شرح جمل الزجّاجى - ج ١

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »

شرح جمل الزجّاجى - ج ١

المؤلف:

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-2263-0
ISBN الدورة:
2-7451-2263-0

الصفحات: ٥٨٤

يريد : في حلوقكم ، فإنّ ذلك لا يجوز إلّا في ضرورة.

الجواب عن الثالث : إنّه احترز بقوله : وحرف جاء لمعنى ، من الحرف الذي لم يجىء لمعنى وهو حرف التهجي ، نحو الزاي من «زيد».

ولا يسوغ قول من قال : إنّ «جاء لمعنى» حدّ الحرف ، وزعم أنّ الذي جاء لمعنى إنّما هو الحرف ؛ فأمّا الاسم والفعل فكلّ واحد منهما جاء لمعان ، ألا ترى أنّ الاسم يدلّ على مسماه ويكون مع ذلك فاعلا ومفعولا ومجرورا إلى غير ذلك من المعاني التي تعتور الاسم؟ وكذلك الفعل يدلّ على حدث وعلى زمان ويكون موجبا ومنفيا ومستفهما عنه ، إلى غير ذلك من المعاني التي تعتور الأفعال ، وأمّا الحرف فلا يعطي في حين واحد أكثر من معنى واحد في غيره ، فإن دلّ الحرف على معنيين فصاعدا نحو : «من» التي تكون للتبعيض ولابتداء الغاية ولاستغراق الجنس ، وما أشبهها من الحروف ، فإنّما ذلك في أوقات مختلفة ، ألا ترى أنّ الكلام الذي تكون فيه «من» مبعّضة ، لا تكون فيه لابتداء الغاية ، والاسم يدلّ في حين واحد على مسماه وعلى الفاعلية ، مثلا ، وعلى التصغير وغيره ، وكذلك الفعل يدلّ في حين واحد على الحدث والزمان والخبر والأمر والنهي ، إلى غير ذلك من المعاني. وإنّما قلنا إنّ ذلك فاسد ، لأنّ الاسم يشرك الحرف في ذلك ، ألا ترى أنّ الاسم إنّما يدل على معنى مفرد وهو المسمى ، فلذلك حدّه أبو بكر بن السراج فقال : الاسم ما دلّ على معنى مفرد غير مقترن بزمان محصّل. وأما الفاعلية والمفعولية وغير ذلك من المعاني ، فإنّما هي مفهومة من أمور تلحق الاسم كالإعراب لا من الاسم بعينه.

وأيضا فلو كان أبو القاسم ، رحمه‌الله ، قصد هذا لصرّح بذلك ، فقال : حرف جاء لمعنى مفرد.

وأيضا فإنّه قد حدّ الحرف بعد ذلك بأنّ معناه في غيره لا بأنّه يدلّ على معنى مفرد.

وكذلك أيضا لا يسوغ قول من قال : إنّه أراد : وحرف جاء لمعنى في غيره ، فحذف «في غيره» لأنّه معلوم. فينبغي أن لا يصف الحرف بمجيئه لمعنى لأنّه إذا علم أن معناه في غيره ، فقد علم أنّه جاء لمعنى ، وأيضا فإنّه قد حدّ الحرف بعد ذلك بأنّ معناه في غيره فيكون ذلك ، على هذا ، تكرارا لا فائدة فيه.

٢١

قوله : فالاسم ما جاز أن يكون فاعلا أو مفعولا أو دخل عليه حرف من حروف الجر ، بيّن قصده بذلك أن يحدّ الاسم ، لأنّ الاسم أمر مفرد والمفرد لا يعرف إلّا بالحدّ ، وهذا الحدّ الذي حدّ به الاسم فاسد ، لأنّه ليس بجامع ، ومن شرط الحدّ أن يكون جامعا لأنواع المحدود حتى لا يشذّ منها شيء ، مانعا لما هو من غير المحدود أن يختلط بالمحدود ، والدليل على أنّه ليس بجامع أن «ايمن» التي [هي] في مذهبنا اسم مفرد لا تستعمل إلا في القسم مبتدأة ولا يدخل عليها حرف الجرّ ولا تكون فاعلة ولا مفعولة.

ولا مطعن في هذا الحد بأكثر من «ايمن» ، فأما من رأى أنه يخرج عن هذا الحد الأسماء المختصة بالنداء ، نحو : «هناه» و «لكاع» و «فساق» وأخواتها ، والأسماء التي التزم فيها النصب على المصدرية والظرفية ولم تتصرّف نحو : «سبحان الله» ، و «معاذ الله» ، و «سحر» و «بعيدات بين» ، و «أين» ، و «متى» ، والأسماء التي للشرط والاستفهام ، و «لعمر الله» ، و «عوض» و «جير» ، فما ذهب إليه فاسد.

أما أسماء الشرط والاستفهام فإنّه امتنع فيها أن تكون فاعلة ، لكون الاستفهام والشرط أخذا صدر الكلام ، وأما المفعولية ودخول حرف الجر فسائغ فيها ، وحدّ أبي القاسم لا يقتضي أنّه يلزم في الاسم اجتماع الأوصاف الثلاثة ، لأنه أتى فيها بلفظ «أو».

وأما المنادى فمفعول بإضمار فعل لا يجوز إظهاره في مذهبنا ، فهو داخل تحت الحد. وكذلك الأسماء التي انتصبت على المصدر أو الظرف ولزم ذلك فيها ، لأنّ المصدر يسمّى مفعولا مطلقا ، أعني : يقال فيه مفعول ولا يقيّد بشيء ، وكذلك الظرف يسمى مفعولا فيه ، وأبو القاسم إنّما حدّ الاسم بأنّه ما جاز. أن يكون مفعولا على الإطلاق. أيّ مفعول كان.

وأمّا «لعمر الله» ، فالعمر هو البقاء ، وهو يجوز أن يكون فاعلا ومفعولا ، وأن يدخل عليه حرف من حروف الجرّ. تقول : «سرّني عمرك» ، و «أحببت عمرك» ، و «انتفعت بعمرك» ، وإنّما لزم الابتداء ولم يتصرّف في القسم ، والمستعمل في القسم هو المستعمل في غيره.

٢٢

وكذلك عوض هو منصرف في غير القسم ، نحو قوله [من الهزج] :

٨ ـ ولو لا نبل عوض في

حظبّاي وأوصالي

وأما «جير» فمبنيّ ، وجائز أن يكون في موضع نصب بإضمار فعل ، نحو : «يمين الله» ، وأما «ايمن» الذي هو اسم مفرد من اليمين ، فلم يستعمل إلا في القسم ، ولم يستعمل مع ذلك إلّا مبتدأ ، فلذلك لم يدخل تحت الحد ، لأنّ هذا الحدّ إنّما وضعه أبو القاسم على التسامح ، وقد بين ذلك في الإيضاح له فزاد في الحد وما كان في حيّز ذلك فيدخل بهذه الزيادة ، تحت الحدّ جميع الأسماء ، ألا ترى أنّ «ايمن» في حيّز ما يجوز أن يكون فاعلا لأنّ المبتدأ مخبر عنه كالفاعل ، فهذا الحدّ منتقد من ثلاثة أوجه :

أحدها : أنّه تسمّح فيه ، والتسامح لا يجوز في الحدود.

والآخر : أنه أتى في الحدّ بـ «ما» وهي للإبهام و «أو» وهي للشك ، وهذان اللفظان وأشباههما غير سائغين في الحدّ لأنّ الحدّ موضوع لتحديد اللفظ ونصّ على المعنى.

والثالث : أنّه حدّ الاسم بأنه ما جاز أن يكون فاعلا ومفعولا قبل أن يبيّن ما الفاعل والمفعول في اصطلاح النحويين ، فيؤدي ذلك إلى جهل الاسم.

