شرح جمل الزجّاجى - ج ١

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »

شرح جمل الزجّاجى - ج ١

المؤلف:

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-2263-0
ISBN الدورة:
2-7451-2263-0

الصفحات: ٥٨٤

وإن اتّفقا في اللفظ غلّب لفظ المذكر على المؤنث ، نحو : قائم وقائمة ، تقول في تثنيتهما : قائمان ، ولا يجوز تغليب المؤنث على المذكر إلّا في «ضبع» للمؤنث وضبعان للمذكّر فإنّك تقول فيهما : ضبعان ، فتغلّب لفظ المؤنّث على المذكر لأنّه أخفّ منه لقلّة حروفه ، وقد جاؤوا به على الأصل فقالوا : ضبعانان ، بتغليب المذكر على المؤنث.

[٤ ـ تعريف الجمع] :

والجمع : ضم اسم إلى أكثر منه بشرط اتفاق الألفاظ والمعاني أو كون المعنى الموجب للتسمية فيهما واحدا.

فقولنا : «ضم اسم» ، تحرّز من الفعل والحرف لأنّهما لا يجمعان ، وقولنا : «إلى أكثر منه» تحرّز من التثنية لأنّها ضم اسم إلى مثله. وقولنا : «بشرط اتفاق الألفاظ» تحرّز من اختلافها. وقولنا : «والمعاني» ، تحرز من اتفاق الألفاظ واختلاف المعاني ، نحو : عين وعين وعين ، إن أردت بإحداها العضو المبصر ، وبالأخرى عين السحاب ، وبالأخرى عين الماء. وقولنا : أو يكون المعنى الموجب للتسمية فيهما واحدا ، تحرّز من اتفاق الألفاظ واختلاف المعاني واتفاق المعنى الموجب للتسمية ، فإنّ ذلك يجوز جمعه ، نحو : الأحامرة ، في اللحم والخمر والزعفران.

فعلى هذا لا تخلو الأسماء أن تتفق في اللفظ أو تختلف ، فإن اختلفت فالعطف ولا يجوز الجمع إلّا فيما غلّب فيه أحد الأسماء على سائرها ، وذلك موقوف على السماع ، نحو : المهالبة في المهلّب وبنيه ، والحوص في الأحوص وإخوته.

وإن اتفقت فلا تخلو المعاني أن تتفق أو تختلف ؛ فإن اختلفت فلا يخلو المعنى الموجب للتسمية من أن يكون واحدا أو لا يكون ، فإن كان واحدا فالجمع نحو : الأحامرة في اللحم والخمر والزعفران ، قال الشاعر [من الكامل] :

٤٧ ـ إنّ الأحامرة الثّلاثة أتلفت

مالي وكنت بهنّ قدما مولعا

الرّاح واللحم السّمين وأطّلي

بالزّعفران فلا أزال مولّعا

______________________

٤٧ ـ التخريج : البيتان للأعشى في لسان العرب ٤ / ٢٠٩ (حمر) ؛ وتاج العروس ١١ / ٧٤ (حمر) ؛ ـ

٨١

وإن اختلفت المعاني ولم يكن المعنى الموجب للتسمية واحدا فالعطف ، ولا يجوز الجمع ، نحو : عين وعين وعين ، يعني بذلك عين السحاب وعين الماء والعضو المبصر.

وإن اتفقت الألفاظ والمعاني فلا تخلو الأسماء أن تكون أعلاما باقية على علميتها أو لا تكون ؛ فإن كانت أعلاما باقية على علميتها فالعطف ولا يجوز الجمع ، لأنّ الاسم لا يجمع إلّا بعد تنكيره ، وإن لم تكن باقية على علميّتها فالجمع ولا يجوز العطف إلّا في ضرورة الشعر ، قال الشاعر [من الطويل] :

٤٨ ـ أقمنا بها يوما ويوما وثالثا

ويوما له يوم التّرحل خامس

______________________

ـ وأساس البلاغة (حمر) (البيت الأول) ؛ ومقاييس اللغة ٢ / ١٠١ (البيت الأول) ؛ وليس في ديوانه ؛ وبلا نسبة في تهذيب اللغة ٥ / ٩٥ ؛ والمخصص ١٣ / ٢٢٤.

اللغة : الأحامرة : جمع الأحمر. مولع به : مشغول ومغرى به. مولّع : أبرص.

المعنى : لقد أتلفت أموالي الأحامرة الثلاثة ، الخمرة واللحم والطّيب ، وكنت أحبّها منذ زمن قديم ، وما أزال أحبّها (مولّع هنا لا مكان لها إلّا إن كانت بمعنى مولع ، بدون تشديد اللام) فآكل اللحم السمين ، وأشرب الخمرة ، وأتدهّن بالطّيب.

الإعراب : إنّ الأحامرة : حرف مشبّه بالفعل واسمها منصوب بالفتحة. الثلاثة : صفة (الأحامرة) منصوبة بالفتحة. أتلفت : فعل ماض مبني على الفتح ، و «التاء» : للتأنيث ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هي). مالي : مفعول به منصوب بفتحة مقدّرة على ما قبل الياء ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ جرّ مضاف إليه. وكنت : «الواو» : حاليّة ، «كنت» : فعل ماض ناقص ، و «التاء» : ضمير متصل في محلّ رفع اسم (كان). بهنّ : جار ومجرور متعلّقان بـ (مولعا). قدما : مفعول فيه ظرف زمان منصوب بالفتحة. مولعا : خبر (كان) منصوب بالفتحة. الراح : بدل من اسم «إن» منصوب. واللحم : «الواو» : للعطف ، «اللحم» : معطوف على (الراح) منصوب بالفتحة. السمين : صفة (اللحم) منصوبة بالفتحة. وأطّلي : «الواو» للعطف ، «أطلي» : فعل مضارع منصوب بـ «أن» مضمرة وعلامة نصبه الفتحة. والمصدر المؤول من «أن» وما بعدها معطوف على «الراح» في محل نصب. و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (أنا). بالزعفران : جار ومجرور متعلّقان بـ (أطّلي). فلا : «الفاء» : استئنافية «لا» : نافية. أزال : فعل مضارع ناقص مرفوع بالضمّة ، و «اسمها» : ضمير مستتر تقديره (أنا). مولعا : خبر (أزال) منصوب بالفتحة.

وجملة «إنّ الأحامرة ...» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «أتلفت» : في محلّ رفع خبر (إنّ). وجملة «كنت بهنّ مولعا» : في محلّ نصب حال.

والشاهد فيهما قوله : «الأحامرة» حيث اتفقت الأسماء الثلاثة (اللحم ، والخمر ، والزعفران) باللون الأحمر فيها ، فجمعها.

٤٨ ـ التخريج : البيت لأبي نواس في ديوانه ٢ / ٧ ؛ وخزانة الأدب ٧ / ٤٦٢ ؛ والدرر ٦ / ٧٧ ؛ وبلا نسبة في المقرب ٢ / ٤٩.

المعنى : لقد أقمنا في هذا المكان ثمانية أيام. ـ

٨٢

فعطف وكان القياس أن يقال : أقمنا بها أياما أربعة فجمع ، لو لا ضرورة الوزن.

[٥ ـ أقسام الجمع] :

والجمع ينقسم أربعة أقسام : جمع سلامة ، وجمع تكسير ، واسم جنس ، واسم جمع. فجمع السلامة : ما سلم فيه بناء الواحد ، نحو : الزيدين والهندات. وجمع التكسير : ما تغيّر فيه بناء الواحد ، نحو : زيود وهنود. واسم الجمع : هو ما ليس له واحد من لفظه ، نحو : «قوم» ، لأن واحده ، رجل ، ونحو : إبل ، فإنّ واحده ناقة أو جمل. واسم الجنس : هو الذي بينه وبين واحده حذف التاء ، نحو : شجرة وشجر ، وثمرة وثمر. والذي نتكلم فيه في هذا الباب هو جمع السلامة خاصة.

وينقسم قسمين : جمع بالواو والنون ، وجمع بالألف والتاء.

