شرح جمل الزجّاجى - ج ١

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »

شرح جمل الزجّاجى - ج ١

المؤلف:

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-2263-0
ISBN الدورة:
2-7451-2263-0

الصفحات: ٥٨٤

[٢ ـ مذاهب النحاة في «لعلّ»] :

وزعم بعض النحويين أنّ «لعلّ» قد تجرّ الاسم واستدلّ على ذلك بقوله [من الطويل] :

٢٨٤ ـ فقلت ادع أخرى وارفع الصّوت دعوة

لعلّ أبي المغوار منك قريب

فجرّ «أبا المغوار» بـ «لعلّ» ، وزعم أنّهم يكسرون لامها إذا جرّوا بها ، وأنشد يعقوب [من الوافر] :

٢٨٥ ـ لعلّ الله فضّلكم علينا

بشيء أنّ أمّكم شريم

______________________

٢٨٤ ـ التخريج : البيت لكعب بن سعد الغنويّ في الأصمعيات ص ٩٦ ؛ وخزانة الأدب ١٠ / ٤٢٦ ، ٤٢٨ ، ٤٣٠ ، ٤٣٦ ؛ والدرر ٤ / ١٧٤ ؛ وسر صناعة الإعراب ص ٤٠٧ ؛ وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٦٩ ؛ وشرح شواهد المغني ص ٦٩١ ؛ ولسان العرب ١ / ٢٨٣ (جوب) ، ١١ / ٤٧٣ (علل) ؛ والمقاصد النحوية ٣ / ٢٤٧ ؛ وبلا نسبة في رصف المباني ص ٣٧٥ ؛ وشرح الأشموني ١ / ٥٦ ؛ وشرح التصريح ١ / ٢١٣ ؛ وكتاب اللامات ص ١٣٦ ؛ ولسان العرب ١٢ / ٥٥٠ (لمم) ؛ ومغني اللبيب ص ٢٨٦ ، ٤٤١ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ٣٣.

الإعراب : «فقلت» : الفاء بحسب ما قبلها ، «قلت» : فعل ماض ، والتاء ضمير متّصل في محلّ رفع فاعل «ادع» : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : «أنت». «أخرى» : نعت لظرف زمان محذوف تقديره : «مرّة أخرى». «وارفع» : الواو حرف عطف ، «ارفع» : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : «أنت». «الصوت» : مفعول به منصوب. «دعوة» : مفعول مطلق منصوب. «لعل» : حرف جرّ شبيه بالزائد. «أبي» : اسم مجرور لفظا مرفوع محلّا على أنّه مبتدأ ، وهو مضاف. «المغوار» : مضاف إليه مجرور بالكسرة. «منك» : جار ومجرور متعلّقان بـ «قريب». «قريب» : خبر المبتدأ مرفوع بالضمّة.

وجملة : «قلت» بحسب ما قبلها. وجملة : «ادع» في محلّ نصب مفعول به. وجملة : «ارفع» معطوفة على جملة : «ادع». وجملة «أبي المغوار ...» استئنافية لا محلّ لها من الإعراب.

الشاهد فيه قوله : «لعلّ أبي المغوار ...» حيث وردت «لعلّ» حرف جرّ على لغة عقيل.

٢٨٥ ـ التخريج : البيت بلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ٧ ؛ والجنى الداني ص ٥٨٤ ؛ وجواهر الأدب ص ٤٠٣ ؛ وخزانة الأدب ١٠ / ٤٢٢ ، ٤٢٣ ، ٤٣٠ ؛ ورصف المباني ص ٣٧٥ ؛ وشرح الأشموني ٢ / ٢٨٤ ؛ وشرح التصريح ٢ / ٢ ؛ وشرح ابن عقيل ص ٣٥١ ؛ والمقاصد النحويّة ٣ / ٢٤٧ ؛ والمقرب ١ / ١٩٣.

اللغة : شرح المفردات : الشريم : من النساء التي اتّحد مسلكاها ، أي مسلك البول ومسلك الغائط ، أو الأنف الذي قطعت أرنبته.

المعنى : يقول : قد يكون الله فضّلكم علينا بشيء هو أنّ أمّكم شرماء ، وهذا أسلوب ذم في معرض المدح وذلك باستعماله «فضّلكم» حيث أوهم أنّه يمدح في حين أنّه يريد الذمّ.

الإعراب : لعلّ : حرف جرّ شبيه بالزائد يفيد الترجّي. الله : اسم الجلالة مجرور لفظا مرفوع محلّا ـ

٤٢١

فكسر لام «لعلّ» ، وجرّ اسم الله. وقد يتخرج قوله : «لعل أبي المغوار» على حذف حرف الجر وإبقاء عمله ، فإن ذلك جائز في الشعر وفي نادر الكلام ، ومما جاء من ذلك في الكلام : «خير عافاك الله» ، و «لاه أنت». ومما جاء من ذلك في الشعر قوله [من الخفيف] :

رسم دار وقفت في طلله

 ............. (١)

أي : ربّ رسم دار ، فيكون التقدير : «لعلّ لأبي المغوار منك قريب» ، أي : جواب قريب فحذف الموصوف ، وأقيمت الصفة مقامه ، ويكون اسم «لعلّ» ، ضمير الأمر والشأن محذوفا في الشعر ، كأنه قال : لعلّه ، أي : لعلّ الأمر ، ونظير ذلك قوله [من الخفيف] :

٢٨٦ ـ إنّ من لام في بني بنت حسّا

ن ألمه وأعصه في الخطوب

______________________

ـ على أنّه مبتدأ. فضلكم : فعل ماض مبنيّ على الفتحة ، و «كم» : ضمير متّصل مبنيّ في محلّ نصب مفعول به. وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره «هو». علينا : حرف جرّ ، و «نا» : ضمير متّصل مبنيّ في محلّ جرّ بحرف الجرّ. والجار والمجرور متعلّقان بالفعل «فضلكم». بشيء : الباء حرف جرّ ، «شيء» : اسم مجرور بالكسرة ، والجار والمجرور متعلّقان بالفعل «فضلكم». أنّ : حرف مشبّه بالفعل. أمّكم : اسم «أنّ» منصوب بالفتحة وهو مضاف ، «كم» : ضمير متصل مبنيّ في محلّ جرّ بالإضافة. شريم : خبر «أنّ» مرفوع بالضمّة الظاهرة.

وجملة : «فضّلكم ...» في محلّ رفع خبر المبتدأ. وجملة «أنّ أمّكم شريم» المؤوّلة بمصدر في محلّ جرّ بدل من «شيء».

الشاهد فيه قوله : «لعلّ الله» حيث جاء «لعلّ» حرف جرّ على لغة عقيل ، فكانت مكسورة اللام.

(١) تقدم بالرقم ١٢٠.

٢٨٦ ـ التخريج : البيت للأعشى في ديوانه ص ٣٨٥ ؛ وخزانة الأدب ٥ / ٤٢٠ ـ ٤٢٢ ، ١٠ / ٤٥٠ ؛ وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٨٦ ؛ وشرح شواهد الإيضاح ص ١١٤ ؛ وشرح شواهد المغني ص ٩٢٤ ؛ والكتاب ٣ / ٧٢ ؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٨ / ٤٥ ؛ وخزانة الأدب ٩ / ٧٥ ، ١٣٩ ، ١٠ / ٤٣٠ ، ٤٤٨ ، ١١ / ٢٣٠ ؛ وشرح المفصل ٣ / ١١٥ ؛ ومغني اللبيب.

اللغة : بنت حسان : بنت أحد ملوك اليمن (تبابعتهم). ألمه : أناله باللوم والتقريع. الخطوب : جمع خطب وهو الشأن صغر أو عظم.

المعنى : من لامني في آل بنت التّبّع حسان ألمه وأعصه في حوادث الدهر وكروبه.

الإعراب : «إنّ» : حرف مشبّه بالفعل ، و «اسمها» : محذوف تقديره ضمير الشأن (إنّه). «من» : اسم شرط جازم في محلّ رفع مبتدأ. «لام» : فعل ماض مبني على الفتح ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). «في بني» : جار ومجرور بالياء لأنه ملحق بجمع المذكّر السالم ، متعلّقان بـ (لام). «بنت» : مضاف إليه مجرور بالكسرة. «حسان» : مضاف إليه مجرور بالفتحة عوضا عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف. «ألمه» : ـ

٤٢٢

أي : إنه من لام في بني بنت حسان ، وإنّما تكلّف ذلك لأنّ «لعلّ» قد استقرّ فيها نصب الاسم ورفع الخبر ، فلا تخرج عما استقر فيها إن أمكن ؛ وأما :

لعل الله ......

 ......

البيت (١) فإن «لعلّ» المكسورة اللّام لم يستقرّ فيها نصب الاسم ورفع الخبر ، فيبقى فيها مع الظاهر من أنّها جارة ولا تتعلق بشيء ، بل هي في ذلك بمنزلة «لو لا» إذا جرت المضمر في مذهب سيبويه بمنزلة حروف الجر الزوائد.