ولا يعترض على هذا الحد بعدم المنع ، فيقال : الفعل أيضا قد يكون فاعلا في مثل

______________________

٨ ـ التخريج : البيت للفند الزماني في خزانة الأدب ٧ / ١١٦ ، ١١٩ ؛ والدرر ٣ / ١٣٢ ؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٥٣٨ ؛ ولسان العرب ١ / ٣٢٣ (خطب) ؛ وبلا نسبة في همع الهوامع ١ / ٢١٣.

اللغة : النبل : السّهام ، جمع لا واحد له من لفظه ، واحده سهم ونشّابة. عوض : الدهر ، الزمان.

الحظبّى : صلب الرجل ، ظهره. الأوصال : المفاصل.

المعنى : ولو لا سهام الزمان في ظهري ومفاصلي .. لكان لي معكم شأن آخر.

الإعراب : ولو لا : «الواو» : بحسب ما قبلها ، «لو لا» : حرف امتناع لوجود. نبل : مبتدأ مرفوع بالضمة ، خبره محذوف تقديره (كائن ، موجود). عوض : مضاف إليه مجرور بالكسرة. في خطباي : جار ومجرور بكسرة مقدّرة على ما قبل ياء المتكلّم ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة ، والجار والمجرور متعلّقان بخبر المبتدأ. وأوصالي : «الواو» : للعطف ، «أوصالي» : معطوف على المجرور مجرور مثله بكسرة مقدّرة على ما قبل الياء ، و «الياء» : ضمير في محلّ جرّ مضاف إليه.

وجملة «لو لا نبل» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «نبل عوض كائن» جملة الشرط غير الظرفي لا محل لها. وجملة جواب الشرط غير الجازم في بيت تال.

والشاهد فيه قوله : «نبل عوض» حيث صرف (عوض) جرّا بالإضافة كما رأيت في الإعراب.

٢٣

قوله : (ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ) (١). فإنّ ذلك مؤول ، وفاعل «بدا» ضمير المصدر الذي يدل عليه «بدا» كأنّه قال : بدا لهم بداء. وكذلك ما جاء من هذا.

[٢ ـ تعريف الاسم] :

وقد أكثر الناس في حدّ الاسم فأوضح ، ما حدّ به الاسم أن تقول : الاسم كلمة أو ما قوّته قوة كلمة تدلّ على معنى في نفسها ولا تتعرّض ببنيتها للزمان. فقولنا : كلمة ، جنس عام للاسم والفعل والحرف ، وقولنا : أو ما قوّته قوة كلمة ، يحترز من «تأبّط شرّا» وأمثاله ، لأنه وإن لم يكن كلمة واحدة ، فقوّته قوة كلمة واحدة لأنه قد صار يفيد ما تفيده الأسماء المفردة كزيد وعمرو. وقولي : تدل على معنى في نفسها ، يحترز من الحرف الذي يدل على معنى في غيره. ولا يعترض على ذلك بالموصولات ، فيقال : هي أسماء ولا تدل على معنى في نفسها بل في غيرها ، ألا ترى أنّه لا يقال : «جاءني الذي» ، ويسكت بل لا بدّ من الإتيان بالصلة لفظا أو نية نحو قولك [من الرجز] :

٩ ـ من اللواتي والتي واللاتي

يزعمن أنّي كبرت لداتي

______________________

(١) يوسف : ٣٥.

٩ ـ التخريج : الرجز بلا نسبة في خزانة الأدب ٦ / ٨٠ ، ١٥٤ ، ١٥٦ ؛ ولسان العرب ١٥ / ٢٣٩ (لتا).

اللغة : اللدات : جمع لدة وهو التّرب أي الصاحب المماثل في العمر.

المعنى : من النسوة اللاتي قلن كذبا : لقد كبرت صاحباتي ، أي لقد كبرت.

الإعراب : من اللواتي : حرف جر ، واسم موصول مبني على السكون في محلّ جرّ بحرف الجرّ ، والجار والمجرور متعلقان بما قبل هذا الرجز ، أو نقدّر مبتدأ وخبرا محذوفين ونعلّقهما بالخبر. والتي : «الواو» : حرف عطف ، «التي» : اسم موصول معطوف على «اللواتي» ، وكذلك إعراب «واللاتي». يزعمن فعل مضارع مبني على السكون ، و «نون النسوة» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. أني : حرف مشبّه بالفعل ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ نصب اسم (أنّ). كبرت : فعل ماض مبني على الفتح ، و «التاء» : للتأنيث. لداتي : فاعل مرفوع بضمّة مقدرة على ما قبل الياء ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ جرّ مضاف إليه ، والمصدر المؤول من (أنّ) ومعموليها تسدّ مسد مفعولي (يزعم).

وجملة «يزعمن» : صلة الموصول لا محلّ لها. وجملة «كبرت» : في محلّ رفع خبر «أنّ».

والشاهد فيه قوله : «من اللواتي والتي واللاتي يزعمن» حيث جاء باسمين موصولين (اللواتي) و (التي) ولا صلة ظاهرة لهما ، تفسرها صلة (واللاتي).

٢٤

فصلة «اللواتي» و «التي» محذوفة لدلالة «يزعمن» عليها.

وإنما كان الاعتراض بذلك فاسدا لأن الموصول يدل على معنى في نفسه لكن مع غيره ، والدليل على ذلك أن الموصول لا يغيّر معنى ما يدخل عليه ، تقول : زيد أبوه قائم ، فيكون المفهوم من الجملة التي هي : أبوه قائم بعد الذي ما كان مفهوما منها قبل دخول «الذي» عليها ، والحرف يغيّر معنى ما يدخل عليه ، تقول : «قبضت الدراهم» ، فتكون الدراهم تعطي معنى العموم ، فإذا قلت : «قبضت من الدراهم» ، خرجت «الدراهم» من العموم بالنص ، وكان المقبوض بعضها.

ولا يعترض على ذلك بأسماء الشرط ، فيقال : هي أسماء وقد دلت على معنى في غيرها ، ألا ترى أنها أحدثت فيما بعدها معنى الشرط وقد كان قبل دخولها ليس كذلك؟ لأن حد الاسم : ما دلّ على معنى في نفسه ، لا يقتضي أنه لا يدل مع ذلك على معنى في غيره ، بل قد يشترك مع الحرف في الدلالة على معنى في غيره ، ويخالفه في الدلالة على معنى في نفسه ، وأسماء الشرط وإن دلت على معنى في غيرها فلها معان في أنفسها. ألا ترى أنك إذا قلت : «من يقم أقم» ، أحدثت «من» في الفعل الشرط ، وهي مع ذلك واقعة على من يعقل. وقولي : «ولا تتعرض ببنيتها للزمان» يحترز من الفعل ، ولا يعترض على ذلك بأمس وغد ولا بالصبوح والغبوق وأمثال ذلك فيقال : هي أسماء وقد تعرضت لزمان ، ألا ترى أن «أمس» يعطي اليوم الذي قبل يومك ، و «غدا» يعطي اليوم الذي بعد يومك ، و «الصبوح» يدل على «الصباح» و «الغبوق» يدل على «العشي»؟ لأنها لم تتعرض ببنيتها للزمان بل وضعها لذلك ، ألا ترى أنها لا تتغير أبنيتها للزمان ولا يلتفت إلى اعتراض الفارسي على هذا الحد بعدم المنع ، واستدل على ذلك بأن يفعل لا يتعرض ببنيته للزمان لأنه متردد بين الحال والاستقبال لأنّ «يفعل» قد تعرض ببنيته للدلالة على أن الزمان ليس ماضيا ، فهذا حدّ صحيح لا مطعن فيه أكثر من الإتيان بـ «أو» التي ليست من الألفاظ المستعملة في الحدود.

وإن شئت قلت في حدّ الاسم ، حتى تسلم من الاعتراض : الاسم لفظ يدلّ على معنى في نفسه ولا يتعرض ببنيته للزمان ، ولا يدلّ جزء من أجزائه على جزء من أجزاء معناه.

