ٨ / ٢٨٦ ، ٢٨٧ (قعع) ، ١٣ / ٢٤١ (شنن) ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ٦٧ ؛ وبلا نسبة في سرّ صناعة الإعراب ١ / ٢٨٤ ؛ وشرح المفصل ١ / ٦١ ؛ ولسان العرب ٤ / ٢٣١ (خدر) ، ٦ / ٢٦٤ (أقش) ، ١٤ / ٢٧٢ (دنا) ؛ والمقتضب ٢ / ١٣٨.

اللغة : قعقع : صات. الشنّ : القربة اليابسة.

المعنى : يقول : إنّك جبان وضعيف تنفر كما تنفر جمال بني أقيش إذا ما سمعت صوت الشنّ وقعقعته.

الإعراب : كأنّك : حرف مشبّه بالفعل ، و «الكاف» : ضمير متّصل في محلّ نصب اسم «كأنّ» ، وخبرها محذوف. من : حرف جرّ. جمال : اسم مجرور بالكسرة ، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف نعت خبر «كأنّ» ، وهو مضاف. بني : مضاف إليه مجرور بالياء لأنّه ملحق بجمع المذكر السالم ، وهو مضاف. أقيش : مضاف إليه مجرور. يقعقع : فعل مضارع للمجهول. خلف : ظرف مكان متعلّق بـ «يقعقع» ، وهو مضاف. رجليه : مضاف إليه مجرور بالياء لأنّه مثنّى ، وهو مضاف ، و «الهاء» : ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. بشنّ : جار ومجرور متعلّقان بـ «يقعقع».

وجملة «كأنك ...» : ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «يقعقع» : في محلّ رفع نعت خبر كأنّ المحذوف.

الشاهد : قوله : «كأنك من جمال بني أقيش» حيث حذف المنعوت «جمل» وأبقى النعت ، والتقدير : «كأنّك جمل من جمال بني أقيش» ، وهذا للضرورة.

١١٥ ـ التخريج : الرجز للقنانيّ (أبي خالد) في شرح أبيات سيبويه ٢ / ٤١٦ ؛ وبلا نسبة في أسرار ـ

١٦٨

يريد برجل نام صاحبه. وقول الآخر [من الرجز] :

١١٦ ـ [ما لك عندي غير سوط وحجر

وغير كبداء شديدة الوتر]

ترمي بكفّي كان من أرمى البشر

يريد : بكفّي رجل كان من أرمى البشر ، وسنبيّن ذلك في الضرائر إن شاء الله تعالى.

______________________

ـ العربيّة ص ٩٩ ، ١٠٠ ؛ والإنصاف ١ / ١١٢ ؛ وخزانة الأدب ٩ / ٣٨٨ ، ٣٨٩ ؛ والخصائص ٢ / ٣٦٦ ؛ والدرر ١ / ٧٦ ، ٦ / ٢٤ ؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٥٤٩ ؛ وشرح المفصل ٣ / ٦٢ ؛ ولسان العرب ١٢ / ٥٩٥ (نوم) ؛ والمقاصد النحويّة ٤ / ٣ ؛ وهمع الهوامع ١ / ٦ ، ٢ / ١٢٠.

اللغة وشرح المفردات : المخالط : المعاشر. الليان : ضدّ الخشونة.

المعنى : يقسم بأنّه لم يعرف النوم في هذه الليلة ، وجانبه لم يعرف اللّين أيضا.

الإعراب : والله : الواو : واو القسم حرف جرّ ، الله : اسم الجلالة مجرور بالكسرة الظاهرة. والجار والمجرور متعلّقان بفعل القسم المحذوف تقديره «أقسم». ما : حرف نفي. ليلي : مبتدأ مرفوع بالضمّة المقدّرة على ما قبل الياء لانشغال المحلّ بالحركة المناسبة ، وهو مضاف ، والياء : ضمير متّصل مبني في محلّ جرّ بالإضافة. وقد تكون «ليلي» اسم «ما» العاملة عمل «ليس» على رأي الحجازيين مرفوعا. بنام : الباء : حرف جرّ زائد ، مجروره محذوف تقديره : «ما ليلي بليل مقول فيه نام صاحبه». نام : فعل ماض مبنيّ على الفتحة الظاهرة. صاحبه : فاعل مرفوع بالضمّة الظاهرة ، وهو مضاف ، والهاء : ضمير متّصل مبني في محلّ جرّ بالإضافة. ولا : الواو حرف عطف ، «لا» : حرف نفي. مخالط : معطوف على «ليلي» مرفوع بالضمّة الظاهرة ، وقد تكون نعتا لـ «الليل» المحذوف تبعا للفظه ، وهو مضاف. الليان : مضاف إليه مجرور بالكسرة. جانبه : فاعل «مخالط» مرفوع بالضمّة الظاهرة ، وهو مضاف ، والهاء ضمير متّصل مبنيّ في محلّ جرّ بالإضافة.

