مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٠

فيحرم عليه حينئذ ، الجلوس ،

والمشي تحت الظلال ،

والصلاة خارجا إلا بمكة.

______________________________________________________

منارة خارجة عن المسجد وان كان بينه وبين المسجد فضاء ولا يكون مبطلا لاعتكافه ، وللشافعي قولان فيما إذا كان بينهما فضاء وليست في رحبة المسجد ، بل خارجة عنه وعنها (انتهى)

وقال أيضا ـ بعد أسطر ـ : يجوز للمعتكف الصعود الى السطح في المسجد لانه من جملته (انتهى).

وفيهما تأمل الا ان يريد سطحا يكون جزء من المسجد ، كما قد يقع بيت في المسجد فيكون سطحه داخلا ، والا فمشكل ، والأحوط المنع.

قوله : «فيحرم عليه حينئذ إلخ» يعني إذا خرج مع جوازه يحرم عليه بعد الخروج أمور ، الجلوس ، والمشي تحت الظلال ، والصلاة خارجا إلّا بمكة فيصلي في أيّ بيت شاء بعد الخروج ، ونقل تحريم الوقوف أيضا تحت الظلال عن الشيخ.

والذي في الرواية ـ مثل ما في صحيحة داود بن سرحان ، عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : لا تخرج من المسجد إلّا لحاجة لا بد منها ، ولا تقعد تحت ظلال حتى تعود الى مجلسك (١).

وما في صحيحة الحلبي ـ المتقدمة من قوله : (ولا يجلس حتى يرجع) (٢).

المنع (٣) من الجلوس تحت الظلال أو مطلقا ، ولا منع من المشي تحت

__________________

(١) الوسائل باب ٧ قطعة من حديث ٣ من كتاب الاعتكاف

(٢) الوسائل باب ٧ قطعة من حديث ٢ من كتاب الاعتكاف

(٣) خبر لقوله قده : والذي في الرواية

٣٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

الظلال (١) ، ولا الوقوف على ما رأيت.

نعم قد نقل الإجماع على عدم الاستظلال بسقف للمعتكف مطلقا (٢) والاحتياط (٣) ، لانه يحصل اليقين في العبادة (به ـ خ) ولا يحصل مع غيره.

ولا شك أنه أحوط ، فالذي يحرم هو القعود في غير محلّ الاعتكاف بعد الخروج مطلقا وخصوصا تحت الظلال.

هذا مع الاختيار ، أمّا مع الاضطرار مثل حال الخلاء (٤) فجائز.

واما كون الجلوس حراما وكونه تحت الظلال حراما آخر مع القول بأن الحرام في الرواية هو الجلوس تحت الظلال كما قال الشيخ على ، فمحلّ التأمل ، فتأمّل.

وكذا تحريم المشي كما في أكثر العبارات ، ولهذا اختار عدمه في المختلف.

واما الصلاة في غير المسجد الذي اعتكف فيه ، فالظاهر عدم جوازها الّا مع الضرورة بحيث يضيق الوقت بعد الخروج لضرورة ، ولا يمكن إدراكها فيه فيجوز في كل ما أمكن (فيه ـ خ) بل يجب.

والظاهر عدم ابطال الاعتكاف وعدم إعادة الصلاة إلا مع التقصير

__________________

(١) يعني في الرواية كذا في هامش بعض النسخ

(٢) يعنى واقفا وماشيا

(٣) عطف على قوله قده : الإجماع ، والمناسب نقل عبارة المنتهى ليتضح المراد من العبارة فإنه ـ بعد نقل القول عن الشيخ في النهاية بحرمة المشي تحت الظلال ـ قال : وقال السيد المرتضى رحمه الله : ليس للمعتكف إذا خرج من المسجد أن يستظل بسقف حتى يعود إليه (الى ان قال) ثم استدل على قوله رحمه الله بالإجماع وطريقة الاحتياط واليقين بأن العبادة ما فسدت ولا يقين الّا باجتناب ما ذكرناه (انتهى)

(٤) الخلاء بالمدّ ، المتوضي والمكان المعدّ للخروج سمّى بذلك لأن الإنسان يخلو فيه بنفسه (مجمع البحرين)

٣٨٢

.................................................................................................

______________________________________________________

فيمكن الأول والا (١) في بيوت مكة ، فإنّه لو خرج خروجا جائزا يصلى في أي بيت أراد من مكة.

ويدل عليه صحيحة منصور بن حازم ـ في الفقيه والكافي ـ عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : المعتكف بمكّة يصلّى في أيّ بيوتها شاء ، والمعتكف بغيرها لا يصلّى الا في المسجد الذي سمّاه (٢).

وكذا صحيحة عبد الله بن سنان ، قال : المعتكف بمكّة يصلّى في أيّ بيوتها شاء سواء عليه في المسجد صلّى أو في بيوتها (٣) والظاهر أنّ القائل ، الإمام عليه السّلام ، لما مرّ ، وروى هذه في الفقيه في الصحيح ، عن ابى عبد الله عليه السّلام

وحمل الشيخ ذلك على ما بعد الخروج للضرورة ، لما تقدم من عدم جواز الخروج إلا لضرورة ، ويمكن الخروج والصلاة في بيوتها لا لضرورة ، لظاهر الرواية وتخصيص المنع بالخروج للصلاة في غير بيوت مكّة ، لهذه الرواية ، والاولى ما ذكره.

