شرح جمل الزجّاجى - ج ١

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »

شرح جمل الزجّاجى - ج ١

المؤلف:

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-2263-0
ISBN الدورة:
2-7451-2263-0

الصفحات: ٥٨٤

و «كنّيتك أبا عبد الله» ، تريد : بأبي عبد الله ، قال [من الوافر] :

٢٠٢ ـ وما صفراء تكنى أمّ عمرو

كأنّ سويقتيها منجلان

يريد : تكنى بأمّ عمرو ، و «أستغفر الله ذنبي» ، يريد : من ذنبي ، قال الشاعر [من البسيط] :

٢٠٣ ـ أستغفر الله ذنبا لست محصيه

ربّ العباد إليه الوجه والعمل

______________________

ـ والشاهد في قوله : «سميت كعبا» و «يسمى الجعل» حيث تعدى الفعل إلى مفعوله مباشرة بدون حرف الجر.

٢٠٢ ـ التخريج : البيت لأبي عطاء السندي أو لحماد الراوية في لسان العرب ٩ / ٢٥٩ (عوف) ؛ ولحماد عجرد في تاج العروس ٢٤ / ١٩٢ (عوف) ؛ وبلا نسبة في لسان العرب ٤ / ٤٦٢ (صفر) ؛ وتاج العروس ١٢ / ٣٢٧ (صفر).

اللغة : أم عمرو : الأصوب ـ كما ورد في اللسان ٤ / ٤٦٢ (صفر) ـ أم عوف : وهي كنية الجرادة ؛ والصفراء : الجرادة إذا خلت من البيض. سويقتيها : تصغير ساقيها. المنجلان : مثنى منجل وهي أداة الحاصد ـ قديما ـ للقمح والشعير ...

المعنى : يلغز اللغز عن الجرادة ، فيقول : ما هي الصفراء التي تكنى بأمّ عوف (أمّ عمرو) ، ولها ساقان تحصد بهما الزرع حصدا كأنهما منجلان.

الإعراب : وما : «الواو» : بحسب ما قبلها ، «ما» : اسم استفهام في محلّ رفع مبتدأ. صفراء : خبر مرفوع بالضمّة. تكنى : فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بفتح مقدّر على الألف ، و «نائب الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هي). أم : مفعول به منصوب بالفتحة. عمرو : مضاف إليه مجرور بالكسرة. كأن : حرف مشبّه بالفعل. سويقتيها : اسم (كأن) منصوب بالياء لأنه مثنى ، و «ها» : ضمير متصل في محل جرّ بالإضافة. منجلان : خبر (كأن) مرفوع بالألف والنون لأنه مثنى.

وجملة «وما صفراء» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «تكنى» : في محلّ رفع صفة لـ (صفراء). وجملة «كأن سويقتيها منجلان» : صفة ثانية لـ (صفراء) محلها الرفع.

والشاهد فيه قوله : «تكنى أمّ عمرو» حيث جاء بمفعول به (أمّ) للفعل (تكنى) مباشرة دون وساطة حرف الجر.

٢٠٣ ـ التخريج : البيت بلا نسبة في أدب الكاتب ص ٥٢٤ ؛ والأشباه والنظائر ٤ / ١٦ ؛ وأوضح المسالك ٢ / ٢٨٣ ؛ وتخليص الشواهد ص ٤٠٥ ؛ وخزانة الأدب ٣ / ١١١ ، ٩ / ١٢٤ ؛ والدرر ٥ / ١٨٦ ؛ وشرح أبيات سيبويه ١ / ٤٢٠ ؛ وشرح التصريح ١ / ٣٩٤ ؛ وشرح المفصل ٧ / ٦٣ ، ٨ / ٥١ ؛ والصاحبي في فقه اللغة ص ١٨١ ؛ والكتاب ١ / ٣٧ ؛ ولسان العرب ٥ / ٢٦ (غفر) ؛ والمقاصد النحويّة ٣ / ٢٢٦ ؛ والمقتضب ٢ / ٣٢١ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ٨٢.

اللغة والمعنى : لست محصيه : لست أعرف عدده. إليه الوجه والعمل : أي إليه تتوجّه الوجوه والأعمال الصالحة. ـ

٢٨١

يريد : من ذنب ، ودعوتك أبا عبد الله يريد بأبي عبد الله. قال الشاعر [من الطويل] :

٢٠٤ ـ دعتني أخاها أمّ عمرو ولم أكن

أخاها ولم أرضع لها بلبان

يريد : دعتني بأخيها ، أي : سمّتني بذلك. فإن أردت بـ «دعا» من الاستدعاء لم تتجاوز مفعولا واحدا ، نحو : «دعوت زيدا» ، أي : استدعيته.

ولا يجوز ذلك في هذه الأفعال إلّا بشرط تعيّن موضع الحذف والمحذوف الذي هو حرف الجرّ ، فإن نقص هذان الشرطان أو أحدهما ، لم يجز حذف حرف الجر أصلا ، وما

______________________

ـ يقول : إنّي أستغفر الله من ذنوبي العديدة ، وهو ربّ العباد الذي إليه تتوجّه الوجوه والأعمال الصالحة.

الإعراب : أستغفر : فعل مضارع مرفوع ، والفاعل : أنا. الله : اسم الجلالة مفعول به أوّل. ذنبا : مفعول به ثان. لست : فعل ماض ناقص. والتاء : ضمير في محلّ رفع اسم «ليس». محصيه : خبر «ليس» منصوب ، وهو مضاف ، والهاء : ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. ربّ : بدل من «الله» منصوب ، أو نعت «الله» منصوب ، وهو مضاف. العباد : مضاف إليه مجرور. إليه : جار ومجرور متعلّقان بمحذوف خبر المبتدأ تقديره «حاصل». الوجه : مبتدأ مؤخّر مرفوع. والعمل : الواو : حرف عطف ، العمل : معطوف على «الوجه» مرفوع.

وجملة (أستغفر الله) الفعليّة لا محلّ لها من الإعراب لأنها ابتدائيّة. وجملة (لست محصيه) الفعليّة في محلّ نصب نعت «ذنبا». وجملة (إليه الوجه والعمل) الاسميّة في محلّ نصب حال من «الله».

والشاهد فيه قوله : «أستغفر الله ذنبا» حيث حذف الجارّ من ثاني مفعولي «أستغفر» الذي تعدّى إليه بواسطة الحرف ، والأصل : أستغفر الله من ذنب.

التخريج : البيت لعبد الرحمن بن الحكم في معجم شواهد العربية ص ٣٩٧ ؛ وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص ٤٤٠ ؛ وشرح المفصل ٦ / ٢٧ ؛ والمقرب ١ / ١٢١.

اللغة والمعنى : دعتني : سمّتني.

يقول : إنّ أمّ عمرو قد سمّتني أخاها علما بأنّي لست أخاها بالطبيعة ولا بالرضاعة.

الإعراب : دعتني : فعل ماض ، والتاء : للتأنيث ، والنون : للوقاية ، والياء : في محل نصب مفعول به أوّل. أخاها : مفعول به ثان منصوب بالألف لأنّه من الأسماء الستّة ، وهو مضاف ، و «ها» : في محلّ جرّ بالإضافة. أمّ : فاعل مرفوع ، وهو مضاف. عمرو : مضاف إليه مجرور. ولم : الواو : حالية ، لم : حرف نفي وجزم وقلب. أكن : فعل مضارع مجزوم ناقص ، واسمه ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره «أنا». أخاها : خبر «أكن» منصوب بالألف لأنّه من الأسماء الستّة ، وهو مضاف ، و «ها» : ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. ولم : الواو : حرف عطف ، لم : حرف نفي وجزم وقلب. أرضع : فعل مضارع مجزوم ، والفاعل : أنا. لها : جار ومجرور متعلّقان بـ «أرضع». بلبان : جار ومجرور متعلّقان بـ «أرضع».

وجملة (دعتني أخاها) الفعليّة لا محلّ لها من الإعراب لأنّها ابتدائيّة. وجملة (لم أكن أخاها) الفعليّة في محلّ نصب حال. وجملة (لم أرضع ...) الفعليّة معطوفة على «لم أكن». ـ

٢٨٢

عدا ذلك لا يجوز حذف حرف الجرّ من مفعوله إلّا في ضرورة شعر ، نحو قوله [من الوافر] :

٢٠٥ ـ تمرّون الدّيار ولم تعوجوا

كلامكم عليّ إذن حرام

يريد : على الديار فحذف «على» ، وقول الآخر [من الطويل] :

٢٠٦ ـ تحنّ فتبدي ما بها من صبابة

وأخفي الذي لو لا الأسى لقضاني

______________________

ـ والشاهد فيه قوله : «دعتني أخاها» حيث تعدّى الفعل «دعا» الذي بمعنى «سمّى» إلى مفعولين ، وهما الياء في «دعتني» ، وقوله : «أخاها». وبعده في شرح المفصل ٦ / ٢٧ :

دعتني أخاها بعد ما كان بيننا

من الأمر ما لا يفعل الأخوان

وفيه شاهد مماثل.