[٣ ـ حكم هذه الحروف] :

وهذه الحروف داخلة على المبتدأ والخبر ، فما كان مبتدأ كان اسما لها إلّا اسم الشرط ، واسم الاستفهام ، و «كم» الخبرية ، و «ما» التعجبية ، و «ايمن الله» في القسم. وسبب ذلك أنّ هذه الأسماء لها صدر الكلام وجعلها أسماء لهذه الحروف يخرجها عمّا استقر لها من الصدريّة.

وما كان خبر المبتدأ كان خبرا لها إلّا اسم الاستفهام ، و «كم» الخبرية ، وكل جملة غير محتملة للصدق والكذب. فلا يجوز أن تقول : «إنّ زيدا اضربه» ، و «إن عمرا لا

______________________

ـ فعل مضارع مجزوم بالسكون لأنه جواب شرط جازم ، و «الهاء» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (أنا). «وأعصه» : «الواو» : حرف عطف ، «أعص» : فعل مضارع مجزوم بحذف حرف العلّة لأنه معطوف على الفعل المجزوم : (ألمه) ، و «الهاء» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (أنا). «في الخطوب» : جار ومجرور متعلّقان بـ «أعصه».

وجملة «إنه من لام» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «من لام ...» الشرطية : في محلّ رفع خبر «إنّ». وجملة «فعل الشرط وجوابه» : في محل رفع خبر للمبتدأ (من). وجملة «اعصه» : معطوفة على جملة «المه» لا محلّ لها.

والشاهد فيه قوله : «إن من» حيث جاء اسم «إن» ضمير الشأن محذوفا ، لأن «من» لا يجوز أن تكون اسما لـ «إن» لأنها اسم شرط له الصدارة.

(١) تقدم بالرقم ٢٨٥.

٤٢٣

تضربه» ، فإن جاء ما ظاهره وقوع الجملة غير المحتملة للصدق والكذب خبرا تؤوّل ، نحو قوله [من البسيط] :

٢٨٧ ـ إن الذين قتلتم أمس سيّدهم

لا تحسبوا ليلهم عن ليلكم ناما

فأوقع «لا تحسبوا» موقع خبر «إنّ» وهي نهي ، وقول الآخر [من البسيط] :

٢٨٨ ـ فلو أصابت لقالت وهي صادقة

إنّ الرّياضة لا تنصبك للشّيب

______________________

٢٨٧ ـ التخريج : البيت لأبي مكعت أخي بني سعد بن مالك في خزانة الأدب ١٠ / ٢٤٧ ، ٢٤٩ ، ٢٥٠ ؛ والدرر ٢ / ١٧٠ ؛ وبلا نسبة في شرح التصريح ١ / ٢٩٨ ؛ وشرح شواهد المغني ٢ / ٩١٤ ؛ وهمع الهوامع ١ / ١٣٥.

المعنى : لا تحسبوا من قتلتم رأسهم غافلون عن الأخذ بثأرهم.

الإعراب : إن : حرف مشبه بالفعل. الذين : اسم موصول في محل نصب اسمها. قتلتم : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بالتاء المتحركة ، و «التاء» : ضمير متصل في محل رفع فاعل ، و «الميم» : علامة جمع الذكور. أمس : ظرف زمان مبني على الكسرة في محل نصب متعلق بالفعل قتلتم. سيدهم : مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة وهو مضاف ، و «الهاء» : ضمير متصل في محل جر بالإضافة و «الميم» : للجماعة. لا تحسبوا : «لا» : ناهية ، «تحسبوا» : فعل مضارع مجزوم بحذف النون لأنه من الأفعال الخمسة و «الواو» : ضمير متصل في محل رفع فاعل و «الألف» : فارقة. ليلهم : مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة ، وهو مضاف ، و «الهاء» : ضمير متصل في محل جر بالإضافة و «الميم» : للجماعة. عن ليلكم : جار ومجرور متعلقان بالفعل «نام» و «ليل» : مضاف و «الكاف» : ضمير متصل في محل جر بالإضافة و «الميم» : للجماعة. ناما : فعل ماض مبني على الفتحة الظاهرة ، و «الألف» : للإطلاق ، و «الفاعل» : ضمير مستتر جوازا تقديره هو.

وجملة «إن الذين قتلتم» : ابتدائية لا محل لها. وجملة «قتلتم سيدهم» : صلة موصول لا محل لها. وجملة «لا تحسبوا» : في محل رفع خبر إن. وجملة «ناما» : في محل نصب مفعول به ثان.

والشاهد فيه قوله : (لا تحسبوا) وهي خبر ، وقد جاءت لتأويل النهي بنفي فاعتبرت جملة خبرية أو هي في التقدير على قول محذوف «مقول في شأنهم ... لا تحسبوا».

٢٨٨ ـ التخريج : البيت للجميح ، الأسدي في الأشباه والنظائر ٦ / ٢٣٤ ؛ وتذكرة النحاة ص ٤٤٥ ؛ وخزانة الأدب ١٠ / ٢٤٦ ، ٢٤٧ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ص ٣٨٨ ؛ وشرح اختيارات المفضّل ١ / ١٥٣ ؛ وبلا نسبة في جواهر الأدب ص ٢٣٩.

اللغة : لا تنصبك للشيب : لا تتعب بهم. الرياضة : التهذيب. الشيب : جمع أشيب.

المعنى : لو أحسنت القول ، لقالت ـ وعندئذ تكون صادقة فيما تقول ـ إنّ التهذيب مفيد ، فلا تهتم وتتعب بالشيب نفسك.

الإعراب : فلو : «الفاء» : بحسب ما قبلها ، «لو» : حرف شرط غير جازم. أصابت : فعل ماض مبني على الفتح ، و «التاء» : للتأنيث ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هي). لقالت : «اللام» : واقعة في جواب شرط (لو) ، «قالت» : فعل ماض مبني على الفتح ، و «التاء» : للتأنيث ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره ـ

٤٢٤

فأوقع «لا تنصبك» وهي نهي موقع خبر «إنّ» ، فينبغي أن يحمل ذلك على إضمار القول ، كأنه قال : أقول لكم : لا تحسبوا ليلهم عن ليلكم نام ، وأقول لك : لا تنصبك للشيب ، وقد تقدم أن القول كثيرا ما يضمر.

وإنّما لم تقع الجمل غير المحتملة للصدق والكذب أخبارا لهذه الحروف لمناقضة معناها لمعاني هذه الحروف ، وذلك أن الجملة المحتملة للصدق والكذب مقتضاها الطلب ، فإذا قلت : اضرب فكأنّك تطلب من المخاطب الضرب ، وكذلك «ليت زيدا قائم» ، و «لعلّ زيدا قائم» ، تمنّيك له القيام ورجاؤك له طلب ، فالطلب في هذه الأشياء ثابت ، والتمني والترجّي إنّما يكون لما لم يثبت. وأما ما قد ثبت فلا فائدة في ترجّيه وتمنّيه ، لأن الحاصل لا يطلب ، فلذلك لم يجز أن تقع هذه الجمل خبرا لـ «ليت» ول «لعلّ».

ولم تقع أيضا خبرا لـ «إنّ» و «أنّ» و «لكنّ» ، لأن هذه الأحرف للتأكيد ولا يؤكد إلّا ما يحتمل أن يكون وأن لا يكون في حق المخاطب ، وأما ما قد ثبت واستقر في حق المخاطب فلا فائدة فيه ، والطلب في هذه الجمل ثابت عند المخاطب.

ولم تقع خبرا لـ «كأنّ» لأنّها للتشبيه ، فإذا قلت : «كأنّ زيدا اضربه» ، يكون مشبّها بزيد بطلب الضرب ولا يتصوّر ذلك.

[٤ ـ ما تنفرد به «إنّ»] :

وانفردت «إنّ» من بين سائر أخواتها بدخول اللام في خبرها إذا كان الخبر اسما ،

______________________

ـ (هي). وهي : «الواو» : حالية ، «هي» : ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ. صادقة : خبر مرفوع بالضمّة. إنّ : حرف مشبّه بالفعل. الرياضة : اسم (إنّ) منصوب بالفتحة. لا تنصبك : «لا» : ناهية جازمة ، «تنصب» : فعل مضارع مجزوم ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هي) ، و «الكاف» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به. للشيب : جار ومجرور متعلّقان بـ (تنصب).

وجملة «لو أصابت لقالت» : بحسب الفاء. وجملة «أصابت» وجملة «لقالت» : لا محلّ لهما (فعل وجواب شرط غير جازم). وجملة «هي صادقة» : في محلّ نصب حال. وجملة «إنّ الرياضة ...» : في محلّ نصب مفعول به (مقول القول). وجملة «لا تنصبك» : في محلّ رفع خبر (إنّ).

والشاهد في قوله : «لا تنصبك» حيث جاءت الجملة الإنشائية في محلّ رفع خبر (إن) ، ولهذا يؤولونها بإضمار فعل القول قبلها.