فالاسم المجموع بالواو والنون لا يخلو من أن يكون صفة أو غير صفة. فإن كان غير صفة اشترط فيه أربعة شروط : الذكورية ، والعلميّة ، والعقل ، وخلوه من تاء التأنيث ، نحو : زيد وعمرو ، فإن نقص منه العلمية ، كرجل ، أو العقل كضمران وواشق (١) ، أو الذكورية كهند ، أو الخلو من تاء التأنيث كطلحة ، لم يجز جمعه بالواو والنون خلافا لأهل الكوفة وبغداد في هذا الشرط الأخير ، فإنهم لا يشترطون الخلوّ من تاء التأنيث ، ويجمعون طلحة وحمزة بالواو والنون في الرفع وبالياء والنون في النصب والخفض فيقولون : طلحون وحمزون ، وذلك لا يجوز عند البصريين (٢) ، لأنّه إذا جمع بالواو والنون لم يخل من أن تثبت الياء أو تحذف ، فإن أثبتت فقيل : حمزتون وطلحتون ، جمع بين شيئين متناقضين وهما التاء التي تعطي التأنيث والواو التي تعطي التذكير ، وإن حذفت لم يكن في الجمع ما

______________________

ـ الإعراب : أقمنا : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا الدالة على الفاعلين و «نا» : ضمير متصل في محل رفع فاعل. بها : جار ومجرور متعلقان بالفعل «أقمنا». يوما : ظرف زمان منصوب بالفتحة ، متعلق بالفعل «أقمنا». ويوما : «الواو» : الواو حرف عطف ، «يوما» : اسم معطوف على سابقه منصوب مثله. وثالثا : «الواو» : حرف عطف ، «ثالثا» : منصوبة صفة لموصوف محذوف ، والتقدير : «يوما ثالثا». ويوما : «الواو» : حرف عطف ، «يوما» : اسم معطوف على سابقه منصوب مثله. له : جار ومجرور متعلقان بخامس الآتي. يوم : مبتدأ مرفوع بالضمة. الترحل : مضاف إليه مجرور بالكسرة. خامس : خبر المبتدأ مرفوع بالضمة.

وجملة «يوم الترحل خامس» : في محل نصب صفة (يوما). وجملة «أقمنا» : ابتدائية لا محل لها.

والتمثيل به في : عطف الأيام على بعضها ، وحقها أن تجمع.

(١) ضمران وواشق : اسمان لكلبين.

(٢) انظر المسألة الرابعة في الإنصاف في مسائل الخلاف ص ٤٠.

٨٣

يكون عوضا منها ، فلذلك لم يجمعوه إلّا بالألف لتكون تاء الجمع كالعوض من تاء التأنيث.

واستدلّ الكوفيون على جواز جمع طلحة وأمثاله بالواو والنون مع حذف التاء منه من غير عوض بجمعهم له جمع التكسير وإن أدّى ذلك إلى حذف التاء من غير عوض ، نحو قوله [من الرجز] :

٤٩ ـ وعقبة الأعقاب في الشهر الأصمّ

فجمع «عقبة» على «أعقاب» ، وهذا عندنا من القلة بحيث لا يقاس عليه. وإن كان صفة اشترط فيه أربعة شروط : الذكوريّة والعقل وخلوه من تاء التأنيث وأن لا يمتنع مؤنثه من الجمع بالألف والتاء ، نحو : عالم ومهندس ، تقول في جمعه : عالمون ومهندسون.

فإن نقص الخلو من تاء التأنيث ، نحو : ربعة ، أو العقل ، نحو : شاحج ، والشحيج صوت البغل ، أو الذكوريّة ، نحو : حائض ، لم يجمع بالواو والنون. وكذلك إن نقص عدم امتناع مؤنّثه من الجمع بالألف والتاء نحو : أحمر وسكران وصبور وشكور.

وذلك أنّ أفعل فعلاء وفعلان فعلى وكلّ صفة للمذكر والمؤنث بغير تاء ، لا يجوز جمع المذكر منها بالواو والنون ولا المؤنث بالألف والتاء إلا شاذّا أو فيما ذهب به مذهب الأسماء ولم يستعمل تابعا لغيره ، وذلك موقوف على السماع. فممّا جاء من ذلك قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ليس في الخضراوات صدقة». وقول الكميت [من الوافر] :

٥٠ ـ فما وجدت نساء بني نزار

حلائل أسودين وأحمرينا

______________________

٤٩ ـ التخريج : الرجز بلا نسبة في خزانة الأدب ٨ / ١٠ ، ١٢ ؛ والدرر ١ / ١٣١ ؛ وهمع الهوامع ١ / ٤٥.

اللغة : عقبة القوم : آخر من بقي منهم. الشهر الأصم : هو شهر رجب سمّي كذلك لعدم سماع صوت السلاح فيه ، ولا حركة قتال.

المعنى : لعلّه يريد أن آخر من بقي من أواخرهم قد عاش بسبب دخولهم في شهر رجب ، والله أعلم.

الإعراب : «وعقبة» : «الواو» : بحسب ما قبلها ، «عقبة» : مبتدأ مرفوع بالضمّة. «الأعقاب» : مضاف إليه مجرور بالكسرة. «في الشهر» : جار ومجرور متعلّقان بالخبر المقدّر (موجود). «الأصم» : صفة مجرورة بالكسرة ، وسكّنت لضرورة الوزن.

الشاهد فيه قوله : «الأعقاب» حيث جمع «عقبة» على «الأعقاب» لا على «العقبات» ، فأسقط «التاء» وجمعه جمع تكسير مثله.

٥٠ ـ التخريج : البيت للكميت بن زيد في ديوانه ٢ / ١١٦ ؛ والمقرب ٢ / ٥٠ ؛ وللحكيم الأعور بن

٨٤

فجمع «خضراء» و «أسود» و «أحمر» جمع الأسماء لاستعمالها غير تابعة لموصوف.

[٦ ـ المجموع بالألف والتاء] :

وأما المجموع بالألف والتاء فكل اسم علم لمؤنث ، نحو : هند أو كلّ اسم فيه علامة تأنيث لمذكر كان أو لمؤنث ما عدا «فعلى فعلان» ، و «فعلاء أفعل» وكل اسم مصغّر لما لا يعقل ، نحو : دريهمات ودنينيرات.

وما عدا ذلك لا يجوز جمعه بالألف والتاء إلا حيث سمع ، نحو : حمّامات وسرادقات واصطبلات وسجلّات ، ولذلك لحّن المتنبي في قوله [من الطويل] :

٥١ ـ إذا كان بعض النّاس سيفا لدولة

ففي النّاس بوقات لها وطبول

فجمع بوقا على بوقات وليس ذلك بابه.

______________________

ـ عياش الكلبي في خزانة الأدب ١ / ١٧٨ ؛ والدرر ١ / ١٣٢ ؛ وشرح شواهد الشافية ص ١٤٣ ؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب ٨ / ١٨ ؛ وشرح شافية ابن الحاجب ٢ / ١٧١ ؛ وشرح المفصل ٥ / ٦٠ ؛ وهمع الهوامع ١ / ٤٥.

اللغة : نزار : قبيلة. الحلائل : ج الحليل ، وهو الزوج.

الإعراب : فما : «الفاء» : بحسب ما قبلها ، و «ما» : نافية. وجدت : فعل ماض مبني على الفتح و «التاء» : للتأنيث. نساء : فاعل مرفوع بالضمة ، وهو مضاف. بني : مضاف إليه مجرور بالياء لأنّه ملحق بجمع المذكر السالم ، وهو مضاف. نزار : مضاف إليه مجرور بالكسرة. حلائل : مفعول به منصوب بالفتحة. أسودين : نعت «حلائل» منصوب بالياء لأنّه جمع مذكر سالم. وأحمرينا : «الواو» : حرف عطف ، «أحمرين» : معطوف على «أسودين» منصوب بالياء لأنّه جمع مذكر سالم والألف للإطلاق.

وجملة «ما وجدت ...» : بحسب ما قبلها.

الشاهد : قوله : «أسودين وأحمرين» حيث جمعهما جمع مذكر سالم مع كون مؤنثهما على وزن «فعلاء» إذ يجب أن يقال : «سود» و «حمر». وهذا شاذ عند جمهرة النحاة.

