شرح جمل الزجّاجى - ج ١

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »

شرح جمل الزجّاجى - ج ١

المؤلف:

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-2263-0
ISBN الدورة:
2-7451-2263-0

الصفحات: ٥٨٤

أو ضمائر خفض وباطل أن تكون ضمائر نصب لأن الحروف إذا اتصل بها ياء المتكلم وكانت في موضع نصب اتصل بها نون الوقاية ، نحو : إنني وليتني ، وإن أدى ذلك إلى اجتماع الأمثال جاز حذف نون الوقاية ، فقلت : «إنّي» وإن لم يؤدّ إلى ذلك لم يجز حذف نون الوقاية إلا في ضرورة ، نحو قوله [من الوافر] :

كمنية جابر إذ قال ليتي

أصادفه وأتلف بعض مالي (١)

فلو كانت الياء ضمير نصب لكان «لولاني» ، فثبت أنّ الياء في موضع خفض ، وإذا ثبت ذلك في الياء حملت الكاف والهاء في «لولاك» و «لولاه» على ذلك.

وزعم الأخفش أن الكاف والهاء والياء مما وقع فيه ضمير الخفض المتّصل موقع ضمير الرفع المنفصل كما وقع ضمير الرفع المنفصل موقع ضمير الخفض فيما حكاه من قولهم : «ما أنا كأنت ولا أنت كأنا».

وهذا الذي ذهب إليه الأخفش فاسد ، لأن وقوع الضمير المتصل موقع المنفصل لا يجوز إلّا في ضرورة شعر ، نحو قوله [من البسيط] :

وما علينا إذا ما كنت جارتنا

ألّا يجاورنا إلّاك ديّار (٢)

يريد : إلّا إيّاك ، فأوقع ضمير النصب المتصل موقع ضمير المنفصل. فإذا كان وضع المتصل موضع المنفصل قبيحا مع أنهما من قبيل واحد من جهة أنّهما للنصب ، فالأحرى إذا كانا من بابين مختلفين ، وذلك بأن يكون المتصل ضمير خفض والمنفصل الذي وقع موقعه في موضع رفع.

فإن قيل : فإن «لو لا» لم تعمل في المظهر شيئا ، فكيف ساغ لها أن تعمل في المضمر؟ فالجواب : إنّه قد يعمل العامل في بعض الأسماء دون بعض ، ألا ترى أن «لدن» تنصب «غدوة» ، تقول : «لدن غدوة» ، ولا يجوز ذلك فيها مع غيرها من أسماء الزمان. فإذا وجد العامل قد يعمل في بعض الظاهرات دون بعض مع أنّها من جنس واحد ، فالأحرى أن يعمل في المضمر ولا يعمل في المظهر ، إذ هما جنسان مختلفان.

______________________

(١) تقدم بالرقم ٢٩٦.

(٢) تقدم بالرقم ٢٦٩.

جمل الزجاجي / ج ١ / م ٣١

٤٨١

فدل ذلك على أن ما زعم من أنّ النحويين إنّما أخذوا ذلك من قوله :

وكم موطن لولاي ..........

البيت (١).

فاسد.

وهذه الحروف تنقسم بالنظر إلى ما تجره ثلاثة أقسام :

قسم لا يجرّ إلا المضمر وهو «لو لا» ، وقد تقدم الاستدلال على ذلك. وقسم لا يجرّ إلّا الظاهر ، وهو هاء التنبيه ، وهمزة الاستفهام ، وقطع ألف الوصل في القسم ، وواو القسم وتاؤه ، وواو «رب» ، وفاؤها ، ومنذ ، ومذ ، وحتّى ، وكاف التشبيه. وجميع هذه لا تجرّ إلّا المظهر ولا تجرّ المضمر إلّا الكاف و «حتى» فإنّهما سمع ذلك فيهما في ضرورة الشعر.

فمما جاء من ذلك في الكاف قوله [من الرجز] :

٣٢٨ ـ فلا أرى بعلا ولا حلائلا

كه ولا كهنّ إلّا حاظلا

______________________

ـ مبنيّ في محل جرّ بحرف الجرّ ، وقيل : في محلّ رفع مبتدأ وخبره محذوف. هذا : «ها» : للتنبيه ، «ذا» : اسم إشارة مبني ، في محل نصب مفعول فيه. العام : بدل من «ذا» منصوب بالفتحة. لم : حرف جزم. أحجج : فعل مضارع مجزوم بالسكون وحرّك بالكسر مراعاة للرويّ ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره «أنا».

وجملة «لولاك لم أحجج» تفسيرية لا محل لها.

الشاهد فيه قوله : «لولاك» حيث اتصلت الكاف بـ «لو لا» على خلاف ما زعم المبرد.

(١) تقدم بالرقم ٣٢٥.

٣٢٨ ـ التخريج : الرجز لرؤبة في ديوانه ص ١٢٨ ؛ وخزانة الأدب ١٠ / ١٩٥ ، ١٩٦ ؛ والدرر ٥ / ٢٦٨ ، ٤ / ١٥٢ ؛ وشرح أبيات سيبويه ٢ / ١٦٣ ؛ وشرح التصريح ٢ / ٤ ؛ والمقاصد النحوية ٣ / ٢٥٦ ؛ وللعجاج في الكتاب ٢ / ٣٨٤ ؛ وليس في ديوانه ؛ وبلا نسبة في جواهر الأدب ص ١٢٤ ؛ ورصف المباني ص ٢٠٤ ؛ وشرح الأشموني ٢ / ٢٨٦ ؛ وشرح ابن عقيل ص ٣٥٧ ؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٢٦٩ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ٣٠.

شرح المفردات : البعل : الزوج. الحلائل : ج الحليلة ، وهي الزوجة. حظله : منعه ، أو ضيّق عليه.

المعنى : يقول : ليس هناك زوج أو زوجات كحمار الوحش وأتنه ، وهو يضيّق عليهنّ ، ويحفظهنّ من كلّ عدوان. ـ

٤٨٢

وقول الآخر [من الرجز] :

٣٢٩ ـ [خلّى الذّنابات شمالا كثبا]

وأمّ أوعال كها أو أقربا

ومما جاء من ذلك في حتى قوله [من الوافر] :

٣٣٠ ـ فلا والله لا يلفي أناس

فتى حتّاك يا ابن أبي يزيد

______________________

ـ الإعراب : «فلا» : الفاء بحسب ما قبلها ، «لا» : حرف نفي. «أرى» : فعل مضارع مرفوع بالضمّة المقدّرة ، وفاعله ... وجوبا «أنا». «بعلا» : مفعول به منصوب. «ولا» : الواو حرف عطف ، «لا» : حرف نفي. «حلائلا» : معطوف على «بعلا» منصوب ، والألف للإطلاق. «كه» : جار ومجرور متعلّقان بمحذوف نعت لـ «بعل». «ولا» : الواو حرف عطف ، و «لا» : حرف نفي. «كهنّ» : جار ومجرور متعلّقان بمحذوف نعت «حلائل». «إلّا» : حرف حصر. «حاظلا» : مفعول به ثان منصوب ، أو حال إذا اعتبرت «أرى» بصريّة.

الشاهد فيه قوله : «كه» و «كهنّ» حيث جرّ الضمير بالكاف في الموضعين ، وذلك للضرورة الشعريّة.

٣٢٩ ـ التخريج : الرجز للعجّاج في ملحق ديوانه ٢ / ٢٦٩ ؛ وأوضح المسالك ٣ / ١٦ ؛ وجمهرة اللغة ص ٦١ ؛ وخزانة الأدب ١٠ / ١٩٥ ، ١٩٦ ؛ وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٩٥ ؛ وشرح شواهد الشافية ص ٣٤٥ ؛ والكتاب ٢ / ٣٨٤ ؛ ومعجم ما استعجم ص ٢١٢ ؛ والمقاصد النحويّة ٣ / ٢٥٣ ؛ وبلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٢٨٦ ؛ وشرح ابن عقيل ص ٣٥٦ ؛ وشرح المفصل ٨ / ١٦ ، ٤٢ ، ٤٤.

شرح المفردات : الذنابات : اسم موضع. شمالا : ناحية الشمال. كثبا : قريبا. أم أوعال : اسم هضبة. كها : مثلها.

المعنى : يقول واصفا حمار الوحش الذي هرب جاعلا الذنابات إلى شماله قريبا منه. وأمّ أوعال مثلها في البعد أو أقرب.

