شرح جمل الزجّاجى - ج ١

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »

شرح جمل الزجّاجى - ج ١

المؤلف:

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-2263-0
ISBN الدورة:
2-7451-2263-0

الصفحات: ٥٨٤

عاطفة والعرب تستعملها وإن لم يتقدمها كلام ، فتقول : «ورجل أكرمته» ابتداء ، كما قال [من الرجز] :

٣٥٦ ـ وبلدة ليس بها أنيس

[إلّا اليعافير وإلّا العيس]

دليل على أن «ربّ» جواب حتى تكون الواو قد عطفت الجواب على السؤال المتقدّم المقدر ، ولو لا أنّها كذلك لما ساغ وقوع حرف العطف أول الكلام.

ولا بد للمخفوض بـ «ربّ» من الصفة ، فتقول : «ربّ رجل عالم لقيت» ، فيكون «عالما صفة لـ «رجل» و «ربّ» ومخفوضها متعلقة بـ «لقيت» ، وذلك أن تحذف الفعل الذي تتعلّق به «رب» لدلالة ما تقدم عليه ، فتقول : «ربّ رجل» ، وتحذف «لقيت» لدلالة ما تقدم

______________________

٣٥٦ ـ التخريج : الرجز لجران العود في ديوانه ص ٩٧ ؛ وخزانة الأدب ١٠ / ١٥ ـ ١٨ ؛ والدرر ٣ / ١٦٢ ؛ وشرح أبيات سيبويه ٢ / ١٤٠ ؛ وشرح التصريح ١ / ٣٥٣ ؛ وشرح المفصل ٢ / ١١٧ ، ٣ / ٢٧ ، ٧ / ٢١ ؛ والمقاصد النحوية ٣ / ١٠٧ ؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ٩١ ؛ والإنصاف ١ / ٢٧١ ؛ وأوضح المسالك ٢ / ٢٦١ ؛ والجنى الداني ص ١٦٤ ؛ وجواهر الأدب ص ١٦٥ ؛ وخزانة الأدب ٤ / ١٢١ ، ١٢٣ ، ١٢٤ ، ٧ / ٣٦٣ ، ٩ / ٢٥٨ ، ٣١٤ ؛ ورصف المباني ص ٤١٧ ؛ وشرح الأشموني ١ / ٢٢٩ ؛ وشرح المفصل ٢ / ٨٠ ؛ والصاحبي في فقه اللغة ص ١٣٦ ؛ والكتاب ١ / ٢٦٣ ، ٢ / ٣٢٢ ؛ ولسان العرب ٦ / ١٩٨ (كنس) ، ١٥ / ٤٣٣ (ألا) ؛ ومجالس ثعلب ص ٤٥٢ ؛ والمقتضب ٢ / ٣١٩ ، ٣٤٧ ، ٤١٤ ؛ وهمع الهوامع ١ / ٢٢٥.

اللغة والمعنى : الأنيس : الذي يؤنس به. اليعافير : ج اليعفور ، وهو ولد البقرة الوحشيّة أو الغزال. العيس : الإبل البيض.

يقول : ربّ بلدة بلغتها ، فوجدتها خالية من الناس ، وليس فيها إلّا الظباء والإبل البيض.

الإعراب : وبلدة : الواو : واو «ربّ». بلدة : اسم مجرور لفظا مرفوع محلّا على أنّه مبتدأ ، وخبره محذوف تقديره : «سكنتها». ليس : فعل ماض ناقص. بها : جار ومجرور متعلّقان بخبر «ليس» المحذوف. أنيس : اسم «ليس» مرفوع. إلّا : حرف حصر. اليعافير : بدل من «أنيس» مرفوع. وإلّا : الواو : حرف عطف ، إلّا : حرف حصر. العيس : بدل من «أنيس» مرفوع.

وجملة (وبلدة ...) الاسميّة لا محلّ لها من الإعراب لأنّها ابتدائيّة. وجملة (ليس بها أنيس) الفعليّة في محلّ جرّ أو رفع نعت «بلدة».

والشاهد فيه قوله : «وبلدة» حيث قيل إنّ «ربّ» جواب لسؤال متقدم مقدر ، بدليل أن الواو العاطفة النائبة مناب «ربّ» قد وقعت أول الكلام ولو لم تكن قد عطفت الجواب على سؤال متقدم مقدر لما ساغ وقوعها أول الكلام.

٥٢١

عليه لأن «ربّ» كا تقدم إنّما تكون جوابا ، فكأن قائلا قال : هل لقيت رجلا عالما ، فتقول : «رب رجل عالم» ، وتحذف «لقيت» لفهم المعنى.

وإنّما لزم المخفوض بها الصفة لأنّها للتقليل ، والجنس في نفسه ليس بقليل ، وإنّما يقل بالنظر إلى صفة ما. وقد تحذف الصفة إذا تقدّم ما يدلّ عليها ، نحو قوله [من الطويل] :

ويا ربّ يوم قد لهوت وليلة

بآنسة كأنّها خطّ تمثال (١)

يريد : وليلة قد لهوت ، فحذف «قد لهوت» لدلالة ما تقدّم عليه ، فأما قول الأعشى [من الخفيف] :

٣٥٧ ـ ربّ رفد هرقته ذلك اليوم

وأسرى من معشر أقيال

فيحتمل ثلاثة أوجه ، أحدها : أن يكون «من معشر أقيال» في موضع الصفة ، كأنه قال : وأسرى كائنين من معشر أقيال.

والآخر : أن يكون حذف الصفة لدلالة ما تقدم عليها وهو «هرقته» ، كأنه قال : وأسرى من معشر أقيال أخذتهم ، لأنّ هراقته للرفد أخذ له في المعنى. والثالث : أن يكون من

______________________

(١) تقدم بالرقم ٣٥٤.

٣٥٧ ـ التخريج : البيت للأعشى في ديوانه ص ٦٣ ؛ وخزانة الأدب ٩ / ٥٧٠ ، ٥٧٥ ، ٥٧٦ ؛ والدرر ١ / ٧٩ ؛ وشرح شواهد الإيضاح ص ٢١٥ ؛ وشرح المفصل ٨ / ٢٨ ؛ ولأعشى همدان في المقاصد النحوية ٣ / ٢٥١.

اللغة : رفد : دلو. القيل : الملك.

الإعراب : رب : حرف جر شبيه بالزائد. رفد : اسم مجرور لفظا مرفوع محلا على أنه مبتدأ ، وخبره محذوف تقديره موجود. هرقته : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بالتاء المتحركة ، و «التاء» : ضمير متصل في محل رفع فاعل و «الهاء» : ضمير متصل في محل نصب مفعول به. ذلك : اسم إشارة في محل نصب على الظرفية الزمانية متعلق بالفعل (هرقته) ، و «اللام» : للبعد ، و «الكاف» : للخطاب. اليوم : بدل منصوب بالفتحة الظاهرة. وأسرى : «الواو» : واو «ربّ» حرف عطف ، «أسرى» : اسم مجرور بالكسرة المقدرة على الألف للتعذر ، لفظا مرفوع محلا. من معشر : جار ومجرور متعلقان بصفة محذوفة لـ أسرى. أقيال : صفة «أقيال» مجرورة بالكسرة الظاهرة.

وجملة «ورب رفد هرقته» : ابتدائية لا محل لها. وجملة «هرقته» : في محل رفع صفة رفد.

والشاهد فيه : أوضحه المؤلف في المتن.

٥٢٢

«معشر أقيال» متعلقا بـ «أسرى» ويكون في ذلك من الاختصاص ما في الصفة ، لأنّهم إذا أسروا من معشر أقيال فهم كائنون منهم ، فيؤول المعنى إلى الصفة.