وجملة القسم ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «ما ليلي بليل» لا محلّ لها من الإعراب لأنها جواب القسم. وجملة «نام صاحبه» الفعليّة في محلّ رفع أو جر صفة لـ «ليل» المحذوف.

الشاهد فيه قوله : «ما ليلي بنام صاحبه» حيث حذف المنعوت «ليل» وأبقى النعت ، والتقدير : «وما ليلي بليل نام صاحبه».

١١٦ ـ التخريج : الرجز بلا نسبة في خزانة الأدب ٥ / ٦٥ ؛ والخصائص ٢ / ٣٦٧ ؛ والدرر ٦ / ٢٢ ؛ وشرح الأشموني ٢ / ٤٠١ ؛ وشرح التصريح ٢ / ١١٩ ؛ وشرح شواهد المغني ١ / ٤٦١ ؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٥٥٠ ؛ وشرح المفصل ٣ / ٦٢ ؛ ولسان العرب ١٣ / ٣٧٠ (كون) ، ٤٢١ (منن) ؛ ومجالس ثعلب ٢ / ٥١٣ ؛ والمحتسب ٢ / ٢٢٧ ؛ ومغني اللبيب ١ / ١٦٠ ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ٦٦ ؛ والمقتضب ٢ / ١٣٩ ؛ والمقرب ١ / ٢٢٧ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ١٢٠.

اللغة : الكبداء : القوس الواسعة المقبض. الوتر : مجرى السهم من القوس. أرمى : فعل تفضيل من مى يرمي ، أي الأشدّ رماية وإصابة. ـ

١٦٩

وإن كانت الصفة اسما لم تجز إقامتها مقام الموصوف إلا بشرط أن يقدم الموصوف في الذكر ، نحو : «أعطني ماء ولو باردا» ، يريد : ولو ماء باردا ، فحذف «ماء» لدلالة المقدّم عليه. أو تكون الصفة خاصة بجنس الموصوف ، نحو : «مررت بكاتب» ، يريد : برجل كاتب ، لأنّ الكتب خاص بجنس العقلاء ، أو تكون الصفة قد استعملتها العرب استعمال الأسماء ، وحفظ ذلك عنها ، نحو : «الأبطح» (١) و «الأبرق» (٢) ، في صفة المكان ، والأدهم يعنون القيد ، والأسود يعنون الحيّة ، والأخيل (٣) يعنون الطائر. وسنبيّن كونها صفات في باب ما ينصرف وما لا ينصرف ، إن شاء الله تعالى.

وما عدا ذلك لا يجوز فيه حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه إلا في ضرورة الشعر ،

______________________

ـ المعنى : يهدّد أحدهم بقوله : ليس لك عندي خير ، بل سهم مصيب ، وحجر قاتل ، وقوس شديدة ، تعطي أفضل ما لديها عند ما يستخدمها من كان أفضل الرّماة.

الإعراب : «ما» : نافية لا عمل لها. «لك» : جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدّم. «عندي» : «عند» : مفعول فيه ظرف مكان منصوب بالفتحة المقدّرة على ما قبل ياء المتكلم ، متعلق بمحذوف خبر مقدم ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. «غير» : مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. «سهم» : مضاف إليه مجرور بالكسرة. «وحجر» : «الواو» : حرف عطف ، «حجر» : اسم معطوف على مجرور ، مجرور مثله بالكسرة ، وسكّن لضرورة الشعر. «وغير» : «الواو» : حرف عطف ، «غير» : اسم معطوف على مرفوع ، مرفوع مثله بالضمّة. «كبداء» : مضاف إليه مجرور بالفتحة عوضا عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف. «شديدة» : صفة «كبداء» مجرورة بالكسرة. «الوتر» : مضاف إليه مجرور بالكسرة ، وسكّن لضرورة الشعر. «جادت» : فعل ماض مبني على الفتح ، و «التاء» : تاء التأنيث الساكنة ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هي). «بكفي» : جار ومجرور بالياء لأنه مثنى ، متعلّقان بـ «جادت». «كان» : فعل ماض ناقص. «من أرمى» : جار ومجرور بالكسرة المقدّرة على الألف ، متعلّقان بخبر «كان» المحذوف. «البشر» : مضاف إليه مجرور بالكسرة ، وسكّن لضرورة الشعر.

وجملة «ما لك عندي» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «جادت» : في محلّ جرّ صفة لـ «كبداء». وجملة «كان» : في محل جرّ صفة للمضاف إليه المحذوف (بكفي رجل كان).

والشاهد فيه قوله : «بكفي كان» حيث حذف الموصوف (رجل) وأبقى صفته ، وهي جملة : (كان من أرمى البشر) ، والتقدير : (بكفّي رجل كان من أرمى البشر).

(١) الأبطح : المسيل الواسع فيه دقائق الحصى.

(٢) الأبرق : أرض غليظة فيها حجارة ورمل.

(٣) الأخيل : طائر من الشقراق منقّط.

١٧٠

نحو قوله [من الهزج] :

١١٧ ـ وقصري شنج الأنسا

ءنبّاج من الشّعب

يريد : وقصري ثور شنج الأنساء ، وشنج الأنساء ليس بخاصّ ببقر الوحش ، بل قد يوصف بشنج النساء الفرس والغزال.

