شرح جمل الزجّاجى - ج ١

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »

شرح جمل الزجّاجى - ج ١

المؤلف:

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-2263-0
ISBN الدورة:
2-7451-2263-0

الصفحات: ٥٨٤

فـ «زهر» معطوف على الضمير في «أقبلت» ، من غير تأكيد ولا طول. وقول الآخر [من الكامل] :

١٣٩ ـ ورجا الأخيطل من سفاهة نفسه

ما لم يكن وأب له لينالا

فـ «أب» معطوف على الضمير في «يكن» من غير تأكيد ولا طول.

______________________

ـ اللغة : الزهر : ج الزهراء ، وهي البيضاء المشرقة. تهادى : تتهادى ، أي تتمشّى. النعاج : بقر الوحش. تعسّفن : سرن على غير هدى.

الإعراب : «قلت» : فعل ماض ، والتاء ضمير في محلّ رفع فاعل. «إذ» : ظرف زمان متعلّق بـ «قلت». «أقبلت» : فعل ماض ، والتاء للتأنيث ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : «هي». «وزهر» : الواو حرف عطف ، «زهر» : معطوف على الضمير المستتر في «أقبلت» مرفوع. «تهادى» : فعل مضارع مرفوع ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : «هي». «كنعاج» : جار ومجرور متعلّقان بمحذوف حال من الضمير في «أقبلت» ، وهو مضاف. «الملا» : مضاف إليه. «تعسّفن» : فعل ماض ، والنون ضمير في محلّ رفع فاعل. «رملا» : مفعول به.

وجملة : «قلت» ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة : «أقبلت» في محلّ جرّ بالإضافة. وجملة : «تهادى» في محلّ نصب حال. وجملة : «تعسّفن» في محلّ نصب حال.

الشاهد : قوله : «أقبلت وزهر» حيث عطف «زهر» على الضمير المستتر في «أقبلت» من غير فصل ، والوجه فيه أن يقال : «أقبلت هي وزهر» ، لتأكيد الضمير المستتر.

١٣٩ ـ التخريج : البيت لجرير في ديوانه ص ٥٧ ؛ والدرر ٦ / ١٤٩ ؛ وشرح التصريح ٢ / ٥١ ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ١٦٠ ؛ وبلا نسبة في الإنصاف ٢ / ٤٧٦ ؛ وشرح الأشموني ٢ / ٤٢٩ ؛ والمقرب ١ / ٢٣٤ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ١٣٨.

شرح المفردات : السفاهة : الجهل والخفة والطيش.

المعنى : يقول : إنّ سفاهة نفس الأخطل جعلته يطلب ما لم يكن هو ولا أبوه ليحصلا عليه.

الإعراب : «ورجا» : الواو بحسب ما قبلها ، «رجا» : فعل ماض. «الأخيطل» : فاعل مرفوع. «من سفاهة» : جار ومجرور متعلّقان بـ «رجا» ، وهو مضاف. «نفسه» : مضاف إليه ، وهو مضاف ، والهاء ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. «ما» : اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب مفعول به. «لم» : حرف جزم. «يكن» : فعل مضارع ناقص ، واسمه ضمير مستتر تقديره «هو» يعود على الأخيطل ، وخبره محذوف. «وأب» : الواو حرف عطف ، «أب» : معطوف على الضمير المستتر الذي هو اسم «يكن». «له» : جار ومجرور متعلّقان بمحذوف نعت لـ «أب». «لينالا» : اللام لام الجحود ، «ينالا» : فعل مضارع منصوب بـ «أن» مضمرة ، وعلامة نصبه حذف النون ، والألف ضمير في محلّ رفع فاعل. والمصدر المؤول من «أن» المضمرة وما بعدها في محل جر بحرف الجر ، والجار والمجرور متعلقان بالفعل «رجا». ـ

٢٠١

وأما ضمير الخفض فلا يعطف عليه إلّا بإعادة الخافض (١) ، نحو قولك : «مررت بك وبزيد» ، ولا يجوز أن تقول : «مررت بك وزيد». والسبب في ذلك أنّ ضمير الخفض شديد الاتصال بما قبله ، فينزّل لذلك معه منزلة شيء واحد ، فلو عطفت من غير إعادة خافض لكنت قد عطفت اسما واحدا على اسم وحرف ، إذ لا يتصوّر أن تعطف على بعض الكلمة دون بعض ، فلذلك أعدت الخافض حتى تكون قد عطفت اسما وحرفا على اسم وحرف مثله.

وزعم المازني أن امتناع ذلك لأجل أنّ المعطوف شريك المعطوف عليه ، فلا يجوز عنده مسألة حتى يجوز قلبها ، إذ كل واحد منهما بمنزلة الآخر ، فيجوز مثل : «قام زيد وعمرو» ، لأنك لو عكست لقلت : «قام عمرو وزيد» ، وذلك مستقيم.

ولا يجوز : «مررت وزيد» ، لأنّك لو قلت : «مررت بزيد وك» ، لم يجز ، فإذا قلت : «مررت بك وبزيد» ، جاز ، لأنّك لو قلت : «مررت بزيد وبك» ، جاز.

وهذا الذي ذهب إليه المازني هو الأكثر في المعطوفات ، وإلّا فقد يجوز في باب العطف ما لا يجوز عكسه ، ألا ترى أنّك تقول : «ربّ رجل وأخيه» ، و «كلّ رجل وضيعته» ، ولا يجوز عكس ذلك ، لأنّ «ربّ» و «كلّا» لا يدخلان مباشرة إلا على النكرات ، فلذلك كان الأولى ما علّلنا به أوّلا.

ولا يجوز العطف من غير إعادة الخافض إلّا في ضرورة شعر ، نحو قوله [من البسيط] :

١٤٠ ـ الآن قرّبت تهجونا وتشتمنا

فاذهب فما بك والأيام من عجب

______________________

ـ وجملة : «رجا الأخيطل» بحسب ما قبلها. وجملة : «لم يكن ...» صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. وجملة «لينالا» في محل نصب خبر «كان». وجملة «ينالا» صلة الموصول الحرفي لا محل لها من الإعراب.

الشاهد فيه قوله : «لم يكن وأب» حيث عطف الاسم الظاهر المرفوع «أب» على الضمير المرفوع المستتر في «يكن» والذي هو اسمها من غير أن يؤكّد ذلك الضمير بضمير منفصل ، أو أن يفصل بين المعطوف والمعطوف عليه ، وهذا متفشّ في الشعر.

(١) وأجازه الكوفيّون. انظر المسألة الخامسة والستين في الإنصاف في مسائل الخلاف ص ٤٦٣ ـ ٤٧٤.

١٤٠ ـ التخريج : البيت بلا نسبة في الإنصاف ص ٤٦٤ ؛ وخزانة الأدب ٥ / ١٢٣ ـ ١٢٦ ، ١٢٨ ، ـ

٢٠٢

وكان الوجه أن يقول : «وما بك وبالأيّام» ، وقول الآخر [من الرجز] :

١٤١ ـ آبك أيّه بي أو مصدّر

من حمر الجلّة جأب حشور

______________________

ـ ١٢٩ ، ١٣١ ؛ وشرح الأشموني ٢ / ٤٣٠ ؛ والدرر ٢ / ٨١ ، ٦ / ١٥١ ؛ وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٠٧ ؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٦٦٢ ؛ وشرح المفصل ٣ / ٧٨ ، ٧٩ ؛ والكتاب ٢ / ٣٨٢ ؛ واللمع في العربية ص ١٨٥ ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ١٦٣ ؛ والمقرب ١ / ٢٣٤ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ١٣٩.

اللغة : قرّبت : شرعت. شتم : سبّ.

المعنى : يقول : الآن شرعت في هجائنا وسبّنا ، وهذا الأمر ليس بعجيب ، لأنّ الهجاء من طبعك ، كما لا يعجب الناس مما يفعل الدهر.

الإعراب : «الآن» : ظرف زمان متعلّق بـ «قرّبت». «قرّبت» : فعل ماض ناقص ، والتاء ضمير في محلّ رفع اسم «قرب». «تهجونا» : فعل مضارع مرفوع ، و «نا» : ضمير في محلّ نصب مفعول به ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : «أنت». «وتشتمنا» : الواو حرف عطف ، «تشتمنا» : فعل مضارع وفاعله مستتر تقديره : «أنت» و «نا» ضمير مفعول به. «فاذهب» : الفاء استئنافية ، «اذهب» : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : «أنت». «فما» : الفاء استئنافية ، «ما» : حرف نفي. «بك» : جار ومجرور في محلّ رفع خبر مقدّم. «والأيام» : الواو حرف عطف ، «الأيام» : معطوف على الكاف في «بك» مجرور. «من» : حرف جرّ زائد. «عجب» : اسم مجرور لفظا مرفوع محلّا على أنّه مبتدأ مؤخّر.

