شرح جمل الزجّاجى - ج ١

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »

شرح جمل الزجّاجى - ج ١

المؤلف:

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-2263-0
ISBN الدورة:
2-7451-2263-0

الصفحات: ٥٨٤

ولا عنها ، وذلك مع التركيب بالعطف. فإن لم تعطف بعضها على بعض كانت موقوفة ، فقلت : واحد اثنان ثلاثة أربعة. وكذلك المبتدأ ارتفع لتعريه مع تركيبه بالإخبار عنه ، إذن قد ثبت أنّ التعرّي رافع.

وما زعم ابن كيسان من أنّ هذا المذهب يفسده كون ذلك مؤديا إلى أن يكون وجود العامل أضعف من عدمه إن قدّرت أن التعرية عن عامل نصب أو خفض ، لأنّ التعرية تعمل رفعا ووجود العامل الذي قدّرت التعرية عنه يعمل نصبا أو خفضا ، وعامل الرفع أقوى من عامل النصب والخفض ، إذ قد يعمل النصب والخفض معنى الفعل وليس كذلك الرفع ، وإن قدّرت التعرية عن عامل رفع كان وجود العامل وعدمه سواء ، وإنّما ينبغي أن يكون الشيء موجودا أقوى منه معدوما.

وهذا باطل لأنّا لا نعني بالتعرية أكثر من أنّ الاسم المبتدأ لا عامل له ، وإنّما كان يلزم ما ذكرنا لو قدّرنا أنه قد كان له عامل ثم حذف.

وفي الرافع أيضا للخبر أربعة أقوال ، فمنهم من ذهب إلى أنه مرفوع بالابتداء الذي ارتفع به المبتدأ (١). وهذا باطل لأنه قد تقدم إبطال إعمال الابتداء. وأيضا فإنّه قد يؤدّي إلى إعمال عامل واحد ، وهو الابتداء ، في معمولين رفعا من غير أن يكون أحدهما تابعا للآخر ، وهما المبتدأ والخبر ، وذلك لا نظير له.

ومنهم من ذهب إلى أنّ المبتدأ هو الرافع للخبر (٢) ، وذلك باطل بدليلين : أحدهما أنّ المبتدأ قد يرفع فاعلا ، نحو قولك : «القائم أبوه ضاحك» ، ولو كان رافعا للخبر لأدّى ذلك إلى إعمال عامل واحد في معمولين رفعا من غير أن يكون أحدهما تابعا للآخر ، وذلك لا نظير له كما تقدّم ، والآخر أنّ المبتدأ قد يكون اسما جامدا ، نحو : «زيد» ، والعامل إذا كان غير متصرّف لم يجز تقديم معموله عليه ، والمبتدأ يجوز تقديم الخبر عليه ، فدلّ ذلك على أنّه غير عامل فيه. وإلى هذا المذهب ذهب سيبويه لكنّه عندي باطل لما ذكرت لك.

ومنهم من ذهب إلى أنّ الخبر يرتفع بالابتداء والمبتدأ معا وذلك أيضا فاسد ، لأنّه أيضا يؤدّي إلى منع تقديم الخبر ، لأنّه لا يتقدّم المعمول إلّا إذا كان العامل لفظا متصرفا ، ولا يردّ على هذا المذهب بأنّه يؤدّي إلى إعمال عاملين في معمول واحد لأنّه لا يجعل

______________________

(١) قال بذلك فريق من البصريين. انظر : الإنصاف في مسائل الخلاف ص ٤٤ ـ ٥١.

(٢) قال بذلك الكوفيون وجماعة من البصريين منهم سيبويه. انظر : الإنصاف مسائل الخلاف ٤٤ ـ ٥١.

٣٤١

للابتداء عملا على انفراد والمبتدأ كذلك ، بل يكونان ، إذا اجتمعا ، العاملين في الخبر ويتنزلان عنده منزلة الشيء الواحد.

ومنهم من ذهب إلى أنّ الرافع له تعرّيه من العوامل اللفظية ، وهو الصحيح عندي لأنّه قد تقدّم استقرار عمل الرفع للتعرّي في كلامهم.

[٩ ـ تعدّد المبتدأ] :

يعرض في هذا الباب كثرة المبتدآت وذلك على وجهين : أحدهما : أن تذكر المبتدآت معرّاة من ضمير يتصل بها ، فإذا كان كذلك فإنك تخبر عن المبتدأ الأخير بخبره ، وتجعل الجملة من المبتدأ والخبر في موضع خبر المبتدأ الذي قبلها ، ثم تجعل هذه الجملة في موضع خبر المبتدأ الذي قبلها حتى تنتهي إلى المبتدأ الأول. وقد تقدّم أنه لا بدّ في الجملة من رابط فتأتي بعد خبر المبتدأ الآخر بالروابط على عدد المبتدآت المخبر عنها بالجمل ، فيكون ترتيب الروابط على حسب ترتيب المبتدآت في الذكر ، فتجعل أوّل الروابط لآخر المبتدآت والذي يليه من الروابط الذي يلي الأقرب من المبتدآت ، وكذلك سائر الروابط يكون الأمر فيها على حسب هذا الترتيب ، وذلك نحو قولك : «زيد عمرو بكر هند ضاربته في داره من أجله» (١) ، فـ «هند» مبتدأ وخبره «ضاربته» ، وفيه ضمير يعود على «هند» مستتر ، والجملة من المبتدأ والخبر التي هي هند ضاربته في موضع خبر «بكر» ، والضمير المنصوب في ضاربته يعود عليه ، و «بكر» وخبره في موضع خبر «عمرو» ، والعائد عليه الضمير الذي في «داره» ، و «عمرو» وخبره في موضع خبر «زيد» ، والعائد عليه الضمير في قولك : «من أجله» ، فكذلك جميع ما جاء من هذه المسائل إن طالت.

وتلخيص هذا النوع من المسائل لمن رام فهم معانيها أن تثبت المبتدأ الأخير وتخبر عنه بخبره ، ثم تجعل بدل كلّ مضمر الظاهر الذي كان المضمر عائدا عليه.

فإذا قيل : ما معنى قولك : «زيد عمرو بكر هند ضاربته في داره من أجله»؟ قيل : معنى ذلك : هند ضاربة بكر في دار عمرو من أجل زيد.

والثاني من تكرار المبتدآت أن تضيف كل مبتدأ إلى ضمير يعود على المبتدأ الذي قبله ، ثم تجري المبتدأ الآخر مجراه ، ويكون هو وخبره في موضع خبر ما قبله إلى أن تنتهي

______________________

(١) تلاحظ الصنعة في هذا المثال ، ومن المؤكّد أن العرب لم تنطق به ولا بأمثاله. وإنّما أتى به النحويون أو بعضهم لتدريب المتعلّمين.

٣٤٢

إلى المبتدأ الأول. ولا تحتاج في هذه المسائل إلى ذكر ضمائر بعد الآخر لاقتران كلّ مبتدأ بضمير يعود على المبتدأ الذي قبله ، وذلك نحو قولك : «زيد عمه خاله أخوه أبوه قائم» ، فـ «أبوه» مبتدأ و «قائم» خبره ، والجملة في موضع خبر «الأخ» ، و «الأخ» وخبره في موضع خبر «الخال» ، و «الخال» وخبره في موضع خبر «العمّ» ، و «العمّ» وخبره في موضع خبر «زيد». وكلّ جملة من هذه الجمل فيها ضمير يعود على المبتدأ الذي وقعت خبرا له ، وهو الضمير المضاف إليه المبتدأ.