٥١ ـ التخريج : البيت للمتنبي في ديوانه ٣ / ٢٢٩ ؛ والدرر ١ / ٨٥ ؛ والمحتسب ١ / ٢٩٥ ؛ وبلا نسبة في المحتسب ٢ / ١٥٣ ؛ والمقرب ١ / ٨١ ؛ وهمع الهوامع ١ / ٢٣.

اللغة : بوقات : جمع بوق.

المعنى : إذا كنت في الدولة سيفا يدافع عنها ، ويهاجم أعداءها ، فإن الآخرين طبول وأبواق لا تقوم مقام السيف.

٨٥

[٧ ـ المجموع بالواو والنون] :

والاسم المجموع بالواو والنون حكمه في الجمع كحكمه في التثنية ما لم يكن منقوصا أو معتل الآخر بالألف. فإن كان منقوصا ألحقت العلامتين له من غير أن تردّ المحذوف منه ، وضممت ما قبل الواو وكسرت ما قبل الياء ، فتقول في «قاض» : قاضون ، في الرفع و «قاضين» في النصب والخفض.

فإن كان في آخره ألف حذفتها وألحقت العلامتين ، ويكون ما قبل الياء والواو مفتوحا لتدلّ الفتحة على الألف المحذوفة ، فتقول في جمع «موسى» : موسون في الرفع و «موسين» في النصب والخفض. قال الله تعالى : (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) (١). وقال : (وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ) (٢).

وأجاز أهل الكوفة مع هذا الوجه وجها آخر وهو ضمّ ما قبل الواو وكسر ما قبل الياء حملا على غيره من جمع السلامة ، فتقول : «موسون» في الرفع و «موسين» في النصب ، وذلك غير مسموح ولا جائز قياسا. لأنّك إذا ضممت ما قبل الواو وكسرت ما قبل الياء لم يبق ما يدلّ على الألف المحذوفة.

______________________

ـ الإعراب : إذا : ظرف لما يستقبل من الزمان ، متضمّن معنى الشرط متعلق بخبر المبتدأ في جملة جواب الشرط. كان : فعل ماض ناقص مبني على الفتح. بعض : اسم (كان) مرفوع بالضمّة. الناس : مضاف إليه مجرور بالكسرة. سيفا : خبر (كان) منصوب بالفتحة. لدولة : جار ومجرور متعلقان بصفة لـ «سيفا» محذوفة. ففي الناس : «الفاء» : رابطة لجواب الشرط ، «في الناس» : جار ومجرور متعلقان بخبر محذوف بتقدير (فموجود في الناس بوقات). بوقات : مبتدأ مرفوع بالضمّة. لها : جار ومجرور متعلقان بصفة محذوفة لـ (بوقات). وطبول : «الواو» : للعطف ، «طبول» : معطوف على (بوقات) مرفوع بالضمة.

وجملة «كان بعض ...» : في محلّ جرّ مضاف إليه. وجملة «بوقات موجودة في الناس» : جواب شرط غير جازم لا محلّ لها. وجملة «إذا كان بعض ... ففي الناس بوقات» : ابتدائية لا محل لها.

وجاء بالبيت : معتبرا أن المتنبي قد لحن بقوله (بوقات) جمعا لـ (بوق) ، وقال ابن جنّي : وقد عاب على أبي الطيب من لا مخبرة له بكلام العرب جمع بوق ، والقياس يعضده ، إذ له نظائر كثيرة : مثل حمام وحمامات ، وسرادق وسرادقات ، وجواب وجوابات ، وهو كثير في كلام العرب في جميع ما لا يعقل من المذكّر.

(١) آل عمران : ١٣٩.

(٢) ص : ٤٧.

٨٦

ونون الاثنين مكسورة أبدا على أصل التقاء الساكنين ، ونون الجمع مفتوحة أبدا فتحت فرقا بينها وبين نون التثنية أو طلبا للتخفيف ، فإنّ الكسرة مع الياء والواو مستثقلة ، وقد حكي فتح نون الاثنين مع الياء وهذا مما يقوّي ما ذكرنا من أنّ نون الجمع فتحت طلبا للتخفيف.

فمن ذلك قوله [من الرجز] :

٥٢ ـ يا ربّ خال لك من عرينه

حج على قليّص جوينه

فعلته لا تنقضي شهرينه

شهري ربيع وجماديينه

وأجاز بعضهم فتحها مع الألف ، واستدل على ذلك بقوله [من الرجز] :

٥٣ ـ أعرف منها الجيد والعينانا

ومنخرين أشبها ظبيانا

وهذا البيت لا حجة فيه لأنه لا يعرف قائله.

ويجوز استعمال التثنية بالألف في الأحوال كلها في الرفع والنصب والخفض وذلك في

______________________

٥٢ ـ التخريج : تقدم بالرقم ٤٤.

٥٣ ـ التخريج : الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص ١٨٧ ؛ ولرؤبة أو رجل من ضبّة في الدرر ١ / ١٣٩ ؛ والمقاصد ١ / ١٨٤ ؛ ولرجل في نوادر أبي زيد ص ١٥ ؛ وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص ٨٠ ؛ وخزانة الأدب ٧ / ٤٥٢ ، ٤٥٣ ، ٤٥٦ ، ٤٥٧ ؛ ورصف المباني ص ٢٤ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ٤٨٩ ، ٧٠٥ ؛ وشرح الأشموني ١ / ٣٩ ؛ وشرح التصريح ١ / ٧٨ ؛ وشرح ابن عقيل ص ٤٢ ؛ وشرح المفصّل ٣ / ١٢٩ ، ٤ / ٦٤ ، ٦٧ ، ١٤٣ ؛ وهمع الهوامع ١ / ٤٩.

شرح المفردات : الجيد : العنق. المنخر : ثقب الأنف. ظبيان : قيل اسم رجل ، وقيل : مثنّى «ظبي» ، وهو الغزال ، وهنا لا معنى له. والمرجّح أن يكون اسم علم.

المعنى : يقول إنّه عرف لها عنقا ضخما ، وعينين غريبتين ، ومنخرين يشبهان ظبيان.

الإعراب : «أعرف» : فعل مضارع مرفوع بالضمّة ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره «أنا».

«منها» : جار ومجرور متعلّقان بـ «أعرف». الجيد : مفعول به منصوب. «والعينانا» : الواو : حرف عطف ، «العينانا» معطوف على «الجيد» منصوب بالفتحة ، والألف للإطلاق. «ومنخرين» : الواو حرف عطف ، «منخرين» : معطوف على «الجيد» منصوب بالياء لأنّه مثنّى. «أشبها» : فعل ماض والألف ضمير متّصل مبنيّ في محلّ رفع فاعل. «ظبيانا» : مفعول به.

وجملة : «أعرف ...» الفعلية ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة : «أشبها ظبيانا» الفعليّة في محل نصب نعت «منخرين».

الشاهد : قوله : «والعينانا» حيث فتح نون المثنّى ، ونصبه بفتحة مقدّرة على الألف ، وذلك على لغة بعض العرب.

٨٧

لغة لخثعم وهي فخذ من طيّىء. قال الشاعر [من الرجز] :

٥٤ ـ إنّ أباها وأبا أباها

قد بلغا في المجد غايتاها

فغايتاها في موضع نصب وهو بالألف.

[٨ ـ حكم الاسم المجموع بالألف والتاء] :

والاسم المجموع بالألف والتاء حكمه أيضا في الجمع كحكمه في التثنية ما لم يكن فيه تاء التأنيث ، ولم يكن على وزن فعل أو فعلة أو فعل أو فعلة ، فإن كانت فيه تاء التأنيث حذفتها وألحقت الألف والتاء : تقول في «فاطمة» : فاطمات وفي «عائشة» : عائشات. وإن كان وزن فعل أو فعلة أو فعل أو فعلة فلا يخلو أن يكون صحيحا أو معتل العين أو اللام ،

______________________

٥٤ ـ التخريج : الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص ١٦٨ ؛ وله أو لأبي النجم في الدرر ١ / ١٠٦ ؛ وشرح التصريح ١ / ٦٥ ؛ وشرح شواهد المغني ١ / ١٢٧ ؛ والمقاصد النحويّة ١ / ١٣٣ ، ٣ / ٦٣٦ ؛ وله أو لرجل من بني الحارث في خزانة الأدب ٧ / ٤٥٥ ؛ وبلا نسبة في أسرار العربيّة ص ٤٦ ؛ والإنصاف ص ١٨ ؛ وأوضح المسالك ١ / ٤٦ ؛ وتخليص الشواهد ص ٥٨ ؛ وخزانة الأدب ٤ / ١٠٥ ، ٧ / ١٤٥٣ ؛ ورصف المباني ٢٤ ، ٢٣٦ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ٢ / ٧٠٥ ؛ وشرح الأشموني ١ / ٢٩ ؛ وشرح شواهد المغني ٢ / ٥٨٥ ؛ وشرح ابن عقيل ص ٣٣ ؛ وشرح المفصّل ١ / ٥٣ ؛ ومغني اللبيب ١ / ٣٨ ؛ وهمع الهوامع ١ / ٣٩.