فقولي : «لفظ» ، جنس للاسم والفعل والحرف ، ويدخل تحت ذلك تأبّط شرّا وبابه لأن اللفظ يقع على ما قلّ وكثر. وقولي : «يدلّ على معنى في نفسه» ، يحترز من الحرف كما تقدم ، وقولي : «ولا يتعرض ببنيته للزمان» ، يحترز من الفعل كما تقدم أيضا. وقولي : «ولا يدل جزء من أجزائه على جزء من أجزاء معناه» ، يحترز من الجملة مثل «زيد قائم» ، فإنها بأسرها تدل على معنى في نفسها ولا تتعرض ببنيتها للزمان ، ألا ترى أن الجزء منه وهو

٢٥

«زيد» أو «قائم» يدل على جزء من أجزاء معنى الجملة؟ فـ «قائم» يدل على الخبر و «زيد» يدلّ على المخبر عنه ، والجملة تدل على مجموعهما ، والاسم يدل على مسماه ، وجزء الاسم الذي هو حرف التهجي لا يدل على بعض المسمّى ، ألا ترى أن الزاي من «زيد» لا يدل على عضو من أعضائه ، ولا على معنى من معانيه؟

[٣ ـ تعريف الفعل] :

قول أبي القاسم : والفعل ما دلّ على حدث وزمان ماض أو مستقبل.

قصده بذلك أن يحدّ الفعل. فقوله : «ما دلّ على حدث وزمان» ، يحترز بذلك عمّا يدلّ على حدث دون زمان وهو المصدر نحو : «قيام» ، أو على زمان دون حدث نحو «أمس» و «غد». وقوله : «ماض أو مستقبل» ، يحترز بذلك أيضا ممّا يدل على حدث وزمان ولا يعطي أنّ الزمان ماض ولا مستقبل ، نحو الصبوح والغبوق ، ألا ترى أن الصبوح يدل على الشرب وهو حدث ، وعلى الصباح وهو زمان ، وكذلك الغبوق يدل على الشرب وهو حدث ، وعلى العشيّ وهو زمان ، إلا أنهما لا يعطيان أن الزمان ماض ولا مستقبل.

وهذا الحدّ أيضا فاسد من وجهين :

أحدهما : أنّه أورد في الحد لفظ «ما» و «أو» وقد تقدّم أنهما من الألفاظ التي لا تورد في الحدود. والآخر : أنه ليس بجامع من وجهين : من جهة أنّه لا يدخل تحت هذا الحد من الأفعال ما هو حال ، بل كان الظاهر من هذا الموضع أنّه من الفئة المنكرة لفعل الحال لو لا نصّه على إثباته في باب الأفعال.

ومن جهة أنّه لا يدخل تحت ذلك من الأفعال ما لا يدل على حدث كـ «كان» الناقصة وأخواتها ، و «نعم» ، و «بئس» ، و «حبّذا» ، و «عسى» ، وفعل التعجب.

ولا يلتفت إلى قول من قال : إن هذه الأفعال إنما هي حروف لكن سميت أفعالا مجازا لمّا كانت تشبه الأفعال ، لأنّ ذلك خلاف ما ذهب إليه النحويون ، بل لو كان الأمر على ما ذهب إليه هذا الذاهب لم يكن للخلاف بينهم في هذه الأفعال وجه إذ لا تثريب في الاصطلاحات ، فإذا ذهب ذاهب من النحويين إلى تسمية حرف من الحروف فعلا لشبهه بالفعل مع تسليمه أنه ليس في الحقيقة فعلا ، لم يسغ لغيره أن يخالفه في ذلك. والخلاف محفوظ عنهم في «ليس» وفعل التعجب (١).

______________________

(١) ذهب الكوفيّون إلى أنّ «أفعل» في التعجّب ، نحو : «ما أحسن زيدا» اسم ، وذهب البصريون إلى أنه فعل ـ

٢٦

ولا يلتفت أيضا إلى قول من قال : إنه قصد أن يحد الفعل المطلق. أعني الذي يقال فيه : فعل ، دون تقييد ، وما اعترضوه لا يقال فيه فعل إلا بتقييد. ألا ترى أنّ «كان» وأخواتها تسمى أفعالا ناقصة و «نعم» و «بئس» يسمّيان فعلي مدح وذمّ ، و «أفعل» في التعجب يسمّى فعل تعجب ، و «عسى» يسمّى فعل مقاربة ، لأنّه إنمّا قصد حدّ الفعل الذي هو قسم من أقسام الكلام ، فينبغي أن يأتي بحدّ يعمّ مطلق الأفعال ومقيدها.

والحد الصحيح في الفعل أن يقول : الفعل كلمة أو ما قوّته قوّة كلمة ، تدل على معنى في نفسها وتتعرض ببنيتها للزمان.

فقولي : «كلمة» ، جنس عام للاسم والفعل والحرف ، وقولي : «أو ما قوّته قوّة كلمة» ، يحترز من «حبذا» في مذهب من يرى أن «حبذا» كله فعل وعليه الأكثر. وقولي : «تدل على معنى في نفسها» ، يحترز من الحرف ، وقولي : «وتتعرض ببنيتها للزمان» يحترز من الاسم.

وإن شئت : الفعل لفظ يدل على معنى في نفسه ويتعرض ببنيته للزمان ولا يدل جزء من أجزائه على جزء من أجزاء معناه.

فقولي : «لفظ» ، جنس عام للاسم والفعل والحرف. وقولي : «ولا يدل جزء من أجزائه على جزء من أجزاء معناه» يحترز من مثل : «قمت» ، فإنه يدل على معنى في نفسه ويتعرض ببنيته للزمان ، لأنه إذا تعرض الفعل الذي هو «قام» للدلالة على الزمان والضمير قد يتنزّل منزلة الحرف منه فلا يبعد أن توصف الجملة التي هي : قمت ، بأنها تعرّضت ببنيتها للزمان. فيتخلص من ذلك بأن تقول : ولا يدل جزء من أجزائه على جزء من أجزاء معناه ، كما فعلت ذلك في حد الاسم.

قوله : والحدث المصدر وهو اسم الفعل والفعل مشتق منه. لما كان قد أخذ في حد الفعل أنّه : ما دل على حدث ، وكان الحدث في اصطلاح النحويين بخلاف ما هو عليه في العرف ، لأنه في العرف : المعنى الصادر عن الفاعل ، وفي اصطلاح النحويين : اللفظ الصادر عن الفاعل ، خاف أن لا يفهم ما أراد بالحدث فاحتاج إلى تبيينه ، فبيّن أن الحدث إنما أراد به المصدر وبين المصدر بأنه اسم الفعل.

الفصل ظاهره متناقض ، لأنه من حيث جعل المصدر اسما للفعل مشتقا يلزمه أن

______________________

ـ ماض ، وإليه ذهب أبو الحسن علي بن حمزة من الكوفيين.

انظر : الإنصاف في مسائل الخلاف ص ١٢٦ ـ ١٤٨.

٢٧

يكون الفعل قبل المصدر ، لأن المسمى قبل الاسم ، ومن حيث جعل الفعل مشتقا من المصدر يلزمه أن يكون المصدر قبل الفعل ، لأن المشتق منه قبل المشتق. وفي الانفصال عن ذلك طريقان :

أحدهما : أن يكون أراد بالفعل الأول المعنى الصادر عن الفاعل ، كأنه قال : والمصدر اسم المعنى الصادر عن الفاعل ، وأراد بالفعل الأخير اللفظ الذي هو أحد أقسام الكلام وهو الفعل في اصطلاح النحويين ، كأنه قال : والفعل الذي هو أحد أقسام الكلام مشتق من المصدر الذي هو اسم المعنى الصادر عن الفاعل ، فيكون الفعل الذي هو قبل المصدر خلاف الفعل الذي هو بعده.

والطريق الثاني : أن يريد بالفعل الأول ما أردت بالثاني ، وهو اللفظ الذي هو أحد أقسام الكلام ، ويكون معنى قوله : اسم الفعل ، الاسم الذي أخذ منه ، كما تقول : هذا تراب الآنية الذي صيغت منه ، فلا يكون الفعل على أنه مسمى للمصدر وهو أولى ، بدليل قوله في باب ما تتعدى إليه الأفعال المتعدية وغير المتعدية : «واعلم أن أقوى تعدّي الفعل إلى المصدر لأنه اسمه» ، يريد لأن المصدر الاسم الذي أخذ منه الفعل ، فينبغي أن يفسر كلامه بكلامه.

