شرح جمل الزجّاجى - ج ١

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »

شرح جمل الزجّاجى - ج ١

المؤلف:

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-2263-0
ISBN الدورة:
2-7451-2263-0

الصفحات: ٥٨٤

صحيحا» ، ويكون انتصاب «صحيحا» على أنّه حال ، وكذلك لا يجوز تعريف المنصوب بعدها إلّا أن يكون من الصفات التي يجوز فيها القطع ، فتنصب إذ ذاك بفعل مضمر ، نحو : «مررت بزيد المسكين» ، و «مررت به الشجاع».

وكذلك ألحقوا بأفعال هذا الباب الفعل المكرر ، نحو : «لئن ضربته لتضربنّه الكريم» ، و «لئن أكرمته لتكرمنّه العاقل» ، فجعلوا «الكريم» و «العاقل» وأمثالهما منتصبة على أنّها أخبار للفعل المكرر ، وذلك لا حجة فيه ، لاحتمال أن يكون الاسم المنصوب بدلا من مفعول الفعل ، فإن استدلّوا بأنّه لو كان بدلا لم يلزم الإتيان به قيل لهم : ربّ تابع لازم ، نحو : «الجمّاء الغفير» ، ألا ترى أنّ «الغفير» تابع الجمّاء أبدا ولا تجيء إلا كذلك.

وكذلك ألحقوا بأفعال هذا الباب اسم الإشارة في نحو : «هذا زيد قائما» ، وجعلوا «هذا» تقريبا و «زيدا» اسم التقريب ، و «قائما» خبر التقريب ، واستدلّوا على ذلك بأنك قد تقول : «هذا زيد قائما» ، لمن يقطع بأنه قد علم أنّ المشار إليه زيد ، لأنّ الخبر إنّما يكون مجهولا عند المخاطب ، وحينئذ يكون مفيدا. ومما يبيّن ذلك قوله تعالى : (هذا بَعْلِي شَيْخاً) (١). ألا ترى أنها لم ترد أن تعلم المخاطبين أنّ المشار إليه بعلها ، وإنّما أرادت أن تنبههم على شيخوخته. قالوا : فدلّ ذلك على صحة ما قلناه.

وهذا الذي ذهبوا إليه فاسد ، لأنّ «هذا» اسم فلا بد أن يكون له موضع من الإعراب ، وعلى مذهبهم لا موضع له من الإعراب.

فإن قيل : فكيف جعلتم اسم الإشارة مبتدأ وما بعده خبرا ، وليس المعنى على ذلك؟ فالجواب : إنّ الكلام إذا ذاك محمول على معناه ، فإنّك إذا قلت : «هذا زيد قائما» ، فاللفظ على الإخبار عن المشار إليه بزيد ، والكلام محمول على معنى : تنبّه لزيد وربّ كلام صورته لفظ على خلاف معناه ، نحو : «غفر الله لزيد» ، فإنّ لفظه لفظ الخبر والمعنى على الدعاء.

وكذلك «اتقى الله امرؤ فعل خيرا يثب عليه» لفظه لفظ الخبر ومعناه معنى الأمر ، وكذلك قوله تعالى : (فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا) (٢) ، اللفظ لفظ الأمر ومعناه الخبر ، فكذلك : «هذا زيد» ، لفظه لفظ الإخبار عن «هذا» بـ «زيد» ومعناه معنى الأمر بالتنبيه إلى زيد في حال ما.

ومما يدلّ أيضا على أنّ المنصوب حال التزام التنكير فيه ، ولو كان خبرا لسمع من

______________________

(١) هود : ٧٢.

(٢) مريم : ٧٥.

٣٦١

كلامهم معرفة ، وما أجازوه من الإتيان به معرفة ، نحو : «هذا زيد القائم» ، لا يلتفت إليه لأنّهم إنّما قالوه بالقياس.

فالذي يثبت من هذا الباب قد قدّمناه أوّلا وهي أفعال كلها بلا خلاف إلا «ليس» فإنّ فيها خلافا. فمذهب الفارسي ومن أخذ بمذهبه أنّها حرف ، واستدلّ على ذلك بأنّها لا مصدر لها ولا تتصرّف ، وأنها ليست على أوزان الأفعال. وذلك كلّه لا حجة فيه. أمّا كونها لا تتصرّف وكونها لا مصدر لها ، فإنّه قد وجد من الأفعال ما هو بهذه الصورة ، نحو التعجب في مثل : «ما أحسن زيدا» ، ألا ترى أنّه لا مصدر له وأنّه لا يتصرف ، وقد سلم الخصم مع ذلك أنّه فعل لقيام الدليل عليه ، وسنذكر ذلك في موضعه.

وأمّا كونها ليست على وزن الفعل في اللفظ ، فإنّه يحتمل أن تكون مخففة من «فعل» ، فتكون في الأصل «ليس» ، نحو : «صيد البعير» (١) ، و «فعل» قد تخفف فيقال : «فعل» ، قال الشاعر [من الرجز] :

٢٤٢ ـ لو شهد عادا في زمان عاد

لابتزّها مبارك الجلاد

والتزم فيها التخفيف لثقل الكسرة في الياء ، ولا يمكن أن تكون «فعل» في الأصل لأنّ «فعل» لا يخفّف ، ولا «فعل» بضمّ العين ، لأنّ «فعل» لا يبنى ممّا عليه ياء.

فإن قيل : وما الذي يدلّ على أنّها فعل؟ فالجواب : إنّ الذي يدلّ على ذلك لحاق

______________________

(١) أي أصابه الصيد ، وهو داء يصيب عنق البعير.

٢٤٢ ـ التخريج : الرجز بلا نسبة في الكتاب ٣ / ٢٥١.

اللغة : ابتزها : سلبها. مبارك الجلاد : وسط الحرب ومعظمها ، وأصل الكلام : لابتزها من مبارك الجلاد ، فحذف حرف الجر وأوصل الفعل إلى الاسم بنفسه.

الإعراب : «لو» : حرف شرط غير جازم. «شهد» : فعل ماض مبني على الفتحة والفاعل «هو». «عاد» : مفعول به منصوب بالفتحة. «من زمان» : جار ومجرور متعلقان بالفعل «شهد». «عاد» : مضاف إليه مجرور بالكسرة. «لابتزها» : اللام واقعة في جواب الشرط ، «ابتزها» : فعل ماض و «ها» : مفعول به والفاعل «هو». «مبارك» : اسم منصوب بنزع الخافض والتقدير : «من مبارك». «الجلاد» : مضاف إليه.

وجملة «لو شهد لابتزها» الشرطية : ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة «ابتزها» : جواب شرط غير جازم لا محل لها من الإعراب.

والشاهد فيه قوله : «شهد» حيث خفّف الفعل لثقل كسرة عين فعل ، والأصل : شهد.

٣٦٢

علامة التأنيث لها على حدّ ما تلحق الفعل ، أعني أنّها تثبت مع المؤنث وتسقط مع المذكر ، نحو : «ليس زيد قائما» ، و «ليست هند قائمة» ، كما تقول : «قام زيد» ، و «قامت هند» ، وليس لحاق علامة التأنيث الحرف كذلك ، بل تلحق مع المؤنّث والمذكر ، نحو : «قام زيد ثمّة عمرو ثمّة هند».

ويدلّ على ذلك أيضا اتصال ضمائر الرفع بها ، نحو : «ليسا» ، أو «ليسوا» ، ولو كانت حرفا لم يكن ذلك فيها ، لأنّ الحرف إنّما يتصل به ضمير الخفض أو النصب ، نحو : إنّك وإنّه وبك وبه ، فثبت أنّها فعل وهو مذهب سيبويه ، وقد نصّ على ذلك في مواضع من كتابه.

[٢ ـ حكمها] :

وهذه الأفعال كلها داخلة على المبتدأ والخبر ، فما كان مبتدأ كان اسمها ، إلا اسم الشرط ، واسم الاستفهام ، و «كم» الخبرية ، و «ما» التعجبية ، و «ايمن الله» في القسم. أما «ايمن الله» ، فإنّها لا تتصرف بل التزم فيها الرفع على الابتداء. وأمّا «ما» التعجبية ، واسم الشرط ، واسم الاستفهام ، و «كم» الخبرية فلها صدر الكلام ، وجعلها اسما لهذه الأفعال يخرجها عمّا وجب لها من الصدرية.