٢٠٥ ـ التخريج : البيت لجرير في ديوانه ص ٢٧٨ ؛ والأغاني ٢ / ١٧٩ ؛ وتخليص الشواهد ص ٥٠٣ ؛ وخزانة الأدب ٩ / ١١٨ ، ١١٩ ، ١٢١ ؛ والدرر ٥ / ١٨٩ ؛ وشرح شواهد المغني ١ / ٣١١ ؛ ولسان العرب ٥ / ١٦٥ (مرر) ؛ والمقاصد النحوية ٢ / ٥٦٠ ؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٦ / ١٤٥ ، ٨ / ٢٥٢ ؛ وخزانة الأدب ٧ / ١٥٨ ؛ ورصف المباني ص ٢٤٧ ؛ وشرح المفصل ٨ / ٨ ، ٩ / ١٠٣ ؛ ومغني اللبيب ١ / ١٠٠ ، ٢ / ٤٧٣ ؛ والمقرب ١ / ١١٥ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ٨٣.

اللغة : عاج : مال ، أو أقام.

المعنى : يقول الشاعر لأصحابه إذا مرّوا بديار الحبيبة ولم يميلوا فإنّه سيقطع علاقته بهم ، ولن يكلّمهم بعد ذلك.

الإعراب : «تمرّون» : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون ، والواو ضمير في محلّ رفع فاعل. «الديار» : مفعول به منصوب على نزع الخافض تقديره : «تمرّون بالديار». «ولم» : الواو حاليّة ، «لم» : حرف جزم. «تعوجوا» : فعل مضارع مجزوم بحذف النون ، والواو ضمير في محلّ رفع فاعل. «كلامكم» : مبتدأ مرفوع ، وهو مضاف ، و «كم» ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. «عليّ» : جار ومجرور متعلّقان بـ «حرام». «إذن» :

حرف جواب. «حرام» : خبر المبتدأ مرفوع.

وجملة : «تمرّون» ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة : «ولم تعوجوا» في محلّ نصب حال. وجملة : «كلامكم علي حرام» استئنافية لا محل لها من الإعراب.

الشاهد فيه قوله : «تمرّون الديار» حيث حذف حرف الجرّ ، وأوصل الفعل اللازم إلى المجرور فنصبه ، وأصل الكلام «تمرّون بالديار» ، وهذا مقصور على السماع.

٢٠٦ ـ التخريج : البيت لعروة بن حزام في خزانة الأدب ٨ / ١٣٠ ؛ والدرر ٤ / ١٣٦ ؛ وشرح شواهد المغني ١ / ٤١٤ ؛ والمقاصد النحوية ٢ / ٥٥٢ ؛ ولرجل من بني حلاف في تلخيص الشواهد ص ٥٠٤ ؛ وللكلابي في لسان العرب ٧ / ١٩٥ (غرض) ، ١٥ / ١٨٧ (قضى) ؛ وبلا نسبة في الجنى الداني ص ٤٧٤ ؛ وخزانة الأدب ٩ / ١٢٠ ؛ والدرر ٥ / ١٨٥ ؛ وشرح شواهد الإيضاح ص ١٣٨. ـ

٢٨٣

يريد : لقضى عليّ ، وقول الآخر [من الطويل] :

٢٠٧ ـ فبتّ كأنّ العائدات فرشنني

هراسا به يعلى فراشي ويقشب

يريد : فرشن لي.

______________________

ـ اللغة : تحنّ : تشتاق. تبدي : تظهر. الصبابة : حرارة الشوق. الأسى : (بفتح الهمزة) الحزن ، و (بضمّ الهمزة) : جمع أسوة وهي القدوة. قضاني : أصلها قضى عليّ ، أماتني.

المعنى : إن اشتاقت (ناقتي) أظهرت ما فيها من حرارة الشوق ، وباحت بعواطفها ، بينما أخفي ما أقاسيه من الهوى ، الذي يكاد يقضي عليّ لو لا اقتدائي بمن سبق ؛ أو لو لا ما أظهره من الحزن عند ما أكون وحدي.

الإعراب : تحنّ : فعل مضارع مرفوع بالضمّة ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هي). فتبدي : «الفاء» : للعطف ، «تبدي» : فعل مضارع مرفوع بضمّة مقدّرة على الياء ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هي). ما : اسم موصول في محل نصب مفعول به. بها : جار ومجرور متعلقان بصلة الموصول المحذوفة ، بتقدير (ما استقرّ بها). من صبابة : جار ومجرور متعلّقان بالفعل (تبدي). وأخفي : «الواو» : للعطف ، «أخفي» : فعل مضارع مرفوع بضمّة مقدّرة على الياء ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (أنا). الذي : اسم موصول في محلّ نصب مفعول به. لو لا : حرف امتناع لوجود (امتنع القضاء والهلاك لوجود الأسى). الأسى : مبتدأ مرفوع بضمّة مقدّرة على الألف ، وخبره محذوف. لقضاني : «اللام» : رابطة لجواب لولا ، «قضى» : فعل ماض مبني على الفتح المقدّر على الألف ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو) ، و «النون» : للوقاية ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به.

وجملة «تحن» : استئنافية لا محلّ لها. وجملة «فتبدي» : معطوفة عليها لا محلّ لها. وجملة «وأخفي» : معطوفة عليها لا محلّ لها. وجملة «لو لا الأسى لقضاني» : صلة الموصول لا محلّ لها. وجملة «لقضاني» : لا محلّ لها (جواب شرط غير جازم). وجملة «الأسى موجود» : جملة فعل الشرط غير الظرفي لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «لقضاني» حيث حذف حرف الجر ، وأوصل الفعل اللازم «قضى» إلى المجرور فنصبه ، وأصل الكلام : «لقضى عليّ».

٢٠٧ ـ التخريج : البيت للنابغة الذبياني في ديوانه ص ٧٢ ؛ ولسان العرب ١ / ٦٧٣ (قشب) ، ٦ / ٢٤٧ (هرس) ؛ وتهذيب اللغة ٦ / ١٢٤ ، ٨ / ٣٣٤ ؛ وكتاب العين ٤ / ٦ ؛ وتاج العروس ٤ / ٣٤ (قشب) ، ١٧ / ٢٩ (هرس).

اللغة : العائدات : زائرات المريض. فرشنني : أراد فرشن لي وبسطن. الهراس : شجر كبير الشوك. يقشب : يخلط.

المعنى : لقد قيل لي : إنك وجّهت لي لوما ، فسهرت ليلي قلقا مريضا كأنّ من زرنني في مرضي ، قد فرشن لي وخلطن فراشي بالشوك.

الإعراب : فبتّ : «الفاء» : بحسب ما قبلها ، «بتّ» : فعل ماض ناقص ، و «التاء» : ضمير متصل في محلّ رفع اسمها (ولك اعتبارها فعلا تاما والتاء فاعلها). كأن : حرف مشبّه بالفعل. العائدات : اسم (كأن)

٢٨٤

وزعم عليّ بن سليمان الأخفش أنّه يجوز حذف حرف الجرّ إذا تعيّن موضع الحذف والمحذوف قياسا على ما جاء من ذلك ، نحو : «بريت القلم السكّين» ، يريد بالسكين ، لأنّه قد تعيّن المحذوف وهو الباء وموضع الحذف وهو السكّين. فإن اختلّ الشرطان أو أحدهما منع ، نحو : «رغبت الأمر» ، لا يجوز لأنّه لا يعلم هل أردت : رغبت في الأمر أو عن الأمر ، وكذلك لا يجوز : «اخترت إخوتك الزيدين» ، لأنه لا يعلم هل أردت : اخترت إخوتك من الزيدين أو الزيدين من إخوتك ، فلم يتعيّن موضع الحذف. والصحيح أنّه لا يجوز شيء من ذلك ، وإن وجد الشرطان فيه ، لقلّة ما جاء من ذلك ، إذ لا يحفظ منه إلّا الأفعال التي ذكرناها.