وجملة : «قرّبت تهجونا» ابتدائية لا محل لها. وجملة : «تهجونا» في محلّ نصب خبر «قرّب». وجملة : «تشتمنا» معطوفة على سابقتها. وجملة : «اذهب» استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة : «ما بك والأيام من عجب» تعليلية لا محلّ لها من الإعراب.

الشاهد فيه قوله : «فما بك والأيام» حيث عطف «الأيام» ، على الكاف في «بك» المجرورة بحرف الجر دون إعادة الخافض.

١٤١ ـ التخريج : الرجز بلا نسبة في شرح عمدة الحافظ ص ٦٦٤ ؛ والكتاب ٢ / ٣٨٢ ؛ ولسان العرب ١ / ٢٢١ (أوب) ؛ والمعاني الكبير ص ٨٣٢.

اللغة : آبك : ويلك وويحك. أيّه : صح وناد ، أيّه تأييها : صاح به وناداه. المصدّر : القويّ الصدر ، والسابق من الخيل. الجلّة : الكبار السنّ منّا ومن الإبل. الجأب : كل جاف غليظ. الحشور : المنتفخ الجنين.

المعنى : ويلك ، نادني واستنجدني وبقويّ الصدر ، كبير السنّ ، جاف ، منتفخ الجنبين ، قادر على ردّ العدا.

الإعراب : آبك : مفعول مطلق لفعل مهمل ، منصوب بالفتحة ، و «الكاف» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. أيّه : فعل أمر مبني على السكون ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (أنت). بي : جار ومجرور متعلّقان بـ (أيّه). أو مصدر : «أو» : حرف عطف ، «مصدّر» : اسم معطوف على ضمير المتكلم المجرور من (بي) ، مجرور بالكسرة. من حمر : جار ومجرور متعلّقان بصفة لـ (مصدر). الجلّة : مضاف إليه مجرور بالكسرة. جأب : صفة لـ (مصدّر) مجرورة بالكسرة. حشور : صفة ثانية لـ (مصدر) مجرورة بالكسرة. ـ

٢٠٣

وكان الوجه أن يقول : وبمصدر. وقول الآخر [من الطويل] :

١٤٢ ـ تعلّق في مثل السواري سيوفنا

فما بينها والأرض غوط نفانف

وكان الوجه أن يقول : «فما بينها وبين الأرض».

وأما قوله تعالى : (وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ) (١). بخفض «المسجد» ، وقوله تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) (٢) ، بخفض «الأرحام» في قراءة حمزة ، فقد يتخرّج ذلك على القسم ، وقد يتخرّج ذلك أن يكون من باب حذف حرف الجر لنيابة حرف العطف

______________________

ـ وجملة «أيّه بي» : ابتدائيّة لا محلّ لها.

والشاهد فيه قوله : «بي أو مصدر» حيث عطف على الضمير المجرور بحرف الجر دون إعادة الخافض (حرف الجر) ، وكان الأصوب أن يقول : بي أو بمصدر.

١٤٢ ـ التخريج : البيت لمسكين الدارمي في ديوانه ص ٥٣ (وفيه «تنائف» مكان «نفانف») ؛ والحيوان ٦ / ٤٩٤ ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ١٦٤ ؛ وبلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٤٣٠ ؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٦٦٣ ؛ وشرح المفصل ٣ / ٧٩ ؛ ولسان العرب ٧ / ٣٦٥ (غوط).

اللغة : السواري : ج سارية ، وهي الأسطوانة (العمود). الغوط : ج غائط : وهو المطمئن من الأرض. ونفانف : ج نفنف وهو الهواء بين الشيئين ، وكل شيء بينه وبين الأرض مهوى فهو نفنف ، والمعنى هنا : واسعة.

المعنى : إن قومي قوم طوال ، والسيف على الفارس منا كأنه على سارية من طوله ، وبين السيف والأرض مسافة طويلة.

الإعراب : «تعلّق» : فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بالضمة. «في مثل» : جار ومجرور متعلقان بالفعل تعلق. «السّواري» : مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدرة. «سيوفنا» : نائب فاعل مرفوع بالضمة. «فما» : «الفاء» : استئنافية و «ما» : اسم موصول مبني في محل رفع مبتدأ. «بينها» : ظرف مكان منصوب بالفتحة ، متعلق بفعل الصلة المحذوف المقدر بـ «استقرّ» ، و «ها» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. «والأرض» : «الواو» : عاطفة ، «الأرض» : اسم معطوف على الضمير «ها» مجرور بالكسرة. «غوط» : خبر مرفوع بالضمة. «نفانف» : صفة لـ (غوط) مرفوعة بالضمة.

وجملة «تعلق .. سيوفنا» : ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «ما بينها غوط» : استئنافية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة الصلة المحذوفة : «استقر» صلة الموصول لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «فما بينها والأرض» عطف «الأرض» بالواو على الضمير المتصل المخفوض بإضافة الظرف ـ وهو قوله : بين ـ إليه ، من غير أن يعيد العامل ، وكان الأصوب أن يقول : بينها وبين الأرض.

(٤) البقرة : ٢١٧.

(٥) النساء : ١.

٢٠٤

منابه ، وذلك أيضا قليل ، وسنبين الدليل على أنّ العرب تحذف الخافض لدلالة ما تقدم عليه فيما بعد إن شاء الله تعالى.

[١٤ ـ تقديم المعطوف على المعطوف عليه] :

ولا يجوز تقديم المعطوف على المعطوف عليه إلا في الواو خاصة ، وذلك بثلاثة شروط : أحدها : أن لا يؤدّي إلى وقوع حرف العطف صدرا ، فلا تقول : «وعمرو زيد قائمان» ، وأنت تريد : زيد وعمرو قائمان.

والآخر : أن لا يؤدّي إلى مباشرة حرف العطف عاملا غير متصرف ، فلا تقول : «إنّ وعمرا زيدا قائمان» ، تريد : إنّ زيدا وعمرا قائمان.

والآخر : أن لا يكون المعطوف مخفوضا ، فلا تقول : «مررت وعمرو بزيد» ، تريد : مررت بزيد وعمرو.

فهذه الأماكن لا يجوز فيها تقديم المعطوف على المعطوف عليه ، ويجوز فيما عدا ذلك. فمن ذلك قول الشاعر [من الطويل] :

١٤٣ ـ جمعت وفحشا غيبة ونميمة

ثلاث خصال لست عنها بمرعوي

______________________

١٤٣ ـ التخريج : البيت ليزيد بن الحكم في خزانة الأدب ٣ / ١٣٠ ، ١٣٤ ؛ والدرر ٣ / ١٥٦ ؛ وشرح شواهد المغني ٢ / ٦٩٧ ؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٦٣٧ ؛ والمقاصد النحوية ٣ / ٨٦ ، ٢٦٢ ؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب ٩ / ١٤١ ؛ والخصائص ٢ / ٣٨٣ ؛ وشرح التصريح ١ / ٣٤٤ ، ٢ / ١٣٧ ؛ وهمع الهوامع ١ / ٢٢٠

اللغة : الفحش : القول القبيح. الغيبة : الاغتياب. النميمة : الوشاية والإفساد. ارعوى عن الجهل : امتنع عنه وانصرف.

الإعراب : جمعت : فعل ماض ، و «التاء» : ضمير متّصل مبنيّ في محلّ رفع فاعل. وفحشا : «الواو» : للعطف ، وقيل : للمعيّة ، و «فحشا» : اسم معطوف على منصوب ، منصوب مثله ، أو مفعول معه منصوب. غيبة : مفعول به منصوب. ونميمة : «الواو» : حرف عطف ، و «نميمة» : معطوف على «غيبة» منصوب. ثلاث : بدل من «فحشا» و «غيبة» و «نميمة» منصوب ، وهو مضاف. خصال : مضاف إليه مجرور بالكسرة. لست : فعل ماض ناقص ، و «التاء» : ضمير متّصل مبنيّ في محلّ رفع اسم «ليس». عنها : جار ومجرور متعلقان بـ «مرعوي». بمرعوي : «الباء» : حرف جرّ زائد ، و «مرعوي» : اسم مجرور لفظا منصوب محلّا ، و «الياء» : للإطلاق. ـ

٢٠٥

يريد : جمعت غيبة وفحشا ونميمة. وقول الآخر [من الوافر] :

١٤٤ ـ ألا يا نخلة من ذات عرق

عليك ورحمة الله السّلام

يريد : عليك السّلام ورحمة الله. وقول ذي الرمة [من الطويل] :

١٤٥ ـ كأنّا على أولاد أحقب لاحها

ورمي السفا أنفاسها بسهام

جنوب ذوت عنها التناهي فأنزلت

بها يوم ذبّاب السبيب صيام

______________________

ـ وجملة «جمعت ...» : ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «لست عنها بمرعوي» : في محلّ نصب نعت «ثلاث».