الإعراب : «خلّى» : فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره : «هو». «الذنابات» : مفعول به منصوب بالكسرة لأنّه جمع مؤنث سالم. «شمالا» : ظرف مكان منصوب متعلّق بـ «خلّى». «كثبا» : نعت «شمالا» منصوب. «وأم» : الواو حرف عطف ، «أم» : معطوف على «الذنابات» منصوب ، وهو مضاف «أوعال» : مضاف إليه مجرور. «كها» : جار ومجرور متعلّقان بحال محذوفة من «أم أوعال». ومنهم من روى «أم» بالرفع على أنّه مبتدأ ، والجار والمجرور متعلّقان بمحذوف خبر المبتدأ. «أو» : حرف عطف. «أقربا» : معطوف على الضمير المجرور محلّا بالكاف والألف للإطلاق. وإذا رويت «أمّ» بالرفع وجعلت الجار المجرور خبرا ، تكون «أقرب» مجرورة بفتحة بدلا من الكسرة لأنّها ممنوعة من الصرف للوصفية ووزن الفعل ، والألف للإطلاق ، وإن رويت بالنصب ، وجعلت الجار والمجرور حالا فتكون منصوبة بالفتحة.

الشاهد فيه قوله : «كها» حيث دخلت الكاف على الضمير ضرورة ، تشبيها بلفظ «مثل» ، لأنّها في معناها ؛ لأنّ من شأن الكاف أن تجرّ الاسم الظاهر أو الضمير المنفصل عند بعض النحاة. والذي حصل هنا هو ضرورة.

٣٣٠ ـ التخريج : البيت بلا نسبة في الجنى الداني ص ٥٤٤ ؛ وجواهر الأدب ص ٤٠٨ ؛ وخزانة الأدب ٩ / ٤٧٤ ، ٤٧٥ ؛ والدرر ٤ / ١١١ ؛ ورصف المباني ص ١٨٥ ؛ وشرح الأشموني ٢ / ٢٨٦ ؛ والمقاصد ـ

٤٨٣

وزعم المبرّد أنّ «لو لا» لا تجر الظاهر ولا المضمر وأنّ «لولاك» و «لولاي» و «لولاه» لحن ، وزعم أنّ الذي حمل النحويين على إجازة ذلك قول الشاعر [من الطويل] :

٣٢٥ ـ وكم موطن لولاي طحت كما هوى

بأجرامه من قلّة النيق منهوي

قال : وهذه القصيدة فيها لحن كثير ، ومن جملتها قوله : «ولولاي» ، فلا ينبغي أن يحتجّ بها.

وهذا الذي زعم أبو العباس باطل ، بل حكى النحويّون أن ذلك لغة العرب ، وأنشد

______________________

٣٢٥ ـ التخريج : البيت ليزيد بن الحكم في الأزهية ص ١٧١ ؛ وخزانة الأدب ٥ / ٣٣٦ ، ٣٣٧ ، ٣٤٢ ؛ والدرر ٤ / ١٧٥ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ص ٣٩٥ ؛ وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٠٢ ؛ وشرح المفصل ٣ / ١١٨ ، ٩ / ٢٣ ؛ والكتاب ٢ / ٣٧٤ ؛ ولسان العرب ١٢ / ٩٢ (جرم) ، ١٥ / ٣٧٠ (هوا) ؛ وبلا نسبة في الإنصاف ٢ / ٦٩١ ؛ والجنى الداني ص ٦٠٣ ؛ وجواهر الأدب ص ٣٩٧ ؛ وخزانة الأدب ١٠ / ٣٣٣ ؛ ورصف المباني ص ٢٩٥ ؛ وشرح الأشموني ٢ / ٢٨٥ ؛ ولسان العرب ١٥ / ٤٧٠ (إمّا لا) ؛ والممتع في التصريف ١ / ١٩١ ؛ والمنصف ١ / ٧٢.

اللغة : طحت : أهلكت. هوى : سقط. الأجرام : ج الجرم ، وهو الجسد. القنّة : الرأس. النيق : أعلى موضع في الجبل. المنهوي : الساقط.

المعنى : يعاتب الشاعر أحد أنسبائه بقوله : كم معركة كنت فيها منتصرا بفضل جهودي ، حيث كانت الأجساد تتساقط فيها كتساقط المنهوي.

الإعراب : «وكم» : الواو بحسب ما قبلها ، «كم» : الخبريّة في محلّ رفع مبتدأ ، وهو مضاف. «موطن» : مضاف إليه مجرور بالكسرة. والخبر محذوف تقديره : «كم موطن كنت فيه». «لو لا» : حرف جرّ أو حرف شرط غير جازم ، والياء ضمير في محلّ جرّ بحرف الجرّ (حسب رأي سيبويه) ، وفي محلّ رفع مبتدأ (حسب رأي الأخفش) ، وخبره محذوف وجوبا. «طحت» : فعل ماض ، والتاء ضمير في محلّ رفع فاعل. «كما» : الكاف اسم بمعنى «مثل» مبني في محل نصب مفعول مطلق ، «ما» : المصدريّة. «هوى» : فعل ماض. «بأجرامه» : جار ومجرور متعلّقان بـ «هوى» ، وهو مضاف ، والهاء ضمير متّصل مبنيّ في محلّ جرّ بالإضافة. «من قنّة» : جار ومجرور متعلّقان بـ «هوى» ، وهو مضاف. «النيق» ؛ مضاف إليه مجرور. «منهوي» : فاعل «هوى» مرفوع ، والياء للإطلاق. والمصدر المؤول من «ما» وما بعدها في محل جر بالإضافة.

وجملة : «كم موطن ...» بحسب ما قبلها. وجملة : «طحت» في محل جرّ نعت «موطن». وجملة : «هوى» صلة الموصول الحرفي لا محل لها من الإعراب.

الشاهد فيه قوله : «لولاي» حيث زعم المبرد أن هذا لحن لا يجوز ولا يقاس عليه.

٤٨٤

الفراء في ذلك [من الطويل] :

٣٢٦ ـ [أتطمع فينا من أراق دماءنا]

ولولاك لم يعرض لأحسابنا حسن

وأنشد أيضا [من السريع] :

٣٢٧ ـ [أومت بعينيها من الهودج]

لولاك هذا العام لم أحجج

______________________

٣٢٦ ـ التخريج : البيت بلا نسبة في الإنصاف ٢ / ٦٩٣ ؛ وجواهر الأدب ص ٣٩٧ ؛ وشرح الأشموني ٣ / ٢٨٥ ؛ وشرح المفصل ٣ / ١٢٠ ؛ ولسان العرب ١٥ / ٤٧٠ (إما لا).

اللغة : أراق : أسال ، سفك. الحسب : الشرف.

الإعراب : «أتطمع» : الهمزة للاستفهام ، «تطمع» : فعل مضارع مرفوع ، وفاعله ضمير مستتر تقديره «أنت». «فينا» : جار ومجرور متعلّقان بـ «تطمع». «من» : اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب مفعول به. «أراق» : فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : «هو». «دماءنا» : مفعول به ، وهو مضاف ، و «نا» : ضمير متّصل مبنيّ في محلّ جرّ بالإضافة. «ولولاك» : الواو حرف استئناف ، «لو لا» : حرف جرّ ، أو حرف شرط غير جازم ، والكاف في محلّ جرّ بحرف الجرّ (حسب رأي سيبويه) ، وفي محلّ رفع مبتدأ (حسب رأي الأخفش) وخبره محذوف وجوبا. «لم» : حرف جزم. «يعرض» : فعل مضارع مجزوم بالسكون. «لأحسابنا» : جار ومجرور متعلّقان بـ «يعرض» ، وهو مضاف ، و «نا» : ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. «حسن» : فاعل مرفوع بالضمّة وسكّن للضرورة.

وجملة : «أتطمع ...» ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة : «أراق ...» صلة الموصول لا محلّ لها من الإعراب. وجملة : «لولاك لم يعرض» الشرطية استئنافية. وجملة : «لم يعرض» جواب شرط غير جازم ، إذا اعتبرنا «لو لا» شرطية ، أو استئنافيّة لا محلّ لها من الإعراب إذا اعتبرنا «لو لا» جارة.

الشاهد فيه قوله : «لولاك» حيث اتّصلت الكاف بـ «لو لا» : على خلاف ما زعم المبرّد.

٣٢٧ ـ التخريج : البيت لعمر بن أبي ربيعة في ملحق ديوانه ص ٤٨٧ ؛ وخزانة الأدب ٥ / ٣٣٣ ، ٣٣٥ ، ٣٣٩ ، ٣٤٠ ، ٣٤٢ ؛ وكتاب الصناعتين ص ١١٤ ؛ وللعرجي في الدرر ٤ / ١٧٦ ؛ وبلا نسبة في الإنصاف ص ٦٩٣ ؛ والمقاصد النحوية ٣ / ٢٦٤ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ٣٣.

اللغة : شرح المفردات : أومت : أومأت أي أشارت. الهودج : مركب للنساء يوضع على ظهر البعير.

المعنى : يقول : أشارت إليّ بعينيها من الهودج ، تدعوني إلى لقائها ، مدّعية بأنّها لو لا هذا اللقاء لما خرجت إلى الحجّ.