[٤ ـ الأصل في الاشتقاق] :

وهذه المسألة خلافية بين أهل البصرة وأهل الكوفة(١).

فمذهب أهل الكوفة أن المصدر مشتق من الفعل واستدلوا على ذلك بأن الفعل عامل في المصدر ، لأنه به انتصب ، والعامل قبل المعمول ، والبعدي مأخوذ من القبلي.

ولا حجة في ذلك لأن العامل إنما هو قبل عمله لا قبل معموله. وعمله إنما هو النصب ، وإذا كان الفعل قبل النصب الذي في المصدر لم يلزم أن يكون قبل المصدر ، وأيضا فإن العمل إنما حصل في المصدر بعد التركيب ، ونحن إنمّا ندّعي أن الفعل مأخوذ من المصدر قبل التركيب.

واستدلوا أيضا بأنّ المصدر مؤكّد للفعل والفعل مؤكد ، بدليل أنك قلت : «قمت قياما» ، لم يكن في «قيام» زيادة فائدة والمؤكّد قبل المؤكّد.

وذلك أيضا فاسد ، لأن التأكيد إنما طرأ بعد التركيب ، وهذه الأفعال إنما اشتقت منها

______________________

(١) انظر المسألة الثامنة والعشرين من مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والنحويين الكوفيين في الإنصاف في مسائل الخلاف ص ٢٣٥ ـ ٢٤٥.

٢٨

قبل ذلك. وأيضا فإن المصادر لا يلزمها أن تكون مؤكّدة بل إنما يكون ذلك فيها إذا انتصبت بعد أفعالها.

واستدلوا أيضا بأن المصدر يعتلّ باعتلال الفعل ويصح بصحته نحو : «قيام» اعتلت فقلبت واوه ياء والأصل : «قوام» ، كما اعتل «قام» ، وصح «اجتوار» لصحة «اجتور» ، والفروع أبدا هي المحمولة على الأصول.

ولا حجة في ذلك ، لأنّ الأصل قد يحمل على الفرع فيما هو أصل في الفرع وفرع في الأصل ، ألا ترى أنّ الأسماء تحمل على الحروف فتبنى وإن كانت الأسماء قبلها ، لأنّ البناء أصل في الحروف فكذلك المصادر حملت على الأفعال وإن كان المصدر قبله ، لأنّ الاعتلال أصل في الفعل.

واستدلّوا أيضا بأنّه قد وجدت أفعال ولا مصادر لها ، نحو فعل التعجب و «نعم» و «بئس» ، فلو كان الفعل مشتقا من المصدر ، لوجب أن لا يوجد فعل إلّا وله مصدر. وهذا لا حجة لهم فيه ، لأن العرب قد وجدناها ترفض الأصول وتستعمل الفروع ، نحو : «كاد زيد يقوم» ، «يفعل» منه في موضع الاسم ولا يستعمل الاسم خبرا لكاد إلّا في موضع الضرورة. ومثل ذلك كثير.

ويلزمهم في مقابلة هذا ما وجد من المصادر ولم يستعمل له فعل ، نحو : الرجولة والأبوّة والأمومة ، فلو كان المصدر مأخوذا من الفعل على زعمهم للزم أن لا يوجد مصدر إلّا وله فعل مستعمل.

وأيضا فإنهم راموا إثبات كون المصدر بعد الفعل ، ولو ثبت لهم ذلك لم يلزم عليه أكثر من إبطال أن يكون الفعل مشتقا منه ، وبقي عليهم أن يثبتوا أن المصدر مشتق من الفعل ، إذ لا يلزم من كون المصدر بعد الفعل أن يكون مشتقّا منه ، بل لعلّه أصل في نفسه غير مشتق.

وذهب أهل البصرة إلى أنّ الفعل مشتقّ من المصدر. واستدلوا على ذلك بأنّ الفعل خاص بالزمان ، والمصدر مبهم والمبهم قبل الخاص ، فالمصدر قبل الفعل والبعدي مأخوذ من القبليّ ، فالفعل مأخوذ من المصدر.

واستدلوا أيضا بأنّ المصدر مبهم الأبنية كثيرها ، فلو كان مشتقّا من الفعل لكان يجري على أوزان محصورة لا يتعداها كاسم الفاعل واسم المفعول المشتقين من الفعل ، فلما كثرت أبنيته وانتشرت ، دلّ ذلك على أنّه اسم أوّل وأنّ الفعل هو الذي اشتق منه.

واستدلّوا أيضا بأنّ المصدر من جنس الأسماء ، والأسماء قبل الأفعال ، فالمصدر قبل

٢٩

الفعل والبعديّ مأخوذ من القبلي ، فالفعل مأخوذ من المصدر.

والصحيح أن هذه الأدلة الثلاثة غير كافية في إثبات أنّ الفعل مشتق من المصدر إذ لا يثبت أكثر من أن المصدر قبل الفعل وأصل بنفسه ، وإذا كان أصلا في نفسه أو كان قبل الفعل ، لم يلزم أن يكون الفعل مشتقّا من المصدر. لكن الدليل القاطع أن يقال : استقرئت المشتقّات ، فوجدت تدل على ما اشتقّت منه وزيادة وتلك الزيادة تعني فائدة الاشتقاق ، نحو : أحمر ، مشتق من الحمرة ويزيد على ذلك بالشخص ، وكذلك «ضارب» و «مضروب» يدلان على الضرب مع زيادة الشخص ، والأفعال تدل على المصدر مع زيادة الزمان ، فدل ذلك على أنّها مشتقة منه.

[٥ ـ تعريف الحرف] :

قوله : «والحرف ما دل على معنى في غيره» ، ليس بحد صحيح للحرف ، لأنّه ليس بمانع ، لأن الأسماء قد تدلّ على معنى في غيرها ، ألا ترى أنّك إذا قلت : «قبضت بعض الدراهم» ، أدت «بعض» من المعنى في «الدراهم» ما تؤدّيه «من» إذا قلت : من الدراهم ، فلا بد أن يقول في حد الحرف : كلمة تدل على معنى في غيرها ولا تدل على معنى في نفسها ، وحينئذ لا تدخل عليه الأسماء ، لأن الأسماء وإن دلّت على معنى في غيرها فهي مع ذلك دالّة على معنى في نفسها ، ويسلم الحدّ أيضا من إدخال «ما» فيه.

٣٠

باب الإعراب

[١ ـ تعريف الإعراب] :

قوله : إعراب الأسماء رفع ونصب وخفض ... الفصل. الإعراب في اللغة الإبانة عن المعنى ، يقال ؛ أعرب الرجل عن حاجته إذا أبان عنها ، ومنه قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «والثيّب تعرب عن نفسها» ، أي : تبين. ويكون أيضا بمعنى التغيير ، يقال : «عربت معدة الرجل» ، إذا تغيّرت ، وقريب من هذا المعنى «أعربت الدابّة في مرعاها» ، إذا لم تستقر في جهة منه. ويكون أيضا بمعنى التحسين ، ومنه قوله تعالى : (عُرُباً أَتْراباً) (١). أي : حسانا.

وأما في اصطلاح النحويين فهو تغيّر آخر الكلمة لاختلاف العوامل الداخلة عليها لفظا أو تقديرا.

فقلت : «تغيير أواخر الكلم» لأتحرز بذلك عن تغيّر ما ليس بآخر ، كالتغيير الذي يكون لسبب التصغير ، والتكسير ، نحو : «زييد» ، و «زيود» ، و «أسد».