اللغة والمعنى : المجد : الرفعة والشرف. غايتاها : أي منتهاها. والمقصود بالغايتين : الحسب والنسب.

يقول الشاعر : إنّ أبا هذه المرأة وجدّها قد بلغا في المجد الذروة.

الإعراب : إن : حرف مشبّه بالفعل. أباها : اسم «إنّ» منصوب بالألف لأنّه من الأسماء الستّة ، وهو مضاف ، و «ها» ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. وأبا : الواو حرف عطف ، أبا : معطوف على «أباها» منصوب بالألف لأنّه من الأسماء الستّة ، وهو مضاف. أباها : مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدّرة على الألف للتعذّر ، وهو مضاف ، و «ها» : ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. قد : حرف تحقيق. بلغا : فعل ماض مبني على الفتح ، والألف : ضمير فاعل. في : حرف جرّ. المجد : اسم مجرور بالكسرة ، والجار والمجرور متعلّقان بـ «بلغا». غايتاها : مفعول به منصوب بالفتحة المقدّرة على الألف للتعذّر ، وهو مضاف. و «ها» ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. وجملة (إنّ أباها ...) الاسميّة لا محلّ لها من الإعراب لأنّها ابتدائية. وجملة (بلغا ...) الفعليّة في محلّ رفع خبر «إنّ».

والشاهد فيه قوله : «قد بلغا في المجد غايتاها» حيث ألزم المثنى الألف في جملة النصب ، والأشهر النصب بالياء.

٨٨

فإن كان صحيحا جاز فيه ثلاثة أوجه : بقاء العين على سكونها ، نحو : هند وهندات ، وجمل اسم امرأة وجملات ، وفتحها طلبا للتخفيف ، فتقول : هندات وجملات ، واتباعها للفاء فتقول : هندات وجملات.

وإن كان معتلّ العين ، نحو : ديمة ودولة (١) فالإسكان ليس إلّا ، فتقول في جمعه : ديمات ودولات.

وإن كان معتل اللام فحكمه حكم الصحيح ما لم تكن اللام ياء ، فإن كانت ياء فإنّها لا يجوز فيها الإتباع ، نحو : مرية (٢) تقول في جمعه : مريات ، ومريات ، ولا يجوز «مريات» بإتباع حركة العين للفاء.

وإن كان على وزن «فعل» جاز في عينه الفتح والإسكان نحو : دعد ، تقول في جمعه : دعدات ودعدات.

وإن كان على وزن «فعلة» فلا يخلو من أن يكون صحيح العين أو معتله ؛ فإن كان صحيح العين فلا يخلو أن يكون اسما أو صفة ؛ فإن كان اسما ففتح العين ليس إلّا ، نحو : جفنة وجفنات ، ولا يجوز الإسكان إلّا في ضرورة نحو قوله [من الرجز] :

٥٥ ـ [علّ صروف الدهر أو دولاتها

تدلننا اللمّة من لمّاتها]

أو تستريح النفس من زفراتها

______________________

(١) الديمة : السحابة الممطرة. والدولة : المال المتداول بين الناس.

(٢) المرية : الشك.

٥٥ ـ التخريج : الرجز بلا نسبة في الخصائص ١ / ٣١٦ ؛ وشرح الأشموني ٣ / ٥٧٠ ، ٦٦٨ ؛ وشرح شواهد الشافية ص ١٢٨ ؛ وشرح شواهد المغني ١ / ٤٥٤ ؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٣٣٩ ؛ ولسان العرب ٤ / ٣٢٥ (زفر) ، ١١ / ٤٧٣ (علل) ، ١٢ / ٥٥٠ (لمم) ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ٣٩٦.

اللغة : صروف الدهر : نوائبه وأحداثه. الدولات : التحوّلات من حال إلى حال. تدلننا : تغيرنا ، تنقلنا من حال إلى حال. اللمة : الشيء القليل.

المعنى : أرجو من الزمن ومقاديره أن تغيّر حالنا من الانكسار إلى الانتصار وتنيلنا شيئا قليلا يجعل نفوسنا ترتاح ، وأفئدتنا تهدأ.

الإعراب : علّ : حرف مشبّه بالفعل. صروف : اسم (علّ) منصوب بالفتحة. الدهر : مضاف إليه مجرور بالكسرة. أو دولاتها : «أو» : للعطف ، «دولات» : معطوف على (صروف) منصوب مثلها بالكسرة لأنه جمع مؤنث سالم ، و «ها» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. تدلننا : فعل مضارع مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة ، و «النون» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل ، و «نا» : ضمير متصل في محلّ نصب ـ

٨٩

وإن كان صفة فالإسكان ليس إلّا ، نحو : ضخمة وضخمات ، إلّا لفظتان شذّتا وهما : ربعة ولجبة ، قالوا في جمعهما : ربععات ولجبات ، بفتح العين.

وإن كان معتل العين فلا يجوز فيه إلّا إسكان العين ، نحو : جوزة وجوزات وبيضة وبيضات إلا في لغة بني هذيل ، فإنّهم يجرونه مجرى صحيح العين في الفتح فيقولون : جوزات وبيضات.

[٩ ـ اختلاف النحاة في نون المثنى والجمع] :

واختلف الناس في نون الاثنين والجمع ، فمنهم من ذهب إلى أنّها عوض من التنوين فقط ، ومنهم من ذهب إلى أنّها عوض من الحركة مع الألف واللام وعوض من التنوين مع الإضافة ، ومنهم من ذهب إلى أنّها فارقة بين رفع الاثنين ونصب الواحد في حال الوقف. ألا ترى أنّك إذا قلت : «رأيت زيدا» ، ووقفت فإن صورته صورة الاثنين في حال الرفع لو لم تلحق النون. ثم حمل المنصوب في التثنية والمخفوض على المرفوع في لحاق النون. وكذلك حمل الجمع على التثنية في لحاق النون وهو مذهب الفرّاء. ومنهم من ذهب إلى أنّها عوض من تنوينين في التثنية ومن تنوينات في الجمع. فإذا قلت : زيدان : فالنون عوض من التنوين في «زيد وزيد» ، وإذا قلت : زيدون ، فالنون عوض من التنوينات في زيود ، وهو مذهب ابن يحيى من الكوفيين. ومنهم من ذهب إلى أن هذه النون زيدت في الآخر ليظهر فيها حكم الحركة والتنوين اللذين كانا في المفرد ، وليست بعوض ، وهو الصحيح وإليه ذهب سيبويه.

______________________

ـ مفعول به. اللمّة : اسم منصوب بنزع الخافض ، بتقدير (تدلننا على اللمة). من لماتها : جار ومجرور متعلّقان بمحذوف صفة لـ (اللمة) ، و «ها» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. أو تستريح : «أو» : حرف عطف.

«تستريح» : فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد (أو) ، والمصدر المؤول من (أن) المقدرة ، ومن الفعل (تستريح) معطوف على مصدر منتزع مما تقدم. النفس : فاعل مرفوع بالضمّة. من زفراتها : جار ومجرور متعلقان بـ (تستريح) ، و «ها» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة.

وجملة «علّ صروف تدلننا ...» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «تدلننا» : في محلّ رفع خبر (علّ).

وجملة «فتستريح» : صلة الموصول الحرفي لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «زفراتها» حيث سكّن الفاء ضرورة.