الشاهد فيه قوله : «جمعت وفحشا غيبة» حيث تقدّم المعطوف «فحشا» على المعطوف عليه «غيبة» ، والمراد : جمعت غيبة وفحشا ونميمة.

١٤٤ ـ التخريج : البيت للأحوص في ديوانه ص ١٩٠ (الهامش) ؛ وخزانة الأدب ٢ / ١٩٢ ، ٣ / ١٣١ ؛ والدرر ٣ / ١٩ ، ١٥٥ ؛ وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٧٧ ؛ ولسان العرب ٨ / ١٩١ (شيع) ؛ ومجالس ثعلب ص ٢٣٩ ؛ والمقاصد النحوية ١ / ٥٢٧ ؛ وبلا نسبة في الخصائص ٢ / ٣٨٦ ؛ والدرر ٦ / ٧٩ ، ١٥٦ ؛ وشرح التصريح ١ / ٣٤٤ ؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٨٠٥ ؛ وهمع الهوامع ١ / ١٧٣ ، ٢٢٠ ، ٢ / ١٣٠ ، ١٤٠.

اللغة : ذات عرق : اسم مكان بالحجاز وهو أحد مواقيت الحج المكانية.

المعنى : الشاعر ينادي من يتغزل بها ، فيقول : أيتها المرأة المقيمة في ذات عرق السّلام عليك ورحمة الله.

الإعراب : ألا : حرف استفتاح وتنبيه. يا : حرف نداء. نخلة : منادى نكرة مقصودة منصوب. من ذات : جار ومجرور متعلقان بمحذوف في محل نصب صفة لنخلة. عرق : مضاف إليه مجرور. عليك : جار ومجرور متعلقان بمحذوف في محل رفع خبر مقدم. ورحمة : «الواو» : حرف عطف «رحمة» : معطوف على السّلام وقدّم عليه للضرورة. الله : لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور. السّلام : مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة.

وجملة «يا نخلة من ...» ابتدائية لا محل لها. وجملة «عليك السّلام» : استئنافية لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «عليك ورحمة الله السّلام» حيث تقدم المعطوف «رحمة» على المعطوف عليه «السّلام» ، وهو يريد : عليك السّلام ورحمة الله.

١٤٥ ـ التخريج : البيتان لذي الرمة في ديوانه ، ص ١٠٧١ ـ ١٠٧٢ ؛ وشرح أبيات سيبويه ١ / ٤٨٣ ؛ والكتاب ٢ / ٩٩ ـ ١٠٠ ؛ ولسان العرب ١٢ / ٣١٠ (سهم) (البيت الأول) ؛ وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٨٦٢ (البيت الأول).

اللغة : الأحقب : حمار الوحش. لاحها : أخمرها. السفا : الشوك الصلب. الجنوب : الريح الجنوبيّة. التناهي : المكان الذي ينتهي إليه الماء ويجفّ صيفا.

المعنى : يصف الشاعر رحلته المضنية على مطيّة ضامرة سريعة ، تشبه الحمر الوحشيّة التي أضمرتها ريح الجنوب القاسية التي جفّفت المياه في التناهي ، وأدمت أنوفها الأشواك الصلبة كالسهام.

الإعراب : كأنّا : حرف مشبّه بالفعل ، و «نا» ضمير متصل في محلّ نصب اسم «كأن». على أولاد : جار ـ

٢٠٦

يريد : لاحها جنوب ورمي السفا ، وقول ذي الرمة أيضا [من الطويل] :

١٤٦ ـ وأنت غريم لا أظنّ قضاءه

ولا العنزيّ القارظ الدهر جائيا

يريد : لا أظن قضاءه جائيا هو والعنزيّ.

فإن قيل : فقد جاء التقديم في «أو» ، قال الشاعر [من الوافر] :

١٤٧ ـ فلست بنازل إلّا ألمّت

برحلي أو خيالتها الكذوب

______________________

ـ ومجرور متعلّقان بخبر «كأنّ» وهو مضاف. أحقب : مضاف إليه مجرور بالكسرة عوضا من الفتحة لأنه ممنوع من الصرف لاحها : فعل ماض ، و «ها» ضمير في محلّ نصب مفعول به. ورمي : «الواو» : حرف عطف ، و «رمي» اسم معطوف مرفوع ، وهو مضاف. السفا : مضاف إليه مجرور. أنفاسها : مفعول به ، وهو مضاف ، و «ها» : ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. بسهام : جار ومجرور متعلّقان بـ «رمي». جنوب : فاعل «لاحها» مرفوع. ذوت : فعل ماض ، والتاء للتأنيث. عنها : جار ومجرور متعلّقان بـ «ذوت». التناهي : فاعل مرفوع. فأنزلت : الفاء حرف عطف ، أنزلت : فعل ماض للمجهول ، والتاء للتأنيث. بها : جار ومجرور متعلّقان بـ «أنزل». يوم : ظرف زمان متعلّق بـ «أنزل» ، وهو مضاف. ذباب : مضاف إليه مجرور ، وهو مضاف. السبيب : مضاف إليه. صيام : نعت «أولاد» مجرور.

وجملة «كأن» ومعموليها ابتدائية لا محل لها من الإعراب ، وجملة «لاحها» في محل جرّ نعت «أولاد» ، وجملة «ذوت» في محل رفع نعت «جنوب» ، وجملة «وأنزلت» معطوفة في محل رفع.

الشاهد فيه قوله : «لاحها ورمي السفا أنفاسها بسهام جنوب» حيث قدّم المعطوف «ورمي» على المعطوف عليه «جنوب» للضرورة الشعرية.

١٤٦ ـ التخريج : البيت لذي الرمة في ديوانه ص ١٣٠٧ ؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ٣٤٧.

اللغة : الغريم : المغرم. قضاء الدين : تأديته. القارظ العنزي : يضرب مثلا للمفقود الذي لا رجاء منه.

المعنى : يقول الشاعر مخاطبا محبوبته : إنّ لي عليك دينا لا أظنّك تقضينه ، ولا أمل لي فيه حتى يعود القارظ العنزي ، أي هي عودة ميئوس منها.

الإعراب : وأنت : الواو حالية من قوله في البيت السابق «تطيلين لياني». أنت : ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ. غريم : خبر المبتدأ مرفوع. لا : حرف نفي. أظنّ : فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره : «أنا». قضاءه : مفعول به منصوب ، وهو مضاف ، والهاء ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. ولا : «الواو» : حرف عطف ، «لا» : حرف زائد لتأكيد النفي. العنزي : معطوف على مفعول به أظنّ الأول منصوب. القارظ : نعت «العنزي» منصوب. الدهر : ظرف زمان متعلّق بـ «جائيا». جائيا : مفعول به ثان منصوب.

وجملة «وأنت الغريم» في محل نصب حال. وجملة : «لا أظنّ قضاءه» في محل رفع نعت «غريم».

الشاهد فيه قوله : «لا أظنّ قضاءه ولا العنزيّ القارظ الدهر جائيا» حيث قدّم المعطوف وهو «العنزي» على المعطوف عليه ، وتقدير الكلام : لا أطن قضاءه ، جائيا هو ولا العنزيّ ما بقيت أو ما بقي الدهر.

١٤٧ ـ التخريج : البيت لرجل من بني بحتر في الدرر ٦ / ١٥٩ ؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب ٥ / ١١٩ ؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٣١٠ ؛ ولسان العرب ١١ / ٢٣٠ (خيل) ؛ والمقاصد النحوية ٢ / ١٧٠ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ١٤١. ـ

٢٠٧

يريد : إلّا ألّمت الكذوب برحلي أو خيالتها ، فالجواب : إنّ الكذوب صفة لخيالتها ، وقوله : أو خيالتها عطف على الضمير في «ألمت» ، ولم يحتج إلى تأكيد لطول الكلام بالمجرور ، وهو «برحلي».

ولا يجوز أيضا الفصل بين حرف العطف والمعطوف إلّا بالقسم خاصّة أو بالظرف والمجرور بشرط أن يكون حرف العطف على أزيد من حرف واحد ، نحو قوله : «قام زيد ثمّ والله عمرو» ، أو «بل والله عمرو» ، و «قام زيد في السوق ثم في الدار عمرو» ، ولا يجوز أن تقول : «قام زيد فو الله وعمرو» ، ولا : «وو الله عمرو» ، لكون الواو والفاء على حرف واحد فيشتدّ افتقارهما ، فكرهوا الفصل لذلك.