٤٢٥

نحو : «إنّ زيدا لقائم» ، أو فعلا مضارعا ، نحو : «إن زيدا ليقوم» ، أو جملة اسمية وذلك قليل ، نحو : «إنّ زيدا لوجهه حسن» ، أو فعلا غير متصرف ، نحو : «إنّ زيدا لنعم الرجل» ، أو ظرفا أو مجرورا ، نحو : «إنّ زيدا لفي الدار» ، و «إنّ زيدا لخلفك». وأما الماضي المتصرف فلا تدخل عليه اللام إذا وقع خبرا لعلة تذكر بعد إن شاء الله تعالى ، وذلك نحو : «إنّ زيدا قام ولا يجوز لقام». وتدخل أيضا فيما ذكر على معمول الخبر إذا تقدم على الخبر ، نحو : «إن زيدا لفي الدار قائم» ، وعلى الاسم إذا وقع موقع الخبر ، نحو : «إن في الدار لزيد».

وأما دخولها على الخبر ومعموله معا فشرطه تقدّمه على الخبر ، فمذهب أبي العباس المبرد إجازته ومذهب الزجاج منعه ، وذلك نحو : «إنّ زيدا لفي الدار لقائم» ، وسنذكر دليل كل واحد منهما بعد إن شاء الله تعالى.

وأما أهل الكوفة فإنّهم جوّزوا دخول اللام في خبر «لكنّ» حيث يجوز في خبر «إنّ» ، واستدلّوا على ذلك بقوله [من الطويل] :

٢٨٩ ـ [يلومونني في حبّ ليلى عواذلي]

ولكننّي من حبّها لعميد

______________________

٢٨٩ ـ التخريج : البيت بلا نسبة في الأشباه والنظائر ٤ / ٣٨ ؛ والإنصاف ١ / ٢٠٩ ؛ وتخليص الشواهد ص ٣٥٧ ؛ والجنى الداني ص ١٣٢ ، ٦١٨ ؛ وجواهر الأدب ص ٨٧ ؛ وخزانة الأدب ١ / ١٦ ، ١٠ / ٣٦١ ، ٣٦٣ ؛ والدرر ٢ / ١٨٥ ؛ ورصف المباني ص ٢٣٥ ، ٢٧٩ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ١ / ٣٨٠ ؛ وشرح الأشموني ١ / ١٤١ ؛ وشرح شواهد المغني ٢ / ٦٠٥ ؛ وشرح المفصل ٨ / ٦٢ ، ٦٤ ؛ وكتاب اللامات ص ١٥٨ ؛ ولسان العرب ١٣ / ٣٩١ (لكن) ؛ ومغني اللبيب ١ / ٢٣٣ ، ٢٩٢ ؛ والمقاصد النحوية ٢ / ٢٤٧ ؛ وهمع الهوامع ١ / ١٤٠.

اللغة : العواذل : ج العاذل ، وهو اللائم. العميد : الذي أضناه العشق.

الإعراب : «يلومونني» : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون لأنّه من الأفعال الخمسة ، والواو حرف دال على الجمع ، والنون الثانية للوقاية ، والياء ضمير في محلّ نصب مفعول به. «في حبّ» : جار ومجرور متعلّقان بـ «يلوم» ، وهو مضاف. «ليلى» : مضاف إليه مجرور. «عواذلي» : فاعل «يلوم» مرفوع بالضمّة المقدرة ، وهو مضاف ، والياء ضمير متّصل في محلّ جرّ بالإضافة. «ولكنني» : الواو حرف استئناف ، «لكنني» : حرف مشبّه بالفعل ، والنون للوقاية ، والياء ضمير في محل نصب اسم «لكنّ». «من حبّها» : جار ومجرور متعلقان بـ «عميد» ، وهو مضاف ، و «ها» ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. «لعميد» : اللام للابتداء ، «عميد» : خبر «لكنّ» مرفوع. ـ

٤٢٦

فأدخل اللام في خبر «لكنّ» ، وهذا لا دليل فيه لأنّه لم يسمع إلّا في هذا ، فيمكن أن تكون اللام زائدة كما زيدت في خبر «أنّ» المفتوحة في قراءة من قرأ : إلا أنهم ليأكلون الطعام (١). وفي خبر المبتدأ في الضرورة ، نحو قوله [من الرجز] :

٢٩٠ ـ أمّ الحليس لعجوز شهربه

ترضى من اللّحم بعظم الرقبه

فأدخل اللام في «عجوز» ، وهو خبر المبتدأ.

ويمكن أن تكون اللام هنا دخلت في خبر «إنّ» ، وذلك بأن يكون الأصل : ولكن إنّي من حبّها لعميد ، فنقل حركة همزة «إنّي» إلى نون «لكن» على حد نقلها في : «قد افلح» ، فصار «ولكنني» ، ثم أدغم نون «لكن» في النون الساكنة من «إنّي» إجراء للمنفصل مجرى المتصل ، كما قالوا في «جعل لك» : جعلّك ، وكقوله تعالى : (لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي) (٢).

______________________

ـ وجملة : «يلومونني» ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة : «لكنني لعميد» استئنافيّة لا محلّ من الإعراب.

الشاهد فيه قوله : «لعميد» حيث دخلت لام الابتداء على خبر «لكنّ» وهذا جائز عند الكوفيين.

(١) الفرقان : ٢٠.

٢٩٠ ـ التخريج : الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص ١٧٠ ؛ وشرح التصريح ١ / ١٧٤ ؛ وشرح المفصل ٣ / ١٣٠ ، ٨ / ٢٣ ؛ وله أو لعنترة بن عروس في خزانة الأدب ١٠ / ٣٣٣ ؛ والدرر ٢ / ١٨٧ ؛ وشرح شواهد المغني ٢ / ٦٠٤ ؛ والمقاصد النحوية ١ / ٥٣٥ ، ٢ / ٢٥١ ؛ وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص ٣٥٨ ؛ وجمهرة اللغة ص ١١٢١ ؛ والجنى الداني ص ١٢٨ ؛ ورصف المباني ص ٣٣٦ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ١ / ٣٧٨ ، ٣٨١ ؛ وشرح الأشموني ١ / ١٤١ ؛ وشرح ابن عقيل ص ١٨٥ ؛ وشرح المفصل ٧ / ٥٧ ؛ ولسان العرب ١ / ٥١٠ (شهرب) ؛ ومغني اللبيب ١ / ٢٣٠ ، ٢٣٣ ؛ وهمع الهوامع ١ / ١٤.

شرح المفردات : أم الحليس : الأتان ، والحلس : كساء رقيق يوضع تحت برذعة الدابة. شهربة : عجوز كبيرة.

الإعراب : «أمّ» : مبتدأ مرفوع بالضمّة ، وهو مضاف. «الحليس» : مضاف إليه مجرور بالكسرة. «لعجوز : «اللام» : حرف زائد ، و «عجوز» : خبر المبتدأ مرفوع بالضمّة. «شهربة» : نعت «عجوز» مرفوع.

وجملة «أم الحليس لعجوز» : ابتدائية لا محل لها من الإعراب.

الشاهد : قوله : «لعجوز» حيث جاء ما ظاهره تأخير الخبر المقترن بلام الابتداء. ولهذا ذهب العلماء إلى أنّ اللام ليست للابتداء ولكنّها زائدة. وقيل : «عجوز» خبر لمبتدأ محذوف كانت اللام مقترنة به ، وأصل الكلام : «أم الحليس لهي عجوز».

(٢) الكهف : ٣٨.

٤٢٧

أصله : لكن أنا ، ثم نقلت حركة همزة «أنا» إلى نون «لكن» فصار «لكننا» ثم أدغم ، فلمّا أراد إدغام النون من «لكن» في الساكنة بعدها احتاج إلى تسكين الأولى لأنّه لا يدغم إلّا الساكن في المتحرك ، فلما سكّن التقى الساكنان : النون من لكن والنون الساكنة من «إنّي» ، فحركت الثانية لالتقاء الساكنين ، وكانت حركتها بالفتح طلبا للخفة ثم أدغم ، فصار «لكنّني».

وإنّما لم تدخل اللام إلّا في خبر «إنّ» من بين سائر أخواتها لأنّها تدخل على المبتدأ والخبر ولا تغيّر معناه ولا حكمه كسائر أخواتها ، ألا ترى أنّ «ليت» تدخل في الخبر التمنّي ، و «لعلّ» تدخل فيه الترجّي ، و «كأنّ» تدخل فيه التشبيه ، و «لكنّ» تصيّر الجملة لا تستعمل إلّا بعد تقدّم كلام ، وقد كانت قبل دخولها ليست كذلك ، ألا ترى أنّك لا تقول : «لكنّ زيدا قائم» ، ابتداء ، وأيضا فإنّ الجملة قبل دخول «لكنّ» قد كان يسوغ وقوعها جوابا للقسم ، نحو : «والله لزيد قائم» ، ولا يتصوّر ذلك مع «لكنّ».