٩٠

فأما من ذهب إلى أنّها عوض من التنوين فمذهبه فاسد ، لثباتها مع الألف واللام. وأما من ذهب إلى أنها عوض من الحركة فمذهبه فاسد ، لسقوطها في الإضافة. وأما من ذهب إلى أنّها عوض من الحركة والتنوين فمذهبه فاسد ، لأن ذلك يؤدي إلى التناقض ، لأنه يلزم إثباتها في الإضافة من حيث هي عوض من الحركة وحذفها من حيث هي عوض من التنوين ، وكذلك يلزم مع الألف واللام.

وأما من ذهب إلى أنّها عوض من الحركة مع الألف واللام وعوض من التنوين مع الإضافة فمذهبه فاسد ، لأنّ الاسم لا ينون في حال إضافته ولا حال تعريفه ، وأما من ذهب إلى أنّها عوض من تنوينين فصاعدا ، فمذهبه فاسد ، لأنه لا يجوز أن يعوض حرف من حرفين فأكثر ، وأيضا فإنّه لا نظير له في كلامهم.

وأما من ذهب إلى أنها فارقة بين رفع الاثنين ونصب الواحد ، فيدل على فساد مذهبه لحاقها في الجمع مع أن الجمع ليس من باب التثنية فيحمل عليه. وأيضا فإن حال الوقف عارض لا ينبغي أن يلتفت إليه ، وأيضا فإنّه لا وجه له على هذا المذهب لحذفها للإضافة.

فإذا بطلت هذه المذاهب ، لم يبق إلّا أن تكون زيدت في الآخر ليظهر فيها حكم الحركة تارة وحكم التنوين أخرى ، فأثبتت مع الألف واللام كالحركة ولم تحذف لبعدها من موجب الحذف وهو الألف واللام ، وحذفت مع الإضافة لمجاورتها لموجب الحذف وهو الاسم المضاف إليه ، لحلوله محل التنوين.

فإن سأل سائل : هل العقود نحو «عشرين» و «ثلاثين» من قبيل جموع السلامة أو من قبيل أسماء الجموع ، نحو : قوم وإبل ، أو من قبيل جموع التكسير نحو رجال؟ فالجواب : إنّها من أسماء الجموع. فإن قيل : وما المانع أن تكون جموع سلامة وهي على صورتها ، أعني كونها في آخرها واو ونون في الرفع ، وياء ونون في النصب والخفض؟ فالجواب : إن الذي منع من ذلك شيئان : أحدهما أنها لم تستوف شروط جمع السلامة ، ألا ترى أنّها قد تقع على غير العاقل وعلى المؤنث وأن الزيادتين لم تلحقا اسما علما ولا صفة؟ والآخر : أن ثلاثين لو قدرناه جمع سلامة لم يخل أن يكون واحده ثلاثا أو ثلاثة ، وكلاهما لا ينبغي أن يجمع بالواو والنون ، لأن العدد كله مؤنث كانت فيه علامة أو لم تكن ، والمؤنث لا يجمع بالواو والنون. وأيضا فإنّه لو كان جمع «ثلاث» لكان أقل ما يطلق عليه تسعون أو تسعة ، لأن أقل ما يطلق عليه الجمع ثلاث فلو كان «ثلاثون» جمع «ثلاث» لأعطي ثلاثا ثلاث مرات فإن عنى بالثلاث آحادا كانت تسعة وإن عنى بالثلاث عشرات كانت تسعين.

٩١

فقد بان أن هذه العقود ليست جموع سلامة ، ولو كان عشرون جمعا لعشرة كان مفتوح العين لأن جمع السلامة لا يتغيّر فيه الواحد.

فإن قيل : وما المانع أن تكون جموع تكسير؟ فالجواب : إن جمع التكسير هو الذي له واحد من لفظه بني الجمع عليه ، وقد تبيّن أن هذه العقود ليس لها واحد من لفظها لامتناع أن يكون ثلاثون جمع ثلاث ، وكذلك سائر هذه العقود على حد «ثلاثين» في ذلك ، في أنه لا يتصور من طريق المعنى أن تكون الواو والنون زائدتين فيهما على أسماء العقود ، فثبت أنها من قبيل أسماء الجموع. فالواحد من عشرين رجلا أو امرأة على حسب ما يراد به من المعدودات كما أنّ الواحد من قوم «رجل» ومن إبل «جمل».

فإن قيل : ما وجه كونه بالواو والنون في الرفع ، والياء والنون في النصب والخفض مع أنه ليس من جموع السلامة؟ فالجواب : أنّه جاء على حدّ ما عليه «سنون» و «أرضون» ، ألا ترى أنّ «سنين» ليس بجمع سلامة ، لتغيّر لفظ «سنة» ، ولا جمع تكسير لكونه غير مفرد في نظائره نحو هنة (١) وشفة ألا ترى أنهما لا يجمعان بالواو والنون. فهو وإن كان له واحد من لفظه اسم جمع كـ «ركب» في مذهبنا ، ألا ترى أنه اسم جمع وإن كان واحده راكبا لكونه لم يطّرد ، أعني فاعل على فعل.

فإذا ثبت أن أسماء الجموع قد تجيء بالواو والنون في الرفع ، والياء والنون في النصب والخفض فينبغي أن تحمل هذه العقود على ذلك.

فإن قيل : فإنّما يكون ذلك في المنقوص ، نحو : سنة وعضة (٢) وثبة (٣) ، فالجواب : إنه قد يكون في المؤنث الذي لم يؤنث بعلامة عوضا من العلامة التي ينبغي أن تكون له في الأصل ، إذ الأصل في التأنيث أن يكون بعلامة ، ألا ترى أنّهم قد فعلوا ذلك في «أرض» ، فقالوا : أرضون ، ليكون ذلك عوضا من التاء التي ينبغي أن تكون فيه في الأصل ، فكذلك هذه العقود جاءت بالواو والنون ، والياء والنون ليكون ذلك عوضا من التاء المحذوفة من ثلاث وأربع وسائر أخواتها ، لأن أسماء العدد كلّها مؤنثة ، فكان ينبغي أن تلحقها التاء على كل حال. فهي في جمعها بالواو والنون بمنزلة «أرضين».

______________________

(١) الهنة : خصلة الشرّ.

(٢) لعضة : الكذب ، والجزء ، والفرقة.

(٣) الثّبة : الجماعة من الفرسان أو الناس ، ووسط الحوض.

٩٢

باب الفاعل والمفعول به

[١ ـ تعريف الفاعل] :

الفاعل : هو كل اسم أو ما هو في تقديره أسند إليه فعل أو ما جرى مجراه وقدم عليه على طريقة فعل أو فاعل.

فأما الاسم فقد تقدم حدّه ، وأما «ما هو في تقديره» فهو أنّ وأن وما وكي المصدريّات وسميت مصدريات لأنّها مع ما بعدها في تأويل المصدر إلا أنّ كي لا تكون فاعلة.

فالفاعل إذن لا يكون إلّا اسما وأنّ وأن وما مع ما بعدهنّ ، خلافا لمن أجاز أن يكون الفاعل فعلا ، واحتجّ بقوله تعالى : (ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ) (١) وهذا لا حجة فيه لأنه يحتمل أن يكون فاعل «بدا» ضمير المصدر الدالّ عليه وهو البداء ، كأنه قال : ثم بدا لهم هو أي البداء ، ونظير ذلك قول الشاعر [من الطويل] :

٥٦ ـ إذا اكتحلت عيني بعينك مسّها

بخير وجلّى غمرة من فؤاديا

______________________

(١) يوسف : ٣٥.

٥٦ ـ التخريج : البيت لجرير في النقائض ص ١٧٤ ؛ ولم أقع عليه في ديوانه.

اللغة : اكتحلت : استخدمت الكحل ، وأراد : رأتها قليلا. جلّى : أذهب. غمرة الشيء : شدّته.

المعنى : إنّ رؤيتك العابرة السريعة تكفي لتجلب الخير لعينيّ ، وتذهب عن فؤادي شدّة ما يعانيه ويكابده.