وقد يجوز الفصل بين الواو والمعطوف بالظرف والمجرور في ضرورة شعر ، نحو قوله [من المنسرح] :

١٤٨ ـ يوما تراها كشبه أردية ال

عصب ويوما أديمها نغلا

______________________

ـ اللغة: ألمّ به : نزل. الرحل : أدوات الركوب للناقة أو الجمل. الخيالة : الطيف.

المعنى : في كلّ مرّة أنزل عن راحلتي ، وأنزل رحلي من فوق ظهرها ، يحلّ بي طيفها المتخيّل ، فأراها مائلة أمامي خيالا كاذبا.

الإعراب : فلست : «الفاء» : بحسب ما قبلها ، «لست» : فعل ماض ناقص ، و «التاء» : ضمير متصل في محلّ رفع اسم (ليس). بنازل : «الباء» : حرف جرّ زائد ، «نازل» : مجرور لفظا ، منصوب محلّا على أنه خبر (ليس). إلا : حرف حصر. ألمت : فعل ماض مبني على الفتح ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هي). برحلي : جار ومجرور متعلّقان بـ (ألمت) ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. أو خيالتها : «أو» : حرف عطف ، «خيالة» : معطوف على فاعل (ألمت) مرفوع بالضمّة ، و «ها» : ضمير متصل في محلّ جرّ مضاف إليه. الكذوب : صفة (الخيالة) مرفوعة بالضمة.

وجملة «فلست بنازل» : بحسب ما قبلها. وجملة «ألمّت» : حالية محلها النصب.

والشاهد فيه قوله : «ألمت برحلي أو خيالتها الكذوب» حيث اعتبر البعض أن (الكذوب) فاعل (ألمت) ، وأن (خيالتها) معطوف على الفاعل ، وردّ عليه.

١٤٨ ـ التخريج : البيت للأعشى في ديوانه ص ٢٨٣ ؛ وشرح شواهد الإيضاح ص ١٢٤ ؛ ولسان العرب ٦ / ٧٠ (خمس) ، ١١ / ٦٧٠ (نغل) ، ١٢ / ٢٠ (أدم) ؛ وبلا نسبة في الخصائص ٢ / ٣٩٥ ؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٦٣٦.

اللغة : أردية العصب : نوع من الملابس اليمانية. الأديم : الجلد ، وأراد به وجه الأرض. نغل : فاسد. ـ

٢٠٨

ففصل بـ «يوما» بين الواو و «أديمها» المعطوف على الضمير في «تراها».

وإذا تقدّم معطوف ومعطوف عليه وتأخر عنهما ضمير يعود عليهما ، فلا يخلو أن يكون العطف بالواو أو بالفاء أو بثمّ أو بحتى أو بغير ذلك من حروف العطف ، فإن كان العطف بالواو كان الضمير على حسب ما تقدم ، نحو قولك : «زيد وعمرو قاما» ، «زيد وعمرو وخالد قاموا» ، لا يجوز أن تفرد الضمير فتجعله على حسب الآخر إلّا حيث سمع ، ويكون الحذف من الأول لدلالة الثاني عليه ، نحو قوله تعالى : (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) (١) كان الوجه أن يقول : يرضوهما ، فأفرد بتقدير : والله أحق أن يرضوه ورسوله أحق أن يرضوه ، فحذف الأوّل لدلالة الثاني عليه.

ومن ذلك أيضا قول الشاعر [من الخفيف] :

١٤٩ ـ إنّ شرح الشباب والشعر الأس

ود ما لم يعاص كان جنونا

______________________

ـ المعنى : يصف أرضا فيقول : تراها حينا جميلة زاهية كملابس يمانية ، وطورا جافة جرداء كالجلد الفاسد.

الإعراب : يوما : مفعول فيه ظرف زمان منصوب بالفتحة متعلق بالفعل (تراها). تراها : فعل ماض مبني على الفتح المقدّر على الألف ، و «ها» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (أنت). كشبه : جار ومجرور متعلّقان بحال من (ها) في (تراها). أردية : مضاف إليه مجرور بالكسرة. العصب : مضاف إليه مجرور بالكسرة. ويوما : «الواو» : للعطف ، «يوما» : معطوف على (يوما) السابق. أديمها : اسم معطوف منصوب بالفتحة ، وهو مضاف ، و «هما» : ضمير متصل مبني في محل جرّ بالإضافة. نغلا : نعت منصوب بالفتحة.

وجملة «تراها» : ابتدائية لا محل لها على رأي ابن عصفور ، والذي أراه ان (يوما) متعلق بفعل (تراها) المحذوف ، وأن العطف عطف جمل لا عطف مفردات ، وعلى ذلك لا شاهد له في البيت.

والشاهد فيه قوله : «ويوما أديمها نغلا» حيث فصل بـ «يوما» بين الواو و «أديمها» المعطوف على الضمير في «تراها».

(١) التوبة : ٦٢.

١٤٩ ـ التخريج : البيت لحسان بن ثابت في ديوانه ص ٢٨٢ ؛ ولسان العرب ٣ / ٢٩ (شرخ) ؛ وتهذيب اللغة ٧ / ٨١ ؛ وجمهرة اللغة ص ٩٢ ، ٥٨٥ ؛ وتاج العروس ٧ / ٢٨١ (شرخ) ؛ وديوان الأدب ١ / ١٠١ ؛ وبلا نسبة في مقاييس اللغة ٣ / ٢٦٩ ؛ والمخصص ١ / ٣٨.

اللغة : شرح الشباب : قوّته. يعاصى : يضارب ويغلب.

المعنى : إن قوّة الشباب وحداثة العمر جنون ما لم يضارب ويغلب. ـ

٢٠٩

كان الوجه أن يقول : «ما لم يعاصيا» ، فأفرد وحذف من الأول لدلالة الثاني عليه تقديره : إنّ شرخ الشباب ما لم يعاص كان جنونا والشعر الأسود ما لم يعاص كان جنونا.

و «حتى» في ذلك بمنزلة الواو.

فإن كان العطف بالفاء جاز أن يكون الضمير على حسب ما تقدم بمنزلة الواو ، فتقول : «زيد فعمرو قاما» ، لكون الأول شريك الثاني في اللفظ والمعنى. ويجوز أن تقول : «زيد فعمرو قام» ، فتفرد وتحذف من الأول لدلالة الثاني عليه. وإنّما جاز ذلك لأنّ الفاء لما فيها من الترتيب تقتضي إفراد خبر الأول من خبر الثاني ، وكلاهما حسن.

وإن كان العطف بـ «ثمّ» جاز الوجهان معا ، والأحسن الإفراد لما في «ثمّ» من المهلة الموجبة لفصل خبر الأول من الثاني ، فتقول : «زيد ثمّ عمرو قام» ، وهو الأحسن ، ويجوز أيضا : قاما.

وإن كان العطف بغير ذلك من حروف العطف فإنّما يكون الضمير على حسب المتأخر خاصة ، فتقول : «زيد أو عمرو قام» ، و «زيد لا عمرو قام».

وكذلك سائر ما بقي من حروف العطف. وإنّما لم يجز أن تقول : «قاما» ، فتجعل الضمير على حسب ما تقدم لأنّ «أو» لا يكون ما بعدها شريك ما قبلها في المعنى ، ألا ترى أنّ القائم إنّما هو أحدهما لا غير ، ولا يجوز أن يكون الضمير على حسب ما تقدم إلا في «أو» خاصة ، وذلك شذوذ لا يقاس عليه. قال الله تعالى : (إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلى

______________________

ـ الإعراب : إن شرخ : حرف مشبّه بالفعل ، واسمها المنصوب بالفتحة. الشباب : مضاف إليه مجرور بالكسرة. والشعر : «الواو» : حرف عطف ، «الشعر» : معطوف على (شرخ) منصوب بالفتحة. الأسود : صفة (الشعر) منصوبة بالفتحة. ما لم : «ما» : حرف مصدري وزماني ، «لم» : حرف جزم وقلب ونفي. يعاص : فعل مضارع مجزوم بحذف حرف العلّة من آخره (الألف المقصورة) ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). كان : فعل ماض ناقص مبني على الفتح ، و «اسمه» : ضمير مستتر تقديره (هو). والمصدر المؤول من (ما) والفعل (يعاص) مفعول فيه ظرف زمان متعلق بالفعل (كان). جنونا : خبر كان منصوب بالفتحة.