[١٦ ـ الفصل بين النعت ومنعوته] :

قال (١) : واعلم أنه لا يجوز الفصل بين الصفة والموصوف بأجنبي ، ونعني بالأجنبي ما ليس بصفة ، إلا أن يكون الفاصل جملة اعتراض ، وجملة الاعتراض هي التي يكون فيها تأكيد الكلام وتبيين لمعنى من معانيه ، فمن ذلك قوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) (٢) ، ففصل بين القسم وصفته وهو «عظيم» بقوله : «لو تعلمون» ، لأنّ تقدير الكلام لو تعلمون ذلك لتبينتم أنّه عظيم وقوله : لو تعلمون ذلك لتبيّنتم أنّه عظيم وتأكيد لمعنى قوله تعالى :

______________________

١١٧ ـ التخريج : البيت لأبي دؤاد الإيادي في ديوانه ص ٢٨٨ ؛ وأدب الكاتب ص ١١٧ ؛ والدرر ٦ / ٢٠ ؛ ولسان العرب ١ / ٥٠٢ (شعب) ، ٢ / ٣١٠ (شنج) ، ٦٠٩ (نبح) ، ٥ / ١٠٣ (قصر) ؛ والمعاني الكبير ص ١٤٢ ؛ وبلا نسبة في المقرب ١ / ٢٨٨ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ١٢٠.

اللغة : القصريان والقصيريان والقصيرتان : ضلعان يليان الترقوتين ، أو هما آخر أضلاع الجنب. شنج الأنساء : متقبّضها ، وهو مدح له ، فإذا تقبّض نساه وشنج لم تسترخ رجلاه. النباج : الشديد الصوت. الشعب : جمع أشعب وهو المتباعد القرنين.

المعنى : يصف ثورا وحشيّا ، بأنه شديد الصوت ، متباعد القرنين.

الإعراب : وقصري : «الواو» : بحسب ما قبلها ، «قصري» : بحسب ما قبل الواو ، وحذفت النون لأنه مضاف. شنج : مضاف إليه مجرور بالكسرة (أو صفة لموصوف محذوف). الأنساء : مضاف إليه مجرور بالكسرة. نباج : صفة ثانية للموصوف المحذوف (أو بدل من شنج) مجرورة بالكسرة. من الشعب : جار ومجرور متعلقان بصفة محذوفة للموصوف المحذوف.

والشاهد فيه قوله : «قصري شنج» حيث أراد : وقصري ثور شنج الأنساء فحذف الموصوف وهو (الثور) ، وأقام الصفة (شنج) مقامه. وهذا غير جائز إلّا في ضرورة الشعر.

(١) يريد أستاذه الشلوبين.

(٢) الواقعة : ٧٦.

١٧١

(وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) (١). ولا يجوز فيما عدا ذلك إلا في ضرورة شعر ، نحو قوله [من الطويل] :

١١٨ ـ أمرّت من الكتّان خيطا وأرسلت

رسولا إلى أخرى جريّا يعينها

ففصل بالمجرور الذي هو «إلى أخرى» بين «رسول» وصفته وهو «جريّ» ؛ وقول الآخر وهو لبيد [من الرمل]

١١٩ ـ فصلقنا في مراد صلقة

وصداء ألحقتهم بالثّلل

______________________

(١) الواقعة : ٧٦.

١١٨ ـ التخريج : البيت بلا نسبة في الخصائص ٢ / ٣٩٦ ؛ والمحتسب ٢ / ٢٥٠ ؛ والمقرب ١ / ٢٢٨.

اللغة : أمرّت : جعلته يمرّ ، أو فتلته. جريّا : مسرعا في الجري ، والجريّ : الرسول ، والوكيل ، والأجير (للواحد والمؤنّث والجمع).

المعنى : بدأت تتزين بجعل خيط الكتان يمرّ مفتولا على أماكن الشعر الناعم لينتزعه ، وأرسلت رسولا مسرعا في جريه إلى صاحبتها تطلب عونها ؛ أو أرسلت رسولا إلى أجيرتها أو وكيلتها أو ما شطتها لتساعدها.

الإعراب : أمرّت : فعل ماض مبني على الفتح ، و «التاء» : للتأنيث ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هي). من الكتان : جار ومجرور متعلّقان بحال من (خيط). خيطا : مفعول به منصوب بالفتحة. وأرسلت : «الواو» : للعطف ، «أرسلت» : فعل ماض مبني على الفتح ، و «التاء» : للتأنيث ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هي). رسولا : مفعول به منصوب بالفتحة. إلى أخرى : جار ومجرور بكسرة مقدّرة على الألف متعلّقان بـ (أرسلت). جريا : صفة (رسولا) منصوبة بالفتحة. يعينها : فعل مضارع مرفوع بالضمة ، و «ها» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هي) يعود على «الجريّ».