وأمّا ما يصل إلى مفعول بنفسه ، فلا يخلو أن يكون من باب ما يتعدّى إلى واحد أو من باب ما يتعدّى إلى أكثر ، فإن كان من باب ما يتعدّى إلى واحد ، نحو : «ضربت زيدا» ، فلا يخلو أن تقدّم المفعول أو تؤخره ، فإن قدمته جاز دخول اللام عليه ، فتقول : «زيدا ضربت» ، و «لزيد ضربت» ، قال الله تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ) (١) ، وإن لم يقدّم لم يجز دخول اللام عليه إلا في ضرورة شعر ، أو في نادر كلام ، نحو قوله [من الوافر] :

٢٠٨ ـ فلمّا أن تواقفنا قليلا

أنخنا للكلاكل فارتمينا

______________________

ـ منصوب بالكسرة عوضا عن الفتحة لأنه جمع مؤنث سالم. فرشنني : فعل ماض مبني على السكون ، و «نون مفتوحة» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل ، و «النون» : للوقاية ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به. هراسا : مفعول به ثان منصوب بالفتحة. به : جار ومجرور متعلّقان بـ (يعلى). يعلى : فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بضمّة مقدّرة على الألف. فراشي : نائب فاعل مرفوع بضمّة مقدّرة على ما قبل ياء المتكلم ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. ويقشب : «الواو» : للعطف ، «يقشب» : فعل مضارع مرفوع بالضمة ، مبني للمجهول ، و «نائب الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو).

وجملة «فبتّ» : بحسب الفاء. وجملة «كأنّ العائدات فرشنني» : في محلّ نصب خبر (بات) ، أو في محلّ نصب حال (إن اعتبرنا (بات) تامّا). وجملة «فرشنني» : في محلّ رفع خبر (كأنّ). وجملة «يعلى» : في محلّ نصب صفة لـ (هراسا). وجملة «ويقشب» : معطوفة على جملة «يعلى» : في محلّ نصب صفة.

والشاهد فيه قوله : «فرشنني» حيث حذف حرف الجر وأوصل الفعل إلى المجرور فنصبه ، وأصل الكلام : «فرشن لي».

(١) يوسف : ٤٣.

٢٠٨ ـ التخريج : البيت بلا نسبة في رصف المباني ص ١١٦ ، ٢٢٢ ؛ والمقرب ١ / ١١٥.

اللغة : أنخنا : جعلنا الإبل تبرك. الكلاكل : جمع كلكل وهو الصدر ، أو ما بين الترقوتين ، أو ما يمس ـ

٢٨٥

يريد : أنخنا الكلاكل.

وإنّما تدخل اللام عليه إذا تقدّم لأنّ العامل إذ ذاك يضعف عن عمله ، فيقوى باللام ، فإذا تقدم العامل على معموله كان في أقوى أحواله ، فلم يحتج إلى تقوية ، ولا يجوز دخول حرف الجرّ عليه خلاف اللام ، إلّا أن يحفظ فيكون من باب ما زيد فيه حرف الجرّ فلا يتجاوز ، نحو : «مسحت رأسه وبرأسه» ، و «خشّنت صدره وبصدره» ، أو في ضرورة شعر ، نحو قوله [من البسيط] :

٢٠٩ ـ هنّ الحرائر لا ربّات أخمرة

سود المحاجر لا يقرأن بالسور

______________________

ـ الأرض من الدابّة حين تبرك.

المعنى : ما إن توقفنا عن القتال والمناضلة قليلا ، حتى جعلنا رواحلنا تبرك وارتمينا نحن متعيين.

الإعراب : فلمّا : «الفاء» : بحسب ما قبلها ، «لما» : ظرف زمان مبني متضمن معنى الشرط ، في محل نصب مفعول فيه ، متعلق بـ (أنخنا). أن : حرف زائد. تواقفنا : فعل ماض مبني على السكون ، و «نا» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. قليلا : صفة منصوبة لمفعول مطلق محذوف بتقدير (تواقفنا تواقفا قليلا). أنخنا : فعل ماض مبني على السكون ، و «نا» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. للكلاكل : جار ومجرور متعلقان بـ (أنخنا). فارتمينا : «الفاء» : حرف عطف ، «ارتمى» : فعل ماض مبني على السكون ، و «نا» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل.

وجملة «فلمّا تواقفنا ... أنخنا» : ابتدائية لا محلّ لها ، أو بحسب ما قبلها. وجملة «تواقفنا» : في محلّ جرّ مضاف إليه. وجملة «أنخنا» : جواب شرط غير جازم لا محلّ لها. وجملة «فارتمينا» : معطوفة على جملة (أنخنا).

والشاهد فيه قوله : «أنخنا للكلاكل» حيث دخلت اللام الجارّة على المفعول به «الكلاكل» دون أن يتقدّم على فعله.

٢٠٩ ـ التخريج : البيت للراعي النميري في ديوانه ص ١٢٢ ؛ وأدب الكاتب ص ٥٢١ ؛ ولسان العرب ٤ / ٣٨٦ (سور) ؛ والمعاني الكبير ص ١١٣٨ ؛ وللقتال الكلابي في ديوانه ص ٥٣ ؛ وللراعي أو للقتال في خزانة الأدب ٩ / ١٠٧ ، ١٠٨ ، ١١١ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ١٨٣ ؛ وجمهرة اللغة ص ١٢٣٦ ؛ والجنى الداني ص ٢١٧ ؛ وخزانة الأدب ٧ / ٣٠٥ ؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٣٨٣ ، ٥٠٠ ، ٨٣٠ ؛ وشرح شواهد المغني ١ / ٩١ ، ٣٣٦ ؛ ولسان العرب ١ / ١٢٨ (قرأ) ؛ ٣ / ٣٨٩ (لحد) ، ١١ / ٥٤٧ (قتل) ، ١٢ / ٢٦٤ (زعم) ؛ ومجالس ثعلب ص ٣٦٥ ؛ والمقتضب ٣ / ٢٤٤.

اللغة : الحرائر : جمع حرّة وهي السيدة الشريفة. ربات أخمرة : صاحبات أخمرة ، وهي جمع خمار (غطاء رأس المرأة). المحاجر : جمع محجر وهو ما أحاط بالعين. السور : جمع سورة وهي الجزء المعروف من القرآن الكريم. ـ

٢٨٦

يريد : لا يقرأن السور. وقول الاخر [من الرجز] :

٢١٠ ـ * نضرب بالسيف ونرجو بالفرج*

يريد : ونرجو الفرج.

______________________

ـ المعنى : إنهنّ سيّدات شريفات يقرأن سور القرآن الكريم ، ولسن بجوار يشددن رؤوسهن بأغطيتها بسبب العمل ، ولا يقرأن القرآن.

الإعراب : هنّ : ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ. الحرائر : خبر مرفوع بالضمّة. لا ربات : «لا» : حرف نفي وعطف ، «ربات» : معطوف على (الحرائر) مرفوع بالضمّة. أخمرة : مضاف إليه مجرور بالكسرة. سود : صفة (ربات) مرفوع بالضمّة. المحاجر : مضاف إليه مجرور بالكسرة. لا : نافية لا عمل لها. يقرأن : فعل مضارع مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة ، و «النون» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. بالسور : «الباء» : حرف جرّ زائد ، السور : مفعول به منصوب بالفتحة المقدّرة على الراء منع من ظهورها اشتغال المحلّ بحركة الجر المناسبة لحرف الجر الزائد.

وجملة «هنّ الحرائر» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «لا يقرأن» : في محلّ رفع صفة ثانية لـ (ربات).

والشاهد فيه قوله : «بالسور» حيث جاء حرف الجرّ زائدا ، على تقدير (لا يقرأن السور).

٢١٠ ـ التخريج : الرجز للنابغة الجعديّ في ملحق ديوانه ص ٢١٦ ؛ وبلا نسبة في أدب الكاتب ص ٥٢٢ ؛ والإنصاف ١ / ٢٨٤ ؛ وخزانة الأدب ٩ / ٥٢٠ ، ٥٢١ ؛ ورصف المباني ص ١٤٣ ؛ وشرح شواهد المغني ١ / ٣٣٢ ؛ ولسان العرب ١٥ / ٤٤٣ (با) ؛ ومعجم ما استعجم ص ١٠٢٩.

اللغة : الفرج : انكشاف الكرب وذهاب الغمّ.