ولا يخفض بـ «ربّ» إلا النكرة ، لأنّ المفرد بعدها في معنى جمع ولا يكون المفرد في معنى جمع إلا نكرة. وقد تدخل على ما لفظه لفظ المعرفة إذا كان نكرة ، نحو : «مثلك» وأخواته ممّا إضافته غير محضة ، ومن ذلك قوله [من الكامل] :

٣٥٨ ـ يا ربّ مثلك في النّساء غريرة

بيضاء قد متّعتها بطلاق

فأدخل «رب» على «مثل».

وقد تدخل أيضا على ضمير النكرة ، نحو : «ربّه رجلا» ، وذلك أن ضمير النكرة من طريق المعنى نكرة ، لأن الضمير هو الظاهر في المعنى ، وإنما يكون ضمير النكرة محكوما له بحكم المعرفة من طريق نيابته مناب ما عرّف بالألف واللام إذا عاد على متقدم ، ألا ترى أنّك إذا قلت : «لقيت رجلا فضربته» ، أغنى ذلك عن أن تقول : وضربت الرجل المتقدّم الذكر ، فلمّا ناب مناب اسم فيه الألف واللام حكم له بحكم المعرفة لذلك ، فلمّا كان الضمير في باب «ربّ» مفسّرا بالنكرة بعده كان نكرة من كل وجه ، لأنّه إذ ذاك لا ينوب مناب اسم

______________________

٣٥٨ ـ التخريج : البيت لأبي محجن الثقفي في شرح أبيات سيبويه ١ / ٥٤٠ ؛ وشرح المفصل ٢ / ١٢٦ ؛ والكتاب ١ / ٤٢٧ ، ٢ / ٢٨٦ ؛ ولم أقع عليه في ديوانه ؛ وبلا نسبة في جواهر الأدب ص ٢٣٧ ؛ ورصف المباني ص ١٩٠ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ٢ / ٤٥٧ ؛ والمقتضب ٤ / ٢٨٩.

اللغة : غريرة : ناعمة العيش.

المعنى : مرّ عليّ تجارب كثيرة ، فمثلك ولو كانت جميلة ناعمة وأطلقها غير آسف عليها إذا لم ترضني.

الإعراب : يا رب : «يا» : للتنبيه ، «رب» : حرف جرّ شبيه بالزائد. مثلك : «مثل» : اسم مجرور لفظا مرفوع محلا على أنه مبتدأ ، و «الكاف» : ضمير متصل في محلّ جر بالإضافة. في النساء : جار ومجرور متعلقان بصفة محذوفة لـ (مثلك). غريرة : صفة لمثلك مجرورة على اللفظ. بيضاء : صفة ثانية لمثلك مجرور على اللفظ بالفتحة عوضا عن الكسرة لأنها اسم ممنوع من الصرف. قد : حرف تحقيق. متعتها : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بتاء الفاعل ، و «التاء» : ضمير متصل في محل رفع فاعل ، و «ها» : ضمير متصل في محل نصب مفعول به. بطلاق : جار ومجرور متعلقان بالفعل السابق ..

وجملة «متعتها» : في محل رفع خبر للمبتدأ. وجملة «مثلك قد متعتها» : ابتدائية لا محلّ لها.

والشاهد فيه قوله : «يا رب مثلك» حيث أدخل «رب» على «مثل».

٥٢٣

معرف بالألف واللام ، فلذلك جاز أن تقول : «ربّه رجلا» ، و «ربه رجلين» ، و «ربّه رجالا» ، ويكون الضمير مفردا على كلّ حال استغناء بتثنية التمييز وجمعه عن ذلك.

ولا يحفظ البصريون غير ذلك. وأجاز أهل الكوفة تثنيته وجمعه قياسا ، وذلك عندنا لا يجوز ، لأن العرب استغنت بتثنية التمييز وجمعه عنه كما استغنوا بـ «ترك» عن «وذر» و «ودع».

وقد تدخل أيضا «ربّ» على المضاف إلى ضمير غير النكرة العائد على ما تقدم إلّا أنّه يشترط أن يكون مباشرا ، فتقول : «ربّ رجل وأخيه».

وإنّما جاز ذلك لما ذكرناه من أن تعريف ضمير النكرة إنما هو لفظيّ ، وإنّما هو في الحقيقة نكرة ، فلما كان كذلك وكان غير مباشر بل الذي باشرها هو النكرة ، جاز ذلك. ولو قلت : «ربّ رجل» ، و «ربّ أخيه» ، لم يجز لمباشرته «ربّ» ، ولا تدخل على معرفة مختصّة أصلا.

وزعم بعض النحويين أنّها تجر الاسم المعرف بالألف واللام ، فتقول : «ربّ الرجل لقيت» ، وأنشدوا في ذلك قوله [من الخفيف] :

٣٥٩ ـ ربّما الجامل المؤبّل فيهم

وعناجيج بينهنّ المهار

______________________

٣٥٩ ـ التخريج : البيت لأبي دؤاد الإياديّ في ديوانه ص ٣١٦ ؛ والأزهيّة ص ٩٤ ، ٢٦٦ ؛ وخزانة الأدب ٩ / ٥٨٦ ، ٥٨٨ ؛ والدرر ٤ / ١٢٤ ؛ وشرح شواهد المغني ١ / ٤٠٥ ؛ وشرح المفصل ٨ / ٢٩ ، ٣٠ ؛ ومغني اللبيب ١ / ١٣٧ ؛ والمقاصد النحوية ٣ / ٣٢٨ ؛ وبلا نسبة في الجنى الداني ص ٤٤٨ ، ٤٥٥ ؛ وجواهر الأدب ص ٣٦٨ ؛ والدرر ٤ / ٢٠٥ ؛ وشرح الأشموني ٢ / ٢٩٨ ؛ وشرح التصريح ٢ / ٢٢ ؛ وشرح ابن عقيل ص ٣٧٠ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ٢٦.

شرح المفردات : الجامل : قطيع الجمال. المؤبّل : الإبل المعدّة للاقتناء. العناجيج : ج العنجوج وهو من الخيل الطويلة الأعناق. المهار : ج المهر ، وهو ولد الفرس.

المعنى : يقول ربّ قطيع من الجمال المعدّة للاقتناء ، وجياد طويلة الأعناق بينها المهار.

الإعراب : «ربّما» : «رب» : حرف جرّ شبيه بالزائد ، و «ما» : حرف كاف. «الجامل» : مبتدأ مرفوع. المؤبل : نعت «الجامل» مرفوع. «فيهم» : جار ومجرور متعلّقان بمحذوف خبر المبتدأ. «وعناجيج» : الواو حرف عطف ، «عناجيج» : معطوف على «الجامل» مرفوع. «بينهن» : ظرف مكان منصوب متعلّق بمحذوف خبر مقدّم. «المهار» : مبتدأ مؤخّر مرفوع.

وجملة : «ربّما الجامل ...» ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة : «بينهن المهار» في محلّ رفع نعت «عناجيج». ـ

٥٢٤

فخفض «الجامل». والرواية الصحيحة : الجامل ، بالرفع على أن تكون «ما» في موضع اسم نكرة مخفوض بـ «ربّ» ، و «الجامل» خبر ابتداء مضمر والجملة في موضع الصلة ، كأنه قال : ربّ شيء هو الجامل المؤبّل.

وإن صحّت الرواية بخفض «الجامل» ، كان «الجامل» مخفوضا بـ «ربّ» على تقدير زيادتها كأنّه قال : ربّما جامل ، فيكون مثل قولهم : «إنّي لأمرّ بالرجل مثلك فأكرمه» ، أي : برجل مثلك.