الإعراب : إذا : ظرف لما يستقبل من الزمان ، متضمّن معنى الشرط مبني على السكون في محل نصب مفعول فيه متعلق بالفعل (مسّها). اكتحلت : فعل ماض مبني على الفتح ، و «التاء» : للتأنيث. عيني : فاعل مرفوع بضمّة مقدّرة على ما قبل الياء ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ جرّ مضاف إليه. بعينك : جار ومجرور متعلقان بـ (اكتحلت) ، و «الكاف» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. مسّها : فعل ماض مبني ـ

٩٣

يريد : مسّها هو ، أي الاكتحال ، وتكون اللام من قوله : «ليسجننّه» إما جوابا لقسم محذوف تقديره : والله ليسجننّه ، وإما جوابا لـ «بدا» لهم ، لأنّ «بدا» من أفعال القلوب ، وأفعال القلوب قد تجري مجرى القسم فتحتاج إلى جواب ، بدليل قول الشاعر [من الكامل] :

٥٧ ـ ولقد علمت لتأتينّ منيتي

إنّ المنية لا تطيش سهامها

فجعل «لتأتينّ» جوابا لـ «علمت».

والفعل أيضا قد تقدم حدّه ، وأما ما جرى مجراه فهو اسم الفاعل ، واسم المفعول ، والصفة المشبهة باسم الفاعل ، وغير المشبهة ، والأمثلة التي تعمل عمل اسم الفاعل ،

______________________

ـ على الفتح ، و «ها» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو).

بخير : جار ومجرور متعلقان بـ (مسها). وجلّى : «الواو» : للعطف ، «جلّى» : فعل ماض مبني على الفتح المقدّر على الألف ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). غمرة : مفعول به منصوب بالفتحة. من فؤاديا : جار ومجرور بكسرة مقدّرة على ما قبل الياء ، متعلقان بـ (جلّى) ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ جرّ مضاف إليه ، و «الألف» : للإطلاق.

وجملة «اكتحلت» : في محلّ جرّ مضاف إليه. وجملة «مسّها» : لا محلّ لها (جواب شرط غير جازم).

وجملة «جلّى» : معطوفة على جملة (مسها) لا محل لها. وجملة «إذا اكتحلت عيني ... مسّها» : ابتدائية لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «مسها» حيث جاء الفاعل مستترا عائدا على مصدر فعل سبق وهو (الاكتحال) من (اكتحلت).

٥٧ ـ التخريج : البيت للبيد بن ربيعة في ديوانه ص ٣٠٨ ؛ وتخليص الشواهد ص ٤٥٣ ؛ وخزانة الأدب ٩ / ١٥٩ ـ ١٦١ ؛ والدرر ٢ / ٢٦٣ ؛ وشرح شواهد المغني ٢ / ٨٢٨ ؛ والكتاب ٣ / ١١٠ ؛ والمقاصد النحوية ٢ / ٤٠٥ ؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك ٢ / ٦١ ؛ وخزانة الأدب ١٠ / ٣٣٤ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ص ٤٠٠ ؛ وشرح الأشموني ١ / ١٦١ ؛ وشرح قطر الندى ص ١٧٦ ؛ ومغني اللبيب ٢ / ٤٠١ ، ٤٠٧ ؛ وهمع الهوامع ١ / ١٥٤.

اللغة والمعنى : المنيّة : الموت. تطيش : تخطىء.

يقول : لقد عرفت أنّ الموت لا مفرّ منه ، وأنّ سهامه لا تخطىء أحدا من الناس عاجلا أم آجلا.

الإعراب : ولقد : الواو : بحسب ما قبلها ، لقد : اللام : موطئة للقسم ، قد : حرف تحقيق. علمت : فعل ماض ، والتاء : فاعل. لتأتينّ : اللام : واقعة في جواب القسم ، تأتين : فعل مضارع مبنيّ على الفتح لاتّصاله بنون التوكيد الثقيلة ، والنون : للتوكيد. منيّتي : فاعل مرفوع بالضمّة المقدّرة على ما قبل الياء ، وهو مضاف. والياء : ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. إنّ : حرف مشبّه بالفعل. المنيّة : اسم «إنّ» منصوب بالفتحة. لا : حرف نفي. تطيش : فعل مضارع مرفوع. سهامها : فاعل مرفوع ، وهو مضاف ، و «ها» في محلّ جرّ بالإضافة.

وجملة (قد علمت ...) الفعليّة لا محلّ لها من الإعراب لأنّها ابتدائيّة أو استئنافيّة. وجملة (تأتينّ ـ

٩٤

والمصدر المقدّر بـ «أن» والفعل ، والاسم الموضوع موضع الفعل مصدرا كان أو غير مصدر ، نحو : «ضربا زيدا» ، أي : اضرب زيدا ، و «أقائما وقد قعد الناس» ، أي : أتقوم وقد قعد الناس؟ وأسماء الأفعال نحو : «نزال أكرمك» ، أي : إن تنزل أكرمك ، والظروف والمجرورات إذا قويت فيها جنبة الفعلية وذلك أن تقع أحوالا ، نحو : «جاء زيد وعليه ثوبه» ، أي كائنا عليه ثوبه ، أو صفات نحو : «مررت برجل عليه ثوبه» ، أي : كائن عليه ثوبه ، أو أخبارا ، نحو : «زيد عليه ثوبه وأمامك أبوه» ، أي : كائن عليه ثوبه وكائن أمامك أبوه ، أو موضع ما هو خبر في الأصل ، وذلك في المفعول الثاني في باب «ظننت» ، والثالث في باب «أعلمت» ، نحو : «ظننت زيدا عليه ثوبه» و «أمامك أبوه» ، أي : كائنا عليه ثوبه وكائنا أمامك أبوه ، وكذلك : «أعلمت زيدا عمرا عليه ثوبه» ، أي : ثابتا عليه ثوبه ، أو موضع الفعل في باب الإغراء نحو : «عليك زيدا» ، أي : إلزم زيدا.

وأما أبو الحسن الأخفش فيجري الظروف والمجرورات مجرى الفعل في رفع الفاعل على الإطلاق ، قويت فيها جنبة الفعلية أو لم تقو ، نحو قولك : «في الدار زيد وعندك عمرو» ، فيجيز في «زيد» و «عمرو» أن يكون «زيد» فاعلا بالظرف والمجرور تارة وأن يكون مبتدأ أخرى.

ولا يجوز عندنا أن يكون فاعلا ، وإنما هو مرفوع بالابتداء خاصة ، بدليل تأثير «إنّ» وأخواتها فيه في مثل : «إنّ في الدار زيدا» ، و «إنّ عندك عمرا» ، لأنها لا تعمل إلا في المبتدأ خاصة. فإن قيل : فما الذي يمنع من جعل الاسم بعد الظروف والمجرورات مبتدأ تارة وفاعلا أخرى؟

فالجواب : إنّ الرفع بالابتداء قد ثبت بما ذكرناه ، وأما الفاعلية فتحتاج إلى دليل على إثباتها.

فإن قيل : وإذا ثبت أنّهما يرفعان الفاعل في المواضع المذكورة فما الذي يمنع من حمل غيرها عليها في مثل : «في الدار زيد» و «عندك عمرو»؟ فالجواب : إنّ الظروف

______________________

ـ منيّتي) الفعليّة لا محلّ لها من الإعراب لأنها جواب القسم. وجملة (إنّ المنية ...) الاسميّة لا محلّ لها من الإعراب لأنّها استئنافيّة. وجملة (لا تطيش سهامها) الفعليّة في محلّ رفع خبر «إنّ».

والشاهد فيه قوله : «علمت لتأتينّ منيّتي» حيث اعتبر المؤلف أن «لتأتين» جواب لـ «علمت».

٩٥

والمجرورات لا تقوى فيها جنبة الفعلية هنا على ما قويت فيها هنالك.