وجملة «إنّ شرخ الشباب ... كان» : ابتدائيّة لا محلّ لها. وجملة «ما لم يعاص» : صلة الموصول الحرفي لا محل لها. وجملة «كان جنونا» : في محل رفع خبر «إن».

والشاهد فيه قوله : «ما لم يعاص» حيث أفراد مع أنه ذكر مثنى (شرخ الشباب والشعر الأسود) وقدّر المراد : إن شرخ الشباب ما لم يعاص ، والشعر الأسود ما لم يعاص ، كان ذلك جنونا.

٢١٠

بِهِما) (١). فأعاد الضمير على «الغني» و «الفقير» لتقديمهما في الذكر.

[١٥ ـ عطف الاسم على الفعل والعكس] :

ولا يجوز عطف الاسم على الفعل ، ولا الفعل على الاسم إلا في موضع يكون الفعل فيه في موضع الاسم أو الاسم في موضع الفعل.

فالموضع الذي يكون فيه الاسم في موضع الفعل اسم الفاعل واسم المفعول إذا وقعا في صفة الألف واللام ، نحو : «الضارب» و «المضروب» ، فلذلك يجوز أن تعطف الفعل على الاسم هنا ، فتقول : «جاءني الضارب وقام» ، و «قام زيد الذي ضرب وقائم» ، قال الله تعالى : (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً) (٢) فعطف «وأقرضوا» على «المصّدّقين» ، كأنّه قال : إنّ الذين تصدّقوا وأقرضوا الله.

والموضع الذي يقع فيه الفعل موقع الاسم أن يقع خبرا لذي خبر ، أعني خبرا لمبتدأ أو لكان وأخواتها أو لأن وأخواتها أو لـ «ما» أو حالا لذي حال أو صفة لموصوف أو في موضع المفعول الثاني لـ «ظننت» أو الثالث من باب «أعلمت».

فمما جاء من عطف الاسم على الفعل لوقوع الفعل موقع الاسم قوله [من الطويل] :

١٥٠ ـ فألفيته يوما يبير عدوّه

وبحر عطاء يستخفّ المعابرا

______________________

(١) النساء : ١٣٥.

(٢) الحديد : ١٨.

١٥٠ ـ التخريج : البيت للنابغة الذبياني في ديوانه ص ٧١ ؛ وبلا نسبة في رصف المباني ص ٤١١ ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ١٧٦.

اللغة : ألفيته : وجدته. يبير : يزيل ، يقضي ، يهلك. المعابر : ما يعبر عليه كالسفينة ونحوها.

المعنى : يقول : وجدته يهلك العدوّ ، وهو في عطائه كأنه بحر تعبره السفن الكثيرة ، ممهّدا لها من نفسه السبل لتعيش.

الإعراب : «فألفيته» : الفاء بحسب ما قبلها ، «ألفيته» : فعل ماض ، والتاء ضمير في محلّ رفع فاعل ، والهاء ضمير في محلّ نصب مفعول به أوّل. «يوما» : ظرف زمان متعلّق بـ «ألفيت». «يبير» : فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : «هو». «عدوّه» : مفعول به ، وهو مضاف ، والهاء ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. «وبحر» : الواو حرف عطف ، «بحر» : معطوف على «يبير» الواقعة مفعولا به ثانيا لـ «ألفى». «عطاء» : مضاف إليه. يستخفّ : فعل مضارع مرفوع ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : «هو». «المعابرا» : مفعول به منصوب ، والألف للإطلاق. ـ

٢١١

وقول الآخر [من الرجز] :

١٥١ ـ باشر راع وسطها لجابر

بات يغشّيها بعضب باتر

يقصد في أسوقها وجائر

يريد : قاصد في أسواقها وجائر.

ومما جاء من عطف الفعل على الاسم لكون الفعل في موضع الاسم أيضا قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ) (١). تقديره : صافّات قابضات ، أي : وقابضات.

ولا يجوز عطف فعل على فعل إلا بشرط أن يتفقا في الزمان ، فلا يجوز أن تعطف ماضيا على مستقبل ولا مستقبلا على ماض ، والأحسن أن يتفقا في الصيغة مع اتفاقهما في الزمان ، فتقول : «زيد قام وخرج» ، و «زيد يقوم ويخرج».

وقد يجوز أن تختلف الصيغ في الأفعال المعطوفة مع اتفاق الزمان ، نحو : «إن قام زيد ويخرج يقم بكر» ، فعطف «يخرج» على «قام» لاتفاقهما في الاستقبال. ومن ذلك قوله

______________________

ـ وجملة : «ألفيته» بحسب ما قبلها. وجملة : «يبير» في محلّ نصب مفعول به ثان لـ «ألفى». وجملة «يستخفّ المعابرا» في محل نصب نعت «بحر»

الشاهد فيه قوله : «يبير عدوّه وبحر ...» حيث عطف الاسم «بحر» على الفعل «يبير» لوقوع الفعل موقع الاسم «مبيرا».

١٥١ ـ التخريج : الرجز بلا نسبة في خزانة الأدب ٥ / ١٤٠ ، ١٤٣ ؛ وشرح الأشموني ٢ / ٤٣٣ ؛ ولسان العرب ١١ / ٦٠٠ (كهل) ، ١٥ / ٦٢ (عشا) ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ١٧٤.

اللغة : يغشّيها : يغطّيها. العضب : السيف. الباتر : القاطع.

الإعراب : ... «بات» : فعل ماض ناقص ، واسمه ضمير مستتر تقديره : «هو». يغشّيها» : فعل مضارع مرفوع ، و «ها» : ضمير في محلّ نصب مفعول به ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : «هو». «بعضب» : جار ومجرور متعلّقان بـ «يغشّي». «باتر» : نعت «عضب» مجرور. «يقصد» : فعل مضارع مرفوع ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : «هو». «في أسوقها» : جار ومجرور متعلّقان بـ «يقصد» ، وهو مضاف ، و «ها» : ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. «وجائر» : الواو حرف عطف ، «جائر» : معطوف على «يقصد» الواقعة نعتا لـ «عضب».

وجملة : «بات يغشيها» في محل نصب حال. وجملة : «يغشّيها» في محلّ نصب خبر «بات». وجملة : «يقصد» في محلّ جرّ نعت «عضب».

الشاهد فيه قوله : «يقصد في أسوقها وجائر» حيث عطف اسم الفاعل «جائر» على الفعل «يقصد» وذلك لوقوع الفعل موقع الاسم «قاصد».

(١) الملك : ١٩.

٢١٢

تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً) (١) ألا ترى أنّ المعنى : أنزل من السماء ماء فأصبحت الأرض مخضرة ، وقول الشاعر [من الكامل] :

١٥٢ ـ ولقد أمرّ على اللئيم يسبّني

فمضيت ثمت قلت لا يعنيني

فعطف «فمضيت» وهو ماض على «أمرّ» ، لأن «أمرّ» في المعنى ماض ، ألا ترى أن المعنى : لقد مررت على اللئيم يسبني فمضيت؟

وأما إذا اختلف الزمان ، فلا يجوز العطف ، فلا تقول : «زيد قام ويخرج» ، تريد : قام فيما مضى ويخرج فيما يستقبل.

______________________

(١) الحج : ٦٣.

١٥٢ ـ التخريج : البيت لرجل من سلول في الدرر ١ / ٧٨ ؛ وشرح التصريح ٢ / ١١ ؛ وشرح شواهد المغني ١ / ٣١٠ ؛ والكتاب ٣ / ٢٤ ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ٥٨ ؛ ولشمر بن عمرو الحنفيّ في الأصمعيّات ص ١٢٦ ؛ ولعميرة بن جابر الحنفي في حماسة البحتري ص ١٧١ ؛ وبلا نسبة في الأزهية ص ٢٦٣ ؛ والأشباه والنظائر ٣ / ٩٠ ؛ والأضداد ص ١٣٢ ؛ وأمالي ابن الحاجب ص ٦٣١ ؛ وجواهر الأدب ص ٣٠٧ ؛ وخزانة الأدب ١ / ٣٥٧ ، ٣٥٨ ، ٣ / ٢٠١ ، ٤ / ٢٠٧ ، ٢٠٨ ، ٥ / ٢٣ ، ٥٠٣ ، ٧ / ١٩٧ ، ٩ / ١١٩ ، ٣٨٣ ؛ والخصائص ٢ / ٣٣٨ ، ٣ / ٣٣٠ ؛ والدرر ٦ / ١٥٤ ؛ وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٢١ ؛ وشرح شواهد المغني ٢ / ٨٤١ ؛ وشرح ابن عقيل ص ٤٧٥ ؛ والصاحبي في فقه اللغة ص ٢١٩ ؛ ولسان العرب ١٢ / ٧٨١ (ثم) ، ١٥ / ٢٩٦ (منن) ؛ ومغني اللبيب ١ / ١٠٢ ، ٢ / ٤٢٩ ، ٦٤٥ ؛ وهمع الهوامع ١ / ٩ ، ٢ / ١٤٠.