وفي «ربّ» لغات : ربّ ، ورب ، شديدة وخفيفة ، قال الحليس [من الكامل] :

٣٦٠ ـ أزهير إن يشب القذال فإنّه

رب هيضل مرس لففت بهيضل

______________________

ـ الشاهد فيه قوله : «ربّما الجامل» حيث جرّت «ربّ» الاسم المعرّف بالألف واللام «الجامل».

٣٦٠ ـ التخريج : البيت لأبي كبير الهذلي في الأزهية ص ٢٦٥ ؛ وجمهرة اللغة ص ٦٨ ؛ وخزانة الأدب ٩ / ٥٣٥ ، ٥٣٦ ، ٥٣٧ ؛ وشرح أشعار الهذليين ٣ / ١٠٧٠ ؛ ولسان العرب ١١ / ٦٩٨ (هضل) ؛ والمقاصد النحوية ٣ / ٥٤ ؛ وللهذليّ في المحتسب ٢ / ٣٤٣ ؛ وبلا نسبة في رصف المباني ص ٥٢ ، ١٩٢ ؛ وشرح المفصل ٥ / ١١٩ ؛ ولسان العرب ٨ / ٣٣٨ (مصع) ؛ ومجالس ثعلب ص ٣٢٥ ؛ والمقرب ١ / ٢٠٠ ؛ والممتع في التصريف ٢ / ٦٢٧.

اللغة : القذال : شعر ما بين نقرة القفا وأعلى الأذن. الهيضل : الجماعة من الناس. مرس : شديد مجرّب للحروب. لففت : جمعت.

المعنى : يا زهير حتى لو شاب شعري ، فإنني ما زلت قادرا على جمع جيش بجيش في المعارك والحروب.

الإعراب : «أزهير» : «أ» : حرف نداء للقريب ، «زهير» : منادى علم مبني على الضمّ على التاء المحذوفة للترخيم ، في محلّ نصب. «إن» : حرف شرط جازم. «يشب» : فعل مضارع مجزوم بالسكون لأنه فعل الشرط ، وحرّك بالكسر منعا لالتقاء الساكنين. «القذال» : فاعل مرفوع بالضمّة. «فإنه» : «الفاء» : رابطة لجواب الشرط ، «إن» : حرف مشبّه بالفعل ، و «الهاء» : ضمير متصل في محلّ نصب اسم «إنّ». «رب» : حرف جرّ شبيه بالزائد. «هيضل» : اسم مجرور لفظا ، مرفوع محلّا على أنّه مبتدأ. «مرس» : صفة لهيضل مجرور مثله بالكسرة. «لففت» : فعل ماض مبني على السكون ، و «التاء» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. «بهيضل» : جار ومجرور متعلّقان بـ (لففت).

وجملة النداء : «أزهير» ابتدائية لا محل لها. وجملة «إن يشب القذال فإنه ...» : استئنافية لا محلّ لها. وجملة «فإنه رب هيضل» : في محل جزم جواب الشرط. وجملة «هيضل لففته» : في محلّ رفع خبر «إن». وجملة «لففت» : في محل رفع خبر المبتدأ (هيضل).

٥٢٥

وتلحقها تاء التأنيث فيقال : ربّما وربما وربّتما. فإذا لحقتها «ما» كانت على حكمها في خفضها النكرة إذا وقعت بعدها ، ولا يجوز رفعها إلّا على أن تكون خبر ابتداء مضمر ، والجملة في موضع صفة لما وما نكرة. ومن ذلك قوله [من الخفيف] :

٣٦١ ـ طالعات ببطن فعرة بدن

ربّما ضاعن بها ومقيم

برفع «ضاعن» و «مقيم» ، كأنّه قال : ربّ شيء هو ضاعن ومقيم.

وقد تهيئها «ما» للدخول على الجملة الفعلية ، ويكون الفعل بعدها ماضيا لفظا ومعنى نحو : «ربّما قام زيد» ، أو ماضيا معنى خاصة ، نحو : «ربّما يقوم زيد» ، تريد : قام. وأمّا أن تدخل على مستقبل اللفظ والمعنى ، فلا يجوز ذلك. فأما قوله تعالى : (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ) (١). فأدخل «ربّ» على مستقبل في اللفظ والمعنى لأنّ الكفار لا يودون ذلك إلّا في الآخرة. فإنّ الذي سوّغ ذلك أنّ الدار الآخرة قريبة من الدنيا إنّما هي هذه

______________________

ـ والشاهد فيه قوله : «رب هيضل» حيث جاء بـ «ربّ» مخفّفة ، فحذف الباء الساكنة ، مبقيا على الباء المتحركة ، وفي رواية من رواها بالسكون يكون الحذف للمتحركة.

٣٦١ ـ التخريج : البيت لأبي دؤاد الإيادي في الأزهية ص ٩٥ ؛ ومعجم ما استعجم ص ٢٣٠ ، ٦٢٨ ؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب ٩ / ٥٨٧. ورواية الصدر في هذه المصادر :

* سالكات سبيل قفرة بدّا*

اللغة : فعرة : اسم مكان ، ضاعن : ظاعن أي مسافر.

المعنى : الشاعر يصف الإبل وهن يمشين في الأودية أو يبركن بها.

الإعراب : طالعات : خبر مرفوع بالضمة لمبتدأ محذوف تقديره (هنّ). ببطن : جار ومجرور متعلقان بطالعات. فعرة : مضاف إليه مجرور بالفتحة عوضا عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث. بدن : خبر ثان مرفوع بالضمة. ربما : «رب» : حرف جرّ شبيه بالزائد «ما» ، في محل رفع مبتدأ تقديره : (شيء). ضاعن : خبر لمبتدأ محذوف. بها : جار ومجرور متعلقان بخبر المبتدأ (ما). ومقيم : «الواو» : حرف عطف ، «مقيم» : اسم معطوف على (ضاعن) مرفوع مثله.

وجملة «هن طالعات» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «ربما ضاعن بها» : خبر آخر للمبتدأ الرافع لـ (طالعات). وجملة «هو ضاعن» صفة لـ (ما) محلها الرفع.

والشاهد فيه قوله : «ربما ضاعن» برفع (ضاعن) على أنه خبر لمبتدأ محذوف ، والجملة من المبتدأ والخبر صفة لـ (ما) لأنها نكرة بمعنى شيء.

(١) الحجر : ٢.

٥٢٦

فهذه ، فلذلك قال عليه‌السلام : بعثت أنا والساعة كهاتين. إشارة إلى قربها. وما قرب وقوعه فإنّ العرب تعامله معاملة ما استقر وقوعه ، قال الله تعالى : (أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) (١) ، يريد : يأتي ، لكن لقرب ذلك جعله كأنه قد وقع. والدليل على أنّ الإتيان هنا مستقبل قوله : «فلا تستعجلوه» ، والاستعجال لا يتصوّر إلا بالنظر لما يستقبل ، فلذلك أوقع «ربّ» في قوله : «ربّما يودّ» على المستقبل معاملة له معاملة الماضي لسبب ما ذكرنا من القرب.