وجملة «أمرت» : بحسب ما قبلها ، أو ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «وأرسلت» : معطوفة عليها. وجملة «يعينها» : في محلّ نصب صفة أو نصب حال من (رسولا) بعد ما وصفه.

والشاهد فيه قوله : «رسولا إلى أخرى جريّا» حيث فصل بين الموصوف (رسولا) وصفته (جريّا) بالجار والمجرور (إلى أخرى) وهذا من ضرورات الشعر.

١١٩ ـ التخريج : البيت للبيد بن ربيعة في ديوانه ص ١٩٣ ؛ ولسان العرب ١ / ١٠٨ (صدأ) ، ١٠ / ٢٠٥ (صلق) ، ١١ / ٩٠ (ثلل) ؛ وتهذيب اللغة ٨ / ٣٧٠ ، ١٥ / ٦٥ ؛ وجمهرة اللغة ص ٨٤ ؛ ومقاييس اللغة ١ / ٣١٩ ، ٣ / ٣٠٦ ؛ وديوان الأدب ٢ / ١٧٦ ؛ وتاج العروس (ثلل) ؛ ومجمل اللغة ٣ / ٢٣٩ ؛ وكتاب العين ٥ / ٦٣ ، ٨ / ٢١٦ ؛ وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٨٩٤.

اللغة : صلقهم : أوقع بهم وقعة شديدة منكرة ، وصلقه بالعصا : ضربه. صداء ومراد : قبيلتان عربيتان. الثلل : الهلاك. ـ

١٧٢

ففصل بين «صلقة» وصفته وهو «ألحقتهم» بالمعطوف.

ولا يقاس على شيء من ذلك.

[١٧ ـ إضافة المنعوت إلى نعته] :

وقد تضيف العرب الموصوف إلى صفته ، إلا أنّ ذلك من القلة بحيث لا يقاس عليه ، لأنّ فيه إضافة الشيء إلى نفسه ، لأنّ الصفة هي الموصوف في المعنى ، فمن ذلك : «صلاة الأولى» ، و «مسجد الجامع» ، و «دار الآخرة» ، يريدون : الصلاة الأولى ، والمسجد الجامع ، والدار الآخرة.

______________________

ـ المعنى : أوقعنا بقبيلتي صداء ومراد وقعة منكرة ، فأهلكنا منهم الكثير ، وألحقناهم بمن أهلكنا قبلهم.

الإعراب : فصلقنا : «الفاء» : بحسب ما قبلها ، «صلقنا» : فعل ماض مبني على السكون ، و «نا» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. في مراد : جار ومجرور متعلقان بـ (صلقنا). صلقة : مفعول مطلق منصوب بالفتحة. وصداء : «الواو» : حرف عطف ، «صداء» : اسم معطوف على (مراد) مجرور بالكسرة. ألحقتهم : فعل ماض مبني على الفتح ، و «التاء» : للتأنيث ، و «هم» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هي). بالثلل : جار ومجرور متعلّقان بـ (ألحق) ، وسكّن المجرور لضرورة القافية.

وجملة «فصلقنا» : بحسب الفاء. وجملة «ألحقتهم» : في محلّ نصب صفة لـ (صلقة).

والشاهد فيه قوله : «صلقة وصداء ألحقتهم» حيث فصل بين الموصوف (صلقة) وصفته (ألحقتهم) بحرف العطف والاسم المعطوف ، وهذا الفصل من ضرورات الشعر.

١٧٣

باب العطف

[١ ـ تعريف عطف النسق] :

العطف ينقسم قسمين : عطف بيان ، وعطف نسق. فعطف النسق : هو حمل اسم على اسم ، أو فعل على فعل ، أو جملة على جملة ، بشرط توسّط حرف من الحروف التي وضعتها العرب لذلك.

فقولنا : «حمل اسم على اسم أو فعل على فعل أو جملة على جملة» ، لأنّه لا يجوز العطف فيما عدا ذلك ، فإن وجد اسم معطوفا على فعل ، أو فعل معطوفا على اسم ، فلا بدّ أن يكون الاسم في تقدير الفعل أو الفعل في تقدير الاسم. وكذلك إن وجدت جملة معطوفة على مفرد أو مفردا معطوفا على جملة ، فلا بدّ أن تكون الجملة في تقدير المفرد أو المفرد في تقدير الجملة. وسنبيّن ما جاء من ذلك في موضعه من الباب إن شاء الله تعالى.

[٢ ـ حروف العطف] :

والحروف التي وضعها العرب لذلك هي عند أهل البصرة : الواو ، والفاء ، وثمّ ، وحتى ، وأو ، وإمّا ، وأم. وبل ، ولا ، ولكن. وهذه الحروف تنقسم ثلاثة أقسام :

قسم اتفق النحويون على أنّه ليس بحرف عطف إلّا أنّهم أوردوه من حروف العطف لمصاحبته لها ، وهو إمّا. والذي يدل على أنه ليس بحرف عطف ، شيئان : أحدهما : مجيئه

١٧٤

مباشرا للعامل فتقول : «قام إمّا زيد وإمّا عمرو» ، فتلي «إمّا» «قام» ، وحرف العطف إنّما يكون بعد المعطوف عليه.