وقولنا : وقدّم عليه ، تحرّز ممّا أخر عنه ما أسند إليه ، خلافا لأهل الكوفة فإنهم يجيزون تقدم الفاعل على الفعل في سعة الكلام ، نحو : «زيد قام» ، تقديره : قام زيد ويستدلون على ذلك بقول الزبّاء [من الرجز] :

٥٨ ـ ما للجمال مشيها وئيدا

أجندلا يحملن أم حديدا

قالوا : معناه : وئيدا مشيها ؛ وبقول امرىء القيس [من الطويل] :

٥٩ ـ فظلّ لنا يوم لذيذ بنعمة

فقل في مقيل نحسه متغيّب

______________________

٥٨ ـ التخريج : الرجز للزبّاء في أدب الكاتب ص ٢٠٠ ؛ والأغاني ١٥ / ٢٥٦ ؛ وجمهرة اللغة ص ٧٤٢ ، ٢٣٧ ؛ وخزانة الأدب ٧ / ٢٩٥ ؛ والدرر ٢ / ٢٨١ ؛ وشرح الأشموني ١ / ١٦٩ ؛ وشرح التصريح ١ / ٢٧١ ؛ وشرح شواهد المغني ٢ / ٩١٢ ؛ وشرح عمدة الحافظ ص ١٧٩ ؛ ولسان العرب ٣ / ٤٤٣ (وأد) ؛ ومغنى اللبيب ٢ / ٥٨١ ؛ وللزباء أو الخنساء في المقاصد النحوية ٢ / ٤٤٨ ؛ وبلا نسبة في همع الهوامع ١ / ١٥٩.

شرح المفردات : السير الوئيد : السير على مهل. الجندل : الصخر.

الإعراب : «ما» : اسم استفهام في محلّ رفع مبتدأ. «للجمال» : جار ومجرور متعلّقان بخبر المبتدأ المحذوف. «مشيها» : فاعل مقدّم لـ «وئيدا» على مذهب الكوفيين ، ومبتدأ مرفوع على مذهب البصريين ، وخبره محذوف ، وهو مضاف ، و «ها» ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. «وثيدا» : حال منصوبة. «أجندلا» : الهمزة للاستفهام ، «جندلا» : مفعول به مقدّم. «يحملن» : فعل مضارع مبنيّ على السكون ، والنون ضمير في محلّ رفع فاعل ، «أم» : حرف عطف. «حديدا» : مفعول به منصوب.

وجملة «ما للجمال» ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة «مشيها» مع الخبر : حالية. وجملة «يحملن» استئنافية لا محل لها من الإعراب.

الشاهد : قوله : «مشيها وئيدا» حيث قدّم الفاعل ، وهو قوله : «مشيها» على عامله ، وهو الصفة المشبّهة «وئيدا». وهذا ما قاله الكوفيّون الذين أجازوا تقديم الفاعل على عامله ، أمّا البصريّون فخرّجوا البيت على أنّ «مشيها» مبتدأ ، و «وئيدا» حال من فاعل فعل محذوف ، والتقدير : مشيها يظهر وئيدا ، وجملة الفعل المحذوف مع فاعله في محلّ رفع خبر المبتدأ ، أو على أنّ «مشيها» بدل من الضمير المستكن في الجار والمجرور الواقع خبرا ، وهما قوله : «للجمال» ، ويروى البيت بنصب «مشيها» وجرّها ، وفي هاتين الروايتين ينتفي الشاهد.

٥٩ ـ التخريج : البيت لامرىء القيس في ديوانه ص ٣٨٩ ؛ ولسان العرب ١ / ٦٥٤ (غيب) ، ١٠ / ١٤٨ (زهق) ؛ وتاج العروس ٣ / ٥٠١ (غيب).

اللغة : قل : فعل أمر من قال يقيل إذا ارتاح وقت اشتداد الحر ؛ والمقيل اسم مكان من القيلولة وهي وقت اشتداد الحر عند انتصاف النهار. متغيّب : غائب. ـ

٩٦

قالوا : معناه متغيّب نحسه ؛ وبقول النابغة [من الطويل] :

٦٠ ـ ولا بدّ من عوجاء تهوي براكب

إلى ابن الجلاح سيرها الليل قاصد

قالوا : معناه : قاصد سيرها ، إذ لو لم يكن كذلك ، لقال : قاصده.

______________________

ـ المعنى : عشنا يوما لذيذا ننعم بصحبة الأحبّة ، فإذا ما أردت الرّاحة أو القيلولة ، فاطلبها في يوم يغيب فيه النحس ويكون السعد.

الإعراب : فظلّ : «الفاء» : بحسب ما قبلها ، «ظلّ» : فعل ماض ناقص. لنا : جار ومجرور متعلّقان بخبر (ظلّ) المحذوف. يوم : اسم (ظلّ) مرفوع بالضمّة. لذيذ : صفة (يوم) مرفوع بالضمّة. بنعمة : جار ومجرور متعلّقان بـ (لذيذ) أو بصفة من (يوم). فقل : «الفاء» للاستئناف ، «قل» : فعل أمر مبني على السكون ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (أنت). في مقيل : جار ومجرور متعلقان بـ (قل). نحسه : فاعل مقدّم لاسم الفاعل (متغيب) مرفوع بالضمّة ، و «الهاء» : ضمير متصل في محلّ جرّ مضاف إليه. متغيب : صفة (مقيل) مجرورة بالكسرة.

وجملة «ظل ...» : استئنافية لا محلّ لها. وجملة «قل ...» : استئنافيّة لا محلّ لها.

والشاهد فيه قوله : «نحسه متغيب» حيث أراد «مقيل متغيب نحسه» فقدّم فاعل اسم الفاعل على رأي ، وعلى رأي ثان أنه فاعل لـ (مقيل) وهو مصدر وضع موضع اسم الفاعل.

٦٠ ـ التخريج : البيت للنابغة الذبياني في ديوانه ص ١٤٠.

اللغة : العوجاء : الناقة التي حناها هزالها. تهوي : تسرع ، كأنها ساقطة من عل. ابن الجلاح : ممدوح الشاعر. قاصد إليه : متّجه نحوه.

المعنى : لا بد لي من ناقة أركبها متّجها إلى ابن الجلاح ، حتى لو أهزلها سير الليل كله ، فصارت منحنية بسبب الهزال.

الإعراب : ولا بد : «الواو» : بحسب ما قبلها ، «لا» : نافية تعمل عمل إنّ (نافية للجنس) ، «بدّ» : اسم (لا) منصوب بالفتحة. من عوجاء : جار ومجرور بالفتحة عوضا عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف ، متعلّقان بخبر محذوف. تهوي : فعل مضارع مرفوع بضمة مقدّرة على الياء ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هي). براكب : جار ومجرور متعلقان بـ (تهوي). إلى ابن : جار ومجرور متعلقان بـ (قاصد). الجلاح : مضاف إليه مجرور بالكسرة. سيرها : فاعل مقدّم على اسم الفاعل (قاصد) ، مرفوع بالضمة ، و «ها» : ضمير متصل في محلّ جرّ مضاف إليه. الليل : مفعول فيه ظرف زمان منصوب بالفتحة متعلق بالمصدر (سير). قاصد : صفة (راكب) مجرورة بالكسرة.

وجملة «لا بدّ من عوجاء» : ابتدائية لا محلّ لها ، أو بحسب ما قبلها. وجملة «تهوي» : في محلّ جرّ صفة لـ (عوجاء).

والشاهد فيه قوله : «سيرها الليل قاصد» حيث أراد : (قاصد سيرها الليل) ، فتقدّم فاعل اسم الفاعل.

جمل الزجاجي / ج ١ / م ٧

٩٧

أما قول الزباء : مشيها وئيدا ، فمشيها بدل من الضمير الذي في «الجمال» لأنه موضع خبر المبتدأ الذي هو «ما».

وأما قول امرىء القيس : فقل في مقيل نحسه متغيّب. فـ «نحسه» مرفوع بـ «مقيل» و «مقيل» مصدر وضع موضع اسم الفاعل ، كأنه قال : قائل نحسه ، ويكون معناه ومعنى «متغيب» واحد. وأما قول النابغة سيرها الليل قاصد ، فـ «قاصد» ، صفة «عوجاء» وحذفت منه التاء كما قالوا : «ناقة ضامر» ، وأيضا فإنّه لو لم يكن له تأويل لكان مما يجوز في ضرورة الشعر ، والدليل على ذلك قول الشاعر [من الطويل] :

٦١ ـ صددت فأطولت الصدود وقلّما

وصال على طول الصدود يدوم

أراد : وقلّ ما يدوم وصال ، فقدّم الفاعل على الفعل ، لأن «قلّما» من الحروف التي لا تليها إلّا الأفعال ظاهرة.