وما كان خبر مبتدأ كان خبرا لها إلّا الجملة غير المحتملة للصدق والكذب ، فإنّها لا تكون أخبارا ، لهذه الأفعال ، فلا تقول : «كان زيد هل ضربته»؟ ولا «أصبح زيد اضربه» ، ولا «أصبح زيد لعلّه قائم» ، لمناقضة معناها هذه الأفعال. وذلك أنّ الجملة غير المحتملة للصدق والكذب مقتضاها الطلب ، والطلب واقع وقت التلّفظ بها ، وهذه الأفعال تدلّ على المضيّ أو الاستقبال ، فلا يمكن لذلك أن تجعل أخبارا لهذه الأفعال. فأمّا قوله [من الوافر] :

٢٤٣ ـ ألا يا أمّ فارع لا تلومي

على شيء رفعت به سماعي

وكوني بالمكارم ذكّريني

ودلّي دلّ ماجدة صناع

______________________

٢٤٣ ـ التخريج : البيتان لبعض بني نهشل في خزانة الأدب ٩ / ٢٦٦ ، ٢٦٧ ؛ ونوادر أبي زيد ص ٣٠ ، ٥٨ ؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب ١٠ / ٢٤٦ ؛ والدرر ٢ / ٥٤ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ١ / ٣٨٩ ؛ ـ

٣٦٣

ثم جعل «الذكرني» في موضع خبر «كوني» ، فإنّ ذلك من وضع الأمر موضع الخبر ، كأنه قال : «تذكريني» ، فيكون قوله تعالى : (فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا) (١). أي : فيمدّ ، ولذلك قلّ مجيئه لأن مع الأمر مرفوع الخبر لا يكثر ولا يقاس عليه.

واختلف هي مرفوع الماضي بغير «قد» موقع أخبار هذه الأفعال إذا كانت ماضية ، فمنهم من منعه في جميع هذه الأفعال إلا في «ليس» فإنّه يجوز ذلك فيها باتفاق إجراء لها مجرى ما حكى سيبويه : «ليس خلق الله مثله».

واحتجّ صاحب هذا المذهب بأنّ الفعل الذي يقع خبرا إذا كان ماضيا لم يحتج معه إلى «كان» وأخواتها ، لأنّها إنّما دخلت على الجملة لتدلّ على الزمان ، فإذا كان الخبر يعطي الزمان لم يحتج إليها ، وكان ذكرها فضلا ، ألا ترى أنك إذا قلت : «زيد قام» ، كان المفهوم منه ومن : «كان زيد قام» واحدا ، فإن جاء شيء من ذلك فهو عنده على إضمار «قد» ، لأنّها تقرّب الماضي من الحال ، فإذا قلت : «كان زيد قد قام» ، فكأنّك قلت : «كان زيد يقوم».

والصحيح عندي أنّ هذه الأفعال تنقسم ثلاثة أقسام : قسم يجوز ذلك فيه باتفاق وهو «ليس» ، وقسم يمتنع فيه وهو «ما زال» ، و «ما انفك» ، و «ما فتىء» ، و «ما برح»

______________________

ـ وشرح شواهد المغني ٢ / ٩١٤ ؛ وهمع الهوامع ١ / ١١٣.

اللغة : دلي : تدللي من الدلال. صناع : الماهرة في الأعمال اليدوية.

المعنى : شجعيني على المكارم وعمل المعروف ، ومن ثم تدللي ما شئت ، دلال الشريفة الماجدة ، الماهرة في العمل.

الإعراب : ... وكوني : «الواو» : حرف عطف ، «كوني» : فعل أمر ناقص مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة ، و «الياء» : ضمير متصل في محل رفع اسمها. بالمكارم : جار ومجرور متعلقان بالفعل ذكريني. ذكريني : فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة و «النون» : للوقاية ، و «الياء» : ضمير متصل في محل نصب مفعول به ، و «الياء» الأولى في محل رفع فاعل. ودلي : «الواو» : عاطفة ، «دلي» : فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة ، و «الياء» : ضمير متصل في محل رفع فاعل. دل : مفعول مطلق منصوب وهو مضاف. ماجدة : مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة. صناع : صفة مجرورة بالكسرة الظاهرة.

وجملة «وكوني» : معطوفة على جملة «لا تلومي» الاستئنافية. وجملة «ذكريني» : في محل نصب خبر «كان». وجملة «دلي» : معطوفة على جملة كوني لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : (كوني بالمكارم ذكريني) إذ جاء خبر كوني جملة إنشائية ، طلبية.

(١) مريم : ٧٥.

٣٦٤

و «ما دام» ، وذلك أنّ هذه الأفعال تعطي الدوام على الفعل واتصاله بزمن الإخبار والأفعال الماضية تعطي الانقطاع فتدافعها. وكذلك «جاء» و «قعد» لأنّهما لا يستعملان إلّا حيث سمعا لأنّهما جريا مجرى المثل.

وما بقي فيه خلاف ، فمنهم من منع لما ذكرنا ومنهم من أجاز. حجة المجيز أنّك إذا قلت : «أصبح زيد قام» ، و «أمسى زيد خرج» أعطى من المعنى ما لم يعط «زيد قام» ، و «زيد خرج» ، ألا ترى أنّ «قام» و «خرج» لا يعطيان أكثر من المضيّ ، و «أمسى» و «أصبح» يعطيان المضيّ مع «أنّ» ذلك في مساء وصباح وكذلك سائر أخواتها إلا «كان» فإنّها لا تعطي معنى زائدا أكثر من التأكيد. والتأكيد في كلامهم كثير ، وهو أولى من إضمار حروف المعاني لقلّة ذلك في كلامهم.

وأيضا فإنّ ذلك قد كثر في كلامهم نثرا ونظما ، قال الشاعر [من الطويل] :

٢٤٤ ـ وكنّا حسبناهم فوارس كهمس

حيوا بعد ما ماتوا من الدّهر أعصرا

______________________

٢٤٤ ـ التخريج : البيت لمودود العنبري في شرح أبيات سيبويه ٢ / ٤٣٤ ؛ ولأبي حزابة الوليد بن حنيفة في شرح شواهد الإيضاح ص ٦٣٤ ؛ وشرح شواهد الشافية ص ٣٦٣ ؛ ولسان العرب ١٤ / ٢١٨ (حيا) ؛ ولمودود أو لأبي خرابة في لسان العرب ٦ / ١٩٩ (كهمس) ؛ وبلا نسبة في شرح شافية ابن الحاجب ٣ / ١١٦ ؛ وشرح المفصل ١٠ / ١١٦ ؛ والكتاب ٤ / ٣٩٦ ؛ ولسان العرب ١٥ / ١١٤ (عيا) ؛ والمقتضب ١ / ١٨٢ ؛ والممتع في التصريف ٢ / ٥٧٩ ؛ والمنصف ٢ / ١٩٠.

اللغة : كهمس : اسم فارس من قوّاد الخوارج. الأعصر : جمع عصر وهو اليوم ، والليلة ، والدهر.

المعنى : لقد حسبنا الفوارس القادمة إلينا فرسانا بقيادة (كهمس) ، وقد عادوا للحياة بعد ما ماتوا من زمن طويل.

الإعراب : وكنا : «الواو» : حسب ما قبلها ، «كنا» : فعل ماض ناقص ، و «نا» : ضمير متصل في محلّ رفع اسم (كان). حسبناهم : فعل ماض مبني على السكون ، و «نا» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل ، و «هم» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به أوّل. فوارس : مفعول به ثان منصوب بالفتحة. كهمس : مضاف إليه مجرور بالكسرة. حيوا : فعل ماض مبني على الضم ، و «الواو» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل ، و «الألف» : للتفريق. بعد ما : مفعول فيه ظرف زمان منصوب بالفتحة ، متعلق بالفعل (حيوا) ، و «ما» : حرف مصدري. ماتوا : فعل ماض مبني على الضم ، و «الواو» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل ، و «الألف» : للتفريق. من الدهر : جار ومجرور متعلّقان بصفة (أعصرا) المحذوفة. أعصرا : مفعول فيه ظرف زمان منصوب بالفتحة ، و «الألف» : للإطلاق ، والمصدر. المؤول من (ما) والفعل (ماتوا) مضاف إليه.