وأجاز خلف الأحمر أن يفصل بين «ربّ» وما تعمل فيه بالقسم ، نحو : «ربّ والله رجل عالم لقيت». وذلك عندنا لا يجوز ، لأنّ حرف الجر قد ينزل من المجرور منزلة الحرف من الكلمة ، ألا ترى أنّ المجرور في موضع منصوب ، ولذلك قد يجوز أن يحمل على موضع الباء ، فتقول : «مررت بزيد وعمرا» ، فتعامل «زيد» معاملة المنصوب ، فكأنّك قلت : «لقيت زيدا وعمرا» ، فإن جاء الفصل بين حرف الجر والمجرور في الشعر فضرورة ولا يقاس عليها نحو قوله [من الطويل] :

٣٦٢ ـ مخلّقة لا يستطاع ارتقاؤها

وليس إلى منها النّزول سبيل

______________________

(١) النحل : ١.

٣٦٢ ـ التخريج : البيت بلا نسبة في الخصائص ٢ / ٣٩٥ ، ٣ / ١٠٧ ؛ ورصف المباني ص ٢٥٥ ؛ والمقرب ١ / ١٩٧.

اللغة : مخلقة : الصخرة الملساء.

المعنى : يصف الشاعر صخرة فيقول عنها : إنها ملساء صعب الوصول إليها ، وإن استطاع ذلك بأسلوب ما ، فالنزول منها صعب أيضا.

الإعراب : مخلقة : خبر لمبتدأ محذوف تقديره (هي). لا يستطاع : «لا» : نافية لا عمل لها ، «يستطاع» : فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بالضمة الظاهرة. ارتقاؤها : نائب فاعل مرفوع ، و «ها» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. وليس : «الواو» : عاطفة ، «ليس» : فعل ماض ناقص مبني على الفتح. إلى : حرف جر. منها : جار ومجرور متعلقان بـ (النزول). النزول : اسم مجرور بإلى ، والجار والمجرور متعلقان بخبر ليس المحذوف. سبيل : اسم ليس مؤخر مرفوع.

وجملة «هي مخلقة» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «لا يستطاع ارتقاؤها» : في محلّ رفع صفة. وجملة «ليس إلى النزول سبيل» : معطوفة على جملة «لا يستطاع ارتقاؤها».

والشاهد فيه قوله : «ليس إلى منها النزول» حيث فصل بين الجار والمجرور ، ضرورة.

٥٢٧

يريد : وليس إلى النزول منها سبيل.

و «ربّ» من الحروف التي لها صدر الكلام فتقول : «ربّ رجل عالم لقيت» ، وسبب ذلك أنها كما قد ذكرنا للتقليل ، فالتقليل يجري مجرى النفي ، فعوملت معاملة ما يجعل له الصدر لذلك. وأيضا فإنّها للمباهاة والافتخار مثل «كم» ، وهي للتقليل ، فهي لذلك نقيضة «كم» لأنّ «كم» للتكثير ، والشيء يجري مجرى نقيضه ومجرى نظيره ، فعوملت لذلك معاملة «كم».

وينبغي أن يعلم أنّ الاسم المخفوض بـ «ربّ» هو معها بمنزلة اسم واحد يحكم على موضعها بالإعراب ، فإن كان العامل الذي بعدها رافعا كانت في موضع رفع على الابتداء ، نحو قولك : «ربّ رجل عالم قام» ، فلفظ «رجل» مخفوض بـ «ربّ» وموضعه رفع على الابتداء.

وإن كان العامل الذي بعدها متعدّيا فلا يخلو أن يكون قد أخذ معموله أو لم يأخذه. فإن كان لم يأخذه كان الاسم الذي بعد «ربّ» في موضع نصب ، ويكون لفظه مخفوضا ، نحو : «ربّ رجل عالم لقيت».

وإن كان العامل قد أخذ معموله جاز أن يحكم على موضعه بالرفع والنصب ويكون لفظه مخفوضا ، نحو قولك : «ربّ رجل عالم لقيته» ، لأنّ «ربّ» كأنّها زائدة في الاسم ، فكأنك قلت : رجل عالم لقيته ، فكما يجوز في الرجل في هذه المسألة أن يرفع وينصب ، فكذلك يجوز في الاسم الواقع بعد «ربّ» أن يحكم عليه بذلك.

فإن قال قائل : وما الدليل على أنّ «ربّ» بمنزلة حرف زائد على الاسم؟

فالجواب أن تقول : لو لم تكن كذلك لما جاز : «ربّ رجل عالم ضربته» ، لأنّك لو جعلت «ربّ رجل» متعلقا بـ «ضربت» ، لكنت قد عدّيت الفعل إلى الاسم وإلى ضميره ، وذلك لا يجوز ألا ترى أنّه لا يجوز أن تقول : «زيدا ضربته» ، على أن يكون «زيدا» منصوبا بـ «ضربت» هذه الملفوظ بها ، ولو جعلته متعلقا بفعل مضمر يفسره هذا الظاهر وتكون المسألة من الاشتغال لم يجز ، لأنه لا يجوز في الاشتغال إضمار الفعل وإبقاء الاسم مجرورا ، لا يجوز أن تقول : «بزيد مررت به» ، بل تقول : «زيدا مررت به» ، فدلّ ذلك على أنّ «ربّ» كأنّها زائدة ، وكأنّك قلت : «رجل عالم ضربته» ، أو «رجلا عالما ضربته» ، على

٥٢٨

حسب ما تنوي ، فكذلك يجوز أن تقول : «ربّ رجل عالم وغلام ضربته» ، بالخفض على اللفظ والرفع والنصب على الموضع على حسب ما تنوي.

ويجوز أن تقول : «ربّ رجل عالم وغلام ضربت» ، بالنصب والخفض ، فالخفض على اللفظ والنصب على الموضع ، لأنّك لو أسقطت «ربّ» كان الاسم منصوبا. قال امرؤ القيس [من الطويل] :

٣٦٣ ـ وسنّ كسنّيق سناء وسنّما

ذعرت بمدلاج الهجير نهوض

بنصب «سنّما» عطفا على موضع «سنّ» المخفوض بواو «ربّ» ، لأنّ الواو لو لم تدخل عليه ، لكان الاسم منصوبا بـ «ذعرت». ويجوز الخفض في «سنّم» على اللفظ.

[١١ ـ معاني «على»] :

وأما على فتكون بمعنى فوق حقيقة أو مجازا ، فمثال «على» بمعنى «فوق» حقيقة

______________________

٣٦٣ ـ التخريج : البيت لامرىء القيس في ديوانه ص ٧٦ ؛ وجمهرة اللغة ص ٨٦١ ؛ ولسان العرب ١٠ / ١٦٥ (سنق) ؛ وله أو لأبي دؤاد الإيادي في الدرر ٤ / ١٢٩ ؛ وشرح شواهد المغني ١ / ٤٠٣ ؛ ولم أقع عليه في ديوان أبي دؤاد ؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب ٩ / ٥٦٧ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ٢٧.

اللغة : السن : الثور الوحشي. السنيق : الجبل. السنم : البقرة الوحشية. مدلاج الهجير : فرس كثير العدو في الهاجرة. نهوض : كثير الوثوب.

المعنى : يصف الشاعر ثورا وحشيا ضخما وبقرة وحشية أخافهما بفرس سريع العدو كثير الوثوب.

الإعراب : وسن : «الواو» : واو رب ، «سن» : اسم مجرور لفظا منصوب محلا على أنه مفعول به مقدم للفعل ذعرت. كسنيق : «الكاف» : اسم بمعنى مثل مبني على الفتح في محل جر صفة لـ (سن) ، و «سنيق» : مضاف إليه. سناء : تمييز منصوب بالفتحة. وسنما : «الواو» : عاطفة ، «سنما» : اسم منصوب معطوف على موضع سن المجرور. ذعرت : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بتاء الفاعل ، و «التاء» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. بمدلاج : جار ومجرور متعلقان بالفعل (ذعرت). الهجير : مضاف إليه مجرور بالكسرة. نهوض : صفة للمدلاج مجرورة.