وتلخيص هذا النوع من المسائل أنّ تضيف المبتدأ الآخر إلى الذي قبله ، والذي قبله إلى الذي قبله إلى أن تنتهي إلى المبتدأ الأول ، ثم تأتي بعد ذلك بالخبر. فإن قيل لك : ما معنى : «زيد عمّه خاله أخوه أبوه قائم»؟ فقل : معنى ذلك : أبو أخي خال عمّ زيد قائم ، وكذلك تفعل بهذا النوع من المسائل وإن طالت.

واعلم أنّ المبتدأ لا يقتضي أزيد من خبر واحد إلّا بالعطف ، نحو قولك : «زيد راكب وضاحك» إلّا أن تريد أنّ الخبر مجموعهما لا كلّ واحد منهما على انفراده ، فيكون معنى قولك : «زيد ضاحك راكب» ، جامع للضحك والركوب في حين واحد ، فلا تحتاج إلى عطف لأنّهما خبران في اللفظ ، وبالنظر إلى المعنى خبر واحد ، فمن ذلك قول العرب : حلو حامض ، ألا ترى أن قولك : «حلو حامض» ، نائب مناب «مزّ» ، حتى كأنّك قلت : «هذا مزّ». ومن ذلك قوله [من الطويل] :

ينام بإحدى مقلتيه ويتّقي

المنايا بأخرى فهو يقظان هاجع (١)

كأنه قال : فهو خبيث متحرّز ، أي : فهو جامع للنوم واليقظة في حين واحد. ومن ذلك قول الآخر [من الرجز] :

٢٣٧ ـ من يك ذا بتّ فهذا بتّي

مقيّظ مصيّف مشتّي

______________________

(١) تقدم بالرقم : ٦٦.

٢٣٧ ـ التخريج : الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص ١٨٩ ؛ وجمهرة اللغة ص ٦٢ ؛ والدرر ٢ / ٣٣ ؛ والمقاصد النحوية ١ / ٥٦١ ؛ وبلا نسبة في الإنصاف ٢ / ٧٢٥ ؛ وتخليص الشواهد ص ٢١٤ ؛ والدرر ـ

٣٤٣

أي : فهذا كسائي صالح للقيظ والصيف والشتاء ، وصلاحيّته لهذا الفصول في حين واحد ، وكذلك قول الآخر [من الطويل] :

٢٣٨ ـ أترضى بأنّا لم تجفّ دماؤنا

وهذا عروس باليمامة خالد

ألا ترى أنّ المشار إليه قد جمع في حين واحد أنّه خالد وأنّه عروس. فهذا النوع هو الذي لا يحتاج فيه إلى حرف العطف ، وما عدا ذلك فلا بدّ من حرف العطف.

______________________

ـ ٥ / ١٠٩ ؛ وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٣ ؛ وشرح الأشموني ١ / ١٠٦ ؛ وشرح المفصل ١ / ٩٩ ؛ والكتاب ٢ / ٨٤ ؛ ولسان العرب ٢ / ٨ (بتت) ، ٧ / ٤٥٦ (قيظ) ، ٩ / ٢٠١ (صيف) ، ١٤ / ٤٢١ (شتا) ؛ وهمع الهوامع ١ / ١٠٨ ، ٢ / ٦٧.

اللغة : البتّ : الكساء ، أو طيلسان من خزّ. المقيّظ : الذي يكفي للقيظ أي الحرّ. المصيّف : الذي يكفي للصيف. المشتّي : الذي يكفي للشتاء.

المعنى : يقول : إذا كان لامرىء كساء ، فإن لي كساء يكفيني لجميع الفصول.

الإعراب : «من» : اسم شرط جازم مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ. «يك» : فعل مضارع ناقص مجزوم ، لأنّه فعل الشرط ، وعلامة جزمه السكون على النون المحذوفة ، واسمه ضمير مستتر تقديره : «هو». «ذا» : خبر «يك» منصوب بالألف لأنّه من الأسماء الستّة ، وهو مضاف. «بتّ» : مضاف إليه مجرور. «فهذا» : الفاء رابطة جواب الشرط ، «هذا» : اسم إشارة في محلّ رفع مبتدأ. «بتّي» : خبر المبتدأ مرفوع ، وهو مضاف ، والياء ضمير متّصل في محلّ جرّ بالإضافة. «مقيّظ» : خبر أول لمبتدأ محذوف تقديره : «هو» مرفوع. «مصيّف» : خبر ثان للمبتدأ المحذوف «هو». «مشتّي» : خبر ثالث للمبتدأ «هو» ، والياء للإشباع.

وجملة : «من يك ...» ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة : «يك ذا بتّ» في محل رفع خبر المبتدأ. وجملة «فهذا بتّي» في محلّ جزم جواب الشرط. وجملة : «هو مقيظ» في محل رفع صفة لـ «بتي».

الشاهد فيه قوله : «فهذا بتّي مقيّظ ، مصيّف ، مشتي» حيث وردت أخبار متعدّدة لمبتدأ واحد من غير عطف.

٢٣٨ ـ التخريج : لم أقع عليه فيما عدت إليه من مصادر.

اللغة : العروس : للمذكّر والمؤنث ما داما في إعراسهما. اليمامة : موضع.

المعنى : أتراك راضيا بنتائج هذه المعركة في اليمامة ، ودماؤنا ما زالت ساخنة ، وعروسنا الشهيد خالد مقيم على أرض اليمامة.

الإعراب : أترضى : «الهمزة» : حرف استفهام ، «ترضى» : فعل مضارع مرفوع بضمّة مقدّرة على الألف ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (أنت). بأنّا : «الباء» : حرف جرّ ، «أنّ» : حرف مشبّه بالفعل ، ـ

٣٤٤

.....

______________________

ـ و «نا» : ضمير متصل في محلّ نصب اسم (أنّ). لم تجف : «لم» : حرف جزم وقلب ونفي ، «تجف» : فعل مضارع مجزوم ، وحرّك بالفتح منعا لالتقاء الساكنين. دماؤنا : فاعل مرفوع بالضمّة ، و «نا» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. وهذا : «الواو» : حاليّة ، «هذا» : اسم إشارة في محلّ رفع مبتدأ. عروس : خبر مرفوع بالضمّة. باليمامة : جار ومجرور متعلّقان بصفة من (عروس). خالد : خبر ثان لـ (هذا) مرفوع بالضمّة ، والمصدر المؤول من (أن) ومعموليها ، مجرور بالياء ، والجار والمجرور متعلقان بالفعل (ترضى).

وجملة «أترضى» : ابتدائيّة لا محلّ لها. وجملة «لم تجفّ» : في محلّ رفع خبر (أنّ). وجملة «هذا عروس» : في محلّ نصب حال.

والشاهد فيه قوله : «وهذا عروس خالد» حيث ورد خبران لمبتدأ واحد «هذا» دون حاجة إلى حرف عطف بينهما.

٣٤٥

باب الاشتغال

[١ ـ تعريف الاشتغال] :

الاشتغال هو أن يتقدّم اسم ويتأخّر عنه فعل متصرّف أو ما جرى مجراه يعمل في ضميره أو في سببه ، ولو لم يعمل فيهما لعمل في الاسم الأول أو في موضعه.