وجملة «كنا حسبناهم» : حسب ما قبلها. وجملة «حسبناهم» : في محلّ نصب خبر (كان). وجملة ـ

٣٦٥

فجعل «حسبناهم» في موضع خبر «كنّا». وقال زهير [من الطويل] :

٢٤٥ ـ وكان طوى كشحا على مستكنّة

فلا هو أبداها ولم يتجمجم

فجعل «طوى» خبرا لـ «كان». وقال النابغة [من البسيط] :

٢٤٦ ـ أمست خلاء وأمسى أهلها احتملوا

أخنى عليها الذي أخنى على لبد

______________________

ـ «حيوا» : في محلّ نصب حال. وجملة «ماتوا» : صلة الموصول الحرفي لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «وكنا حسبناهم» حيث جاء الفعل (حسب) مع مفعولية في محلّ نصب خبر (كان).

٢٤٥ ـ التخريج : البيت لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص ٢٢ ؛ وخزانة الأدب ٣ / ١٤ ؛ والدرز ٢ / ٢٣٦ ؛ وشرح شواهد المغني ١ / ٣٨٥ ؛ ولسان العرب ٢ / ٥٧٢ (كشح) ، ١٣ / ٣٦١ (كنن) ، ٣٦٨ (كون) ؛ وبلا نسبة في همع الهوامع ١ / ١٤٨.

اللغة : طوى : أخفى. الكشح : الخاصرة ، ما بين السّرة ووسط الظهر. مستكنّة : مضمرة. لم يتجمجم : لم يتراجع عمّا أضمره.

المعنى : أخفى حصين بن ضمضم نيته على الأخذ بثأر أخيه ، فلم يظهرها ولم يتراجع عنها.

الإعراب : وكان : «الواو» : بحسب ما قبلها ، «كان» : فعل ماض ناقص ، و «اسمه» : ضمير مستتر تقديره (هو). طوى : فعل ماض مبني على الفتح المقدّر على الألف ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). كشحا : مفعول به منصوب بالفتحة. على مستكنة : جار ومجرور متعلّقان بـ (طوى). فلا : «الفاء» : حرف عطف ، «لا» : نافية. هو : ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ. أبداها : فعل ماض مبني على الفتح المقدّر على الألف ، و «ها» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). ولم : «الواو» : حرف عطف ، «لم» : حرف جزم وقلب ونفي. يتجمجم : فعل مضارع مجزوم ، وحرّك بالكسرة لضرورة القافية.

وجملة «كان طوى» : بحسب الواو. وجملة «طوى» : في محلّ نصب خبر كان. وجملة «هو أبداها» : معطوفة على جملة «كان». وجملة «أبداها» : في محلّ رفع خبر لـ (هو). وجملة «لم يتجمجّم» : معطوفة على جملة «أبداها» في محلّ رفع خبر.

والشاهد فيه قوله : «وكان طوى» حيث جاء الفعل (طوى) في محلّ نصب خبر (كان).

٢٤٦ ـ التخريج : البيت للنابغة الذبياني في ديوانه ص ١٦ ؛ وجمهرة اللغة ص ١٠٥٧ ؛ وخزانة الأدب ٤ / ٥ ؛ والدرر ٢ / ٥٧ ؛ ولسان العرب ٣ / ٣٨٦ (لبد) ، ١٤ / ٢٤٥ (خنا) ؛ وبلا نسبة في شرح الأشموني ١ / ١١١ ؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٢١٠ ؛ وهمع الهوامع ١ / ١١٤.

اللغة : أمست خلاء : أي أصبحت مقفرة خالية من الإنس. احتملوا : ارتحلوا. أخنى عليها : أتى عليها وأفسدها. لبد : اسم نسر ، زعموا أنّه آخر نسور لقمان السبعة ، وقد عاش طويلا.

المعنى : يقول : إنّ ديار ميّة قد أمست خرابا وخالية من أهلها ، وقد عبث بها الدهر وأتى عليها كما أتى على لبد. ـ

٣٦٦

فجعل «احتملوا» خبرا لـ «أمسى» ، وقال [من الطويل] :

٢٤٧ ـ وكنّا ورثناه على عهد تبّع

طويلا سواريه شديدا دعائمه

فجعل «ورثناه» خبر «كنّا» ، وحكى الكسائي عن بعض العرب : «أصبحت نظرت إلى

______________________

ـ الإعراب : أمست : فعل ماض ناقص ، والتاء للتأنيث. واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره : «هي». خلاء : خبر «أمسى» منصوب بالفتحة. وأمسى : الواو حرف عطف ، «أمسى» : فعل ماض ناقص. أهلها : اسم «أمسى» مرفوع بالضمّة ، وهو مضاف ، و «ها» ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. احتملوا : فعل ماض مبنيّ على الضمّ ، والواو : ضمير متّصل مبنيّ في محلّ رفع فاعل. أخنى : فعل ماض مبنيّ على الفتحة المقدّرة على الألف للتعذّر. عليها : «على» : حرف جرّ ، و «ها» : ضمير في محلّ جرّ بحرف الجرّ. والجار والمجرور متعلّقان بـ «أخنى». الذي : اسم موصول مبنيّ في محل رفع فاعل. أخنى : فعل ماض مبنيّ على الفتحة المقدّرة للتعذّر. وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره «هو». على : حرف جرّ. لبد : اسم مجرور بالكسرة. والجار والمجرور متعلّقان بالفعل «أخنى».

وجملة : «أمست خلاء ...» ابتدائيّة لا محل لها من الإعراب. وجملة «أمسى أهلها احتملوا» معطوفة على جملة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «احتملوا» في محلّ نصب خبر «أمسى». وجملة «أخنى عليها» استئنافية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «أخنى على لبد» صلة الموصول لا محلّ لها من الإعراب.

الشاهد فيه قوله : «أمسى أهلها احتملوا» حيث جاء الفعل «احتملوا» في محل نصب خبر «أمسى».

٢٤٧ ـ التخريج : البيت للفرزدق في ديوانه ٢ / ٢٠٧ ؛ وشرح شواهد الإيضاح ص ٣٤٤ ؛ وشرح أبيات سيبويه ١ / ٤٩٢ ؛ والكتاب ٢ / ٤٤ ؛ ولسان العرب ١٣ / ٣٦٨ (كون).

اللغة : تبع : مفرد تبابعة وهم ملوك حمير قديما. السواري : مفرد سارية وهي الأسطوانة من حجارة أو آجر تركز عليها البنود والرايات.

المعنى : لقد ورثنا المجد والعزّ منذ أيام تبّع ، وكان عزّا متين الدعائم عالي الرايات.

الإعراب : وكنا : «الواو» : للعطف ، «كنا» : فعل ماض ناقص ، و «نا» : ضمير متصل في محلّ رفع اسم (كان). ورثناه : فعل ماض مبني على السكون ، و «نا» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل ، و «الهاء» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به. على عهد : جار ومجرور متعلّقان بـ (ورثناه). تبع : مضاف إليه مجرور بالكسرة. طويلا : حال (المجد) المذكور ضميرا في (ورثناه) منصوبة بالفتحة. سواريه : فاعل (طويلا) مرفوع بضمّة مقدّرة على الياء ، و «الهاء» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. شديدا : حال ثانية منصوبة بالفتحة. دعائمه : فاعل (شديدا) مرفوع بالضمّة ، و «الهاء» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة.

وجملة «وكنّا ورثناه» : معطوفة على جملة «وما زال ...» في البيت السابق ، لا محلّ لها. وجملة «ورثناه» : في محلّ نصب خبر (كان).

والشاهد فيه قوله : «وكنا ورثناه» حيث جاء بالفعل (ورثناه) في محلّ نصب خبر (كان).

٣٦٧

ذات التنانير» (١) ، يعني ناقته ، فجعل «نظرت» خبر «أصبحت» ، وقال تعالى : (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ. وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ) (٢). فجعل «قدّ» في الموضعين خبر «كان».