شرح المفردات : اللئيم : الدنيء ، الخسيس. يعنيني : يقصدني.

الإعراب : «ولقد» : الواو بحسب ما قبلها ، واللام رابطة جواب القسم ، و «قد» للتحقيق. «أمر» : فعل مضارع مرفوع ، وفاعله ... وجوبا «أنا». «على اللئيم» : جار ومجرور متعلّقان بـ «أمرّ». «يسبّني» : فعل مضارع مرفوع ، والنون للوقاية ، والياء في محلّ نصب مفعول به ، وفاعله ... جوازا «هو». «فمضيت» : الفاء حرف عطف ، «مضيت» : فعل ماض ، والتاء ضمير في محلّ رفع فاعل. «ثمت» : حرف عطف. «قلت» : فعل ماض ، والتاء ضمير في محلّ رفع فاعل. «لا» : حرف نفي. «يعنيني» : فعل مضارع ، والنون للوقاية ، والياء في محلّ نصب مفعول به. وفاعله ... جوازا تقديره : «هو».

وجملة : «أمر» جواب قسم لا محل لها. وجملة : «يسبّني» في محلّ جر نعت «اللئيم» لأن «اللئيم» نكرة في المعنى. وجملة «مضيت» معطوفة على جملة «أمر» ، فهي مثلها لا محلّ لها من الإعراب. وجملة : «قلت» معطوفة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «لا يعنيني» في محلّ نصب مفعول به.

الشاهد فيه قوله : «أمرّ فمضيت» حيث عطف الفعل الماضي «مضيت» على الفعل المضارع «أمرّ» لأن «أمرّ» ماض في المعنى.

٢١٣

[١٦ ـ حذف حرف العطف والمعطوف ، وحرف العطف والمعطوف عليه] :

ويجوز حذف حرف العطف والمعطوف إذا فهم المعنى ، كقوله تعالى : (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) (١) تقديره : تقيكم الحرّ والبرد ، فحذف والبرد لفهم المعنى ، ألا ترى أنّه معلوم أنها تقي البرد كما تقي الحرّ. ومن كلام العرب : «راكب الناقة طليحان» ، أي : معييان تقديره : راكب الناقة والناقة طليحان ، فحذف «والناقة» لفهم المعنى.

وكذلك أيضا يجوز حذف حرف العطف والمعطوف عليه لفهم المعنى ، فمن ذلك قوله تعالى : (فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ) (٢) ، وقوله تعالى : (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ) (٣) ، وقوله تعالى : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) (٤).

التقدير : فضرب فانفلق ، فضرب فانبجست ، وفأفطر فعدّة. فحذف «ضرب» و «أفطر» وفاء العطف مما بعدها «من أيّام أخر». وعلى ذلك يتخرّج ما رواه قطرب من قول النابغة [من البسيط] :

١٥٣ ـ قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا

إلى حمامتنا أو نصفه فقد

______________________

(١) النحل : ٨١.

(٢) الشعراء : ٦٣.

(٣) الأعراف : ١٦٠.

(٤) البقرة : ١٨٤.

١٥٣ ـ التخريج : البيت للنابغة الذبياني في ديوانه ص ٢٤ ؛ والأزهيّة ص ٨٩ ، ١١٤ ؛ والأغاني ١١ / ٣١ ؛ والإنصاف ٢ / ٤٧٩ ؛ وتخليص الشواهد ص ٣٦٢ ؛ وتذكرة النحاة ص ٣٥٣ ؛ وخزانة الأدب ١٠ / ٢٥١ ، ٢٥٣ ؛ والخصائص ٢ / ٤٦٠ ؛ والدرر ١ / ٢١٦ ، ٢ / ٢٠٤ ؛ ورصف المباني ص ٢٩٩ ، ٣١٦ ، ٣١٨ ؛ وشرح التصريح ١ / ٢٢٥ ؛ وشرح شواهد المغني ١ / ٧٥ ، ٢٠٠ ، ٢ / ٦٩٠ ؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٢٣٣ ؛ وشرح المفصل ٨ / ٥٨ ؛ والكتاب ٢ / ١٣٧ ؛ واللمع ص ٣٢٠ ؛ ومغني اللبيب ١ / ٦٣ ، ٢٨٦ ، ٣٠٨ ؛ والمقاصد النحويّة ٢ / ٢٥٤ ؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك ١ / ٣٤٩ ؛ وخزانة الأدب ٦ / ١٥٧ ؛ وشرح الأشموني ١ / ١٤٣ ؛ وشرح قطر الندى ص ١٥١ ؛ ولسان العرب ٣ / ٣٤٧ (قدد) ؛ والمقرب ١ / ١١٠ ؛ وهمع الهوامع ١ / ٦٥.

اللغة والمعنى : فقد : هنا اسم فعل بمعنى «يكفي» ، أو اسم بمعنى : «كاف» ، أو : بمعنى الواو.

قالت : ألا ليت هذا الحمام كلّه لنا ، أو نصفه مضافا إلى حمامتنا فهو كاف [لأن يصير مئة].

الإعراب : قالت : فعل ماض ، والتاء : للتأنيث ، والفاعل : هي. ألا : حرف استفتاح وتنبيه. ليتما : حرف مشبّه بالفعل. و «ما» : زائدة. وقد تكون غير عاملة. هذا : اسم إشارة في محل نصب اسم «ليت» ، أو مبتدأ إذا اعتبرت غير عاملة. الحمام : بدل من «هذا» منصوب أو مرفوع. لنا : جار ومجرور متعلّقان ـ

٢١٤

تقديره : أو هذا الحمام ونصفه ، فحذف هذا الحمام وهو المعطوف عليه وحذف حرف العطف وهو الواو.

وقد يجوز حذف حرف العطف وحده لفهم المعنى ، نحو قوله [من الرجز] :

١٥٤ ـ ضربا طلخفا في الطّلى سخينا

يريد ضربا طلخفا وسخينا ، والطلخف : الشديد والسخين : دونة في الشدة ، والطلى : جمع طلية وهي صفحة العنق ، وقول الآخر [من الخفيف] :

١٥٥ ـ كيف أمسيت كيف أصبحت مما

يزرع الودّ في فؤاد السقيم

______________________

ـ بمحذوف خبر «ليت» أو خبر المبتدأ. إلى حمامتنا : جار ومجرور متعلّقان بمحذوف خبر «ليت» أو بمحذوف حال من اسم «ليت» ، وهو مضاف ، ونا : ضمير متّصل مبنيّ في محلّ جرّ بالإضافة. أو : حرف عطف.

نصفه : معطوف على «هذا» ، وهو مضاف ، والهاء : في محلّ جرّ بالإضافة. فقد : الفاء : فاء الفصيحة. قد : اسم بمعنى «كاف» مبنيّ في محلّ رفع خبر لمبتدأ محذوف تقديره : وإن حصل فهو كاف لـ «كذا».

وجملة (قالت ...) الفعلية لا محلّ لها من الإعراب لأنّها ابتدائيّة. وجملة (ألا ليتما ...) الاسميّة في محل نصب مفعول به.

والشاهد فيه قوله : «هذا الحمام أو نصفه» حيث يمكن تخريجه على تقدير : «هذا الحمام أو هذا الحمام ونصفه» فحذف «هذا الحمام» وهو المعطوف عليه وحذف حرف العطف «الواو».

١٥٤ ـ التخريج : الرجز بلا نسبة في لسان العرب ٩ / ٢١٣ (طخف).

الإعراب : ضربا : مفعول مطلق منصوب بالفتحة. طلخفا : صفة (ضربا) منصوبة بالفتحة. في الطلى : جار ومجرور بكسرة مقدّرة على الألف متعلّقان بـ (ضربا) أو بعامله المحذوف. سخينا : معطوف على (طلخفا) بحرف جر محذوف ، منصوب بالفتحة.

والشاهد فيه قوله : «ضربا طلخفا في الطلى سخينا» حيث حذف حرف العطف بين المعطوف «سخينا» والمعطوف عليه «طلخفا».

١٥٥ ـ التخريج : البيت بلا نسبة في الأشباه والنظائر ٨ / ١٣٤ ؛ والخصائص ١ / ٢٩٠ ، ٢ / ٢٨٠ ؛ والدرر ٦ / ١٥٥ ؛ وديوان المعاني ٢ / ٢٢٥ ؛ ورصف المباني ص ٤١٤ ؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٦٤١ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ١٤٠.