وأيضا حمل على هذا رواية عبد الله بن سنان ، قال : سمعته يقول : المعتكف بمكّة يصلّى في أيّ بيوتها شاء ، سواء عليه صلّى في المسجد أو في بيوتها ، وقال : لا يصلح العكوف في غيرها الّا ان يكون في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وآله أو في مسجد من مساجد الجماعة ولا يصلّى المعتكف في بيت غير المسجد الذي اعتكف فيه الّا بمكّة ، فإنه يعتكف بمكة حيث شاء لأنها كلّها حرم الله ، ولا يخرج المعتكف من المسجد إلا في حاجة (٤).

__________________

(١) عطف على قوله قده : الا مع الضرورة

(٢) الوسائل باب ٨ حديث ٢ من كتاب الاعتكاف

(٣) الوسائل باب ٨ حديث ١ و ٣ من كتاب الاعتكاف

(٤) الوسائل باب ٨ حديث ٣ وباب ٣ حديث ٣ وباب ٧ حديث ٥ من كتاب الاعتكاف

٣٨٣

والمطلقة الرجعيّة (رجعيّا ـ خ) تخرج الى منزلها للعدّة ،

______________________________________________________

قال الشيخ : قوله عليه السّلام : (فإنه يعتكف بمكّة حيث شاء) انما يريد به يصلّى صلاة الاعتكاف ، ا لا ترى انه شرع في بيان صلاة المعتكف ، فقال : (ولا يصلى المعتكف إلخ)

وأيضا يدل عليه أوّل الخبر ان كان الضمير (١) راجعا الى المسجد وان كان راجعا إلى مكة كما هو الظاهر فلا بد من تأويله أيضا بما أوّل آخره ، وهو بعيد.

نعم يؤيّده ما في آخره : (ولا يخرج المعتكف من المسجد إلا في حاجة) فيدل على حصر الاعتكاف فيه.

ويؤيده الأخبار المتقدمة مع عدم صحّة هذا الخبر وإضماره أيضا وان كان الظاهر انه عن الامام عليه السّلام كما قاله الشيخ : (قوله عليه السّلام) (٢).

والظاهر انه يجوز خروجه إلى الجمعة إذا كان الجمعة في غير مسجد الاعتكاف ، وقد مرّ دليله

قوله : «والمطلقة الرجعية (رجعيّا ـ خ) إلخ» دليل خروجها من الاعتكاف الواجب هو وجوب الاعتداد في بيت زوجها وعدم جواز الخروج والإخراج عنه.

ولكن وجوبه حينئذ غير ظاهر ، لانه يجب الاعتكاف أيضا ، والمضي فيه فيقدم مع التعارض.

الا ان يقال : الأول معلوم بالقرآن (٣) بخصوصه وإجماع الأمّة ،

__________________

(١) يعنى الضمير في قوله عليه السّلام في أيّ بيوتها شاء

(٢) الظاهر انه لا حاجة الى هذا الاستظهار لنقل الشيخ هذا الخبر في التهذيب والاستبصار صريحا عن ابى عبد الله عليه السّلام فراجع الوسائل باب ٣ وباب ٧ وباب ٨ من كتاب الاعتكاف

(٣) إشارة إلى قوله تعالى (لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) الطلاق ـ الآية ١

٣٨٤

ثمّ تقضى مع وجوبه وكذا الحائض والمريض.

______________________________________________________

والاخبار (١) أيضا بخلاف الثاني ، ومع ذلك لا يلزم الرجحان لعدم دلالة الأدلة على وجوب الخروج عن محلّ الاعتكاف والاعتداد في بيت الزوج المستلزم لذلك فتأمّل ، ولا يبعد الخروج في غير المتعيّن كما اختاره في الدروس.

وقال المصنف في المنتهى : وإذا طلّقت المعتكفة أو مات زوجها فخرجت واعتدّت في بيتها استأنفت الاعتكاف قال الشيخ رحمه الله (٢).

وجوب الخروج غير ظاهر خصوصا في الموت ، وكأنّ في كلامه اشارة اليه ، فتأمل.

واما وجوب القضاء بعده فلانه فات لعذر فيجب القضاء مع وجوبه كما في حال المرض والحيض فتأمل.

ويدل على القضاء حال المرض والحيض ، صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج ـ الثقة ـ عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : إذا مرض المعتكف أو طمثت المرأة المعتكفة فإنه يأتي بيته ثم يعيد إذا برء ويصوم (٣) ـ أي في الاعتكاف ـ قال في الكافي : وفي رواية أخرى عنه ليس على المريض ذلك (٤).

ويمكن حملها على من اشترط ، لما تقدم من عدم ظهور السند.

وتدل عليه أيضا ، صحيحة أبي بصير ، عن ابى عبد الله عليه السّلام في المعتكفة إذا طمثت قال : ترجع الى بيتها ، وإذا طهرت رجعت فقضت ما عليها (٥).

__________________

(١) لاحظ الوسائل باب ١٨ من أبواب العدد من كتاب الطلاق

(٢) هكذا في النسخ كلّها وكذا في المنتهى ، ولعل الصواب قاله الشيخ رحمه الله فإنه قال في المبسوط :

وإذا طلقت المعتكفة أو مات زوجها فخرجت واعتدّت في نفسها (بيتها ـ خ ل) استقبلت الاعتكاف (انتهى)

(٣) الوسائل باب ١١ حديث ١ من كتاب الاعتكاف

(٤) الوسائل باب ١١ حديث ٢ من كتاب الاعتكاف

(٥) الوسائل باب ١١ حديث ٣ من كتاب الاعتكاف

٣٨٥

ويحرم عليه ليلا ونهارا النساء لمسا وتقبيلا وجماعا ،

______________________________________________________

والظاهر ان المراد وجوب القضاء مع وجوب الأصل وعدم الاشتراط كما تقدم.