فقولنا : «فعل متصرّف» ، تحرّز من غير المتصرّف من نحو : «نعم» و «بئس» وأفعال التعجّب ، وما جرى مجراها في عدم التصرّف.

وقولنا : «وما جرى مجراه» ، الذي جرى مجراه هو اسم الفاعل واسم المفعول بمعنى الحال والاستقبال والأمثلة التي تعمل عمل اسم الفاعل والمصدر الموضوع موضع الفعل نحو : «ضربا زيدا» ، تريد : «اضرب زيدا».

وقولنا : «قد عمل في ضميره» ، الضمير معلوم والسببيّ هو الاسم المضاف إلى ضمير الاسم الأول مباشرة أو بواسطة. فالمباشرة : «زيد ضربت غلامه» ، والمضاف بواسطة : «زيد ضربت غلام أخيه». والموصوف بما فيه ضمير الأول ، كقولك : «زيد ضربت رجلا يكرمه» ، أو المعطوف عليه اسم قد اتصل به ضمير يعود على الاسم الأول عطف بيان ، نحو : «زيد ضربت عمرا أخاه» ، إذا كان «عمرا» أخا «زيد».

أو المعطوف عليه اسم قد اتصل به ضمير الأول بالواو خاصة ، نحو : «زيد ضربت رجلا وأخاه» ، فإن عطفت عليه بغير واو لم تجز المسألة لأنّك إذا قلت : «زيد ضربت رجلا ثمّ أخاه» ، كانت الجملة من قولك : «ضربت رجلا» ، في موضع الخبر ولا ضمير يعود منها على المبتدأ ، ولا يعتد بالضمير الذي اتصل بالآخر ، لأنّك عطفته بـ «ثمّ» ، و «ثم» تجعل

٣٤٦

الثاني بعد الأول بمهلة ، فكأنّك قلت : «زيد ضربت رجلا» ، واستقل الكلام ثم أخبرت بعد ذلك بضربك للأخ. فإذا قلت : «زيد ضربت رجلا وأخاه» ، فليس كذلك لعدم المهلة في الواو ، كأنك قلت : «زيد ضربت رجلا مع أخيه» ، وكذلك البدل لأنّه على تقدير تكرار العامل ، فإذا قلت : «زيد ضربت عمرا أخاه» ، وجعلت «الأخ» بدلا ، فكأنّك قلت : «زيد ضربت عمرا ضربت أخاه» ، فتخلو الجملة التي هي في موضع الخبر من ضمير يعود على المبتدأ.

وقولنا : «ولو لم يعمل فيهما لعمل في الاسم الأول» ، مثال ذلك : «زيد ضربته» ، و «زيد ضربت أخاه» ، ألا ترى أنّ «ضربت» لو لم يعمل في الضمير ولا في «الأخ» لنصب «زيدا» ، فكنت تقول : «زيدا ضربت».

وقولنا : «أو في موضع الاسم المتقدّم» تحرّز من : «زيد قام» ، لأنّ زيدا لم يكن يرتفع هنا بالحمل على فعل مضمر لكون «قام» عامل في موضعه لو كان فيه ظرف أو مجرور أو حال ، ولو لم يعمل في موضعه لم يصح له أن يفسّر لأنّه لا يفسّر إلا ما يصحّ له العمل به إمّا في اللفظ ، وإمّا في الموضع ، إلّا أنّ الفعل إذا عمل في موضع الاسم ، لم يفسّر حتى يضاف إليه أمر آخر ، وهو أن يكون في الكلام ما يطلب الفعل كأدوات الاستفهام وشبهها ، مثال ذلك قوله تعالى : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ) (١). وإذا عمل في اللفظ لم يحتج إلى شيء من ذلك.

[٢ ـ حكم الاسم في الاشتغال] :

واعلم أنّ الاسم الذي يشتغل عنه العامل لا يخلو أن يتقدّمه شيء أو لا يتقدّمه ، فإن لم يتقدّمه شيء ، فلا يخلو أن يكون العامل في الضمير أو السببيّ رفعا أو نصبا أو جرّا ، فإن عمل فيه رفعا ، فالرفع على الابتداء ليس إلّا ، نحو : «زيد قام» ، و «زيد قام أخوه» ، وإن عمل نصبا أو خفضا جاز في الاسم وجهان : الرفع على الابتداء والنصب على إضمار فعل.

فالرفع على الابتداء أحسن لعدم تكلّف الإضمار ، والنصب في بعض هذه المسائل أقوى منه

______________________

(١) التوبة : ٦.

٣٤٧

في بعض ، فـ «زيدا ضربته» أقوى من : «زيدا ضربت أخاه» ، و «زيدا ضربت أخاه» أحسن من : «زيدا مررت به» ، و «زيدا مررت به» ، أحسن من : «زيدا مررت بأخيه» ، ألا ترى أنّ تقدير الفعل في الوجهين الأخيرين : «لابست زيدا مررت به» ، وأحسن من هذا أن تقول : «لقيت زيدا مررت به» ، لأنّ المرور به أدلّ على اللقاء منه على الملابسة.

قلت : فإن قيل : فهلّا أجزتم في الاسم ، إذا عمل في ضمير أو سببه جرّ ، الخفض كما كان منصوبا إذا عمل فيه النصب؟

فالجواب : إنّك لو خفضت فقلت : «زيد مررت به» ، على تقدير : مررت بزيد مررت به ، لأدّى ذلك إلى إضمار الخافض وإبقاء عمله مع أنه أضعف العوامل ، وهذا لا يجوز ، فإن قلت : فهلّا قالوا : «بزيد مررت به» ، ولم يضمر الخافض؟

فالجواب : إن الخافض قد يتنزّل من الفعل منزلة الجزء منه ، لأنّه يصل إلى معموله كما يصل بهمزة النقل ، فكما لا يجوز إضمار بعض اللفظة وإبقاء بعضها ، فكذلك لا يجوز هذا. فلما تعذّر الخفض عدلوا إلى النصب بإضمار فعل لقرب النصب من الخفض ، ألا ترى أنّهما قد اشتركا في الضمير ، نحو قولك : «ضربتك» ، و «مررت بك» ، وأنّ كلّ واحد منهما فضلة ، وأنّ المجرور في المعنى منصوب إذ لا فرق في المعنى بين قولك : «مررت بزيد» ، و «لقيت زيدا». هذا ما لم يدخل على العامل حرف من حروف الصدور ، وهي «ما» النافية ، وأدوات الاستفهام ، وأدوات الشرط ، وأدوات التحضيض ، و «إنّ» ، ولام الابتداء ، ولام القسم ، أو يقع صلة لموصول ، أو صفة لموصوف.

فإن دخل عليه شيء مما ذكرنا ، أو وقع في الموضعين اللذين ذكرنا ، لم يجز إلّا الرفع على الابتداء ، وذلك نحو قولك : «زيد ما ضرتبه» ، و «زيد أضربته»؟ و «زيد إن تكرمه يكرمك» ، و «زيد إنّه يضربه عمرو» ، و «زيد ليضربنّه عمرو» ، و «زيد هلّا ضربته» ، و «زيد أنا رجل يحبّه» ، و «أذكر أن تلد ناقتك أحبّ إليك أم أنثى»؟

جميع هذا وأشباهه مرفوع أبدا على الابتداء ، وإنّما لم يجز لهذه العوامل أن تفسّر عاملا في اسم لأنّه لا يفسّر إلّا ما يصلح له العمل.