وأما «أنّ» فتصيّر مع ما بعدها في تقدير مفرد ، نحو : «يعجبني أنّ زيدا قائم» ، ألا ترى أنّها تتقدّر بالمصدر ، كأنّك قلت : «يعجبني قيام زيد» ، وأما «إنّ» فلا تغيّر معنى الكلام ولا حكمه ، ألا ترى أنّ : «إنّ زيدا قائم» ، و «زيد قائم» ، بمعنى واحد ، وأنّ كلّ واحد منهما يقع جوابا للقسم ، تقول : «والله لزيد قائم» ، و «الله إنّ زيدا قائم» ، فلما لم تغيّر «إنّ» الحكم ولا المعنى أتوا معها باللام المؤكّدة كما يفعلون قبل ذلك.

وكان حقّها أن تدخل على اسم «إنّ» لأنّه هو المبتدأ في الأصل ، فلم يمكن ذلك كراهية الجمع بين حرفين مؤكّدين ، فأخّروها إلى الخبر ، فقالوا : «إنّ زيدا لقائم» ، لأنّ «قائما» هو زيد في المعنى. وقالوا أيضا : «إنّ زيدا ليقوم» ، لأنّ «يقوم» وإن لم يكن المبتدأ في المعنى يشبه «قائما» ، فأدخلوا اللام عليه كما أدخلوها على «قائم».

وقالوا أيضا : إنّ زيدا لوجهه حسن ، وإن لم تكن الجملة هي المبتدأ في المعنى ، لأنها تلي الاسم في اللفظ ، فأشبهت بذلك : «إنّ زيدا لقائم».

وقالوا أيضا : «إنّ زيدا لنعم الرجل» ، لأنّ «نعم» لا تتصرّف ، فأشبهت الاسم ، فأدخلت اللام عليها كما تدخل على الخبر إذا كان اسما.

وقالوا أيضا : «إنّ زيدا لفي الدار» ، و «إنّ زيدا لخلفك» ، لأنّهما نائبان مناب «مستقرّ» ، و «مستقرّ» هو المبتدأ في المعنى ، فعوملا لذلك معاملة ما نابا منابه.

٤٢٨

فأما : «إنّ زيدا قام» ، وأمثاله ، فلا تدخل اللام فيه على الماضي لأنّه ليس المبتدأ في المعنى ولا يشبه ما هو المبتدأ في المعنى.

وقالوا أيضا : «إنّ في الدار لزيدا قائم» ، لأنّ هذه اللام كان حقها أن تدخل على الاسم وإنّما منعها من ذلك كراهية الجمع بين حرفين مؤكّدين ، فلما فصل الخبر هنا بين «إنّ» واسمها جاز دخول اللام على الاسم.

وقالوا أيضا : «إنّ زيدا لفي الدار قائم» ، لأنّ «في الدار» من كمال الخبر ، فإذا دخلت اللام على معمول وقد تقدم على الخبر ، كانت اللام داخلة على الخبر بتمامه.

وأما : «إنّ زيدا لفي الدار لقائم» ، فأجاز ذلك المبرد على أن يكون أعاد اللام توكيدا ، ومنع من ذلك الزجاج وهو الصحيح ، لأنّ الحرف إذا أكّد فإنما يعاد مع ما دخل عليه أو مع ضميره ، نحو قوله تعالى : (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها) (١). ولا يعاد من غير إعادة ما دخل عليه إلّا في ضرورة شعر ، نحو قوله [من الوافر] :

فلا والله لا يلفى لما بي

ولا للما بهم أبدا دواء (٢)

فإذا أعيدت اللام توكيدا في مثل : «إنّ زيدا لفي الدار قائم» ، فينبغي أن يقال : «إنّ زيدا لفي الدار قائم لفي الدار قائم» ، فأما قوله تعالى : (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ) (٣). فاللام الأولى لام «إنّ» ، واللام الثانية جواب لقسم محذوف كأنه قال في التقدير : لمّا والله ليوفّينّهم ربك أعمالهم.

وأجاز بعض النحويين دخول اللام على «إنّ» إذا أبدل من همزتها الهاء ، فتقول : «لهنّك قائم» ، وكأنّ الذي سهل ذلك زوال لفظ «إنّ» ، فكأنها ليست في الكلام. قال الشاعر [من الطويل] :

٢٩١ ـ ألا يا سنا برق على قلل الحمى

لهنّك من برق عليّ كريم

______________________

(١) هود : ١٠٨.

(٢) تقدم بالرقم ١٦٦.

(٣) هود : ١١١.

٢٩١ ـ التخريج : البيت لمحمد بن سلمة في لسان العرب ١٣ / ٣٩٣ (لهن) ، ١٥ / ١٧٣ (قذى) ؛ ولرجل من بني نمير في خزانة الأدب ١٠ / ٣٣٨ ، ٣٣٩ ، ٣٥١ ؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ١٤٤ ؛ ـ

٤٢٩

ومنهم من ذهب إلى أنّ هذه ليست لام «إنّ» ، وإنّما هي جواب لقسم محذوف ، وكأنه قال : والله لهنّك ، واستدلّ صاحب هذا المذهب بأنّك قد تأتي بلام «إنّ» فتدخلها على الخبر ، نحو قوله [من الطويل] :

٢٩٢ ـ لهنّك من عبسيّة لوسيمة

على هنوات كاذب من يقولها

______________________

ـ وأمالي الزجاجي ص ٢٥٠ ؛ والجنى الداني ص ١٢٩ ؛ وجواهر الأدب ص ٨٣ ، ٣٣٣ ؛ والخصائص ١ / ٣١٥ ، ٢ / ١٩٥ ؛ والدرر ٢ / ١٩١ ؛ وديوان المعاني ٢ / ١٩٢ ؛ ورصف المباني ص ٤٤ ، ١٢١ ، ٢٣٣ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ١ / ٣٧١ ، ٢ / ٥٥٢ ؛ وشرح شواهد المغني ٢ / ٦٠٢ ؛ وشرح المفصل ٨ / ٦٣ ، ٩ / ٢٥ ، ١٠ / ٤٢ ؛ ولسان العرب ١٣ / ٣١ (أنن) ؛ ومجالس ثعلب ١ / ١١٣ ، ٢ / ٤١٣ ؛ والمقرب ١ / ١٠٧ ؛ والممتع في التصريف ١ / ٣٩٨ ؛ وهمع الهوامع ١ / ١٤١.

اللغة : السنى والسنا : البريق. القلل : جمع قلة وهي أعلى الشيء. لهنّك : لإنّك.

المعنى : يا ضوء البرق الذي تلمع على مرتفعات القبيلة ، إنّك عزيز عليّ ، وكريم وذو مكانة لديّ.

الإعراب : ألا : حرف استفتاح. يا سنا : «يا» : حرف نداء ، «سنا» : منادى مضاف منصوب بفتحة مقدّرة على الألف. برق : مضاف إليه مجرور بالكسرة. على قلل : جار ومجرور متعلقان بصفة محذوفة لـ (برق). الحمى : مضاف إليه مجرور بكسرة مقدّرة على الألف. لهنك : «اللام» : للابتداء ، «هنّ» : حرف مشبّه بالفعل ، و «الكاف» : ضمير متصل في محلّ نصب اسمها ، و «خبرها» : محذوف. من برق : جار ومجرور متعلّقان بحال محذوفة من الكاف في (هنك). علي : جار ومجرور متعلّقان بالخبر (كريم). كريم : خبر ثان لـ (هنك).

وجملة «ألا يا سنا» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «لهنك محبوب كريم» : استئنافية لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «لهنك» حيث دخلت اللام للابتداء على (إن) المنقلبة همزتها هاء.

٢٩٢ ـ التخريج : البيت بلا نسبة في خزانة الأدب ١٠ / ٣٤٠ ، ٣٤٤ ، ٣٤٥ ، ٣٦٢ ؛ والدرر ٢ / ١٩٠ ؛ ولسان العرب ١٢ / ٦٣٧ (وسم) ، ١٣ / ٩٨ (جنن) ، ٣٩٣ (لهن) ، ١٣ / ٤٦٧ (أله) ، ١٥ / ٣٦٧ (هنا) ؛ وهمع الهوامع ١ / ١٤١.

اللغة : لهنك : لإنّك ، أو لله إنك. عبسية : امرأة من قبيلة عبس. الوسيمة : الحسنة الحلوة. هنوات : جمع هناة وهي الداهية أو الشرّ.

المعنى : أنت امرأة حلوة من عبس ، ومن خصال الكاذب الشريرة أن يقول عكس ذلك.