وقلت : «لاختلاف العوامل» لأحترز بذلك مما تغيّر آخره لغير اختلاف عوامل العوامل ، كتغيير آخر أفعى في الوقف ، فإنه يجوز أن يوقف عليه بالياء والواو والألف. وقلت : «الداخلة عليها» لأتحرز بذلك مما يغيّر آخره لاختلاف العوامل الداخلة في كلام آخر ، وذلك في الاسم المحكيّ بـ «من» ، نحو قولك : من زيد؟ لمن قال : «جاءني زيد» ، و «من زيدا»؟ لمن قال : «رأيت زيدا» ، و «من زيد»؟ لمن قال : «مررت بزيد» ، فالآخر من «زيد» قد تغير لاختلاف العوامل في كلام المستثبت.

وهذا التغيّر يكون لفظا فيما آخره حرف صحيح أو ياء أو واو ساكن ما قبلها إذا لم

______________________

(١) الواقعة : ٣٧.

٣١

يضف إلى ياء المتكلم ، ويكون تقديرا فيما كان آخره ألفا في الأحوال الثلاثة ، أعني الرفع والنصب والجرّ ، وفيما آخره واو مضموم ما قبلها في الرفع خاصة ، وفي ما آخره ياء مكسور ما قبلها في الرفع والخفض.

فإن قلت : ينبغي ألا يكون في الحدّ حشو ، وأنت لو قلت : «تغيير الكلمة لاختلاف العوامل الداخلة عليها» ، لكان كافيا ولم تحتج إلى قصر التغيير على الآخر ، فالجواب إنّه لو لم تزد في الحدّ اشتراط التغيير في الآخر لدخل عليه تغيّر الراء من «امرىء» والنون من «ابنم» ألا ترى أنّ تغييرهما إنمّا هو إتباع للإعراب يعني الراء والنون والإعراب بسبب العوامل يمكن أن يقال : إن هذا التغيير بالعامل وإن كان بواسطة الإعراب.

وقد اعترض بعض الناس هذا الحدّ بـ «سبحان» و «سحر» وأمثالها من الأسماء التي لم تتصرف ولزمت ضربا واحدا من الإعراب بعدم تغيير آخره.

وهذا الاعتراض فاسد ، لأنّي لم أرد ، بالتغيير أحوال الآخر من رفع إلى نصب أو إلى خفض ، بل اختلافهما من الوقف إلى الحركة أو من الحركة إلى السكون أو الحذف في الجزم ، ألا ترى أنّ الإعراب إنما دخل في الاسم بسبب العامل ، وقد كان الاسم قبل دخول العوامل عليه موقوفا غير معرب؟ وكذلك الفعل ، ألا ترى أنّ أسماء العدد مثل : واحد ، اثنان ، ثلاثة إذا لم ترد الإخبار عنها بل مجرد العدد ولم تعطف بعضها على بعض ، بل أردت بها مجرد العدد كانت موقوفة؟ وكلّ معرب إذن بتغير الآخر من الوقف. فإن قيل : يلزم من اشتراط كون التغيّر في الآخر لاختلاف العوامل أن يكون كلّ معرب من اسم أو فعل تختلف عليه العوامل ، و «سبحان» ، لا تختلف عليه العوامل ، ألا ترى أنّه أبدا منصوب بإضمار فعل كأنك قلت : «سبّحت الله سبحانا» ، أي : نزهته تنزيها؟ فالجواب : إن الذي أردت بقولي : لاختلاف العوامل ، أن الإعراب لم يدخل في الكلم كلها لعامل واحد ، بل لعوامل مختلفة ، فكأني قلت : تغيّر أواخر الكلم لعوامل مختلفة.

ويمكن أن يكون النحويّون سمّوا هذا النوع من التغيير إعرابا إمّا لمجرد كونه تغيرا أو لما يقع به من تبين المعاني ، ألا ترى أن هذا التغيير هو الفاصل بين معاني الأسماء من الفاعلية والمفعولية إلى غير ذلك من المعاني أو لما يقع به من التحسين : لأنّ زوال اللبس عن الكلم تحسين لها ، إذ الإعراب لغة يقع على هذه المعاني الثلاثة كما قدمناه ، فيكون منقولا من واحد منها.

٣٢

فإن قلت : فقول أبي القاسم : إعراب الأسماء رفع ونصب وخفض ولا جزم فيها ... الفصل. بيّن أنّ الإعراب إنما يقع على الحركات في اصطلاح النحويين لا على ما ذكرته من التغيير ، فالجواب : إنّه يريد بقوله : رفع ونصب وخفض المصادر لا أسماء الحركات ، كأنّه قال : رفعك أيها المتكلم ونصبك وخفضك ، وهو التغيير الذي ذكرنا. والدليل على أنّ مراده ذلك أنّ الرفع عنده قد يكون بالألف والواو ولا يسمّى واحد منهما رفعة ، وكذلك النصب قد يكون عنده بالياء وحذف النون ولا يسمّى شيء من ذلك نصبة ، ولذلك جعل النحويون الرفع والنصب والخفض والجزم ألقابا للإعراب ، أعني لكون المراد بها التغيير لا أسماء الحركات ، وكذلك الجزم لأنّ المراد به القطع لأن المجزوم يقتطع ، عند إعرابه ، حركة أو حرف من آخره. وجعلت ألقاب البناء الضم والفتح والكسر لأنّها ألقاب الحركات في نفسها والوقف لأنّه لقب لخلو الحرف من حركة ولا يفهم منها معنى تغيير.

[٢ ـ الأسماء المعربة والأسماء المبنية] :

وقوله : إعراب الأسماء وإعراب الأفعال يعني بذلك الأسماء المعربة والأفعال المعربة ، فحذف الصفة لفهم المعنى ، إذ لا يكون الإعراب إلا في معرب وحذف الصفة ، إذا فهم المعنى ، جائز. قال الله تعالى : (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) (١) ، (الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِ) (٢). والمعنى : من أهلك الناجين ، وبالحق البيّن ، ألا ترى أنّ ابن نوح من أهله وأنّ موسى عليه‌السلام لم يجىء آخرا إلا بما جاء به أولا من تبليغ الأمر بذبح البقرة؟ فيجب لذلك أن يبيّن المعرب من الأسماء والأفعال.

أما الأسماء فمعربة كلّها إلا ما أشبه الحرف ، كالمضمرات والموصولات وأسماء الشرط فإنّها كلّها أشبهت الحرف في الافتقار ، لأنّ المضمر يفتقر إلى مفسر والموصولات تفتقر إلى صلات ، وأسماء الإشارة تفتقر إلى حاضر.

أو تضمّن معناه كأسماء الشرط فإنّها تضمّنت معنى «إن» الشرطية ، وأسماء الاستفهام فإنّها تضمّنت معنى همزة الاستفهام.

______________________

(١) هود : ٤٦.

(٢) البقرة : ٧١.

٣٣

أو وقع موقع المبنيّ ، كالمناديات فإنّها وقعت موقع ضمير الخطاب. ألا ترى أنّك إذا قلت : «يا زيد» فإنّك ناديت مخاطبا ، والخطاب إنّما ينبغي أن يكون بالضمائر الموضوعة له. وأسماء الأفعال ، نحو : «نزال» و «شتّان» فإنّها وقعت موقع الفعل المبنيّ. أو ضارع ما وقع موقع المبنيّ ، وهو كلّ اسم معدول لمؤنّث على وزن «فعال» ، نحو : «فجار» في المصدر و «حذام» ، اسم امرأة ، والصفة الغالبة من هذا تجري مجرى العلم ، نحو : «حلاق» ، للمنيّة.

أو أضيف إلى مبنيّ ،نحو قوله تعالى:(مِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ) (١) في قراءة من فتح الميم. ونحو قول الشاعر[من البسيط] :

١٠ ـ لم يمنع الشّرب منها غير أن نطقت

حمامة في غصون ذات أو قال

ومن هذا القبيل اسم الزمان المضاف إلى الجملة ، فإنّه لا يبنى في مذهبنا حتى تكون

______________________

(١) هود : ٦٦.