وكذلك الصفة والموصوف ، لأنّ الصفة والموصوف كالشيء الواحد ، فلو عملت الصفة في اسم متقدم على الموصوف لم يجز ، لأنّ ذلك يؤول إلى تقديم الصفة على

٣٤٨

الموصوف ، لأنّ تقديم المعمول يؤذن بتقديم العامل ، وكذلك الصلة والموصول.

فإن كان العامل في الضمير أو السببيّ غير خبر ، وغير الخبر هو الأمر والنهي والدعاء أو اسم في هذا المعنى ، والاسم الذي في هذا المعنى المصدر الموضوع موضع الأمر ، كقولك : «ضربا زيدا» ، تريد : اضرب زيدا ، فإن كان كذلك ، فلا يخلو العامل أن يعمل في الضمير أو السببيّ رفعا ، أو نصبا ، أو خفضا ، فإن كان قد عمل فيهما رفعا جاز في الاسم وجهان : الرفع بالابتداء والنصب بإضمار فعل. مثال ذلك : «أنت قم» ، و «أنت لا تقم» ، و «زيد ليقم أخوه» ، و «عمرو لا يقم أخوه» ، الأصل فيها : ليقم زيد وليقم أخوه ، ولا يقم عمرو ، ولا يقم أخوه ، فأضمر الفعل الأول لدلالة الثاني عليه ، إلا أنّ هذا الفعل المضمر لم تظهره العرب قط.

وإن عمل فيهما نصبا أو خفضا جاز في الاسم وجهان : الرفع على الابتداء ، والنصب بإضمار فعل ، مثال ذلك : «زيدا اضربه» ، و «عمرا لا تشتمه» ، و «بكرا رحمه‌الله». وكذلك حكمه مع الاسم الذي هو في معنى الأمر ، أو في معنى الدعاء ، كقولك : «زيدا ضربا إيّاه» ، و «زيدا سقيا له» ، تريد : اضرب زيدا ، وسقى الله زيدا.

والحمل في هذا كلّه على الفعل أحسن منه على الابتداء ، لأنّ الأمر والنهي والدعاء لا يكون إلّا بالفعل ، والخبر يكون بالفعل وغيره ، فلذلك اختير الحمل على إضمار فعل.

وزعم بعضهم أنّ الذي أوجب اختيار الحمل في هذا على إضمار فعل أنك إذا لم تحمل على الفعل ، ورفعت على الابتداء ، وقع موقع خبر المبتدأ ما ليس بمحتمل للصدق والكذب ، لأنّ هذه الأشياء غير محتملة للصدق والكذب ، فيضطّر في ذلك إلى الحمل على الفعل. وهذا خطأ لما تبيّن قبل هذا من أنّ الخبر لا يشترط فيه ذلك أعني خبر المبتدأ ، ولا يحتاج إلى إضمار القول في : «زيد اضربه» ، و «عمرو لا تشتمه» ، و «بكر غفر الله له» ، وأمثال ذلك.

والنصب في بعض هذه المسائل أحسن منه في بعض على نحو ما تقدّم في العامل إذا كان خبرا. وكذلك الرفع أيضا على إضمار فعل فاعل عمل الفعل في ضميره رفعا أحسن ممّا عمل الفعل في سببه رفعا ، فالرفع في مثل : «زيد ليقم» أحسن منه في مثل : «زيد ليقم أخوه» ، كما كان النصب في قولك : «زيدا اضربه» أحسن من النصب في قولك : «زيدا اضرب أخاه».

٣٤٩

فإن قيل : لأيّ شيء أجزتم رفع «زيد» بإضمار فعل في قولك : «زيد ليقم أخوه» ، يفسره هذا الظاهر ، ولم تجيزوا ذلك في : «زيد قام» ، وأمثاله؟ فالجواب : إنّه قد تقدّم أنّ الفعل الذي يفسّر إذا كان يعمل في موضع الاسم لا في الاسم بعينه لا يصح له التفسير إلّا حيث يكون في الكلام مقوّ لجانب الفعلية ، فلما كان الأمر والنهي والدعاء قد قوّى منه جانب الفعلية ، جاز في الاسم معها الرفع بإضمار فعل ، ولم يجز ذلك في الخبر لعدم المقوّي لجانب الفعلية.

وينبغي أن تعلم أنّ الضمير والسببيّ إذا كانا مجرورين ، وكان موضعهما رفعا حكم لهما بحكم المرفوع ، وذلك قولك : «زيد سير به» ، و «عمرو دخل إليه» ، لا يجوز في «زيد» و «عمرو» إلا الرفع كما لا يجوز في قولك : «زيد ضرب وعمرو أهين» ، إلّا الرفع وليس ذلك بمزلة : «زيدا مررت به» ، و «زيدا دخلت إليه».

هذا حكم الاسم ما لم يتقدّمه شيء ، فإن تقدّمه شيء ، فلا يخلو المتقدّم من أن يكون حرف عطف أو حرفا هو بالفعل أولى ، أو حرفا لا يليه إلا الفعل ظاهرا أو مضمرا ، فإن تقدّمه حرف عطف فلا يخلو أن يكون العطف به على جملة اسمية أو فعلية أو ذات وجهين.

فإن كان على جملة فعلية اختير في الاسم أن يكون محمولا على إضمار فعل المجانسة والمشاكلة. وإن كان بعد حرف العطف «إمّا» ترك الأمر على ما كان عليه قبل دخول حرف العطف لأن «إمّا» من حروف الصدور ، فكانت الجملة بعدها مستأنفة ، وإن كان حرف العطف «إذا» التي للمفاجأة ، لم يجز في الاسم إلا الرفع على الابتداء ، لأنّ «إذا» التي للمفاجأة لا يقع بعدها الفعل وإنما يقع بعدها المبتدأ.

وإذا حملت الاسم على إضمار فعل ، كان على حسب الضمير أو السببيّ ، فإن كانا مرفوعين أو في موضع رفع ، رفعت ، وإن كانا منصوبين أو مخفوضين نصبت ، وذلك قولك : «قام زيد وعمرا أكرمته» ، و «قام زيد وعمرا مررت به» ، فالرفع والنصب والاختيار النصب ، لكونه محمولا على الفعل ، و «قام زيد وعمرو سير به أو ضرب» ، و «قام زيد وعمرو ضرب أخوه أو مرّ بغلامه» ، فالنصب على إضمار فعل والرفع على الابتداء ، والرفع على إضمار فعل هو المختار لما قدّمنا من المشاكلة ، فلا سبيل إلى النصب.

٣٥٠

وإن كان العطف على جملة اسميّة ، كان الأمر على ما كان عليه قبل أن يتقدّم الاسم شيء بل يزيد حسنا للمشاكلة.

فإن كان العطف على جملة ذات وجهين ، فلا يخلو أن يقدّر العطف على الجملة الاسمية أو الفعلية ، فإن قدّرت العطف على الفعلية كان الاختيار الحمل على إضمار فعل ، فإن قدّرت العطف على الجملة الاسمية فالاختيار في الاسم أن يكون على حسبه لو لم يتقدّمه شيء.