الإعراب : «لهنك» : «اللام» : لجواب قسم محذوف. «هنك» : أصلها «إنك» : حرف مشبّه بالفعل ، و «الكاف» : ضمير متصل في محلّ نصب اسم «إنّ». «من عبسية» : جار ومجرور متعلقان بحال محذوفة من ضمير المخاطبة في «لهنّك». «لوسيمة» : «اللام» : حرف توكيد ، «وسيمة» : خبر «إنّ» مرفوع بالضمّة. «على هنوات» : جار ومجرور. «كاذب» : مضاف إليه مجرور بالكسرة. «من» : اسم موصول بمعنى «الذي» في محل رفع فاعل لاسم الفاعل «كاذب». «يقولها» : فعل مضارع مرفوع بالضمّة ، و «ها» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). ـ

٤٣٠

فلو كانت اللام في «لهنّك» لام «إنّ» لم يؤت باللام بعد ذلك في الخبر ، وكذلك قول الآخر [من الطويل] :

٢٩٣ ـ [أبائنة حبّى ، نعم وتماضر]

لهنّا لمقضيّ علينا التّهاجر

[٥ ـ مذاهب النحاة في هذه الحروف إذا اتصلت بها «ما»] :

وهذه الحروف إذا لحقتها «ما» كان للنحويين فيها ثلاثة مذاهب. فمنهم من ذهب إلى أنّه يجوز في جميعها الإعمال والإلغاء ، فتقول : «إنّما زيد قائم» برفع «زيد» ونصبه ، وكذلك سائر أخواتها ، وهو مذهب الزجّاجي. ومنهم من ذهب إلى أنّ «ليت» ، و «لعلّ» و «كأنّ»

______________________

ـ وجملة «لهنك» : جواب قسم محذوف لا محلّ لها. وجملة «يقولها» : صلة الموصول لا محلّ لها.

والشاهد فيه قوله : «لهنك من عبسية لوسيمة» حيث اعتبر بعضهم أن اللام في «لهنك» واقعة في جواب قسم محذوف وليست للابتداء.

٢٩٣ ـ التخريج : البيت بلا نسبة في خزانة الأدب ١٠ / ٣٥٥ ، ٣٤٠ ، ٣٤٤ ؛ ولسان العرب ١٣ / ٤٦٧ (أله).

اللغة : البائنة : المغادرة المفارقة. حبّى : اسم امرأة ؛ وكذلك تماضر. لهنا : لإنّا. التهاجر : التقاطع والجفاء.

المعنى : أتفارقينا يا حبّى ، وأنت يا تماضر ، نعم أكاد أقسم بالله إنّ هذا الهجران والفراق لمكتوب علينا.

الإعراب : أبائنة : «الهمزة» : حرف استفهام ، «بائنة» : خبر مقدّم مرفوع بالضمّة. حبّى : مبتدأ مؤخّر مرفوع بضمّة مقدّرة على الألف. نعم : حرف جواب. وتماضر : «الواو» : حرف عطف ، «تماضر» : مبتدأ مرفوع بالضمّة ، خبره محذوف لدلالة الجملة السابقة عليه ، أي : (وتماضر بائنة أيضا). لهنا : «اللام» : رابطة لجواب قسم محذوف ، «إن» حرف مشبه بالفعل ، و «نا» : ضمير متصل في محلّ نصب اسم (إن). لمقضيّ : «اللام» : هي المزحلقة للتوكيد ، «مقضيّ» : خبر (إن) مرفوع بالضمّة. علينا : جار ومجرور متعلّقان بـ (مقضيّ). التهاجر : نائب فاعل مرفوع لاسم المفعول (مقضي) مرفوع بالضمّة.

وجملة «أبائنة حبى» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «وتماضر بائنة» : معطوفة عليها لا محلّ لها. وجملة «القسم» : استئنافية لا محل لها. وجملة «إنّا لمقضي» : جواب القسم لا محلّ لها.

والشاهد فيه قوله : «لهنا» حيث اعتبرت اللام في «لهنا» رابطة لجواب قسم محذوف.

٤٣١

يجوز فيها الإلغاء والإعمال ، نحو ، «ليتما زيدا قائم» ، و «لعلّما زيدا قائم» ، و «كأنما زيدا قائم» ، برفع «زيد» ونصبه في جميع ذلك ، ولا يجوز فيما عداها إلّا الإلغاء ، وهو مذهب أبي بكر وأبي إسحاق. ومنهم من ذهب إلى أن «ليت» وحدها يجوز فيها الإلغاء والإعمال ، فتقول : «ليتما زيدا قائم» ، و «ليتما زيد قائم» ، وما عداها لا يجوز فيها إلّا الإلغاء ، وهو مذهب الأخفش. وذلك أنّه لم يسمع الإلغاء والإعمال إلّا في «ليت» وحدها. وقد روي بيت النابغة [من البسيط] :

قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا

إلى حمامتنا ونصفه فقد (١)

برفع «الحمام» ونصبه. وما عدا ذلك لم يسمع فيه إعمال.

فأما الزجاجي ومن أخذ بمذهبه فقاس على «ليت» سائر أخواتها. وأما أبو بكر بن السراج وأبو إسحاق ومن أخذ بمذهبهما فقاسوا على «ليت» أشبه أخواتها بها وهما «لعلّ» و «كأنّ» ، وذلك أنّهما غيّرا معنى الابتداء بما أحدثا في الكلام من معنى التشبيه والترجّي والتمنّي كما أحدث «ليت» في الكلام معنى التمني. وأما الأخفش فحجّته القياس والسماع ، أما السماع فإنّه لا يحفظ إلّا في «ليت» باتفاق من النحويين إلّا ما يعطيه ظاهر كلام أبي القاسم في باب حروف الابتداء ، فإنه قال : ومن العرب من يقول : «إنّما زيدا قائم» ، و «لعلّما بكرا قائم» ، فيلغي «ما» وينصب. وكذلك سائر أخواتها.

والذي ينبغي أن يحمل عليه ذلك أنّه لما اقتضى القياس عنده ذلك نسبه إلى العرب ، ألا ترى أنه يجوز لك أن تقول : العرب ترفع كل فاعل ، وإن كنت إنّما سمعت الرفع في بعض الفاعلين ، لما اقتضى القياس عندك ذلك.

وأما القياس فإنّ هذه الحروف إنّما كان عملها بالاختصاص ، وإذا لحقها «ما» فارقها الاختصاص ، فينبغي ألا تعمل إلّا «ليت» فإنها تبقى على اختصاصها ، والدليل على مفارقتها للاختصاص قوله تعالى : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) (٢). فأولاها الفعل. وكذلك

______________________

(١) تقدم بالرقم ١٥٣.

(٢) فاطر : ٢٨.

٤٣٢

قوله : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً) (١). وقوله تعالى : (كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ) (٢). وكذلك «لكنّما» و «لعلّما» ، قال [من الطويل] :

٢٩٤ ـ ولكنّما أسعى لمجد مؤثّل

[وقد يدرك المجد المؤثّل أمثالي]

فأولى لكنّما الفعل. وقال الآخر قال [من الطويل] :

٢٩٥ ـ أعد نظرا يا عبد قيس لعلّما

أضاءت لك النار الحمار المقيّدا

______________________

(١) المؤمنون : ١١٥.

(٢) الأنفال : ٦.

٢٩٤ ـ التخريج : البيت لامرىء القيس في ديوانه ص ٣٩ ؛ والإنصاف ١ / ٨٤ ؛ وتذكرة النحاة ص ٣٣٩ ؛ وخزانة الأدب ١ / ٣٢٧ ، ٤٦٢ ؛ والدرر ٥ / ٣٢٢ ؛ وشرح شواهد المغني ١ / ٣٤٢ ، ٢ / ٦٤٢ ؛ وشرح قطر الندى ص ١٩٩ ؛ والكتاب ١ / ٧٩ ؛ والمقاصد النحوية ٣ / ٣٥ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ١١٠ ؛ وبلا نسبة في شرح الأشموني ١ / ٢٠١ ، ٣ / ٦٠٢ ؛ وشرح شواهد المغني ٢ / ٨٨٠ ؛ ومغني اللبيب ١ / ٢٥٦ ؛ والمقتضب ٤ / ٧٦ ؛ والمقرب ١ / ١٦١.

اللغة والمعنى : المؤثّل : المؤصّل. يقول : ... أنا لا أسعى لحياة عادية بل أطلب مجدا يكون أصلا يفتخر به من يأتي بعدي وحقيق بإدراك هذا المجد إنسان مثلي.

الإعراب : ولكنما : «الواو» : استئنافية ، «لكنما» : للاستدراك مكفوفة عن العمل ، «ما» : زائدة كافّة. أسعى : فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الألف ، والفاعل ضمير مستتر تقديره : أنا. لمجد : جار ومجرور متعلقان بالفعل «أسعى». مؤثّل : صفة «مجد» مجرورة بالكسرة. وقد : «الواو» : حالية ، «قد» : حرف توقّع. يدرك : فعل مضارع مرفوع بالضمة. المجد : مفعول به منصوب بالفتحة. المؤثل : صفة «المجد» منصوبة بالفتحة. أمثالي : فاعل مرفوع بالضمة المقدرة على ما قبل الياء منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة ، والياء ضمير متصل ، في محل جر بالإضافة.