والظاهر ان حكم النفساء حكم الحائض.

والمستحاضة لا تمنع من الاعتكاف لأنها بحكم الطاهر مع الافعال ، ذكره في المنتهى.

وهذا (١) يدل على جواز إدخال النجاسة في الجملة في المسجد كأنها (٢) مستثناة بالإجماع وان كان ممن قال بعدم إدخالها مطلقا كالمصنف.

ولعله مع شرط أمن التلويث ، وتخرج للطهارة.

قوله : «ويحرم عليه ليلا ونهارا النساء إلخ» الثاني من المحرّمات ، النساء نظرا ولمسا ، وتقبيلا بالشهوة (بشهوة خ) وجماعا.

اما تحريم الجماع فهو بالنص والإجماع ، اما النص فقوله تعالى (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ) (٣) ولا شك في إرادة الجماع والاخبار كما سيجي‌ء ، وامّا الإجماع فقد نقل المصنف إجماع الأمّة على ذلك في المنتهى.

والظاهر ان المراد عمدا اختيارا لعدم توجه الخطاب إلى الناسي ، والمكره ، ورفع القلم عنهما ، ولأنهما لا يضرّ ان في الصوم ، فكذا في الاعتكاف.

والظاهر عموم الجماع قبلا ودبرا مع الانزال وبدونه ، واما غيره فقالوا :

__________________

(١) يعنى جواز اعتكاف المستحاضة مع تلوّث خرقتها بالدم حال الاستحاضة يدل على جواز إدخال النجاسة في المسجد ما لم يوجب تلوّث المسجد

(٢) يعنى هذا الحكم للإجماع لا للابتناء على جواز إدخال النجاسة وعدمها ولذا حكم ، بالجواز من لم يجوز الإدخال مطلقا كالمصنف

(٣) البقرة ـ ١٨٧

٣٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

كذلك لشمول الآية فإنّ المباشرة أعمّ.

قد يقال : انّه يصرف الى المتعارف كالمسّ ، واللمس ، والإتيان.

ويؤيّده قوله عليه السّلام في رواية الحلبي ـ الصحيحة والحسنة ـ : قال : وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله إذا كان العشر الأواخر اعتكف في المسجد وضربت له قبّة من شعر ، وشمّر المئزر. وطوى فراشه ، فقال بعضهم : واعتزل النساء؟ فقال أبو عبد الله عليه السّلام : اما اعتزال النساء فلا (١).

وحمله الشيخ والصدوق على مخالطتهنّ ، والجلوس معهن وخدمتهن ، للمنع من الجماع في الآية (٢) والاخبار ، وأيّده الصدوق بطوى فراشه ، فإنه كناية عن ترك المجامعة ولا شك انّ الاجتناب أحوط.

ويظهر الجواز من قول الشيخ في التهذيب (٣) عقيبه : (والذي يحرم على المعتكف من ذلك الجماع دون غيره حسب ما قدمناه) وهو صريح في عدم تحريم غير الجماع ، فتأمّل.

قال في المنتهى ص ٦٣٩ : يجوز ان يلامس بغير شهوة ، ولا نعرف فيه خلافا ، لما ثبت من ان النبي صلّى الله عليه وآله كان يلامس بعض نسائه في الاعتكاف (٤) (انتهى).

وقال أيضا : كما يحرم الوطي نهارا يحرم ليلا ، لأن المقتضى وهو الاعتكاف

__________________

(١) الوسائل باب ٥ حديث ٢ من كتاب الاعتكاف

(٢) وهي قوله تعالى (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ) ـ البقرة ـ ١٨٧

(٣) قوله قده : في التهذيب ، الظاهر ان لفظة التهذيب سهو من قلمه الشريف أو من النساخ لعدم وجود هذه العبارة فيه ، بل هي في الاستبصار فراجع الاستبصار ، باب ما يجب على من وطئ امرأة في حال الاعتكاف

(٤) إشارة الى ما تقدم من خبر عائشة وقد نقلناه من سنن ابى داود فراجع

٣٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

كان حاصلا بهما ولا نعلم فيه خلافا (انتهى).

يدلّ عليه حسنة الحسن بن الجهم ـ الثقة في الفقيه وان لم تكن حسنة في الكافي عن ابى الحسن عليه السّلام ، قال : سألته عن المعتكف يأتي أهله؟ فقال : لا يأتي امرأته ليلا ، ولا نهارا وهو معتكف (١).

اما وجوب الكفارة ، فالظاهر أنه لا خلاف فيه بالجماع ، قال في المنتهى : تجب الكفارة بالجماع على المعتكف ، سواء جامع ليلا أو نهارا ، ذهب إليه علمائنا (انتهى).

ويدلّ عليه من الاخبار صحيحة أبي ولّاد الحنّاط ، في المعتكفة بإذن زوجها ، وخرجت قبل مضىّ الثلاث (٢) ، وقد تقدّمت.

والظاهر انه انما يكون في الاعتكاف الواجب ، إذ لا كفارة في المندوب الّا ان تحمل على الندب ولا فرق بين الرجل والمرأة ، والقبل والدبر ، والانزال وعدمه ، للعموم ، قاله في المنتهى.

وقال فيه أيضا : ولا نعلم خلافا في تحريم الوطي ليلا.