المعنى : نحن أبناء الأعزاء من ضبة من تميم ، ونحن أصحاب هذه المياه ، ندافع عنها بشجاعة ، ونصبر على القتال حتى يكشف الله غمّنا وشدّتنا.

الإعراب : نضرب : فعل مضارع مرفوع بالضمّة ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (نحن). بالسيف : جار ومجرور متعلّقان بـ (نضرب). ونرجو : «الواو» : للعطف ، «نرجو» : فعل مضارع مرفوع بضمّة مقدّرة على الواو ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (نحن). بالفرج : «الباء» : حرف جرّ زائد ، «الفرج» : مفعول به منصوب بفتحة مقدّرة على الجيم ، منع من ظهورها الكسرة المناسبة لحرف الجر ، وسكّن لضرورة القافية.

جملة «نضرب» : في محلّ نصب حال من اسم سابق. وجملة «ونرجو» : معطوفة عليها في محلّ نصب حال ، وتجوز الخبرية فيهما ، فمحلهما الرفع.

والشاهد فيه قوله : «بالفرج» حيث زاد (الباء) الجارّة على المفعول به (الفرج).

٢٨٧

فإن كان من باب ما يتعدّى إلى أكثر من واحد ، لم يجز إدخال اللام على مفعوله ، تقدّم أو تأخّر ، وسبب ذلك عندي أنّك لو أدخلت اللام على مفعوله لم يخل أن تدخلها في المفعولين أو أحدهما ، وكذلك فيما تعدّى إلى ثلاثة. فإن أدخلتها في المفعولين لم يكن لذلك نظير ، لأنّه لم يوجد فعل يتعدى إلى مفعولين بحرف جر واحد.

وإن أدخلتها على أحدهما وتركت الآخر ، صار كأنّه قويّ ضعيف في حين واحد : قويّ من حيث قوي في حق الأول ، ضعيف من حيث لم يقو في حقّ الآخر ، وذلك تناقض. لكنه يجوز في باب «علمت» أن يدخل على المفعول الأول الباء بمعنى «في» ، وتصيّره كأنه ظرف للفعل ، وتستغني به عن المفعولين ، ولا يجوز الجمع بينه وبين المفعولين أصلا ، فتقول :

«ظننت بزيد» و «علمت ببكر» ، أي : جعلته موضع علمي وزيدا موضع ظنّي ، ومنه قوله [من الطويل] :

٢١١ ـ فقلت لهم ظنّوا بألفي مدجّج

سراتهم بالفارسيّ المسرّد

يريد : ظنّوا في ألفي مدجج ، أي : اجعلوهم موضع ظنّكم.

______________________

٢١١ ـ التخريج : البيت لدريد بن الصمة في ديوانه ص ٤٧ ؛ ولسان العرب ١٣ / ٢٧٢ (ظنن) ؛ وبلا نسبة في أسرار العربية ص ١٥٦ ؛ وشرح المفصل ٧ / ٨١ ؛ والمحتسب ٢ / ٣٤٢ ؛ ومجالس ثعلب ص ١٩٩.

اللغة : المدجّج : المسلّح كثيرا ، والقنفذ. سراة القوم : سادتهم. المسرّد : الدرع المحكم النسج.

المعنى : اجعلوا هؤلاء الفرسان المسلّحين ، والذين يرتدي سادتهم وقادتهم الدروع الفارسية المحكمة النسج ، موضع ظنّكم.

الإعراب : فقلت : «الفاء» : استئنافية ، «قلت» : فعل ماض مبني على السكون ، و «التاء» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. لهم : جار ومجرور متعلّقان بـ (قلت). ظنوا : فعل أمر مبني على حذف النون لاتصاله بواو الجماعة ، و «الواو» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. بألفي : جار ومجرور متعلّقان بـ (ظنوا) ، (علامة الجرّ الياء لأنه مثنّى). مدجّج : مضاف إليه مجرور بالكسرة. سراتهم : مبتدأ مرفوع بالضمّة ، و «هم» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. بالفارسي : جار ومجرور متعلّقان بخبر (سراة) المحذوف ، بتقدير : (متدرعون). المسرّد : صفة (الفارسي) مجرورة بالكسرة.

وجملة «فقلت» : استئنافية لا محلّ لها. وجملة «ظنوا» : في محلّ نصب مفعول به (مقول القول). وجملة «سراتهم متدرّعون» : في محلّ جرّ صفة.

والشاهد فيه قوله : «ظنّوا بألفي» حيث دخل حرف الجر على المفعول به الأول لـ (ظنّ) فسدّ الجار والمجرور مسدّ مفعولي (ظنّ).

٢٨٨

[٥ ـ حذف المفعول به] :

والفعل الذي يتعدّى إلى مفعول واحد يجوز حذف مفعوله حذف اقتصار أو حذف اختصار. فحذف الاختصار الحذف للدلالة على المحذوف ، وحذف الاقتصار الحذف من غير دلالة على المحذوف ولا إرادة له.

فمثال حذف الاختصار أن تقول : «ضربت» ، في جواب من قال : «أضربت زيدا»؟ فتحذف «زيدا» لفهم المعنى ، ومثل ذلك قول الشاعر [من الوافر] :

٢١٢ ـ منعّمة تصون إليك منها

كصونك من رداء شرعبيّ

يريد : تصون إليك منها الحديث.

ومثال حذف الاقتصار أن تقول : «ضربت» و «أكلت» ، تريد أنّ هذين الفعلين قد وقعا مني. ولا تخبر بأيّ شيء وقع ، ومنه قوله تعالى : (كُلُوا وَاشْرَبُوا) (١) ، أي : أوقعوا هذين الفعلين.

وأمّا الفعل الذي يتعدّى إلى مفعولين ، فلا يخلو أن يكون من باب «أعطيت» أو من

______________________

٢١٢ ـ التخريج : البيت للحطيئة في ديوانه ص ١٣٨ ؛ والخصائص ٢ / ٣٧٢ ؛ والمحتسب ١ / ١٢٥ ، ٢٤٥ ، ٣٣٣ ؛ وبلا نسبة في المقرب ١ / ١١٤.

اللغة : المنعمة : الحسنة العيش والغذاء. تصون : تحفظ. الشرعبي : نوع من الثياب ، والطويل الحسن الجسم.

المعنى : إنها فتاة حسنة العيش ، غنيّة ، تصون حديثك إليها ، كما يحفظ ثوب طويل ما يخفيه من جسدك.

الإعراب : منعمّة : خبر لمبتدأ محذوف. تصون : فعل مضارع مرفوع بالضمّة ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هي). إليك : جار ومجرور متعلقان بـ (تصون). منها : جار ومجرور متعلّقان بـ (تصون). كصونك : «الكاف» : اسم بمعنى مثل مبني على الفتح في محل نصب نائب مفعول مطلق ، و «صون» : مضاف إليه مجرور بالكسرة ، و «الكاف» : ضمير متصل في محلّ جر بالإضافة. من رداء : جار ومجرور متعلّقان بالمصدر (صون). شرعبي : صفة (رداء) مجرورة بالكسرة.

وجملة «هي منعمة» : حسب ما قبلها ، أو ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «تصون» : في محلّ رفع صفة لـ (منعمة).

والشاهد فيه قوله : «تصون إليك» حيث حذف المفعول به لدلالة الجملة عليه.

(١) الطور : ١٩.

جمل الزجاجي / ج ١ / م ١٩

٢٨٩

باب «علمت» ، فإن كان من باب «أعطيت» جاز حذف مفعوليه وحذف أحدهما وإبقاء الآخر حذف اقتصار وحذف اختصار.

فمثال حذف مفعوليه حذف اختصار أن تقول في جواب من قال : «هل كسوت زيدا ثوبا»؟ «كسوت». وفي جواب من قال : «هل أعطيت زيدا درهما»؟ «أعطيت». فحذفت المفعولين في الجواب لدلالة ما تقدّم عليه في السؤال.

ومثال حذفهما حذف اقتصار أن تقول : «أعطيت أو كسوت» ، لا تريد أن تخبر أكثر من أنّه وقع منك هذان الفعلان. قال الله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى) (١). أي : من وقع منه الإعطاء.

ومثال حذف أحد المفعولين حذف اختصار أن تقول : «أعطيت زيدا» ، في جواب من قال : «لمن أعطيت الدرهم»؟ تريد : أعطيته زيدا ، فحذفت لفهم المعنى. ومثال حذفه حذف اقتصار أن تقول : «أعطيت زيدا» ، ولا تريد أن تخبر بما أعطيت ، و «أعطيت درهما» ، فلا تخبر لمن أعطيته.