وجملة «أسعى» : استئنافية لا محل لها. وجملة «يدرك المجد ... أمثالي» : حالية محلها النصب.

والشاهد فيه قوله : «ولكنما أسعى» حيث دخلت «ما» على «لكنّ» فكفّتها عن العمل.

٢٩٥ ـ التخريج : البيت للفرزدق في ديوانه ١ / ١٨٠ ؛ والأزهية ص ٨٨ ؛ والدرر ٢ / ٢٠٨ ؛ وشرح شواهد الإيضاح ص ١١٦ ؛ وشرح شواهد المغني ص ٦٩٣ ؛ وشرح المفصل ٨ / ٥٧ ؛ وبلا نسبة في رصف المباني ص ٣١٩ ؛ وشرح قطر الندى ص ١٥١ ؛ وشرح المفصل ٨ / ٥٤ ؛ ومغني اللبيب ص ٢٨٧ ، ٢٨٨ ؛ وهمع الهوامع ١ / ١٤٣.

اللغة والمعنى : عبد قيس : رجل من عدي بن جندب بن العنبر. ـ

جمل الزجاجي / ج ١ / م ٢٨

٤٣٣

فأولى «لعلّما» الفعل.

وأما «ليتما» فلم تولها العرب الفعل قط ، لا يحفظ من كلامهم : «ليتما يقوم زيد». فقد بان إذن سداد هذا المذهب.

[٦ ـ لحوق نون الوقاية لهذه الحروف] :

وهذه الحروف إذا كان اسمها ياء المتكلم فإنّها تلحقها نون الوقاية كما تلحق الفعل ، فتقول : «إنني» و «لكنّني». وكذلك سائر أخواتها. وهي في ذلك تنقسم قسمين : قسم تلزمه نون الوقاية وقسم لا تلزمه. والذي تلزمه نون الوقاية «ليت» ، تقول : «ليتني» ، ولا يجوز «ليتي» إلّا في ضرورة شعر ، نحو قوله [من الوافر] :

٢٩٦ ـ كمنية جابر إذ قال ليتي

أصادفه وأتلف بعض مالي

______________________

ـ يهجو الشاعر عبد قيس بقوله : إنّ أصحاب النار هم أصحاب حمير لا أصحاب خيول. وقيل : إنّه حقير لممارسته الجنس مع ذكر الحيوان.

الإعراب : أعد : فعل أمر ، والفاعل : أنت. نظرا : مفعول به منصوب. يا : حرف نداء. عبد : منادى منصوب ، وهو مضاف. قيس : مضاف إليه مجرور. لعلّما : حرف مشبه بالفعل ، و «ما» : الكافّة. أضاءت : فعل ماض ، والتاء : للتأنيث. لك : جار ومجرور متعلّقان بـ «أضاءت». النار : فاعل مرفوع. الحمار : مفعول به منصوب. المقيّدا : نعت «الحمار» منصوب ، والألف : للإطلاق.

وجملة (أعد نظرا) الفعليّة لا محلّ لها من الإعراب لأنّها ابتدائيّة. وجملة (يا عبد قيس) الفعليّة لا محلّ لها من الإعراب لأنّها استئنافيّة. وجملة (أضاءت لك النار) الفعليّة لا محلّ لها من الإعراب لأنّها استئنافيّة.

والشاهد فيه قوله : «لعلّما أضاءت لك النار» حيث دخلت «ما» على «لعلّ» فكفّتها عن العمل.

٢٩٦ ـ التخريج : البيت لزيد الخيل في ديوانه ص ٨٧ ؛ وتخليص الشواهد ص ١٠٠ ؛ وخزانة الأدب ٥ / ٣٧٥ ، ٣٧٧ ؛ والدرر ١ / ٢٠٥ ؛ وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٩٧ ؛ وشرح المفصل ٣ / ١٢٣ ؛ والكتاب ٢ / ٣٧٠ ؛ ولسان العرب ٢ / ٨٧ (ليت) ؛ والمقاصد النحوية ١ / ٣٤٦ ؛ ونوادر أبي زيد ص ٦٨ ؛ وبلا نسبة في جواهر الأدب ص ١٥٣ ؛ ورصف المباني ص ٣٠٠ ، ٣٦١ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ٢ / ٥٥٠ ؛ وشرح الأشموني ١ / ٥٦ ؛ ومجالس ثعلب ص ١٢٩ ؛ والمقتضب ١ / ٢٥٠ ؛ وهمع الهوامع ١ / ٦٤. ـ

٤٣٤

والذي لا يلزم نون الوقاية ما بقي.

وإنما حذفت النون من «إنّي» و «كأني» و «أنّي» و «لكنّي» كراهية اجتماع الأمثال.

وحذفت في «لعلّ» كراهية اجتماع المثلين مع النون المقاربة للام ، فكأنه اجتمع ثلاثة أمثال ، ولم تحذف من «ليتني» لأنّه لم يجتمع لك أمثال ولا مقاربات.

وأما الفراء فزعم أنّ «ليت» قوي شبهها بالفعل لكونها على مثال من أمثلة الفعل ، ألا ترى أنّها على وزن «علم» المخفّف من «علم» ، نحو قوله [من الرجز] :

لو شهد عادا في زمان عاد (١)

يريد : شهد. ولزمتها نون الوقاية كما تلزم الفعل. وأما «لكنّ» و «كأنّ» و «لعلّ» فليس شيء منها على وزن الفعل ، فلذلك لم يتأكّد لحاق النون لها تأكّده في «ليت» ، فلذلك حذفت.

وهذا الذي ذهب إليه باطل ، لأنّه لو كان الأمر كذلك للزمت نون الوقاية لأنها كـ «ردّ». فإن لم تلزم العرب نون الوقاية «أنّ» دليل على أنّ الذي حذفت له نون الوقاية هو ما ذكرناه.

______________________

ـ اللغة : المنية : ما يتمنّاه المرء. جابر : رجل من غطفان كان يتمنّى لقاء زيد ، ولمّا لقيه قهره زيد.

الإعراب : «كمنية» : جار ومجرور متعلّقان بمحذوف نعت لمنعوت محذوف تقديره : «تمنى تمنيا مشابها لمنية. «جابر» وهو مضاف. «جابر» : مضاف إليه مجرور بالكسرة. «إذ» : ظرف زمان في محلّ نصب مفعول فيه. «قال» : فعل ماض مبنيّ على الفتح ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره «هو». «ليتي» : حرف مشبّه بالفعل ، والياء ضمير في محلّ نصب اسم «ليت». «أصادفه» : فعل مضارع مرفوع بالضمّة ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره «أنا» ، والهاء ضمير متّصل مبنيّ في محلّ نصب مفعول به. «وأتلف» : الواو حالية ، «أتلف» فعل مضارع مرفوع بالضمّة ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره «أنا». «بعض» : مفعول به منصوب بالفتحة ، وهو مضاف. «مالي» : مضاف إليه مجرور بالكسرة ، وهو مضاف ، والياء ضمير متّصل مبنيّ في محلّ جرّ بالإضافة.

وجملة : «قال ....» في محلّ جرّ بالإضافة. وجملة : «ليتي أصادفه» في محلّ نصب مفعول به. وجملة : «أصادفه» في محلّ رفع خبر «ليت». وجملة : «أتلف» في محلّ رفع خبر المبتدأ المحذوف تقديره : «أنا أتلف». وجملة «وأنا أتلف» في محلّ نصب حال.

الشاهد فيه قوله : «ليتي» حيث حذف نون الوقاية ، وهذا الحذف نادر.

(١) تقدم بالرقم ٢٤٢.

٤٣٥

[٧ ـ تخفيف هذه الحروف] :

وهذه الحروف يجوز تخفيف مضعّفها سوى «لعلّ» فإنها لم يسمع فيها التخفيف وما عدا ذلك من مضاعفها فقد سمع فيه التخفيف.

فأما «لكنّ» إذا خفّفت لم يجز فيها إلا الإلغاء ، وذلك : «ما قام زيد لكن عمرو قائم» ، وإنّما لم تعمل إذا خففّت لأنّها يزول عنها الاختصاص الذي عملت به ، فيجوز أن تليها الأفعال. ألا ترى أنّه يجوز أن تقول : «ما قام زيد لكن قام عمرو».

وأما «أنّ» و «كأنّ» فإنّهما إذا خفّفا لا يجوز فيهما إلا الإعمال ، إلا أن اسمهما لا يكون إلا ظاهرا أو مضمرا محذوفا ، فتقول : «يعجبني أن زيدا قائم» ، و «كأن زيدا قائم» ، فإن قلت : «كأن زيد قائم» ، أو «يعجبني أن زيد قائم» ، فإن اسم «أن» و «كأن» محذوف تقديره : يعجبني أنه زيد قائم وكأنه زيد قائم.