وفي هذه الرواية (٣) أنها كفّارة الظهار ، وكذا في صحيحة زرارة ـ في الفقيه ـ قال : سألت أبا جعفر عليه السّلام عن المعتكف يجامع اهله؟ قال : إذا فعل ذلك فعليه ما على المظاهر (٤) وقال فيه : وقد روى أنه ان جامع بالليل فعليه كفارة واحدة ، وان جامع بالنهار فعليه كفارتان (٥).

__________________

(١) الوسائل باب ٥ حديث ١ من كتاب الاعتكاف

(٢) الوسائل باب ٦ حديث ٦ من كتاب الاعتكاف

(٣) الوسائل باب ٦ حديث ٦ من كتاب الاعتكاف والحديث منقول بالمعنى فراجع

(٤) الوسائل باب ٦ حديث ١ من كتاب الاعتكاف

(٥) الوسائل باب ٦ حديث ٣ من كتاب الاعتكاف

٣٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

قال : وروى ذلك محمد بن سنان ، عن عبد الأعلى بن أعين ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن رجل وطئ امرأته وهو معتكف ليلا في شهر رمضان؟ قال : عليه الكفارة ، قال : قلت : فإن وطئها نهارا؟ قال : عليه كفارتان (١).

الظاهر أنّ هذا مع وجود الاعتكاف بغير النذر وشبهه ، والّا ينبغي وجوب كفارة خلف النذر أيضا.

وظاهر كلامهم التداخل بين كفارة النذر والاعتكاف ، وهو غير ظاهر ، وكأنهم تركوا بناء على الظهور.

ويحتمل وجوب الكفارة في الاعتكاف المندوب أيضا مع بقائه من غير ان يبطله ويخرج

نعم لو خرج وأبطله فلا يكون كفارة ، لعموم الأخبار ، فتأمل فإنه لا يخلو عن بعد ولا نعلم القائل به وان كان عموم الاخبار وبعض العبارات ذلك.

وظاهر بعض الروايات انها كفارة شهر رمضان ، مثل موثقة سماعة بن مهران له (٢) ، قال سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن معتكف واقع اهله؟ قال : هو بمنزلة من أفطر يوما من شهر رمضان (٣).

وما تقدم من رواية عبد الأعلى (٤) فإن الظاهر أنّ الكفارة في شهر رمضان لا يكون الّا كفارته.

ويمكن الجمع بحمل الأوّلين مع صحتهما ، على أصل كفّارة الظهار ، وما على

__________________

(١) الوسائل باب ٦ حديث ٤ من كتاب الاعتكاف

(٢) يعنى كونه موثقة لأجل وجود سماعة

(٣) الوسائل باب ٦ حديث ٢ من كتاب الاعتكاف

(٤) الوسائل باب ٦ حديث ٤ من كتاب الاعتكاف

٣٨٩

.................................................................................................

______________________________________________________

المظاهر من أصل الكفارة ، لا الكيفيّة ، والترتيب للأصل ـ واحتمال ارادة تلك ـ وللجمع بين الاخبار ، ويمكن العكس أيضا ، ولا شك أن اختيار الأول أولى ، لأنه أحوط ومضمون (١) الخبرين الصحيحين مع عدم صراحة رواية عبد الأعلى في كون كفارة الاعتكاف كفارة شهر رمضان.

والظاهر انه لا تعدد للكفارة في النهار إلا في صوم يجب بإفطاره كفارة.

وخصّ المصنف بشهر رمضان (٢) وهو غير ظاهر الّا مع عدم إيجاب الكفارة إلّا فيه.

وأيضا ما يثبت الكفارة إلّا بالجماع ، قال المصنف في المنتهى : فالحاصل انه ان وطئ في نهار رمضان كان عليه كفارتان ، وان جامع في ليله أو نهار غير رمضان أو ليلة فكفارة واحدة (انتهى).

ثم قال ـ بعد أسطر ـ : مسألة كلما يفسد الصوم يفسد الاعتكاف (انتهى).

والظاهر ان مراده ان الصوم شرط فبفساده يفسد المشروط الذي هو الاعتكاف وهو ظاهر ثم قال ـ بلا فصل ـ وهل يجب الكفارة؟ قال السيد المرتضى والمفيد رحمهما الله تجب الكفارة بكل مفطر ، ولا أعرف المستند ، ثم فصل وحاصله وجوب الكفّارة بفساد الصوم الموجب للكفارة وبالجماع مطلقا في الواجب ، والوجه عندي التفصيل ، فان كان الاعتكاف في شهر رمضان وجبت الكفارة بالأكل والشرب وغيرهما ممّا عددناه في باب شهر رمضان وان كان في غيره ، فان كان

__________________

(١) يعنى ولمضمون الخبرين إلخ فهو عطف على قوله أحوط

(٢) يعني في المنتهى حيث قال : قال السيّد المرتضى رحمه الله : المعتكف لو جامع نهارا كان عليه كفارتان فان جامع ليلا كان عليه كفارة واحدة وأطلق القول في ذلك ، والأقرب عندنا ان وجوب الكفارة يتعلق بالجماع في نهار رمضان على المعتكف لا على وطئ معتكفا في نهار غير رمضان (الى قوله ره) فالحاصل انه ان وطئ الى آخر ما نقله الشارح قده

٣٩٠

وشمّ الطيب ،

______________________________________________________

مندوبا معينا وجبت الكفارة أيضا لأنه بحكم رمضان ، اما لو كان الاعتكاف مندوبا أو واجبا غير معيّن بزمان لم يجب الكفارة بغير الجماع مثل الأكل والشرب وغيرهما (انتهى).