والآخر : أنّها لما جاءت في محل العطف دخلت عليها الواو ، فقلت : «وإمّا عمرو» ، وحرف العطف لا يدخل عليه حرف عطف.

وقسم اختلف النحويون في كونه من حروف العطف وهو «لكن» ، فمذهب يونس أنّها ليست بعاطفة ، واستدل على ذلك بدخول حرف العطف عليها ، قال تعالى : (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ) (١). فـ «رسول الله» معطوف على خبر «كان» ، ولو كانت «لكن» هي العاطفة لم يدخل عليها حرف العطف.

ومذهب سيبويه أنّها عاطفة لأنّها إذا دخل عليها حرف العطف تخلّصت للاستدراك ولم تكن عاطفة ، ومثال العاطفة : «ما قام زيد لكن عمرو» (٢). فإن قيل : إنّ العرب لا تستعمل «لكن» إلّا مع الواو ، فالجواب : إنّه قد حكي من كلامهم : «ما مررت برجل صالح لكن طالح» ، بغير واو.

فإن قيل : فلعل «لكن» هنا غير عاطفة ، و «طالح» هنا محمول على إضمار فعل لدلالة ما تقدّم عليه ، كأنّه قيل : «لكن مررت بطالح». فالجواب : إن إضمار الخافض وإبقاء عمله لا يجوز إلّا في ضرورة شعر ، نحو قوله [من الخفيف] :

١٢ ـ رسم دار وقفت في طلله

[كدت أقضي الحياة من جلله]

______________________

(١) الأحزاب : ٤٠.

(٢) انظر المسألة الثامنة والستين في كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف ص ٤٨٤ ـ ٤٨٨.

١٢٠ ـ التخريج : البيت لجميل بثينة في ديوانه ص ١٨٩ ؛ والأغاني ٨ / ٩٤ ؛ وأمالي القالي ١ / ٢٤٦ ؛ وخزانة الأدب ١٠ / ٢٠ ؛ والدرر ٤ / ٤٨ ، ١٩٩ ؛ وسمط اللآلي ص ٥٥٧ ؛ وشرح التصريح ٢ / ٢٣ ؛ وشرح شواهد المغني ١ / ٣٩٥ ، ٤٠٣ ؛ ولسان العرب ١١ / ١٢٠ (جلل) ؛ ومغني اللبيب ص ١٢١ ؛ والمقاصد النحوية ٣ / ٣٣٩ ؛ وبلا نسبة في الإنصاف ١ / ٣٧٨ ؛ والجنى الداني ص ٤٥٤ ، ٤٥٥ ؛ والخصائص ١ / ٣٨٥ ، ٣ / ١٥٠ ؛ ورصف المباني ص ١٥٦ ، ١٩١ ، ٢٥٤ ، ٥٢٨ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ص ١ / ١٣٣ ؛ وشرح الأشموني ٢ / ٣٠٠ ؛ وشرح ابن عقيل ص ٣٧٣ ؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٢٧٤ ؛ وشرح المفصل ٣ / ٢٨ ، ٧٩ ، ٨ / ٥٢ ؛ ومغني اللبيب ص ١٣٦ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ٣٧.

شرح المفردات : الرسم : بقيّة الدار أو غيرها بعد رحيل أهلها. الطلل : ما شخص من آثار الدار كالوتد والأثافي. أقضي : أموت. الجلل : الخطب العظيم. ـ

١٧٥

يريد : ربّ رسم دار. أو في نادر كلام لا يقاس عليه ، نحو : «خير عافاك الله» ، يريد : بخير عافاك الله ، فتبيّن إذن أنّ الصحيح في لكن أنّها من حروف العطف.

وقسم لا خلاف بينهم أنّه من حروف العطف وهو ما بقي. قال الأستاذ (١) : وزاد البغداديون في حروف العطف «ليس» ، واستدلّوا على ذلك بقوله [من الرمل] :

١٢١ ـ وإذا ولّيت قرضا فاجزه

إنّما يجزي الفتى ليس الجمل

فـ «الجمل» عنده معطوف على «الفتى» بـ «ليس» ، كأنه قال : لا الجمل ، وهذا لا حجة فيه لاحتمال أن يكون «الجمل» اسم «ليس» وخبره محذوف لفهم المعنى ، كأنه قال :

______________________

ـ المعنى : يقول : ربّ آثار دار غادرها أهلها ، وقفت أتأمّل أطلالها فكدت ممّا أصابها من بلاء أموت حزنا عليها.