الإعراب : أومت : فعل ماض مبنيّ على الفتحة ، والتاء للتأنيث ، وفاعله ضمير مستتر فيه جاء تقديره «هي». بعينيها : الباء حرف جرّ ، «بعينيها» : اسم مجرور بالياء لأنّه مثنّى وهو مضاف ، و «ها» : ضمير متّصل مبنيّ في محلّ جرّ بالإضافة. والجار والمجرور متعلّقان بالفعل «أومت». من : حرف جرّ. الهودج اسم مجرور بالكسرة ، والجار والمجرور متعلّقان بالفعل «أومت». لولاك : حرف جرّ ، والكاف ضمير متصل

٤٨٥

فأما هاء التنبيه ، وهمزة الاستفهام ، وقطع ألف الوصل ، وواو القسم ، وتاؤه ، فاستغنوا عن جرّها للمضمر بباء القسم ، نحو : بك وبه وبي ، لأن الباء في معناها. وأما «حتّاك» ، و «حتّاه» ، و «حتّاي» ، فاستغنوا عنها بإليه وإليك وإليّ ، لأنّها في معناها. وأما واو «ربّ» وفاؤها ، فاستغنوا عن جرها للمضمر بـ «ربّ» ، وكذلك «مذ» و «منذ» لأنّهما في معنى «من» ، أو في معنى «أول» أو في معنى «أمد» ، نحو : «مذ يومنا» ، أي : في يومنا ، و «مذ يوم الجمعة» ، أي : أول ذلك يوم الجمعة ، و «مذ يومان» ، أي : أمد ذلك يومان.

وأما «كه» ، و «كك» ، و «كي» فاستغنوا عن ذلك بـ «مثله» و «مثلك» و «مثلي».

وقسم يجرّ الظاهر والمضمر وهو ما بقي بعد من حروف الجر بعد إخراج ما يجر المضمر منها خاصة ، وما يجر الظاهر خاصة.

والحروف التي تجرّ الظاهر وحده أو مع المضمر تنقسم قسمين : قسم يجرّ كل ظاهر ، وقسم يجرّ بعض الظاهرات دون بعض.

فالذي يجرّ بعض الظاهرات دون بعض : هاء التنبيه ، وهمزة الاستفهام ، وقطع ألف الوصل ، وتاء القسم ، ولامه ، و «من» في القسم ، والميم المضمومة والمكسورة ، و «ربّ» ، وواوها ، وفاؤها.

أما هاء التنبيه ، وهمزة الاستفهام ، وقطع ألف الوصل ، وتاء القسم ، فإنّها لا تجرّ إلّا اسم الله تعالى ، وذلك أنّها لا تجرّ إلّا بحق العوضية.

أما التاء فعوض من الواو المبدلة من الباء ، فلم تتصرّف لذلك ، بل اقتصروا بها على

______________________

ـ النحوية ٣ / ٢٦٥ ؛ والمقرب ١ / ١٩٤ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ٢٣.

اللغة : يلفي : يجد.

الإعراب : «فلا» : الفاء بحسب ما قبلها ، «لا» : زائدة. «والله» : الواو واو القسم ، حرف جرّ ، «الله» : لفظ الجلالة ، مجرور ، وفعل القسم محذوف وجوبا. «لا» : حرف نفي. «يلفى» : فعل مضارع للمجهول مرفوع. «أناس» : نائب فاعل مرفوع بال ضمّة. «فتى» : مفعول به. «حتاك» : جار ومجرور متعلّقان بـ «يلفي». «يا» : حرف نداء. «ابن» : منادى مضاف منصوب. «أبي» : مضاف إليه مجرور بالياء لأنه من الأسماء الستّة ، وهو مضاف. «زياد» : مضاف إليه.

وجملة القسم : «أقسم والله» ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة : «لا يلفي ..» جواب القسم لا محل لها من الإعراب. وجملة النداء : «يا ابن أبي ...» استئنافية لا محل لها.

الشاهد فيه قوله : «حتّاك» حيث جرّت «حتى» الضمير ، وهذا ضرورة.

٤٨٦

اسم الله تعالى ، وقد حكي دخولها على «الرب» ، قالوا : «تربّ الكعبة لأفعلن كذا» ، وذلك قليل جدا. وأما سائرها فإنّها بدل من باء القسم ، فلم تتصرف لذلك أيضا. وأما «من» فلا تجرّ إلّا «الربّ» ، وكذلك الميم المضمومة والمكسورة لا تجرّان إلا اسم الله تعالى. والسبب في ذلك أنّهما لم يتمكّنا في الجر لكونهما لم يستعملا إلّا في القسم. وأما «ربّ» وفاؤها ، وواوها ، فلا تجرّ إلّا النكرة.

وسبب ذلك أن المفرد بعدها في معنى «جميع» ، ولا يكون المفرد في معنى «جميع» إلّا نكرة. وأما إذا كان معرفة ، فلا يجوز ذلك فيه إلّا في ضرورة شعر ، نحو قوله [من الرجز] :

لا تنكروا الفضل وقد سبينا

في حلقكم عظم وقد شجينا (١)

يريد : في حلوقكم.

وما عدا ذلك من حروف الجر تجرّ كل ظاهر.

[٣ ـ أقسام حروف الجر] :

وحروف الجرّ أيضا تنقسم أربعة أقسام : قسم لا يستعمل إلّا حرفا ، وقسم يستعمل حرفا واسما ، وقسم يستعمل حرفا وفعلا ، وقسم يستعمل حرفا واسما وفعلا.

فالذي يستعمل حرفا واسما «مذ» ، و «منذ» ، و «عن» ؛ أما «مذ» ، و «منذ» فيكونان اسمين إذا ارتفع ما بعدهما ، ويكونان حرفين إذا انجر ما بعدهما ، على ما نبين في بابهما إن شاء الله تعالى. وأمّا «عن» فتكون اسما إذا دخل عليها حرف الخفض نحو قولهم : جلس من عن يمينه. قال الشاعر [من البسيط] :

٣٣١ ـ فقلت للرّكب لمّا أن علا بهم

من عن يمين الحبيّا نظرة قبل

______________________

(١) تقدم بالرقم : ٧.

٣٣١ ـ التخريج : البيت للقطامي في ديوانه ص ٢٨ ؛ وأدب الكاتب ص ٥٠٤ ؛ وشرح المفصل ٨ / ٤١ ؛ ولسان العرب ١٣ / ٢٩٥ (عنن) ، ١٤ / ١٦٣ (حبا) ؛ والمقاصد النحوية ٣ / ٢٩٧ ؛ وبلا نسبة في أسرار العربية ص ٥٥ ؛ والجنى الداني ص ٢٤٣ ؛ وجواهر الأدب ص ٣٢٢ ؛ ورصف المباني ص ٣٦٧ ؛ والمقرب ١ / ١٩٥.

اللغة : الركب : جماعة الراكبين المسافرين. الحبيّا : موضع بالشام. نظرة قبل : نظرة أولى لم تسبقها نظرة. ـ

٤٨٧

فدخول «من» على «عن» دليل على أنّها اسم ، إذ لا يجوز دخول حرف جرّ على حرف جرّ إلا إذا كان لفظهما واحدا ومعناهما ، فيكون أحدهما إذ ذاك تابعا للآخر ، نحو قوله [من الوافر] :

فلا والله لا يلفى لما بي

ولا للما بهم أبدا دواء (١)

فأدخل اللام الأولى على الثانية توكيدا لأن لفظهما ومعناهما واحد ، وقول الآخر [من الطويل] :

٣٣٢ ـ فأصبحن لا يسألنني عن بما به

أصعّد في علوّ الهوى أم تصوّبا

______________________

ـ المعنى : عند ما ارتفع الطريق بجماعة المسافرين عن يمين (الحبيّا) قلت لهم : هي نظرة أولى رأيتها فاسمحوا لي بالثانية.

الإعراب : فقلت : «الفاء» : بحسب ما قبلها ، «قلت» : فعل ماض مبني على السكون ، و «التاء» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. للركب : جار ومجرور متعلقان بـ (قلت). لما : مفعول فيه ظرف زمان مبني على السكون في محل نصب متعلق بالفعل (قلت). أن : زائدة. علا : فعل ماض مبني على الفتح المقدّر على الألف ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). بهم : جار ومجرور متعلّقان بـ (علا). من عن : جار ومجرور متعلّقان بـ (علا). يمين : مضاف إليه مجرور بالكسرة. الحبيّا : مضاف إليه مجرور بكسرة مقدّرة على الألف. نظرة : خبر لمبتدأ محذوف تقديره (هي) مرفوع بالضمّة. قبل : صفة (نظرة) مرفوعة بالضمّة.

وجملة «فقلت» : بحسب الفاء. وجملة «علا» : في محل جر بالإضافة. وجملة «هي نظرة» : في محلّ نصب مقول القول.

والشاهد فيه قوله : «من عن» حيث اعتبر (عن) اسما دخل عليه حرف الجرّ (من).

(١) تقدم بالرقم ١٦٦.