والظاهر عدم وجوب كفارة للاعتكاف ـ الّا بالجماع ليلا أو نهارا ـ كفّارة (١) الظهار وكفّارة خلف النذر وشبهه فيما حصل الخلف ، وكفّارة إفطار الصوم بموجبها ، فتأمل وتذكّر.

وكذا تجب كفارة الجمع في موضع الجمع في الصوم مع القول به ، والتحمل في موضعه وغير ذلك من أحكام الكفارة في الصوم.

قوله : «وشمّ الطيب إلخ» هذا باقي المحرّمات ، ويدلّ على تحريمه والبيع والشراء والمماراة صحيحة أبي عبيدة ـ الثقة ، في الفقيه والكافي ـ عن ابى جعفر عليه السّلام قال في المعتكف لا يشمّ الطيب ، ولا يتلذّذ بالريحان ، ولا يماري ، ولا يشترى ، ولا يبيع ، الخبر (٢) وقد تقدّمت.

والظاهر عدم الخلاف في تحريم البيع والشراء.

والظاهر انهما يجوز ان لمن اضطر إليهما لقوته وعياله وما يشتريه ، واشترط في الدروس في ذلك عدم إمكان المعاطاة ، فيدل على إباحتها مطلقا وعدم كونها بيعا وشراء.

وفيه تأمل لأنه في العرف يسمى بهما ، ولهذا قالوا : بوجود أحكامهما فيها مثل شرائط صحتهما فتأمل ، وسيجي‌ء تحقيق ذلك ، ولا شك ان الاجتناب أحوط.

__________________

(١) الظاهر ان قوله قده : كفارة الظهار إلخ تعداد مصاديق كفارة للاعتكاف يعنى لا تجب كفارة أخرى غير كفارة الاعتكاف بسبب الجماع ككفارة الظهار إلخ

(٢) الوسائل باب ١٠ حديث ١ من كتاب الاعتكاف

٣٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

ويمكن تحريم أمثالهما من العقود مثل الصلح والإجارة ، والأصل الحلّية ، ولا دليل على التحريم الا القياس ، وهو غير مقبول.

وأبعد منه تحريم جميع الصنائع المشغلة عن العبادة ، مثل الخياطة ، لعدم الدليل ، والأصل وحصر المحرّمات وبعد القياس هنا ، ولهذا ما عدّت من المحرّمات في الدروس والشرائع والمتن وغيرها.

نعم لو كانت مانعة عن الواجبة أو المصلّين عن صلاتهم في المسجد فهو حرام على المعتكف وغيره.

وأبعد منه جعل الكتابة التي هي عبادة منها ، بل ما كان الغرض منها تحصيل المال أيضا ، ولا شك في استثناء ما يحتاج اليه.

وأشدّ بعدا من الكلّ تحريم البعض على المعتكف جميع ما يحرم على المحرم حتى لبس المخيط وستر الرّأس وظهر القدم ، ولا دليل له الا القياس المتوهم على ما نجد ، ويدل عليه ما سبق على نفيه وانه لو كان مثله لنقل عن النبي صلّى الله عليه وآله والأئمة عليهم السّلام والصحابة فتأمل

ثم اعلم أنه على تقدير حرمة البيع والشراء فهل يفسدان أم لا؟ يحتمل ذلك وقد مرّ تفصيل مثله في البيع بعد النداء فتذكّر.

وان الظاهر عدم إفساد الاعتكاف حينئذ ، للأصل وعدم الدليل.

وكذا بجميع (١) المحرّمات مثل الطيب ولمس النساء وتقبيلها المحرّمين بشهوة إلا الجماع وان كل ما يحرم فيه يحرم بالليل أيضا إلا الأكل والشرب.

وان الظاهر ان المراد بالتلذذ بالريحان شمّه ، فلا يجوز شمّ الريحان ، والظاهر ان المراد به هنا كل ماله رائحة طيّبة من النباتات ، ويحتمل دخول الفواكه الطيّبة

__________________

(١) يعني كما ان الظاهر عدم إفساد الاعتكاف بارتكاب جميع المحرّمات

٣٩٢

واستدعاء المنى ، والبيع والشراء ،

______________________________________________________

فيه حينئذ ، وليس بظاهر ، والأصل دليل قوىّ.

واما دليل تحريم استدعاء المنى فغير ظاهر في الليل ، وكذا إفساده للاعتكاف حينئذ ، ولهذا ما عدّه في محرّمات المعتكف في الدروس.

نعم نقل في المنتهى عن الشيخ ما يصلح دليلا عليه وعلى غيره حيث قال : قال الشيخ في الجمل : ويجب على المعتكف ان يجتنب جميع ما يجتنبه المحرم ـ وقال في المبسوط : وقد روى انه يجتنب ما يجتنبه المحرم (انتهى).

وهو مخصوص بما قلناه ـ من الوطي والمباشرة والقبلة والملامسة واستنزال الماء بجميع أسبابه والخروج من المسجد إلّا لضرورة والبيع والشراء ، ويجوز له ان ينكح ويأكل الطيّبات ويشمّ الطيب وأكل الصيد وعقد النكاح (انتهى ما في المنتهى).

والرواية التي أشار إليها غير موجودة في الأصول المشهورة الموجودة الآن على الظاهر فكيف صحتها.

وبعد وجودها ، تخصيصها بما ذكر ، غير ظاهر الوجه ، لعلّه للإجماع ونحوه.

وفي عبارته أيضا شي‌ء ، فتأمل ، وكأنه يريد بقوله : (ان ينكح) عقد النكاح ، لنفسه ، وبقوله : (عقد النكاح) ، (كأنه يريد عقد النكاح ـ خ) لغيره وحضوره عنده.