ومن اعتذر عن هذا بأن قال : إنّ الذي سوّغ ذلك دخول أداة الشرط على «كان» لأنّها تخلّصه للاستقبال ، فكأنّه قال : إن يكن قميصه قدّ من قبل ، فاعتذاره باطل ، لأنّ «كان» هنا ماضية لفظا ومعنى ، ألا ترى أنّ ما كان من ذلك قد ثبت واستقرّ.

وسنبيّن كيف دخلت أداة الشرط على «كان» ولم تنقل معناها للاستقبال ، والخلاف الذي في ذلك في بابه إن شاء الله تعالى.

[٣ ـ تصرّفها] :

وأفعال هذا الباب كلّها تتصرف فيستعمل منها الماضي ، والمستقبل ، والأمر ، واسم الفاعل إلّا «ليس» ، و «ما دام» ، و «قعد» ، و «جاء».

أما «قعد» و «جاء» فإنّهما لا يستعملان من هذا الباب إلّا في الموضعين المذكورين وهما : «ما جاءت حاجتك» ، و «شحذ شفرته حتى قعدت كأنّها حربة». فجريا لذلك مجرى المثل ، والأمثال لا تغيّر عما وضعت له.

وأما قولهم : «قعد زيد يتهكّم بعرض فلان» ، فإن أبا الفتح جعل «قعد» فيه زائدة ، وكأنّه قال : «زيد يتهكّم بعرض فلان» ، إذ لا يراد هنا القعود الذي هو ضدّ القيام ، ولا يتصوّر أن يكون «قعد» هنا بمعنى «صار» لأنّها لا تستعمل كذلك إلا في «قعدت كأنّها حربة» ، وهو كالمثل فلا ينبغي أن يستعمل بذلك المعنى في غيره.

وزعم ابن ملكون أنّها بمعنى «صار» ، وذلك باطل لما ذكرناه من أنّ ما ثبت في المثل خاصة لا ينبغي أن يستعمل في غيره.

وأما «ليس» فإنّها لم تتصرّف لتمكّن شبه الحرف فيها حتى قال بعض النحويين إنّها حرف. ألا ترى أنّها لا مصدر لها في موضع من المواضع وأنّها مثل «ما» في النفي ، وفي

______________________

(١) ذات التنانير : اسم موضع.

(٢) يوسف : ٢٦ ـ ٢٧.

٣٦٨

أنّها تدخل على المحتمل فتخلّصه للحال فتقول : «ليس زيد يقوم» ، كما تقول : «ما زيد يقوم» ، فتكون في الموضعين بمعنى الحال ، و «ما» لا تتصرف فكذلك «ليس». وكذلك أشبهت أيضا «ليت» في أنّها على وزنها في اللفظ وفارقت أوزان الأفعال ، فكما أنّ «ليت» لا تتصرّف فكذلك «ليس».

وأما «ما دام» فإنّها لا تتصرّف لأنّها في معنى ما لا ينصرف ، وذلك أنّك إذا قلت : «أفعل هذا ما دام زيد قائما» ، كان المعنى مثل قولك : «أفعل هذا إن دام زيد قائما». ألا ترى أنّ الفعل المتقدم معلّق على وجود الدوام في الموضعين ، فلّما كانت في معنى شرط قد تقدّم ما يدلّ على جوابه لم تكن إلّا بصيغة الماضي ، لأنّ الفعل إن كان كذلك إنّما تكون صيغته للماضي. تقول العرب : «أنت ظالم إن فعلت» ، ولا تقول : «أنت ظالم إن تفعل».

وما بقي من الأفعال فهو متصرّف يستعمل منه الماضي والمستقبل واسم الفاعل ، تقول : كان يكون فهو كائن ، وأصبح يصبح فهو مصبح ، وزال يزال فهو زائل ، وحكى الكسائي : يزيل ، في مضارع «زال» فتقول : «ما يزيل زيد يفعل كذا» ، وهو قليل جدا. وكذلك سائر أخواتها.

واختلف في اسم المفعول من هذه الأفعال ، فمن الناس من أجازه ومنهم من منعه ، فممّن منعه الفارسي ، فحجّته أنّ مفعولا لا يبنى إلا من فعل يجوز ردّه لما لم يسمّ فاعله ، فلا يقال عنده : مكون ، كما لا يقال : «كين» ، وامتنع عنده ما كان لما لم يسمّ فاعله ، لأنّك لو حذفت المرفوع كما تحذف الفاعل وتقيم مقامه الخبر المنصوب كما تقيم المفعول لأدّى ذلك إلى بقاء ما أصله الخبر دون مبتدأ ، لا في اللفظ ولا في التقدير ، وذلك غير جائز ، لأنّ الخبر لا بد له من المخبر عنه.

وممن أجاز ذلك الفراء والسيرافي وسيبويه.

أما الفراء فأجاز ذلك لأنّه يجيز : «كين قائم» ، تشبيها بـ «ضرب عمرو» ، لأنّ المرفوع كالفاعل والمنصوب في هذا الباب كالمفعول ، فعامل الفعل في هذا الباب معاملة ما أشبهه ، وقد تقدّم الاستدلال على فساد ذلك.

وأما السيرافي فأجاز ذلك على أن يحذف الاسم ويحذف بحذفه الخبر ، إذ لا يتصوّر

جمل الزجاجي / ج ١ / م ٢٤

٣٦٩

حذف المخبر عنه لفظا وتقديرا وإبقاء الخبر ، ثم تقيم ضمير الحدث مقام المحذوف ، فيقال : «كين». وهذا الذي ذهب إليه فاسد ، لأنّ هذه الأفعال قد رفض إحداثها ، فليس لها إذن حدث يقوم مقام المحذوف. وأما سيبويه فأجاز أن يقال : «مكون» ، ولم يبيّن على أيّ وجه ذلك ، لكنه يتخرّج ذلك ـ عندي ـ على أن يحذف المخبر عنه ويحذف بحذفه الخبر. ثم يقام ظرف أو مجرور ـ إن كان في الكلام ـ مقام المحذوف ، فتقول على هذا : «كين في الدار» ، و «الدار مكون فيها» ، أي : مكون فيها أمر أو قصة ، أي : واقع.

وكذلك ما بقي من الأفعال المتصرّفة ، أعني أنّه يجوز بناء اسم المفعول منها على هذا الوجه.

[٤ ـ دلالتها على معنى الحدث] :

وفي هذه الأفعال الناقصة خلاف بين النحويين ، هل تدلّ على معنى الحدث أم لا؟ فمنهم من ذهب إلى أنّها ليست بمأخوذة من حدث وإنّما هي لمجرّد الزمان ، ولذلك لم يلفظ لها بمصدر ، لا يقال : «كان زيد قائما كونا» ، ولا «أمسى عبد الله ضاحكا إمساء» ، وكذلك سائر أخواتها.

والصحيح أنّها مشتقة من أحداث لم ينطق بها. وقد تقرّر من كلامهم أنّهم يستعملون الفروع ويهملون الأصول.

والذي حمل على ادعاء مصادر لهذه الأفعال التي قد رفض النطق بها أنّها أفعال فينبغي أن تكون بمنزلة سائر الأفعال في أنّها مأخوذة من حدث. ومما يدلّ على أنّ في هذه الأفعال معنى الحدث أمرهم بها ، وبناء اسم الفاعل منها ، نحو : «كن قائما» ، و «أنا كائن منطلقا» ، والأمر لا يتصور بالزمان ، وكذلك لا يبنى اسم الفاعل من الزمان.

فإن قيل : لا تدلّ على معنى الحدث إذ قد رفض النطق به ، فالجواب : إنّ الخبر الذي عوّض منه يقوم في الدلالة على حركة الفاعل.

[٥ ـ أقسامها من حيث دخول أداة النفي عليها] :

وهذه الأفعال تنقسم ثلاثة أقسام ، قسم لا تدخل عليه أداة النفي وهي : «جاءت» ،

٣٧٠

و «قعدت» ، و «ليس» ، و «ما دام».

أما «جاء» ، و «قعد» فإنّهما لا يستعملان إلّا كما سمعا لما تقدّم من أنّ الكلام الذي استعملتا فيه جرى مجرى المثل ، فلا يغيّر عما وضع له.