١٠ ـ التخريج : البيت لأبي قيس بن الأسلت في ديوانه ص ٨٥ ؛ وجمهرة اللغة ص ١٣١٦ ؛ وخزانة الأدب ٣ / ٤٠٦ ، ٤٠٧ ؛ والدرر ٣ / ١٥٠ ؛ ولأبي قيس بن رفاعة في شرح أبيات سيبويه ٢ / ١٨٠ ؛ وشرح المفصل ٣ / ٨١ ، ٨ / ١٣٥ ؛ والكتاب ٢ / ٣٢٩ ؛ ولسان العرب ١٠ / ٣٥٤ (نطق) ، ١١ / ٧٣٤ (وقل) ؛ ومغني اللبيب ١ / ١٥٩ ؛ وهمع الهوامع ١ / ٢١٩.

اللغة : الشرب : جماعة الشاربين. الأوقال : جمع الوقل وهو شجر المقل.

المعنى : لم يمنع الشاربين من ورود الماء سوى حمامة صوّتت على غصون الشجر ، فأهاجت الحنين والذكريات.

الإعراب : «لم» : حرف جزم ونفي وقلب. «يمنع» : فعل مضارع مجزوم بالسكون ، وحرّك بالكسر منعا لالتقاء ساكنين. «الشرب» : مفعول به منصوب بالفتحة. «منها» : جار ومجرور متعلّقان بـ (يمنع). «غير» : اسم مبني على الفتح في محلّ رفع فاعل. «أن» : حرف مصدري. «نطقت» : فعل ماض مبني على الفتح ، و «التاء» : تاء التأنيث الساكنة. «حمامة» : فاعل مرفوع بالضمّة. والمصدر المؤول من (أن) وما بعدها في محل جر بالإضافة. «في غصون» : جار ومجرور متعلّقان بمحذوف صفة لـ (حمامة). «ذات» : صفة (غصون) مجرورة بالكسرة. «أو قال» : مضاف إليه مجرور بالكسرة.

وجملة «لم يمنع ...» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «نطقت» : صلة الموصول الحرفي لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «غير» حيث جاء بها مبنيّة على الفتح في محلّ رفع فاعل.

٣٤

الجملة صدرها فعل ماض ، خلافا لأهل الكوفة نحو قوله [من الطويل] :

١١ ـ على حين عاتبت المشيب على الصّبا

[وقلت ألمّا تصح والشيب وازع]

أو خرج عن نظائره ، نحو بناء «أيّ» في مذهب سيبويه ، فإنّها خرجت عن نظائرها من الموصولات بجواز حذف أحد جزأي الجملة الاسمية إذا وقعت صلة لها في فصيح الكلام من غير طول ، ولا يجوز ذلك في غيرها إلا على ضعف. قال الله تعالى : (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا) (١).

فهذه جملة المبنيات ، وما بقي من الأسماء فمعرب.

ومن النحويين من ذهب إلى أنه لا يبنى الاسم إلا لشبهه بالحرف أو تضمن معناه

______________________

١١ ـ التخريج : البيت للنابغة الذبياني في ديوانه ص ٣٢ ؛ والأضداد ص ١٥١ ؛ وجمهرة اللغة ص ١٣١٥ ؛ وخزانة الأدب ٢ / ٤٥٦ ، ٣ / ٤٠٧ ، ٦ / ٥٥٠ ، ٥٥٣ ؛ والدرر ٣ / ١٤٤ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ٢ / ٥٠٦ ؛ وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٥٣ ؛ وشرح التصريح ٢ / ٤٢ ؛ وشرح شواهد المغني ٢ / ٨١٦ ، ٨٨٣ ؛ والكتاب ٢ / ٣٣٠ ؛ ولسان العرب ٨ / ٣٩٠ (وزع) ، ٩ / ٧٠ (خشف) ؛ والمقاصد النحويّة ٣ / ٤٠٦ ، ٤ / ٣٥٧ ؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ١١١ ؛ وشرح الأشموني ٢ / ٣١٥ ، ٣ / ٥٧٨ ؛ وشرح ابن عقيل ص ٣٨٧ ؛ وشرح المفصّل ٣ / ١٦ ، ٤ / ٥٩١ ، ٨ / ١٣٧ ؛ ومغني اللبيب ص ٥٧١ ؛ والمقرب ١ / ٢٩٠ ، ٢ / ٥١٦ ؛ والمصنف ١ / ٥٨ ؛ وهمع الهوامع ١ / ٢١٨.

اللغة والمعنى : على حين : أي في حين. المشيب : الشيب. الصّبا : الميل إلى الهوى. تصحو : تفيق الوازع : الرادع.

يقول : لمّا حلّ المشيب وارتحل الصّبا عاتبت نفسي قائلا : أما تصحين من سكرك ، أي تماديك في المعاصي ، ويمنعك الشيب؟

الإعراب : على حين : على : حرف جر ، حين : اسم مبني على الفتح في محل جر والجار والمجرور متعلقان بـ «كفكفت» في بيت سابق. عاتبت : فعل ماض مبنيّ على السكون ، والتاء : فاعل. المشيب : مفعول به منصوب. على الصبا : جار ومجرور متعلّقان بـ «عاتبت». وقلت : الواو : حرف عطف ، قلت : فعل ماض مبنيّ على السكون. والتاء : فاعل. ألمّا : الهمزة : للاستفهام الإنكاري ، لمّا : حرف جزم ونفي وقلب. تصح : فعل مضارع مجزوم بحذف حرف العلة ، والفاعل : «أنت». والشيب : الواو : حالية ، الشيب : مبتدأ مرفوع. وازع : خبر مرفوع.

وجملة (عاتبت ...) الفعليّة في محلّ جرّ بالإضافة. وجملة (قلت ...) معطوفة على الجملة السابقة. وجملة (ألمّا أصح) الفعليّة في محل نصب مفعول به. وجملة (الشيب وازع) الاسميّة في محلّ نصب حال.

والشاهد فيه قوله : «على حين» ، حيث أضيف اسم الزمان إلى جملة صدرها فعل ماض ، فبني.

(١) مريم : ٦٩.

٣٥

خاصة ، وسنبيّن بطلان ذلك في باب المعرب والمبنيّ من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.

وأما الأفعال فمبنيّة كلها إلا ما في أوّله إحدى الزوائد الأربع : الهمزة التي تعطي المتكلم وحده ، نحو : «أقوم» ، والنون التي تعطي المتكلم ومعه غيره ، «نقوم» ، أو المعظّم نفسه ، والتاء التي تعطي الخطاب أو التأنيث نحو : «أنت تقوم» و «هي تقوم» ، والياء التي تعطي الغيبة ، نحو : «هو يقوم» ، بشرط سلامة الفعل من نوني التوكيد الشديدة أو الخفيفة ، نحو : «هل يقومن زيد»؟ و «هل يخرجنّ عمرو»؟ ومن نون جماعة المؤنّث ، نحو : «هنّ يفعلن». وما بقي من الأفعال فهو مبنيّ إلّا الأمر بغير اللام ، فإن فيه خلافا (١) والصحيح أنّه مبنيّ وسنبيّن ذلك كلّه في موضعه إن شاء الله تعالى.

وأما الحروف فمبنيّة كلها.

[٣ ـ اختصاص الأسماء بالخفض والتنوين ، وأنواع التنوين] :

قوله : تنفرد الأسماء بالخفض والتنوين ... الفصل.

إنما ذكر جملة ممّا تنفرد به الأسماء في هذا الباب وإن لم يكن هذا الباب موضع ذكره ، إذ أكثر هذه الانفرادات ليس من قبيل الإعراب ؛ لأنّه خاف أن يتعذر اعتبار الاسم بالحدّ الذي ذكره ، وحد به من كونه فاعلا أو مفعولا أو مجرورا في بعض المواضع فيتوصّل إلى معرفته بوجود واحد من هذه الأشياء فيه أو لتعرف الاسم من جهات أو ليكون في ذلك تأنّسا بانفراده بالخفض.