٣٣٢ ـ التخريج : البيت للأسود بن يعفر في ديوانه ص ٢١ ؛ وشرح التصريح ٢ / ١٣٠ ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ١٠٣ ؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب ٩ / ٥٢٧ ، ٥٢٩ ، ١١ / ١٤٢ ؛ والدرر ٤ / ١٠٥ ، ١٤٧ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ص ١٣٦ ؛ وشرح الأشموني ٢ / ٤١١ ؛ وشرح شواهد المغني ص ٧٧٤ ؛ ولسان العرب ٣ / ٢٥١ (صعد) ؛ ومغني اللبيب ص ٣٥٤ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ٢٢ ، ٣٠ ، ٧٨ ، ١٥٨.

شرح المفردات : صعّد : ارتفع. تصوّب : انحدر.

المعنى : يصف الشاعر نفسه بعد أن ضعفت همّته ووخطه الشيب بأنّ النساء لم يعدن يكترثن به ، ولا يسألته عمّا حلّ به سواء أشتدّ به الهوى أم خفت صوته.

الإعراب : «فأصبحن» : الفاء بحسب ما قبلها ، «أصبح» : فعل ماض ناقص ، و «النون» : ضمير متصل مبني ، في محل نصب اسم «أصبح». «لا» : حرف نفي. «يسألنني» : فعل مضارع مبنيّ على السكون ، والنون ضمير في محلّ رفع فاعل والنون الثانية : للوقاية ، والياء : ضمير في محلّ نصب مفعول به. «عن» : حرف جرّ. «بما» : الباء حرف جرّ توكيد لـ «عن». «ما» : اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ بحرف الجر ، والجار ـ

٤٨٨

فأدخل «عن» على الباء تأكيدا ، لأنه قد يقال : «سألت به» ، و «سألت عنه» في معنى واحد. نحو قوله [من الطويل] :

٣٣٣ ـ فإن تسألوني بالنّساء فإنّني

[خبير بأدواء النّساء طبيب]

يريد : عن النساء ، فلما دخلت من على «عن» وليست بمعناها ، علم أنّ «عن» اسم لأن حرف الجر لا موضع له من الإعراب ، فتبيّن أنّها اسم في موضع خفض بـ «من». وزعم

______________________

ـ والمجرور متعلّقان بـ «يسأل». «به» : جار ومجرور متعلقان بمحذوف صلة الموصول تقديره : استقرّ «أصعّد» : الهمزة للاستفهام ، «صعّد» : فعل ماض ، وفاعله «هو». «في علو» : جار ومجرور متعلّقان بـ «صعّد» ، وهو مضاف. «الهوى» : مضاف إليه. «أم» : حرف عطف. «تصوّبا» : ماض ، وفاعله «هو» ، والألف للإطلاق.

وجملة «أصبحن ...» بحسب ما قبلها. وجملة «لا يسألنني» في محلّ نصب خبر «أصبح». وجملة : «استقر به» صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. وجملة : «أصعّد» تفسيرية لا محل لها من الإعراب. وجملة «تصوب» معطوفة على الجملة السابقة.

الشاهد فيه قوله : «عن بما» حيث أكّد حرف الجرّ «عن» بإعادة لفظ مرادف له ، وهو الباء التي هي بمعنى «عن» والمتّصلة بـ «ما» الموصوليّة.

٣٣٣ ـ التخريج : البيت لعلقمة بن عبدة (الفحل) في ديوانه ص ٣٥ ؛ وأدب الكاتب ص ٥٠٨ ؛ والأزهية ص ٢٨٤ ؛ والجنى الداني ص ٤١ ؛ وحماسة البحتري ص ١٨١ ؛ والدرر ٤ / ١٠٥ ؛ والمقاصد النحوية ٣ / ١٦ ، ٤ / ١٠٥ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ٢٢ ؛ وبلا نسبة في جواهر الأدب ص ٤٩ ؛ ورصف المباني ص ١٤٤.

اللغة : أدواء : جمع داء وهو المرض والعيب.

المعنى : فإن شئتم سؤالي عن النساء ، فقد عرفتم من تسألون ، فأنا الخبير بعيوبهنّ ونواقصهنّ ، وأعرف كيف أداويها.

الإعراب : فإن : «الفاء» : بحسب ما قبلها ، «إن» : حرف شرط جازم. تسألوني : فعل مضارع مجزوم بحذف النون من آخره لأنه من الأفعال الخمسة ، و «النون» : للوقاية ، و «الواو» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به. بالنساء : جار ومجرور متعلّقان بـ (تسأل). فإنني : «الفاء» : رابطة لجواب الشرط ، «إن» : حرف مشبّه بالفعل ، و «النون» : للوقاية ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ نصب اسم (إنّ). خبير : خبر (إن) مرفوع بالضمّة. بأدواء : جار ومجرور متعلّقان بـ (خبير). النساء : مضاف إليه مجرور بالكسرة. طبيب : خبر ثان لـ (إن) مرفوع بالضمّة.

وجملة «إن وما دخلت عليه» : بحسب الفاء. وجملة «تسألوني» : فعل الشرط لا محلّ لها. وجملة «فإنني خبير» : في محلّ جزم جواب الشرط.

والشاهد فيه قوله : «تسألوني بالنساء» تمثيلا لمجيء (الباء) بمعنى (عن).

٤٨٩

أهل الكوفة أن «ربّ» تكون اسما ، واستدلّوا على ذلك بقول الشاعر [من الكامل] :

٣٣٤ ـ إن يقتلوك فإنّ قتلك لم يكن

عارا عليك وربّ قتل عار

فرفع «عار» على أنه خبر «ربّ» ، و «ربّ» مبتدأ. وهذا لا حجة فيه ، لأن الرواية الصحيحة : «وبعض قتل عار» ، وإن صحت رواية من روى : «وربّ قتل عار» ، لم يكن فيه حجة ، لأن «عار» يكون خبر ابتداء مضمر ، كأنه قال : هو عار. والجملة في موضع الصفة. ومما يدلّ على أن «عارا» في هذه الرواية إنّما ينبغي أن يحمل على ما ذكرناه أنّك لو جعلت «عارا» خبر «ربّ» لم يجز إبقاء المخفوض بـ «ربّ» بغير صفة ، وذلك لا يجوز لما يبيّن عند ذكر أحكام «ربّ».

وزعم أبو الحسن الأخفش أن الكاف تكون اسما في فصيح الكلام ، وذلك عندنا باطل ، ولا يجوز أن تكون اسما إلا في ضرورة شعر بدليل السماع والقياس.

أما السماع فلأنه لا يحفظ أن الكاف قد جاءت في نثر موجودا فيها أحكام الأسماء ،

______________________

٣٣٤ ـ التخريج : البيت لثابت بن قطنة في ديوانه ص ٤٩ ؛ والحماسة الشجريّة ١ / ٣٣٠ ؛ وخزانة الأدب ٩ / ٥٦٥ ، ٥٧٦ ، ٥٧٧ ؛ والدرر ٢ / ١٢ ؛ وشرح شواهد المغني ١ / ٨٩ ، ٣٩٣ ؛ والشعر والشعراء ٢ / ٦٣٥ ؛ وبلا نسبة في الأزهيّة ص ٢٦٠ ؛ وتخليص الشواهد ص ١٦٠ ؛ والجنى الداني ص ٤٣٩ ؛ وجواهر الأدب ص ٢٠٥ ، ٣٦٥ ؛ وخزانة الأدب ٩ / ٧٩ ؛ وشرح التصريح ٢ / ١١٢ ؛ والمقتضب ٣ / ٦٦ ؛ والمقرب ١ / ٢٢٠ ؛ وهمع الهوامع ١ / ٩٧ ، ٢ / ٢٥.

المعنى : لم ينتقص مقتلك من مقامك ، ولم يسبب لك ما تذمّ بسببه ، وبعض الميتات تسبب العار والمذمّة لصاحبها.

الإعراب : إن يقتلوك : «إن» : حرف شرط جازم ، «يقتلوك» : فعل مضارع مجزوم بحذف النون لأنه من الأفعال الخمسة ، و «الواو» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل ، و «الكاف» : ضمير متصل في محل نصب مفعول به. فإن : «الفاء» : واقعة في جواب الشرط ، «إنّ» : حرف مشبّه بالفعل. قتلك : اسم (إن) منصوب بالفتحة ، و «الكاف» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. لم يكن : «لم» : حرف جزم ونفي وقلب ، «يكن» : فعل مضارع ناقص مجزوم ، و «اسمه» : ضمير مستتر تقديره (هو). عارا : خبر (يكن) منصوب بالفتحة. عليك : جار ومجرور متعلّقان بالخبر (عارا). ورب : «الواو» : استئنافية ، «ربّ» : حرف جرّ شبيه بالزائد. قتل : مبتدأ مرفوع محلّا ، مجرور لفظا بـ (ربّ). عار : خبر (قتل) مرفوع بالضمّة.