وأما «ليس» فلأنّها للنفي فكرهوا لذلك دخول أداة النفي عليها.

وأما «ما دام» فلأنّها دخلت عليها «ما» المصدريّة ، و «ما» المصدريّة لا تدخل عليها أداة النفي لأنّها تتقدّر مع ما بعدها بالمصدر وهو مفرد ، و «ما» النافية لا تدخل إلّا على جملة لا على مفرد.

وقسم يلزم أداة النفي إمّا ملفوظا بها وإمّا مقدّرة ، وهي «ما زال» ، و «ما انفك» ، و «ما فتىء» ، فلا تقول : «زال زيد قائما» ، ولا «انفكّ عبد الله خارجا» ، ولا «فتىء محمّد ضاحكا» ، وأنت تريد الإيجاب ، فإن قدّرت فيه حرف نفي محذوفا لم يجز ذلك إلّا في ضرورة شعر ، نحو قوله [من الطويل] :

٢٤٨ ـ لعمر أبي عفراء زالت عزيزة

على قومها ما فتّل الزند قادح

يريد : ما زالت عزيزة. ولا يجوز حذف حرف النفي قياسا إلّا إذا كان الفعل مضارعا

______________________

٢٤٨ ـ التخريج : البيت لتميم بن مقبل في ملحق ديوانه ص ٣٥٨ ؛ وبلا نسبة في تذكرة النحاة ص ٢٨٧ ؛ وخزانة الأدب ٩ / ٢٣٧ ، ٢٣٨ ، ٢٣٩ ، ٢٤٣ ، ١٠ / ١٠٠ ، ١٠١ ؛ والدرر ٦ / ٢١٧ ؛ وشرح شواهد المغني ص ٨٢٠ ؛ والمقرب ١ / ٩٤ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ١٥٦.

اللغة : أبي عفراء : والد فتاة تدعى عفراء. الزند : الخشبة العليا التي تحك لقدح النار.

المعنى : أقسم بحياة والد عفراء إن ابنته ما زالت عزيزة على مر الزمان.

الإعراب : لعمر : «اللام» : حرف ابتداء وقسم ، «عمر» : مبتدأ مرفوع. أبي : مضاف إليه مجرور بالياء لأنه من الأسماء الستة. والخبر محذوف تقديره قسمي. عفراء : مضاف إليه مجرور وعلامة جره الفتحة لأنه ممنوع من الصرف. زالت : فعل ماض ناقص مبني على الفتح ، وتاء التأنيث لا محل لها ، واسم (زال) ضمير مستتر تقديره هي. عزيزة : خبر (زال) منصوب بالفتحة. على قومها : جار ومجرور متعلقان بـ «عزيزة». ما : حرف مصدري زماني. فتّل : فعل ماض مبني على الفتح. والمصدر المؤول من «ما» وما بعدها في محل نصب على الظرفية الزمانية. الزند : مفعول به منصوب بالفتحة. قادح : فاعل مؤخر مرفوع بالضمة.

وجملة «لعمر أبي عفراء قسمي» : ابتدائية لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «زالت عزيزة» حيث حذف حرف النفي ، ضرورة.

٣٧١

في جواب قسم ، نحو قوله تعالى : (تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ) (١). أي لا تفتأ. وأما قوله [من المسنرح] :

٢٤٩ ـ ولا أراها تزال ظالمة

تحدث لي قرحة وتنكؤها

فـ «أراها» اعتراض بين «لا» و «تزال» ، والمعنى : ولا تزال ظالمة فيما أرى.

وأما «برح» فالغالب عليها أن تكون بمعنى «زال» ، وقد تستعمل بغير أداة نفي لا ملفوظة ولا مقدرة. وذلك قليل جدا ، فمن كلامهم : «برح الخفاء» ، أي : زال الخفاء. وقال الشاعر [من الوافر] :

٢٥٠ ـ وأبرح ما أدام الله قومي

بحمد الله منتطقا مجيدا

______________________

(١) يوسف : ٨٥.

٢٤٩ ـ التخريج : البيت لابن هرمة في ديوانه ص ٥٦ ؛ وخزانة الأدب ٩ / ٢٣٧ ؛ والدرر ٢ / ٤٧ ؛ وشرح شواهد المغني ص ٨٢٠ ، ٨٢٦ ؛ وبلا نسبة في همع الهوامع ١ / ١١١ ، ٢٤٨.

اللغة : القرحة : الجرح في المعدة. نكأ : أي قشر الجرح أو فتحه ثانية.

المعنى : تصد ثم ترجع ، وعودها كالمصيبة ، إذ ما تلبث جراح نفسي أن تبرأ حتى تعود ، فتنزف من جديد.

الإعراب : ولا : «الواو» : بحسب ما قبلها ، «لا» : نافية. أراها : «أرى» : فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف للتعذر ، و «ها» : ضمير متصل في محل نصب مفعول به ، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنا. تزال : فعل مضارع ناقص مرفوع ، واسمها ضمير مستتر جوازا تقديره هي. ظالمة : خبرها منصوب بالفتحة الظاهرة. تحدث : فعل مضارع مرفوع بالفتحة الظاهرة والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هي. لي : جار ومجرور متعلقان بالفعل تحدث. قرحة : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. وتنكؤها : «الواو» : عاطفة ، «تنكؤها» : فعل مضارع مرفوع بالفتحة الظاهرة ، و «ها» : ضمير متصل في محل نصب مفعول به ، و «الفاعل» : ضمير مستتر جوازا تقديره هي.

وجملة «ولا تزال ظالمة» : بحسب الواو. وجملة «أراها» : اعتراضية لا محلّ لها. وجملة «تحدث قرحة» : في محل نصب خبر ثان للفعل (تزال). وجملة «تنكؤها» : معطوفة في محل نصب.

والشاهد فيه قوله : «ـ أراها ـ» إذ وقعت الجملة الفعلية معترضة بين لا ومنفيها.

٢٥٠ ـ التخريج : البيت لخداش بن زهير في لسان العرب ١٠ / ٣٥٤ ، ٣٥٥ (نطق) ؛ والمقاصد النحوية ٢ / ٦٤ ؛ وبلا نسبة في تذكرة النحاة ص ٦١٩ ؛ وجمهرة اللغة ص ٢٧٥ ؛ وخزانة الأدب ٩ / ٢٣٤ ؛ والدرر ٢ / ٤٦ ؛ وشرح الأشموني ١ / ١١٠ ؛ والمقرب ١ / ٩٤ ؛ وهمع الهوامع ١ / ١١١.

اللغة : أدام : أبقى. منتطقا الفرس : جعله إلى جانبه ، وقيل : منتطقا : ناطقا.

المعنى : يقول : إنّه ما دام حيّا سيبقى فارسا مغوارا ، ناطقا باسم قومه ، معدّدا مآثرهم التي لا تحصى. ـ

٣٧٢

أي : أزال عن أن أكون صاحب نطاق وصاحب جواد ما أدام الله قومي. وما عدا ذلك من أفعال هذا الباب يستعمل موجبا ومنفيّا.

[٦ ـ أقسامها من ناحية تقديم أخبارها عليها] :

وهذه الأفعال تنقسم بالنظر إلى تقديم أخبارها عليها ثلاثة أقسام : قسم اتفق النحويون على جواز تقديم خبره عليه ، وقسم اتفق النحويون على امتناع تقديم خبره عليه ، وقسم فيه خلاف ، فمنهم من أجاز تقديم خبره عليه ، ومنهم من منع.

فالذي لا يجوز تقديم خبره عليه «ما دام» ، و «قعد» ؛ أما «ما دام» فلأنّ «ما» مصدرية فهي من قبيل الموصولات ولا تتقدّم الصلة على الموصول ، فلا يجوز أن تقول : «أقوم قائما ما دام زيد» ، تريد : أقوم ما دام زيد قائما.

وأمّا «قعد» فلأنّها لم تستعمل إلا في كلام جرى مجرى المثل فلا يغيّر عما استعمل عليه من تأخير الخبر ، وذلك : «شحذ شفرته حتى قعدت كأنّها حربة».