المعنى : يقول : إنّ التحيّة والسؤال عن الأحوال ممّا يغرس المحبّة بين الناس.

الإعراب : كيف : اسم استفهام في محلّ رفع مبتدأ. أصبحت : فعل ماض تام ، والتاء ضمير متّصل ـ

٢١٥

يريد : كيف أمسيت وكيف أصبحت ، فحذف الواو.

[١٧ ـ إعراب الاسم المعطوف] :

والمعطوف أبدا يكون إعرابه على حسب إعراب المعطوف عليه من رفع أو نصب أو خفض أو جزم ، إلا أن يكون للمعطوف عليه لفظ وموضع فإنّه يجوز أن يعطف تارة على لفظه وتارة على موضعه. فلا بدّ إذن من تبيّن ما له لفظ وموضع.

والذي له لفظ وموضع ينقسم ستة أقسام : قسم لفظه نصب وموضعه رفع وهو اسم «إنّ» و «لكنّ» و «لا» التي للتبرئة. فإن عطفت على اللفظ نصبت وإن عطفت على الموضع رفعت. وقد قرىء : (أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) (١). برفع «رسوله» على موضع إنّ على أحد الوجوه الجائزة فيه. وسنتبين ذلك إن شاء الله تعالى في بابه. ومن ذلك قول الشاعر [من السريع] :

١٥٦ ـ لا نسب اليوم ولا خلّة

إتّسع الخرق على الراقع

______________________

ـ مبنيّ في محلّ رفع فاعل. كيف أمسيت : معطوفة على «كيف أصبحت» وتعرب إعرابها ، وذلك بحرف عطف مقدّر. ممّا : جار ومجرور متعلّقان بمحذوف تقديره : «قولك». يغرس : فعل مضارع مرفوع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره : «هو». الودّ : مفعول به منصوب. في فؤاد : جار ومجرور متعلّقان بـ «يغرس» وهو مضاف. السقيم : مضاف إليه مجرور.

وجملة : «كيف أصبحت» ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة : «أصبحت» في محلّ رفع خبر المبتدأ. وجملة «كيف أمسيت» معطوفة على جملة : «كيف أصبحت». وجملة : «يغرس» صلة الموصول لا محلّ لها من الإعراب.

الشاهد فيه قوله : «كيف أصبحت ، كيف أمسيت» حيث حذف حرف العطف والتقدير : «كيف أصبحت وكيف أمسيت».

(١) التوبة : ٣.

١٥٦ ـ التخريج : البيت لأنس بن العباس بن مرداس في الدرر ٦ / ١٧٥ ، ٣١٣ ؛ وشرح التصريح ١ / ٢٤١ ؛ وشرح شواهد المغني ٢ / ٦٠١ ؛ والكتاب ٢ / ٢٨٥ ، ٣٠٩ ؛ ولسان العرب ٥ / ١١٥ (قمر) ١٠ / ٢٣٨ (عتق) ؛ والمقاصد النحوية ٢ / ٣٥١ ؛ وله أو لشقران مولى سلامان بن قضاعة في شرح أبيات ـ

٢١٦

روي برفع «خلّة» على موضع «نسب» ، ونصبه على لفظه.

وقسم لفظه رفع وموضعه نصب ، وهو المنادى المبني على الضم ، نحو : «يا زيد والرجل» ، بنصب «الرجل» على موضع «زيد» ، ورفعه على لفظه ، وقد قرىء : (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ) (١). بنصب «الطير» على موضع «جبال» ورفعه على لفظه.

وقسم لفظه خفض وموضعه نصب ، وهو الاسم المخفوض بإضافة اسم الفاعل إليه بمعنى الحال أو الاستقبال ، نحو قولك : «هذا ضارب زيد غدا وعمرو» ، بالخفض على اللفظ و «عمرا» بالنصب على الموضع ، وعليه قوله [من البسيط] :

١٥٧ ـ هل أنت باعث دينار لحاجتنا

أو عبد ربّ أخا عون بن مخراق

______________________

ـ سيبويه ١ / ٥٨٣ ، ٥٨٧ ؛ ولأبي عامر جدّ العباس بن مرداس في ذيل سمط اللآلي ص ٣٧ ؛ وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ١ / ٤١٢ ؛ وأوضح المسالك ٢ / ٢٠ ؛ وشرح الأشموني ١ / ١٥١ ؛ وتخليص الشواهد ص ٤٠٥ ؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٧٥ ، ٩٦٧ ؛ وشرح ابن عقيل ص ٢٠٢ ؛ وشرح المفصّل ٢ / ١٠١ ، ١٣٥ ، ٩ / ١٣٨ ؛ واللمع في العربيّة ص ١٢٨ ؛ ومغني اللبيب ١ / ٢٦٦ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ١٤٤ ، ٢١١.

اللغة والمعنى : الخلّة : الصداقة. الخرق : الفجوة بين شقّين. الراقع : المصلح.

يقول : لم يعد بالإمكان إصلاح ذات البين ، لأنّ الخطب قد تفاقم ، فلا يفيد هذا نسب ولا خلّة.

الإعراب : لا : النافية للجنس. نسب : اسم «لا» مبنيّ في محلّ نصب. اليوم : ظرف متعلّق بمحذوف خبر «لا». ولا : الواو : حرف عطف ، لا : زائدة لتأكيد النفي. خلّة : معطوفة على محلّ اسم «لا». اتّسع : فعل ماض. الخرق : فاعل مرفوع. على الراقع : جار ومجرور متعلّقان بـ «اتّسع»

وجملة (لا نسب اليوم) الاسميّة لا محلّ لها من الإعراب لأنّها ابتدائيّة. وجملة (اتّسع الخرق ...) الفعليّة لا محلّ لها من الإعراب لأنّها استئنافيّة.

والشاهد فيه قوله : «ولا خلّة» حيث روي البيت برفع «خلة» وعطفها على محل اسم «لا» ، وبنصبها وعطفها على لفظه.

(١) سبأ : ١٠.

١٥٧ ـ التخريج : البيت لجابر بن رألان أو لجرير أو لتأبط شرّا ، أو هو مصنوع في خزانة الأدب ٨ / ٢١٥ ؛ ولجرير بن الخطفى ، أو لمجهول ، أو هو مصنوع في المقاصد النحويّة ٣ / ٥١٣ ؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ٢٥٦ ؛ والدرر ٦ / ١٩٢ ؛ وشرح أبيات سيبويه ١ / ٣٩٥ ؛ وشرح الأشموني ٢ / ٣٤٤ ؛ والكتاب ١ / ١٧١ ؛ والمقتضب ٤ / ١٥١ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ١٤٥.

اللغة : دينار وعبد ربّ : رجلان.

الإعراب : «هل» : حرف استفهام. «أنت» : ضمير منفصل مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ. «باعث» : خبر المبتدأ مرفوع ، وهو مضاف. «دينار» : مضاف إليه مجرور. «لحاجتنا» : جار ومجرور متعلّقان بـ «باعث» ،

٢١٧

فنصب «عبد» على موضع «دينار».

وقسم لفظه خفض وموضعه رفع وهو كلّ اسم مخفوض بإضافة مصدر فعل لا يتعدى إليه ، نحو قولك : «يعجبني قيام زيد وعمرو» ، بالخفض على لفظ «زيد» والرفع على موضعه ، و «عمرو» على الموضع ، كأنك قلت : يعجبني أن قام زيد وعمرو.

وقسم لفظه خفض وموضعه قد يكون رفعا وقد يكون نصبا ، وهو كلّ اسم مخفوض بإضافة مصدر فعل متعدّ إليه ، فيكون الموضع رفعا إن قدّرت المصدر مضافا لفاعل أو مفعول لم يسمّ فاعله ، ونصبا إن قدّرته مضافا إلى المفعول ، نحو قولك : «يعجبني ضرب زيد» ، تريد : أن ضرب زيد ، ويكون في موضع نصب إن قدّرته ، مضافا للمفعول ، نحو قولك : «يعجبني ضرب زيد عمرو» ، تريد : أن ضرب زيدا عمرو ، فمن العطف على الموضع في مثل هذا قوله [من الرجز] :

١٥٨ ـ قد كنت داينت بها حسّانا

مخافة الإفلاس واللّيانا

______________________

ـ وهو مضاف ، و «نا» : ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. «أو» : حرف عطف. «عبد» : معطوف على محلّ «دينار» ، أو على إضمار فعل تقديره : «تبعث عبد» ، وهو مضاف. «ربّ» : مضاف إليه مجرور. «أخا» : نعت «عبد» ، أو عطف بيان ، وهو مضاف. «عون» : مضاف إليه مجرور. «بن» : نعت «عون» ، وهو مضاف.