[٣ ـ جملة الاشتغال] :

واختلف الناس في جملة الاشتغال إذا كانت معطوفة على جملة صغرى ، فمذهب السيرافي أنّه لا بد في الجملة في ضمير يعود على المبتدأ ، لأنّ الجملة الصغرى في موضع خبر المبتدأ ، فإذا عطفت عليها جملة الاشتغال كانت شريكتها في كونها خبرا للمبتدأ ، لأنّ المعطوف شريك المعطوف عليه. فلمّا كانت شريكتها ، احتيج فيها إلى رابط. لأنّ خبر المبتدأ إذا كان جملة احتيج فيها إلى رابط ، فلا يجوز : «زيد ضربته وعمرا أكرمته» ، على أن تقدّر «عمرا أكرمته» ، خبرا عن «زيد» حتى يكون في الجملة ضمير يعود على «زيد» يربطه بها ، فتقول : «زيد ضربته وعمرا أكرمته بسببه أو من أجله أو في داره» ، وشبه ذلك.

وهذا الذي ذهب إليه ليس بشيء ، لأنّ القراء قد أجمعوا على نصب «السماء» من قوله عزّ اسمه : (وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ) (١). مع أنّه ليس في رفعها ضمير يعود على (النَّجْمُ وَالشَّجَرُ) (٢). فإجماعهم على النصب دليل على بطلان قول من قال : إنّ النصب في هذا وأمثاله ضعيف.

وغيره من أئمة النحويين حكوا أنّ الاختيار في مثل هذا النصب ، ولم يشترطوا ضميرا ، فإن احتجّ عنه بأن قال : إنّ سيبويه لم يتعرّض لإصلاح اللفظ ، ونظير هذا قول أبي القاسم : لو قلت : «مررت به الكريم» ، على أن تجعله نعتا له لم يجز ولكن إن جعلته بدلا جاز ، وهو لا يجوز أن يكون نعتا ولا بدلا ، فلم يتعرّض لإصلاح اللفظ. فيقال له : هذا

______________________

(١) الرحمن : ٧.

(٢) الرحمن : ٦.

٣٥١

الذي تزعمه باطل ، إذ لو كان هذا لنبّه عليه سيبويه وغيره من الأئمة في موضع من الاشتغال.

ومنهم من ذهب إلى أنّ جملة الاشتغال إن كانت معطوفة بالواو لم يحتج فيها إلى ضمير ، لكون الواو بمعنى «مع» ، كأنك قلت في : «زيد ضربته وعمرا أكرمته» : زيد جمعت بين ضربه وإكرام عمرو. وإذا كان هذا لم تحتج الجملة المعطوفة إلى رابط لتلبسها بالجملة المعطوفة عليها ، فكأنّهما جملة واحدة ، والجملة الواحدة يغني فيها ضمير واحد. وهذا فاسد ، لأنّ يونس وغيره من أئمة النحويين حكوا أنّ الأمر في الواو كالأمر في غيرها من حروف العطف في اختيار النصب وإن خلت الجملة من ضمير.

وذهب الفارسي إلى أنّ النصب يختار وإن كان العطف على الجملة الكبرى ، وذلك أنّ الواو قد تقدّمها جملتان ، فإن لحظت المشاكلة بين الجملة الكبرى وجملة الاشتغال كان المختار الرفع على الابتداء ، وإن لحظت المشاكلة بين الجملة الصغرى وبين جملة الاشتغال فالاختيار الحمل على إضمار فعل.

ولا يلزم أن يقع تشاكل بين الجملة الصغرى وبين جملة الاشتغال حتى تكون معطوفة عليها بل قد تلحظ المشاكلة ولا عطف ، بدليل قولهم : «أكلت السمكة حتّى رأسها أكلته» ، فقد شاكلوا بين الجملتين ، وليس ثمّ حرف عطف ، لأنّ «حتى» لا تعطف الجمل وإنّما تعطف المفردات.

وهذا أسدّ المذاهب في هذه المسألة ، وهو الذي يعضده كلام العرب.

وإن كان المتقدم حرفا هو بالفعل أولى ، كان المختار الحمل على إضمار فعل.

والحروف التي هي بالفعل أولى أدوات الاستفهام و «ما» و «لا» النافيتان.

فإن قيل : فلأيّ شيء كانت بالفعل أولى؟ فنقول : لشبهها بأدوات الجزاء وذلك أنّ الفعل بعدها غير موجب كما هو بعد أدوات الجزاء.

ولأدوات الاستفهام وجهان من الشبه زائدان لما ذكر اختصت بهما دون «ما» و «لا» ، وهما أنّ الفعل بعدها غير محتمل للصدق والكذب ، وأنّها قد تضمّن معنى الشرط ، الجواب فتقول : «أين بيتك أزرك»؟ فلما أشبهت لأدوات الجزاء كانت أولى بطلب الفعل من طلب الاسم.

٣٥٢

ولم يلزم بعدها الفعل كما لزم بعد أدوات الجزاء لأنّ المشبّه بالشيء لا يقوى قوة ما شبّه به. فإن وقع بعدها الاسم اختير فيه الحمل على إضمار فعل لما ذكرنا ويكون الاسم على حسب الضمير أو السببيّ.

فإن كان الاسم الذي اشتغل عنه الفعل اسم استفهام ، فلا يخلو أن يكون العامل قد عمل في الضمير أو السببيّ رفعا أو نصبا. فإن كان قد عمل رفعا فهو مرفوع على الابتداء ولا يجوز أن يكون فاعلا ، لأنّه لا يخلو أن يكون الفعل قبل اسم الاستفهام أو بعده ، فقبله لا يتصور لأنّ الاستفهام له صدر الكلام ، ولا يجوز أن يقدّر بعده لأنّ الفاعل لا يعمل فيما بعده.

وإن كان قد عمل فيه نصبا أو خفضا ، جاز فيه وجهان : الرفع والنصب. وفيه خلاف بين سيبويه والأخفش.

فسيبويه يختار فيه الرفع ، ويشببهه بـ «زيد ضربته» ، والأخفش يختار فيه النصب ويجريه مجرى : «زيدا ضربته». وهذا الذي ذهب إليه أبو الحسن ليس بشيء لأنّ القياس يرد عليه ، لأنّ الاستفهام لا تتقدمه أداة تشبه الجزاء ، كما كان كذلك في : «أزيدا ضربته» ، فلا مسوّغ إذن لاختيار إضمار الفعل.

وليس من أدوات الاستفهام ما إذا اجتمع بعده الاسم والفعل يلزمه الاسم في فصيح الكلام إلّا الهمزة ، وسبب ذلك أنّها أمّ الباب ، فلذلك اتّسع فيها.

ودليل ذلك أنها تدخل على أخواتها ولا تدخل أخواتها عليها ، ولا يجوز أن يلي الاسم أداة استفهام ما عدا الهمزة إلّا في ضرورة ، فتقول : «أزيد قام»؟ في فصيح الكلام ، ولا يقال : «هل زيد قام»؟ إلّا في ضرورة ، بل الفصيح : «هل قام زيد»؟

وأما «ما» و «لا» فليسا كذلك ، بل يليهما الاسم تارة والفعل أخرى ، وسبب ذلك أنّهما لم يقويا على طلب الفعل قوّة أدوات الاستفهام لضعف شبههما بأدوات الشرط وقوّة شبه أدوات الاستفهام كما تقدم.