والذي فيه خلاف «ليس» ، و «ما زال» ، و «ما انفك» ، و «ما فتىء» ، و «ما برح». فالمانع من تقديم خبر «ليس» أنّ من كان مذهبه فيها أنّها حرف استدل بأنّ معمول الحرف لم يقدّم على الحرف في موضع من المواضع ، وأنّ من كان مذهبه أنّها فعل استدلّ بأنّ الفعل إذا لم يتصرّف في نفسه لم يتصرّف في معموله ، دليل ذلك في التعجب : «ما أحسن زيدا»! لا يجوز : «زيدا ما أحسن» ، ولا «ما زيدا أحسن» ، والذي يجيز التقديم احتجّ بالسماع ، ولو لا

______________________

ـ الإعراب : «وأبرح» : الواو بحسب ما قبلها ، «أبرح» : فعل ماض ناقص ، واسمه ضمير مستتر تقديره «أنا». «ما» : حرف مصدري. «أدام» : فعل ماض. «الله» : اسم الجلالة فاعل مرفوع بالضمّة. «قومي» : مفعول به منصوب ، وهو مضاف ، والياء ضمير متّصل في محلّ جرّ بالإضافة. والمصدر المؤول من «ما» وما بعدها في محل نصب مفعول فيه ظرف زمان متعلق بـ «أبرح». «بحمد» : جار ومجرور متعلّقان بـ «أبرح» ، أو بفعل محذوف تقديره : «أحمد بحمد» ، أو بـ «منتطقا» ، وهو مضاف. «الله» : اسم الجلالة ، مضاف إليه مجرور. «منتطقا» : خبر «أبرح». «مجيدا» : خبر ثان لـ «أبرح» أو مفعول به لـ «منتطقا» حسب المعنى الأوّل ، والأصل فيه : صفة لموصوف محذوف تقديره : «لا أبرح جانبا فرسا مجيدا».

وجملة : «أبرح ...» بحسب ما قبلها. وجملة : «أدام ...» صلة الموصول الحرفي لا محل لها من الإعراب.

الشاهد فيه قوله : «وأبرح» حيث أورده بدون نفي أو شبه نفي ، وهذا شاذّ لأنّه غير مسبوق بقسم.

٣٧٣

ذلك لم يجز تقديمه. والذي يدلّ على ذلك من السماع قوله تعالى : (أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ) (١). ألا ترى أنّ «يوم يأتيهم» منصوب بخبر «ليس» الذي هو «مصروف» ، وقد تقدّم عليه ، وتقديم المعمول يؤذن بتقديم العامل ، فتقديم «يوم» يؤذن بتقديم «مصروفا» ، فثبت بهذا أنّ تقديم خبر «ليس» جائز.

والمانع من تقديم خبر «ما زال» ، و «ما انفك» ، و «ما فتىء» ، و «ما برح» ، أنّها أفعال قد نفيت بـ «ما» والأفعال إذا نفيت بـ «ما» لم يتقدّم معمولها عليها. والذي يجيز التقديم حجته أنّها وإن كانت منفية في اللفظ فإنّها موجبة في المعنى ، فكما أنّ الفعل إذا كان موجبا يتقدّم معموله عليه ، فكذلك هنا. وأيضا فإنّ حرف النفي قد تنزّل من هذه الأفعال منزلة الجزء من الكلمة ، فكأنّه قد صار حرفا من حروف هذه الأفعال ، فكأنّك لم تدخل على الفعل شيئا يمنع من تقديم المعمول.

وهذا كلّه لا حجة فيه ، لأنّ العرب إنّما تلحظ لفظ «ما» لا معناها في معنى التقديم. ألا ترى أنّك تقول : «ما ضربت غير زيد» ، ولا تقول : «غير زيد ما ضربت» ، وإن كان الضرب في حقّ زيد موجبا ، وكذلك «ما ضرب زيدا إلا عمرو» ، لا يجوز أن تقول : «زيدا ما ضرب إلّا عمرو» ، وأما لزوم النفي لهذه الأفعال فهو مقوّ لمنع التقديم لأنّ المانع إذا كان غير لازم ، كان أضعف منه إذا كان لازما.

فالصحيح إذن منع تقديم معمول هذه الأفعال.

والذي يجوز تقديم خبره باتفاق ما بقي من الأفعال إذا لم يدخل عليه حرف من حروف المصدر ، نحو : «كان» ، و «أمسى» ، و «أصبح».

[٧ ـ أقسام الأفعال التي يجوز تقديم أخبارها عليها] :

والأفعال التي ثبت أنه يجوز تقديم أخبارها عليها تنقسم ثلاثة أقسام : قسم عرض له ما أوجب فيه تقديم الخبر على الفعل ، وقسم عرض له ما أوجب فيه تأخيره ، وقسم أنت فيه بالخيار.

______________________

(١) هود : ٨.

٣٧٤

فالقسم الذي عرض له ما أوجب فيه تقديم الخبر هو أن يكون الخبر اسم شرط ، أو ما أضيف إليه ، أو اسم استفهام ، أو ما أضيف إليه ، أو «كم» الخبرية ، وذلك قولك : «أيّ رجل كنت»؟ و «غلام أيّهم كنت»؟ و «من تكن أكن» ، و «مثل من تكن أكن» ، و «كم غلام كان غلمانك».

والقسم الذي عرض له ما أوجب فيه تأخير الخبر أن يكون الفعل قد دخل عليه حرف من حروف الصدور وهي أدوات الشرط كلها وأدوات الاستفهام كلها و «ما» النافية ولام التأكيد ، وذلك نحو قولك : «هل كان زيد قائما» ، و «ما كان زيد خارجا» ، و «إن كان زيد قائما قام عمرو» ، و «ليكوننّ زيد قائما». ولا يجوز أن تقول : «قائما هل كان زيد»؟ أو «خارجا ما كان عمرو» ، ولا «قائما إن كان زيد قام عمرو» ، ولا «قائما ليكوننّ زيد».

أو يقع الفعل صلة موصول أو صفة لموصوف ، فإنّه لا يقدّم على الموصول ولا على الموصوف ، وذلك نحو : «يعجبني أن يكون زيد قائما» ، و «يعجبني رجل يكون قائما» ، لا يجوز أن تقول : «يعجبني قائما أن يكون زيد» ، ولا «يعجبني قائما يكون رجل» ، لأنّ الصلة والصفة لا يتقدم شيء منها على الموصول ولا على الموصوف.

وأما تقديم الخبر على الفعل بينه وبين حرف الصدر ، أو بينه وبين حرف الموصول أو الموصوف ، فإنّ ذلك يجوز إلّا أن يكون حرف الصدر أداة شرط ، أو لام تأكيد ، أو يكون الموصول حرفا ، فإنّ ذلك لا يجوز ، وذلك نحو : «إن كان زيد قائما قام عمرو» ، و «ليكوننّ زيد قائما» ، و «يعجبني أن يكون زيد قائما» ، لا يجوز أن تقول : «إن قائما كان زيد قام عمرو» ، ولا «لقائما يكونّن زيد» ، ولا «يعجبني أن قائما يكون زيد» ، لأن هذه الحروف لا يليها إلّا الفعل.

وقد يجوز ذلك في أداة الشرط في ضرورة الشعر ، وسنبيّن ذلك في بابه إن شاء الله تعالى.

وكذلك أيضا لا يجوز تقديم الخبر إذا كان ضميرا متّصلا أو مقرونا بـ «إلّا» أو في معنى المقرون بـ «إلّا» ، وذلك نحو : «كانك زيد» و «لن يكون زيد إلّا قائما» ، و «إنّما كان زيد قائما» ، لا يجوز أن تقول : «ككان زيد» ، ولا «إلّا قائما أن يكون زيد» ، ولا «قائما إنّما كان زيد».

٣٧٥

وما عدا ذلك فأنت فيه بالخيار إن شئت قدّمته ، وإن شئت أخّرته ، نحو : «كان زيد قائما» ، وإن شئت قلت : «قائما كان زيد».

[٨ ـ أقسام الخبر بالنسبة إلى تقديمه على الاسم] :

والخبر ينقسم بالنظر إلى تقديمه على الاسم في هذا الباب ثلاثة أقسام : قسم يلزم تقديمه ، وقسم يلزم تأخيره عنه ، وقسم أنت فيه بالخيار.