وتجويزه شمّ الطيب أيضا غير مناسب ، لما في صحيحة ابى عبيدة (٢)

وكأنه حملها على الكراهة بالنسبة إلى الشمّ فقط.

__________________

(١) بيان لقوله قده : نقلا عن جمل الشيخ من قوله : ان يجتنب جميع ما يجتنبه المحرم

(٢) الوسائل باب ١٠ حديث ١ عن ابى جعفر عليه السّلام قال : المعتكف لا يشمّ الطيب ولا يتلذّذ بالريحان ولا يماري ولا يشترى ولا يبيع الحديث

٣٩٣

والمماراة.

______________________________________________________

وهو غير مناسب مع عدم المقتضى له ، ولتحريم المباشرة والقبلة والملامسة ، ولهذا يفهم الجواز من التهذيب كما نقلناه آنفا ، ولوجود (دليل ـ خ) تحريم شمّ الطيب

قال المصنف في المنتهى ـ بعد كلام المبسوط ـ : الأقرب ما قاله في النهاية لدلالة الحديث عليه ـ مشيرا إلى صحيحة ابى عبيدة ـ (١) والاحتياط أيضا يقتضي الاجتناب (انتهى)

قال المصنف : ولا بأس ان يأكل في المسجد ويغسل يده في الطشت ليفرغ خارج المسجد ولا يجوز له ان يخرج للطّهارة ولا تجديدها ولا يجوز له ان يبول في المسجد في آنية ولا ان يفتصد ولا يحتجم والظاهر انّه يريد بغسل اليد في الطشت والإفراغ في خارج المسجد الاستحباب والا فالظاهر الجواز في المسجد أيضا.

وانه يريد بالطهارة ، الوضوء والغسل الغير الرافع للحدث الأكبر والتيمم بدلهما والّا فللغسل لرفع الحديث الأكبر وبدله ، يجب الخروج ، لما مرّ.

والظاهر عدم الخروج للأغسال المندوبة أيضا ، ويدل عليه ما سبق.

ويفهم من قوله : (٢) (ولا يجوز ان يخرج لغسل يده لان منه بدّ) تحريم الخروج الّا لما ليس له منه بدّ.

وفيه تأمّل الا ان يستثنى ما سبق ويكون غيره باقيا على التحريم لما تقدم في الاخبار.

واما المماراة فظاهر تحريمه في الاعتكاف من خبر ابى عبيدة ،

__________________

(١) الوسائل باب ١٠ حديث ١ من كتاب الاعتكاف

(٢) يعنى قول المصنف في المنتهى عقيب قوله المتقدم نقله : ليفرغ خارج المسجد

٣٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وتحريمها مطلقا أيضا ظاهر من آية (فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلّا مِراءً ظاهِراً) (١) اى مراء حسنا وعلى طريق التلطّف والملائمة لا المجادلة والمعركة ، مثل قوله تعالى (وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (٢) اى لا تستعمل معهم المجادلة والإلزام إلا بطريق حسن ،

وهو نهاية المبالغة في ملاحظة الدعوة الى الحقّ وعدم أذى الخصم في البحث ، وترك رفع الصوت ، وجميع ما يتأذّى به المخاطب.

(وما لا يقال له : حسن إنكار ويكرهه المخاطب) (٣) ولهذا قال تعالى في إرسال موسى وهارون (على نبينا وآله وعليهما السّلام) الى فرعون (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً) (٤).

وهذا (٥) ان كان واجبا مع الكفار في دعوتهم إلى الإسلام فكيف مع المؤمنين والمسلمين في الأمور الخفيّة.

والذي يدل على تحريم الجدال والمراء كثير جدا ، وفي تركه ثواب عظيم ولو كان محقا.

منه ما روى انه صلى الله عليه وآله قال : من ترك المراء وهو محقّ بنى له

__________________

(١) الكهف ـ ٢٢

(٢) النحل ـ ١٢٥

(٣) لعل المراد ان المعيار في كونه مماراة عدم إطلاق الحسن عليه فهو إنكار يعنى منكر داخل في المماراة المنهي عنها ويحتمل ان يقرء بإضافة لفظة (حسن) الى لفظة (إنكار) فيكون المعنى حينئذ انّ الإنكار على قسمين حسن وقبيح فالثاني مماراة وفي بعض النسخ : (وما يقال له حسن بظاهر ويكرهه المخاطب) وفي بعضها بدل قوله : فظاهر (بظاهر) وفي بعضها (فطار) والله العالم

(٤) طه ـ ٤٤

(٥) يعنى القول الليّن ان كان واجبا كما هو المستفاد من الأمر بقوله تعالى (فَقُولا) مع الكفّار وهم فرعون وأصحابه واتباعه فكيف لا يجب مع المؤمنين والمسلمين.

٣٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

بيت في الجنّة الأعلى ، ومن ترك المراء وهو مبطل بنى له بيت في رياض الجنّة (١).

وعن أمّ سلمة رحمها الله قالت : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : انّ أوّل ما عاهد إلى ربّي ونهاني عنه ـ بعد عبادة الأوثان وشرب الخمر ـ ملاحاة (٢) الرجال (٣).

وقال صلّى الله عليه وآله : لا يستكمل عبد ، حقيقة الايمان حتى يدع المراء وان كان محقّا (٤)

وقال الصادق عليه السّلام : المراء داء ردى (٥) ، وليس في الإنسان خصلة شرّا منه وهو خلق إبليس وسنته ، فلا يماري في أيّ حال كان الّا جاهلا بنفسه وبغيره محروما من حقائق الدين (٦).