وهذا ما لم يفصل بين الاستفهام و «ما» و «لا» والاسم الذي اشتغل عنه الفعل فاصل غير ظرف ولا مجرور ، فإن فصل بينهما فلا يجوز في الاسم إلا ما كان يجوز قبل دخول «ما» و «لا» ، وذلك قولك : «أأنت زيد ضربته» ، و «ما أنت زيد ضربته» ، الاختيار في

جمل الزجاجي / ج ١ / م ٢٣

٣٥٣

المسألتين الرفع كما كان لو لم تدخل عليه الهمزة و «ما».

فإن كان المتقدم حرفا لا يليه إلا الفعل ، والذي لا يليه إلّا الفعل قسمان : قسم يليه الفعل أبدا ظاهرا ، ولا يجوز غير ذلك مثل «السين» و «سوف» و «قد» وأشباهها ، وهذا القسم ليس له مدخل في هذا الباب. وقسم يليه الفعل ظاهرا ومضمرا ، مثل أدوات الجزاء وأدوات التحضيض وظرف الزمان المستقبل ، فإن الاسم بعدها لا يكون أبدا إلّا على إضمار فعل على حسب الضمير أو السببيّ ، نحو : «إن زيدا ضربته ضربتك» ، و «هلّا زيدا ضربته» ، و «إذا زيدا ضربته ضربك». وأدوات الجزاء إذا وقع بعدها الاسم والفعل فلا يليها الاسم إلا في ضرورة ، قال الشاعر [من الرمل] :

٢٣٩ ـ صعدة نابتة في حائر

أينما الريح تميّلها تمل

______________________

٢٣٩ ـ التخريج : البيت لكعب بن جعيل في خزانة الأدب ٣ / ٤٧ ؛ والدرر ٥ / ٧٩ ؛ وشرح أبيات سيبويه ٢ / ١٩٦ ؛ والمؤتلف والمختلف ص ٨٤ ؛ وله أو للحسام بن ضرار في المقاصد النحويّة ٤ / ٤٢٤ ؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب ٩ / ٣٨ ، ٣٩ ، ٤٣ ؛ وشرح الأشموني ٣ / ٥٨٠ ؛ وشرح المفصل ٩ / ١٠ ؛ والكتاب ٣ / ١١٣ ؛ ولسان العرب ٤ / ٢٢٣ (حير) ؛ والمقتضب ٢ / ٧٥ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ٥٩.

اللغة : الصعدة : القناة التي تنبت مستوية. الحائر : المكان الذي يكون وسطه منخفضا وحروفه مرتفعة عالية.

المعنى : شبه امرأة بقناة مستوية لدنة قد نبتت في مكان مطمئن الوسط مرتفع الجوانب والريح تعبث بها وهي تميل مع الريح.

الإعراب : «صعدة» : خبر لمبتدأ مرفوع بالضمة. «نابتة» : صفة مرفوعة بالضمة. «في حائر» : جار ومجرور بالكسرة متعلقان بـ «نابتة». «أينما» : اسم شرط جازم مبني على السكون في محل نصب ظرف زمان متعلق بـ «تمل». «الرّيح» : فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور بعده. «تميلها» : فعل مضارع مجزوم وعلامة الجزم السكون ، و «ها» : ضمير متصل في محل نصب مفعول به ، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هي. «تمل» : فعل مضارع مجزوم لأنه جواب الشرط وعلامة الجزم السكون. والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هي.

وجملة «هي صعدة» : بحسب ما قبلها. وجملة «أينما الريح تميلها تمل» : في محل رفع صفة. وجملة «الريح وفعلها المحذوف» : في محل جرّ بالإضافة. وجملة «تميلها» : تفسيرية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «تمل» : جواب شرط جازم غير مقترن بالفاء لا محلّ لها من الإعراب.

والشاهد فيه قوله : «أينما الريح تميّلها» : حيث وقع اسم مرفوع بعد أداة الشرط ، ووقع بعد هذا الاسم المرفوع فعل مضارع مجزوم ضرورة ، والاسم المرفوع هذا هو فاعل لفعل محذوف يفسره الفعل المتأخر ، وهذا الفعل المحذوف هو فعل الشرط.

٣٥٤

وقال الآخر [من الخفيف] :

٢٤٠ ـ فمتى واغل ينبهم [يحيّو

ه وتعطف عليه كأس الساقي]

فقدّم الاسم ضرورة.

إلّا في «إن» من بين سائر أخواتها لأنها أمّ الباب. ويشترط في الفعل الواقع بعدها أن يكون ماضيا ، فإنّ الاسم يليها في فصيح الكلام. قال الله تعالى : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ) (١). فإن كان الفعل مستقبلا لم يلها إلا في ضرورة ، كسائر أخواتها.

وفي رفع الاسم الواقع بعد «إذا» خلاف بين سيبويه والأخفش. وقد تقدّم في باب الابتداء. وأما أدوات التحضيض فيقع الاسم بعدها في فصيح الكلام ، لأنّها لم تقو قوّة أدوات الجزاء ، لأنّ أدوات الجزاء طالبة للفعل من طريق المعنى كأدوات التحضيض ، وتزيد

______________________

٢٤٠ ـ التخريج : البيت لعدي بن زيد في ديوانه ص ١٥٦ ؛ وخزانة الأدب ٣ / ٤٦ ، ٩ / ٣٧ ، ٣٩ ؛ والدرر ٥ / ٧٨ ؛ وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٨٨ ؛ والكتاب ٣ / ١١٣ ؛ وبلا نسبة في شرح المفصل ٩ / ١٠ ؛ ولسان العرب ١١ / ٧٣٢ (وغل) ؛ والمقتضب ٢ / ٧٦ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ٥٩.

اللغة : واغل : الرجل الذي يدخل على جماعة الشاربين من غير أن يدعى. ينبهم : ينزل بهم.

المعنى : متى يزرهم هذا الواغل المتطفل يلق التحية والعطف والإكرام منهم.

الإعراب : «فمتى» : «الفاء» : بحسب ما قبلها ، «متى» : اسم شرط جازم مبني ، في محل نصب على الظرفية الزمانية متعلق بـ «يحيّوه». «واغل» : فاعل لفعل محذوف يفسره الفعل المذكور. «ينبهم» : فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه السكون الظاهر على آخره ، والفاعل : ضمير مستتر تقديره هو. و «هم» : ضمير متصل في محل نصب مفعول به ، والفعل فعل الشرط. «يحيوه» : فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه حذف النون ، والواو : ضمير رفع مبني على السكون في محل رفع فاعل ، و «الهاء» : ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به. والفعل جواب الشرط. «وتعطف» : «الواو» : عاطفة ، «تعطف» : فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم وعلامة جزمه السكون. «عليه» : جار ومجرور متعلقان بالفعل تعطف. «كأس» : نائب فاعل مرفوع بالضمة. «الساقي» : مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدرة.

وجملة «الفعل المحذوف مع واغل» : في محل جر بالإضافة. وجملة «ينبهم» : تفسيرية. وجملة «يحيوه» : جواب شرط جازم لا محل لها من الإعراب لأنها غير مقترنة بالفاء. وجملة «تعطف» : معطوفة على ما قبلها.