فالقسم الذي يلزم تقديمه على الاسم أن يكون الخبر ضميرا متصلا والاسم ظاهرا ، نحو : «كانك زيد» ، أو يكون الخبر ظرفا أو مجرورا والاسم نكرة لا مسوغ للإخبار عنها إلا كون الظرف والمجرور متقدمين عليها ، أو يكون الاسم مقرونا بـ «إلّا» ، نحو : «ما كان قائما إلّا زيد» ، أو في معنى المقرون بـ «إلّا» ، نحو : «إنّما كان قائما زيد» ، تريد : ما كان قائما إلّا زيد.

والقسم الذي يلزم تأخيره أن يكون الخبر ضميرا متصلا والاسم كذلك ، نحو : «كنتك» ، أي : كنت مثلك ، أو يكون الخبر مقرونا بـ «إلّا» ، نحو : «ما كان زيد إلّا قائما» ، أو في معنى المقرون بـ «إلّا» ، نحو : «إنّما كان زيد قائما» ، تريد «ما كان زيد إلّا قائما» ، أو لا يكون في الكلام فارق بين الاسم والخبر ، نحو : «كان هذا هذا».

واختلف في الخبر إذا كان فعلا فاعله مضمر ، هل يجوز تقديمه أو لا ، نحو : «كان يقوم زيد» ، على أن يكون «يقوم» في موضع الخبر. فمنهم من منع قياسا على المبتدأ والخبر ، فكما لا يجوز أن يقال : «يقوم زيد» ، على أن يكون «يقوم» خبرا مقدّما فكذلك هنا ، لأنّ أفعال هذا الباب داخلة على المبتدأ والخبر.

ومنهم من أجاز ، وحجته أنّ المانع من ذلك في باب المبتدأ والخبر كون الفعل المتقدم عاملا لفظيّا ، والابتداء عامل معنويّ ، والعامل اللفظيّ أقوى من العامل المعنويّ ، وأما «كان» وأخواتها فعوامل لفظيّة. فإذا تقدم الفعل على الاسم بعد هذه الأفعال لم يكن إعمالها فيه لازما لأنّ العرب إذا قدّمت عاملين لفظيين قبل معمول ربّما أعملت الأول وربما أعملت الثاني ، كما كان ذلك في باب الإعمال. والصحيح إذن جواز تقديم الخبر على الاسم.

٣٧٦

والقسم الذي أنت فيه بالخيار ما بقي ، نحو : «كان زيد قائما» ، و «كان قائما زيد».

[٩ ـ تقديم معمول الخبر] :

وإذا كان للخبر معمول ، وأردت تقديمه ، فلا يخلو أن تقدّمه على الاسم أو على الفعل ، فإن قدّمته على الاسم جاز إن كان المعمول ظرفا أو مجرورا لاتساع العرب فيهما ، فتقول : «كان في الدار زيد قائما» ، و «كان يوم الجمعة زيد خارجا» ، فإن كان المعمول غير ظرف أو مجرور ، فلا يخلو أن تقدّمه على الاسم مع الخبر أو وحده ، فإن قدّمته وحده لم يجز لأنّك تولي الفعل ما ليس بمعمول له ، وتترك معموله. وقد تجنّبت العرب مثل هذا في المعاني كما تجنّبته في الألفاظ ، قال الشاعر [من الطويل] :

٢٥١ ـ كمرضعة أولاد أخرى وضيّعت

بني بطنها هذا الضّلال عن القصد

فكما سمّت هذا النحو ضلالا كذلك تجنبته في الألفاظ ، فإن جاء من ذلك شيء في الشعر كان ضرورة يحفظ ولا يقاس عليه ، قال الشاعر [من الطويل] :

٢٥٢ ـ قنافذ هدّاجون حول بيوتهم

بما كان إيّاهم عطيّة عوّدا

______________________

٢٥١ ـ التخريج : البيت للعديل بن الفرخ العجلي في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٧٣٦.

اللغة : بني بطنها : أولادها ؛ ويقال إن الذئبة تترك ولدها وترضع ولد الضبع. القصد : الغاية والهدف.

المعنى : إنها كمن ترضع أولاد أخرى وتترك أولادها يهلكون ، أليس هذا خطأ في الهدف؟!

الإعراب : كمرضعة : جار ومجرور متعلّقان بما قبلهما. أولاد : مفعول به منصوب لـ (مرضعة). أخرى : مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدّرة على الألف. وضيعت : «الواو» : حالية ، «ضيعت» : فعل ماض مبني على الفتح ، و «التاء» : للتأنيث ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هي). بني : مفعول به منصوب بالياء لأنه ملحق بجمع المذكّر السالم. بطنها : مضاف إليه مجرور بالكسرة ، و «ها» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. هذا : اسم إشارة في محلّ رفع مبتدأ. الضلال : خبر مرفوع بالضمّة. عن القصد : جار ومجرور متعلّقان بالخبر.

وجملة «ضيعت» : في محل نصب حال. وجملة «هذا الضلال» : استئنافية لا محلّ لها.

والشّاهد فيه قوله : «كمرضعة أولاد» حيث عملت (مرضعة) في (أولاد) ولم يكن ثمّة تقديم.

٢٥٢ ـ التخريج : البيت للفرزدق في ديوانه ١ / ١٨١ ؛ وتخليص الشواهد ص ٢٤٥ ؛ وخزانة الأدب ٩ / ٢٦٨ ، ٢٦٩ ؛ والدرر ٢ / ٧١ ؛ وشرح التصريح ١ / ١٩٠ ؛ والمقاصد النحويّة ٢ / ٢٤ ؛ والمقتضب ٤ / ١٠١ ؛ وبلا نسبة في شرح ابن عقيل ص ١٤٤ ؛ ومغني اللبيب ٢ / ٦١٠ ؛ وهمع الهوامع ١ / ١١٨.

شرح المفردات : القنافذ : ج القنفذ ، وهو حيوان صغير ، أعلاه مغطّى بريش حاد يقي به نفسه ، يخرج ـ

٣٧٧

فأولى «كان إيّاهم» وهو معمول «عوّد» ، فإن قيل : فلعلّ في «كان» ضمير الأمر والشأن و «عطية» مرفوع على الابتداء و «عوّد» في موضع الخبر ، وقدّمت معمول الخبر على المبتدأ ، وتكون على ذلك قد أوليت «كان» اسمها الذي هو الضمير ، فالجواب : إنّ ذلك يؤدّي إلى ما لا يجوز ، وذلك أنّ خبر المبتدأ لا يتقدّم معموله على المبتدأ إذا كان فعلا ، وقد تقدّم الاستدلال على ذلك في باب الاشتغال.

وإن قدّمته مع الخبر ، امتنع عند بعض النحويين لإيلائك الفعل ما ليس باسم له ولا خبر ، وذلك نحو قولك : «كان طعامك آكلا زيد».

والذي يجيز حجّته أنّ المعمول من كمال الخبر وكالجزء منه ، فأنت إذا إنّما أوليتها الخبر ، وهو الصحيح.

فإن قدّمت معمول الخبر قبل هذه الأفعال ، فلا يخلو أن تقدّمه وحده ، أو مع الخبر ، فإن قدّمته مع الخبر ، جاز في كل موضع يجوز فيه تقديم الخبر ، وذلك نحو : «في الدار قائما كان زيد» ، فإن قدّمته وحده لم يجز كان ظرفا أو مجرورا أو غير ذلك ، فلا تقول : «في الدار كان زيد قائما» ، ولا «يوم الجمعة كان زيد منطلقا» ، ولا «طعامك كان زيد آكلا» ، لكثرة الفصل بين المعمول الذي هو صلة الخبر والعامل الذي هو الخبر.

______________________

ـ من مخبأه ليلا ، يضرب به المثل في السرى فيقال : أسرى من القنفذ. هدّاجون : ج هدّاج ، وهو صيغة مبالغة من هدج يهدج هدجا ، وهدج الرجل : مشى بارتعاش. عطيّة : أبو جرير الشاعر.

المعنى : يقول : إنّ قوم جرير كالقنافذ يسيرون في الليل طلبا للفحشاء وضروب الرجس كما عوّدهم عطيّة والد جرير.