«مخراق» : مضاف إليه مجرور بالكسرة. الشاهد فيه قوله : «عبد ربّ» حيث نصب «عبد» حملا على موضع «دينار».

١٥٨ ـ التخريج : الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص ١٨٧ ؛ والكتاب ١ / ١٩١ ، ١٩٢ ؛ ولزياد العنبري في شرح التصريح ٢ / ٦٥ ؛ وشرح المفصّل ٦ / ٦٥ ؛ وله أو لرؤبة في الدرر ٦ / ١٩٠ ؛ وشرح شواهد الإيضاح ص ١٣١ ؛ وشرح شواهد المغني ٢ / ٨٦٩ ؛ والمقاصد النحوية ٣ / ٥٢٠ ؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب ٥ / ١٠٢ ؛ وشرح ابن عقيل ص ٤١٨ ؛ وشرح المفصّل ٦ / ٦٩ ؛ ومغني اللبيب ٢ / ٤٧٦ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ١٤٥.

شرح المفردات : داينت بها : أخذتها بدلا من دين لي عنده. اللّيان : المطل. القيان : ج القينة ، وهي الجارية.

المعنى : يقول : إنّه قد أخذ قينة بدلا من دين له عند حسّان خوفا من إفلاسه ومماطلته.

الإعراب : «قد» : حرف تحقيق. «كنت» : فعل ماض ناقص ، والتاء ضمير في محلّ رفع اسم «كان». «داينت» : فعل ماض ، والتاء : ضمير في محلّ رفع فاعل. «بها» : جار ومجرور متعلّقان بـ «داينت». «حسّانا» : مفعول به. «مخافة» : مفعول لأجله ، وهو مضاف. «الإفلاس» : مضاف إليه مجرور. «واللّيانا» : الواو حرف عطف ، «الليانا» : معطوف على «الإفلاس» تبعه في المحلّ على أنه مفعول به لـ «مخافة» منصوب ، والألف للإطلاق. «يحسن» : فعل مضارع مرفوع ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : «هو». «بيع» : ـ

٢١٨

يحسن بيع الأصل والقيانا

فعطف «والقيانا» على موضع «الأصل» ، كأنه قال : يحسن أن يبيع الأصل والقيان.

وكذلك المجرور بحرف الجر الزائد يكون في موضع نصب إن كان الاسم قبل زيادة حرف الجرّ منصوبا ، ويكون في موضع رفع إن كان قبل دخول الحرف مرفوعا.

فمثال ما هو في موضع نصب قبل زيادة حرف الجرّ قولك : «ليس زيد بقائم» ، لأنّ أصله : ليس زيد قائما ، ومن العطف في مثل ذلك قوله [من الوافر] :

١٥٩ ـ معاوي إنّنا بشر فأسجح

فلسنا بالجبال ولا الحديدا

فعطف «الحديد» على موضع «الجبال».

______________________

ـ مفعول به منصوب ، وهو مضاف. «الأصل» : مضاف إليه مجرور. «والقيانا» : الواو حرف عطف ، «القيانا» : معطوف على «الأصل» تبعه في المحل على أنه مفعول به لـ «بيع» ، منصوب ، والألف للإطلاق.

وجملة : «قد كنت داينت» ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «داينت» في محلّ نصب خبر «كان». وجملة : «يحسن ...» في محلّ نصب نعت «حسّانا».

الشاهد فيه قوله : «والقيانا» حيث عطفه على «الأصل» فتبعه على المحل.

١٥٩ ـ التخريج : البيت لعقبة أو لعقيبة الأسدي في خزانة الأدب ٢ / ٢٦٠ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ١ / ١٣١ ، ٢٩٤ ؛ وسمط اللآلي ص ١٤٨ ، ١٤٩ ؛ وشرح أبيات سيبويه ص ٣٠٠ ؛ وشرح شواهد المغني ٢ / ٨٧٠ ؛ والكتاب ١ / ٦٧ ؛ ولسان العرب ٥ / ٣٨٩ (غمز) ؛ ولعمر بن أبي ربيعة في الأزمنة والأمكنة ٢ / ٣١٧ ؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٤ / ٣١٣ ؛ وأمالي ابن الحاجب ص ١٦٠ ؛ ورصف المباني ص ١٢٢ ، ١٤٨ ؛ والشعر والشعراء ١ / ١٠٥ ؛ والكتاب ٢ / ٢٩٢ ، ٣٤٤ ، ٣ / ٩١ ؛ ومغني اللبيب ٢ / ٤٧٧ ؛ والمقتضب ٢ / ٣٣٨ ، ٤ / ١١٢ ، ٣٧١.

اللغة : معاوي : ترخيم معاوية. أسجح : اعف ، والإسجاح : حسن العفو.

المعنى : اعف عنّا يا معاوية واصفح ، فلسنا جبالا ولا حديدا ، بل نحن بشر نحبّ ونكره ونحسن ونخطىء.

الإعراب : «معاوي» : منادى مفرد علم مبني على الضمّ المقدّر على التاء المحذوفة للترخيم في محلّ نصب. «إننا» : «إنّ» : حرف مشبّه بالفعل ، و «نا» : ضمير متصل في محلّ نصب اسمها. «بشر» : خبر «إنّ» مرفوع بالضمّة. «فأسجح» : «الفاء» : استئنافية ، «أسجح» : فعل أمر مبني على السكون ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (أنت). «فلسنا» : «الفاء» : استئنافية ، «ليس» : فعل ماض ناقص ، و «نا» : ضمير متصل في ـ

٢١٩

ومثال ما هو في موضع رفع : «ما جاءني من أحد» ، لأنّه كان قبل حرف الجر : ما جاءني أحد ، ولو عطفت على موضعه لقلت : «ما جاءني من أحد ولا امرأة» ، برفع امرأة.

وقسم لفظه رفع وموضعه جزم وهو الفعل المرفوع بعد الفاء في الجواب في قوله : «إن يقم زيد فيقوم عمرو» ، فلفظه رفع وموضعه جزم ، بدليل أنّه لو لا الفاء لكان مجزوما ، فلو عطفت على الموضع لجزمت ، وقد قرىء : (فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) (١) ، برفع «يعذّب» وجزمه ، وسنبيّن ذلك في بابه إن شاء الله تعالى.

[١٨ ـ تعدّد العطف] :

ويجوز أن تعطف بحرف العطف اسما فصاعدا على اسم مثله فصاعدا فتقول : «ضرب زيد عمرا وبكر خالدا» ، فتعطف بالواو بكرا وخالدا على زيد وعمرو. وتقول : «ظنّ زيد عمرا منطلقا وبكر جعفرا مقيما» ، فتعطف بالواو بكرا وجعفرا ومقيما على زيد وعمرو ومنطلق ، وتقول : «أعلم عبد الله بشرا أخاك منطلقا وزيد عمرا بكرا ضاحكا» ، فتعطف بالواو زيدا وعمرا وبكرا وضاحكا على عبد الله وبشر وأخيك ومنطلق.

وكلّ ذلك جائز ما لم يؤدّ إلى العطف على عاملين ، فإنّ ذلك لا يجوز ، فلا يجوز أن تقول : «مرّ زيد بعمرو وبكر خالد» ، فتعطف «بكرا» على «عمرو» و «خالدا» على «زيد» ، لأنّ ذلك يؤدّي إلى نيابة الواو مناب «مرّ» ، وهو العامل في «زيد» ومناب الباء ، وهي العاملة في «عمرو» ، ويكون التقدير : «ومرّ ببكر خالد» ، فتكون الواو تعطي معنى الباء ومعنى الفعل ،

______________________

ـ محل رفع اسم (ليس). «بالجبال» : «الباء» : حرف جر زائد ، «الجبال» : اسم مجرور لفظا منصوب محلّا على أنه خبر (ليس). «ولا» : «الواو» : للعطف ، «لا» : نافية لا عمل لها. «الحديدا» : معطوف على محل خبر (ليس) منصوب بالفتحة ، و «الألف» : للإطلاق.

وجملة النداء : «يا معاوي» ابتدائية. وجملة «إننا بشر» : استئنافية لا محلّ لها. وجملة «فأسجح» : استئنافية لا محلّ لها. وجملة «لسنا بالجبال» : استئنافية لا محلّ لها.

والشاهد فيه قوله : «بالجبال ولا الحديدا» حيث عطف «الحديد» المنصوبة ، على «الجبال» المجرورة لفظا ، على أساس محلّها ، وهو النصب.

(١) البقرة : ٢٨٤.

٢٢٠