وجملة «وسن كسنيق سناء ذعرت بمدلاج» : ابتدائية لا محلّ لها.

والشاهد فيه قوله : «وسنما» بالنصب على موضع «سن» المخفوض بواو رب ، لأن الواو لو لم تدخل عليه لكان الاسم منصوبا بذعرت.

جمل الزجاجي / ج ١ / م ٣٤

٥٢٩

قولك : «زيد على الفرس ، وعلى القصر» ، أي : فوقهما.

ومثال كونها بمعنى «فوق» مجازا قوله [من الرجز] :

٣٦٤ ـ قد استوى بشر على العراق

من غير سيف ودم مهراق

وذلك أنه قد قهر العراق ودخل تحت أمره ، فصار قهره له ارتفاعا منه عليه. ومما يدلّ على أنّ القهر علوّ وارتفاع على المقهور إطلاقهم «تحت» في حق المقهور ، فتقول : فلان تحت قهر فلان وتحت ملكه ، فإذا كان المقهور يستعمل في حقه «تحت» تبيّن استعمال العلوّ والارتفاع في حق القاهر.

ومن ذلك أيضا قولهم : «أعطيت فلانا على أنّه أساء إليّ» ، وذلك أنّ المسيء من شأنه أن لا يعطى بل يمنع ويقهر. فدخلت «على» لما في الكلام من معنى القهر والغلبة. وكذلك قوله [من الطويل] :

٣٦٥ ـ ألا طرقت من نحو بثنة طارقه

على أنّها معشوقة الدّلّ عاشقه

______________________

٣٦٤ ـ التخريج : الرجز بلا نسبة في رصف المباني ص ٣٧٢ ؛ ولسان العرب ١٤ / ٤١٤ (سوا).

اللغة : مهراق : مراق أي مسال.

المعنى : إن هذا المسمى بشرا قد دخل العراق بقوة بلا قتال لخوف الناس من قتاله لعلمهم بقوته. وقد سالمه أهلها.

الإعراب : قد استوى : «قد» : حرف تحقيق ، «استوى» : فعل ماض مبني على الفتح المقدر. بشر : فاعل مرفوع بالضمة. على العراق : جار ومجرور متعلقان بالفعل استوى. من غير : جار ومجرور متعلقان بالفعل استوى. سيف : مضاف إليه مجرور بالكسرة. ودم : «الواو» : حرف عطف ، «دم» : اسم معطوف على سيف مجرور مثله. مهراق : صفة لدم مجرورة مثله.

وجملة «قد استوى بشر» : ابتدائية لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «استوى على العراق» حيث جاءت «على» بمعنى «فوق» مجازا.

٣٦٥ ـ التخريج : البيت لعبيد الله بن قيس الرقيات في ديوانه ص ١٦٢ ؛ والكامل ص ١١٠٤ ، ١٢٥٠.

اللغة : طارقة : زائرة في الليل.

المعنى : هلّا جاءنا في هذا الليل خبر يعلم أن بثينة معشوقة.

الإعراب : ألا : حرف لوم وإنكار. طرقت : فعل ماض مبني على الفتح و «التاء» : تاء التأنيث الساكنة. من نحو : جار ومجرور متعلقان بالفعل طرقت. بثنة : مضاف إليه مجرور بالفتحة عوضا عن الكسرة لأنها ـ

٥٣٠

يريد : طارقة عاشقة على أنّها معشوقة الدّلّ ، وذلك أنّ المعشوقة من شأنها أن تمتنع ولا تقبل لقهرها لمحبها ، فدخلت «على» لما في الكلام من معنى القهر ، وزعم بعض النحويين أنّها تكون بمعنى «عن» واستدلّ على ذلك بقوله [من الوافر] :

٣٦٦ ـ إذا رضيت عليّ بنو تميم

لعمر الله أعجبني رضاها

______________________

اسم ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث. طارقه : فاعل مرفوع بالضمة وسكّن لضرورة الشعر. على : حرف جرّ. أنها : «أن» : حرف مشبّه بالفعل ، «ها» : ضمير متصل في محلّ نصب اسم أن. معشوقة : خبر أن مرفوع بالضمّة. الدل : مضاف إليه مجرور بالكسرة. عاشقه : صفة «طارقة» مرفوعة بالضمة وسكن لضرورة الشعر ، والمصدر المؤول من (أنّ) ومعموليها مجرور بـ (على) والجار والمجرور متعلقان بخبر محذوف لمبتدأ محذوف ، والتقدير الحقيقة كائنة.

وجملة «طرقت طارقة» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «الحقيقة كائنة على كونها معشوقة» استئنافية لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «على أنها معشوقة ..» حيث دخلت «على» لما في الكلام من معنى القهر.

٣٦٦ ـ التخريج : البيت للقحيف العقيلي في أدب الكاتب ص ٥٠٧ ؛ والأزهية ص ٢٧٧ ؛ وخزانة الأدب ١٠ / ١٣٢ ، ١٣٣ ؛ والدرر ٤ / ١٣٥ ؛ وشرح التصريح ٢ / ١٤ ؛ وشرح شواهد المغني ١ / ٤١٦ ؛ ولسان العرب ١٤ / ٣٢٣ (رضي) ؛ والمقاصد النحويّة ٣ / ٢٨٢ ؛ ونوادر أبي زيد ص ١٧٦ ؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ١١٨ ؛ والإنصاف ٢ / ٦٣٠ ؛ وجمهرة اللغة ص ١٣١٤ ؛ والجنى الداني ص ٤٧٧ ؛ والخصائص ٢ / ٣١١ ، ٣٨٩ ؛ ورصف المباني ص ٣٧٢ ؛ وشرح الأشموني ٢ / ٢٩٤ ؛ وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٥٤ ؛ وشرح ابن عقيل ص ٣٦٥ ؛ وشرح المفصّل ١ / ١٢٠ ؛ ولسان العرب ١٥ / ٤٤٤ (يا) ؛ والمحتسب ١ / ٥٢ ، ٣٤٨ ؛ ومغني اللبيب ٢ / ١٤٣ ؛ والمقتضب ٢ / ٣٢٠ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ٢٨.

المعنى : يقول : إذا رضيت عنّي بنو تميم سرّني رضاها ، وأراح بالي لما له من تأثير عظيم عليّ.

الإعراب : «إذا» : ظرف زمان يتضمّن معنى الشرط ، متعلّق بجوابه. «رضيت» : فعل ماض ، والتاء للتأنيث. «عليّ» : جار ومجرور متعلّقان بـ «رضيت». «بنو» : فاعل مرفوع بالواو لأنّه ملحق بجمع المذكر السالم ، وهو مضاف. «تميم» : مضاف إليه مجرور. «لعمر» : اللام لام الابتداء ، و «عمر» : مبتدأ مرفوع ، خبره محذوف تقديره : «قسم» ، وهو مضاف. «الله» : اسم الجلالة مضاف إليه مجرور. «أعجبني» : فعل ماض ، والنون للوقاية ، والياء ضمير في محلّ نصب مفعول به. «رضاها» : فاعل مرفوع ، و «ها» : ضمير في محلّ جر مضاف إليه.

وجملة : «إذا رضيت ...» الشرطية ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «رضيت» في محلّ جرّ بالإضافة. وجملة القسم «لعمر ...» اعتراضية. وجملة : «أعجبني» لا محلّ لها من الإعراب لأنّها جواب شرط غير جازم.

الشاهد فيه قوله : «رضيت عليّ» حيث جاءت «على» بمعنى «عن».