الإعراب : «قنافذ» : خبر لمبتدأ محذوف تقديره : «هم». «هدّاجون» : نعت «قنافذ» مرفوع بالواو لأنّه جمع مذكر سالم. «حول» : ظرف مكان متعلّق بـ «هدّاجون» ، وهو مضاف. «بيوتهم» : مضاف إليه مجرور ، وهو مضاف ، و «هم» : في محلّ جرّ بالإضافة. «بما» : جار ومجرور متعلّقان بـ «هداجون». «كان» : فعل ماض ناقص. «إياهم» : ضمير منفصل في محلّ نصب مفعول به مقدّم لـ «عوّد». «عطيّة» : اسم «كان» مرفوع. «عوّدا» : فعل ماض ، والألف للإطلاق ، وفاعله ... «هو».

وجملة : «... قنافذ» ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «كان إياهم ...» صلة الموصول لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «عوّدا» في محلّ نصب خبر «كان».

الشاهد : قوله : «بما كان إيّاهم عطيّة عوّدا» حيث قدّم الشاعر معمول خبر «كان» ، وهو «إيّاهم» على اسمها ، وهو «عطيّة» مع تأخير الخبر ، وهو جملة «عوّد» عن الاسم أيضا. هذا ما أجازه الكوفيون ، ومنعه البصريون.

٣٧٨

وأما أهل الكوفة فلا يجيزون : «كان قائما زيد» ، ولا «قائما كان زيد» على أن يكون في «قائم» ضمير يعود على اسم «كان» المؤخّر ويكون «قائما» خبرا مقدّما ، لأنّ ضمير الرفع عندهم لا يتقدّم على ما يعود عليه أصلا ، ويجوز عند أهل البصرة لأنّ المضمر مرفوع بما النية به التأخير ، والمضمر إذا كانت النية فيه التأخير عن الظاهر جاز تقديمه عليه ، وسنبيّن ذلك في بابه إن شاء الله تعالى. ولكنهم أجازوا تقديم «قائما» على «زيد» على أن يكون «قائما» خبر «كان» ، و «زيد» مرفوع به واسم «كان» ضمير الأمر والشأن ولا يثنى «قائما» لرفعه الظاهر.

هذا مذهب الكسائي ومن أخذ بمذهبه ، وهو باطل عندنا ، لأنّ ضمير الأمر والشأن لا يفسّر إلّا بجملة والاسم الرافع للظاهر هنا ليس بجملة.

وأجازه الفراء على أن يكون «قائما» خبر «كان» و «زيد» مرفوع بـ «كان» و «قائم» ، و «قائم» لا يثنى عنده لرفع الظاهر مع أنّه يتقدّر بالفعل ، ألا ترى أنّك تقول : «كان يقوم زيد وكان قيام زيد» ، ليكون في معنى «كان قائما زيد». وهذا فاسد لأنّه لا يجوز إعمال عاملين في معمول واحد ، وسيقام الدليل على ذلك في باب الإعمال إن شاء الله تعالى.

وكذلك أجاز الكسائي أن تقول : «قائما كان زيد» ، على أن يكون «قائما» خبرا مقدّما وقد رفع الظاهر ، و «زيد» مرفوع به وفي «كان» ضمير الأمر والشأن ولا يثني «قائم» لرفعه الظاهر كما كان يفعل ذلك مع التوسّط.

وأما الفراء فإنّ حكمه عنده مع التقديم حكمه مع التوسط إلّا أنه يثنّي «قائما» ويجمعه ، لأنّه لا يسوغ في محله الفعل ، فلا تقول : «قام كان زيد» ، ولا «يقوم كان زيد» ، وهو فاسد عندنا لما تقدّم.

فإن جعلت «قائما» وأشباهه خلفا لموصوف ، جاز عندهم أن يكون خبرا مقدّما ومتوسّطا ، ويكون فيه إذ ذاك ضمير يعود على الموصوف ، وتثنّيه إذ ذاك وتجمعه ، فتقول : «قائما كان زيد» ، و «كان قائما زيد» ، والتقدير : «رجلا قائما كان زيد» ، و «كان رجلا قائما زيد».

وهذا الذي ذهبوا إليه لا يجوز عندنا إلّا أن تكون الصفة خاصة ، فإن لم تكن خاصة لم تجز إقامتها مقام الموصوف.

فإن اتصل بالخبر معمول وقدمته على الاسم أو الفعل ، فلا يخلو أن يكون المعمول قبل الخبر أو بعده ، فإن كان بعده ، نحو : «قائما في الدار كان زيد» ، و «كان قائما في الدار زيد» ، فإنّ الأمر فيه عندهم على ما كان عليه لو لم يكن له معمول ، فإن كان قبله ، نحو :

٣٧٩

«في الدار قائما كان زيد» ، و «كان في الدار قائما زيد» ، فإنّ الأمر عندهم على ما كان عليه إلّا أنّه لا يجوز أن يكون خلفا من الموصوف ؛ لأنّ الصفة إذا تقدمها معمولها لم يجز أن تخلف الموصوف عند الكسائي ، كان المعمول ظرفا أو غير ظرف. وأما الفراء فيفصّل ، فإن كان معمول الخبر ظرفا أو مجرورا أجاز أن تكون الصفة خلفا ، وإن كان غير ظرف ولا مجرور ، لم يجز أن تكون خلفا ، نحو : «طعامك آكلا كان زيد» ، و «كان طعامك آكلا زيد».

والصحيح عندنا في جميع ذلك أنّه خبر مقدم لم يخلف موصوفا يثنّى ويجمع. فإن قدّمت الخبر وأخّرت معموله ، فقلت : «آكلا كان زيد طعامك» ، فإنّ ذلك لا يجوز لفصلك بين العامل الذي هو «آكل» والمعمول الذي هو «طعامك» بأجنبيّ أعني بما ليس بمعمول لـ «آكل». وهذا الذي فعلوه هو بمقتضى مذهب البصريين إلّا أن تجعل «طعامك» مفعولا بفعل مضمر يفسره هذا الظاهر ، كأنك قلت بعد قولك : «آكلا كان زيد» : يأكل طعامك ، فإنه يجوز على كلّ مذهب.

فإن قلت : «كان كائنا زيد قائما» ، فإن الكسائي يجعل في «كان» ضمير أمر وشأن. و «كائنا» خبر «كان» ، و «زيد» اسم «كائن» ، و «قائما» خبر «كائن». والفراء يجعل «كائنا» خبر «كان» ، و «زيد» مرفوعا بـ «كان» ، و «كائن» على أنّه اسمهما ، و «قائما» خبر «كان» ، ويكون حكمه في التقديم والتأخير كحكم ما تقدم إلّا أنّه لا يجوز عندهم أن تقول : «كائن كان زيد قائما» ، فتفصل بين «كائن» وبين خبرها وهو «قائم» بأجنبيّ. ولا يجوز حمله على فعل مضمر يدل عليه «كائن» كما كان ذلك في «آكلا كان زيد طعامك» ، لأنّ «كائنا» ناقص لا يتم إلّا بخبره ، وإنّما يتصور قطع الاسم عن العامل الأول إذا كان مما يتم دونه.

ولا يجوز عند أهل الكوفة : «كان يقوم زيد» ، على أن يكون خبرا مقدما ، لأنّه لا يتصوّر أن يكون خلفا. لأنّ الفعل لا يخلف الموصوف ، فيلزم إذا جعل خبرا أن يكون فيه ضمير يعود على الاسم ، والضمير المرفوع لا يتقدم عندهم على ما يعود عليه ، فلا يجوز عندهم إلّا على ما قدمناه على مذاهبهم ، أعني كون زيد مرفوعا بـ «كان» و «يقوم» في موضع الخبر على مذهب الفراء ، أو يكون «زيد» مرفوعا بـ «يقوم» وفي «كان» ضمير الأمر والشأن و «يقوم» في موضع الخبر ، ولا يجوز عندهم تقديم «يقوم» على الفعل ، فتقول : «يقوم كان زيد» ، على وجه من الوجوه ، لأنّ هذه الأفعال لا يدخل عليها الفعل ، والظرف والمجرور جاريان مجرى الفعل لكونهما لا يخلفان الموصوف. فإن كان الخبر اسما لا

٣٨٠