وجملة «إن يقتلوك فإنّ قتلك لم يكن» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «يقتلوك» جملة الشرط غير الظرفي لا محل لها. وجملة «إن قتلك ...» : في محل جزم جواب الشرط. وجملة «لم يكن ...» : في محلّ رفع خبر (إنّ). وجملة «رب قتل عار» : استئنافية لا محلّ لها.

والشاهد فيه قوله : «ربّ قتل عار» حيث زعم الكوفيون أنّ «ربّ» اسم ، وهو مبتدأ ، و «عار» خبر المبتدأ.

٤٩٠

بل الذي تقرر فيها الحرفية ، بدليل أنّهم يقولون : جاءني الذي كزيد ، فيصلون الموصول بالكاف والاسم المجرور بها في فصيح الكلام كما يصلونه بسائر المجرورات. ولو كانت الكاف اسما لم يجز ذلك إلّا في ضرورة أو نادر كلام ، كما لا يجوز : «جاءني الذي مثل زيد» ، لأن الموصول إذا وصل بالمبتدأ والخبر ولم يكن في الصلة طول ، لم يجز حذف المبتدأ وإبقاء الخبر إلّا في ضرورة أو في شذوذ كلام ، نحو قراءة من قرأ : تماما على الذي أحسن (١) ، ومثلا ما بعوضة (٢). أي : تماما على الذي هو أحسن ، ومثلا الذي هو بعوضة ، فكذلك لو كانت الكاف اسما لم يكن بد من أن بقول : «جاءني الذي هو كزيد».

وأما القياس فلأنّ الأسماء الظاهرة لا تجيء على حرف واحد إلّا شذوذا لا يلتفت إليه.

واستدلّ أبو الحسن على أن الكاف اسم في الكلام بقول الأعشى [من البسيط] :

٣٣٥ ـ أتنتهون ولن ينهى ذوي شطط

كالطعن يذهب فيه الزيت والفتل

______________________

(١) الأنعام : ١٥٤.

(٢) البقرة : ٢٦.

٣٣٥ ـ التخريج : البيت للأعشى في ديوانه ص ١١٣ ؛ والأشباه والنظائر ٧ / ٢٧٩ ؛ والجنى الداني ص ٨٢ ؛ والحيوان ٣ / ٤٦٦ ؛ وخزانة الأدب ٩ / ٤٥٣ ، ٤٥٤ ، ١٠ / ١٧٠ ؛ والدرر ٤ / ١٥٩ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ١ / ٢٨٣ ؛ وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٣٤ ؛ وشرح المفصل ٨ / ٤٣ ؛ ولسان العرب ١٤ / ٢٧٢ (دنا) ؛ والمقاصد النحويّة ٣ / ٢٩١ ؛ وبلا نسبة في الخصائص ٢ / ٣٨٦ ؛ ورصف المباني ص ١٩٥ ؛ والمقتضب ٤ / ١٤١ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ٣١.

اللغة : الشطط : الجور والغلوّ. الفتل : ج الفتيلة ، وهي خرقة السراج التي تشتعل.

المعنى : يقول : انتهوا أيّها القوم ، ولن ينهاكم عمّا أنتم فيه من بغي كالطعن يغور في جراحه البالغة الزيت والفتل.

الإعراب : «أتنتهون» : الهمزة للاستفهام ، «تنتهون» : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون ، والواو ضمير متّصل مبنيّ في محلّ رفع فاعل. «ولن» : الواو استئنافيّة ، «لن» : حرف نصب. «ينهى» : فعل مضارع منصوب. «ذوي» : مفعول به منصوب بالياء ، وهو مضاف. «شطط» : مضاف إليه مجرور. «كالطعن» : الكاف اسم بمعنى مثل مبني على الفتح في محل رفع فاعل «ينهى» ، وهو مضاف ، «الطعن» : مضاف إليه مجرور. «يذهب» : فعل مضارع مرفوع. «فيه» : جار ومجرور متعلّقان بـ «يذهب». «الزيت» : فاعل مرفوع. «والفتل» : الواو حرف عطف ، «الفتل» : معطوف على «الزيت» مرفوع.

وجملة : «أتنهون» ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة : «لن ينهى ...» استئنافيّة لا محلّ لها من ـ

٤٩١

فاستعمل الكاف فاعلة بـ «ينهى» ، فكذلك قول امرىء القيس [من الطويل] :

٣٣٦ ـ وأنّك لم يفخر عليك كفاخر

ضعيف ولم يغلبك مثل مغلّب

فاستعمل الكاف فاعلة بـ «يفخر» ، وكذلك قوله [من الطويل] :

٣٣٧ ـ ورحنا بكابن الماء يجنب وسطنا

[تصوّب فيه العين طورا وترتقي]

______________________

ـ الإعراب. وجملة : «يذهب ...» في محلّ نصب حال.

الشاهد فيه قوله : «كالطعن» حيث وردت الكاف فاعلا لـ «ينهى» ، وهذا قليل.

٣٣٦ ـ التخريج : البيت لامرىء القيس في ديوانه ص ٤٤ ؛ والأضداد ص ٥٣ ؛ وخزانة الأدب ١٠ / ١٧٠ ؛ ولسان العرب ١ / ٦٥١ (غلب) ؛ والمزهر في علوم اللغة وأنواعها ٢ / ٤٨٧ ؛ وبلا نسبة في رصف المباني ص ١٩٦.

المعنى : البيت فيه هجاء وتقريع. يقول الشاعر : إن المفاخر الضعيف الذي لا يملك شيئا من عز وفخار وجاه وأصل يمكنه أن يسبقك ويفخر عليك ، وحتى الشخص الضعيف الذي يغلب من جميع الناس بإمكانه أن يغلبك.

الإعراب : وأنك : «الواو» : حسب ما قبلها ، «أنك» : حرف مشبه بالفعل ، و «الكاف» : ضمير متصل في محل نصب اسم (أن). لم يفخر : «لم» : حرف جازم ، «يفخر» : فعل مضارع مجزوم بـ «لم» وعلامة جزمه السكون. عليك : جار ومجرور متعلقان بالفعل (يفخر). كفاخر : «الكاف» : فاعل للفعل يفخر ، «فاخر» : مضاف إليه مجرور. ضعيف : صفة لفاخر مجرورة. ولم : «الواو» : عاطفة ، «لم» : حرف جزم. يغلبك : فعل مضارع مجزوم بـ «لم» وعلامة جزمه السكون ، و «الكاف» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به. مثل : فاعل مرفوع بالضمّة. مغلب : مضاف إليه مجرور بالكسرة.

وجملة «لم يفخر كفاخر» : في محل رفع خبر (أن). وجملة «لم يغلبك» : معطوفة على الجملة السابقة في محل رفع.

والشاهد فيه قوله : «كفاخر» حيث جعل الكاف فاعلا لـ «يفخر».

٣٣٧ ـ التخريج : البيت لامرىء القيس في ديوانه ص ١٧٦ ؛ وأدب الكاتب ص ٥٠٥ ؛ ولسان العرب ٩ / ٣١٢ (كوف) ؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب ١٠ / ١٦٧ ، ١٧١ ؛ ورصف المباني ص ١٩٦.

اللغة : ابن الماء : طائر يقال له : الغرنيق. يجنب : يقاد. تصوب : تنحدر وتهبط. ترتقي : تصعد وترتفع.

المعنى : وغادرنا بفرس يشبه ابن الماء يقاد بيننا ، والعين تتأمله تارة مرتفعة وطورا منخفضة.

الإعراب : ورحنا : «الواو» : حسب ما قبلها ، «رحنا» : فعل ماض مبني على السكون ، و «نا» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. بكابن : «الباء» : حرف جر ، «الكاف» : اسم مبني في محل جر بالباء والجار والمجرور متعلقان بالفعل رحنا. «ابن» : مضاف إليه مجرور بالكسرة. الماء : مضاف إليه مجرور بالكسرة يجنب : فعل مضارع للمجهول مرفوع بالضمة ، وسطنا : نائب فاعل مرفوع بالضمة ، وهو مضاف ، و «نا» :

٤٩٢

فاستعمل الكاف مجرورة بالياء. وكذلك قول الشاعر [من الوافر] :

٣٣٨ ـ وزعت بكالهراوة أعوجيّ

إذا ونت الرّياح جرى وثابا

فاستعمل الكاف مجرورة بالباء. وكذلك قول الآخر [من الرجز] :

٣٣٩ ـ وصيّروا مثل كعصف مأكول

فأضاف «مثل» إلى الكاف ، ولا تضاف إلّا إلى الأسماء.

______________________

ـ ضمير متصل في محل جرّ بالإضافة. تصوب : فعل مضارع مرفوع بالضمّة. فيه : جار ومجرور متعلقان بـ (تصوب). العين : فاعل مرفوع بالضمّة. طورا : مفعول فيه ظرف زمان منصوب بالفتحة ، متعلق بـ (تصوّب). وترتقي : «الواو» : حرف عطف ، «ترتقي» : فعل مضارع مرفوع بضمّة مقدّرة على الياء ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هي).