٥٣١

معناه عندهم : رضيت عنّي.

وهذا عندنا إنّما جاز لأنّ الرّضى عطف على المرضيّ عنه ، فكأنه قال : عطفت عليّ. وقد يتخرّج ذلك على ما خرّجه عليه الكسائي من أنّ الرضى ضدّ السخط فأجري لذلك مجراه لأنّ الشيء يجري مجرى نقيضه كما يجري مجرى نظيره. فكما يقال : سخط عليه فكذلك يجوز أن يقال : رضي عليه ، وإنّما كان هذا أولى من جعل «على» بمعنى «عن» لأنّ التصرف في الأفعال أولى من التصرف في الحروف. وأيضا فإنّ الفعل إذا عدّي خلاف تعدّيه الذي له في الأصل كان لذلك مسوّغ ، وهو حمل الفعل على نظيره في المعنى أو نقيضه ، وليس لجعل الحرف بمعنى حرف آخر مسوّغ.

وكذلك أيضا استدلّ على ذلك بقوله [من الرجز] :

أرمي عليها وهي فرع أجمع (١)

يريد : أرمى عنها ، وهذا لا حجة فيه لأنّ السهم في وقت الرمي يعلو القوس ، فيتصور دخول «على» لذلك ، وقد يتصور دخول «عن» لأنّ السهم يجاوز القوس ويزول عنها. وكذلك ما جاء مما ظاهره أنّ «على» فيه بمعنى «عن» يتأوّل حتى تبقى على معناها من الفوقية.

وزعمت طائفة من النحويين أنّ «على» تكون بمعنى الباء ، واستدلّ على ذلك بقولهم : «اركب على اسم الله» ، أي : باسم الله ، فتكون للاستعانة.

ولا حجة لهم في ذلك ، لأنّ «على» يحتمل أن تكون متعلقة بمحذوف ، ويكون المجرور في موضع الحال كأنه قال : اركب متكلا على اسم الله. واستدلّ على ذلك أيضا بقوله [من الكامل] :

٣٦٧ ـ فكأنّهنّ ربابة وكأنّه

يسر يفيض على القداح ويصدع

______________________

(١) تقدم بالرقم ١٧٤.

٣٦٧ ـ التخريج : البيت لأبي ذؤيب الهذلي في شرح أشعار الهذليين ص ١٨ ؛ ولسان العرب ١ / ٤٠٦ (ربب) ، ٥ / ٢٩٩ (يسر) ، ٨ / ١٩٥ ، ١٩٦ (صدع) ، ١٥ / ٨٩ (علا) ؛ جمهرة اللغة ص ٦٧ ، ١٣١٤ ؛ وديوان الأدب ٣ / ٩٥ ، ٢١٧ ؛ وكتاب العين ١ / ٢٩١ ؛ وتهذيب اللغة ١٢ / ٧٨ ، ١٥ / ١٨٠ ؛ وتاج العروس ٢ / ٤٦٧ (ربب) ، ١٨ / ٥٠٢ (فيض) ، ٢١ / ٣٢٢ (صدع) ؛ وبلا نسبة في مقاييس اللغة ٢ / ٣٨٣ ، ٤ / ٤٦٥ ؛ والمخصص ١٣ / ٢١ ، ١٤ / ٦٨ ؛ ومجمل اللغة ٢ / ٣٦٦ ، ٤ / ٧٢. ـ

٥٣٢

يريد : يفيض بالقداح.

وهذا لا حجّة فيه لأنّه قد يضمّن يفيض معنى يحمل على القداح ، وقد يتصوّر أن يتعلق «على القداح» بـ «يصدع» ، لأنه قد حكي أنّ «يصدع» يكون بمعنى يصيح ، فكأنّه قال : يصيح على القداح ، ثم قدّم ضرورة.

وزعم بعض النحويين أنّها تكون أيضا بمعنى «في» ، واستدلّ على ذلك بقوله تعالى : (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ) (١) ، المعنى : في ملك سليمان ، لأنّ «يتلو» بمعنى «يقول» ، فكأنّه قال : ما تقول الشياطين في ملك سليمان ، وهذا لا حجة فيه ، لأنّه يمكن أن تجعل «تتلو» في معنى «تتقوّل» ، لأنّ ما تلته باطل فهو تقوّل ، و «تقوّل» تصل بـ «على» ، قال الله تعالى : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ) (٢). فكأنّه قال : ما تتقوّل الشياطين على ملك سليمان.

[١٢ ـ معاني «في»] :

وأما في فتكون للوعاء نحو قولك : المال في الكيس ، و «زيد في الدار» ، وزعم بعض النحويين أنّها تكون بمعنى «على» ، واستدل على ذلك بقوله تعالى : (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ

______________________

ـ اللغة : ربابة : الخرقة التي تجمع فيها قداح الميسر. اليسر : الذي يضرب بالقداح في الميسر. يصدع : يصيح بأعلى صوته.

الإعراب : فكأنهن : «الفاء» : بحسب ما قبلها ، «كأن» : حرف مشبه بالفعل ، «هن» : ضمير متصل في محل نصب اسم كأن. ربابة : خبر كأن مرفوع بالضمة. وكأنه : «الواو» : حرف عطف ، «كأن» : حرف مشبه بالفعل ، و «الهاء» : ضمير متصل في محل نصب اسم كأن. يسر : خبر كأن مرفوع بالضمة. يفيض : فعل مضارع مرفوع بالضمة ، و «الفاعل» : ضمير مستتر جوازا تقديره (هو). على القداح : جار ومجرور متعلقان بالفعل يفيض. ويصدع : «الواو» : حرف عطف ، «يصدع» : فعل مضارع مرفوع بالضمة ، و «الفاعل» : ضمير مستتر جوازا تقديره (هو).

وجملة «كأنهن ربابة» : بحسب الواو. وجملة «كأنه يسر» : معطوفة على سابقتها. وجملة «يفيض» : في محل رفع صفة. وجملة «يصدع» : معطوفة على جملة في محل رفع صفة.

والشاهد فيه قوله : «على القداح» حيث جاءت «على» بمعنى «الباء» أي بالقداح.

(١) البقرة : ١٠٢.

(٢) الحاقة : ٤٤.

٥٣٣

النَّخْلِ) (١) ، أي : على جذوع النخل ، وكذلك قول عنترة [من الكامل] :

٣٦٨ ـ بطل كأنّ ثيابه في سرحة

يحذى نعال السّبت ليس بتوأم

أي : على سرحة.

ولا حجّة لهم في ذلك ، لأنّ الجذوع قد صارت لهم بمعنى المكان لاستقرارهم فيها ، وكذلك أيضا السرحة بمنزلة المكان لاستقرار الثياب فيها.

وكذلك أيضا زعم بعض النحويين أنّها تكون بمعنى الباء ، واستدلّ على ذلك بقوله [من الطويل] :

٣٦٩ ـ وتركب يوم الروع فينا فوارس

بصيرون في طعن الأباهر والكلى

______________________

(١) طه : ٧١.

٣٦٨ ـ التخريج : البيت لعنترة في ديوانه ص ٢١٢ ؛ وأدب الكاتب ص ٥٠٦ ؛ والأزهية ص ٢٦٧ ؛ وجمهرة اللغة ص ٥١٢ ، ١٣١٥ ؛ وخزانة الأدب ٩ / ٤٨٥ ، ٤٩٠ ؛ وشرح شواهد المغني ١ / ٤٧٩ ؛ والمنصف ٣ / ١٧ ؛ وبلا نسبة في الخصائص ٢ / ٣١٢ ؛ ورصف المباني ص ٣٨٩ ؛ وشرح الأشموني ٢ / ٢٩٢ ؛ وشرح المفصل ٨ / ٢١.