______________________

٦١ ـ التخريج : البيت للمرار الفقعسي في ديوانه ص ٤٨٠ ؛ والأزهية ص ٩١ ؛ وخزانة الأدب ١٠ / ٢٢٦ ، ٢٢٧ ، ٢٢٩ ، ٢٣١ ؛ والدرر ٥ / ١٩٠ ؛ وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٠٥ ؛ وشرح شواهد المغني ٢ / ٧١٧ ؛ ومغني اللبيب ١ / ٣٠٧ ، ٢ / ٥٨٢ ، ٥٩٠ ؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب ١ / ١٤٥ ؛ والخصائص ١ / ١٤٣ ، ٢٥٧ ؛ والدرر ٦ / ٣٢١ ؛ وشرح المفصل ٧ / ١١٦ ، ٨ / ١٣٢ ، ١٠ / ٧٦ ؛ والكتاب ١ / ٣١ ، ٣ / ١١٥ ؛ ولسان العرب ١١ / ٤١٢ (طول) ، ٥٦٤ (قلل) ؛ والمحتسب ١ / ٩٦ ؛ والمقتضب ١ / ٨٤ ؛ والممتع في التصريف ٢ / ٤٨٢ ؛ والمنصف ١ / ١٩١ ، ٢ / ٦٩ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ٨٣ ، ٢٢٤.

اللغة : صددت : حرمت ودادك. الصدود : الهجران والإعراض. الوصال : دوام المودّة.

المعنى : لقد أعرضت عني وطال هجرانك لي ، وقلّما يدوم الوداد ويستمرّ الحبّ إذا ما طال الهجران والبعد بين الحبيبين.

الإعراب : «صددت» : فعل ماض مبني على السكون ، والتاء» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل.

«فأطولت» : «الفاء» : للعطف ، «أطولت» : فعل ماض مبني على السكون ، و «التاء» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. «الصدود» : مفعول به منصوب بالفتحة. «وقلما» : «الواو» : استئنافية ، «قلّ» : فعل ماض مبني على الفتح ، مكفوف عن العمل ، و «ما» : حرف كافّ. «وصال» : فاعل مقدّم للفعل «يدوم» مرفوع بالضمّة.

«على طول» : جار ومجرور متعلّقان بالفعل «يدوم». «الصدود» : مضاف إليه مجرور بالكسرة. «يدوم» : فعل مضارع مرفوع بالضمّة.

وجملة «صددت» : ابتدائيّة لا محلّ لها. وجملة «أطولت» : معطوفة عليها لا محلّ لها. وجملة «قلما وصال» : استئنافيّة لا محلّ لها. وجملة «يدوم» : في محل رفع صفة لـ (وصال).

والشاهد فيه قوله : «قلما وصال يدوم» حيث قدّم الفاعل «وصال» على فعله وهو يريد : قلّما يدوم وصال.

٩٨

[٢ ـ تعريف المفعول به] :

وثمرة الخلاف أنّهم يجيزون في فصيح الكلام : «الزيدون قام» ، على تقدير : «قام الزيدون» ، ونحن لا نجيز ذلك إلا في ضرورة الشعر.

وقولنا : «على طريقة فعل» نعني إسناد الفعل إلى الفاعل في المعنى أو ما هو كالفاعل ، نحو : قام زيد ، وتحرّزت بطريقة فعل ، من طريقة فعل ، وهي إسناد الفعل إلى المفعول الذي لم يسمّ فاعله في المعنى ، نحو : ضرب زيد.

وقولنا : «على طريقة فاعل» ، نعني به إسناد الاسم الذي جرى مجرى الفعل إلى الفاعل في المعنى ، نحو : «مررت برجل قائم أبوه وحسن وجهه» ، وتحرّزت بها من طريقة «مفعول» وهي إسناد الاسم الذي جرى مجرى الفعل إلى المفعول في المعنى ، نحو : «مررت برجل مضروب أبوه» ، لأنّ «أبوه» مفعول ما لم يسمّ فاعله.

[٢ ـ تعريف المفعول به] :

وأما المفعول به فهو كل فضلة انتصبت بعد تمام الكلام يكون محلّا للفعل خاصة ، نحو : «ضرب زيد عمرا» ، لأنّ الفضلة ممّا يستغنى عنها والعمدة مما لا يستغنى عنها ، ألا ترى أنك تقول : «ضرب زيد» ، ولا تذكر «عمرا» فيتمّ الكلام دونه ، ولا تقول : «ضرب عمرا» ، دون «زيد» ، لأنّ الفاعل لا يتم الكلام دونه. فقولنا : «كلّ فضلة انتصبت بعد تمام الكلام» ، يدخل تحته جميع الفضلات.

وقولنا : «يكون محلّا» ، يخصّ المفعول به والمفعول فيه دون غيرهما من الفضلات لأنّهما محلّان وما سواهما ليس بمحلّ.

وقولنا : «الفعل خاصة» ، يخصّ المفعول به دون ظرفي الزمان والمكان لأنهما محلان للفعل والفاعل والمفعول ، وذلك نحو : «ضرب زيد عمرا أمامك يوم الجمعة» ، فهما محلان للضرب من حيث وقع فيهما ، ومحلّان للضارب والمضروب من حيث كانا فيهما ، والمفعول إنّما هو محل من حيث وقع الضرب به لا فيه.

٩٩

[٣ ـ رفع الفاعل ونصب المفعول به] :

وإنّما رفع الفاعل ونصب المفعول تفرقة بينهما.

فإن قيل : فهلّا كان الأمر بالعكس؟ فالجواب : إنّ الفعل لمّا كان يطلب جملة من المفعولين أقلّها خمسة ، وهي المفعول المطلق ، والمفعول معه ، وظرف الزمان ، وظرف المكان ، والمفعول من أجله ، نحو قولك : «قام زيد وعمرا قياما يوم الجمعة أمامك خوفا من كذا» ، وأكثرها ثمانية ، وذلك إذا كان الفعل من باب ما يتعدى إلى ثلاثة مفعولين ، تقول : «أعلمت وعمرا بكرا زيدا منطلقا إعلاما يوم الجمعة أمامك خوفا منه» ، ولا يطلب من الفاعلين إلا واحدا ، نصبت طلبا للتخفيف ، ولم يرفع ولم يخفض لئلّا يتوالى به الثقل.

فلما استحق المفعول النصب لم يبق للفاعل إلا الرفع أو الخفض ، فكان الرفع به أولى من الخفض حيث كان الرفع أولا والخفض ثانيا عنه ، لأنّ الضمة من الواو بدليل أن الحركة بعض الحرف ، ألا ترى أنك إذا أشبعتها صارت حرفا والواو من حروف مقدم الفم لأنها من الشفتين والكسرة من الياء والياء من وسط اللسان ، والفاعل أولى من حيث مرتبته أن يقدّم على المفعول ، فأعطي الأول للأوّل مناسبة.

فإن قيل : فما الدليل على تقدّم مرتبة الفاعل؟ فالجواب : إنّ الدليل على ذلك كون الفعل مع الفاعل بمنزلة شيء واحد في بعض المواضع ، وليس هو كذلك مع المفعول.

فمن ذلك الخمسة الأمثلة من الفعل ، مثل : يفعلان ويفعلون وتفعلان وتفعلون وتفعلين ، ألا ترى أنّ إعراب الفعل قد جاء فيها بعد الفاعل ، لكونه قد تنزّل مع الفعل كالشيء الواحد وذلك ، نحو : «الزيدان يقومان» ، و «الزيدون يقومون»؟

وكذلك تسكينهم آخر الفعل في مثل «ضربت» ، دليل على تنزيلها منزلة كلمة واحدة ، ألا ترى أنّهم إنما فعلوا ذلك كراهة توالي أربعة أحرف متوالية التحريك ، وذلك لا يكره إلّا في كلمة واحدة. فلو لا أنّهما قد جعلا بمنزلة شيء واحد لما استكرهوا توالي الحركات فيسكنون.

١٠٠