الإعراب : «رسم» : اسم مجرور لفظا بـ «ربّ» المحذوفة مرفوع محلّا على أنّه مبتدأ ، وهو مضاف. «دار» : مضاف إليه مجرور. «وقفت» : فعل ماض ، والتاء ضمير متّصل في محلّ رفع فاعل. «في طلله» : جار ومجرور متعلقان بـ «وقفت» ، وهو مضاف ، والهاء ضمير متّصل مبنيّ في محلّ جرّ بالإضافة. «كدت» : فعل ماض ناقص من أفعال المقاربة ، والتاء ضمير في محلّ رفع اسم «كاد». «أقضي» : فعل مضارع مرفوع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره : «أنا». «الحياة» : مفعول به منصوب. «من جلله» : جار ومجرور متعلّقان بـ «أقضي» ، وهو مضاف ، والهاء ضمير في محلّ جرّ بالإضافة.

وجملة : «رسم دار وقفت» ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة : «وقفت في طلله» في محل رفع نعت «رسم». وجملة : «كدت ...» في محلّ رفع خبر المبتدأ. وجملة : «أقضي» في محلّ نصب خبر «كاد».

الشاهد فيه قوله : «رسم دار» حيث أضمر الخافض وأبقى عمله فقد جرّ «رسم» بـ «ربّ» المحذوفة.

(١) يريد أستاذه الشّلوبين.

١٢١ ـ التخريج : البيت للبيد بن ربيعة في ديوانه ص ١٧٩ ؛ والأزهية ص ١٨٢ ، ١٩٦ ؛ وخزانة الأدب ٩ / ٢٩٦ ، ٢٩٧ ، ٣٠٠ ، ١١ / ١٩٠ ، ١٩١ ؛ وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٤٠ ؛ وشرح التصريح ٢ / ١٣٥ ؛ والكتاب ٢ / ٣٢٣ ؛ ومجالس ثعلب ص ١٦٩ ، ٥١٥ ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ١٧٦ ؛ وبلا نسبة في المقتضب ٤ / ٤١٠.

شرح المفردات : فاجزه : كافئة بمثله. الفتى : الإنسان اللبيب. الجمل : الجاهل.

الإعراب : «وإذا» : الواو بحسب ما قبلها ، «إذا» : ظرف زمان يتضمّن معنى الشرط ، متعلّق بجوابه. «ولّيت» : فعل ماض للمجهول ، والتاء ضمير في محلّ نائب فاعل. «قرضا» : مفعول به ثان منصوب. «فاجزه» : الفاء رابطة جواب الشرط ، «اجزه» فعل أمر مبنيّ على حذف حرف العلّة ، والهاء ضمير في محلّ نصب مفعول به ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره : «أنت». «إنّما» : حرف حصر. «يجزي» : فعل ـ

١٧٦

ليس الجمل جازيا. وقد يجوز حذف خبر «ليس» في ضرورة الشعر ، نحو قوله [من الكامل] :

١٢٢ ـ لهفي عليك للهفة من خائف

يبغي جوارك حين ليس مجير

يريد : ليس في الدنيا مجير ، فحذف «في الدنيا» وهو الخبر ، لفهم المعنى.

وزاد الكوفيون في أدوات العطف : كيف وأين وهلّا ، واستدلوا على ذلك بأنّ العرب تقول : «ما أكلت لحما فكيف شحما» ، و «ما يعجبني لحم فكيف شحم» ، و «لقيت زيدا

______________________

ـ مضارع مرفوع. «الفتى» : فاعل مرفوع. «ليس» : حرف عطف ينفي عمّا بعده ما ثبت لما قبله. «الجمل» : معطوف على الفتى مرفوع ، وسكّن للضرورة الشعرية.

وجملة : «إذا ولّيت ... فاجزه» الشرطية بحسب ما قبلها. وجملة «ولّيت ...» في محلّ جرّ بالإضافة. وجملة «اجزه» جواب شرط غير جازم لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «يجزي» استئنافية لا محلّ لها من الإعراب.

الشاهد فيه قوله : «ليس الجمل» حيث وردت «ليس» حرف عطف بمعنى «لا» النافية.

١٢٢ ـ التخريج : البيت للشمردل بن عبد الله الليثي في شرح التصريح ١ / ٢٠٠ ؛ وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٢٧ ؛ والمقاصد النحوية ٢ / ١٠٣ ؛ وللتميميّ الحماسيّ في الدرر ٢ / ٦٣ ؛ وللتّيمي في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٩٥٠ ؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٦ / ٨٢ ؛ وجواهر الأدب ص ٢٠٥ ؛ ومغني اللبيب ٢ / ٦٣١ ؛ وهمع الهوامع ١ / ١١٦.

شرح المفردات : اللهفة : التحسّر. يبغي : يريد. المجير : المعين.

المعنى : يقول : إنّي أتحسّر عليك تحسّر خائف يريد الاستجارة بك في وقت عزّ فيه المجير.

الإعراب : «لهفي» : مبتدأ مرفوع ، وهو مضاف ، والياء ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. «عليك» : جار ومجرور متعلّقان بـ «لهف». «للهفة» : جار ومجرور متعلّقان بخبر المبتدأ المحذوف. «من خائف» : جار ومجرور متعلّقان بـ «لهفة» أو بمحذوف نعت لـ «لهفة». «يبغي» : فعل مضارع مرفوع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره «هو». «جوارك» : مفعول به منصوب ، وهو مضاف ، والكاف ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. «حين» : ظرف زمان منصوب متعلّق بـ «يبغي». «ليس» : فعل ماض ناقص. «مجير» : اسم «ليس» مرفوع ، وخبر «ليس» محذوف للضرورة.