وإن كان من باب «علمت» فلا يخلو أن تحذف المفعولين أو أحدهما ، فإن حذفت المفعولين ، فلا يخلو أن تحذفهما حذف اقتصار أو حذف اختصار ، فإن حذفتهما حذف اختصار جاز ، ومنه قول الكميت [من الطويل] :

٢١٣ ـ بأيّ كتاب أم بأيّة سنّة

ترى حبّهم عارا عليّ وتحسب

______________________

(١) الليل : ٥.

٢١٣ ـ التخريج : البيت للكميت في خزانة الأدب ٩ / ١٣٧ ؛ والدرر ١ / ٢٧٢ ، ٢ / ٢٥٣ ؛ وشرح التصريح ١ / ٢٥٩ ؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٦٩٢ ؛ والمحتسب ١ / ١٨٣ ؛ والمقاصد النحوية ٢ / ٤١٣ ، ٣ / ١١٢ ؛ وبلا نسبة في شرح ابن عقيل ص ٢٢٥ ، وهمع الهوامع ١ / ١٥٢.

شرح المفردات : «ترى» : هنا من الرأي بمعنى الاعتقاد.

الإعراب : «بأيّ» : جار ومجرور متعلّقان بـ «ترى» ، و «أي» : مضاف. «كتاب» : مضاف إليه مجرور بالكسرة. «أم» : حرف عطف. «بأيّة» : جار ومجرور معطوفان على الجار والمجرور السابقين ، و «أية» : مضاف. «سنة» : مضاف إليه مجرور بالكسرة. «ترى» : فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدّرة على الألف للتعذّر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره : أنت. «حبهم» : «حب» : مفعول به أوّل لـ «ترى» ، و «هم» ضمير متصل مبنيّ على السكون في محلّ جرّ مضاف إليه. «عارا» : مفعول به ثان منصوب بالفتحة. «عليّ» : جار ومجرور متعلّقان بمحذوف صفة لـ «عارا». «وتحسب» : الواو حرف عطف ، و «تحسب» فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره : أنت. ـ

٢٩٠

يريد : وتحسب حبهم عارا عليّ ، فحذف لدلالة ما تقدم.

وأما حذفهما حذف اقتصار ففيه ثلاثة مذاهب للنحويين : منهم من منع وهو الأخفش ومن أخذ بمذهبه ، ومنهم من أجاز وعليه أكثر النحويين ، ومنهم من فصّل فأجاز في «ظننت» وما في معناها ومنع في «علمت» وما في معناها ، وهو مذهب الأعلم ومن أخذ بمذهبه.

فأما الأخفش فحجّته أنّ هذه الأفعال قد تجري مجرى القسم ومفعولاتها مجرى جواب القسم ، والدليل على ذلك أنّ العرب تتلقاها بما تتلقى به القسم. قال الله تعالى : (وَظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) (١) ، فأجرى «ظنّ» مجرى والله ، كأنّه قال : والله ما لهم من محيص. ومثل ذلك كثير. فكما لا يبقى القسم دون جواب ، فكذلك لا تستغني هذه الأفعال عن مفعولاتها.

وهذا لا حجّة فيه ، لأنّ العرب لا تضمّنها معنى القسم على اللزوم ، فإذا امتنع حذف مفعولها إذا دخلها معنى القسم لما ذكر فما الذي يمنع من حذفها إذا لم تتضمّن معنى القسم؟

وأمّا الأعلم ومن أخذ بمذهبه فحجّتهم أنّ كلّ كلام مبنيّ على الفائدة. فإذا لم توجد فائدة لم يجز التكلّم به ، قال : فإذا قلت : «ظننت» ، كان مفيدا لأنّ الإنسان قد يخلو من الظنّ فيفيدنا بقوله : «ظننت» أنّه وقع منه ظنّ ، وإذا قلت : «علمت» ، كان غير مفيد لأنّه معلوم أنّ الإنسان لا يخلو من علم إذ له أشياء يعلمها بالضرورة ، كعلمه أنّ الاثنين أكثر من الواحد.

وهذا الذي ذهب إليه فاسد ، بل الصحيح أنه يجوز : «علمت» ، وتحذف المفعولين ، حذف اقتصار لأنّ الكلام إذا أمكن حمله على ما فيه فائدة كان أولى.

فإذا قال قائل : علمت ، علمنا أنّه أراد أنّه وقع منه علم ما لم يكن يعلم إذ حمله على غير ذلك غير مفيد.

______________________

ـ وجملة «ترى» ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب ، وجملة «تحسب» معطوفة على جملة «ترى» لا محل لها من الإعراب.

الشاهد فيه قوله : «تحسب» حيث حذف المفعولين لدلالة سابق الكلام عليهما ، والتقدير : «وتحسب حبّهم عارا عليّ».

(١) فصلت : ٤٨.

٢٩١

والصحيح أنّه يجوز حذف المفعولين في «علمت» و «ظننت» وما في معناهما ، وقد جاء ذلك في كلامهم ، حكى سيبويه أنّهم يقولون : «من يسمع يخل» ، معناه : أي يقع منه خيلة ، وقال تعالى : (أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى) (١). أي : يعلم ، وليس في الكتاب جلاء عن مذهب سيبويه.

وأما حذف أحدهما فلا يخلو أن يكون اختصارا أو اقتصارا ، فأما الاختصار فجائز قليل ، فمن ذلك قوله [من الكامل] :

٢١٤ ـ ولقد نزلت فلا تظنّي غيره

منّي بمنزلة المحبّ المكرم

تقديره : فلا تظني غيره كائنا أو واقعا. وقوله [من الوافر] :

٢١٥ ـ من را مثل معدان بن يحيى

إذا ما النّسع طال على المطيّه

______________________

(١) النجم : ٣٥.

٢١٤ ـ التخريج : البيت لعنترة في ديوانه ص ١٩١ ؛ وأدب الكاتب ص ٦١٣ ؛ والأشباه والنظائر ٢ / ٤٠٥ ؛ والاشتقاق ص ٣٨ ؛ والأغاني ٩ / ٢١٢ ؛ وجمهرة اللغة ص ٥٩١ ؛ وخزانة الأدب ٣ / ٢٢٧ ، ٩ / ١٣٦ ؛ والخصائص ٢ / ٢١٦ ؛ والدرر ٢ / ٢٥٤ ؛ وشرح شواهد المغني ١ / ٤٨٠ ؛ ولسان العرب ١ / ٢٨٩ (حبب) ؛ والمقاصد النحويّة ٢ / ٣١٤ ؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك ٢ / ٧٠ ؛ وشرح الأشموني ١ / ١٦٤ ؛ وشرح ابن عقيل ص ٢٢٥ ؛ والمقرب ١ / ١١٧ ؛ وهمع الهوامع ١ / ١٥٢.

المعنى : يقول : إنّك قد نزلت من قلبي منزلة من يحبّ ويكرم ، فتيقّني هذا ولا تظنّي غيره على الإطلاق.

الإعراب : ولقد : الواو : بحسب ما قبلها ، واللام : موطّئة للقسم ، قد : حرف تحقيق. نزلت : فعل ماض. والتاء : فاعل. فلا : الفاء : حرف عطف أو استئناف ، لا : ناهية. تظنّي : فعل مضارع مجزوم بحذف النون لأنّه من الأفعال الخمسة ، والياء : فاعل. غيره : مفعول به أوّل ، وهو مضاف ، والهاء : في محلّ جرّ بالإضافة. منّي : جار ومجرور متعلّقان بـ «نزلت». بمنزلة : جار ومجرور متعلّقان بـ «نزلت» ، وهو مضاف. المحبّ : مضاف إليه مجرور. المكرم : نعت «المحب» مجرور.

وجملة (لقد نزلت ...) الفعليّة لا محلّ لها من الإعراب لأنها جواب القسم. وجملة (لا تظنّي ...) الفعليّة لا محلّ لها من الإعراب لأنّها استئنافيّة أو معطوفة على جملة «نزلت».

والشاهد فيه قوله : «فلا تظنّي غيره» حيث حذف المفعول الثاني لـ «تظنّ» لقيام الدليل على المحذوف ، وتقدير الكلام : ولقد نزلت فلا تظنّي غيره واقعا.

٢١٥ ـ التخريج : البيت بلا نسبة في سرّ صناعة الإعراب ٢ / ٧٩١ ؛ ولسان العرب ١٤ / ٢٩١ (رأى).