وإنما التزم حذفه إذا كان مضمرا لأن المضمر يردّ الأشياء إلى أصولها ، فلو ظهر الاسم المضمر لوجب ردّ «أن» و «كأن» إلى أصولهما من التشديد.

فإن قيل : فما الدليل على أنّك إذا قلت : «يعجبني أن زيد قائم» ، أنّ اسم «أن» مضمر ، وهلّا كانت ملغاة؟

فالجواب : إنّ الذي يدلّ على أنّها معملة أنّ الموجب لعملها ، وهو الاختصاص ، موجود ، ألا ترى أنّه لا يليها فعل ، وإن وليها فالاسم مضمر ، نحو : «تحقّقت أن سيقوم زيد» ، التقدير : أنّه سيقوم زيد ، أي : أنّ الأمر سيقوم زيد ، إذ لو كانت من الحروف التي يجوز فيها أن يليها الفعل لم يلتزموا الفصل بينها وبين الفعل بالسين أو «سوف» أو «قد» في الإيجاب وب «لا» في النفي ، إلّا أن يكون الفعل غير متصرف ، نحو : «عسى» و «ليس» فإنّهما لا يفصلان إذ ذاك ، لشبههما بالأسماء ، فكأنّها لم يلها إلّا الاسم ، نحو قوله تعالى : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) (١) ونحو قوله : (وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ) (٢). ولا يجوز أن يليها الفعل من غير فاصل إلّا في ضرورة شعر.

______________________

(١) النجم : ٣٩.

(٢) الأعراف : ١٨٥.

٤٣٦

نحو قوله [من البسيط] :

٢٩٧ ـ أن تقرآن على أسماء ويحكما

منّي السّلام وأن لا تشعرا أحدا

الدليل على أن اسم «كأن» مضمر أنّه لا يجوز إلغاؤها لأنها باقية على اختصاصها الموجب لعملها ، فلا بدّ من اسمها مضمرا أو مظهرا ، نحو قوله [من الطويل] :

٢٩٨ ـ ويوما توافينا بوجه مقسّم

كأن ظبية تعطو إلى وارق السلم

______________________

٢٩٧ ـ التخريج : البيت بلا نسبة في الأشباه والنظائر ١ / ٣٣٣ ؛ والإنصاف ٢ / ٥٦٣ ؛ والجنى الداني ص ٢٢٠ ؛ وجواهر الأدب ١٩٢ ؛ وخزانة الأدب ٨ / ٤٢٠ ، ٤٢١ ، ٤٢٣ ، ٤٢٤ ؛ والخصائص ١ / ٣٩٠ ؛ ورصف المباني ١١٣ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ٢ / ٥٤٩ ؛ وشرح الأشموني ٣ / ٥٥٣ ؛ وشرح التصريح ٢ / ٢٣٢ ؛ وشرح شواهد المغني ١ / ١٠٠ ؛ وشرح المفصل ٧ / ١٥ ، ٨ / ١٤٣ ، ٩ / ١٩ ؛ ولسان العرب ١٣ / ٣٣ (أنن) ، ومجالس ثعلب ص ٢٩٠ ؛ ومغني اللبيب ١ / ٣٠ ؛ والمنصف ١ / ٢٧٨ ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ٣٨٠.

الإعراب : «أن» : مخففة من الثقيلة ، واسمها : ضمير الشأن المحذوف. «تقرآن» : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون ، والألف في محلّ رفع فاعل. «على أسماء» : جار ومجرور متعلّقان بـ «تقرآن». والمصدر المؤول من «أن» وما بعدها بحسب ما قبله. «ويحكما» : مفعول مطلق ، وقيل مفعول به لفعل محذوف تقديره «ألزمكما الله ويحا» ، وهو مضاف ، «كما» : ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. «منّي» : جار ومجرور متعلّقان بـ «تقرآن». «السّلام» : مفعول به لـ «تقرآن». «وأن» : الواو حرف عطف ، «أن» : حرف مصدرية ونصب. «لا» : حرف نفي. «تشعرا» : فعل مضارع منصوب بحذف النون ، والألف ضمير في محلّ رفع فاعل. والمصدر المؤول من «أن» وما بعدها معطوف على المصدر المؤول السابق. «أحدا» : مفعول به منصوب بالفتحة.

وجملة : «تقرآن» في محل رفع خبر «أن». وجملة : «... ويحكما» اعتراضية لا محل لها من الإعراب. وجملة : «تشعرا» صلة الموصول الحرفي لا محل لها من الإعراب.

الشاهد فيه قوله : «أن تقرآن» حيث جاء بعد «أن» المخففة فعل دون أن يفصل بينهما فاصل ، وهذا للضرورة.

٢٩٨ ـ التخريج : البيت لعلباء بن أرقم في الأصمعيات ص ١٥٧ ؛ والدرر ٢ / ٢٠٠ ؛ وشرح التصريح ١ / ٢٣٤ ؛ والمقاصد النحويّة ٤ / ٣٨٤ ؛ ولأرقم بن علباء في شرح أبيات سيبويه ١ / ٥٢٥ ؛ ولزيد بن أرقم في الإنصاف ١ / ٢٠٢ ؛ ولكعب بن أرقم في لسان العرب ١٢ / ٤٨٢ (قسم) ؛ ولباغت بن صريم اليشكري في تخليص الشواهد ص ٣٩٠ ؛ وشرح المفصل ٨ / ٨٣ ؛ والكتاب ٢ / ١٣٤ ؛ وله أو لعلباء بن أرقم في المقاصد النحوية ٢ / ٣٠١ ؛ ولأحدهما أو لأرقم بن علباء في شرح شواهد المغني ١ / ١١١ ؛ ولأحدهما أو لراشد بن شهاب اليشكري أو لابن أصرم اليشكري في خزانة الأدب ١٠ / ٤١١ ؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك ١ / ٣٧٧ ؛ وجواهر الأدب ص ١٩٧ ؛ والجنى الداني ص ٢٢٢ ، ٥٢٢ ؛ ورصف المباني ص ١١٧ ، ٢١١ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ٢ / ٦٨٣ ؛ وسمط اللآلي ص ٨٢٩ ؛ وشرح الأشموني ١ / ١٤٧ ؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٢٤١ ، ٣٣١ ؛ وشرح قطر الندى ص ١٥٧ ؛ والكتاب ٣ / ١٦٥ ؛ والمحتسب ١ / ٣٠٨ ؛ ومغني اللبيب ١ / ٣٣ ؛ والمقرب ١ / ١١١ ، ٢ / ٢٠٤ ؛ والمنصف ٣ / ١٢٨ ؛ وهمع الهوامع ١ / ١٤٣. ـ

٤٣٧

فإنّه يروى برفع «الظبية» على أن يكون الاسم محذوفا ، كأنّه قال : كأنّها ظبية ، وبنصبها على أن تكون اسم «كأن» ، وبخفضها على زيادة «أن».

أما «إنّ» فإنّها إذا خفّفت يجوز إلغاؤها وإعمالها ، فإذا أعملت فإنّها بمنزلة المشددة في كلّ شيء ، إلا أنّ اسمها لا يكون مضمرا إلّا في ضرورة ، فتقول : «إن زيدا لقائم» ، ولا تقول : «إنك لقائم» ، تريد : «إنّك لقائم» ، لأن المضمر كما تقدم يردّ الأشياء إلى أصولها ، ومن إعمالها قوله تعالى : (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ) (١). وإذا ألغيت لزمتها اللام فرقا بينها وبين النافية ، فتقول : «إن زيد لقائم» ، لأنّك لو قلت : «إن زيد قائم» ، لاحتمل أن تريد : ما زيد قائم.

ولا تدخل الملغاة إلا على المبتدأ والخبر أو ما أصله المبتدأ والخبر ، نحو : «إن زيد لقائم» ، و «إن كان زيد لقائما» ، و «إن نظنّك لقائما» ، قال الله تعالى : (وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ

______________________

ـ اللغة والمعنى : توافينا : تأتينا. الوجه المقسّم : أي الجميل. الظبية : الغزالة. تعطو : تمدّ عنقها وترفع رأسها. السلم : نوع من الشجر يدبغ به.

يقول : تأتينا الحبيبة يوما بوجهها الجميل ، وكأنّها ظبية تمدّ عنقها إلى شجر السلم المورق.

الإعراب : ويوما : الواو : بحسب ما قبلها ، أو استئنافيّة. يوما : ظرف متعلّق بـ «توافينا». توافينا : فعل مضارع مرفوع بالضمّة المقدّرة على الياء للثقل ، والفاعل : هي ، ونا : في محلّ نصب مفعول به. بوجه : جار ومجرور متعلّقان بـ «توافينا». مقسّم : نعت «وجه» مجرور. كأن : حرف مشبّه بالفعل مخفّف ، واسمه ضمير الشأن المحذوف. ظبية : خبر «كأن» مرفوع. ويجوز أن تعرب مبتدأ مرفوع وخبره جملة «تعطو» الفعليّة باعتبار «كأن» زائدة. وتروى مجرورة والتقدير «كظبية». تعطو : فعل مضارع مرفوع بالضمّة المقدّرة على الواو للثقل ، والفاعل : هي. إلى وارق : جار ومجرور متعلّقان بـ «تعطو» ، وهو مضاف. السلم : مضاف إليه مجرور وسكّن للضرورة.