والشاهد فيه قوله : «متى واغل ينبهم» : الفصل بالاسم المرفوع بين أداة الشرط وفعل الشرط. وخرّج ذلك على أنه فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور.

(١) التوبة : ٦.

٣٥٥

عليها بأنّ لها طلبا من طريق العمل. فإن كانت جملة الاشتغال جواب سؤال اختير فيها أن تكون مناسبة للسؤال جارية على حدّه ، إن كان المسؤول عنه مرفوعا رفعت ، وإن كان منصوبا نصبت ، وإن كان مخفوضا خفضت. هذا مذهب سيبويه.

ومذهب أبي الحسن : إن لاحظت الجملة الكبرى كان الجواب على حدها ، وإن لاحظت الصغرى كان الجواب أيضا على حدّها ، وهذا ليس بشيء ، لأنّ السؤال هو عن الجملة كلها بأسرها.

[٤ ـ عدم تعدّي فعل المضمر المتصل إلى مضمره المتصل] :

واعلم أنّه لا يجوز أن يتعدّى فعل المضمر المتصل إلى مضمره المتصل ، نحو : «ضربتني» و «ضربتك» ، و «زيد ضربه» ، يعني ضرب نفسه ، ولا فعل الظاهر إلى مضمره المتصل ، نحو : «ضربه زيد» ، يعني ضرب نفسه ، إلا في باب «ظننت» و «فقدت» و «عدمت» ، نحو : «ظننتني قائما» ، و «ظننتك قائما» ، يعني : ظننت نفسي وظننت نفسك ، و «زيد ظنه قائما» ، و «فقدتني» ، و «فقدتك» ، و «عدمتني» ، و «عدمتك» ، يعني : فقدت نفسي ، وفقدت نفسك ، وعدمت نفسي ، وعدمت نفسك ، و «زيد فقده وعدمه» ، يعني : فقد نفسه وعدمها.

ولا يجوز أيضا أن يتعدى فعل المضمر المتصل إلى ظاهره في باب من الأبواب ، نحو : «زيدا ضرب» ، و «زيدا ظنّ قائما» ، يعني : ضرب نفسه وظنّ نفسه قائما ، والسبب في امتناع تعدّي فعل المضمر المتّصل إلى مضمره المتّصل ، وفعل الظاهر إلى مضمره المتّصل أنّ الفاعل يصير هو المفعول في المعنى ، وذلك متناقض إلا في باب الظنّ والفقد والعدم فإنّه يسوغ ، وسبب ذلك أنّ المفعول الأول من مفعولي الظنّ وأخواته ليس بمفعول في الحقيقة ، وإنّما هو مفعول في اللفظ فقط ، وإنّما المفعول على الحقيقة مضمون الجملة ، فإن أردت ذلك المعنى المتقدّم قلت : «ضرب زيد نفسه».

وجاز هذا لأنّ العرب تجري النفس مجرى الأجنبيّ ، وكذلك تفعل في المضمر المنفصل أجرته مجرى الأجنبي ، فتقول : «إيّاه ضرب زيد» ، فجاز أن يكون الفاعل هو المفعول في باب الظنّ والفقد والعدم ، لأنّ الكلام في هذه الأبواب محمول على معناه ، ألا

٣٥٦

ترى أنّ المعنى : فقدني غيري ، وعدمني غيري ، وظنّني غيري ، ولا يتصوّر أن يكون هو الفاقد لنفسه لأنّه من حيث أن يكون مفقودا يلزمه أن يكون معدوما ، ومن حيث أنه يكون فاقدا يلزمه أن يكون موجودا ، وليس كذلك : «ضربتني» ، لأن الضارب هو المضروب لفظا ومعنى ، فلذلك تعذّر «ضربتني» وأشباهه.

وامتنع تعدّي فعل المضمر إلى الظاهر في جميع الأبواب لما يؤدّي إليه في لزوم المفعول ، فيعود عليه الضمير ، فيخرج بذلك عن بابه لأنّه فضلة ، والفضلات لا تلزم ، فعلى هذا كلّ مسألة تؤدّي في الاشتغال إلى تعدّي فعل المضمر المتّصل إلى مضمره المتصل أو فعل الظاهر إلى مضمره المتّصل لا تجوز إلّا في باب الظن والفقد والعدم. وكلّ مسألة تؤدّي إلى تعدّي فعل المضمر المتّصل إلى ظاهره لا تجوز في باب من الأبواب ، نحو : «زيدا ضربه».

فجملة الأمر أن تقول : الفعل الذي اشتغل عن الاسم لا يخلو أن يكون من الأبواب المستثنيات أو من غيرها ، فإن كان من غيرها ، فلا يخلو الاسم الذي اشتغل عنه الفعل من أن يكون له ضمير واحد ، أو سببيّ واحد ، أو ضميران ، أو سببيّان ، أو ضمير وسببيّ.

فإن كان له ضمير واحد حملته عليه ، نحو : «زيدا ضربت أخاه» ، فإن كان له سببيان ، حملته على أيّهما شئت ، نحو : «أزيدا ضرب أخوه أباه» ، و «أزيد ضرب أخوه أباه»؟ وإن كان له ضمير وسببيّ ، فلا يخلو أن يكون الضمير متّصلا أو منفصلا ، فإن كان منفصلا حملت على أيّهما شئت ، نحو : «أزيدا إيّاه ضرب إيّاه أخوه»؟ و «أزيد إيّاه ضرب أخوه» ، لأنّ الضمير المنفصل يجري مجرى السببيّ في جميع هذه المسائل.

وإن كان الضمير متّصلا حملت عليه ولا يجوز حمله على السببيّ ، فمثال ذلك ـ والضمير منصوب ـ أزيدا ضربه أخوه؟ ، ومثاله ـ والضمير مرفوع ـ أزيد ضرب أخاه؟ وأما قول لبيد [من الطويل] :

٢٤١ ـ فإن أنت لم ينفعك علمك فانتسب

لعلّك تهديك القرون الأوائل

______________________

٢٤١ ـ التخريج : البيت للبيد بن ربيعة في ديوانه ص ٢٥٥ ؛ وخزانة الأدب ٣ / ٣٤ ؛ والدرر ١ / ٢٠٠ ؛ وشرح التصريح ١ / ١٠٥ ؛ وشرح شواهد المغني ١ / ١٥١ ؛ والمعاني الكبير ص ١٢١١ ؛ والمقاصد النحوية ١ / ٨ ، ٢٩١ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ١١٤ ؛ وبلا نسبة في شرح التصريح ١ / ١٠٥ ؛ وهمع الهوامع ١ / ٦٣. ـ

٣٥٧

فلم يحمل «أنت» على «علمك» ، لأنّه لو فعل ذلك لأدّى إلى تعدّي فعل المضمر المتّصل إلى ضميره المنفصل ، ألا ترى أنّك لو وضعت «أنت» موضع «علمك» لكان التقدير فإن لم ينفعك.

ولا يجوز أيضا حمله على الكاف في «ينفعك» لأنّه لو فعل ذلك لنصب ، فقال : «فإن إيّاك» ، فلم يبق إلّا أن يكون محمولا على إضمار فعل لفهم المعنى ، فتكون المسألة خارجة عن باب الاشتغال ، كأنّه قال : «فإن ظللت لم ينفعك علمك» ، فأضمر لفهم المعنى وبرز الضمير لمّا استتر الفعل ، فقال : «إن أنت».