اللغة : معدان بن يحيى : اسم الممدوح. النسع : سير (حزام) ينسج عريضا على هيئة أعنّة النعال تشدّ به الرّحال. المطيّة : كلّ دابة تركب. ـ

٢٩٢

يريد من رأى مثل معدان بن يحيى في الوجود ، فحذف لفهم المعنى ، و «رأى» بمعنى «علم» لأنّ العرب لا تحذف همزة «رأى» إلّا إذا كانت بمعنى «علم».

وأما الاقتصار فلا يجوز أصلا ولا خلاف في منعه بين أحد من النحويين ، فلا يجوز أن تقول : «ظننت زيدا» ، تريد : وقع مني ظنّ بزيد ، ولا «ظننته» ، وسبب ذلك أنّ هذه داخلة على المبتدأ والخبر ، فكما أن المبتدأ لا بدّ له من خبر والخبر لا بدّ له من مبتدأ في اللفظ أو في التقدير ، فكذلك لا يستغني أحد المفعولين عن الآخر لأنّهما في الأصل مبتدأ وخبر.

وأما الذي يتعدى إلى ثلاثة مفعولين فلا يخلو أن تحذف مفعولاته أو اثنان منها ويبقى واحد ، أو يحذف واحد ويبقى اثنان.

فإن حذفت كلها جاز على حذف الاقتصار وعلى حذف الاختصار. فمثال حذف الاختصار قولك : «أعلمت» ، في جواب من قال : «هل أعلمت زيدا عمرا منطلقا»؟ فحذفت المعفولات الثلاثة لدلالة تقدم ذكرها في كلام السائل. ومثال حذف الاقتصار أن تقول : «أعلمت» ، لا تريد أكثر من أن تعلم أنّه وقع منك إعلام خاصة ، ولم تتعرّض إلى مفعولين.

وأما حذف اثنين منها أو واحد فجائز على الاختصار ، وأمّا على الاقتصار فغير جائز ، فمثال حذف الاختصار أن تقول في جواب من قال : «هل أعلمت زيدا عمرا منطلقا»؟

______________________

ـ المعنى : إنّه شخص لا مثيل له ، فهل رأى أحدكم مثله؟! عند ما تجوع الناس والدواب حتى يغدو حزامها طويلا عليها.

الإعراب : من : اسم استفهام في محلّ رفع مبتدأ. رأ : فعل ماض مبني على الفتح المقدّر على الألف المحذوفة ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). مثل : مفعول به منصوب بالفتحة. معدان : مضاف إليه مجرور بالفتحة عوضا عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف. بن : صفة (معدان) مجرورة بالكسرة. يحيى : مضاف إليه مجرور بفتحة مقدّرة على الألف. إذا : ظرف لما يستقبل من الزمان متعلق بالفعل (رأى). ما : زائدة لا محلّ لها. النسع : فاعل لفعل محذوف يفسّره ما بعده ، مرفوع بالضمّة. طال : فعل ماض مبني على الفتح ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). على المطيّة : جار ومجرور متعلّقان بـ (طال) ، وسكّن المجرور لضرورة القافية.

وجملة «من رأ مثل» : ابتدائيّة لا محلّ لها. وجملة «رأ مثل» : في محلّ رفع خبر لـ (من). وجملة «طال النسع» : في محلّ جرّ بالإضافة. وجملة «طال على المطيّة» : تفسيرية لا محلّ لها.

والشاهد فيه قوله : «را مثل معدان بن يحيى» حيث حذف المفعول به الثاني بتقدير : (من را مثل ... كائنا في الوجود).

٢٩٣

«أعلمت زيدا» ، أو «أعلمت زيدا عمرا» ، وتحذف ما بقي لدلالة تقدم ذكر المحذوف في كلام السائل.

ومثال حذف الاقتصار أن تقول : «أعلمت زيدا» ، أو «أعلمت زيدا أخاك» ، من غير دلالة على المحذوف ، وإنّما لم يجز ذلك لالتباس «أعلمت» المتعدّية إلى ثلاثة بـ «أعلمت» المتعدية إلى اثنين المنقولة من «علمت» بمعنى «عرفت» فلم يجز لذلك ، ألا ترى أنّك إذا قلت : «أعلمت زيدا أخاك» ، لم تدر : هل هي «أعلمت» المنقولة من «علمت» بمعنى «عرفت» ، فلم تحذف شيئا ، أو المنقولة من «علمت» المتعدّية إلى مفعولين ، فتكون قد حذفت مفعولا واحدا؟

وإذا قلت : «أعلمت زيدا» ، لم تدر أيضا : هل هي المتعدّية إلى ثلاثة ، فتكون قد حذفت مفعولين ، أو المتعدية إلى مفعولين ، فتكون قد حذفت مفعولا واحدا ، فلّما كان ذلك يؤدّي إلى اللبس لم يجز.

ولم يجز في أخوات «أعلمت» ، وإن كان ذلك فيها لا يؤدي إلى اللبس ، حملا على «أعلمت» لأنّها إنما تعدّت إلى ثلاثة بالحمل عليها وتضمّنها معناها.

هذا مذهب سيبويه ومن أخذ بمذهبه ، وأما غير سيبويه ، فإنّه أجاز ذلك ما لم يؤدّ إلى بقاء أحد المفعولين اللذين أصلهما المبتدأ والخبر وحذف الآخر. وأجازوا : «أعلمت زيدا» ، إذا قدّرت زيدا المفعول الأول ، فإن قدّرته الثاني أو الثالث لم يجز ، لأنّ الثاني لا يستغني عن الثالث ، ولا الثالث عن الثاني ، لأنّ أصلهما المبتدأ والخبر.

وكذلك أجازوا : «أعلمت زيدا أخاك» ، إذا قدّرت هذين المفعولين هما اللذان كانا مبتدأ وخبرا ، فإن قدّرت أحدهما هو المفعول الأول والآخر أحد المفعولين الثانيين لم يجز أيضا ، لما ذكرنا من أنّ المفعولين الثانيين لا يستغني أحدهما عن الآخر ، وذلك عندنا كلّه ممتنع للبس الذي تقدم ذكره.

[٦ ـ إلغاء عمل بعض الأفعال] :

وانفردت الأفعال الداخلة على المبتدأ والخبر التي ليست مبنيّة للمفعول ، وسّطت أو أخّرت ، بجواز الإلغاء وهو ترك العمل لغير مانع يمنع من ذلك. وذلك إذا توسطت نحو :

٢٩٤

«زيد ظننت قائم» ، أو تأخّرت ، نحو : «زيد قائم ظننت» ، إلّا أنّ الإلغاء أحسن مع التأخير والإعمال أحسن مع التوسّط ، فإذا تقدمت لا يجوز إلا الإعمال ، نحو : «ظننت زيدا قائما» ، خلافا لأهل الكوفة في ذلك ، فإنّهم يجيزون الإلغاء مع التقديم وإن كان الإعمال عندهم أحسن ، ويستدلّون على ذلك بقوله [من البسيط] :

٢١٦ ـ كذاك أدّبت حتّى صار من خلقي

أنّي وجدت ملاك الشّيمة الأدب

برفع مفعولي «وجدت» ، وذلك لا حجة فيه ، لأنّ «وجدت» متوسّط بين اسم «أنّ» وخبرها ، وهي الجملة من قولك : «ملاك الشيمة الأدب» ، ولم يغن بالتوسّط إلّا أن تجيء

______________________

٢١٦ ـ التخريج : البيت لبعض الفزاريين في خزانة الأدب ٩ / ١٣٩ ، ١٤٣ ، ١٠ / ٣٣٥ ؛ والدرر ٢ / ٢٥٧ ؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٣ / ١٣٣ ؛ وتخليص الشواهد ص ٤٤٩ ؛ وشرح الأشموني ١ / ١٦٠ ؛ وشرح التصريح ١ / ٢٥٨ ؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ١١٤٦ ؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٢٤٩ ؛ وشرح ابن عقيل ص ٢٢١ ؛ والمقاصد النحوية ٢ / ٤١١ ، ٣ / ٨٩ ؛ والمقرب ١ / ١١٧ ؛ وهمع الهوامع ١ / ١٥٣.

شرح المفردات : أدّب : هذّب. الملاك : الأمر الذي يملك. الشيمة : الخصلة الحميدة ، الخلق.

المعنى : يقول : على هذا المنوال نشأت وتعلّمت حتى صارت مكارم الأخلاق من شيمتي ، والأدب منهج سلوكي.