وجملة : «لهفي عليك ...» ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة : «يبغي جوارك» في محلّ جرّ نعت «خائف». وجملة : «ليس مجير موجودا» في محل جرّ بالإضافة.

والشاهد فيه قوله : «ليس مجير» حيث حذف خبر «ليس» ، ضرورة.

جمل الزجاجي / ج ١ / م ١٢

١٧٧

فأين عمرا» ، و «هذا زيد فأين عمرو» ، و «ضربت زيدا فهلّا عمرا» ، و «جاءك زيد فهلّا عمرو» ، وقالوا : فمجيء الاسم الذي بعد هذه الأدوات من الإعراب على حسب إعراب الاسم المتقدم دليل على أنها للعطف ، قلت : وهذا خطأ ، لأنها لو كانت للعطف لعطفت المخفوض على المخفوض لأنه لم يوجد من حروف العطف ما يعطف المرفوع والمنصوب ولا يعطف المخفوض. وهم يقولون : «ما مررت برجل فكيف بامرأة»؟ ولا يقولون : فكيف امرأة ، فدلّ ذلك على أنها ليست بعاطفة ، وأنّ ما بعدها إذا كان مرفوعا أو منصوبا محمول على إضمار فعل ، فكأنّك قلت : فكيف آكل شحما؟ وفكيف يعجبني عمرو؟ وفأين ألقى عمرا؟

وأما «فأين عمرو»؟ فعمرو مبتدأ و «أين» في موضع خبره ، فكأنّك قلت : فهلّا لقيت عمرا وفهلّا جاء عمرو» ؛ فإن قيل : فهلا قلت : فكيف امرأة ، على تقدير : فكيف مررت بامرأة؟ فالجواب : إنّ إضمار الخفض وإبقاء عمله لا يجوز كما تقدم إلا في ضرورة الشعر أو نادر الكلام.

ومما يدلّ على أنّ «كيف» ، و «هلّا» ، و «أين» ليست من حروف العطف دخول حرف العطف عليها وهو الفاء.

قال الأستاذ : والحروف المذكورة تنقسم قسمين ؛ قسم يشرك في اللفظ والمعنى ، وقسم يشرك في اللفظ لا في المعنى. فالذي يشرك في اللفظ والمعنى هو الواو ، والفاء ، وثمّ ، وحتى ، ألا ترى أنّك إذا قلت : «قام القوم حتى زيد» ، و «قام زيد فعمرو ، أو ثمّ عمرو» ، فإنّ المعطوف في ذلك كله شريك المعطوف عليه في الإعراب والقيام؟

والحروف المشركة في اللفظ لا في المعنى ما بقي ، ألا ترى أنّك إذا قلت : «قام زيد أو عمرو» أو «قام زيد لا عمرو» ، فإنّ القائم أحدهما والآخر ليس كذلك ، وكذلك سائر ما بقي.

١٧٨

[٣ ـ الواو] :

قال الأستاذ : فأما الواو فللجمع بين الشيئين من غير ترتيب ولا مهلة. فإذا قلت : «قام زيد وعمرو» ، احتمل الكلام ثلاثة معان ، أعني أن يكون زيد قام قبل عمرو ، أو عمرو قام قبل زيد بمهلة أو غير مهلة ، وأن يكونا قاما معا.

وزعم بعض الكوفيين أنّها للترتيب ، فإذا قلت : «قام زيد وعمرو» ، فالقائم أولا ـ على مذهبه ـ زيد وعمرو بعده بلا مهلة. واستدلوا بقوله تعالى : (إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها) (١) ، قال : فزلزال الأرض قبل إخراجها أثقالها والواو هي التي دلّت على ذلك.

قلت : وهذا عندنا خطأ ، وإنّما فهم أنّ زلزال الأرض قبل إخراجها أثقالها من طريق المعنى. والذي يدل على أنّ الواو ليست بمنزلة الفاء أنّها لو كانت بمنزلتها لم يجز : «اختصم زيد وعمرو» ، كما لا يجوز «اختصم زيد فعمرو». ومما يدلّ أيضا على أن الواو لا ترتّب قول أميّة بن أبي الصلت [من المتقارب] :

١٢٣ ـ فملّتنا أنّنا المسلمو

ن على دين صدّيقنا والنّبي

______________________

(١) الزلزلة : ١ ـ ٢.

١٢٣ ـ التخريج : البيت للصلتان العبدي في الكامل ص ١١٠١ ؛ والشعر والشعراء ص ٥٠٧ ؛ ولم أقع عليه في ديوان أمية بن أبي الصلت.

اللغة : الملّة (بكسر الميم) : الشريعة أو الدين. صدّيقنا : أبو بكر الصدّيق ، أوّل خليفة للمسلمين بعد وفاة النبي محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم).