فإن كان له ضميران ، فلا يخلو أن يكونا متّصلين ، أو منفصلين ، أو يكون أحدهما متّصلا والآخر منفصلا ، فإن كانا متّصلين ، فلا تجوز المسألة لما تقدّم من أنّ فعل الضمير المتّصل لا يتعدّى إلى مضمره المتّصل إلا في الأبواب المذكورة ، وإن كانا منفصلين حملت على أيّهما شئت ، نحو : «أزيد إيّاه لم يضربه إلّا هو».

وإن كان أحدهما متصلّا والآخر منفصلا ، حملت على المتّصل ، نحو : «أزيدا لم يضربه إلا هو» ، و «أزيد لم يضرب عمرو إلّا إيّاه»؟

وإن كان الفعل الذي اشتغل عن الاسم من الأفعال المستثناة ، فلا يخلو الاسم الذي

______________________

ـ المعنى : يقول : إذا لم تتّعظ بما علمت فتذكّر آباءك وأجدادك ، وفكّر في مصيرهم لعلّك تهتدي.

الإعراب : فإن : «الفاء» : بحسب ما قبلها ، و «إن» : حرف شرط جازم. أنت : ضمير منفصل في محلّ رفع فاعل لفعل محذوف يفسّره ما بعده تقديره : «فإن لم تنتفع». لم : حرف نفي وجزم وقلب. ينفعك : فعل مضارع مجزوم بالسكون ، و «الكاف» : ضمير متصل مبنيّ في محلّ نصب مفعول به. علمك : فاعل مرفوع ، وهو مضاف ، و «الكاف» : ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. فانتسب : «الفاء» : رابطة جواب الشرط ، «انتسب» : فعل أمر مبنيّ على السكون ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره : «أنت». لعلّك : حرف مشبّه بالفعل ، و «الكاف» : ضمير متّصل مبنيّ في محل نصب اسم «لعلّ». تهديك : فعل مضارع مرفوع ، و «الكاف» : ضمير متّصل مبنيّ في محلّ نصب مفعول به. القرون : فاعل مرفوع بالضمّة. الأوائل : نعت «القرون» مرفوع بالضمة.

وجملة «إن أنت» : بحسب ما قبلها. وجملة «لم ينفعك» : تفسيريّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «انتسب» : في محلّ جزم جواب الشرط. وجملة «تهدي» : في محل رفع خبر «لعلّ». وجملة «لعلّك تهديك» : استئنافية لا محلّ لها من الإعراب.

الشاهد فيه قوله : «فإن أنت لم ينفعك» حيث وردت «أنت» في محلّ رفع فاعل لفعل محذوف يفسّره ما بعده تقديره : «إن لم تنتفع لم ينفعك علمك».

٣٥٨

اشتغل عنه الفعل من أن يكون له ضمير واحد ، أو سببيّ واحد ، أو ضميران ، أو سببيّان ، أو ضمير وسببيّ.

فإن كان له ضمير واحد حملت عليه ، نحو : «أزيدا ظننته قائما» ، وإن كان له سببيّ واحد حملت أيضا عليه ، مثال ذلك : «أزيدا ظننت أباه قائما» ، وإن كان له سببيّان حملت على أيّهما شئت ، نحو : «أزيدا ظنّ أخاه أبوه قائما» ، وإن كان له ضمير وسببيّ فلا يخلو أن يكون الضمير متّصلا ومنفصلا ؛ فإن كان متّصلا فلا يخلو أن يكون مرفوعا أو منصوبا ، فإن كان منصوبا حملت على أيّهما شئت ، مثال ذلك : «أزيدا ظنّه أخوه قائما» ، وإن كان الضمير مرفوعا حملت عليه ولا يجوز الحمل على السببيّ أصلا ، مثال ذلك : «أزيدا ظنّ أخاه قائما» ، وإن كان منفصلا حملت على أيّهما شئت ، مثال ذلك : «أزيدا لم يظنّ أخاه إلّا هو قائما».

وإن كان له ضميران فلا يخلو من أن يكونا متّصلين ، أو منفصلين ، أو أحدهما متّصلا ، والآخر منفصلا ، فإن كانا متّصلين حملت على المرفوع ولا يجوز الحمل على المنصوب ، مثال ذلك : «أزيدا ظنّه قائما» ، وإن كانا منفصلين حملت على أيّهما شئت ، مثال ذلك : «أزيدا إيّاه لم يظنّ إلّا هو قائما». وإن كان أحدهما متصلا والآخر منفصلا ، فلا يخلو من أن يكون المتّصل مرفوعا أو منصوبا ، فإن كان منصوبا حملت على أيّهما شئت ، مثال ذلك : «أزيدا لم يظنّه إلّا هو قائما» ؛ وإن كان مرفوعا حملت عليه ولا يجوز الحمل على غيره ، مثال ذلك : «أزيد لم يظن إلّا إيّاه قائما».

وتعتبر هذه المسائل بأن تضع الاسم الذي اشتغل عنه الفعل موضع ما حملته عليه إن أمكن ، وإن لم يمكن حذفت ما حملته عليه ، وتركته في موضعه ، ونويت به التأخير ، فإن جازت المسألة بعد ذلك ، فهي جائزة قبله ، وإلّا فهي ممتنعة.

٣٥٩

باب الأفعال الداخلة على المبتدأ والخبر

[١ ـ تعدادها] :

فيرتفع المبتدأ على أنه اسمها وينتصب الخبر على أنه خبرها ، وهي : كان ، وأمسى ، وأصبح ، وأضحى ، وظلّ ، وبات ، وصار ، وآض ، وقعد في قولهم : «شحذ شفرته حتى قعدت كأنها حربة» ، وليس ، وما زال ، وما انفك ، وما فتىء ، وما برح ، وما دام ، وغدا ، وراح ، وجاءت في قولهم : «ما جاءت حاجتك». وزاد بعض البغداديين في هذا الباب «ماوني» ، لأنّ معناها كمعنى «ما زال» ، وذلك نحو : «ما وني زيد قائما» ، أي : ما فتر عن القيام ، ولذلك ألحقها بها.

وهذا لا يلزم لأنّ الفعل قد يكون بمعنى فعل آخر ، ولا يكون حكمه كحكمه. ألا ترى أنّ «ظلّ زيد قائما» معناه : أقام زيد قائما النهار كلّه. ولا تجعل العرب لـ «أقام» اسما وخبرا كما فعلت ذلك بـ «ظلّ».

ومما يدلّ على أنّها ليست من أخوات «كان» أنّه لا يقال : «ما وني زيد القائم» ، فالتزام التنكير في «قائم» وأمثاله دليل على انتصابه على الحال.

وزاد الكوفيون في أفعال هذا الباب «مررت» ، إذا لم يرد بها المرور الذي هو انتقال الخطى بل تكون بمنزلة «كان» ، وذلك نحو قولك : «مررت بهذا الأمر صحيحا» ، أي : كان هذا الأمر صحيحا عندي.

وذلك لا حجة فيه ، لأنّ المرور هنا متجوّز فيه ، كأنه قال : «مرّ خاطري بهذا الأمر

٣٦٠