الإعراب : «كذاك» : الكاف اسم بمعنى «مثل» مفعول مطلق نائب عن المصدر ، وهو مضاف ، «ذاك» : اسم إشارة في محلّ جرّ بالإضافة ، أو الكاف حرف جرّ ، «ذاك» اسم إشارة في محل جرّ بحرف الجر والجار والمجرور متعلّقان بمحذوف نعت للمفعول المطلق. «أدبت» : فعل ماض للمجهول ، والتاء في محلّ رفع نائب فاعل. «حتى» : حرف غاية وجر. «صار» : فعل ماض ناقص. والمصدر المؤول من «أن» وما بعدها في محل جر بحرف الجر «حتى» ، والجار والمجرور متعلقان بالفعل «أدبت». «من خلقي» : جار ومجرور متعلّقان بمحذوف خبر «صار» ، وهو مضاف ، والياء ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. «أنّي» : حرف مشبّه بالفعل ، والياء في محلّ نصب اسم «أنّ» «وجدت» : فعل ماض ، والتاء ضمير في محلّ رفع فاعل. «ملاك» : مبتدأ مرفوع ، وهو مضاف. «الشيمة» : مضاف إليه مجرور. «الأدب» : خبر المبتدأ مرفوع. والمصدر المؤول من «أنّ» وما بعدها في محل رفع اسم «صار».

وجملة المبتدأ والخبر سدّت مسدّ مفعولي «وجدت» : وجملة «أدبت» ابتدائيّة لا محل لها من الإعراب. وجملة «صار» صلة الموصول الحرفي لا محل لها من الإعراب.

الشاهد : قوله «وجدت ملاك الشيمة الأدب» حيث ألغى عمل «وجدت» مع تقدّمه ، ولو أعمله لقال : «وجدت ملاك الشيمة الأدبا» بنصب «ملاك» و «الأدبا» على أنهما مفعولان لـ «وجدت». وخرّجه البصريون على ثلاثة أوجه : الأول أنّه من باب التعليق ، ولام الابتداء مقدّرة الدخول على «ملاك». والثاني أنّه من باب الإعمال ، والمفعول الأوّل ضمير شأن محذوف ، وجملة المبتدأ وخبره في محلّ نصب مفعول ثان. والثالث أنّه من باب الإلغاء ، ولكن سبب الإلغاء أنّ الفعل لم يكن في أوّل الكلام ، بل قد سبقه قول الشاعر «أنّي».

٢٩٥

وسط كلام لا صدره ، وإن كان توسّطها بين مفعولين أقوى من إلغائها.

وقد أجاز البصريون : متى تظنّ زيد منطلق؟ برفع المفعولين لكون تظنّ لم تجيء صدر الكلام ، وأيضا فإنّه يمكن أن تكون هذه الجملة التي هي : ملاك الشيمة الأدب ، في موضع المفعول الثاني لوجدت ، ويكون مفعول وجدت الأول ضمير الأمر والشأن محذوفا تقديره : وجدته ملاك الشيمة الأدب ، أي : وجدت الأمر هكذا.

وإنما ألغيت هذه الأفعال ولم تلغ «أعطيت» و «كسوت» ، وما كان نحوهما ، لأنّ بابها أن لا تعمل لكونها في الأصل داخلة على المبتدأ والخبر ، وكلّ عامل داخل في الجملة ينبغي أن لا يعمل فيها نحو قولك : «قال زيد عمرو منطلق» ، و «قرأت (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ») ، لكنّها شبّهت بـ «أعطيت» وبابها في أنّها أفعال كما أنّها أفعال ، وتطلب اسمين كطلبها فتنصبهما كذلك.

فإن قيل : فهلّا نصبت «قرأت وقال» المبتدأ والخبر تشبيها بـ «أعطيت» كما فعلت ذلك بـ «ظننت» وأخواتها؟ فالجواب : إنّ «ظننت» وأخواتها لا يليها إلّا اسمان أو ما هو بمنزلتهما ، كما أن «أعطيت» وبابه لا يطلب إلّا اسمين ، و «قرأت» و «قال» قد يقع بعدهما الجمل الفعلية ، نحو : «قال زيد : قام عمرو» ، و «قرأت : اقتربت الساعة». فلما كانت ظننت وأخواتها أشبه بـ «أعطيت» من «قلت» و «قرأت» وأمثالهما لذلك نصبت المبتدأ والخبر حملا عليها ، فإذا ثبت أنّ الأصل فيها أن لا تعمل تبيّن لم انفردت بالألغاء ، لأنّ في ذلك رجوعا إلى الأصل.

فإن قيل : فلأيّ شيء لم تلغ إلّا متوسّطة أو متأخرة؟ فالجواب : إنّها إذا كانت في أول الكلام كان ما بعدها مبنيا عليها ، وإن لم تكن أول الكلام فإنك إن أعلمتها قدّرت أيضا أنّ الكلام مبنيّ عليها ، وإذا ألغيتها قدّرت أنّ الكلام مبنيّ على أن لا يكون فيه فعل من هذه الأفعال ، ثم عرض لك بعد ذلك أن أردت أن تذكر هذه الأفعال لتجعل ذاك الكلام فيما تعلم أو فيما تظنّ أو فيما تزعم ، فكأنك إذا قلت : «زيد منطلق ظننت أو علمت أو زعمت» ، أردت أن تقول أوّلا «زيد منطلق» ، ثم أردت بعد ذلك أن تبيّن أنّ ما ذكرته من قولك : «زيد منطلق» معلوم عندك أو مظنون أو مزعوم ، فكأنّك قلت عقيب قولك : «زيد منطلق» ، فيما أظن ، أو فيما أزعم ، أو فيما أعلم.

٢٩٦

فإن أكّدت هذه الأفعال بالمصدر فالإعمال ليس إلّا ، تقدّمت أو توسّطت أو تأخّرت ، نحو قولك : «ظننت ظنا زيدا قائما» ، و «زيدا ظننت ظنا قائما» ، و «زيدا قائما ظننت ظنا» ، وإنّما لم يجز الإلغاء مع التأكيد بالمصدر لما في ذلك من التناقض ، وذلك أنّك لو ألغيتها عن المفعولين مع إعمالك لها في المصدر ، لكنت معملا لها ملغيا لها في حين واحد. وأيضا فإنّك من حيث تلغي لم تبن الكلام عليها ولا كان معتمد الكلام على الإتيان بها ، بل تقدّر أنّه عرض لك ذكرها بعد بناء الكلام على أن لا تكون فيه ، ومن حيث تؤكّد بالمصدر تكون قد جعلتها معتمدا عليها في الكلام ، إذ لا يؤكد من الكلام إلا موضع الاعتماد والفائدة.

فإن أكّدّت بضمير المصدر أو بالإشارة إلى المصدر فالإعمال ، ولا يجوز الإلغاء إلّا قليلا جدّا ، إلّا مع التوسط والتأخّر. والإلغاء مع الإشارة إلى المصدر أقوى من الإلغاء مع ضمير المصدر ، وذلك نحو قولك : «زيدا ظننته قائما» ، أو «زيدا ظننت ذاك قائما» ، فالضمير عائد على المصدر الدالّ عليه «ظننت» ، وكذلك «ذاك» إشارة إلى المصدر المفهوم من الفعل ويشير إليه.

فمثال إعادة الضمير عليه قوله تعالى : (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) (١) أي : العدل أقرب للتقوى.

ومثال الإشارة إليه قوله تعالى : (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (٢) ، أي : إنّ صبره.

فإن قال قائل : فلأيّ شيء جاز الإلغاء معهما ولا يجوز مع المصدر؟ فالجواب : إنّهما لمّا كانا مبنيّين لم يظهر للعامل فيهما عمل جاز لك إلغاؤها ، إذ لا تكون كأنّك معمل ملغ في حال واحد ، بل تكون هذه الأفعال ملغاة بالنظر إلى المفعولين وكالملغاة بالنظر إلى الضمير واسم الإشارة من حيث لم يظهر لها عمل فيهما. فإن قال قائل : فلأيّ شيء كان الإلغاء مع الضمير أقبح منه مع اسم الإشارة؟ فالجواب : إنّ الضمير وإن كان مبنيّا فهو أقرب إلى المصدر المعرب من حيث كانت صيغة الضمير تنبىء عن النصب ، فصارت الصيغة بمنزلة الإعراب في المصدر ، ألا ترى أنّ كل واحد من الإعراب والصيغة ينبئان عن النصب. فشابه الضمير المصدر من هذه الجهة.