وروى ، عن ابى الدرداء ، وابى امامة ، ووابلة ، وانس ، قالوا : خرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وآله يوما ونحن نتمارى في شي‌ء من أمر الدين فغضب غضبا شديدا لم يغضب مثله ، قال : انما هلك من كان قبلكم بهذا ، ذروا المراء ، فإن المؤمن لا يماري ، ذروا المراء فان المماري قد تمّت خسارته ، ذروا المراء ، فان المماري لا أشفع له يوم القيمة ، ذروا المراء ، فانى زعيم بثلاث أبيات في الجنة ، في

__________________

(١) المستدرك ج ٢ ص ٩٩ باب ١١٧ حديث ١٢ من أبواب العشرة من كتاب الحج

(٢) وملاحاة الرجال مقاولتهم ومخاصمتهم ومنه «نهيت عن ملاحاة الرجال» من قولهم : لحيت الرجل لحاة ولحيا إذا لمته (مجمع البحرين) والخبر في إحياء العلوم ج ٣ ص ١٩٧ الآفة الرابعة

(٣) وذكر نحو هذا الحديث في الوسائل باب ١٣٦ حديث ٢ عن أبواب العشرة عن الوليد بن صبيح فلاحظ

(٤) منية المريد في آداب المفيد والمستفيد للشهيد الثاني (القسم الثاني في آدابهما في درسهما)

(٥) منية المريد في الموضع المذكور (وفيه : خلق إبليس ونسبته) بدل (وسنته)

(٦) المستدرك باب ١١٧ حديث ٤ من أبواب العشرة نقلا من مصباح الشريعة

٣٩٦

.................................................................................................

______________________________________________________

رياضها ، وأوسطها وأعلاها ، لمن ترك المراء وهو صادق ، ذروا المراء ، فإن أول ما نهاني عنه ربّى بعد عبادة الأوثان المراء (١).

وعنه صلّى الله عليه وآله : من لقي الله عز وجلّ بهن دخل الجنّة في أي باب شاء من حسن خلقه وخشي الله في المغيب والمحضر وترك المراء وان كان محقا (٢) ـ وغير ذلك.

واما حقيقته فالظاهر أن المراد به المجادلة في البحث ورد كلام الخصم.

وذلك قد يكون حراما بشرط عدم قصد صحيح ، مثل إظهار الحق على وجه ظاهر حسن غير مستلزم لقبيح بوجه أصلا كما مرّ إليه الإشارة في الآيتين (٣).

بل قد يكون ذلك واجبا.

وقد يكون مستحبا ، وهو ظاهر.

وقد يكون مباحا إذا كان الغرض مجرد إظهار الحق مع عدم تعقّل نفع دينيّ فيه بوجه ، له ولغيره مع عدم اشتماله على قبيح.

وقد يكون مكروها إذا اشتمل على ما مرّ ، مع احتمال أن يؤل الى قبيح مّا.

وقد يكون حراما ، بان يكون الغرض الإلزام وإظهار الغلبة وتفضيح الخصم وتزييف كلامه بحق أو باطل وتجهيله ، وإظهار علمه ، وتزكية نفسه ، وغير ذلك من الأغراض الفاسدة المهلكة التي لا تخلو عنه نفس ، الا من عصمة الله.

بل (٤) الخالي عن الغرض الصحيح ، وإظهار الحقّ مطلقا ، والمستلزم ترك

__________________

(١) منية المريد ص ٦٢ طبع قديم (في فصل أوقات المناظرة)

(٢) الوسائل باب ١٣٥ حديث ٢ من أبواب العشرة من كتاب الحج

(٣) وهما قوله تعالى (فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلّا مِراءً ظاهِراً) ـ الكهف ٢٢ وقوله تعالى (وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ـ النحل ـ ١٢٥

(٤) يعنى لا يلزم في تحريمه ان يكون الغرض الإلزام إلخ بل يكفى ان يكون خاليا عن الغرض الصحيح إلخ

٣٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الواجب من تعليم أو تعلّم ضروريّ ، وغير ذلك.

قال الشهيد الثاني (رحمه الله) في شرح الشرائع : المراء لغة ، الجدل ، والمماراة ، المجادلة ، والمراد به هنا المجادلة على أمر دنيوي أو ديني لمجرد إثبات الغلبة أو الفضيلة ، كما يتفق لكثير من المسمّين بالعلم ، وهذا النوع محرّم في غير الاعتكاف وقد ورد التأكيد في تحريمه في النصوص ، وإدخاله في محرمات الاعتكاف امّا بسبب عموم مفهومه أو لزيادة تحريمه في هذه العبادة (انتهى).

كأنه (١) مأخوذ من تعريف الغزّالي (٢) : المراء طعنك في كلام الغير لإظهار خلل فيه لغير غرض سوى تحقير قائله وإظهار مرتبتك (مزيتك ـ خ ل) عليه إلخ (٣) وفيها تأمّل يعلم ممّا تقدم وسيأتي فتأمل.

وفي الآدابيّة : انه عبارة عن رد الحق (في موضع منها).