وينبغي أن يبين أوّلا ما الذي حمل النحويين على الاعتذار عن انفراد الاسم بالخفض والفعل بالجزم ، فإن ذلك مشكل جدّا ، إذ لا ينبغي أن يعتذر إلا عمّا كان ينبغي أن يوجد فلم يوجد ، وإذا كان كذلك فالفعل لا ينبغي أن يعتذر عنه.

فأمّا الخفض فلا يكون إلّا في الأسماء كما زعم. وأما التنوين فيكون للتمكّن ، وهو التنوين الذي يلحق الاسم الذي لم يشبه الحرف فيبنى ، ولم يشبه الفعل فيعرب إعراب ما لا ينصرف. وتنوين التنكير وهو الذي يلحق الأسماء المبنيّة فرقا بين معرفتها ونكرتها ، نحو :

______________________

(١) سيأتي الكلام عليها في باب المعرب والمبنيّ.

٣٦

«سيبويه آخر» ، و «إيه» ، إذا استزدت من حديث معيّن ، كأنّك قلت : «حدّث حديثك» ، و «إيه» ، إذا استزدت حديثا مبهما ، كأنّك قلت : «حدّث حديثا».

وتنوين المقابلة وهو الذي يلحق جمع المؤنث السالم ، نحو : هندات وزينبات ، وسمّي تنوين مقابلة لأنّه في مقابلة النون من جمع المذكر السالم ، كما أنّ الكسرة منه في مقابلة الياء. والدليل على أنه جرى مجرى النون ، أنّك إذا سمّيت حكيت حاله التي كان عليها قبل التسمية كما يبقى التنوين في الزيدين إذا سمّيت به وحكيته ، قال الله تعالى : (فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ)(١) فلو لا أنّه نزّله منزلة النون لكان غير منصرف ؛ للتأنيث والتعريف ولذهب التنوين.

وتنوين العوض : وهو الذي يلحق «إذ» عوضا من الجملة المحذوفة المضاف إليها «إذ» قبل الحذف. قال الله تعالى : (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ) (٢). أي : ويوم إذ غلبت الروم. وقال الله تعالى : (وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ) (٣). أي : حين إذ تبلغ الروح الحلقوم ، فحذف الجملة وعوّض منها التنوين ، ولذلك لا يجتمعان. فلا يجوز أن تقول في مثله من الكلام : ويومئذ غلبت الروم يفرح المؤمنون ، فتثبت التنوين.

ومن تنوين العوض أيضا التنوين اللاحق لكلّ اسم معتلّ اللام على مثال «مفاعل» ، الذي لا ينصرف ، في حال الرفع والخفض ، نحو : «غواش» و «جوار». تقول : «هذه جوار» و «مررت بجوار» ، وذلك أنّه لما اجتمع فيه ثلاثة أثقال : ثقل الكسرة أو الضمة ، وثقل حرف العلّة ، وثقل البناء ، حذفت الياء بحركتها وعوّض منها التنوين.

ومما يدل على أن التنوين عوض من الياء أنّه لا يجوز حذف الياء إلّا حيث يمكن دخول التنوين. فلذلك لا تحذف الياء في «الجواري» ولا في «جواريك» ، لأنّه لا يجوز دخول التنوين فيهما ، لأجل الألف واللام أو الإضافة. وهذه التنوينات الأربعة تنفرد بها الأسماء.

وتنوين الترنّم هو الذي يلحق القوافي المطلقة بالياء أو الواو أو الألف عوضا من

______________________

(١) البقرة : ١٩٨.

(٢) الروم : ٤.

(٣) الواقعة : ٨٤.

٣٧

حروف الإطلاق. وهذا التنوين يكون في الاسم والفعل والحرف. فمثال كونه في الاسم قول الشاعر [من الرجز] :

١٢ ـ يا صاح ما هاج الدّموع الذّرّفن

من طلل كالأتحميّ أنهجن

يريد أنهج أي : خلق. وقال الآخر [من الوافر] :

١٣ ـ أقلّي اللوم عاذل والعتابن

وقولي إن أصبت لقد أصابن

______________________

١٢ ـ التخريج : الرجز للعجاج في ديوانه ٢ / ١٣ ؛ وتخليص الشواهد ص ٤٧ ؛ والخصائص ١ / ١٧١ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ٢ / ٥١٤ ؛ وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٥١ ؛ وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٩٣ ؛ وشرح المفصل ١ / ٦٤ ؛ والكتاب ٤ / ٢٠٧ ؛ والمقاصد النحوية ١ / ٢٦ ؛ ولرؤبة في معاهد التنصيص ١ / ١٤ ؛ وبلا نسبة في رصف المباني ص ٣٥٤ ؛ ولسان العرب ٨ / ٢٧ (بيع).

اللغة : هاج : حرّك. الذّرّفن : الذّرّف أي الهاطلات المنسكبات. الطلل : آثار الديار. الأتحميّ : نوع من الملابس المخطّطة. أنهجن : أنهج أي بلي واهترأ.

المعنى : يتساءل لماذا تحرّك دمع عيونه وهطل ، عند ما رأى اثار ديار صارت كملابس بالية مهترئة.

الإعراب : يا صاح : «يا» : حرف نداء ، «صاح» : منادى مرخم مبني على الضم المقدر على الياء المحذوفة في محلّ نصب مفعول به لفعل النداء المحذوف ، وكسرة الحاء دلالة عليها. ما : اسم استفهام في محلّ رفع مبتدأ. هاج : فعل ماض مبني على الفتح ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). الدموع : مفعول به منصوب بالفتحة. الذرفن : صفة (الدموع) منصوبة بالفتحة ، و «النون» : للترنم. من طلل : جار ومجرور متعلقان بـ (هاج). كالأتحميّ : جار ومجرور متعلقان بحال من فاعل (هاج). أنهجن : فعل ماض مبني على الفتح ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو) ، و «النون» : للترنم.

وجملة «هاج» : خبر المبتدأ (ما) محلها الرفع. وجملة «أنهج» : في محلّ نصب حال من (الأتحمي). وجملة «يا صاح» : ابتدائية لا محل لها. وجملة «ما هاج» : استئنافية لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «الذرفن» و «أنهجن» حيث جاء التنوين (النون) بدلا من ألف الإطلاق وهذه النون تعرف بتنوين الترنّم.

١٣ ـ التخريج : البيت لجرير في ديوانه ص ٨١٣ ؛ وخزانة الأدب ١ / ٦٩ ، ٣٣٨ ، ٣ / ١٥١ ؛ والخصائص ٢ / ٩٦ ؛ والدرر ٥ / ١٧٦ ، ٦ / ٢٣٣ ، ٣٠٩ ؛ وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٤٩ ؛ وسر صناعة الإعراب ص ٤٧١ ، ٤٧٩ ، ٤٨٠ ، ٤٨١ ، ٤٩٣ ، ٥٠١ ، ٥٠٣ ، ٥١٣ ، ٦٧٧ ، ٧٢٦ ؛ وشرح الأشموني ١ / ١٢ ؛ وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٦٢ ؛ وشرح المفصل ٩ / ٢٩ ؛ والكتاب ٤ / ٢٠٥ ، ٢٠٨ ؛ والمقاصد النحوية ١ / ٩١ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ٨٠ ، ٢١٢ ؛ وبلا نسبة في الإنصاف ص ٦٥٥ ؛ وجواهر الأدب ص ١٣٩ ، ١٤١ ؛ وخزانة الأدب ٧ / ٤٣٢ ، ١١ / ٣٧٤ ؛ ورصف المباني ص ٢٩ ، ٣٥٣ ؛ وشرح ابن عقيل ص ١٧ ؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٩٨ ؛ وشرح المفصل ٤ / ١٥ ، ١٤٥ ، ٧ / ٩ ؛ ولسان العرب ١٤ / ٢٤٤ (خنا) ؛ والمنصف ١ / ٢٢٤ ، ٢ / ٧٩ ؛ ونوادر أبي زيد ص ١٢٧.