______________________

(١) المائدة : ٨.

(٢) الشورى : ٤٣.

٢٩٧

أما اسم الإشارة فليس فيه إعراب ولا له صيغة تقوم مقام الإعراب فبعد شبهه عن المصدر ، فلذلك كان الإلغاء معه أحسن من الإلغاء مع الضمير.

[٧ ـ حكم الأفعال المتعدية إلى مفعولين] :

وانفردت الأفعال المتعدّية إلى مفعولين لا يجوز الاقتصار على أحدهما بوقوع الظرف والجملة المحتملة للصدق والكذب موقع المفعول الثاني ، والمتعدّية إلى ثلاثة مفعولين بوقوع جميع ذلك في موضع المفعول الثالث.

ولا يجوز وقوع ذلك في موضع مفعول من المفعولات خلاف هذين المفعولين ، والسبب في ذلك أنّ المفعول الثاني من باب «ظننت» ، والثالث من باب «أعلمت» هما في الأصل خبر ابتداء ، فلما كانت هذه الأشياء تقع خبرا لمبتدأ وقعت موقعها.

وكذلك أيضا انفردت هذه الأفعال بنيابة «أنّ» واسمها وخبرها و «أن» الناصبة للفعل والفعل المنصوب بها مناب المفعولين من باب «ظننت» والمفعولين الثاني والثالث من باب «أعلمت» ، ولا يسدّ في غير ذلك إلّا مسدّ اسم واحد ، فتقول : «ظننت أنّ زيدا قائم» ، و «أعلمت عمرا أنّ أباه قائم».

وإنّما جاز ذلك لطول «أنّ» بالاسم والخبر ، والطول قد يكون يشبه الحذف بسببية الحرف ، فكأنّ الأصل أن تقول : «ظننت أنّ زيدا قائم واقعا» ، و «أعلمت زيدا أنّ أباه منطلق واقعا» ، أي : ظننت قيام زيد واقعا ، وأعلمته انطلاق أبيه واقعا ، إلّا أنّك حذفت للطول. وممّا سهّل ذلك أيضا جريان المفعولين بالذكر في صلة «أنّ» ، ألا ترى أنّك تقول : «ظننت أنّ زيدا قائم» ، فتجري ذلك مجرى المفعولين في قولك : «ظننت زيدا قائما» ، في صلة «أنّ».

وكذلك إذا قلت : «أعلمت زيدا أباه قائم» ، قد جرى ذكر المفعولين في قولك : «أعلمت زيدا أباه قائما» ، في صلة «أنّ».

٢٩٨

وأجاز المازني إنابة «ذلك» مناب مفعولي «ظننت» ، ومفعولي «أعلمت» الثاني والثالث ، فأجاز أن تقول : «ظننت ذلك» ، في جواب من قال : «هل ظننت زيدا قائما»؟ وأشرت بـ «ذلك» إلى مفعولي «ظننت» ، وكذلك «أعلمت زيدا ذلك» في جواب من قال : «هل أعلمت زيدا عمرا منطلقا»؟ فتشير بـ «ذلك» إلى المفعولين وأنبته مناب المفعولين وهو مفرد ، كما فعلت ذلك في «أنّ» واسمها وخبرها وهي تقدر بالمفرد لكونها في المعنى جملة ، وأجاز الإشارة بـ «ذلك» وهو مفرد إلى اثنين لأنّ العرب قد تفعل ذلك ، قال الله تعالى : (لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ) (١) ، فأشار بـ «ذلك» وهو مفرد إلى الفارض والبكر.

وهذا عندنا غير جائز ، لأن إقامة المفرد مقام المفعولين ليس بقياس ، وأيضا فإنّ «ذلك» ليس فيه ما سوّغ في «أنّ» وضعها موضع المفعولين من الطول وجريان المفعولين بالذكر في الصلة.

فإذا لم يكن ذلك قياسا ، حملنا قول العرب : «ظننت ذاك» ، على أنّ «ذاك» إشارة إلى المصدر ، لأنّ ذلك قد ثبت في مثل قوله تعالى : (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (٢) أي : صبره.

ومما يدل على فساد مذهبه قوله [من الكامل] :

٢١٧ ـ يا عمرو إنّك قد مللت صحابتي

وصحابتيك ، إخال ذاك قليل

______________________

(١) البقرة : ٦٨.

(٢) الشورى : ٤٣.

٢١٧ ـ التخريج : البيت بلا نسبة في شرح شواهد المغني ٢ / ٩٣٢ ؛ والمقرب ١ / ١١٨.

المعنى : لقد سئمت من صحبك إياي وسئمت من صحبتي إياك ، وهذا نادر بين الأصحاب.

الإعراب : يا عمرو : «يا» : حرف نداء «عمرو» : منادى مفرد علم مبني علم الضم في محل نصب. إنك : «إن» : حرف مشبه بالفعل ، و «الكاف» : ضمير متصل في محل نصب اسمها. قد : حرف تحقيق. مللت : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بالتاء المتحركة ، و «التاء» : ضمير متصل في محل رفع فاعل. صحابتي : مفعول به منصوب بالفتحة المقدرة على ما قبل الياء لاشتغال المحل بالحركة المناسبة وهو مضاف و «الياء» : ضمير متصل في محل جر بالإضافة. وصحابتيك : «الواو» : حرف عطف ، «صحابتي» : اسم معطوف منصوب بالفتحة المقدرة على ما قبل الياء لانشغال المحل بالحركة المناسبة ، و «الياء» : ضمير متصل في محل جر بالإضافة ، و «الكاف» : ضمير متصل في محل نصب مفعول به لـ «صحابتي». إخال : فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة و «الفاعل» : ضمير مستتر وجوبا تقديره أنا. ذاك : «ذا» : اسم إشارة في محل رفع مبتدأ و «الكاف» : للخطاب. قليل : خبر مرفوع بالضمة الظاهرة. ـ

٢٩٩

فأتى مع ذكر المفعولين بـ «ذاك» ، ولو كانت إشارة إلى المفعولين لم يحتج إلى ذكره مع المفعولين ، وهما «صحابتيك» و «قليل» ، فدلّ ذلك على أنّ ذاك إشارة إلى المصدر ، وهذا البيت من قبيل ما ذكرنا من قبل أنّه يجوز الإلغاء مع تأكيد الفعل بالإشارة إلى المصدر.

وقد ردّ الفارسي أيضا على المازني بأنّه لو جاز أن يكون ذاك إشارة للمفعولين مع هذه الأفعال لجاز مع عدمها ، فكنت تقول في جواب من قال : «هل زيد قائم»؟ ذاك ، أي : زيد قائم ، فامتناع العرب من ذلك دليل على فساد مذهبه.

وللمازني في الانفصال عن هذا بأنّ جعل العرب لفظا بدلا عن لفظ ليس بقياس ، ولو كان قياسا لجاز أن تناب «أنّ» واسمها وخبرها مناب اسمين في مثل : «لعلّ أنّ زيدا قائم» ، فامتناع العرب من ذلك والنحويين دليل على أنّ ذلك ليس بقياس ، لكن الذي يفسد مذهبه ما قدمناه.

[٨ ـ التعليق في أفعال القلوب] :

وانفردت أفعال القلوب بالتعليق وهو ترك العمل لموجب يمنع منه. والمانعات أن تدخل على المفعولين همزة الاستفهام ، أو يكون المفعول بنفسه اسم استفهام ، أو مضافا إليه اسم استفهام ، أو تدخل عليه لام الابتداء ، أو «أنّ» وفي خبرها اللام أو «ما» النافية ، فهذا كلّه لا يجوز معه إلّا التعليق ، أو يكون الاسم مستفهما عنه في المعنى. ويجوز فيه أن يعلق عنه الفعل بالنظر إلى معنى الاستفهام وأن يعمل بالنظر إلى المعنى.

فمثال دخول همزة الاستفهام عليه : «علمت أزيد في الدار أم عمرو» ، ومثال كونه اسم استفهام : «علمت أيّهم في الدار» ، ومثال كونه مضافا إلى اسم استفهام : «علمت أبو أيّهم

______________________

ـ وجملة «إنك مللت صحابتي» : استئنافية لا محل لها. وجملة «مللت صحابتي» : في محل رفع خبر. وجملة «يا عمرو» : ابتدائية لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «صحابتي ... وإخال ذاك قليل» حيث جاء اسم الإشارة «ذاك» إشارة إلى المصدر وليس نائبا مناب مفعولى «إخال».

٣٠٠