(وفي موضع آخر : واعلم أن حقيقة المراء الاعتراض على كلام الغير بإظهار خلل فيه لفظا أو معنى أو قصدا لغير غرض دينيّ أمر الله تعالى به ، وترك المراء يحصل بترك الإنكار والاعتراض بكلّ كلام سمعه ، فان كان حقا وجب التصديق به

__________________

(١) هذا التعريف للمراء

(٢) في الكنى ج ٢ ص ٤٥٠ : الغزّالي أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن احمد الملقب حجة الإسلام الطوسي الفقيه الشافعي قيل لم يكن للطائفة الشافعيّة في آخر عصره مثله (الى ان قال) : والغزّالي بفتح أوله وتشديد الزاي نسبة الى الغزّال حكى أنّ والده كان يغزل الصوف ويبيعه في دكّانه (انتهى) وأشهر كتبه ما هو معروف ب (احياء العلوم) واختصره اخوه احمد الغزّالي وسمّاه لبّ الاحياء ، وهذّبه المولى المحقق الكاشاني وسمّاه محجة البيضاء في تهذيب الاحياء وقد شنّع على كتاب الاحياء أبو الفرج ابن الجوزي وقال : قد جمعت أغلاط الاحياء وسمّيته اعلام الأحياء بأغلاط الاحياء قد أشرت الى بعض ذلك في كتاب تلبيس إبليس (انتهى) وتوفي ١٤ ج ٢ سنة ٥٠٥ (مأخوذ من الكنى ج ٢ ص ٤٥٣)

(٣) عبارة الاحياء هكذا : حدّ المراء كلّ اعتراض على كلام الغير بإظهار خلل فيه امّا في اللفظ واما في المعنى وامّا في قصد المتكلم

٣٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

بالقلب وإظهار صدقه حيث يطلب منه وان كان باطلا ولم يكن متعلقا بأمور الدين فاسكت عنه ما لم يتمحض النهي عن المنكر بشروطه إلخ (١).

والظاهر انه أراد بيان المراء المحرّم المنهي عنه في الآية والاخبار.

وكأنه يريد (بما أمر الله به) ما جوّزه الله ، والّا فقد علم ان من المراء ما هو جائز ، بل واجب وانه قد يكون المماري محقا ، وانه لو قصد امرا دينيّا جائزا إظهاره ليس بمعاقب ، وليس ذلك بمنهيّ عنه.

ومع ذلك لفظة (ديني) أيضا كأنه غير مناسب ، إذ قد يبيّن الإنسان خلل كلام شخص لإظهار الحق فقط من حيث هو هو.

ومثله كثيرا ما يقع من اعتراض بعض العلماء على بعض العبارات ، ولا تعلّق له بالدين أصلا ، بأنه (٢) يجوز الأخصر منها (أو) إنّه قاصر عن المقصود (أو) غير منطبق بقوانين العربيّة ، من غير أن يخيّل فيه المعنى الشرعي الديني ، بل في المسائل التي لا دخل لها بالدين بوجه.

والظاهر أن لا يكون ذلك محرّما ومراء حراما ، ولعل مقصوده واضح ، فتأمّل.

هذا وان كان تطويلا خارجا عمّا نحن فيه في الجملة ، ولكن لما كان المقصود توضيح المقام فلا يضرّ ، مع أنّ الله تعالى يعفو.

واما المناظرة (٣) الخالية من المفسدة مثل المراء وغيره فلا شك في جوازه ،

__________________

(١) منية المريد في آداب المفيد والمستفيد (القسم الثاني في آدابها في درسهما) فقوله قده : (في الآدابيّة) نقل بالمعنى يعنى آداب التعليم والتعلم

(٢) بيان الاعتراض وكيفيته

(٣) رجوع من الشارح قده الى بيان المراء في حال الاعتكاف

٣٩٩

ويجوز النظر في المعاش ، والخوض في المباح.

______________________________________________________

بل في استحبابه

قال في المنتهى : يستحب له ـ درس العلم والمناظرة فيه وتعليمه وتعلّمه ـ في الاعتكاف (١) ، بل هو أفضل من الصلاة المندوبة (انتهى) ، ولكن خلوّه عن المفاسد المهلكة نادر جدا فيمكن الاحتياط في تركه ، والاشتغال بغيره من العبادات خصوصا بالنسبة الى بعض المعلمين والمتعلمين.

قال في شرح الشرائع : (٢) ولو كان الغرض من الجدال في المسألة العلميّة مجرد إظهار الحق ورد الخصم عن الخطأ كان من أفضل الطاعات ، فالمائز بين ما يحرم منه وما يجب أو يستحب النيّة فليتحرّز المكلّف من تحويل الشي‌ء من كونه واجبا الى جعله من كبار القبائح (انتهى)

ثمّ إنّ الظاهر عدم تحريم شي‌ء من المباحات ، مثل الحديث والكلام بالمباح بل قال في المنتهى (ص ٦٣٩) : الصمت (٣) حرام ، وقد تقدم ، ولا نعلم مخالفا في أنه ليس في شرع الإسلام ، الصمت عن الكلام (انتهى)

ولهذا قال المصنف هنا وغيره (ص ٦٣٩) : يجوز له النظر في أمر معيشته وضيعته ، ويتحدث بما شاء من الحديث المباح وأكل الطيبات (انتهى).

اى يدبّر أمور معاشه من الزراعات والتجارات والنظر في إصلاح القرى والبساتين وكثرة الاشتغال ، بل لا يضرّه لو اشتغل دائما بالمباحات سوى الواجبات

ولكن ينبغي صرف الأوقات في العبادات دائما خصوصا في الاعتكاف

قال المصنف (ص ٦٣٩) : كلّما يقتضي الاشتغال بالأمور الدنيويّة من

__________________

(١) قوله قده : في الاعتكاف متعلّق بقوله : يستحبّ

(٢) يعنى عقيب عبارته المتقدمة في بيان حدّ المراء

(٣) الصمت (بالفتح) والصموت (والصمات) بالضم السكوت (القاموس)

٤٠٠