شرح المفردات : أقلّي : خفّفي ، أو اتركي. عاذل : ترخيم «عاذلة» ، وهي اللائمة. أصبت : أي كنت مصيبا فيما أقول أو أفعل. ـ

٣٨

ومثال كونه في الحرف قول النابغة [من الكامل] :

١٤ ـ أفد الترحّل غير أن ركابنا

لمّا تزل برحالنا وكأن قدن

______________________

ـ المعنى : يقول : خفّفي لومك وعتابك يا لائمتي ، واعترفي بصواب ما أقوله إذا ما كنت مصيبا.

الإعراب : «أقلي» : فعل أمر مبنيّ على حذف النون ، والياء ضمير في محلّ رفع فاعل. «اللوم» : مفعول به منصوب بالفتحة. «عاذل» : منادى مرخّم مبنيّ على ضمّ على الحرف المحذوف للترخيم في محلّ نصب. «والعتابن» : الواو حرف عطف ، و «العتابا» معطوف على «اللوم» منصوب بالفتحة. و «النون» للترنم. «وقولي» : الواو حرف عطف. و «قولي» : فعل أمر مبنيّ على حذف النون ، والياء ضمير في محلّ رفع فاعل. «إن» : حرف شرط جازم. «أصبت» : فعل ماض مبنيّ على السكون. والتاء : ضمير في محل رفع فاعل ، وهو في محلّ جزم فعل الشرط ، وجواب الشرط محذوف تقديره : «إن أصبت فقولي ...». «لقد» : اللام : واقعة في جواب قسم محذوف تقديره «والله ...» ، و «قد» : حرف تحقيق. «أصابن» : فعل ماض مبنيّ على الفتح ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره : «هو».

وجملة «أقلّي» الفعليّة ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة النداء اعتراضيّة لا محلّ لها من الإعراب. «قولي» الفعليّة معطوفة على جملة «أقلّي» لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «إن أصبت فقولي» الشرطية اعتراضية لا محل لها من الإعراب. وجملة «قولي» المحذوفة في محل جزم جواب الشرط. وجملة القسم المحذوف وجوابه في محلّ نصب مفعول به. وجملة «أصابن» الفعلية جواب القسم لا محلّ لها من الإعراب.

الشاهد قوله : «العتابن» و «أصابن» حيث أدخل على اللفظتين تنوين الترنّم ، واللفظة الأولى اسم ، والثانية فعل ، فدلّ بذلك على أنّه ليس مختصا بالاسم.

١٤ ـ التخريج : البيت للنابغة الذبياني في ديوانه ص ٨٩ ؛ والأزهية ص ٢١١ ؛ والأغاني ١١ / ٨ ؛ والجنى الداني ص ١٤٦ ، ٢٦٠ ؛ وخزانة الأدب ٧ / ١٩٧ ، ١٩٨ ، ١٠ / ٤٠٧ ؛ والدرر اللوامع ٢ / ٢٠٢ ، ٥ / ١٧٨ ؛ وشرح التصريح ١ / ٣٦ ؛ وشرح شواهد المغني ص ٤٩٠ ، ٧٦٤ ؛ وشرح المفصّل ٨ / ١٤٨ ، ٩ / ١٨ ، ٥٢ ؛ ولسان العرب ٣ / ٣٤٦ (قدد) ؛ ومغني اللبيب ص ١٧١ ؛ والمقاصد النحوية ١ / ٨٠ ، ٢ / ٣١٤ ؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ٥٦ ، ٣٥٦ ؛ وأمالي ابن الحاجب ١ / ٤٥٥ ؛ وخزانة الأدب ٩ / ٨ ، ١١ / ٢٦٠ ؛ ورصف المباني ص ٧٢ ، ١٢٥ ، ٤٤٨ ؛ وسر صناعة الإعراب ص ٣٣٤ ، ٤٩٠ ، ٧٧٧ ؛ وشرح الأشموني ١ / ١٢ ؛ وشرح ابن عقيل ص ١٨ ؛ وشرح المفصل ١٠ / ١١٠ ؛ ومغني اللبيب ص ٣٤٢ ؛ والمقتضب ١ / ٤٢ ؛ وهمع الهوامع ١ / ١٤٣ ، ٢ / ٨٠.

اللغة : شرح المفردات : أفد : دنا. الترحّل : الرحيل. الركاب : المطايا. لمّا تزل : لم تفارق بعد. الرحال : ما يوضع على ظهر المطيّة لتركب. كأن قد : أي كأن قد زالت لاقتراب موعد الرحيل.

المعنى : يقول : قرب الترحّل ومفارقة الديار ، ولكن الإبل لم تزل فيها وكأنّها قد فارقتها لقرب وقت الارتحال.

الإعراب : أفد : فعل ماض. الترحّل : فاعل مرفوع بالضمّة الظاهرة. غير : مستثنى منصوب بالفتحة ، وهو مضاف. أنّ : حرف مشبّه بالفعل. ركابنا : اسم «أنّ» منصوب بالفتحة ، وهو مضاف ، و «نا» : ضمير ـ

٣٩

انفردت الأسماء بتنوين التمكين لأنه يدلّ على أنّ الاسم أصل في نفسه باق على أصالته ، والفعل ليس بأصل فلا يدخله تنوين تمكين.

وانفردت بتنوين التنكير لأنه للفرق بين المعرفة والنكرة ، والأفعال لا تكون معارف فلا يدخلها تنوين تنكير ، وانفردت بتنوين المقابلة لأنّه يلحق جمع المؤنث السالم ، والأفعال لا يكون فيها جمع ، فلا يكون فيها تنوين مقابلة. وانفردت بتنوين العوض لأنّه عوض من المضاف أو من الياء الواقعة في آخر الاسم الذي لا ينصرف ، والأفعال لا تضاف ولا يحذف منها حرف العلّة فلا يكون فيها تنوين عوض.

والألف واللام تكون لتعريف العهد في شخص أو في جنس ، نحو : «جاءني الرجل الذي جاءك» ، إذا دخلت على معهود ، والرجل خير من المرأة ، يريد : هذا الجنس خير من هذا الجنس.

ولتعريف الحضور : وهي الألف واللام الداخلة على الاسم المشار إليه نحو : «هذا الرجل» ، وعلى الاسم المنادى نحو : «يا أيّها الرجل» ، وعلى الاسم الواقع بعد «إذا» التي للمفاجأة نحو : «خرجت فإذا الأسد» ، أي : ففاجأ الأسد ، وعلى الآن وما في معناه كالساعة والحين.

وللمح الصفة : وهي الألف واللام الداخلة على الاسم العلم الذي هو صفة في الأصل ، نحو : «الحارث» و «العبّاس» ، لأنك تقول : «رجل حارث» ، و «رجل عبّاس» ، وهذه الألف واللام لا تلزم ، تقول : الحارث ، وحارث ، والعبّاس ، وعبّاس.

______________________

ـ متّصل مبنيّ في محلّ جرّ بالإضافة. لمّا : حرف جزم. تزل : فعل مضارع مجزوم بالسكون ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره «هي». برحالنا : الباء حرف جرّ ، و «رحالنا» اسم مجرور بالكسرة ، وهو مضاف ، و «نا» ضمير متّصل مبنيّ في محلّ جر بالإضافة. والجار والمجرور متعلّقان بالفعل «تزل». وكأن : الواو حرف عطف ، «كأن» حرف مشبّه بالفعل مخفّف من «كأنّ» ، واسمه ضمير شأن محذوف. قدن : «قد» : حرف تحقيق مبنيّ على السكون ، وحرّك بالكسر لالتقاء الساكنين ، و «النون» : للترنم.

وجملة «أفد الترحّل» ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «أنّ ركابنا ...» في محلّ جرّ بالإضافة. وجملة «لمّا تزل برحالنا» في محلّ رفع خبر «أنّ». وجملة «كأن قد» معطوفة على جملة «لمّا تزل». والجملة المحذوفة في محلّ رفع خبر «كأن».

الشاهد فيه قوله : «قدن» حيث أدخل تنوين الترنم على الحرف.

٤٠