وجملة «رحنا» : حسب ما قبلها. وجملة «يجنب» : حالية محلها النصب. وجملة «تصوب» : حال ثانية. وجملة «وترتقي» : معطوفة على سابقتها.

والشاهد فيه قوله : «بكابن» حيث جاءت (الكاف) اسما مجرورا بالباء.

٣٣٨ ـ التخريج : البيت لابن غادية السلميّ في الاقتضاب ص ٤٢٩ ؛ وبلا نسبة في أدب الكاتب ص ٥٠٥ ؛ وجمهرة اللغة ص ١٣١٨ ؛ ورصف المباني ص ١٩٦ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ص ٢٨٦ ؛ ولسان العرب ٢٤٣ (ثوب) ، ٧٩٢ (وثب) ؛ والمقرب ١ / ١٩٦.

اللغة : وزع : منع وكبح ، الهراوة : العصا الغليظة. أعوجي : نسبة إلى أعوج وهو فرس كريم تنسب إليه الخيل. ونت : كلت وتعبت.

المعنى : يقول الشاعر : لقد كففت وأنا أمتطي فرسا عظيما أصيلا سريع الوثوب لا يتعب حتى لو تعبت الريح.

الإعراب : وزعت : فعل ماض مبني على السكون ، و «التاء» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. بكالهرواة : «الباء» : حرف جر ، «الكاف» : اسم مبني ، في محل جر بالباء والجار والمجرور متعلقان بـ «وزعت» ، «الهراوة» : مضاف إليه مجرور بالكسرة. أعوجي : صفة للكاف في «بكالهرواة» ، مجرورة بالكسرة. إذا : ظرفية شرطية متعلقة بالجواب. ونت : فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف المحذوفة و «التاء» : تاء التأنيث الساكنة وحرّكت بالكسر منعا للالتقاء الساكنين. الرياح : فاعل مرفوع بالضمّة. جرى : فعل ماض مبني على الفتح المقدر ، و «الفاعل» : ضمير مستتر جوازا تقديره (هو). وثابا : حال منصوبة بالفتحة.

وجملة «وزعت» : ابتدائية لا محل لها. وجملة «ونت الرياح» : في محل جرّ بالإضافة. وجملة «جرى» : جواب شرط غير جازم لا محلّ لها ، وجملة «إذا ونت الرياح جرى» : صفة للكاف في (بكالهرواة) محلها الجر.

والشاهد فيه قوله : «بكالهراوة» حيث جاءت الكاف اسما مجرورا بالباء.

٣٣٩ ـ التخريج : الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص ١٨١ ؛ وخزانة الأدب ١٠ / ١٦٨ ، ١٧٥ ، ١٨٤ ، ـ

٤٩٣

وهذا كله عندنا لا حجة فيه لأنّه شعر ، والكاف عندنا قد تكون اسما في الشعر على أن الكاف قد يمكن أن تكون في جميع ما ذكر حرف ، ويحمل جميع ذلك على حذف الموصوف لفهم المعنى ، وإقامة الصفة مقامه وإن لم تكن مختصّة ، فكأنه قال : ناه كالطعن ، وفاخر كفاخر ضعيف ، وبفرس كابن الماء ، وبفرس كالهراوة ، ومثل شيء كعصف إلّا أن ذلك أيضا ضرورة. فلذلك تكافأ الأمران.

على أن حذف المخفوض وإقامة الصفة مقامه وهي غير مختصة قبيح جدا ، نحو [من الرجز] :

والله ما زيد بنام صاحبه

ولا يخالط الليان جانبه (١)

وهو في المرفوع أحسن لأنه عمدة فتقوى الدلالة عليه حتى كأنّك لم تحذف نحو قوله [من الوافر] :

كأنّك من جمال بني أقيش

يقعقع خلف رجليه بشنّ (٢)

يريد : كأنّك جمل من جمال بني أقيش ، فحذف «جملا» ، وأقام صفته مقامه.

والذي يستعمل حرفا وفعلا «خلا» في الاستثناء ، فتكون حرفا إذا انخفض ما بعدها ، وتكون فعلا إذا انتصب ما بعدها.

______________________

ـ ١٨٩ ؛ وشرح التصريح ١ / ٢٥٢ ؛ وشرح شواهد المغني ١ / ٥٠٣ ؛ والمقاصد النحوية ٢ / ٤٠٢ ؛ ولحميد الأرقط في الدرر ٢ / ٢٥٠ ؛ والكتاب ١ / ٤٠٨ ؛ وبلا نسبة في الجنى الداني ص ٩٠ ؛ وخزانة الأدب ٧ / ٧٣ ؛ ورصف المباني ص ٢٠١ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ص ٢٩٦ ؛ وشرح الأشموني ١ / ١٥٨ ؛ ولسان العرب ٩ / ٢٤٧ (عصف) ؛ ومغني اللبيب ١ / ١٨٠ ؛ والمقتضب ٤ / ١٤١ ، ٣٥٠ ؛ وهمع الهوامع ١ / ١٥٠.

شرح المفردات : العصف : بقل الزرع.

المعنى : يقول أصبحوا كبقل أكل ولم يبق منه ما يستفاد منه.

الإعراب : «وصيّروا» : الواو : بحسب ما قبلها ، «صيروا» : فعل ماض للمجهول ، والواو ضمير في محلّ رفع نائب فاعل. «مثل» : مفعول به ثان. «كعصف» : الكاف : اسم مبني ، في محل جر مضاف إليه ، «عصف» : مضاف إليه مجرور. «مأكول» : نعت «عصف» مجرور بالكسرة وسكن للضرورة الشعريّة.

وجملة «صيروا» بحسب ما قبلها.

الشاهد فيه قوله : «مثل كعصف مأكول» حيث اعتبر الأخفش أن الكاف اسم.

(١) تقدم بالرقم ١١٥.

(٢) تقدم بالرقم ١١٤.

٤٩٤

فإن قال قائل : ما الدليل على أنّها إذا انتصب ما بعدها فعل وإذا انخفض حرف؟ فالجواب أن تقول : الدليل على ذلك أنّها لا تخلو أن تكون حرفا أو اسما أو فعلا. فباطل أن تكون اسما لانتصاب الاسم بعدها ، وليست من قبيل الأسماء العاملة.

وباطل أن تكون حرفا بمنزلة «إلّا» لأنّها لو كانت كذلك لجاز في الاسم بعدها الرفع والنصب في مثل : «ما قام القوم خلا زيدا وزيد» ، كما يجوز : «ما قام القوم إلا زيدا وإلّا زيد» ، وامتناع ذلك دليل على أنّها ليست بحرف استثناء ، فثبت أنّها فعل.

والذي يدلّ على أنّها ـ إذا انخفض ما بعدها ـ حرف أنّها لا يخلو أن تكون اسما أو فعلا أو حرفا.

فباطل أن تكون فعلا لأن الفعل لا يخفض الاسم إلّا بواسطة حرف الخفض ، وباطل أن تكون اسما ، إذ لو كان كذلك لوليت العامل كما يليه غير ، فكنت تقول : «قام خلا زيد» ، كما تقول : «قام غير زيد» ، فثبت أنّها حرف.

والغالب عليها أن تنصب ما بعدها وتكون فعلا.

وكذلك «حاشى» عند المبرد ومن أخذ بمذهبه ينتصب الاسم بعدها وينخفض. فمن نصبه فهي عنده فعل. وحكى من ذلك : اللهم اغفر لي ولمن يسمع حاشى الشيطان وأبا الأصبغ ، بنصب «الشيطان» ونصب «أبا الأصبغ» ، ومن خفضه فهي عنده حرف ، والاستدلال على ذلك كالاستدلال في «خلا» ، إلّا أن أبا العباس استدلّ أيضا على أن «حاشى» فعل باستعمال المضارع منها ، قال النابغة [من البسيط] :

٣٤٠ ـ [ولا أرى فاعلا في الناس يشبهه]

ولا أحاشي من الأقوام من أحد

______________________

٣٤٠ ـ التخريج : البيت للنابغة الذبياني في ديوانه ص ٢٠ ؛ وأسرار العربية ص ٢٠٨ ؛ والجنى الداني ص ٥٥٩ ، ٥٦٣ ؛ وخزانة الأدب ٣ / ٤٠٣ ، ٤٠٥ ؛ والدرر ٣ / ١٨١ ؛ وشرح شواهد المغني ١ / ٣٦٨ ؛ وشرح المفصل ٢ / ٨٥ ، ٨ / ٤٨ ؛ ولسان العرب ١٤ / ١٨١ ، ١٨٢ (حشا) ؛ وبلا نسبة في جواهر الأدب ص ٤٢٧ ؛ وشرح الأشموني ١ / ٢٤٠ ؛ وشرح المفصل ٨ / ٤٩ ؛ ومغني اللبيب ١ / ١٢١ ؛ وهمع الهوامع ١ / ٢٣٣.