اللغة : السرحة : الشجرة العظيمة العالية. يحذي : يلبس حذاء. السبت : الجلد المدبوغ بالقرظ ؛ والقرظ ورق شجر السّلم يدبغ به الأدم.

المعنى : إنه بطل صنديد ، عظيم الجسم ، ثيابه صغيرة قياسا على علوّ همته ، كأنها معلّقة على شجرة ، يلبس النعال الجلدية المدبوغة بالقرظ (أي هو غني من الأشراف) ، لا مثيل له ولا أخا توأما.

الإعراب : بطل : خبر مرفوع بالضمّة لمبتدأ محذوف ، بتقدير (هو بطل). كأن : حرف مشبّه بالفعل. ثيابه : اسم (كأنّ) منصوب بالفتحة ، و «الهاء» : ضمير متصل في محلّ جرّ مضاف إليه. في سرحة : جار ومجرور متعلقان بخبر (كأن) المحذوف ، بتقدير (كأنّ ثيابه معلّقة في سرحة). يحذى : فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بضمّة مقدّرة على الياء ، و «نائب الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). نعال : مفعول به منصوب بالفتحة. السبت : مضاف إليه مجرور بالكسرة. ليس : فعل ماض ناقص ، و «اسمه» : ضمير مستتر تقديره (هو). بتوأم : «الباء» : حرف جرّ زائد ، «توأم» : مجرور لفظا منصوب محلّا على أنه خبر (ليس).

وجملة «هو بطل» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «كأن ثيابه ...» : في محل رفع صفة لـ (بطل). وجملة «يحذى» : في محلّ رفع صفة ثانية لـ (بطل). وجملة «ليس بتوأم» : في محلّ رفع صفة ثالثة.

والشاهد فيه قوله : «في سرحة» حيث جاء «في» بمعنى «على» أي على سرحة.

٣٦٩ ـ التخريج : البيت لزيد الخيل في ديوانه ص ٦٧ ؛ وأدب الكاتب ص ٥١٠ ؛ والأزهيّة ص ٢٧١ ؛ وخزانة الأدب ٩ / ٤٩٣ ، ٤٩٤ ؛ والدرر ٤ / ١٤٩ ؛ وشرح شواهد المغني ١ / ٤٨٤ ؛ ولسان العرب ١٥ / ١٦٧ (فيا) ؛ ونوادر أبي زيد ص ٨٠ ؛ وبلا نسبة في الجنى الداني ص ٢٥١ ؛ وشرح التصريح ٢ / ١٤ ؛ ـ

٥٣٤

أي : بصيرون بطعن الأباهر ، لأن «بصير» إنّما يصل بالباء ، قال [من الطويل] :

فإن تسألوني بالنّساء فإنّني

بصير بأدواء النّساء طبيب (١)

وهذا لا حجة فيه ، لأنّه يمكن أن يتخرج على التضمين كما تقدّم في غير ذلك من الحروف ، فكأنّه قال : متحكّمون في طعن الأباهر والكلى ، لأنّه إذا كان له تصرّف في شيء تحكّم فيه.

[١٣ ـ معاني «عن»] :

وأما عن فتكون للمجاوزة ، فتقول : «أطعمته عن الجوع» ، أي : أزلت عنه الجوع ، و «سقيته عن العيمة» (٢) ، أي : أزلت العيمة عنه ، و «رميت عن القوس» ، أي : شرخت بها السهم وقذفته عنها.

وزعم بعض النحويين أنّها تكون بمعنى الباء ، واستدل على ذلك بقوله [من الطويل] :

٣٧٠ ـ تصدّ وتبدي عن أسيل وتتّقي

بناظرة من وحش وجرة مطفل

______________________

ـ ومغني اللبيب ١ / ١٦٩ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ٣٠.

شرح المفردات : الروع : الخوف. ويوم الروع هو : يوم الحرب. بصيرون : عارفون. الأباهر : ج الأبهر ، وهو عرق في الظهر ، إذا انقطع مات صاحبه.

المعنى : يقول : لدينا محاربون مجرّبون ، يركبون الخيل إذا ما نشبت الحرب ، ويخوضون غمارها وهم ماهرون في طعن الأباهر والكلى.

الإعراب : «وتركب» : الواو بحسب ما قبلها ، «تركب» : فعل مضارع مرفوع. «يوم» : ظرف زمان منصوب متعلّق بـ «تركب» ، وهو مضاف. «الروع» : مضاف إليه مجرور. «فينا» : جار ومجرور متعلّقان بمحذوف حال من «فوارس». «فوارس» : فاعل مرفوع. «بصيرون» : نعت «فوارس» مرفوع بالواو لأنّه جمع مذكر سالم. «في طعن» : جار ومجرور متعلّقان بـ «بصيرون» ، وهو مضاف. «الأباهر» : مضاف إليه مجرور.

«والكلى» : الواو حرف عطف ، «الكلى» : معطوف على «الأباهر».

الشاهد فيه قوله : «بصيرون في طعن» حيث جاءت «في» بمعنى الباء ، لأنّ «بصيرا» يتعدّى بالباء.

(١) تقدم بالرقم ٣٣٣.

(٢) العيمة : شدّة العطش إلى اللبن.

٣٧٠ ـ التخريج : البيت لامرىء القيس في ديوانه ص ١٦ ؛ وأدب الكاتب ص ٥٠٩ ؛ والأزهية ص ٢٧٩ ؛ والجنى الداني ص ٢٤٩ ؛ وخزانة الأدب ١٠ / ١٢٥ ؛ ورصف المباني ص ٢٦٩ ؛ وبلا نسبة في لسان العرب ٥ / ٢٨٠ (وجر) ، ١٢ / ١٦٧ (خدم).

٥٣٥

المعنى عنده : تصدّ بأسيل.

وهذا لا حجة فيه ، لأن قوله : «عن أسيل» ، متعلق بـ «تبدي». يقال : أبدى عن كذا.

[١٤ ـ معنى الكاف] :

وأما الكاف فللتشبيه ، يقال : «زيد كعمرو» ، أي : مثله.

[١٥ ـ معنى واو «رب» وفائها] :

وأما واو ربّ وفاؤها ، فبمعنى رب ، وقد ذكرنا معنى ربّ.

[١٦ ـ معنى حروف الجر التي للقسم] :

وأما باء القسم وواوه و «من» في القسم ، والميم المكسورة والمضمومة وها التنبيه وهمزة الاستفهام وقطع ألف الوصل فمعناها كمعنى التاء التي للقسم. لأن التاء قد يدخلها

______________________

ـ اللغة : أسيل : ناعم والمقصود الخد. وجرة : موضع بين مكة والبصرة.

المعنى : يقول الشاعر : تارة تنظر ، وتارة تشيح بخدها الأسيل ، متقية الآخرين بسهام عيون كعيون الظبية.

الإعراب : تصد : فعل مضارع مرفوع بالضمة ، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره : (هي). وتبدي : «الواو» : حرف عطف ، «تبدي» : فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة ، و «الفاعل» : ضمير مستتر جوازا تقديره (هي). عن أسيل : جار ومجرور متعلقان بالفعل تبدي. وتتقي : «الواو» : حرف عطف ، «تتقي» : فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، و «الفاعل» : ضمير مستتر جوازا تقديره (هي). بناظرة : جار ومجرور متعلقان بالفعل تتقي. من وحش : جار ومجرور متعلقان بصفة من (ناظرة). وجرة : مضاف إليه مجرور بالفتحة عوضا عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث. مطفل : صفة للوحش مجرورة مثلها.