وجملة (توافينا) الفعليّة في محل جرّ بالإضافة. ويمكن اعتبارها استئنافيّة لا محلّ لها من الإعراب. والتقدير : «وتوافينا يوما ...». وجملة (كأن ظبية تعطو) الاسميّة في محلّ نصب حال ، تقديره : «وكأنها ظبية» بحذف واو الحال. وجملة (تعطو ...) الفعليّة في محل رفع أو نصب أو جرّ نعت لـ «ظبية».

والشاهد فيه قوله : «كأن ظبية» حيث روي برفع «ظبية» ، ونصبها ، وجرها. أمّا الرفع فيحتمل أن تكون «ظبية» مبتدأ ، وجملة «تعطو» خبره ، وهذه الجملة الاسميّة خبر «كأن» ، واسمها ضمير شأن محذوف ، ويحتمل أن تكون «ظبية» خبر «كأن» و «تعطو» صفتها ، واسمها محذوف ، وهو ضمير المرأة ، لأنّ الخبر مفرد. أمّا النصب فعلى إعمال «كأن» وهذا الإعمال مع التخفيف خاصّ بضرورة الشعر. وأمّا الجرّ فعلى أنّ «أن» زائدة بين الجارّ والمجرور ، والتقدير : كظبية.

(١) هود : ١١١.

٤٣٨

الْكاذِبِينَ) (١). وقال الله تعالى : (وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ) (٢).

ولأجل أنّها لم تخرج عن الاختصاص بالجملة بل لا بدّ من دخولها على الجملة الاسمية أو على ناسخها.

وزعم الكوفيون أنّه يجوز دخولها على الفعل غير الناسخ ، وحكوا : «إن قنعت كاتبك لسوطا». يريد : إنّك قنّعت كاتبك سوطا. واستدلوا على ذلك [من الكامل] :

٢٩٩ ـ شلّت يمينك إن قتلت لمسلما

حلّت عليك عقوبة المتعمّد

فأدخلت اللام على مفعول «قتلت» و «قنعت» ، وليسا من نواسخ الابتداء.

وهذا عندنا من القلّة بحيث لا يقاس عليه. على أنّه قد يحتمل أن تكون اللام زائدة

______________________

(١) الشعراء : ١٨٦.

(٢) البقرة : ١٤٣.

٢٩٩ ـ التخريج : البيت لعاتكة بنت زيد في الأغاني ١٨ / ١١ ؛ وخزانة الأدب ١٠ / ٣٧٣ ، ٣٧٤ ، ٣٧٦ ، ٣٧٨ ؛ والدرر ٢ / ٩٤ ؛ وشرح التصريح ١ / ٣١١ ؛ وشرح شواهد المغني ١ / ٧١ ؛ والمقاصد النحوية ٢ / ٢٧٨ ؛ ولأسماء بنت أبي بكر في العقد الفريد ٣ / ٢٧٧ ؛ وبلا نسبة في الأزهية ص ٤٩ ؛ والإنصاف ٢ / ٦٤١ ؛ وتخليص الشواهد ص ٣٧٩ ؛ والجنى الداني ص ٢٠٨ ؛ ورصف المباني ص ١٠٩ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ٢ / ٥٤٨ ، ٥٥٠ ؛ وشرح الأشموني ١ / ١٤٥ ؛ وشرح ابن عقيل ص ١٩٣ ؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٢٣٦ ؛ وشرح المفصل ٨ / ٧١ ، ٩ / ٢٧ ؛ واللامات ص ١١٦ ؛ ومجالس ثعلب ص ٣٦٨ ؛ والمحتسب ٢ / ٢٥٥ ؛ ومغني اللبيب ١ / ٢٤ ؛ والمقرب ١ / ١١٢ ؛ والمنصف ٣ / ١٢٧ ؛ وهمع الهوامع ١ / ١٤٢.

شرح المفردات : شلّت : أصيبت بالشلل. المتعمّد : القاصد.

المعنى : تدعو الشاعرة على عمرو بن جرموز قاتل زوجها الزبير بن العوام بشلّ يمينه ، وبإنزال أشد العقوبات به.

الإعراب : «شلّت» : فعل ماض ، والتاء للتأنيث. «يمينك» : فاعل مرفوع ، وهو مضاف ، والكاف ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. «إن» : حرف مشبّه بالفعل بطل عمله. «قتلت» : فعل ماض ، والتاء ضمير في محلّ رفع فاعل. «لمسلما» : اللام الفارقة ، «مسلما» مفعول به منصوب. «حلّت» : فعل ماض ، والتاء للتأنيث. «عليك» : جار ومجرور متعلّقان بـ «حلّت». «عقوبة» : فاعل مرفوع ، وهو مضاف. «المتعمّد» : مضاف إليه مجرور بالكسرة.

وجملة «شلت يمينك» ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة «قتلت» استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة «حلت عقوبة ...» استئنافية لا محل لها من الإعراب.

الشاهد فيه قوله : «إن قتلت لمسلما» حيث ولي «إن» المخفّفة من الثقيلة فعل ماض غير ناسخ وهو «قتلت» ، وهذا شاذ لا يقاس عليه إلّا عند الأخفش.

٤٣٩

ويكون اسم «إنّ» مضمرا لأن مجيء اسم «إنّ» مضمرا بابه أن يجيء في ضرائر الشعر. ومما يدل على ذلك أنّ لام التأكيد إنّما بابها أن تدخل على المبتدأ أو ما هو المبتدأ في المعنى وهو الخبر ، وأما المفعول المحض فلا سبيل إلى دخول اللام عليه ، إلّا أن تكون زائدة.

[٨ ـ عدم تقديم معمولات هذه الحروف عليها] :

واعلم أنّه لا يجوز تقديم شيء من معمولات هذه الحروف عليها لضعفها في العمل لأنّها ليست بأفعال ، ولا من لفظها ، وإنّما عملت بحق الشبه ، فلا يجوز أن تقول : «زيدا إنّ قائم» ، ولا «قائم إنّ زيدا» ، تريد : إنّ زيدا قائم ، وكذلك أيضا لا يجوز تقديم الخبر على الاسم فتقول : «إنّ قائم زيدا» ، لما ذكرناه من ضعفها ، إلا أن يكون الخبر ظرفا أو مجرورا ، فإنه يجوز تقديمه على الاسم وذلك ، نحو : «إنّ زيدا في الدار» ، يجوز لك أن تقدّم «في الدار» ، فتقول : «إنّ في الدار زيدا» ، وإنّما جاز تقديم الخبر إذا كان ظرفا ، لأنّ العرب اتسعت في الظروف ما لم تتسع في غيرها. والسبب في اتساعها في الظروف من بين سائر المعمولات أنّ كلّ كلام لا بد فيه من ظرف ملفوظ به أو مقدّر ، ألا ترى أنّك إذا قلت : «قام زيد» ، فلا بدّ للقيام من ظرف زمان وظرف مكان يكون فيهما ، فلما كثر استعماله اتسعوا فيه ما لم يتّسعوا في غيره. والمجرورات تشبه الظروف ، ألا ترى أنّ كل ظرف فهو في التقدير مجرور بـ «في» ، ولذلك إذا أضمر عاد إلى أصله ، فتقول : «يوم الجمعة صمت فيه». فعوملت لذلك معاملة الظروف في الاتساع.

ولا يجوز تقديم الظروف والمجرورات ـ إذا كانا معمولي الخبر ـ على الاسم ، فلا تقول : «إنّ في الدار زيدا قائم» ، تريد : إنّ زيدا قائم في الدار. وإذا جاء ما ظاهره ذلك فينبغي أن يجعل المجرور والظرف متعلقا بعامل مضمر من معنى الكلام ، ويكون من قبيل ما فصل فيه بين الحرف واسمه بجملة اعتراض ، وذلك جائز ، نحو قوله [من الطويل] :

٣٠٠ ـ فلا تلحني فيها فإنّ بحبّها

أخاك مصاب القلب جمّ بلابله

______________________

٣٠٠ ـ التخريج : البيت بلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ٢٣١ ؛ وخزانة الأدب ٨ / ٤٥٣ ، ٤٥٥ ؛ والدرر ٢ / ١٧٢ ؛ وشرح الأشموني ١ / ١٣٧ ؛ وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٦٩ ؛ والكتاب ٢ / ١٣٣ ؛ ومغني اللبيب ٢ / ٦٩٣ ؛ والمقاصد النحوية ٢ / ٣٠٩ ؛ والمقرب ١ / ١٠٨ ؛ وهمع الهوامع ١ / ١٣٥.

٤٤٠