المعنى : لا أعتقد أن أحدا من الناس يشبه النعمان بن المنذر في أفعاله الحميدة ، ولا أستثني أحدا.

الإعراب : «ولا» : «الواو» : بحسب ما قبلها ، «لا» : نافية لا عمل لها. «أرى» : فعل ماض مبني على الفتح ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (أنا). «فاعلا» : مفعول به منصوب بالفتحة. «في الناس» : جار ومجرور متعلّقان بصفة لـ «فاعلا» محذوفة. «يشبهه» : فعل مضارع مرفوع بالضمّة ، و «الفاعل» : ضمير

٤٩٥

وهذه لا حجة فيه ، لأن «أحاشي» فعل مأخوذ من لفظ «حاشى» التي هي أداة الاستثناء ، كأنّه قال : ولا أقول حاشى ، كما قالوا : «سوّفته» ، إذا قلت له : سوف أفعل معك كذا. وإنّما الكلام في «حاشى» التي هي بمعنى «إلّا» لا التي هي بمعنى قلت : حاشى فلانا. وسيبويه رحمه‌الله لم يحفظ فيها إلّا الخفض بها.

والذي يكون اسما وفعلا وحرفا «على» فتكون اسما إذا دخل عليها حرف خفض ، نحو قوله [من الطويل] :

٣٤١ ـ غدت من عليه بعد ما تمّ ظمؤها

تصلّ وعن قيض بزيزاء مجهل

______________________

ـ مستتر تقديره (هو) ، و «الهاء» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به. «ولا» : «الواو» : للعطف ، «لا» : نافية لا عمل لها. «أحاشي» : فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدّرة على الياء ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (أنا). «من الأقوام» : جار ومجرور متعلّقان بـ (أحاشي). «من» : حرف جر زائد. «أحد» : اسم مجرور لفظا ، منصوب محلّا على أنّه مفعول به لـ (أحاشي).

وجملة «لا أرى فاعلا» : بحسب ما قبلها (في محلّ نصب حال من النعمان في البيت السابق). وجملة «يشبهه» : في محلّ نصب حال من «فاعلا». وجملة «ما أحاشي» : معطوفة على جملة «ولا أرى».

والشاهد فيه قوله : «أحاشي» : حيث جاء بالفعل المضارع من «حاشى» التي تستعمل في الاستثناء ، فدلّ على أنه فعل متصرّف.

٣٤١ ـ التخريج : البيت لمزاحم العقيلي في أدب الكاتب ص ٥٠٤ ؛ والأزهيّة ص ١٩٤ ؛ وخزانة الأدب ١٠ / ١٤٧ ، ١٥٠ ؛ والدرر ٤ / ١٨٧ ؛ وشرح التصريح ٢ / ١٩ ؛ وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٣٠ ؛ وشرح شواهد المغني ١ / ٤٢٥ ؛ وشرح المفصل ٨ / ٣٨ ؛ ولسان العرب ١١ / ٣٨٣ (صلل) ، ١٥ / ٨٨ (علا) ؛ والمقاصد النحوية ٣ / ٣٠١ ؛ ونوادر أبي زيد ص ١٦٣ ؛ وبلا نسبة في أسرار العربية ص ١٠٣ ؛ والأشباه والنظائر ٣ / ١٢ ؛ وجمهرة اللغة ص ١٣١٤ ؛ والجنى الداني ص ٤٧٠ ؛ وجواهر الأدب ص ٣٧٥ ؛ وخزانة الأدب ٦ / ٥٣٥ ؛ ورصف المباني ص ٣٧١ ؛ وشرح الأشموني ٢ / ٣٩٦ ؛ وشرح ابن عقيل ص ٣٦٧ ؛ والكتاب ٤ / ٢٣١ ؛ ومجالس ثعلب ص ٣٠٤ ؛ ومغني اللبيب ١ / ١٤٦ ، ٢ / ٥٣٢ ؛ والمقتضب ٣ / ٥٣ ؛ والمقرب ١ / ١٩٦ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ٣٦.

شرح المفردات : الظمء : ما بين الشربين. تصلّ : تصوّت. القيض : قشرة البيضة العليا. الزيزاء : ما غلظ من الأرض. المجهل : القفر الخالي من الأعلام.

المعنى : يقول : إنّ القطاة قد تركت فراخها وقشر بيضها ، وراحت تصوّت في أرض خالية من الأعلام بعد أن اشتدّ بها الظمأ.

الإعراب : «غدت» : فعل ماض ناقص ، والتاء للتأنيث ، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره : «هي». «من عليه» : جار ومجرور متعلّقان بمحذوف حال من اسم «غدت» ، وهو مضاف ، والهاء ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. «بعد» : ظرف زمان منصوب ، متعلّق بـ «غدا». «ما» : حرف مصدري. «تمّ» : فعل ـ

٤٩٦

فدخول «من» عليها دليل على أنها اسم ، لأن حرف الجر كما تقدم لا يدخل على حرف جر آخر حتى يكون موافقا له في لفظه أو في معناه كما تقدم ، و «من» ليست من لفظ «على» ولا في معناها.

وتكون فعلا إذا احتاجت إلى فاعل ومفعول ، نحو قوله [من الرمل] :

٣٤٢ ـ [وتساقى القوم كأسا مرّة]

وعلا الخيل دماء كالشّقر

وتكون حرفا فيما عدا ذلك.

وما بقي من الحروف لا يستعمل إلّا حرفا.

فإن قيل : فلم لم تجعلوا «من» و «في» من قبيل ما استعمل حرفا وفعلا؟ ألا ترى أنّ «من» قد تكون أمرا من المين وهو الكذب ، فكذلك ، «في» قد تكون أمرا من الوفاء ، فيقال :

______________________

ـ ماض. «ظمؤها» : فاعل مرفوع ، وهو مضاف ، و «ها» : ضمير في محل جرّ بالإضافة ، والمصدر المؤول من «ما» وما بعدها في محل جر بالإضافة. «تصل» : فعل مضارع مرفوع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره : «هي». «وعن قيض» : الواو حرف عطف ، وجار ومجرور معطوفان على «من عليه». «بزيزاء» : جار ومجرور متعلّقان بمحذوف نعت «قيض». «مجهل» : نعت «زيزاء» مجرور.

وجملة : «غدت ...» ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «تم ظمؤها» صلة الموصول الحرفي لا محل لها من الإعراب. وجملة «تصلّ ...» في محلّ نصب خبر «غدا».

الشاهد فيه قوله : «من عليه» حيث جاءت «على» اسما مجرورا بـ «من».

٣٤٢ ـ التخريج : البيت لطرفة بن العبد في ديوانه ص ٥٥ ؛ ولسان العرب ٤ / ٤٢١ (شقر) ، ١٤ / ٣٩١ (سقى) ، ١٥ / ٨٩ (علا) ؛ وتهذيب اللغة ٨ / ٣١٤ ؛ وتاج العروس ١٢ / ٢١٩ (شقر) ، (سقى) ، (على) ؛ وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٧٣٠ ؛ وأساس البلاغة (شقر).

اللغة : تساقى : سقى كلّ منهم الآخر. الشقر : جمع شقرة وهي زهرة حمراء تشبه شقائق النعمان.

المعنى : لقد تبادل القوم سقاية بعضهم بعضا هذه الكأس المرّة ، وصارت ظهور الخيل حمراء لكثرة ما سال عليها من دماء القتلى.

الإعراب : وتساقى : «الواو» : بحسب ما قبلها ، «تساقى» : فعل ماض مبني على الفتح المقدّر على الألف. القوم : فاعل مرفوع بالضمّة. كأسا : مفعول به منصوب بالفتحة. مرة : صفة لـ (كأسا) منصوبة بالفتحة. وعلا : «الواو» : حرف استئناف ، «علا» : فعل ماض مبني على الفتح المقدر. الخيل : مفعول به منصوب بالفتحة. دماء : فاعل مؤخر مرفوع بالضمّة. كالشقر : جار ومجرور متعلّقان بمحذوف صفة للدماء.

وجملة «وتساقى» : حسب ما قبلها. وجملة «علا الخيل ...» : استئنافية لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «علا» حيث جاءت هنا فعلا واحتاجت لفاعل ومفعول.