وجملة «تصد» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «تبدي» : معطوفة على جملة لا محلّ لها. وجملة «تتقي» : معطوفة على جملة لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «عن أسيل» حيث جاءت «عن» بمعنى «الباء» أي بأسيل.

٥٣٦

مع ذلك معنى التعجب ، فتقول : «تالله ما رأيت كزيد» ، متعجبا.

[١٧ ـ معنى «مذ» و «منذ»] :

وأما «مذ» و «منذ» فيكونان غاية وابتداء غاية ، فيكونان غاية إذا كان ما بعدهما بمعنى الحال ، نحو قولك : «ما رأيته منذ يومنا ، أو مذ يومنا». ألا ترى أن «اليوم» هو الغاية التي انقطعت فيها الرؤية. أو كان ما بعدهما معدودا ، نحو قولك : «ما رأيته مذ يومين» ، فغاية انقطاع الرؤية يومان.

ويكونان لابتداء الغاية إذا كان ما بعدها معرفة غير معدود ولا حالا ، نحو : «ما رأيته مذ يوم الجمعة» ، فيوم الجمعة هو أول زمن انقطاع الرؤية ، وسنشيع القول عليهما في بابهما إن شاء الله تعالى.

[١٨ ـ معاني اللام الجارة] :

وأما اللام الجارة فتكون للإضافة على جهة الملك ، نحو : «المال لزيد» ، أو على جهة الاستحقاق ، نحو قولك : «الباب للدار». وتكون للتعجب قسما وغير قسم إلّا أنها يلزمها التعجب في القسم ولا يلزمها في غير ذلك ، وذلك نحو قولك في القسم : «لله لا يبقى أحد» ، إذا أردت القسم على فناء الخلق متعجبا من ذلك. ومثالها للتعجب في غير القسم : «لله أنت» ، تقول ذلك للمخاطب إذا تعجبت منه ، وتكون مقوّية لعمل العامل إذا ضعف عن عمله بتقديم معموله ، نحو قوله : «لزيد ضربت» ، يريد : زيدا ضربت ، قال الله تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ) (١). أي : الرؤيا تعبرون.

ولا تدخل على المفعول إذا كان متأخرا عن عامله إلا في ضرورة شعر ، نحو قوله [من الوافر] :

ولمّا أن تواقفنا قليلا

أنخنا للكلاكل فارتمينا (٢)

______________________

(١) يوسف : ٤٣.

(٢) تقدم بالرقم ٢٠٨.

٥٣٧

أي : أنخنا الكلاكل ، أو في نادر كلام يحفظ ولا يقاس عليه ، نحو قوله تعالى : (قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ) (١). أي : ردفكم.

وإنّما لم يقو ذاك بحرف الجر لأنّه لم يضعف لتقدّم معموله عليه ، بل بقي على أصل الوضع من تقدم العامل على المعمول.

وتكون أيضا زائدة بين المضاف والمضاف إليه في باب النداء وباب «لا» ، نحو قولهم : «يا بؤس للحرب» ، و «لا أبا لك» ، فاللام من قولهم «للحرب» و «لك» زائدة بين المضاف والمضاف إليه ، والتقدير : يا بؤس الحرب ، ولا أباك ، وسنبيّن الدليل على ذلك والسبب في أن أقحمت هذه اللام بين المضاف والمضاف إليه في بابه إن شاء الله تعالى.

وتكون بمعنى «كي» ، نحو : «جئت ليقوم زيد» ، أي : كي يقوم زيد.

وللجحد ، وهي التي تقدّمها حرف نفي و «كان» أو ما يتصرّف منها ، نحو : «ما كان زيد ليقوم» ، وإنّما سميت لام الجحد لأنّها إذا تقدمها «كان» أو متصرّف منها ، لم يكن بدّ من تقديم النفي ، والنفي هو الجحد ، فلا يجوز أن تقول : «كان زيد ليقوم» ، بل لا بدّ من تقديم النفي على «كان».

وإنّما جعلنا لام «كي» ولام الجحود من قبيل حروف الجرّ لأنّ الفعل بعدها منصوب بإضمار «أن» و «أن» وما بعدها تتقدّر بالمصدر ، واللام إذن في الحقيقة إنّما هي جارة لـ «أن» وما بعدها.

وزاد بعض النحويين في معاني لام الإضافة أن تكون للعاقبة والمآل ، نحو قوله تعالى : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) (٢). ألا ترى أنّ معنى «كي» يضعف هنا ، لأنّ الالتقاط لم يكن لذلك بل ليكون لهم كالولد ، لكن الالتقاط كانت عاقبته إلى أن كان لهم عدوّا وحزنا. والجواب : إنّ اللام هنا لام «كي» ، وتكون من إقامة المسبّب مقام السبب ، لأنّ السبب الذي التقطوه له أن يكون لهم كالولد فكان ذلك سببا لأن كان عدوا ، فحذف السبب وأقيم المسبّب مقامه.

______________________

(١) النمل : ٧٢.

(٢) القصص : ٨.

٥٣٨

[١٩ ـ معنى «حاشا» و «خلا» و «عدا»] :

وأما «حاشا» و «خلا» و «عدا» فبمعنى «إلّا» ، وذلك نحو : «قام القوم حاشى زيد» ، و «خلا عمرو وعدا بكر» ، ومعنى ذلك كلّه «إلّا».

[٢٠ ـ معنى «لعلّ»] :

وأمّا «لعلّ» فحرف ترجّ وتوقّع بمنزلة الناصبة للاسم الرافعة للخبر.

[٢١ ـ معنى «لو لا»] :

وأما «لو لا» ، نحو قولهم : «لولاك لأكرمت زيدا» ، فحرف امتناع لوجود ، كما كانت غير جارة.

٥٣٩

باب حتى

تنقسم حتى أربعة أقسام :

أحدها : أن تكون حرف ابتداء ، فتقع بعدها الجمل المستأنفة ، وذلك نحو قولك : «قام القوم حتى زيد قائم».

والثاني : أن تكون ناصبة للفعل وهي التي تدخل على الفعل فتنصبه وتكون بمعنى «إلى أن» ، نحو : «سرت حتّى تطلع الشّمس». أي : إلى أن تطلع الشمس ، أو بمعنى «كي» ، نحو : «سرت حتى أدخل المدينة» ، أي : كي أدخل المدينة.

والثالث : أن تكون عاطفة ، وهي التي تحمل ما بعدها على ما قبلها فتصيّره في مثل حاله في الإعراب ، وذلك نحو قولك : «قام القوم حتى زيد» ، و «رأيت القوم حتى زيدا» ، و «مررت بالقوم حتى زيد».

والرابع : أن تكون جارة ، وهي التي تدخل على الاسم فتجره ، ويكون معناها كمعنى «إلى» ، وذلك نحو قولك : «أكلت السمكة حتى رأسها» ، أي : إلى رأسها.

وأما العاطفة فقد تقدّم حكمها في باب العطف. وأما الناصبة فسيفرد لها باب تذكر فيه أحكامها في موضعه من الكتاب إن شاء الله تعالى.

وأمّا حرف الابتداء فليس لها حكم إلا ما ذكر من أنّها تدخل على الجمل فلا تؤثّر فيها ، وأما الجارة فقد ذكرنا معناها فلم يبق إلّا أن نبيّن مسائلها فنقول :

إذا وقع بعدها اسم مفرد فلا يخلو أن يكون ما بعدها جزءا مما قبلها أو لا يكون ، فإن

٥٤٠