المعنى : ندين بدين الإسلام ، دين نبيّنا محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) وصديقه وخليفته أبي بكر.

الإعراب : فملتنا : «الفاء» : بحسب ما قبلها ، «ملّة» : مبتدأ مرفوع بالضمة ، و «نا» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. أننا : «أنّ» : حرف مشبّه بالفعل ، و «نا» : ضمير متصل في محلّ نصب اسم (أنّ). المسلمون : خبر (أنّ) مرفوع بالواو لأنه جمع مذكّر سالم. على دين : جار ومجرور متعلّقان بصفة محذوفة لـ (المسلمون) ، بتقدير (المسلمون السائرون على دين). صديقنا : مضاف إليه مجرور بالكسرة ، و «نا» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. والنبي : «الواو» : للعطف ، «النبي» : اسم معطوف على (صديق) مجرور بالكسرة وسكّن لضرورة القافية ، والمصدر المؤول من (أنّ) ومعموليها خبر للمبتدأ (ملة).

وجملة «فملتنا ...» : بحسب الفاء.

والشاهد فيه قوله : «صديقنا والنبي» حيث لم تأت (الواو) للترتيب.

١٧٩

ولو كانت أيضا للترتيب لقدّم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم على الصّدّيق لشرفه. وقول الآخر أيضا ، وهو حسان بن ثاتب [من الطويل]

١٢٤ ـ بهاليل منهم جعفر وابن أمّه

عليّ ومنهم أحمد المتخيّر

ولو كانت للرتيب لقدّم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم على جعفر وابن أمّه. وقوله [من الطويل] :

١٢٥ ـ فقلت له لمّا تمطّى بجوزه

وأردف أعجازا وناء بكلكل

______________________

١٢٤ ـ التخريج : البيت لحسان بن ثابت في ديوانه ص ٢٢٤ ؛ وأساس البلاغة (بهل).

اللغة : البهاليل : جمع بهلول وهو السيد الشريف الجامع لكل خير. جعفر : هو جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب ، أخو الخليفة الرابع علي بن أبي طالب. أحمد : هو النبيّ العربي محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم).

المعنى : إنهم سادة جامعون لكل خير ، نذكر منهم النبي المصطفى (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ، وعليّ بن أبي طالب وأخاه جعفر الطيّار.

الإعراب : بهاليل : خبر لمبتدأ محذوف مرفوع بالضمّة ، بتقدير (هم بهاليل). منهم : جار ومجرور متعلّقان بخبر محذوف للمبتدأ (جعفر). جعفر : مبتدأ مرفوع بالضمّة ، وخبره محذوف ، تقديره (جعفر بهلول منهم). وابن : «الواو» : حرف عطف ، «ابن» : اسم معطوف على (جعفر) مرفوع بالضمة. أمّه : مضاف إليه مجرور بالكسرة ، و «الهاء» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. علي : بدل من (ابن) مرفوع بالضمّة.

ومنهم : «الواو» : حرف عطف ، «منهم» : جار ومجرور متعلّقان بخبر مقدم محذوف لـ (أحمد). أحمد : مبتدأ مرفوع بالضمّة. المخيّر : صفة (أحمد) مرفوعة بالضمّة.

وجملة «هم بهاليل» : ابتدائيّة لا محلّ لها. وجملة «جعفر منهم» : صفة لـ (بهاليل) محلها الرفع ، أو خبر ثان للمبتدأ (هم) المحذوف. وجملة «وأحمد منهم» : معطوفة على سابقتها في محلّ رفع.

والشاهد فيه قوله : «جعفر وابن أمّه علي وأحمد» حيث لم تأت (الواو) لتفيد الترتيب ، فلو كانت للترتيب لقال : أحمد وعلي وجعفر.

١٢٥ ـ التخريج : البيت لامرىء القيس في ديوانه ص ١٨ ؛ ولسان العرب ١١ / ٥٩٧ (كلل) ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ١٢٧.

اللغة : تمطّى : تمدّد. الجوز : وسط الشيء ، ومعظمه. أردف : أتبع. الأعجاز : جمع عجز وهو المؤخّر من كلّ شيء. ناء : تعب ، أو نهض مجهدا مما يحمل. الكلكل : الصدر.

المعنى : يتابع وصف الليل الذي بدأ به في البيت السابق ، فيصفه بأنه كالبعير الذي يمدّد وسطه ، ويتبعها بتمديد آخر فقرات ظهره ، متعبا مما يحمله صدره ، وهذا كناية عن طول ليله ، وبالتالي كناية عن كثرة همومه ومشاغله التي تمنعه من النوم.

الإعراب : فقلت : «الفاء» : بحسب ما قبلها ، «قلت» : فعل ماض مبني على السكون ، و «التاء» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. له : جار ومجرور متعلّقان بـ (قلت). لما : ظرفيّة بمعنى (حين) في محلّ نصب مفعول فيه متعلق بالفعل (قلت). تمطى : فعل ماض مبني على الفتح المقدّر على الألف ، و «الفاعل» : ـ

١٨٠