جمل الزجاجي / ج ١ / م ٣٢

٤٩٧

«في يا امرأة» ، و «ف يا رجل» ، على حد قوله [من الوافر] :

٣٤٣ ـ ألم يأتيك والأنباء تنمي

بما لاقت لبون بني زياد

فالجواب : إنّه لم يذكر من ذلك إلا ما معناه حرفا وغير حرف سواء ، ألا ترى أن «خلا» جرّت أو نصبت معناها واحد وهو الاستثناء. وكذلك «على» كانت اسما أو فعلا أو حرفا معناها واحد ، وهو الاستعلاء والفوقية ، وكذلك سائر ما ذكرناه من الحروف التي تخرج عن الحرفية معناها حرفا وغير حرف سواء ، وليس كذلك «في» و «من» فلذلك لم

______________________

٣٤٣ ـ التخريج : البيت لقيس بن زهير في الأغاني ١٧ / ١٣١ ؛ وخزانة الأدب ٨ / ٣٥٩ ، ٣٦١ ، ٣٦٢ ؛ والدرر ١ / ١٦٢ ؛ وشرح أبيات سيبويه ١ / ٣٤٠ ؛ وشرح شواهد الشافية ص ٤٠٨ ؛ وشرح شواهد المغني ص ٣٢٨ ، ٨٠٨ ؛ والمقاصد النحوية ١ / ٢٣٠ ؛ ولسان العرب ١٤ / ١٤ (أتى) ؛ وبلا نسبة في أسرار العربية ص ١٠٣ ؛ والأشباه والنظائر ٥ / ٢٨٠ ؛ والإنصاف ١ / ٣٠ ؛ والجنى الداني ص ٥٠ ؛ وجواهر الأدب ص ٥٠ ؛ وخزانة الأدب ٩ / ٥٢٤ ؛ والخصائص ١ / ٣٣٣ ، ٣٣٧ ؛ ورصف المباني ص ١٤٩ ؛ وسر صناعة الإعراب ١ / ٨٧ ، ٢ / ٦٣١ ؛ وشرح الأشموني ١ / ١٦٨ ؛ وشرح شافية ابن الحاجب ٣ / ١٨٤ ؛ وشرح المفصل ٨ / ٢٤ ، ١٠ / ١٠٤ ؛ والكتاب ٣ / ٣١٦ ؛ ولسان العرب ٥ / ٧٥ (قدر) ، ١٤ / ٣٢٤ (رضي) ، ١٤ / ٤٣٤ (شظي) ، ١٥ / ٤٩٢ (يا) ؛ والمحتسب ١ / ٦٧ ، ٢١٥ ؛ ومغني اللبيب ١ / ١٠٨ ، ٢ / ٣٨٧ ؛ والمقرب ١ / ٥٠ ، ٢٠٣ ؛ والممتع في التصريف ٢ / ٥٣٧ ؛ والمنصف ٢ / ٨١ ، ١١٤ ، ١١٥ ؛ وهمع الهوامع ١ / ٥٢.

شرح المفردات : الأنباء : الأخبار. تنمي : ترتفع ، تنتشر. اللبون : ذات اللبن ، أي الإبل.

المعنى : يفخر الشاعر بشجاعته ويتساءل عمّا إذا عرف الناس بما فعل بإبل بني زياد التي استاقها وباعها استيفاء لحقّه ، غير مبال بما يعرف عنهم من شجاعة وبأس.

الإعراب : «ألم» : الهمزة للاستفهام ، و «لم» : حرف جزم. يأتيك : فعل مضارع مجزوم بالسكون خلافا لما هو متعارف عليه ، أي : حذف حرف العلّة. وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره : «هو» يعود إلى المفهوم من السياق والقرائن الأخرى ، والكاف ضمير متّصل مبنيّ في محلّ نصب مفعول به. «والأنباء» : الواو حالية ، و «الأنباء» : مبتدأ مرفوع بالضمّة. «تنمي» : فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمّة المقدّرة على الياء للثقل. وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره «هي». «بما» : جار ومجرور متعلّقان بـ «يأتي». وذهب بعضهم إلى القول بأن الباء حرف جر زائد ، و «ما» فاعل والتقدير : ألم يأتيك الذي لاقته لبون بني زياد». وفي رأينا الوجه الأول هو الأصوب. «لاقت» : فعل ماض والتاء للتأنيث. «لبون» : فاعل مرفوع بالضمّة ، وهو مضاف. «بني» : مضاف إليه مجرور بالياء لأنّه ملحق بجمع المذكر السالم ، وهو مضاف. «زياد» : مضاف إليه مجرور بالكسرة.

وجملة : «ألم يأتيك ...» الفعلية ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «والأنباء تنمي» الاسميّة في محلّ نصب حال. وجملة «لاقت ...» الفعلية صلة الموصول.

الشاهد عند النحاة : قوله : «ألم يأتيك» حيث أثبت الياء للضرورة الشعريّة. ولكن وجه الاستشهاد هذا لا يناسب السياق هنا.

٤٩٨

يوردا من قبيل ما يخرج عن الحرفية. وكذلك ينبغي أن يفعل لأن اللفظ إذا كان مستعملا في موضعين فصاعدا على معنى واحد سهل أن يعتقد أن المستعمل حرفا هو الذي استعمل غير حرف ، وإذا كان معناهما في الموضعين مختلفا لم يسهل ذلك فيه.

[٤ ـ ما تتعلق به حروف الجر] :

وحروف الجر لا بد لها مما تتعلّق به ظاهرا أو مضمرا ، إلا حروف الجر الزوائد ، نحو : «بحسبك زيد» ، وأمثاله. ألا ترى أن الباء ليس لها ما تتعلّق به. وكذلك «من» في نحو : «هل من أحد قائم»؟ ليس لـ «من» ما تتعلّق به. و «لو لا» من الحروف الزوائد ، نحو : «لولاك لأكرمت زيدا» ، ألا ترى أنّها ليس لها ما تتعلّق به. فإن قيل : فلعلّها تتعلّق بالفعل الذي هو جوابها.

فالجواب : إن ذلك لا يجوز لأن ما بعد اللام لا يعمل فيما قبلها ، لأنّها من حروف الصدور.

وكذلك الكاف في نحو : «جاءني الذي كزيد» ، ألا ترى أنّ المجرور الذي هو «زيد» ليس له ما يتعلق به ظاهرا ، إذ ليس في اللفظ ما يمكن أن يعمل فيه ، ولا مضمرا إذ لا يحذف ما يعمل في المجرور إذا وقع صلة إلا ما يناسب الحرف ، نحو : «جاءني الذي في الدار» ، تريد : الذي استقر في الدار. لأن «في» للوعاء والاستقرار مناسب للوعاء ، ولو قلت : «جاءني الذي في الدار» ، تريد : الذي ضحك في الدار وأكل في الدار ، لم يجز لأنّه ليس في الكلام ما يدلّ على ذلك ، فلا يمكن أن يكون المحذوف مع الكاف إلا ما يناسبها وهو التشبيه ، وأنت إذا قلت : «جاء الذي أشبه كزيد» ، لم يجز لأنّ «أشبه» لا تتعدّى بالكاف بل بنفسها.

وأيضا فإنّ العرب لم تلفظ بالشبه ولا بما تصرّف منه مع الكاف في موضع أصلا ، فدلّ ذلك على أن الكاف لا يتعلّق بشيء كـ «لو لا».

وما بقي من حروف الجر فلا بد له من عامل ظاهر أو مضمر.

٤٩٩

[٥ ـ إضمار حروف الجرّ وإبقاء عملها] :

وحروف الجر لا يجوز إضمارها وإبقاء عملها إلا في ضرورة شعر ، نحو قوله [من الخفيف] :

رسم دار وقفت في طلله

كدت أقضي الغداة من جلله (١)

يريد : ربّ رسم دار. وقول الآخر [من البسيط] :

لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب

عنّي ولا أنت ديّاني فتخزوني (٢)

يريد : لله ابن عمك ، فحذف اللام وأبقى عملها.

ومما جاء من ذلك نادرا في اللام قولهم : «خير عافاك الله» ، وقولهم : «لاه أنت» ، يريدون : لله أنت ، وبخير عافاك الله. ولا يقاس شيء من ذلك.

وإنّما لم يجز إضمار الخافض وإبقاء عمله كما يجوز ذلك في الناصب والرافع ، لأن الخافض أضعف ، لأنّه مختص بالأسماء ، فليس له تصرّف الروافع والنواصب التي في الأسماء والأفعال.

والخافض أبدا لا يكون إلّا من قبيل الحروف في اللفظ أو في النيّة ، لأن «غلام زيد» ، في نية غلام لزيد ، والحروف أضعف في العمل من الأفعال. وأيضا فإنّ الحروف لا تعمل الخفض إلّا بواسطة الفعل أو ما في معناه ، ألا ترى أنّك إذا قلت : «مررت بزيد» ، فإنّما خفضت «زيدا» بـ «مررت» بواسطة الباء. فلما احتاجت في عملها إلى غيرها ، كان عملها ضعيفا فلم يتصرّف فيها لذلك.

[٦ ـ معاني «من»] :

وإذ قد فرغ من ذكر حروف الخفض وأقسامها ، فينبغي أن تبيّن معانيها ، فأما «من» فتكون زائدة ولابتداء الغاية والتبعيض. وزعم بعض النحويين أنّها تكون لانتهاء الغاية كـ «إلى».

______________________

(١) تقدم بالرقم ١٢٠.

(٢) تقدم بالرقم ٣٢٤.

٥٠٠